المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413331
يتصفح الموقع حاليا : 219

البحث

البحث

عرض المادة

حقيقة الإيمان عند الخوارج

 

في بيان حقيقة الإيمان عند الخوارج نجد أن لهم في ذلك اتجاهين
أما الاتجاه الأول:
فهو ما يراه أبو بيهس زعيم فرقة البيهسية ووافقته عليه فرقة الشبيبية إحدى فروع البيهسية وهو أن الإيمان عبارة عن المعرفة والإقرار، المعرفة بالله ورسله وما جاء به محمد جملة، والولاية لأولياء الله سبحانه والبراءة من أعداء الله والإقرار بكل ذلك.
يقول الأشعري في تقريره لرأي أبو بيهس هذا: "وزعم أبو بيهس أنه لا يسلم أحد حتى يقر بمعرفة الله، معرفة رسوله ومعرفة ما جاء به محمد، والولاية لأولياء الله سبحانه والبراءة من أعداء الله" (2).
ويقول الشهرستاني في بيانه لآراء بيهس: "والإيمان هو أن يعلم كل حق وباطل، وأن الإيمان هو العلم بالقلب دون القول والعمل، ويحكى عنه أنه قال: الإيمان هو الإقرار والعمل وليس هو أحد الأمرين دون الآخر. وعامة البيهسية على أن العلم والإقرار والعمل كله إيمان" (3). أي أنهم يخالفون أبا بيهس في حقيقة الإيمان.
ومما يجدر ذكره أن أبا بيهس انفرد عن أكثر الخوارج بهذا الرأي، وهو إخراج العمل من الإيمان، بينما أن دخول العمل في حقيقة الإيمان هو ما يقول به عامة الخوارج كما سنرى فيما بعد.
وهكذا عند الشبيبية حيث "زعموا أن الرجل يكون مسلما إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وتولى أولياء الله وتبرأ من أعدائه، وأخد بما جاء من عند الله جملة وإن لم يعلم سائر ما افترض الله سبحانه عليه مما سوى ذلك أفرض هو أو لا، فهو مسلم حتى يبتلى بالعمل به فيسأل" (4).
ونحو هذا عند الشهرستاني إلا أنه قال في تمام النص أنهم يقولون: "ولا يضره أن لا يعلم حتى يبتلى به فيسأل" (5). وتعبير الشبيبية هنا بالإسلام لا يختلف عن تعبير سابقيهم بالإيمان فهما عند الخوارج بمعنى واحد كما سنرى فيما بعد، وإذا كانوا قد أضافوا الشهادتين كجزء منه ولا يكون ذلك إلا نطقا باللسان إلا أنهم كما رأينا لا يذكرون العمل بأنه جزء من الإسلام، بل يكون الشخص مسلما حتى يبتلى بالعمل فيسأل كما يقول الأشعري والشهرستاني. وفي هذا تظهر موافقتهم لأبي بيهس.
أما الاتجاه الثاني:
فهو اتجاه عامة الخوارج وهو أن حقيقة الإيمان هو المعرفة بالقلب والإقرار باللسان والعمل بكل ما جاء به الشرع، فلا إيمان لأحد عندهم لا يتحقق فيه القول والعمل بأوامر الشرع ونواهيه، وهو مالا طريق لنا سواه للاستدلال على ما في قرارة نفسه من تصديق.
يقول ابن حزم: "وذهب سائر الفقهاء وأصحاب الحديث والمعتزلة والشيعة وجميع الخوارج إلى أن الإيمان هو المعرفة بالقلب وبالدين والإقرار به باللسان والعمل بالجوارح".
ويثبت ابن حزم أيضا أن الخوارج "يقولون بذهاب الإيمان جملة بإضاعة الأعمال" (6). أي أن الإيمان لا يتجزأ فإما أن يأتي به الشخص كاملا، وحينئذ يسمى مؤمنا أو ينقص منه بعض الأعمال فيخرج عن الإيمان.
ويثبت ابن تيمية أن الخوارج ترى أن "الإيمان المطلق يتناول جميع ما أمر الله به ورسوله، وأنه لا يتبعض". فمتى ذهب بعض ذلك فيلزم تكفير أهل الذنوب (1) كما قال.
ويقول أحمد أمين: "وأهم ما قرره الخوارج في ذلك أن العمل بأوامر الدين من صلاة وصيام وصدق وعدل جزء من الإيمان وليس الإيمان الاعتقاد وحده، فمن اعتقد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ثم لم يعمل بفروض الدين وارتكب الكبائر – فهو كافر" (2).
ويقول الشيخ عبدالعزيز المحمد السلمان: "وعند الخوارج والمعتزلة أنه لا يسمى مؤمنا إلا من أدى الواجبات واجتنب الكبائر، ويقولون: إن الدين والإيمان قول وعمل واعتقاد، ولكن لا يزيد ولا ينقص. فمن أتى كبيرة كالقتل واللواط وقذف المحصنات ونحوها كفر عند الحرورية واستحلوا منه ما يستحلون من الكفار" (3) ؛ لأنه في نظرهم قد خرج عن الإيمان بفعل هذه المعاصي التي عملها والتي أيضاً تحل منه ما يحل من الكفار.
ويقول صاحب كتاب (الأديان) مثبتا لحقيقة الأعمال في الإيمان: "ولا ينفع إيمانا إلا بالعمل كما قال المسلمون: الإيمان تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان" (4).
والخوارج يتفقون في الرأي مع مذهب السلف في حقيقة الإيمان من أنه تصديق وقول وعمل. وقد أشار القاسم بن سلام إلى عدم انفراد الخوارج في قولهم بدخول الأقوال والأعمال في حقيقة الإيمان وإلى مشابهتهم للسلف في ذلك وإن اختلفوا عنهم في ما رتبوه على ذلك من نتائج، يقول في كتابه (الإيمان): "ولم ينفرد الخوارج بالقول بأن الإيمان قول وعمل، وإنما هو قول أهل السنة، وكل ما انفرد به الخوارج أنهم كفروا من لم يعمل وأقر باللسان"(5).
واعتبار العمل جزءاً من الإيمان هو ما أطبق عليه السلف جميعاً. يقول الإمام أبو الحسن علي بن خلف بن بطال المالكي المغربي في شرح صحيح البخاري عن دخول الأقوال والأعمال في حقيقة الإيمان: "مذهب جماعة أهل السنة من سلف الأمة وخلفها أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص... فإيمان من لم تحصل له الزيادة ناقص" (6).
ويقرر شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا إيمان بلا عمل فيقول: "ففي القرآن والسنة من نفي الإيمان لم يأت بالعمل مواضع كثيرة، ودلالة الشرع على أن الأعمال الواجبة من تمام الإيمان لا تحصى كثرة" (7).
ثم ذكر تعاريف السلف للإيمان وأنهم يعرفونه بعبارات مختلفة وكلها صحيح ومؤداها واحد، فهم "تارة يقولون: هو قول وعمل، وتارة يقولون: هو قول وعمل ونية، وتارة يقولون: قول وعمل ونية واتباع السنة، وتارة يقولون: قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح. وكل هذا صحيح" (8).
وقد عرفه الشيخ بدر الدين الحنبلي في مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية بقوله: "وهو قول وعمل يزيد وينقص، يزيد بالطاعة والحسنات، وينقص بالفسوق والعصيان" (9).
وقال البخاري: "وهو قول وفعل" (10).
وقال علي بن علي الحنفي: "ولا خلاف بين أهل السنة أن الله تعالى أراد من العباد القول والعمل، وأعني بالقول التصديق بالقلب والإقرار باللسان" (11).
ويروي ابن حجر عن أبي القاسم اللالكائي قوله: "وروى بسنده الصحيح عن البخاري قال: لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحداً منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص"(12).
ونحو هذا عند الشافعي فقد"قال الحاكم في مناقب الشافعي: حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع قال: سمعت الشافعي يقول: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص" (13). ثم قال: "وقد استدل الشافعي وأحمد وغيرهما على أن الأعمال تدخل في الإيمان بهذه الآية:  وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ – إلى قوله- دِينُ الْقَيِّمَةِ  [البينة: 1: 5]. قال الشافعي: ليس عليهم أحج من هذه الآية" (14). 
وقد اورد البخاري في صحيحه عدة تراجم كلها تشير إلى أن الأعمال من الإيمان، كقوله: "باب قيام ليلة القدر من الإيمان، باب الجهاد من الإيمان، باب تطوع قيام رمضان من الإيمان، باب صوم رمضان احتساباً من الإيمان، باب الصلاة من الإيمان" (1). إلى آخر ما ذكره من أمثال هذه التراجم.
ويقول النووي عن دخول الأعمال في الإيمان عند السلف: "وأما إطلاق اسم الإيمان على الأعمال فمتفق عليه عند أهل الحق، ودلائله في الكتاب والسنة أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تشهر، قال تعالى: وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة: 143]، وأجمعوا على أن المراد صلاتكم" (2).
وإذا كانت الأعمال داخلة في حقيقة الإيمان عند السلف – كما رأينا – فإن ذلك باعتبارها شرط كمال فيه، قال ابن حجر بعد أن عرف الإيمان عند السلف بأنه "هو اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالأركان"، قال: "وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله، ومن هنا نشأ لهم القول بالزيادة والنقص"(3).
بينما هي عند الخوارج جزء من حقيقة الإيمان، ولهذا رتبوا عليها كفر مرتكبي الذنوب، وبناءً على اعتبار العمل شرطاً في كمال وجود الإيمان، فإن السلف لا يطلقون اسم الإيمان الكامل على أحد إلا إذا كان غير مرتكب لكبيرة، ولا يطلقون على من أخل بفريضة من فرائض الإسلام الإيمان إلا مقيداً بمعصية، فيقال: مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته.
قال النووي: "ولهذا لا يقع اسم المؤمن المطلق على من ارتكب كبيرة، أو بدل فريضة؛ لأن اسم الشيء مطلقاً يقع على الكامل منه، ولا يستعمل في الناقص ظاهراً إلا بقيد، ولذلك جاز إطلاق نفيه عنه في قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن))(4)(4) أي كامل الإيمان.
ويذكر ابن تيمية في حق من لم يستكمل الإيمان أن التحقيق عنده فيه "أن يقال: إنه مؤمن ناقص الإيمان، مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته، ولا يعطى الاسم المطلق، فإن الكتاب والسنة نفيا عنه الاسم المطلق، واسم الإيمان يتناوله فيما أمر الله به ورسوله؛ لأن ذلك إيجاب عليه وتحريم عليه، وهو لازم له كما يلزمه غيره، وإنما الكلام في اسم المدح المطلق" (5).
ويقول السلمان في هذا الحكم: "وأما أهل السنة فقالوا: الإيمان قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية"، وإن "من أتى كبيرة فهو عندهم مؤمن ناقص الإيمان، وبعبارة أخرى مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته، وفي الآخرة تحت مشيئة الله"(6).
وهكذا يتضح لنا مذهب الخوارج بصفة عامة في حقيقة الإيمان، ومشابهتهم للسلف في قولهم بدخول الأقوال والأعمال في تلك الحقيقة، وإن اختلفوا عنهم في جعل الأعمال جزءا حقيقياً من الإيمان يضيع الإيمان، بضياعه، وفيما رتبوه على ذلك من أحكام تتصل بمرتكب الكبيرة كما سنرى فيما بعد، بينما جعله السلف جزءاً مكملاً يتوقف عليه كمال الإيمان.
وإن كان لنا ملاحظة على تعبير ابن حجر، فهو اعتباره شرطا للكمال جزءاً من الحقيقة. وليس الأمر كذلك، وإلا للزمه ما رتبه الخوارج من ضياع الحقيقة بضياع جزئها، ثم إن شرط الشيء غير جزئه، لأن الشرط خارج عن الحقيقة، والجزء داخل فيها.
وإذا كنا قد ذكرنا فيما سبق إجماع كتاب المقالات على أن الخوارج يعتبرون العمل جزءاً أساسياً من الإيمان، بل لا يكون الإيمان إلا بالعمل عندهم، فإننا نجد أن الدكتور عبدالحليم محمود رحمه الله، في كتابه (التفكير الفلسفي في الإسلام) يخرج عن هذا الإجماع ويقرر بأن الخوارج لم يبحثوا مسألة الإيمان مسألة الإيمان والعمل، وذلك في قوله: "إن الخوارج باعتبارهم خوارج لا رأي لهم خاصاً بهم في مسألة الدين الأساسية من إيمان بالله، ومن بحث في صفاته، ومن دراسة في البعث" (7).
والواقع أن الخوارج باعتبارهم خوارج كان لهم رأيهم الخاص في الإيمان وعلاقة العمل به، وهو الذي بنوا عليه موقفهم من الخلفاء خاصة والمسلمين عامة، الذين خرجوا عليهم، حيث كفرهم الخوارج واستحلوا منهم ما يستحلون من الكفار، على أساس رأيهم في دخول العمل في حقيقة الإيمان كما ذكرنا، فهو مبحث متصل بقضية الخروج نفسها، إلى جانب مبحث الإمامة العظمى، وغيرها مما يتصل بخروجهم، أو يكون من مباحث الدين، وإن لم يكن له علاقة بذلك الخروج.

 

  • الخميس PM 04:40
    2015-07-16
  • 3007
Powered by: GateGold