المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409069
يتصفح الموقع حاليا : 329

البحث

البحث

عرض المادة

الشيوعية العالَمية بين الحلم والواقع الموبوء

أولاً: انتشار الشيوعية العالمي:

توقَّع "ماركس" أنْ تختبر نظرياته في كلٍّ من ألمانيا وبريطانيا أو في بعض الدول المتقدِّمة صناعيًّا، لكنَّ ذلك حدَث في روسيا المتخلِّفة نسبيًّا حيث نجح الشيوعيُّون لأول مرَّة في إقامة حكومة شيوعيَّة، وطوال عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين نشط الشيوعيُّون المحليُّون في العديد من البلدان، لكنَّهم لقوا هزائمَ قاسية في كلٍّ من الصين وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا.

 

وفي عام 1919م ساعَد الشيوعيُّون الروس في إنشاء الكومنتيرن (الدولية الشيوعية)، ووحَّد الكومنتيرن جميعَ الأحزاب الشيوعية في العالَم في تنظيمٍ ثوريٍّ منظَّم، وأصبح أداةً في يدِ القادة السوفييت، ولمَّا باءت محاولات هذا التنظيم في تشجيع الثورات في البلدان الأخرى بالفشَل، تم إلْغاء هذا التنظيم عام 1943م.

 

وقد أتاحَتِ الحرب العالمية الثانية فُرصًا للشيوعيِّين في كسْب العديد من الدول، ففي عامي 1939 و1940م ضمَّ الاتحاد السوفييتي (سابقًا) كلاًّ من لاتفيا ولتوانيا وإِستونيا، بالإضافة إلى أجزاء مِن بولندا وفنلندا ورومانيا.

 

ومع نهاية الحرْب العالمية الثانية، ساعَد الجنود السوفييت في تحرير العديدِ من الدول من السيطرتَيْن الألمانية واليابانية، ومِن هنا أصبحت بلدان: بلغاريا وتشيكوسلوفاكيا، وألمانيا الشرقية والمجر، وبولندا ورومانيا، وكوريا الشمالية، ديمقراطياتٍ شعبية مرتبِطة بأحلاف ومعاهَدات عسكريَّة واقتصاديَّة وسياسيَّة مع الاتحاد السوفييتي.

 

وقد حارب الشيوعيُّون والوطنيُّون في الصين اليابانيِّين الذين غزوا بلدَهم في الثلاثينيات من القرن العشرين الميلادي، وبعد الحرْب العالمية الثانية نشبَتْ في الصين حربٌ أهلية بين الشيوعيِّين والوطنيِّين، وقد كان للشيوعيِّين بقيادة ماوتسي تونج اليدُ العليا في هذه الحرْب، وفي عام 1949م سيطر الشيوعيُّون في الصِّين على كافَّة الأراضي الصِّينيَّة الرئيسيَّة.

 

في عام 1947م أُنشِئتْ تسعة أحزاب شيوعية أوروبية الكومينفورم (دائرة الإعلام الشيوعي)، وقد سيْطر السوفييت على الكومينفورم، وحاولوا استخدامَه من أجْل ضمان استمرار الأحزاب الأخرى في اتِّباع سياستهم، طُردتْ يوغوسلافيا من الكومينفورم عام 1948م، بعدَما رفض جوزيف بروز تيتو أن يكون تابعًا لسياسات الاتحاد السوفييتي، وبعدها فقَدَ (الكومينفورم) فاعليتَه، وتم حلُّه عام 1956م.

 

وفي أواخر الأربعينيات من القَرْن العشرين وعَدَتِ الولايات المتحدة الأمريكيَّة حلفاءَها بمساعدة الحكومات غير الشيوعيَّة التي كانت على وشكِ السقوط تحت سيطرة الشيوعيِّين، ومِن هنا نشأ صِراع بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكيَّة، وعُرِف هذا الصِّراع بالحرْب الباردة.

 

في أواخر ثمانينيات القرْن العشرين، شهدت معظم البلدان الشيوعية فتراتٍ طويلةً من الركود الاقتصادي، فقد ثبَت فشلُ السياسات الاقتصادية في تحسين الكفاءة الاقتصادية، وفي تطوير تقنيات جديدة، وقد حاولتِ العديد من الدول أن تواجِهَ هذه المشكلات بمحاولة إجراء إصلاحات اقتصادية كالاتحاد السوفييتي، والصِّين، وفي أوروبا الشرقية.

 

ثانيًا: مُصادمة الشيوعيَّة للعالم:

1- مِن الجانب الاعتقادي والدِّيني:

النظريَّة الشيوعيَّة صدَرتْ عن شخص حاقِد على البشرية، وجاءتْ لتحقيق أغراض اليهود في تحطيمِ الأُمم والشعوب؛ لذلك عملت في جوانبها الاعتقادية والفِكرية والاقتصادية على مصادَمةِ الدِّين الإلهي الحق، ومصادمة الفِطرة السليمة التي فَطَر اللهُ الناسَ عليها، ومصادمة كلِّ ما يعترض طريقَها، وعلى هذا فإنَّها لا يمكن أن تبقى طويلاً؛ لأنها لا تملِك مقومات البقاء في جميع أصولها، فقد قامتِ الشيوعية على إنكار وجود الله - سبحانه، وإنكار الغيْب (ومنه: البعْث والجنة والنار)، وهي بهذا المعتقد الإلْحادي تُصادِم الفطرة السليمة؛ فطرة الإيمان بالله، والركون إليه، والإيمان بالجزاء والحِساب، والثواب والعقاب، التي تطمئِنُّ لها النفس الإنسانية؛ وذلك أنَّ النفْس البشرية لا تَسْعَد ولا تنشرح إلا بالهُدى والإيمان، وبالعكس فإنَّها إذا لم توفَّق للهِداية، وتهْتدي للإسلام، فإنَّها تشقَى.

 

وهذا الحال لَم يكن تجاهَ الدِّين الحق وحسب، بل تعدَّاه للأديان العالميَّة الأُخْرى، فتَعتبر الشيوعية الدِّين أمرًا واجبَ الإلْغاء من اعتبارات عِدَّة:

أحد هذه الاعتبارات أنَّه خُرافة، ونحن الآن في عصْر العلم، فقد كان الباعِث الأول على الدِّين هو جهل الإنسان بالطبيعة مِن حوله، وعجْزه عن السَّيطرة عليها، فتخيَّل وجود قُوى خفيَّة تُسيطِر على هذا الكون، وتَجري الأحداث فيه، وراح يسترضي هذه القوى؛ ليدفعَ أذاها عنه، فتقرب إليها بالشعائر التعبدية، وتقديم القرابين.

 

الاعتبار الثاني: أنه كان ناشئًا مِن طبيعة الوضْع المادي والاقتصادي في العهْد الزراعي؛ حيث كان جزءًا مِن عملية الإنتاج خارجًا عن سيطرة الإنسان، فتخيَّل وجود قوَّة غيبيَّة، نسب إليها الهَيْمنة على ذلك الجزء الخارج عن سيطرته، وراح يتعبَّدها؛ لاجتلاب رضاها، وصَرْف أذاها، وغضَبها عنه، وسمَّاها الله!

 

والآن تغيَّر الوضْع المادي والاقتصادي، وأصبحتْ عملية الإنتاج كلها منظورةً، وكلها تحت سيطرة العامِل الذي يقوم بالإنتاج، فلم تعُد هناك حاجةٌ لافتراض تلك القوَّة الغيبيَّة التي أصبحتِ الآن غير ذات موضوع.

 

الاعتبار الثالث: أنَّ الدِّين يخالف المعتقَد الشيوعي القائم - في نظرهم - على أُسُس علميَّة، وهو أنَّ المادة هي الأصْل، وهى سابقة في الوجود على الفِكر؛ إذ يقوم الدِّين على أساس أنَّ المادة مخلوقة، وبالتالي فليستْ هي الأصْل، وليستْ سابقةً على الفِكر، ومن ثَمَّ وجَب إلْغاء الدِّين؛ لأنَّه يصادم التصوُّر الشيوعي، الذي يَنْبغي أن يبْقَى وحْدَه، ويلغي كلَّ ما سواه.

 

الاعتبار الرابع: أنَّ "الدِّين أفيون الشَّعْب"، فقد كان المستغلُّون منَ الإقطاعيِّين والرأسماليِّين يستخدمونه لتخْدير الجماهير؛ لكي ترْضَى بالظُّلم الواقع عليها، ولا تتمرَّد عليه، مقابل الحصول على نعيم الجنَّة في الآخرة، وبصِفة خاصَّة، فقد كان الدِّين يُستخدم ضدَّ الشيوعيَّة بالذات.

 

فحين يقوم الشيوعيُّون بالدعوة إلى الشيوعيَّة يُستخدم الدين لوقْف هذه الدعوة ومحاربتها، فالآن بعدَ قيام المجتمَع الشيوعي الذي ليس فيه مستغلُّون، ينبغي إلْغاء ذلك المخدِّر الذي كانوا يستخدمونه؛ إذ لَم تعُدْ هناك حاجَةٌ لاستخدام المخدِّر، ومن جهة أخرى فقَدْ وجَب القضاء على ذلك العدوِّ اللدود الذي يُستخدم ضدَّ "العقيدة" الجديدة، ومحوه من الوجود[35].

 

ومعلومٌ أيضًا أنَّ الدول الشيوعيَّة ترْعى الإلْحاد العِلمي، وأنَّها تحرِّم تلقين الدِّين من قِبل أية جهة، ولو كانتِ الأُسرة أو كان الوالدان هما الجِهة التي تقوم بهذا التلقين، وقد أُعْلِن مرارًا في الاتِّحاد السوفيتي أنَّ الصِّغار يَنبغي أن يشبُّوا في حالة حِياد، ثم يقرِّروا موقفهم بأنفسهم بعدَ ذلك.

 

ولمَّا كانتِ الأُسرة هي المعلِّم الأول والأهمَّ للدِّين، فقد عمل على تفتيت الأُسر، بحيث ينفصل الأبناء في سِنٍّ مبكِّرة عن آبائهم؛ كيلا يُتاحَ للآباء تلْقينُ الروح الدِّينية لصِغارهم[36].

 

ومنَ الجانب الفكري:

قامتِ الشيوعيَّة على المادية الجدَليَّة التي لا يَعقِلها الفِكْر السليم، وذلك أنَّها تذهب إلى أنَّ المادة هي التي تمدُّ الفِكر الإنساني وتحرِّكه، وهي أصْل كل شيء في الكون، وسبب كلِّ حدَث وتفكير، وسلوك وعاطفة، وأنَّ الدنيا مجرَّد صِراع على المادة، وهذا يُصادِم الفطرة الإنسانية السليمة التي جُبِلت على حبِّ الخير، واستمداد الفِكْر من الوحي الإلهي، فالفطرة البشرية لا تستقيمُ إلا على التوازن بيْن الرُّوح والمادة، وبيْن الدِّين والدنيا، لكن الفِكرة الشيوعيَّة تقوم على إنْكار الرُّوح والدِّين؛ لذلك حارب الشيوعيُّون الأديان - عمومًا - ولَم ترَ أَحَدًا بعيْن الاعتبار، مما يخالِف أفكارها من المذاهب الأخرى، كما مرَّ معنا في سيرة مؤسسها.

 

ومن الجانب الاقتِصادي:

تقوم الشيوعيَّة على إلْغاء المِلْكيَّة الفرديَّة، وتُنكِر الفوارق الفِطرية بيْن الناس، وتساويهم في التمليك وتتجاهَل تفاوت البشَر في القُدرات والمواهِب، ومن هنا تتصادَم بعُنف مع فِطرة الله، التي فطَر الناس عليها، حيث جَعَل فيهم القويَّ المكتسِب النشيط، والضعيفَ القاعد الخامل، وما بينهما درجاتٌ متفاوتة؛ لذلك فالشيوعية تعمل على تشجيعِ الخامل على خموله، وتحطيم المكتسب النشيط، وقتْل طموحه، ومثل ذلك الجوانب الأُخرى: الاجتماعيَّة والأخلاقيَّة والسياسيَّة، وغيرها، فهي تقوم على هدْم الكِيان الأُسري، وعلى نشْر الرذيلة والانحراف، وعلى العُنْف والكَبْت والإرْهاب.

 

ثالثًا: آثار الشيوعية على العالَم ومعتنقيها:

لقد قامتِ الشيوعية على أُسس ومبادِئ آمَن بها الشيوعيُّون، وحاولوا تطبيقَها على مجتمعاتهم، ودعوة الآخرين إلى تطبيقها، زاعمين بأنَّ تلك الأُسس والمبادِئ، ستخلِّص الشعوبَ من وطأة الرأسمالية، وتوصلها إلى الفِرْدوس المنتظَر، وتقْضِي على جميع المشكلات، وتنأى عن الطبقيَّة والفرْديَّة.

 

فماذا تمَّ بعدَ قيام الشيوعيَّة؟ وما الذي حدَث من جرَّاء تطبيقها؟ وما الآثار التي ترتَّبتْ على اعتناقها؟ وماذا كانتِ النتيجة؟

الجواب سيتضح - إنْ شاء الله - مِن خلال الحديث عن الشيوعيَّة بعدَ التطبيق، وعنِ الآثار المترتَّبة على الإلْحاد، ثم عن سقوط الشيوعيَّة.

 

أولاً: الشيوعيَّة بعد التطبيق:

لقدْ زَعمتِ الشيوعية بأنَّها ستحقِّق العدل، وتنشره بيْن الناس؛ حيث ستلغي الفوارق بيْن الطبقات، وستجعل الناس يعيشون في مستوًى اقتصاديٍّ واحد، وسيأخذ كلُّّ واحد منهم قدرَ حاجته من المال.

 

وإذا تساوى الناس في مستواهم الاقتصادي والمالي، فسيكون الطريقُ أمامَهم مفتوحًا للمساواة في جميع المجالات، سواء كانتْ ثقافيَّةً أو اجتماعيَّة أو سياسيَّة.

 

هذه هي الدعْوى، ولكن أين البيِّنة؟

إنَّ الحقائق تُكذِّب تلك الدعاوى، والواقع يقول بخلاف ذلك؛ فلقد حصَل بعد تطبيقِ الشيوعية ما يلي:

1- وقوع الشيوعيِّين في الطبقية: لقد ادَّعى الشيوعيُّون أنَّ إلْغاء الفوارق بيْن الطبقات أمرٌ لا بدَّ منه، وأنَّ السبيل إلى ذلك هو الصِّراع الدموي؛ فكلُّ امتياز، أو طبقية - بزعمهم - إنما هو أثرٌ من آثار الأنانية، وتحكيم المصلَحة الذاتية.

 

وإذا كان النِّظامُ الشيوعي يدَّعي تلك الدعوى، فإنَّ واقعه يُكذِّبها؛ فما تلك الدعاوى سوى شِعارات برَّاقة، ووعود معْسولة كاذِبة، يخدعون بها السُّذَّج دونما الْتزام بها، وإليكم بعض الأمثلة:

أ - تفاوت الأُجور: فمعدَّل الأجْر المتوسِّط للعامل في الاتحاد السوفيتي عام 1935م حوالي 1800 روبل سنويًّا، في الوقت الذي بلَغ فيه راتب الأمِين العام للجنة الغزْل والحرير الصناعي مبلغ 45 ألف روبل سنويًّا.

ثم إنَّ أجرة الفلاَّح الروسي 300 روبل شهريًّا، ويقتطع منها 150 روبلاً لتقوية الصناعات، في الوقت الذي يتقاضَى فيه أهلُ الطبقة المثقَّفة - كما يزعمون - من الممثِّلين والفنانين، والأدباء والراقصات أجورًا عالية تصل إلى 20 ألف روبل شهريًّا!

 

ب - تفاوت مستويات التعليم: فأبناء الطبقة المثقَّفة يتمتَّعون بالتعليم الجامعي المجَّاني وغَيْر المجاني، أما أبناء الفلاَّحين، فلا يستطيعون ذلك.

 

ج - إقرار الحوافِز: فهؤلاء الذين يرفعون شِعارَ المساواة والعدْل، ورفْض الطبقية أقرُّوا الحوافِزَ والجوائز؛ فلقدْ أذاعت وكالة الأنباء السوفيتية - تاس - أنَّ جائزة ستالين للموسيقى وقدْرُها مائة ألف روبل - قد منحت سنة 1947م لجوزيف كلينا؛ مِن أجل أنه لَحَّنَ أغنيةً عن ستالين.

 

وأنَّ جائزة ستالين للتصوير - وقدْرُها مائة ألف روبل - قد مُنحت لأراكلي طويزر؛ من أجْل تصويره ستالين يخطُب في احتفال الذِّكرى الرابعة والعشرين لثورة أكتوبر.

 

بالإضافة إلى جوائز أخرى سُلِّمت لموسيقيين، ورسَّامين، ونحَّاتين؛ من أجْل أعمال قاموا بها لشخْص ستالين.

 

ولَمَّا رَأَوْا أنَّ العمال لا يُمكن أن يعملوا بجِدٍّ وإخلاص طالَما أنَّ جهدهم يتمتَّع به غيرهم، لجؤوا إلى الحوافز، واضطروا إلى الاعتراف بها لتشجيعِ المنتجِين من فلاحين ورعاة، وعمَّال مصانع؛ فأخذتِ الدولة تُمَلِّكهم شيئًا من إنتاجهم؛ فأين المساواة؟ وأين محاربةُ المِلْكية الفردية؟!

 

د - سحْق العمَّال تحت نِظام السخرة في المصانع: والسخرة هي العمَل المجَّاني، حيث يقوم العمَّال بالعمل دون أن يكونَ لأحدٍ من نصيب، إلا حد الكفاف لا الكفاية.

 

فالعامل الفَرْد في ظلِّ هذا النظام يُجبَر على أن يُحشَر هو وكل أفراد أسرته في غُرْفة واحدة، هي غرْفة جلوسهم، ونوْمهم ومطبخهم.

 

ثم هي غرْفة في مجمع سكَّاني ضخْم غير متجانس، ويشترك سكَّان الشقة في ضروريات واحِدة دون خصوصية.

 

ومنضدة تستعمل في النهار للطبْخ، وربَّما كانت الأسرة والثلاثة يعيشون في غرْفة واحدة، يفصِل بينهم حبْلٌ من حبال الغسيل تُثبَّت به قطعة من القماش.

 

ثم إنَّ الطعام الذي توزِّعه المزارع الجماعية لا يكاد يسدُّ الرمق.

 

أضِف إلى ذلك غلاءُ الأسعار الفاحِش، فثمن الكيلو غرام الواحِد من الزبدة في السُّوق الحرَّة يوازي الأجْر الشهري للعامِل العادي، وثمن زَوْج الأحذية يوازي أجْر شهرين، وإذا مرِض أحدٌ من عامَّة الناس لم يُهتمَّ بعلاجه.

 

ه - إغراق الطبقة الحاكِمة في التَّرَف والنعيم: ففي الوقت الذي يُسحَق فيه عامَّة الناس، وإذا مرِض واحد من أعضاء الحزب بُودِر في علاجه بأرْقى أنواع العلاج.

 

2- تسلُّط الحزب الحاكِم واستبداده:

فبالرغم من أنَّ الاتحاد السوفيتي يتكوَّن من 15 ولاية رئيسة، فُرِض عليها الاتحاد فرْضًا، وفي كلٍّ منها مجلس وزراء، إلاَّ أنَّ سلطاتها تنحصر في الأمور العادية.

 

أمَّا الحَل والعَقْد، والبتُّ في الأمور، فيملكه الحِزب في موسكو، ولا يُناقشه أحد في ذلك.

 

3- البطْش والإرهاب:

حيث اتَّسمتْ سياسة الشيوعيَّة بعدَ التطبيق بالبطْش والإرْهاب، والتدمير والتعذيب، والتنكيل الذي لَم يسبق له - على مدى التاريخ - مثيل، ولقد مرَّ بنا قبل قليلٍ نماذج من ذلك.

 

4- انقسام المعسكَر الشيوعي على نفسِه:

حيث توالتِ الخلافات بيْن الدول الشيوعيَّة، بل داخل الدولة الواحِدة وبيْن أعضاء الحِزْب الواحد؛ فلا يكاد يجمعُهم سوى خوفِ كلِّ طرف من الطرف الآخر، فهناك خلافاتُ لينين مع ستالين، والتي كان لينين بسببها ينوي إقْصاء ستالين مِن مكانته، وهناك الخِلافات بين ستالين وتروتسكي، والتي أدَّتْ بستالين إلى تدبير اغتيال تروتسكي!

 

وكلَّما وصل رئيس إلى سُدَّة الحُكم ندَّد بسلفه، وأقذع في شتْمه وسبِّه، ومن ذلك ما حصَل في المؤتمر الخمسين للحِزْب الشيوعي، عندما وقَف الرئيس خروتشوف يندِّد بستالين، ويقول عنه: إنَّه ديكتاتور سفَّاح، مجرِم سافل دنيء، وإنه غلطة لا ينبغي أن تتكرَّر، وإنه ارتكب مِن الجرائم البشعة ما تقْشَعِرُّ له الأبدان.

 

وفي مؤتمر الحِزب الشيوعي، الذي عُقِد في موسكو في 28/6/1988م دعَا جورباتشوف إلى إصلاحات جذريَّة في الشؤون السياسية والاقتصادية للاتحاد السوفيتي، كما انتقد سياسةَ ستالين وبريجنيف، التي حجَرَتْ على الفِكر في الاتحاد السوفيتي - وصدَق الله إذ يقول: ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ [الأعراف: 38].

 

5- التجسُّس والرقابة الصارِمة:

فالتحرُّكات في المجتمع الشيوعي مُراقبة، والاتصالات الهاتفية مسجَّلة، والزيارات - وخاصَّة من الغرباء - مراقبة تمامًا، ولقد روى ذلك كثيرٌ من الزائرين لروسيا بعدَ أن لاحظوا مَن يراقبهم، ويرصد تحركاتهم.

 

ولذلك يتحاشَى الرُّوس الحديث عن السياسة، وكثيرًا ما يردِّدون عبارات جاهِزة مكرَّرة في مدْح سياسة بلادهم بمناسبة أو بغَيْر مناسبة؛ فقد يكون جزاء المقصِّر أو المتجاوز النفيَ إلى سيبيريا؛ حيث البَرْدُ القارس، والأعمال الشاقة.

 

وقد قال أحد الكُتَّاب: إنَّ نصف سكَّان موسكو جواسيس على النصف الآخر، فقال له صاحبه: ولكن النِّصف الآخر جواسيس أيضًا على النِّصف الأول، وتلك فكاهةٌ ليستْ ببعيدة عن واقع المجتمعات الشيوعيَّة.

 

ويدلُّ على ذلك ما حصَل في ألمانيا الشرقيَّة عندما سقطتِ الشيوعيَّة؛ حيث ذهب بعضُ الناس لأقسام الشرطة والمباحث؛ ليتسلَّمَ ما كُتِب عنه مِن تقارير؛ ففوجئ كثيرٌ منهم بأنَّ الذي تجسَّس عليه أمُّه، أو زوجته، أو أخوه، أو أقربُ الناس إليه!

 

6- السِّريَّة والغموض:

فمُعظَم الأمور هناك أسرارٌ غامِضة؛ فلا دليلَ للهاتف، ولا مخطَّط للمدينة، ولا كُتُب عن مشاهيرِ الناس.

 

أما أعضاء الحكومة فحياتُهم وأماكن سكناهم، واجتماعاتهم وتحرُّكاتهم، فسِرٌّ مغلق، لا يُعلن عنه، ولا يُتحدَّث فيه، بل مِن الصعب أن تقابل روسيًّا عاديًّا على انفراد!

 

وممَّا اعتاده الناسُ هناك اختفاءُ بعض الناس في ظروف غامِضة، سواء كانوا مسؤولين أم مِن عامَّة الناس، ثم إنه لا يجرؤ أحدٌ على السؤال عنهم أو الاستفسار! يقول آرثر كستلر عن مجتمع الحِزب الشيوعي: "كان عالَمًا يسكنه أناسٌ يُعرفون بأسمائهم الأولى فقط، أمَّا أسماء أُسَرهم، أو عناوين سكناهم فلم يكنْ لها وجود، كان الجوُّ متناقضًا؛ فهو خليط من الزَّمالة الأُخوية، والارْتياب المتبادل، ويمكن أن نقول: إنَّ الشعار هنا هو: أَحْبِب رفيقك، ولكن لا تثِق فيه أُنملةً لصالحك؛ لأنَّه يشي بك ولصالِحه؛ إذ مِن الخير له ألا تعرِّضه للإغراء والوشاية.

 

7- غياب شُموس الحرية عن الحياة الفِكرية:

فجميع الصُّحف ودُور النشْر خاضعةٌ تمامًا لرقابة الدولة، ومُهمتها كيْل المديح الأجوفِ المُمل لقادة الحزب، مع تسويغ أعمالهم وحماقاتهم.

 

وأبرز مثال على ذلك: دائرة المعارف الرُّوسية، التي مُلِئتْ بالتشويهات وقلْب الحقائق؛ إرضاءً لهوى المتسلِّط.

 

وبالجملة، فإنَّ البلادَ التي ساد فيها النِّظام الشيوعي قد تحوَّلت إلى سجْن كبير، لا مكانَ فيه لحريَّة الرأي، ولا يستطيع الفَرْد أن يُفصِح عمَّا يدور في خَلَده تجاهَ النظام؛ فهو يعيش في رعْب دائم، وقلقٍ مستمرّ.

 

8- إهدار كرامة المرأة:

فالمرأة في النِّظام الشيوعي أداةٌ من أدوات الإنتاج.

 

9- تخبُّط نظام الأسرة:

فمِن أهداف نظام الشيوعية القضاءُ على نظام الأُسْرة؛ فالكيان الأسري الذي يربط أفرادَ الأسرة بروابطَ لها قوتها وقدسيتها، يتعارض في نظر الماركسية مع الرابطة المقدَّسة الكبرى الأم، التي هي الدولة.

 

 

ثانيًا: الآثار المترتِّبة على الإلحاد:

لقدِ اعتنقتِ الشيوعية الإلْحاد، وقام عليه أكبرُ الدول في الشَّرْق وهي روسيا، حيث حملتْ في بنودها رفْضَ الغيب، والنظر إلى الحياة كلها مِن منظور مادي بحْت.

 

ولقدْ أصبح الإلْحاد ظاهرةً عالمية؛ فالعالَم الغربي في أوروبا وأمريكا - وإن كان وارثًا في الظاهِر للعقيدة النصرانية - إلا أنَّه ترَك هذه العقيدة تقريبًا، وأصبح إيمانُ الناس هناك بالحياة الدُّنيا، وأصبحتِ الكنيسة مجرَّدَ تراث تافِه، وأصبح الإلْحاد هو الدينَ الرسمي المنصوص عليه في دساتير البلدان الأوروبية والأمريكيَّة، ويُعبَّر عن ذلك بالعلمانية تارَة، وباللاَّدِينيَّة تارةً أخرى.

 

والإلْحاد له آثارُه السيئة، وثمراته المنتِنة، سواء على مستوى الأفْراد أو الجماعات؛ فالأُمم الكافِرة تعيش حياة صعْبة معقَّدة لا يجدون حلاًّ لأكثرِ مشكلاتهم؛ نظرًا لغياب المنهج الصحيح، وهو دِين الإسلام، فهم يُعاقَبون في هذه الدنيا بأشدِّ أنواع العقوبات، وإن ماتوا على كُفرهم وإلْحادهم، فالخلود في النار بانتظارهم، ولقد مرَّ بنا في الصفحات الماضية ذِكْرٌ لما تُعانيه تلك الأُمم بسبب كُفْرها وإلْحادها، وبُعْدها عن الله، وفيما يلي إجمال للآثار المترتِّبة على الإلْحاد، زيادة على ما مضى:

1- القلق والاضطراب: فالملاحِدة مَحْرومون من طمأنينة القلْب، وسكون النفْس، قال الله - تعالى -: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: 124].

 

كيف لا يُصيب الملاحدةَ القلقُ، والهمُّ والغمُّ، وفي داخل كلِّ إنسان أسئِلة محيِّرة: مَن خلَق الإنسان؟ ومَن خَلَق الحياة؟ وما نهايتها؟ وما بدايتها؟ وما سرُّ هذه الرُّوح التي لو خرجَتْ لأصبح الإنسان جمادًا؟!

 

من يجيب عن تلك التساؤلات؟ الشيوعيَّة؟! أنَّى لها؟!

ثم إنَّ هذه الأسئلة قد تهْدَأ في بعض الأحيان بسبب مشاغِل الحياة، إلا أنَّها ما تلْبَث أن تعود، ملحَّة على صاحبها، وما نراه اليوم مِن كثرة الانتحار، وإدْمان المخدِّرات ما هو إلا هروبٌ مِن ذلك الواقِع المؤلِم.

 

2- الأثرة والأنانية: فلا رَحْمةَ ولا شفَقة، ولا برَّ بالوالدين، ولا صِلةَ للأرحام، ولا إحسانَ إلى الجيران وسائر الناس؛ فكلُّ فرْد معنِيٌّ بنفسه فحسْبُ، فالإلحاد لا يعير هذه الروابط أدْنى اهتمام.

 

3- حب الجريمة: فالملحِد يجد في نفسه حبًّا للجريمة، وإرادة الانتقام، ورغْبة في التشفِّي من كل موجود.

 

4- الانطلاق في الإباحية: فالملحِد لا يُحافظ على عِرْض أحد، ولا يُؤتَمن على مال، أو حُرْمة، إلا أن يعجز عن الوصولِ إلى شيءٍ من ذلك.

 

5- الإجرام السياسي: وهذا مِن أعظم آثار الإلْحاد؛ ذلك أنَّ الأخلاق المادية الإلحادية ملأتْ قلوبَ أصحابها بالقسوة والجبروت، ممَّا دفَعَهم إلى تطبيق ذلك عمليًّا؛ ولذلك ترَى الدول الكبرى، كيف تفعل بالدول المستعمرة مِن الإهانة والقتْل، والإذلال والتشريد[37].

 

رابعًا: مكافحة الشيوعية في العالم:

يقول الشيخ أحمد صلاح جموجوم في تقديمه لكِتاب المؤلف طارق حجي "الشيوعيَّة والأديان" - بتصرف -: "منذ أنِ اشتركتُ في المؤتمرات الدولية لمكافحة الشيوعية في عام 1971، والحقائق تتكشَّف عامًا بعد عام، وفترةً بعد أخرى، بأنَّ العالم الحرَّ لا يمارس تلك المكافحة بجدية كافية، ونتخِّذ القرارات والتوصيات في كلِّ سَنَة دون أن يكون لها تأثيرٌ واقعي، أو تحرُّك عملي.

 

والعالَم اليوم مقسَّم إلى ثلاث كُتل: العالم الغربي الديمقراطي، والكتلة الشيوعيَّة الحمراء، ودول العالَم الثالث المتخلِّف، أما العالم الغربي الديمقراطي فهو يمارس لعبةَ مكافحة الشيوعية بكثيرٍ من الاستخفاف، وعدم المبالاة، إذا لم تتعرَّض مصالحه الحيوية إلى مرحلةِ الخطر، ويهبُّ كثيرًا من الأحيان للتعاون مع الكُتلة الشيوعية إذا تحقَّقت له مصالِحُ مادية، وهو واقع من حيثُ يَدرِي أو من حيث لا يُريد أن يدرِي فريسةً لدسائسَ كثيفة، من التعميات الإعلامية المحبوكة الأطراف لتحقيقِ أغراضها الخبيثة، وأهدافها الهدَّامة.

 

ومن أمثلة ذلك: نقْل أسرار القُنْبلة الذرية التي تطوَّعَتْ بها أسرة روزنييرج الصِّهْيونيَّة إلى روسيا السوفيتية في الخمسينات مِن هذا القرن، والتعايش السِّلمي الذي وطَّد دعائم وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هِنري كيسنجر الصهيوني في السبعينيَّات بيْن أمريكا والصِّين الشيوعيَّة، وإمداد الشَّركات الأمريكية التي تقَع تحت السيطرة الصِّهْيونيَّة بالتقنية الغربية للاتحاد السوفيتي.

 

إلى آخِرِ كلامه، الذي خلص منه إلى أنَّ دول العالم الثالِث - ومنها الإسلامية بطَبيعة الحال - أعجزُ مِن صدِّ المخططات اليهودية، ومنها الشيوعية؛ لصدِّها عن مجتمعاتها، برغم ما هي عليه من الضَّعْف اليوم!

 

خامسًا: انهيار الشيوعية:

في سؤال طرحتْه عليَّ إحدى الزميلات عن موضوعِ بحثي، فأخبرتُها: "الشيوعية"، قالت: لقد عفَا عليها الزمن واندسَّت، فوافقتُها الرأي فورًا؛ لأن هذا الكلام ظاهريًّا صحيح، لكنَّها لم تختفِ بشكل كامل، وأتساءل: إنْ كان لهذا الاختفاء مِن خطورة قادمة، ربما هو احتمالٌ وارد، لكن ليس بثَوْبها البالي القديم، ولا بفِكْرها الذي تعرى لأفرادها قَبلَ غيرهم! أما بحثي عن انهيارها، فكان:

بالفِعْل تراجعتِ الشيوعية بوصفها نظامًا للحُكم في جميع أرْجاء العالم، بل إنها فقدَت مناصريها في الدول الشيوعية.

 

بحلول عام 1992م، لم تعُدِ الشيوعية تحوز سلطةً إلا في الصين وكوبا، ولاوس وكوريا الشمالية وفيتنام، وبادرتْ حكومتَا الصين وفيتنام بإجراء إصلاحات اقتصادية.

 

ورغم وجود أحزاب شيوعيَّة صغيرة في فرنسا واليونان، والبرتغال والمملكة المتحدة، إلا أنَّ ممثليها في الهيئات التشريعية قليلونَ جدًّا، أو منعدِمون تمامًا، وفي إيطاليا، انشقَّ الحزب الشيوعي على نفسِه، وأَسْقَط الحزبان الوليدان السياساتِ الماركسيةَ من أدبياتهما، أما الأحزاب الشيوعية في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي السابق، فقد صنَّفت نفسَها بوصفها أحزابًا اشتراكيَّة، وتخلَّت عن المبادئ الشيوعيَّة.

 

فقدِ انهارت الشيوعية في معاقلها بعدَ قرابة سبعين عامًا، من قيام الحُكم الشيوعي وبعدَ أربعين عامًا من تطبيق أفكارها في أوربا الشرقية، وأعلن كبار المسؤولين في الاتحاد السوفيتي قبل تفكُّكِه أنَّ الكثير من المبادئ الماركسية لم تعُدْ صالحةً للبقاء، وليس بمقدورها أن تواجِهَ مشاكل ومتطلبات العصر، الأمر الذي تسبَّب في تخلُّفِ البلدان التي تُطبِّق هذا النظام عن مثيلاتها الرأسمالية، حتى الذين حوَّروا في النظام بعضَ الشيء؛ ليتَماشى مع الحضارة المادية العالمية لم يُفلحوا، وانقسموا على أنفسهم.

 

ومِن تلك الدول المنقسِمة: الصِّين وتبعتْها اليابان، ويرَى هذان الطرفان انحرافَ الروس عن الفِكرة الشيوعية، كما جاء بها سَدَنتُها ماركس ولينين، وكان على رأس الجانب الآخر روسيا، وبجانبها دول أوربا الشرقية، التي رأتْ عدم مرونة الصِّين في معرفة حقيقةِ الشيوعية التي لا تحصل عليها إلا أثناء التطبيق، والجمود على حَرْفية النصوص، ومفهوم النظريات أمرٌ عقيم، لا يأتي بخير، وقد أدَّى هذا الخلافُ إلى صدام على الحدود، هذا إضافةً إلى يوغسلافيا، ذات النِّظام الشيوعي الخاص، فهي تمسك بيدها الواحدة الشيوعيَّة باسم النظام، وتقبض بيدها الثانية على الاتِّجاه الغربي باسم السياسة.

 

وإن كانتِ الاتِّفاقات بدأتْ تظهر في الآونة الأخيرة بيْن قادة النظامَين المتباينَين ظاهرًا بمختلف أجنحةِ النظام الشيوعي وأطرافه.

 

  • اقتنع الجميعُ بأنها نظريةٌ فاسِدة، يستحيل تطبيقها؛ حيث تحمل في ذاتها بذورَ فنائها، وقد ظَهَر لمَن مارسوها عدمُ واقعيتها، وعدم إمكانية تطبيقها، ومِن أكبر ناقدي الماركسية من الماركسيِّين أنفسهم، الفيلسوف الأمريكي أريخ مزوم، في كتابه "المجتمع المسلم"، ومن غيرِ الماركسيِّين كارل بوبر، صاحب كتاب "المجتمع المفتوح"، وغيرهما، ويجيء جورباتشوف بكتابه "البيروسريكا"، أو إعادة البِناء؛ ليفضحَ عيوب تطبيق الشيوعية في الاتحاد السوفيتي.

 

وتبيَّن بعد انهيارها أنَّها لم تفلحْ في القضاء على القوميَّات المتنافِرة، بل زادتها اشتعالاً، ولم تسمح بقدْرٍ ولو ضئيل من الحرية، بل عمدَتْ دائمًا إلى سياسة الظلم والقمع، والنفي والقتْل، وحوَّلت أتباعَها إلى قطيع من البشر، وهكذا باءتْ جميع نبوءات كارل ماركس بالفشَل، وأصْبح مصيرُ النظرية الفناء[38].

 

كما أنَّ الواقِع الحي المعاصِر يؤكِّد أنَّ بضعة ملايين مِن الأشخاص، قد فرُّوا من شرق ألمانيا الاشتراكي إلى غرْبها الرأس مالي، وأنَّه لم يهربْ واحد فقط مِن غرب ألمانيا إلى شرقها، وإذا كانتِ الشيوعية صادقةً فيما تقول: لماذا نسمع باستمرارٍ عن هروب أفراد مِن بلادهم ذات النعيم المقيم على حدِّ تعبيرهم، إلى البلاد غير الاشتراكية ذات الجحيم الذي لا يُطاق؟!

 

وإذا كانتْ بلادهم كما وصفوها، لماذا يضربون الأسوار حولَ شعوبهم؟! ولماذا يمنعونهم من السَّفر للخارج؟! ولماذا لا يدعونهم يذهبون في رحلات سياحيَّة للبلدان التي وُصِفت بالجحيم؛ كي يروا الجحيم بأمِّ أعينهم؟! وماذا عن حرْمان مواطنيهم الذي يجعلهم يتتبَّعون السيَّاح الأجانب؛ من أجْل بقية الطعام أو لفافة دخان يعطونهم إيَّاها؟! ولماذا يذهب وفدٌ رياضي؛ لتمثيل بلادهم في منافسات خارجيَّة فيهرب واحدٌ أو اثنان أو ثلاثة لبلدان الجحيم!![39]

 

وقد تأكَّد بوضوح الآن بعْدَ التطبيق للشيوعية لهذه الفترة الطويلة: أنَّ من عيوب الماركسية أنَّها تمنع المِلْكية الفردية وتحاربها، وتُلغي الإرثَ الشرعي، وهذا مخالِف للفِطرة وطبائع الأشياء، ولا تُعطي الحريَّة للفرْد في العمل وناتج العمل، ولا تُقيم العدالةَ الاجتماعية بيْن أفراد المجتمع، وأنَّ الشيوعي يعمل لتحقيقِ مصلحته ولو هدَم مصالِح الآخرين، وينحصر خوفُه في حدود رقابة السُّلطة وسوْط القانون، وأنَّ الماركسية تهدِم أساس المجتمع، وهو الأسرة، فتقضي بذلك على العلاقات الاجتماعيَّة.

 

  • اقتنع الجميعُ بأنها نظرية فاسِدة يستحيلُ تطبيقُها؛ حيث تحمِل في ذاتها بذور فنائِها، انتهى الأمر بتفكُّك الاتحاد السوفيتي ذاته، وأصبح اسمُه مجرَّد أثرٍ في تاريخ المذاهب الهدَّامة.

 

فالحمد لله الذي مَنَّ علينا بنظام إسلامي متكامِل، يُدرَّس لكلِّ جيل، ويُصلِح كلَّ بقعة، غير قابل للتجزئة، وما أخذتْ به الدول إلا وتُحقِّق لها النفع العظيم؛ لأنَّه دِين محكَم، أنزله الخبير العليم بخَلْقه، الذين لن تدركَ عقولُهم القاصرة أسرارَ هذا النظام المتقَن، وستتيه عقولُهم في لُجَج الأهواء والمذاهب، التي لن يتفقوا عليها بطبيعة الحال، ولو افترضْنا صحَّتها في وقت، فسرعان ما سينكشف بُطلانُها مع الزمن، وصدَق الله تعالى: ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾ [الكهف: 104 - 105].

 

  • الاحد PM 06:31
    2021-08-22
  • 1757
Powered by: GateGold