المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412294
يتصفح الموقع حاليا : 308

البحث

البحث

عرض المادة

شبهات حول عقوبة القصاص

حول عقوبة القصاص :
(قالوا : إن القصاص عقوبة قاسية لا تراعي شخصية المجرم وظروفه ودوافعه ، كما أن جعل القصاص حقاً لأولياء القتيل ؛ فيه تغليب لجانب الانتقام ، واعتباره أساساً للعقاب ، وهذا من الهمجية الأولى ، ولا يتفق مع التحضر والمدنية ، واعتبار العقاب تهذيباً واستصلاحاً )[21].
- دحض هذه الشبهة :
(أما أن القصاص عقوبة قاسية فهذا حق ، ولكنها هي مقتضى العدل والإنصاف ؛ لأن القصاص يفعل بالجاني مثل فعله بالمجني عليه ، فهو جارٍ على سنن المساواة بين الجريمة والعقوبة مساواة دقيقة ، ولا ظلم في القصاص ، بل الظلم أن يُترك الجاني من غير قصاص .
وأما إهمال شخصية المجرم ، فقد ذكرت فيما سبق أن الشريعة تراعي شخصية المجرم بالقدر الذي تستلزمه هذه الرعاية ، فلا تقيم القصاص إلا على من كان عامداً عاقلاً بالغاً . فإن كانت الجناية خطأً أو شبه عمد ، فلا قصاص ، وإن كان الجاني صغيراً أو مجنوناً ، فعمده خطأ ، ولا قصاص عليه أيضاً .
أما تجاوز هذه الحدود بحجة ملاحظة نفسية المجرم وميوله وتربيته ؛ فإن ذلك من شأنه أن يوقع في متاهات الأهواء ، ويجعل أحكام القصاص مضطربة قلقة ، ويؤدي إلى إفلات المجرمين من العقاب ، وانتشار الجريمة وعدم السيطرة عليها .
وأما اعتبار القصاص من حق المجني عليه أو أوليائه ، لا من حق المجتمع ، فإن هذا من حسنات تشريع هذه العقوبة ، لا من مثالبها ؛ لأن الجريمة تمس المجني عليه وأهله مباشرة ، فهم الذين اكتووا بنارها ، وتلوعوا بما وقع على قريبهم . أما تضرر المجتمع فيأتي بصورة غير مباشرة . فكان من العدل والحكمة شفاء غيظ
المجني عليه خاصة ، وإطفاء نار الغضب في نفسه بتمكينه من القصاص إن أحب أو الدية أو العفو المطلق .
ولا شك أن العناية بشفاء غيظ المجني عليه وتمكينه من الجاني عليه ، يقتل في نفسه الرغبة في الثأر والانتقام، ويمنعه من الإسراف في القتل والاعتداء .
وإذا عفا المجني عليه أو وليه عن الجاني ؛ فللقاضي أن يعاقبه بعقوبة تعزيرية تتناسب مع جرمه وحاله حفظاً للنظام العام ، وحماية لحق المجتمع . ويتأكد ذلك إذا كان هذا الجاني معروفاً بالشر والفساد )[22] .
 
الشبهة الخامسة : حد شرب الخمر :
(زعم بعضهم أن تنفيذ حد السكر فيه انتهاك صارخ لحرية الإنسان الشخصية، وتدخّل في خصوصياته، فضلاً عن ما فيه من الغلظة والقسوة التي يأباها عالمنا المتحضر اليوم)[23].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
1- (حد السكر حكم ثابت في الشريعة الإسلامية لا يحل لأحد تعطيله علمنا الحكمة منه أم لم نعلم. قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾ [المائدة: 90-91].
وعن أنس بن مالك قال: «إن نبي الله صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال، ثم جلد أبو بكر أربعين، فلما كان عمر ودنا الناس من الريف والقرى قال: ما ترون في جلد الخمر؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: أرى أن تجعلها كأخف الحدود، قال: فجلد عمر ثمانين».تخريج الحديث
1- إن الإنسان في الشريعة الإسلامية ليس له الحرية المطلقة في مأكله ومشربه، بل هنالك ما هو ممنوع من تناوله لسبب من الأسباب كالضرر والقذارة ونحوهما.
2- اهتم الشارع بالحفاظ على سلامة العقل البشري، فقطع كل الوسائل المؤدية إلى تغييبه أو إتلافه والخمر من أخطر هذه الوسائل.
3- إن الخمر تضع متعاطيها في وضع مزرٍ مهين غير لائق بالحيوان، فضلاً عن الإنسان، فتخرجه عن احتشامه ووقاره بل وعن بشريته في بعض الأحيان، فالخمر تحدث تغييرًا ضارًا في نفسية الإنسان، فتولد فيه الشعور بالنقص والاحتقار والقلق والاضطراب النفسي.
4- إنها إسراف للمال فيما يضر ولا ينفع، يكلف الفرد والدول الخسائر الفادحة.فقد ذكرت بعض التقارير التي نشرت عام 1980م أن فرنسا تخسر على الخمور في العام الواحد ما يربو على (سبعة آلاف مليون دولار)، وأن الولايات المتحدة الأمريكية تخسر ما يربو على (ثلاثين ألف مليون دولار) سنويًا، كما إنها تلهي الإنسان عن عمله وتشغله عما ينفعه ويعود عليه وعلى مجتمعه بالنفع والفائدة.
6- إنها تحول الإنسان إلى شخص أناني ينفق ماله على ملذاته وشهواته ويترك زوجته وأولاده دون رعاية واهتمام، فمن ذلك كله يعلم لماذا جاء الشرع بتحريم الخمر وترتيب العقوبة الرادعة على من شربها )[24].
 
الشبهة السادسة : حد القذف :
(زعم بعضهم أن حد القذف وهو الجلد ثمانين جلدة شديد قاسي لا يصلح لزماننا هذا)[25].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
1- (حد القذف حكم ثابت في الشريعة الإسلامية لا يحل لأحد تعطيله علمنا الحكمة منه أم لم نعلم. قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [النور: 4-5].
2- حد القذف يرد للمجني عليه اعتباره، ويعيد عليه كرامته.
3- ما في هذا الحد من وقاية أعراض الناس بمنع إلصاق التهم بهم وتشويه سمعتهم.
4- ترك إقامة الحد يجرئ السفهاء على اتهام الشرفاء، مما يزرع في المجتمع بذور الحقد والبغضاء والكراهية بين الناس، وربما أفضى بالمجني عليه إلى الانتقام بالقتل أو غيره حتى يسترد كرامته.
5- إن القاذف حين يقذف أخاه فإنه يؤلمه إيلامًا نفسيًا، فكان من المناسب إيلام القاذف بدنيًا، ونفسيًا جزاء صنيعه.
6- ولما كان القاذف يريد بقذفه تحقير المقذوف كان جزاؤه أن يحقر من الجماعة كلها، وذلك بإسقاط عدالته؛ فلا تقبل له شهادة، ويوصف بالفسق حتى يتوب توبة نصوحًا.
7- أن الإسلام يسد جميع الأبواب المفضية إلى الزنا ويعالجها بشتى الطرق، فالرمي بالزنا وكثرة سماعه قد يهونه في النفوس مما قد يغري بهذه الجريمة، فإذا كانت نادرة الذكر في المجتمع فإنها تبقى مرهوبة لدى الناس، مستبشع الوقوع فيها، وبذلك نحافظ على نزاهة المجتمع وطهارته )[26].
 
الخاتمة :
وختاما .. يظهر لنا بأن هذا الدين الحنيف تُثار عليه بين الفينة والأخرى عدة شبهات لتنفير الناس عنه إلا أن الله عز وجل مظهره وناصره ولو بعد حين , لذا لزم على أهل العلم وطلبته معرفة الشبهات التي تُثار حوله والرد عليها وتجليتها من خلال كتابة الكتب والرسائل المترجمة بعدة لغات ثم نشرها .
أسأل الله أن ينفع بما نقلت وجمعت إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد وصحبه أجمعين.
 

  • السبت AM 06:18
    2015-07-04
  • 6829
Powered by: GateGold