المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409001
يتصفح الموقع حاليا : 262

البحث

البحث

عرض المادة

الأسس التي قامت عليها النظرية الشيوعية

 

قامت الشيوعية الماركسية من أول أمرها لمناهضة الأديان والأخلاق والثقافات والمعاملات وسائر ما يتصل بالجوييم وإقامة دولة شيوعية عالمية تحت زعامة أقطاب الشيوعية ومن ورائهم الأطماع اليهودية في إقامة الدولة اليهودية الكبرى التي يرتقبها اليهود بفارغ الصبر ممثلة في إعادة بناء هيكل سليمان وتتويج ملكهم الذي يحلمون بأنه سيحكم جميع البشر من اليهود ومن سائر الجوييم. 

وما الشيوعية إلا حلقة من جملة الحلقات التي يحيكها اليهود للوصول إلى ما خططه حكماؤهم من تدمير العالم دينيا وثقافيا واقتصاديا.. الخ، ولقد أسهمت الشيوعية في كل تلك المؤامرات وكان لها حظ الأسد في تحطيم الجوييم في تصفيات جسدية لم يشهد لها التاريخ مثيلا وفي إشاعة الفواحش وسائر المفاسد والشرور حيث فاقوا فيها الشيطان وأراحوه مهمة تحقيق كل تلك الرزايا التي حلت بسائر الأمم في دينهم و في دنياهم على أيدي الملاحدة ومظاهر الشيوعية الماركسية كثيرة من أبرزها:
 
أولا: المادية 
المادية نسبة إلى المادة، قيل في تعريفها أنها هي الموجود الذي يدرك بإحدى الحواس مما يخضع لتجربة الإنسان وملاحظاته، وقد ادعت المادية أنها صنو الواقعية نسبة إلى الواقع الذي لا ينكر ولا يكذب  (1) .
لقد أصبحت عبادة المادة هي الأساس المشترك لجميع الملاحدة على اختلاف مذاهبهم ابتداء من القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين إبان قيام التيارات الفكرية الجامحة في أوربا ضد الكنيسة وضد القائمين عليها واستبدالها بالمادة المهيمنة على كل شيء إذ يزعمون أن الكون وما فيه إنما وجد من أصل المادة وبنوا عليها إلحادهم في إنكار وجود الله تعالى فخرجوا بذلك عن مفهوم هذا التعريف للمادة وتجاوزوه فإن الأمور الغيبية وأمور الدين لا تخضع لتجربة الإنسان ولا تدركها حواسه كما بنوا عليها تفسيرهم التاريخي لحياة الإنسان وتطوراته. 
وكان الماديون الشيوعيون قد أقاموا هذه الفكرة في مضادة أي شيء يتعلق بعالم الروح والغيب حيث لا يؤمنون بوجود الروح لأنها تباين المادة التي إذا وجدت في شيء أعطته الحياة ضرورة فالمادة هي كل شيء وجعلوها البديل عن الله عز وجل بزعم أن معاملهم أعطتهم الدليل المادي على ذلك ولقد كذبوا وتناقضوا وظهر جهلهم وتخبطهم في نظرياتهم المتضاربة المتناقضة، فالطبيعة عندهم هي قبل كل شيء ولا نهاية لها ومنها انبثق كل مخلوق على وجه الأرض وأنها موجودة بذاتها قبل كل ذات وهي الخالق لكل شيء بقوانينها " وأن العالم في حركة تغير مستمر، وأن هذا التغير يأتي عن طريق تناقض الأضداد وكل فكرة تؤدي إلى نقيضها والفكرة ونقيضها تؤديان إلى نتيجة جديدة  (2) " كلها ناتجة عن ترابط الأشياء بعضها ببعض ولا يمكن أن يكون أي حادث منفصلا بنفسه عن البيئة المحيطة به في حركة دائبة يسمونها " الحركة في الطبيعة " أي أن كل موجود إنما هو نتيجة لحركة المادة وتطورها بدءا وانتهاءً تنشأ ثم تضمحل أبد الدهر في تطوير يسمونه أيضا " التطور في الطبيعة " ويتم هذا في حركات سريعة ضرورية وأحيانا تحصل فجأة تنتقل معها الأشياء من البسيط إلى المركب ومن الأدنى إلى الأعلى في تطور متلاحق طول الوقت مما ينتج عنه ما يسمونه " التناقض في الطبيعة " وهذا التناقض هو الذي ينتج عن تطور الحوادث وتفاعلها فيما بينها لينتج من التناقض بين القديم والجديد وبين ما يموت وما يولد وبين ما يفنى وما يتطور مصادر تطورية جديدة مختلفة بمعنى أنه يحدث الشيء حتما ثم يحدث ما يضاده لتأتي النتيجة الحتمية الصحيحة ومن هنا تؤيد الشيوعية التصادم والتضاد بين الأمور لتصل إلى النتيجة من وراء كل تضارب وتصادم  (3) .
وكل ذلك إنما هوس فكري وتخبط مقيت وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [النــور:39]، وكلها افتراضات يريدون من وراءها أن تحل المادة محل الإله سبحانه وتصريفه الأمور حسب مشيئته وقدرته وتلك التعليلات العقيمة لوجود الأمور بعد أن لم تكن إنما هو لصرف الذهن عن قدرة الخالق على الإنشاء والإيجاد وإلا فأي منطق يقتنع بأن الأمور تتطور لمصلحة الإنسان أو لمضرته من تلقاء نفسها لتنتج أمورا لابد منها بزعمهم لتستقيم الحياة ويبقى الكون. 
لقد حاول الماديون وهم ينكرون موجد هذا الكون أن يلفقوا شبهات كثيرة ليدللوا بها على إلحادهم ولكن ما من شبهة من شبههم إلا وهي تصفع وجوههم وتكسر قلوبهم وتقول لهم معاذ الله أن أكون دليلا على عدم وجود الذي أوجدني فما إن يجدوا أدنى شبهة يكتشفونها إلا وطاروا فرحا وزعموا أن كل ما اكتشفوه يدل على عدم وجود موجد حقيقي غير المادة وطبيعة المادة الحتمية بزعمهم. 
وكم حملوا هذه المادة التي تعادل في تصرفاتها عند الملاحدة تصرفات خالق الكون عند المؤمنين وكم ظهرت لهم من حقائق حيرتهم في دقة موجدها ولكن قلوبهم التي أشربت حب الكفر والتمرد على طريقة أستاذهم إبليس أبت أن ترجع إلى الحق فمثلا قانون الجاذبية الذي أوجده الله وثبت به هذا الكون العلوي والسفلي هو أكبر من السماء وما فيها من مختلف الأجرام وهو أكبر من الأرض وما عليها حين اكتشفوه قالوا عرفنا الآن أنه لا خالق ولا ممسك لهذا الكون إلا الجاذبية وحين فاجئهم المؤمنون بالله بهذا السؤال ومن خلق هذه الجاذبية؟ هل خلقتها السماء لحاجتها إليها لتمسك بأجرامها أن تقع على الأرض ؟ أم أن الأرض خلقتها لحاجتها إليها ليستقر عليها من فوقها؟ أم أنها هي بنفسها أدركت حاجة السماء والأرض إليها فأوجدت نفسها؟ سبحان الله عما يفترون. 
وحينما أنكروا وجود الله تعالى قيل لهم هذا الكون العجيب المتناسق المحكم الذي لا يطغى بعضه على بعض لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [ يــس: 40] من هو هذا القوي القهار الذي جعله بهذه الصفة قالوا المادة وكأنهم هربوا من ذكر اسم الله تعالى إلى اسم يوافق هواهم فإذا كانت هذه المادة هي التي أحكمت هذا الكون فهي الإله الحق فلا يبقى أمامهم إلا النطق باسم الله الكريم ويتركوا روغان الثعالب والتكلفات الباهتة. 
فكل ما قالوه من شبهات تافهة مهما اختلفت أسماؤها فإنما تدل على انقطاعهم وأنهم مثل الغريق الذي يمسك بكل شيء يقع في يده لينجو من الغرق. 
وكم خسارة الملاحدة الشيوعيون حينما أنكروا خالق هذا الكون في مقابل التعصب لآراء ذلك اليهودي "ماركس" الثائر النفس الحاد المزاج المتعصب لقومه اليهود والذي سعى إلى الانتقام من العالم كله بسبب مواقفهم من اليهود الحاقدين على الله تعالى وعلى كل البشر لأنهم لم يجعلوهم سادة العالم وحكامه كما وعدهم الله بذلك حسب افتراءات واضعي التوراة فآلوا على أنفسهم أن يقفوا جنبا إلى جنب مع الشيطان لإغواء البشر وتحطيم دياناتهم وإفساد أخلاقهم ليتمكنوا من استحمارهم جميعا في النهاية ولن يتم الله بحوله وقوته لهم ذلك والله تعالى غيور على دينه فليموتوا بغيظهم وحقدهم وسيزيلهم الله هم والمادة التي عبدوها من دونه عز وجل. 

 

ثانيا: الجدلية " الديالكيتك " 
لقد أصبحت المادة عند الشيوعيين هي كل شيء وليس وراءها شيء وأنها تتطور صعودا وفق قانون " الجدلية الديالكيتك " والتاريخ نفسه يسير حسب هذا القانون حتما بزعمهم. 
وتكون هذه المادة وفق ما تقترن به فتسمى المادية الجدلية في الكون إذا كانت تتعلق بتغيرات الكون وأحداثه وإذا كانت تتعلق بسلوك الناس سموها المادية الجدلية في التاريخ. 
فالجدلية: في المذهب الماركسي تعتبر بمثابة ركن من أركانه وأنها هي قانون حركة الوجود كله، ويعود أساس فكرة الجدلية عند "ماركس" إلى تأثره بالفيلسوف " هيجل "، واسمه جورج ولهلم فريدريك هيجل "، وهو ألماني كان يؤمن بوجود إله يصفه بأنه غير متناه أو هو الوجود المطلق أو العقل المطلق ومنه ظهرت الطبيعة، وقد خالفه " ماركس " في مفهوم هذه الجدلية فعكس الأمر تماما حتى تبجح "ماركس" بأنه قد أوقف آراء " هيجل " على قدميها بعد أن كانت واقفة على رأسها بزعمه بسبب أن " هيجل " كان يرى في جدليته أنها منطلقة من الله إلى كل الأكوان وأن الفكرة هي الأصل والمادة ناتجة عنها بخلاف جدلية " ماركس " التي تقول أن الله تعالى هو من اختراع الفكر الإنساني وخيالاته وليس عن حقيقة. وأن الأساس هي المادة والفكر ناتج عنها  (4) .
وهذه الجدلية تلاحظ دائما أن هذا الكون دائم التغير والتطور في فعل ورد فعل أشبه ما يكون بحركة المتجادلين وقد أرجع "ماركس" هذا التجادل إلى المادة وتأثيراتها بينما كان "هيجل" يرى أن تلك التغيرات هي للقوة الغيبية المؤثر الحقيقي فيها كما عرفت مما تقدم. 

 

جدلية هيجل: 
وقد تصور هيجل – حسب خياله – أن تلك الحركة في التغيير والتطور في الكون تسير وفق دورات لولبية صاعدة دائما وكل دورة قسمها إلى ثلاث مراحل هي: 
- المرحلة الأولى: سماها الطريحة أو أطروحة أو الدعوة – أي الأمر. 
- المرحلة الثانية: سماها الجمعية أو نفي النفي أو جامع الدعوى – أي النتيجة. 
فمثلا: البرعم يسميه الطريحة ونقيضه الزهرة ثم تأتي الجمعية التي هي الثمرة وهي أرقى من البرعم والزهرة في تطور متصاعد دائما وبعضهم يسمي هذه المراحل "الوضع ونقيضه" ومؤتلف الوضع ونفيه وكلها افتراضات خيالية تصورها "هيجل" في تضاد دائم بين الشيء ونقيضه والنتيجة النهائية لهذا النقيض الذي يمشي صاعدا في تطور هو نهاية كل نقيضين. وغاب عنه أنه لا يمكن اجتماع النقيضين في وقت واحد و على شيء واحد لأنه مستحيل إلا في خيال الفلاسفة الفارغين. 
وما زعمه "هيجل" من أن الأشياء كلها في تطور متصاعد فكر غير صحيح في كل الأمور فإذا صح في بعض الحالات فإنه غير صحيح في كلها. 
فمثلا الإنسان وهو حي يسمى حسب نظريته طريحة ثم يأتيه الموت فيسمى نقيضة ثم يتحول إلى تراب فيمسى جميعة فأين التطور التصاعدي في هذا حسب نظرية "هيجل" ؟ 
أو مثل الغريزة الجنسية هي الطريحة والكبت هو النقيضة والتسامي هو الجميعة أي المحصلة النهائية الحتمية الوقوع لكل من الطريحة والنقيضة ولكن لنفرض أن الأمور لم تسر إلى نهايتها وهي الجميعة بأن حصل معوق للشخص بعد ظهور النقيضة بأن مات أو جن أو حصل له أي أمر خطير وانتهى فأين التصاعد في هذا وغيره من الأمثلة التي تكذب حتمية التطور التصاعدي في كل شيء  (5) .
وهذه الجدلية عند " ماركس " أو ما يظهر منها عدم إيمانه بالله تعالى وإيمانه بدلا عنه بالمادية الجدلية وتطورها وأنها هي التي أنشأت الدين والسياسة والقانون والأخلاق، بل والإنسان نفسه إنما هو من نتاج تلك المادة وفكره أيضا كذلك بل وجود الله تعالى إنما هو من صنع الإنسان المادي وفكره في عقيدة " ماركس " وهو بهذا قد قلب جدلية " هيجل " التي قامت على الإيمان بالغيب الإلهي إلى المادة وحدها عند " ماركس " ويصح أن نقول أن " ماركس " قد قلب نظرية " هيجل " على رأسها بعد أن كانت على رجليها المعوجتين هي الأخرى. 
فحينما تسأل ماركسيا عن سر وجود هذا الكون تجده يجيبك بجواب سخيف تافه فيقول أن الكون قد تطور بنفسه إلى أن أصبح على ما هو عليه اليوم في هذا التناسق البديع. ويجيب عن سريان الحياة في الكون بأنه بعد أن اكتمل وجود الكون تطور تلقائيا إلى أن وجدت الحياة على ظهر الأرض ومن ضمنها حياة الإنسان الذي وجد ضمن حركة التطور الديالكتيكي دون أن يكون لها أي مؤثر خارج عن نطاقها غير التناقضات والتضاد الكامن في المادة، كما أنه قد احتدم الخلاف جدا بينهم في قضية العقل والفكر والمادة أيهما السابق والمؤثر في الآخر فالمثاليين منهم – أي المؤمنون بالإله الغيبي – ومنهم "هيجل" يرون أن العقل هو الأساس والمتقدم على المادة وما ينتج عنها بينما الماديون – منكروا الخالق – "ماركس" وأتباعه يرون أن لا شيء في الإيجاد سوى المادة وهي المتقدمة والمنشئة حتى للإنسان وأفكاره. 

 

- ويتلخص الجدل الماركسي في ثلاثة قوانين: 
1- قانون التغيير من الكم إلى الكيف وهو ما يحدث بطريق المفاجأة كتحول الماء الساخن إلى بخار بزيادة النار عليه. 
قانون صراع الأضداد الذي يأتي من داخل الأشياء من بذرة النقيض التي توجد في داخل كل شيء وليس من الخارج. 
قانون نفي النفي أي كل مرحلة تحدث تنفي سابقتها ثم تنفيها مرحلة تالية وهكذا  (6) ، وهما المراحل المشار إليها سابقا.

 

تعقيب: 
لقد جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا، لقد انجلت الغمة عن الناس وظهر الحق لذي عينين فإذا بالماركسية في العراء في أقبح صورة وأتعس حال وإذا بأكاذيبها وخزعبلاتها تداس بالأرجل، لقد راهن الملاحدة أن نظريتهم الإلحادية ستعم الأرض كلها وسيصبح البشر كلهم ملاحدة كافرين بالذي خلقهم من تراب ثم من نطفة ثم سواهم أشخاصا في غاية الخصومة لربهم وقاهرهم متنكبين الحق متعالين على الناس محتقرين كل نواميس هذا الكون ومحتقرين كل الشرائع والكتب المنزلة والأنبياء الكرام في جدال بالباطل لا يملكون على كل نظرياتهم أي دليل حقيقي إلا ما زخرفوه من شبهات باطلة ونظريات زائفة لا تثبت أمام الحقائق حتى وإن صوروها على أنها حقائق لا تقبل الجدال وأن كل ما عداها محل شك مستندين إلى ما تم لهم من اكتشافات تجريبية كلها تصرح بعظمة الباري جل وعلا ولكنهم قلبوا الحقائق وجعلوها أدلة على إلحادهم وكل ما هو لله سبحانه وتعالى جعلوه للطبيعة التي عبدوها من دون الله وزعموا أنها تُسيّر الكون في تناسق عجيب محكم وترابط متشابك وكان هذا يكفي دليلا على وجوب الإيمان بوجود خالق مهيمن على كل ذرة في هذا الكون يسيره على نسق واحد دون اختلاف حسب سننه في الكون ولكن الشيطان حال بينهم وبين التفكير الصحيح فقلبوا هذه الحقيقة وزعموا أن هذا التناسق إنما هو من شأن الطبيعة والمادة التي وصفوها بأنها لا بداية لها ولا نهاية لها حتى لكأن الخلاف بينهم وبين المؤمنين بالله تعالى خلافا لفظيا المؤمنون يسمون هذه الطبيعة إلها وهم يسمونها مادية. 
قال تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور:35] وكان يجب أن يسميهم الناس مجانين حينما زعموا أن الكون وجد بدون موجد وحدث بعد أن لم يكن حادثا دون محدث له غير ما توهموه من تجمع ذرات هذا الكون وتطورها إلى أن أحدثت هذا العالم والكون وما فيه من أجرام علوية وسفلية وكلها عن طريق الصدفة والارتقاء ولو قلت لأحدهم: إن عمودا كهربائيا وجد بذاته وأصبح ينير للناس الطريق لضحكوا من قائله ونسبوه إلى الجنون بينما هذه الشمس وهذا القمر وهذه الكواكب وهذه الثمار في الأرض والأنهار والجبال كلها وجدت بدون خالق؟! 
إن الملاحدة يعترفون بعجزهم التام عن معرفة سر وجود الحياة لأي كائن مهما كان صغر حجمه أو كبر وأنهم لا يستطيعون إرجاع الروح لصاحبها إذا بلغت الحلقوم فأين المادة التي يتشدقون بأنها هي الموجدة لهذا الكون ولماذا لا يتوسلون إليها لإرجاع الروح بعد أن يصبح الجسد مادة هامدة؟ 
أما ما يرددونه من أن كل الأشياء تحوي تناقضات داخلية مجتمعة في وحدة يسمونها وحدة الأضداد أو وحدة المتناقضات تتصارع فيما بينها ثم ينتج عن ذلك الصراع تطور في صعود دائم لا ينتهي فهو افتراض سخيف إذ لا يوجد إلا في الذهن والذهن قد يتصور أن المستحيلات ممكنة أحيانا ذلك أن اجتماع النقيضين أمر غير ممكن إلا إذا صدقنا بأن الحرارة والبرودة تجتمع في النار أو الحياة والموت يجتمع في الشخص في وقت واحد وليس من هذا ارتفاع الضدين في وقت واحد فإنه ممكن كقول الناس: هذا لا هو أبيض ولا هو أسود، أي على لون غير هذين اللونين أصفر أو أحمر، أما أن يقال هذا أبيض وأسود أو ساكن ومتحرك في وقت واحد فهو مستحيل. 
لقد غلا الشيوعيون في تقديس المادة وعتوا عتوا كبيرا إلى حد أنه تنطبق عليهم المقالة المشهورة " إذا حدث الشخص بما لا يعقل فصدق فلا عقل له " فأي عقل سليم وأي فطرة سليمة تصدق أن المادة الصماء هي الخالقة وهي الرازقة وهي المدبرة لجميع أمور هذا الكون علوية وسفلية، ظاهرة وخفية مع اعترافهم هم أيضا بأن تلك المادة لا حياة لها ولا فكر ولا تدبير في البدايات الأولى لها غير ما تخيلوه أنها بعد ذلك تطورت حتى أوصلت هذا الكون على ما هو عليه الآن ثم يقولون هي أزلية لا بداية لها ولكنهم يتوقفون حينما يقال لهم أنها حادثة ولا يستطيعون الجواب لأنهم متناقضون وإذا أفحمهم العقلاء عن سر وجود هذا الكون قالوا بأن الكون وجد من العدم ولا يبالون بسخف واستحالة هذا القول، والقول الآخر بأن المادة هي التي تسير العقل وتوجد الفكر لا أن العقل هو الذي يوجد المادة ويكيفها كما يريد مكابرة منهم وجهلا شنيعا حيث صار المصنوع صانعا على حسب مفهومهم فالطائرة هي التي كونت فكرة الإنسان لصناعتها وما الذي يمنعهم من هذا وقد زعموا أن الحياة كلها ظهرت صدفة دون مدبر عليم نتيجة تفاعلات المادة الناتجة عن حركتها الذاتية المستمرة لا أن هناك ربا خالقا لها وهي مكابرات لعلهم أول من استيقن بطلانها لولا العناد والاستكبار وتنفيذ خطط ماكرة  (7) أملتها الأحقاد اليهودية على مر السنين.
 
ثالثا: التطور
هذه الكلمة تتردد على ألسنة كثير من الناس بعضهم يدرك المدلول والمغزى الأساسي لها وبعضهم يعرفها بصورة مجملة ويرددها على هذا المفهوم، وهي في ظاهرها كلمة جميلة توحي بالتجديد والنشاط والحيوية المطلوبة إلا أنه ينبغي أن ندرك أن كثيرا من أصحاب الأفكار الهدامة قد استغلوها استغلالا فاحشا وبنوا عليها آراءهم التي يهدفون من ورائها إلى تغيير المفاهيم السليمة والمعتقدات المستقيمة والحياة الاقتصادية تغييرا جذريا يتفق مع ما بينوه لقلب الحياة الاجتماعية. وسيتضح ذلك من خلال دراستنا لهذه المادة وحسبنا هنا أن نذكر مفهوم التطور بصورة موجزة وهل التطور الذي يريده الشيوعيون هو تطور حقيق أم خرافات وهمية تخيلوها لتأييد ما يهدفون إليه من الإلحاد؟ والتطور بحد ذاته يراد به كما عرفه بعضهم بقوله هو : " الانتقال من مرحلة إلى مرحلة والتغيير من حال إلى حال"  (8) .
والواقع أنه إما يكون التطور في خلق الإنسان وتركيبه، وإما أن يكون في أصل نشأة الكون وما فيه. 
1- فأما التطور بالمفهوم الأول: فهو حق، وهو ما جاء ذكره في كتاب الله تعالى في بيانه لخلق الإنسان والمراحل التي يمر به في قوله تعالى: وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا [نوح:14]، أي أوجدكم طورا بعد طور وهو ما فسره الله تعالى بقوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ[المؤمنون: 1-16]
هذه هي أهم الأطوار التي يمر بها الإنسان في حياته الجسمية وهي خاصة ببني آدم، أما آدم فإن هذه التطورات لا تشمله، فقد خلقه الله بيده من تراب الأرض ثم نفخ فيه الروح فكان بشرا سويا. 
2- أما التطور بالمفهوم الثاني فإنه ينقسم إلى قسمين: 
قسم نشأة هذا الكون والمراحل التي مر بها في تطوره إلى أن وصل إلى ما هو عليه. 
والقسم الثاني يتعلق بمعرفة أصل نشأة الكائنات الحية والمراحل التي مرت بها في تطورها، و في أولها الإنسان وكيف نشأ وكيف تطور في وجوده وفي تفكيره و في معيشته و في عبادته حسب تفكير أصحاب نظرية التطور و في أولهم "أراسموس دارون"، وحفيده "جارلس روبرت دارون"، ومن جاء بعدهما على هذه الفكرة الباطلة الخرافية التي أصبح دعوى التطور فيها من أهم خصائص المذهب الشيوعي حيث يقصدون بالتطور أن كل أمر في هذا الوجود يتطور ويتقدم إلى الأمام في خطوات متتابعة إلى ما لا نهاية بزعمهم ويستدلون على ذلك بما قرره من أن الإنسان كان مائيا ثم برمائيا ثم بريا ثم عرف الرق ثم الإقطاع ثم الرأسمالية إلى أن عرف الشيوعية الماركسية وسيتطور فيما بعد – ولا يغيب عن القارئ - وضع الشيوعية اليوم حيث أقر الله عيون أهل الإيمان بموتها في عقر دارها وهذا من الأدلة الدالة على كذب أحلام الملاحدة فيما تصوروه عن التطور المزعوم وأبديته وانتشار المذهب الشيوعي تلقائيا، كما أن هذا المفهوم الذي قرره الملاحدة لتطور الأشياء لم يكن صحيحا فإن تطور الإنسان لم يقم على المادة – كما يريده الملاحدة – بل قام الإنسان نفسه و على حسب ما تمليه عليه حاجته إلى الأمور أما المادة الصماء فإنها عاجزة عن تطور نفسها فكيف تعمل لتطوير غيرها. 
فوجود المادة لا يطور أحدا وليس وجودها كافيا لتطور الإنسان ومعلوم أن الماديين – وهم جاهدون وجادون - في محو كل القيم الإنسانية أو أي شيء يؤدي إلى احترام إنسانية الإنسان، معلوم أنهم يعرفون تلك الحقيقة ولكنهم يتحاشون البوح بها لئلا يؤدي ذلك إلى احترام القيم والمثل والتهذيب الديني للإنسان يجعل كل الفضائل للمادة خير من جعلها للإنسان في ميزان الملاحدة إذ المادة لا خطر من ورائها ولا يؤدي احترامها إلى فرض القيم الدينية التي يخافونها والتي تذكرهم استبداد الدين النصراني المحرف. 
إن تطور الإنسان في حياته المادية في معيشته و في طريقة سكنه وملبسه ومركبه أمر واقع فقد كان الناس يركبون الحمير والجمال والبغال والخيل واليوم أصبحوا يركبون السيارات والطائرات والسفن وغير ذلك من الوسائل التي تطور فيها الناس وهذا التطور بهذا المفهوم أمر حقيقي لا يجهله أحد إلا أنه لم يكن نتيجة لتصادم الحاجات كما أن وجود القيم الإنسانية والأخلاق والدين وسائر الفضائل التي امتاز بها الإنسان عن الحيوانات البهيمية لم تنشأ عن صراع وتناقض ولم يكن فيها الإنسان كالحيوان في المعايير والقيم والسلوك كما قرره الملاحدة حسب ما استخلصوه من نظرية "دارون"، و "فرويد". 

 

التفسير المادي للتاريخ والأطوار المزعومة له والرد عليها
ومثل وجود هذا الكون وما فيه عن طريق تطور المادة في مفاهيم الملاحدة كذلك أوجدت هذه المادة تاريخ الإنسان على طريقة الجدل المادي الديالكتيكي في تاريخ الإنسان على أساس أن قانون المادية الجدلية هي التي تصنع تاريخ الإنسان دون أي تدخل من الإنسان، بل إن حياة أي مجتمع هو ثمرة واقعهم المادي وحياتهم العقلية هي إنعكاس هذا الواقع وليست الحياة الاجتماعية ثمرة أفكار سابقة، بل الحياة الاجتماعية للناس هي التي تحدد إدراكهم فالمادة سابقة للفكر ومسيرة له بزعم الملاحدة وتاريخ الناس كذلك تصنعه المادة المتطورة بغير إرادة جماعية منهم لأن طلب كل فرد تحقيق غايته وما ينشأ أثر ذلك من تباين الإرادات وتأثير تلك الإرادات على العالم الخارجي هو بالضبط ما يشكل التاريخ لكل المجتمعات التي تنشأ وفق أحوالهم المادية والتاريخ ذاته يمر بمراحل هي في مذهب الملاحدة الماركسيين تتمثل فيما يلي: 
المشاعية البدائية. 
الرق. 
الإقطاع. 
الرأسمالية. 
الاشتراكية الممهدة للشيوعية. 
الشيوعية الأخيرة  (9) .
وهي التي تلغي فيها الطبقات كلها كما يدعون وقد ذكر الباحثون أنه من الصعوبة تصور الفضل للمادية الجدلية عن المادية التاريخية ذلك لأنهم أقاموا دراسة تاريخ البشرية على الأسس المادية وقد استقر في مفاهيم الملاحدة كما عرفت أن المادة هي أساس كل المخلوقات والتي منها الإنسان والفكر وأنها هي التي تحكم أيضا حياة البشر الاجتماعية وتكيف حياتهم وسلوكهم وجميع معاملاتهم ومشاعرهم. وهي في تطور دائم وما ينتج عنها من سلوك البشر هو أيضا في تطور دائم تبعا للأصل وهو الوضع الاقتصادي في تطور دون أن يكون للإنسان فيه أي قدرة. 
وحينما ظهر " دارون" بنظريته حول تاريخ الإنسان وأصل نشأته قرر أن تاريخ الإنسان إنما هو امتداد للكائنات الحية السابقة لوجوده وأنه نتيجة عمل الطبيعة الهوجاء التي تعمل ما تعمل عن خبط عشواء لا عن تخطيط ودقة لتلقي بالإنسان بعد ذلك إلى مصيره عن طريق المادة التي تكيف الإنسان وحياته وتطوره وكل ما يتصل بسلوكه وتاريخه فيها. 
والملاحظ أن التفسير المادي للتاريخ لا ينفي القيم والأخلاق التي تصدر عن البشر إلا أنه ينفي أن تكون لتلك القيم أو الأخلاق أو سائر السلوك وجود قبل وجود المادة والأوضاع الاقتصادية أو أن تكون تلك القيم والأخلاق لها ثبات دائم أو أنها من الله تعالى بل إن تطور تاريخ المجتمعات البشرية هو قبل كل شيء مرهون بتطور الإنتاج البشري المادي وتاريخ البشر يرتكز أساسا على المصالح المادية التي تربط الناس بعضهم ببعض لا على أساس ديني أو سياسي أو أخلاقي ثابت إذ القيم كلها في مفهومهم سراب لا قيمة لها والغايات تبرر الوسائل على امتداد تاريخ البشر حسب تفسيرهم. 

 

مدى صحة الأطوار التي تزعمها الشيوعية 
ما زعمه ماركس من أن تاريخ البشر وما يمرون به في حياتهم من أمور مختلفة إنما هو نتيجة لطريقتهم في الإنتاج إن هو إلا كذب محض فإن حياة الناس ومعايشهم والتغييرات التي يمرون بها لا تتوقف فقط على الإنتاج والواقع خير شاهد على أن الذي يغير المجتمعات قد يكون أشياء كثيرة غير وفرة الإنتاج أو قلته، فالفرق المختلفة وأصحاب المذاهب الوضعية واستعمار الناس بعضهم بعضا والحروب التي تشتعل بينهم والغنى والفقر الذي يمرون به وغير ذلك كلها من العوامل التي تحدث التغيير في المجتمعات ولا سبيل إلى إنكار هذا مما يدل على أن قضية الإنتاج إنما هي جزء من الأجزاء الكثيرة التي تحدث التغيير في المجتمعات وليس المال فقط كما قرره الملاحدة وكذلك ما زعمه الماركسيون من أن تاريخ البشر مر بالمراحل السابقة إلى أن وصل إلى الشيوعية هي في الحقيقة كلها مزاعم فارغة كاذبة وقد ظهر كذبها فإن " ماركس " زعم أن العالم الغربي المتطور سيترك الرأسمالية ويتحول حتما إلى الاشتراكية الشيوعية فكان العكس هو الصحيح إذ رفض العالم المتطور فكرة الشيوعية وتقبلتها الدول المتخلفة نسبيا كروسيا والصين وقد بدأت تظهر في تلك البلدان العودة إلى الرأسمالية رويدا رويدا خصوصا بعد أن بدأت الشيوعية تحتضر كما أن ما يتنبؤون به من أحداث ستحصل في المستقبل يدل على تناقضهم لأنهم لا يؤمنون بأي شيء في المستقبل يدل عليه العقل بل يؤمنون بما يدل عليه الواقع المشاهد الذي تفرزه الطبيعة فقط إلى أن ماتت الشيوعية دون أن ينتقل الناس إلى الشيوعية الأخيرة التي زعموا أنها ستقضي على جميع الطبقات فتبين كذب الشيوعية جملة وتفصيلا.
 
1- المشاعية البدائية 
أما بالنسبة للمشاعية البدائية التي زعم الملاحدة أن الإنسان نشأ بدائيا كقطيع من الحيوانات ثم أخذ يتطور إلى أن استطاع إنتاج أدوات العمل في تطوره التدريجي البطيء وأنه اكتمل بفضل التعاون الذي قام بين أفراد البشر وأنهم استطاعوا انتزاع حياتهم من الطبيعة التي كانت تغالبهم ويغالبونها ثم أضافوا إلى هذا الافتراء افتراءا آخر وهو أن ذلك التطور قد اكتمل في الناس من غير إرادتهم ووعيهم وأنهم انتصروا على الطبيعة بفضل تعاونهم المشاعي في الزراعة والصناعة وغيرهما إلا أنه حينما انصرف بعض أفراد البشر إلى الإنتاج الفردي لا المشاعي ظهر التناقض بين الملكية الاجتماعية والطابع الفردي لعملية الإنتاج فاصطدم هذا الوضع وتناقض مع الرغبة في الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ونتج عن ذلك القضاء على النظام البدائي المشاعي كحتمية طبيعية للتطور المستمر في الحياة قاطعة بذلك خطر سيره، ثم نشأ بعد ذلك الصراع الطبقي على المصالح المادية فبدأ من هنا تاريخ الصراع الطبقي في المجتمعات نتيجة للتطورات المتلاحقة وحياة الإنسان فاصطدمت بالنظام الرأسمالي الذي يمثل سيادة أصحاب رؤوس الأموال على الفقراء و على الأفكار عموما. ثم نتج عن ذلك أيضا قيام قضية الرق الآتية. 

 

2- الرق 
زعم الملاحدة أن قضية الرق نشأت إثر صراع طبقي بين المنتصرين في الحرب والمهزومين من جهة، وبين أصحاب الأموال الدائنين وبين الفقراء المدينين من جهة أخرى ولأسباب مادية أيضا انهار أمر الرق تدريجيا لأنه لم يعد تجارة رابحة وأيضا فإن أولئك المنهزمين والفقراء حينما أحسوا في فترة من فترات تاريخهم للرق والعبودية التي يعانونها أرادوا أن يثأروا لأنفسهم كما هو الحال في بقية الحيوانات الأخرى التي شاركتهم في النشأة الأولى وحصل الصراع الطبقي العنيف بين الفقراء المعوزين والأغنياء انتصر فيها الفقراء وجعلوا الأغنياء في النهاية عبيدا ليبدأ الصراع أيضا على أشده كأنهم قطعان الثيران المتصارعين وهنا تدخل الدين ليكون أداة روحية لاستعباد الجماهير وإقامة كل الأشكال الراهنة للوضع الاجتماعي بما يعدهم به أن صبروا على ما هم فيه من البلاء والذل؟ ! 
وازداد النظام الاستعبادي ضراوة وصراعا فنشأ الإقطاع، هكذا تعليلهم لنشأة الرق وظهور التدين ونهاية الرق وهذه كلها كما يلاحظ القارئ اللبيب افتراضات خرقاء وليس لهم أي دليل إلا آراؤهم التي تخيلوها في نشأة الرق والإقطاع وغيرها من التقسيمات التي أحدثوها بأفكارهم الإلحادية، ولأنهم لا يعلمون أن حكمة الله تعالى اقتضت أن لا يكون الأنبياء من أصحاب الثروة أو الجاه فظنوا والظن أكذب الحديث أن الأنبياء إنما أتوا بما أتوا به محافظة منهم على حفظ أموالهم وتجاراتهم وليبقى الكادحون أرقاء لهم دائما إن هم صبروا على ما هم فيه، وأنت تعلم أيها القارئ أن هذه الخدعة لا مكان لها إلا رأس إبليس ومن اتبعه من الملاحدة أصحاب الخيالات السقيمة. 

 

3- الإقطاع 
علل الملاحدة لظهورالإقطاع بأن العالم كانوا على طبقتين هما طبقة كبار الملاك، وطبقة رجال الدين. وبقية الناس مسخرين مستعبدين لهاتين الطبقتين وحينما ظهرت أدوات الإنتاج المتطورة كالمحراث الحديدي وغيره من الأدوات الجديدة ظهر الإقطاع بشكل قوي وصار المستعبدون تحت رحمة الملاك وأصحاب الجاه يعملون لحسابهم ولا ينالون إلا ما تجود به أيدي أولئك الأثرياء في الوقت الذي كان فيه الأثرياء ورجال الدين قد تمالأوا على إبقاء تلك الطبقة الفقيرة في معزل عن التفكير السليم لحالهم ولكن بعد وقت أفاق الفلاحون ورأوا ما حل بهم من الغبن فثاروا ضد تلك الطبقات الثرية والدينية لرفع الظلم الفاحش عنهم ولكن ثورتهم كانت أضعف من إزاحة تلك الطبقات الثرية والدينية لما يأتي: 
أولا: لأنها ثورة غير منظمة. 
وثانيا: لحاجة الفقراء الشديدة. 
وثالثا: للقوة المتينة التي كان يتحصن بها الأثرياء وأصحاب الدين. 
إلا أن تطور الأمور الاقتصادية أخذت تحط من كبرياء أصحاب الثروة من الإقطاعيين لتحل الرأسمالية بدل الإقطاع في حركات تطورية متلاحقة تتمشى مع خيالات واضعي الماركسية، وبغض النظر عن صحة هذا التعليل أو عدم صحته فإن الإسلام يعتبر تلك الأوضاع كلها باطلة وجاهلية بغيضة ما أنزل الله بها من سلطان، على افتراض وجود تلك الأحوال على الصورة التي تخيلها " ماركس " وأتباعه، فلا يجوز رد الحق بالخطأ والتخمين. 
الرأسمالية " البرجوازية " : 
لقد ظهرت الرأسمالية – أو البرجوازية كما يسميها الشيوعيون – لعدة عوامل من أهمها:
 - استحواذهم في الأساس على مصادر المال واستقراره في أيديهم.
- اختراع الآلات الحديثة التي حلت محل الأيدي العاملة من طبقات الإقطاع والرق لعدم إنتاجهم بالكثرة التي تنتجها تلك الآلات فصارت حالة الرق متناقضة مع حالة الإقطاع فألغت بدورها حالة الإقطاع التي كانت قائمة على استعباد الكادحين للعمل للإقطاعيين النبلاء وبحث الجميع عن رأس المال.
- ازدياد حجم التجارة في أوروبا بدلا عن الزراعة.
والملاحظ أن أولئك الذين كانوا يطلبون العمل بأيديهم لم يكن دورهم كافيا لملأ ما تحتاج إليه الحركة الصناعية القوية كما هو الحال بالنسبة للآلات الحديثة، وهذا أحدث بدوره رد فعل لدى العمال لتحطيم الإقطاع المستند إلى الآلات الحديثة بسبب التناقض مع القوى المنتجة النامية من جهة وحاجة العمل من جهة أخرى إلى العمل والكسب وهذا بدوره قد هيأ الجو لتصاعد قوة الرأسمالية التي تسعى دائما لزيادة الإنتاج والمكاسب الوفيرة وما نشأ بين أفرادها من تعاون مثمر في شتى المجالات وقد جعلوا استغلال طبقة من الناس لطبقة أخرى هو أساس الحضارة لكي يحصل التناقض الذي يوصل طبقة إلى الاستعلاء على طبقة أخرى فما من شر لطبقة أخرى إلا وهو خير لطبقة أخرى وهكذا صراع دائم من أجل البقاء، كما أن تجمع الشعوب واتحادها إنما يعود حسب تفسيرهم إلى المصالح الاقتصادية التي قامت عليها الرأسمالية غير أن الرأسمالية أصبحت مناقضة لمصالح طبقة البروليتاريا – أي طبقة العمال – فكان لزاما على هؤلاء العمال أن يصارعوا طبقة الرأسمالية وأن يطيحوا بها بالطرق الثورية وأن يستبدلوها بالنظام الشيوعي الذي يستوعب تلك التناقضات ويصفيها في مجتمع ليس فيه طبقات يستغل بعضهم بعضا، وإنما فيه طبقة واحدة يكون الإنتاج فيها ملكا مشتركا بين الدولة – خدعة شيوعية بارعة – ولكن هذا الصراع لا ينقل الناس مباشرة من الرأسمالية إلى الاشتراكية بل يمر بمراحل تدريجية قبل انتقالهم من الرأسمالية إلى الاشتراكية ثم إلى الشيوعية التي تحقق لهم مبدأ "من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته" والتي تتم بجهود ضخمة من العمل المتواصل لزيادة الإنتاج لتتحقق تلك القاعدة "من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته". 
وهكذا يتضح بجلاء أن التعليلات الشيوعية كلها قائمة على مجرد خيالات وتصورات ليس لها ما يسندها، بل هي ضد العقل والمصالح كلها دينية، ودنيوية، وأن ما تصوروه عن بداية المجتمع المشاعي وظهور الرق والإقطاع والرأسمالية ثم الاشتراكية الممهدة للشيوعية كل هذه الحلقات افتراضات وتخمينا وأول ما يدل على كذبهم فيها أنهم لا يستطيعون أن يحددوا بداية كل مرحلة وظهور التي تليها تحديدا دقيقا مع أنه حتى ولو حددوها لا يقبل منهم لعدم وجود أدلة على ذلك يقبلها العقل. 
وقد سلسلوا تلك الأحداث ليصلوا إلى النتيجة التي يهدفون إليها وهي إظهار الشيوعية بمثابة الثمار الشهية اليانعة التي نضجت بعد الجد والاجتهاد وتطور الأحوال من حال إلى حال ولإظهارها كذلك بمظهر المنقذ لتعاسة الإنسانية على مدى تاريخ الحياة البشرية على وجه الأرض، وكم علت تلك الأصوات، وكم أخذت في طريقها من ضحايا قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة في أيام "جورباتشوف" الذي تولى رئاسة الإتحاد السوفيتي بعد "يوري أندروبوف"، و"بريجنيف" وللباطل صولة ثم يضمحل وقد مزق الله الإتحاد السوفيتي كل ممزق ويتلوه إن شاء الله الرأسمالية الأمريكية وغيرها من مذاهب الكفر والضلال. 
فلا يوجد عند العقلاء أدنى شك في أن تفسير الملاحدة لتاريخ البشر هو ضلالة كبرى من ضلالات الشيوعية وهضم واضح لتاريخ البشرية وطمس للوجه المشرق من تاريخهم في مختلف الأزمنة حينما لا يعترف هذا التفسير بأية قيمة خلقية، أو دينية، أو ثقافية، أو اجتماعية قبل ظهور عبادة المادة الصماء فهو قائم على النظرة الاقتصادية البحتة فلا قيمة لأي شيء إلا من خلال هذه النظرة الضيقة الباطلة التي لا يعرفون سواها. 
إن تاريخ البشر مملوء بالأحداث المختلفة على مر الليالي والأيام بعضها تكون أحداث كبيرة، وبعضها صغيرة، وبعضها يكون للمادة تدخل ما فيه، وبعضها لا تمت إليه المادة بأدنى سبب. ولقد سجل التاريخ أعظم حدث في هذا الوجود في فترة زمنية قصيرة ولا تزال آثارها واضحة قوية وستبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فما هو هذا الحدث؟ إنه الإسلام بتعاليمه السامية ونظمه العادلة، فكيف نشأ وما هي الأسباب التي أدت إلى تغييره للمفاهيم التي قبله رأسا على عقب وأي حالة اقتصادية اقتضت ظهوره على تلك الحال؟
والجواب عند المؤمنين بالله تعالى لا يحتاج إلى إعمال الفكر ولا إلى الاجتهاد فإن الجواب يأتي تلقائيا أن الله هو الذي أنشأه وأظهره في الوقت الذي اقتضته حكمته دون أي صراع مادي، ولهذا فإن التفسير الإسلامي لتاريخ الإنسان ونشأته في هذا الكون من البدهي أن يختلف اختلافا جذريا عن التفسير المادي له عند الملاحدة ذلك أن الإسلام يقرر أن للإنسان مفهومه الخاص به وأنه متميز عن بقية المخلوقات التي تساكنه في هذه الدنيا فهو مفكر وله عقل وتمييز يدبر الأمور ويصرفها وفق مصالحه وإرادته وهو الذي يسير المادة وليس المادة هي التي تسيره وتتصرف فيه – كما في المفهوم الشيوعي – ففي الإسلام ينبع تاريخ الإنسان من حياته وتفكيره وعمله وتوجهاته وما يتلقاه من التعاليم الإلهية على أيدي رسل الله عليهم الصلاة والسلام وليس من المادة. 
يبدأ تاريخ الإنسان في الإسلام من خلق الله له من طين الأرض، ثم نفخ الروح فيه، ثم إهباطه إلى الأرض واستخلافه فيها وقيامه أو عدم قيامه بأوامر الله ونواهيه وسلوكه الخير والشر، وما يسطره الإنسان في صفحات كتابه الذي سيقرؤه يوم القيامة، وما يتبع ذلك من الحساب والثواب والعقاب. ولا شك أن هذه المفاهيم بعيدة كل البعد عن تاريخه المادي في مفهوم الشيوعية التي تهبط بالإنسان إلى الحضيض ولا تعترف له بتلك المنزلة العالية التي يشابه فيها الملائكة في علو روحه إن أطاع الله تعالى واتقاه، هذا الجانب أغفلته الشيوعية ولم تنظر إليه إلا على أنه حيوان بهيمي لا هم له إلا بطنه وفرجه، ولا ذكر لروحه ومزاياه العديدة، وليس فيها أن الله كون الإنسان من جسد وروح وأن كلا منهما يطالب بحقه وغذائه المادي والروحي مطالبة حثيثة، وليس فيها أنه لا يجوز أن يغلب جانب منهما على آخر إلى حد الإهمال كما قررته الشيوعية فهذا التوازن لا يوجد إلا في الإسلام لكي يتم التوازن الحقيقي بينهما، فإن الإسلام لا يقدس الجسد وشهواته الحسية فقط ولا يقدس الروح إلى حد الغلو فيها وإنما الإسلام يوازن بينهما ويجعلهما شريكين متماسكين لا متصارعين كما هو حال الأنظمة الجاهلية المادية. 
ويمكننا القول بأنه إذا كان ظهور الشيوعية كنتيجة مادية قامت بالعنف والجبروت فقد رأينا نهايتها المخزية، بينما الإسلام وقد قام على العقيدة الصحيحة والعدل التام انتصر وتأثر به الناس وأحبوه وأحدث في أنفسهم قوة جبارة كانت كامنة ففجرها الإسلام وأثار الأرض كلها ولم يقم على العنف ولا الصراع المادي والطبقي لاستناده إلى عناية الله تعالى به لأنه حق والحق دائما هو الباقي وأما الزبد فيذهب جفاء، فلو أن الإسلام كان ظهوره بسبب عوامل مادية لانتهى بانتهاء تلك الحال أو لوجب أن تنشأ قوة مثله كلما تكررت تلك الحال التي افترضها الملاحدة لظهور الأنبياء والمرسلين والشرائع التي أتوا بها وهم لا يقولون بذلك ولا يقرونه فظهر تناقضهم واضحا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ [النور:40]

 

التفسير المادي للإنسان
 لقد أفادت النظرية الداروينية الكاذبة أن الإنسان حيوان يعود إلى نسل القردة ثم تطور بفعل المادة إلى أن أصبح إنسانا وجاء الملاحدة فأكملوا خيوط هذه المؤامرة النظرية وزخرفوا فيها القول لإثبات تشويه صورة الإنسان الذي كرمه الله تعالى وجعل فيه النبوة والعقل وشرفه بالتكليف فصوره على أنه حيوان تطور عن جماعة القردة لا فرق بينه وبين بقية المخلوقات ليسهل لليهود في النهاية استحمار البشرية وسوقهم إلى حظيرة اليهود الذين يعتبرون – كل الجوييم – حيوانات خلقت على صور اليهود لتسهيل خدمة أسيادهم اليهود شعب الله المختار بزعمهم. 
ويذكر الباحثون أن دارون وإن كان قد أرجع أصل الإنسان إلى القردة لكنه لم يرجعه إلى المادة الصماء كما قرره الملاحدة من بعده فإن الإنسان عند دارون أرفع رتبة منه من رتبته عند الملاحدة الماركسيين وقد جعل مجال الحديث عن الإنسان وسائر الكائنات الحية هو علم الحياة الذي يختلف اختلافا بينا عن علم المادة. 
ومع هذا الهبوط بالإنسان في نظرية دارون إلا أن الملاحدة لم يكتفوا بذلك بل أضافوا له دفعات إلى الأسفل في الهبوط فاعتبروا فكر الإنسان الذي يميزه عن سائر الحيوانات جعلوه ناتجا عن المادة المحضة لا قيمة له عن الجسم المادي نعم إن الله أوجد الإنسان من مادة هذا الكون ولكن حصل له تشريف عظيم أخرجه تماما عن صفته المادية وهذا التشريف هو نفخ الله فيه الروح فصار عظيما مشرفا بهذا ولم يبق على مادته الترابية هنا يظهر تناقض الملاحدة إذ يزعمون أن الإنسان أفضل المخلوقات بينما يثبتون أنه من المادة فكيف ساغ لهم أن يفاضلوا بين مادة ومادة دون مبرر؟ وكيف ساغ لهم أن يقولوا أن الإنسان سيد هذا الكون ما دام الإنسان مخلوقا منه بفعل المادة لقد تضاربت أفكار الملاحدة دون أي اكتراث منهم بذلك. 
ويظهر أن القصد الأخير لهم هو الدفع بالجوييم إلى القناعة بحقارة أصلهم وبالتالي فلا يحق لأحد منهم أن يفخر بأنه إنسان مكرم بينما اليهود لا يدخلون في تسمية "إنسان" لأن عنصرهم من عنصر الله وأنهم شعبه المختار إلخ أوصاف التلمود لهم ولقد أراد الملاحدة طمس إنسانية الإنسان وإلحاقه بالجمادات أو الحيوانات الدنيا إلا أنهم واجهتهم حقائق تكذبهم علنا وتعلن بوضوح أن الإنسان كائن أسمى مما تصوروه لا فرق بين إنسان وإنسان في المزايا الآتية:
1- الإنسان مفكر بينما لا توجد هذه الصفة في أي مخلوق آخر من الحيوانات. 
2- الإنسان يتكلم ويفصح عما في ضميره بكل فصاحة وهذه الصفة لا توجد إلا في الإنسان. 
3- الإنسان له تقاليد وعادات لا توجد إلا فيه وحده تقاليد وعادات في العشرة و في سائر السلوك في الكرم والشجاعة والإيثار والحزن والفرح وغير ذلك. 
4- الإنسان ينتج بأفعاله مختلف الأشياء فهو يبني ويهدم ويصنع ويحرث ويتفنن في كل أموره حسب تفكيره واختياره. 
5- الإنسان يتطور ويستفيد من أخطائه ومن تجاربه فيحذر الوقوع في نفس الخطأ الذي وقع فيه ويقارن بين الأمور. 
6- الإنسان هو سيد كل الحيوانات التي تعايشه في الأرض وقد استخدمها وانتفع بها بكل مهارة وريضها على فعل كل ما يريده بطريقة توحي بأن الإنسان كائن متميز عجيب فمن الظلم إلحاقه بما تصوره عنه الملاحدة من أنه من فصيلة القردة ثم تطور. 
7- الإنسان له قدرة عجيبة على كبح جماح نفسه وتهذيب طباعه وكبت غرائزه بصورة لا تقبل أي شك في تميزه. 
8- الإنسان له قدرة على التعلم والتعليم والقراءة والكتابة وهي صفات لا توجد في أي مخلوق في الأرض سواء اللهم إلا أن يكون الجن. 
9- الإنسان يستحسن أشياء كثيرة ويستقبح أشياء كثيرة ويسن لنفسه ولغيره قوانين وأنظمة يسير بموجبها وهي صفات خاصة به تدل على سموه وشرفه. 
10- للإنسان خيال واسع وإدراك قوي يخطط للحاضر وللمستقبل وهذا الخيال الخصب لديه ميزة خاصة به يختار أمورا ويترك أخرى وينظم مساراته للمستقبل وفق ما يريده وكأنه على معرفة مسبقة به  (10) .
إن كل هذه الصفات وغيرها مما تحلى به الإنسان لهي صفعة في وجوه الملاحدة الذين سلبوه صفاته التي ميزه الله بها وشرفه بالتكليف والعمل لدنياه ولآخرته وجعله مستخلفا في الأرض لإحيائها فهل يصح أن يقال بعد ذلك أن الإنسان مادة مجردة عن أي اعتبار أو أنه حيوان تطور بفعل مرور الزمن أو غير ذلك من نظرياتهم الفاسدة وأنى لمادة صماء أن تخلق إنسانا تتوفر فيه تلك الصفات العالية والفضائل الرفيعة والتركيب العجيب، وأنى لفاقد الشيء أن يعطيه فهل يفيق الملاحدة وهل يتركون استهتارهم بهذا الكائن العظيم؟ ويحترمون روحه وفكره وأصله الذي شرفه الله تعالى بخلقه بيده تشريفا وتكريما له وأسجد له ملائكته المسبحة بقدسه؟

 

التفسير المادي للقيم الإنسانية 
 وحينما قرر الملاحدة أن الإنسان مادة أصبح مفهوم القيم من الأمور التي لا قيمة لها إذ المادة لا تتصف بأي قيمة روحية أو نفسية أو خلقية وهذا هو الواقع الذي قرروه وأن القيم كلها ليس لها صفة ثابتة وإنما هي إنعكاس للأحوال الاقتصادية فلا حقيقة لها إطلاقا إلا أنه لم يكن بإمكان الملاحدة أن يتجاهلوا وجود هذه القيمة التي يتمثلها الناس قديما وحديثا في حياتهم وفي تعاملهم في أمور ظاهرة فاخترع الملاحدة لها تفسيرا يشوهها ويهون من مكانتها المرموقة، بل ويقضي عليها في النهاية قضاء تاما. 
وهذا التفسير المادي للقيم يتمثل في الأمور الآتية:
1- تضخيم العامل المادي والاقتصادي وجعله أساس كل شيء في حياة الإنسانية وجعلوا الأخلاق والقيم كلها تابعة لحالة الإنسان الاقتصادية، وتبادله المنافع مع الآخرين وأن الوضع الاقتصادي هو الذي يحدد مشاعر الناس وأفكارهم وعقائدهم وكل قيمهم. 
2- زعموا أن كل القيم لا ثبات لها أي لم تنشأ عن دين أو توجيه إلهي وإنما هي تابعة لتطور الإنسان في المادة هبوطا وارتفاعا، خيرا وشرا، وأن كل القيم المعنوية إنما هي انعكاس للوضع الاقتصادي لكل أمة. 
3- جعلوا الدين هو المصدر الفياض للأخلاق والقيم جعلوه محل سخرية واستهزاء وإن كل تلك القيم إنما نشأت عن عوامل اقتصادية لا عن الدين الذي تذكره الكتب السماوية والذي يصورونه كعدو لدود للقيم الإنسانية. 
4- ونشأ عن ذلك الاستهزاء بالحق والعدل الإلهي الذي أكدت عليه جميع الشرائع الإلهية فزعموا أن ذلك لا حقيقة له إلهية وإنما هو تابع للأحوال الاقتصادية التي أوجدته وهي التي تمليه على الناس في أحوالهم المختلفة من فقر وغنى وكثرة وقلة وحب وكراهية. 
لقد أرجع الملاحدة الشيوعيون كل القيم إلى حال الناس بالنسبة للمادة فقسموا المجتمع إلى قسمين:
1- المجتمع الزراعي. 
2- المجتمع الصناعي. 
ثم زعموا أن الأخلاق والقيم والإيمان بالقدرة الغيبية وتماسك الأسرة والحفاظ على العادات القبلية وما إلى ذلك إنما سادت في المجتمع الزراعي لما يشعرون به من حاجة إلى قوة عليا تنبت لهم البذور في الأرض أو لبعضهم بعضا خصوصا وهم يشاهدون الأخطار الطبيعية من حولهم كالصواعق والبراكين وهيجان البحار ونحو ذلك فاحتاجوا إلى التعلق بإله قوي يحميهم وينفعهم. بينما تلك الأمور كلها لا مكان لها في المجتمع الصناعي، وذلك أن المجتمع الزراعي البدائي في الشيوعية الأول كان بينهم تعاون وفيهم استقرار وهدوء وسعادة بسبب عدم وجود الملكية الفردية التي ظهرت بعد ذلك بفعل التطور الاقتصادي وزعموا أن الأولاد في هذه المرحلة كانوا يتبعون الأمهات – أي كالحيوانات تماما – ثم تحول نظام التبعية من الأم إلى الأب باستيلاء الأب على كل السلطة بفعل ظهور الملكية وظهور التحسن في الجوانب الزراعية وتعاون الأسرة جميعا في القيام بها تابعين لأبيهم الذي سيورث لهم كل ما يملكه بعد موته فتمت الطاعة للأب وعمل الجميع تحت أمره واعتبار تلك الأمور من باب الاحترام الواجب للأب فلم يكن لذلك سبب إلا الرغبة في امتلاك ما تحت يده بعد موته والاستفادة منه في حياته – انظر إلى هذا العقوق – وتناسي العاطفة والحنان المتبادل بين الأسرة. 

ثم نتج عن ذلك بفعل التطور نظام الرق الذي سببه في الدرجة الأولى التحسن في الزراعة واكتشاف نزعة الملكية الفردية فمالت الجهات القوية على الضعيفة تستعبدها وتسخرها في العمل لزيادة الإنتاج للأغنياء وسد حاجة الفقراء الضرورية فقط ثم نتج عن ذلك الوضع – حسب التطور – نظام جديد هو نظام الإقطاع، الذي سببه اكتشاف الآلات التي تفيدهم في حراثة الأرض كالمحراث وغيره فاحتاج الأغنياء إلى الفقراء ليقوموا بحراثة الأرض وجباية محاصيلها لهم فنشأ عن ذلك خلق حب الاستعباد والقهر للغير وحب السيطرة الذي أنتج بدوره نظاما جديدا وهو ما بدا ظاهرا في النظام الرأسمالي الجشع الذي حول الملكية من ملكية زراعية إلى ملكية رأسمالية جعلت الفقراء عبيدا وذللتهم للأغنياء ونشأ عن ذلك حب الذلة والمسكنة والاستهانة بالنفس بسبب قوة المادة الاقتصادية عند كبار الأغنياء واستحواذهم على مصادر العمل والكسب وهذا لا شك أنه أمر يغضب طبقة الفقراء ويوجد فيهم حب الرغبة في الانتصاف ورفع الظلم وثورة كامنة في نفوسهم كمون النار في عود الكبريت. ثم نتج عن ذلك صراع مرير فيما بعد لينبثق عنه بعد ذلك العودة إلى الشيوعية إثر الصراع بين العمال وأصحاب رؤوس الأموال على ملكية الإنتاج وانتصار العمال بقضائهم على طبقة الرأسمالية لتعود الملكية جماعية كما كانت في البداية هذا حسب تعليل زعماء الشيوعية وقد سبق أن أشرت إلى أن هذه الأفكار كلها خيالات كاذبة تفتقر إلى الدليل وإلى العقل الذي يصدق بها، إنها افتراضات تدل على مدى النفسية الخبيثة لـ "كارل ماركس" وما كان يعاني من ضيق الخلق والأنانية الشريرة ومحاربته لكل الفضائل والسمو الأخلاقي والرغبة في تدمير الأغنياء وليت شعري هل الأولاد لا يحبون أباهم إلا ليرثوه فقط؟ وهل المال والحصول على المادة كافية لسمو الأخلاق؟!! أليس الإنسان يطغى أن رآه استغنى إلا من وفقه الله تعالى، بل أليس من التناقض أن يقال إن المجتمعات الزراعية القديمة كانوا يعيشون في وئام تام وهدوء وأخلاق عالية بينما يصف المتأخرون اليوم أنفسهم بأنهم في تقدم شامخ ووعي كامل وحضارة راقية وهم يحملون في صدورهم قلوبا حاقدة عدوانية ولا يلوي أحد على أحد فكان يجب أن يعكس الأمر تماما على حسب ما قرره في هذه التناقضات.

 

  • الاربعاء PM 07:18
    2015-07-15
  • 5085
Powered by: GateGold