المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409178
يتصفح الموقع حاليا : 392

البحث

البحث

عرض المادة

نشأة الخوارج

 

اختلف المؤرخون وعلماء الفرق في تحديد بدء نشأتهم، وخلاصة ذلك ما يلي:

 

أنهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
أنهم نشأوا في عهد عثمان رضي الله عنه.
أنهم نشأوا في عهد علي رضي الله عنه حين خرج عليه طلحة والزبير، كما يزعم بعض علماء الإباضية.
أو حين خرج الخوارج من المحكمة عن جيشه كما هو الراجح.
أنهم ظهروا في عهد نافع بن الأزرق ابتداء من سنة 64هـ، كما تقدم في التعريف بهم. وفيما يلي مناقشة تلك الأقوال وبيان الصحيح منها:
أما بالنسبة للقول الأول، فإن المقصود به ما وقع للرسول صلى الله عليه وسلم من قيام ذي الخويصرة- عبد الله ذي الخويصرة التميمي- في إحدى الغزوات في وجه الرسول معترضاً على قسمة الرسول صلى الله عليه وسلم للفيء، وأنه لم يعدل - حاشاه - في قسمتها.
وقد قال بهذا القول كثير من العلماء منهم: الشهرستاني وابن حزم وابن الجوزي، والآجري، إلا أنه ينبغي التفريق بين بدء نزعة الخروج على صورة ما، وظهور الخوارج كفرقة لها آراء وتجمع قوي.
فذو الخويصرة لا يعتبر في الحقيقة زعيماً للخوارج، لأن فعلته حادثة فردية- تقع للحكام كثيراً- ولم يكن له حزب يتزعمه ولا كان مدفوعاً من أحد - إلا طمعه وسوء أدبه مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع هذا فيمكن القول بأن نزعة الخروج قد بدأت بذرتها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم  (1) 
وأما بالنسبة للقول الثاني، فهو رأي لبعض العلماء أيضاً كابن كثير وابن أبي العز  (2) , ولكن يرد على هذا أن أولئك الثوار البغاة كان هدفهم قتل عثمان وأخذ المال، ولا ينطبق عليهم وصف فرقة ذات طابع عقائدي خاص، ولهذا اندمجوا مع المسلمين بعد تنفيذ جريمتهم ولم يشكلوا فرقة مستقلة –وإن كان فعلهم يعتبر خروجاً عن الطاعة وخروجاً على الإمام –إلا أنهم ليسوا هم الخوارج كفرقة عقائدية سياسية لما تقدم.
وأما بالنسبة للقول الثالث؛ وهو للورجلاني الإباضي، فأنه قول مردود؛ فإن طلحة والزبير رضي الله عنهما لا يصح وصفهما بالخوارج ولا ينطبق عليهما وصف الخوارج كفرقة، وكان معهما أيضاً أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وقد شهد الله لها بالإيمان، وطلحة والزبير رضي الله عنهما من العشرة المبشرين بالجنة  (3) .
وأما بالنسبة للقول بأن نشأتهم تبدأ من قيام نافع بن الأزرق؛ فإنه لم يقل به غير من ذكرنا من علماء الإباضية؛ لنفيهم وجود صلة ما بين المحكمة ومن سار على طريقتهم وبين الأزارقة بعدهم، وهو قول غير مقبول لوجود تسلسل الأحداث وارتباطها من المحكمة إلى ظهور نافع بن الأزرق.
والحاصل أن الخوارج بالمعنى الصحيح اسم يطلق على تلك الطائفة ذات الاتجاه السياسي والآراء الخاصة، والتي خرجت عن جيش الإمام علي رضي الله عنه والتحموا معه في معركة النهروان الشهيرة   (4) .
ومما نذكره هنا محاورات بين علي رضي الله عنه والخوارج، تصور لنا مدى التعنت الذي اتصف به الخوارج.  (28) 
يختلف المؤرخون في تحديد بدء نشأة الخوارج هل كان ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو في عهد عثمان أو في عهد علي رضي الله عنهما أو أن نشأتهم لم تبدأ إلا بظهور نافع بن الأزرق وخروجه عام 64هـ؟
وسوف نتناول أقوال المؤرخين في هذا المقام بالعرض والدراسة واختيار ما نراه صحيحا منها.
القول الأول: 
أن أول الخوارج هو ذو الخويصرة أو عبد الله بن ذي الخويصرة التميمي الذي بدأ الخروج بالاعتراض على النبي صلى الله عليه وسلم في قسمة الفيء واتهامه إياه بعدم العدل وقد ورد في حديث البخاري تحت باب (من ترك قتال الخوارج للتألف وأن لا ينفر الناس عنه) عن أبي سعيد قال: ((بينا النبي صلى الله عليه وسلم يقسم جاء عبد الله بن ذي الخويصرة التميمى فقال: اعدل يا رسول الله . فقال: ويلك من يعدل إذا لم أعدل. قال عمر بن الخطاب دعني أضرب عنقه . قال: دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاته ، وصيامه مع صيامه ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، ينظر في قذذه فلا يوجد فيه شيء، ينظر في نصله فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر في رصافه فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر في نضيه فلا يوجد فيه شىء، قد سبق الفرث والدم ، آيتهم رجل إحدى يديه - أو قال ثدييه - مثل ثدي المرأة - أو قال مثل البضعة - تدردر، يخرجون على حين فرقة من الناس. قال أبو سعيد أشهد سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم وأشهد أن عليا قتلهم وأنا معه ، جيء بالرجل على النعت الذي نعته النبي - صلى الله عليه وسلم - . قال فنزلت فيه وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ))  (5) ، فهو على ما يبدو من تبويبه لهذا الحديث يعتبر ذا الخويصرة أول الخوارج وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ترك قتله للتألف.
وقد أخرج الإمام مسلم رحمه الله هذا الحديث مع اختلاف في الألفاظ  (6) وقد اقتصر في تسمية ذلك الخارجي الأول على (ذي الخويصرة) بينما هو في البخاري عبد الله بن ذي الخويصرة وربما رجع ذلك إلى اشتهار عبد الله باسم أبيه ذي الخويصرة فاقتصر مسلم على الشهرة بينما ذكر البخاري اسمه كاملاً.
وسواء كان الخارج على النبي هو عبد الله أو أباه؛ فإن الحادثة قد وقعت بهذه الصورة وقد أورد مسلم عدة روايات حول هذه القضية ولكنه لم يصرح بالاسم إلا  في رواية أبي سعيد، وفي بعض الروايات التي ذكرها الإمام مسلم عن أبي سعيد ذكر أوصاف ذلك الرجل دون ذكر اسمه كما في قوله:  ((بعث علي رضي الله عنه وهو باليمن بذهبة في تربتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقسمها الرسول صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر؛ الأقرع بن حابس الحنظلي، وعيينة بن بدر الفزاري، وعلقمة بن علاثة العامري، ثم أحد بني كلاب، وزيد الخير الطائي، ثم أحد بني نبهان قال: فغضبت قريش فقالوا: أيعطي صناديد نجد ويدعنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني إنما فعلت ذلك لأتألفهم. فجاء رجل كث اللحية مشرف الوجنتين غائر العينين ناتئ الجبين محلوق الرأس، فقال: اتق الله يا محمد. قال: فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن يطع الله إن عصيته، أيأمنني على أهل الأرض ولا تؤمنوني؟ قال: ثم أدبر الرجل فاستأذن رجل من القوم في قتله (يرون أنه خالد بن الوليد)، فقال رسول الله: إن من ضئضئ  (7) هذا قوما يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد))  (8) .
وقد أخبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه ببعض أوصافهم التي أخبره بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووقع مصداق ذلك حين قتلهم علي بن أبي طالب  في معركة النهروان، كما جاء في كلام عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم  (أن الحرورية لما خرجت وهو مع علي بن أبي طالب قالوا: لا حكم إلا لله قال علي: كلمة حق أريد بها باطل؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء، يقولون الحق بألسنتهم لا يجوز هذا منهم (وأشار إلى حلقه)، من أبغض خلق الله إليه منهم أسود إحدى يديه طبي شاة أو حلمة ثدي، فلما قتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: انظروا، فنظروا فلم يجدوا شيئا فقال: ارجعوا فوالله ما كذبت ولا كذبت مرتين أو ثلاثا. ثم وجدوه في خربة فأتوا به حتى وضعوه بين يديه. قال عبيد الله: وأنا حاضر ذلك من أمرهم وقول علي فيهم: زاد يونس في روايته: قال بكير: وحدثني رجل عن أبي حنين أنه قال: رأيت ذلك الأسود )  (9) .
وقد ذهب إلى القول بأن أول الخوارج هو ذو الخويصرة كثير من العلماء منهم ابن الجوزي وذلك في قوله: أن  " أول الخوارج وأقبحهم حالة ذو الخويصرة " . وقوله:  " فهذا أول خارجي خرج في الإسلام وآفته أنه رضي برأي نفسه ولو وقف لعلم أنه لا رأي فوق رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأتباع هذا الرجل هم الذين قاتلوا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه  (10) .
ومنهم ابن حزم  (11) ، وهو رأي الشهرستاني أيضاً حيث يقول: وهم الذين أولهم ذو الخويصرة وآخرهم ذو الثدية  (12) ، واعتبر اعتراض ذي الخويصرة خروجا صريحا؛ إذ إن الاعتراض على الإمام الحق يسمى خروجاً فكيف بالاعتراض على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ويقول بعد أن ذكر حديث ذي الخويصرة: وذلك خروج صريح على النبي صلى الله عليه وسلم، ولو صار من اعترض على الإمام الحق خارجيا فمن اعترض على الرسول أحق بأن يكون خارجياً  (13) .
وينقل الطالبي عن أبي بكر محمد بن الحسن الآجري أنه يرى أن أول الخوارج كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم إنهم بعد ذلك خرجوا من بلدان شتى واجتمعوا وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى قدموا المدينة فقتلوا عثمان، ثم خرجوا بعد ذلك على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  (14) .
القول الثاني: 
وهو للقاضي علي بن علي بن أبي العز الحنفي شارح (الطحاوية)، الذي يرى أن نشأة الخوارج بدأت بالخروج على عثمان رضي الله عنه في تلك الفتنة التي انتهت بقتله وتسمى الفتنة الأولى – يقول:  فالخوارج والشيعة حدثوا في الفتنة الأولى  (15) .
ويسمي ابن كثير الذين ثاروا على عثمان وقتلوه خوارج فيقول: وجاء الخوارج فأخذوا مال بيت المال وكان فيه شيء كثير جدا  (16) .
القول الثالث: 
وهو للورجلاني حيث يعتبر أن نشأة الخوارج بدأت منذ أن فارق طلحة والزبير علياً رضي الله عنه وخرجا عليه بعد مبايعتهما له، ثم يقول: وشرعا دين الخوارج دينا؛ فلهما أجور الخوارج وأوزارهما  (17) .
القول الرابع: 
أن نشأة الخوارج بدأت سنة 64هـ بقيادة نافع بن الأزرق في أواخر ولاية ابن زياد وهذا الرأي لعلي يحيى معمر الإباضي  (18) . وهو في هذا الرأي يتابع قطب الأئمة أبي إسحاق أطفيش الإمام الإباضي الذي يرى أن ما حدث بين الإمام علي وبين الطائفة التي انفصلت عن جيشه والتي سميت فيما بعد بالمحكمة إنما هو نوع من أنواع الفتن الداخلية التي وقعت بين المسلمين في ذلك العصر؛ حيث اعتبرت تلك الطائفة أن علياً رضي الله عنه قد زالت عنه الإمامة الشرعية حينما قبل التحكيم، ولهذا فقد ولوا عبد الله بن وهب الراسبي في زهده وتقواه ودعى هذا بدوره عليا للدخول في طاعته بعد أن اختاره من معه من الصحابة وغيرهم  (19) – كما يدعي الخوارج.
فلم يكن ما حدث بين علي ومن معه في نظر أصحاب هذا الرأي إلا فتنة انتهت على نحو ما انتهت عليه وليس خروجا على الإمام، كما هو المعنى الحقيقي للخروج الذي يرون أنه لم يبتدئ إلا بخروج نافع بن الأزرق. أما ما كان قبل ذلك من حركات ثورية على علي رضي الله عنه والأمويين من بعده فهي مجرد ثورات ومواقع حربية دارت بين الفريقين وليست خروجا بالمعنى الصحيح. يقول في هذا أبو إسحاق أطفيش: 
 " الخوارج طوائف من الناس في زمن التابعين وتابع التابعين رؤوسهم: نافع بن الأزرق، ونجدة بن عامر، ومحمد بن الصفار، ومن شايعهم، وسموا خوارج لأنهم خرجوا عن الحق وعن الأمة بالحكم على مرتكب الذنب بالشرك "  (20) 
 ويقول علي يحيى معمر:  " سبق إلى أذهان أكثر الناس – بسبب خطأ المؤرخين في ربط الأحداث – أن المحكمة الذين قتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في وقعة النهروان هم أصل الخوارج وهو مفهوم خاطئ؛ فإن المحكمة قد قتلوا في النهر ولم ينج منهم إلا تسعة أفراد، ثم ثار على الحكم الأموي طوائف كثيرة من الناس جماعات وأفرادا، حتى ظهر الخوارج  في أواخر ولاية ابن زياد سنة  64 هـ, بقيادة نافع بن الأزرق، فمعركة النهروان هي فتنة بين الصحابة وقعت بين الإمام علي بن أبي طالب والمحكمة  (21) . ومما يجدر بالذكر أنه قد استبعد أن يكون الناجون من حرب النهروان تسعة فقط كما يأتي ذلك فيما بعد. وهنا أثبت ذلك العدد تأكيدا لرأيه في بدء نشأة الخوارج .
القول الخامس: 
أن نشأتهم بدأت بانفصالهم عن جيش الإمام علي رضي الله عنه وخروجهم عليه، وهذا الرأي هو الذي عليه الكثرة الغالبة من العلماء إذ يعرفون الخوارج بأنهم هم الذين خرجوا على علي بعد التحكيم ، ومن هؤلاء الأشعري فقد أرخ للخوارج، وأقدم من أرخ لهم منهم هم الخارجون على الإمام علي وقال عنهم:  " والسبب الذي سموا له خوارج خروجهم على علي بن أبي طالب (22) .
وقد تابعه  في صنيعه البغدادي؛ حيث بدأ التاريخ للخوارج بذكر الخارجين على علي رضي الله عنه  (23) . وكذلك يرى أبو الحسين الملطي أن الفرقة الأولى للخوارج هي المحكّمة  (24) .
وقد سار على هذا الرأي أصحاب المعاجم ودوائر المعارف ( في مادة الخروج) والكتاب المحدثون الذين كتبوا عن الفرق الإسلامية كالأستاذ أحمد أمين والشيخ أبو زهرة والغرابي رحمهم الله وغيرهم، والمؤرخون في تأريخهم لأحداث الفتنة الكبرى. 
يقول الأستاذ أحمد أمين: واسم الخوارج جاء من أنهم خرجوا على علي وصحبه  (25) .
ويقول الشيخ أبو زهرة: اقترن ظهور هذه الفرقة (أي الخوارج) بظهور الشيعة، فقد ظهر كلاهما كفرقة في عهد علي رضي الله عنه وقد كانوا من أنصاره  (26) . وصاحب كتاب (الأديان) وهو إباضي يعتبر خروج الخوارج إنما كان على علي حينما حكم  (27) .
وقد أصبح إطلاق اسم الخوارج  على الخارجين عن الإمام علي أمرا مشتهرا بحيث لا يكاد ينصرف إلى غيرهم بمجرد ذكره. 
هذه هي الأقوال في بدء نشأة الخوارج، وعلينا في اختيار ما نراه صحيحا منها أن نفرق بين بدء نزعة الخروج على صورة ما، وظهور الخوارج كفرقة لها آراؤها الخاصة، ولها تجمعها الذي تحافظ عليه وتعمل به على نصرة هذه الآراء. 
والواقع أن نزعة الخروج – أو بتعبير أدق بدء نزعة الخروج – قد بدأت بذرتها الأولى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باعتراض ذي الخويصرة عليه. لكن هل كان خروجا حقيقيا أم كان مجرد حادثة فردية اعترض فيها واحد من المسلمين على طريقة تقسيم الفيء طمعا في أن يأخذ منه نصيبا أكبر؟ وهو الأمر الذي سنرجحه  فيما بعد. 
أما تعبير النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي الخويصرة بأن له أصحابا فقد يجوز: 
أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد توقع وجود أصحاب يؤيدون هذا الرجل حيث استطاع الاعتراض على صاحب الدعوة، فامتنع عن قتله تألفا له ولهم. 
ويجوز أيضا أن يكون ذلك القول كان توقعاً من النبي عليه السلام وإخبارا عما سيكون من عاقبة هذا الرجل وأمثاله؛ إذ إن الاعتراض على شخصيته صلى الله عليه وسلم يجعل من المتوقع أن يوجد الاعتراض على الخلفاء من بعده والخروج عليهم من باب أولى. 
ويجوز أن يكون قصد النبي صلى الله عليه وسلم بالأصحاب لهذا الرجل هم من يكونون على شاكلته في مستقبل الأيام بحيث يكونون متابعين له على فكرته، وإن لم يتزعم قيادتهم في هذا الخروج على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الخلفاء. 
لقد مضى عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ولم يكن لذي الخويصرة ذكر في هذه العهود بعد تلك الحادثة لا بنفسه ولا مع من يمكن أن يكونوا على شاكلته. ولم يذكر التاريخ -  فيما اطلعت عليه – أنه كان كذلك من الثائرين على عثمان رضي الله عنه أو أنه كان له أبناء أو أصحاب ينتسبون إليه في تلك الثورة مع أن الفارق الزمني بين ورود  الحديث فيه وبين أحداث الفتنة الكبرى يسمح بمثل هذا لو كان. 
كل هذا يجعل من هذه الحادثة التي ارتكبها ذو الخويصرة حادثة فردية في وقتها؛ حيث لم يشتهر بالخروج ولم تعرف له آراء خاصة يتميز بها ولم يكون له حزبا سياسيا معارضا وإن لم يمنع هذا من اعتباره الفيء لمجرد نزعة الخروج في صورة ساذجة، إذا صح أن يكون الاعتراض على تقسيم الفيء خروجا. 
وأما القول بأن نشأتهم تبدأ بثورة الثائرين على عثمان رضي الله عنه، فلا شك أن ما حدث كان خروجا عن طاعة الإمام إلا أنه لم يكن يتميز بأنه خروج فرقة ذات طابع عقائدي خاص لها آراء وأحكام في الدين، غاية ما هنالك أن قوما غضبوا على عثمان واستحوذ عليهم الشيطان حتى أدى بهم إلى ارتكاب جريمة قتله ثم دخلوا بين صفوف المسلمين كأفراد منهم. 
وفيما يتعلق بالقول بأن طلحة والزبير رضي الله عنهما كانا أول الخارجين على علي – كما يقول الورجلاني – فمن الصعب عليه إثبات ذلك. فقد كان معهما أم المؤمنين عائشة ومن معهم من المسلمين، و على كل فقد انتهت موقعة الجمل واندمج من بقي منهم في صفوف المسلمين دون أن تجمعهم رابطة فكرية معينة كتلك التي حدثت بين الخوارج على علي في جيشه فيما بعد، وكان خروجهم باسم المطالبة بدم عثمان رضي الله عنه فإذا كان قد بدئ الخروج على علي بخروج أصحاب موقعة الجمل فإنه لا ينطبق عليهم مصطلح الخوارج كطائفة لها اتجاهها السياسي وآراؤها الدينية الخاصة، وطلحة والزبير من العشرة الذين بشرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة، فكيف يجوز أن يعتبرا من الخوارج ويطبق عليهما أحاديث المروق الواردة في الخوارج؟! 
أما القول بأن نشأتهم تبدأ من قيام نافع بن الأزرق فإنه لم يقل به غير علي يحيى معمر تبعا لقطب الأئمة الإباضية أبي إسحاق أطفيش لنفيهم وجود صلة ما بين المحكمة ومن ثار على طريقتهم وبين الأزارقة بعدهم، وهو قول غير مقبول لوجود تسلسل الأحداث وارتباطها من المحكمة إلى ظهور نافع بن الأزرق بحيث يظهر أن الأولين هم سلف الخوارج جميعا، كما سنبين هذا عند الكلام عن حركات الخوارج وفرقهم. 
وهكذا يتضح الفرق بين مجرد وجود نزعة الاعتراض أو الثورة خروجا عن طاعة الإمام، وبين الخروج في شكل طائفة لها اتجاهها السياسي وآراؤها الخاصة؛ كخروج الذين خرجوا على علي رضي الله عنه منذ وقعة صفين، وهم الذين ينطبق عليهم مصطلح الخوارج بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، وهذا هو القول الأخير الذي نختاره ونسير عليه في هذه الرسالة مؤرخين لهذه الطائفة دارسين لآرائهم. 
والواقع أن هذا هو ما يشهد له واقع تلك الحركة التي أحدثت دويا هائلا في تاريخ هذه الأمة الإسلامية عدة قرون تميزت فيها بآراء ومعتقدات وأنظمة لفتت إليها أنظار علماء التاريخ والفرق الإسلامية، بخلاف ما سبقها من حركات فإنها لم يكن لها أثر فكري أو عقائدي يذكر

 

  • الاربعاء AM 01:09
    2015-06-03
  • 3135
Powered by: GateGold