المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 655926
يتصفح الموقع حاليا : 427

البحث

البحث

عرض المادة

السياسة الشرعية في حفظ أهل الإيمان للأمانات

د/ احمد نصير

السياسة الشرعية في حفظ أهل الإيمان للأمانات

 

قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)

 

تحدثت الآيتان (58-59) عن الأمانة من حيث حفظ المؤمنين لها ، آمرة لهم أن يتحلوا بأداء الأمانات ، ومن جملة ذلك حفظ نظام الحكم الإسلامي بطاعة الله وطاعة رسوله وطاعة ولاة الأمور من طاعتهما ، والحرص على رد المتنازع فيه إلى أحكام  الشريعة الإسلامية ، التي مصدريها الأصليين الكتاب الكريم والسنة المطهرة .

 

قوله (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) ، شدد الإسلام على ضرورة حفظ الأمانات ، فأتى بلفظ الأمر صريحا ، وجاء بمادته (يأمركم) ، وسبق أن ورد هذا اللفظ عندما أمر موسى عليه السلام بني إسرائيل أن يذبحوا بقرة ، لكن هذه هي أول يُخاطب الصحابة بهذا اللفظ في القرآن ، وكان ذلك بمناسبة فتح مكة ، حيث دخل النبي r مكة فاتحا ولم يكن معه مفاتيح الكعبة ، ووجدها عند عثمان بن طلحة ، كان يحتفظ بأمانتها ، فلما أخذ النبي r مفتاح الكعبة منه ليدخلها أعاد له الأمانة مرة أخرى ، قال ابن كثير (أُقِرها عليهم في الإسلام كما في الجاهلية)[1]، يعني أقر لهم الحق في الاحتفاظ بمفاتيح الكعبة بعد فتح مكة ودخول الإسلام فيها كما كانت لهم قبل ذلك .

 

فعن ابن جريج قوله: (إِنّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) قال: نزلت في عثمان بن طلحة قبض منه النبي r مفتاح الكعبة، فدخل به البيت يوم الفتح، فخرج وهو يتلو هذه  فدعا عثمان إليه، فدفع إليه المفتاح، قال: وقال عمر بن الخطاب لما خرج رسول الله r من الكعبة، وهو يتلو هذه الآية: فداه أبي وأمي، ما سمعته يتلوها قبل ذلك)[2].

 

وعن مجاهد في قول الله تعالى - إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها - قال: نزلت في ابن طلحة قبض النبي r مفتاح الكعبة ، فدخل الكعبة يوم الفتح، فخرج وهو يتلو هذه الآية، فدعا عثمان فدفع إليه المفتاح وقال: خذوها يا بني أبي طلحة بأمانة الله لا ينزعها منكم إلا ظالم[3] ، ذَكَرَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ أَنّ الْعَبّاسَ تَطَاوَلَ يَوْمَئِذٍ لِأَخْذِ الْمِفْتَاحِ فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَرَدّهُ رَسُولُ اللّهِ r إلَى عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ)[4].

 

و(الأمانة) تكليف منه شرعي أو اتفاقي :-

فالتكليف الشرعي بالأمانة هو كل ما أمر الله به ،  فأداؤه أمانة سواء قبل  المستأمن أم لم يقبل ، فعن عبد الله بن مسعود قال (الصلاة أمانة والوضوء أمانة والوزن أمانة والكيل أمانة وأشياء عددها وأعظم ذلك الودائع)[5] ، والنفس أمانة وقد استودعها الله في المرء ليحافظ عليها ، ولذلك قال (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة).

والأمانات التي  يسأل عنها العبد كثيرة ومتنوعة ، ويتسع ويضيق نطاقها بحسب التكليف والولاية ،كما قال النبي r (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ،فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته ،والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها، والولد راع في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته ،والعبد راع في مال سيده وهو مسئول عن رعيته ،ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)[6] .

 

والتكليف الاتفاقي بالأمانة  هو ما قَبِلَه المُستأمن أن يُستودع عِنده برضاه ، ولذلك قال رسول الله r (أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ)[7]، وهو ما يقتضي بحث مسألة حبس الأمانة عمن خان أمانة المؤتمن أخذا بسياسة المعاملة بالمثل ، فهل يجوز ؟

 أي هل يحوز حبس الأمانة لاستيفاء حق المؤتمن لدي المستأمن؟ قال العلماء في تفسير (لا تخن من خانك) هذا معناه عند أهل العلم لا تخن من خانك بعد أن انتصرت منه في خيانته لك ، والنهي إنما وقع على الابتداء أو ما يكون في معنى الابتداء كأنه يقول ليس لك أن تخونه وإن كان قد خانك كما من لم يكن له أن يخونك أولا ، وأما من عاقب بمثل ما عوقب به وأخذ حقه ، فليس بخائن ، وإنما الخائن من أخذ ما ليس له أو أكثر مما له)[8].

 

وقيل أن الأمانة حق موضوعي مجرد عن المنافع الشخصية ، وحق الله فيها أظهر ، (لأنك تعاملهم لحق الله جل وعلا، فلا تستبيح مالهم لأجل ما هم عليه؛ بل تؤدي فيهم حق الله جل وعلا)[9]، قال أبو الطيب (فيه دليل على أنه لا يجوز مكافأة الخائن بمثل فعله ، فيكون مخصصا لعموم قوله تعالى (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) وقوله (فمن اعتدى عليكم) الآية ، ولكن الخيانة إنما تكون في الأمانة)[10].

وقال الصناعي (فيه دليل على أنه لا يجازي بالإساءة من أساء ، وحمله الجمهور على أنه مستحب لدلالة قوله تعالى (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا)(وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) على الجواز وهذه هي المعروفة بمسألة الظفر وفيها أقوال للعلماء هذا القول الأول وهو الأشهر من أقوال الشافعي وسواء كان من جنس ما أخذ عليه أو من غيره جنسه ، والثاني يجوز إذا كان من جنس ما أخذ عليه لا من غيره لظاهر قوله بمثل ما عوقبتم به وقوله مثلها وهو رأي الحنفية و المؤيد ، والثالث لا يجوز ذلك إلا بحكم لظاهر النهي)[11].

 

إذن وفقا لأقوال العلماء السالف ذكرها فإن الإثم الشرعي ينتفي فيمن يأخذ حقه دون زيادة بحبس حق غيره عنده ، وفقا لعموم الآيات ، ولكن الاحتراز أن يفضي ذلك إلى منازعة وشقاق بينهما ، ولذلك فإن الرأي الذي قيد هذا العموم بالحديث سالف الذكر "لا تخن من خانك" القصد منه ضبط مسألة المنازعة ، ولذلك كان الرأي الثالث من آراء الفقهاء المشار إليها هو وجوب الاستناد إلى حكم قضائي ، بمعنى أنه يجوز الحجز التحفظي على المال المؤتمن عليه لحين صدور حكم قضائي بإقرار هذا الحق ثم مصادرته لصالح الدائن ، وعندئذ يشرع له في اتخاذ اجراءات الحجز التنفيذي عليه لاقتضاء حقه من حصيلة البيع الجبري عليه .

ومع تعدد الأمانات وتنوعها واختلاف بعضها عن بعض كان لابد وأن يكون المؤتمن أهلا لها ، فالأهلية في تحمل الأمانة تختلف باختلاف نوع الأمانات ، فأمانة المال بخلاف أمانة تربية العيال ، وأمانة الحكم بخلاف أمانة الغنم ، ..وهكذا ، قال السعدي (الأمانات يدخل فيها أشياء كثيرة، من أجَلَّها: الولايات الكبيرة والصغيرة والمتوسطة، الدينية والدنيوية ، فقد أمر الله أن تؤدى الأمانات إلى أهلها بأن يجعل فيها الأكْفاء لها، وكل ولاية لها أكْفاء مخصوصون ، فهذا الطريق الذي أمر الله به في الولايات من أصلح الطرق لصلاح جميع الأحوال، فإن صلاح الأمور بصلاح المتولين والرؤساء فيها والمدبرين لها والعاملين عليها، فيجب تولية الأمثل)[12] .

 

 وأمانة الحكم  من أعظم الأمانات ، قال رسول الله r (ما من عبد يسترعيه الله -عز وجل- رعية يموت وهو غاش رعيته إلا حرم الله تعالى عليه الجنة([13] (أي يفوض إليه رعاية رعية وهي بمعنى المرعية بأن ينصبه إلي القيام بمصالحهم ويعطيه زمام أمورهم والراعي الحافظ المؤتمن على ما يليه من الرعاية وهي الحفظ)[14]

 

وعن رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ (مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَاحْتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِمْ وَخَلَّتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ وَفَقْرِهِ)[15] (والمعنى منع أرباب الحوائج أن يدخلوا عليه ويعرضوا حوائجهم)[16] أي: (أن عليه أن يقوم بما يعود عليهم بالخير، وتحصيل ما ينفعهم، ودفع ما يضرهم، وكذلك لا يحتجب عنهم، وإذا لم يتمكن من البروز لهم فعليه أن يقيم من يقوم مقامه في رعاية مصالحهم، وقضاء حوائجهم، وتدبير أمورهم)[17].

 

وهذا يقتضى حفظ أهل الولاية للأمانات بأن يستعملوا عليها من هم أهل لها  وأجدر بها ، فلا يكفي أن يستعملوا عليها من هو أهل لها وحسب ، بل لابد من الأجدر كذلك ، فيختاروا من بين من تتوافر فيهم شروط الأهلية من هو أكفأ لها ، فالولاية أمانة ولكل ولاية من هو أجدر بها من غيره ، قال ابن عثيمين (فيجب علي ولاة الأمور تولية من هو أهل للولاية ودفع الشر عنهم ،وغير ذلك من مصالحهم لأنهم مسئولون عنهم أمام الله عز وجل)[18] ، ولذلك قيل (من تولى من أمر المسلمين شيئا فاستعمل عليهم رجلا وهو يعلم أن فيهم من هو أولى بذلك وأعلم منه بكتاب الله وسنة رسوله فقد خان الله ورسوله وجميع المؤمنين)[19] .

 

  قال شيخ الإسلام ابن تيمية (إذا عرف هذا فليس أن يستعمل إلا أصلح الموجود ، وقد لا يكون في موجوده من هو صالح لتلك الولاية ، فيختار الأمثل فالأمثل في كل منصب بحسبه ، وإذا فعل ذلك بعد الاجتهاد التام ، وأخذه للولاية بحقها فقد أدى الأمانة وقام بالواجب في هذا وصار في هذا الموضع من أئمة العدل والمقسطين عند الله ، وإن اختل بعض الأمور بسبب من غيره إذا لم يمكن إلا ذلك .. لكن إن كان منه عجز ولا حاجة إليه أو خيانة عوقب على ذلك ، وينبغي أن يعرف الأصلح في كل منصب ِ) [20]

 

قال ابن تيمية (وهذا واجب عليه، فيجب عليه البحث عن المستحقين للولايات من نوابه على الأمصار من الأمراء الذين هم نواب ذي السلطان والقضاة ومن أمراء الأجناد ومقدمي العساكر والصغار والكبار وولاة الأموال من الوزراء والكتاب والشادين والسعاة على الخراج والصدقات وغير ذلك من الأموال التي للمسلمين وعلى كل واحد من هؤلاء أن يستنيب ويستعمل أصلح من يجده وينتهي ذلك إلى أئمة الصلاة والمؤذنين والمقرئين والمعلمين وأمير الحاج والبرد والعيون الذين هم القصاد وخزائن الأموال وحراس الحصون والحدادين الذين هم البوابون على الحصون والمدائن ونقباء العساكر الكبار والصغار وعرفاء القبائل والأسواق ورؤساء القرى الذين هم الدهاقون فيجب على كل من ولي شيئا من أمر المسلمين من هؤلاء وغيرهم أن يستعمل فيما تحت يده في كل موضع أصلح من يقدر عليه)[21].

 

وقال (فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره لأجل قرابة بينهما أو ولاء عتاقة أو صداقة أو موافقة في بلد أو مذهب أوطريقة أو جنس كالعربية والفارسية والتركية والرومية أو لرشوة يأخذها منه من مال أو منفعة أو غير ذلك من الأسباب أو لضغن في قلبه على الأحق أو عداوة بينهما فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ودخل فيما نهى الله عنه في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون)[22].

 

وبوجه عام فإن معيار الأهلية في أداء أمانة وتولي الولاية أمران (القوة) ، (الأمانة) عند متوليها ، لقوله (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) [ القصص: 26 ].

 فمعيار الأمانة معروف ، أما معيار القوة في حمل الأمانة ضبط النفس ، واتخاذ القرار السليم في الوقت السليم بما يتناسب مع الموقف ، ولذلك روي عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي قَالَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ (يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةُ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا)[23] ، فالشاهد أن أبا ذر لم يكن ضعيفا في الجهر بالحق ، بل إنه جهر بكلمة الحق وضرب حتى أغمي عليه وقد أوصاه النبي r بالكتمان ، ففي الحديث لما أسلم أبو ذر الغفاري ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ r (ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَأَخْبِرْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي) قَالَ –أبو ذر-(وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) ثُمَّ قَامَ الْقَوْمُ فَضَرَبُوهُ حَتَّى أَضْجَعُوهُ وَأَتَى الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ قَالَ وَيْلَكُمْ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنْ غِفَارٍ وَأَنَّ طَرِيقَ تِجَارِكُمْ إِلَى الشَّأْمِ فَأَنْقَذَهُ مِنْهُمْ ثُمَّ عَادَ مِنْ الْغَدِ لِمِثْلِهَا فَضَرَبُوهُ وَثَارُوا إِلَيْهِ فَأَكَبَّ الْعَبَّاسُ عَلَيْهِ)[24]

 

 فهذا الحديث يدل على موطن الضعف عند أبي ذر وأنه لم يكن قادر على كتمان الشهادة أمام قريش ، فكانت جرأته  في الجهر بها ليست هي وصية رسول الله له ، بل إن النبي r أوصاه بأن يجهر بها بين قومه ، فيجاهد بالكلمة والبلاغ لهم ، ويعرض عن قريش ، أمره بأن يرتب أمر الدعوة على هذا الترتيب ، لكن الحمية غلبته ، فلم يكن أهلا للسياسة الشرعية والتورية والمداراة مع أهل الكفر والنفاق ، والولاية تتطلب الأمانة والقوة والقدرة على المكر والخداع للأعداء ، ولذلك قال النبي r (الحرب خدعة) [25]، ولذلك قال علي (حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ)[26]، فالحديث عن الشهادة لا يكون بتحدي الناس بالجهر بها أمامهم ، وإلا لما امتلأت آيات القرآن حديثا وإخبارا عن السماء والأرض والجبال والليل والنهار والبحار والأنهار والزرع والثمار ....الخ ، كل ذلك ليستدل بها العاقل على لا إله إلا الله .

 

ومعايير الولاية يختلف ويتبدل بتبدل الحال والمآل ، وليست ثابتة على وتيرة واحدة ، قال ابن تيمية (فإن الولاية لها ركنان : القوة والأمانة كما قال تعالى (إن خير من استأجرت القوي الأمين) ، والقوة في كل ولاية بحسبها فالقوة في إمارة الحرب ترجع إلى شجاعة القلب وإلى الخبرة بالحروب والمخادعة فيها .. والقوة في الحكم بين الناس ترجع إلى العلم بالعدل الذي دل عليه الكتاب والسنة وإلى القدرة على تنفي الأحكام ...

 

واجتماع القوة والأمانة في الناس قليل ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : اللهم أشكوا إليك جلد الفاجر وعجز الثقة فالواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها فإذا تعين رجلان أحدهما أعظم أمانة ، والآخر أعظم قوة قدم أنفعهما لتلك الولاية : وأقلهما ضررا فيها فتقدم في إمارة الحروب الرجل القوي الشجاع ، وإن كان فيه فجور فيها على الرجل الضعيف العاجز ، وإن كان أمينا كما سئل الإمام أحمد : عن الرجلين يكونان أميرين في الغزو وأحدهما قوي فاجر ولآخر صالح ضعيف مع أيهما يغزي ؟ فقال : أما الفاجر القوي فقوته للمسلمين وفجوره على نفسه وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين فيغزى مع القوي الفاجر وقد قال النبي r (إِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ) [27].

 

 ولا يقدم الرجل لكونه طلب الولاية أو يسبق في الطلب بل ذلك سبب للمنع منها ، فعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ r أَنَا وَرَجُلَانِ مِنْ قَوْمِي فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ أَمِّرْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَالَ الْآخَرُ مِثْلَهُ فَقَالَ إِنَّا لَا نُوَلِّي هَذَا مَنْ سَأَلَهُ وَلَا مَنْ حَرَصَ عَلَيْهِ)[28] ، وعن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ r (يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا وَإِنْ أُوتِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا)[29] .

 

 لكن من رأى في نفسه كفاءة لأن يتقدم ولم يجد غيره قادر على حملها ، فعليه أن يطلبها كما طلبها نبي الله يوسف عليه السلام (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (يوسف/55) قال ابن عثيمين (إذا كان الغرض من طلبها – كما طلبها يوسف عليه السلام - إزالة سوء التدبير وسوء العمل ويكون هذا لا بأس به)[30]، أي طلبها عند موطن الفساد أو الغفلة، لاسيما إذا كان شرع الله لا يطبق ، وليس عند الرخاء والرفاهية والعدل سائد والأمن مستتب.

 

ومن جهة أخرى فإن وقت أداء الأمانات على الفور ، فهو واجب مضيق وليس بموسع ، متعلق برقبة العبد ، وعليه أن يتحلل من أدائها فورا ، فعن أبي هريرة قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r (لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ – أي جبل أحد - ذَهَبًا – أي من مال المسلمين - مَا يَسُرُّنِي أَنْ لَا يَمُرَّ عَلَيَّ ثَلَاثٌ – ليال - وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ – أي لايزال مدخرا لم يصرف في موضعه الشرعي- إِلَّا شَيْءٌ أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ)[31] قال ابن حجر (وإنما قيد بالثلاث لأنه لا يتهيأ تفريق قدر أحد من الذهب في أقل منها غالبا –وفي رواية يوم وليلة - فالأولى أن يقال الثلاثة أقصى ما يحتاج إليه في تفرقة مثل ذلك)[32].

 

 قال ابن الجوزي (كيف يظن برسول الله r أنه كان يدخر المال وهو يعلم كثرة المحتاجين إليه مع أن طبعه الكرم وسجيته الزهد)[33]، قال ابن بطال (فى هذا الحديث أن المؤمن لا ينبغى له أن يتمنّى كثرة المال إلا بشريطة أن يسلطه الله على إنفاقه فى طاعته اقتداءً بالنبى r فى ذلك ، وفيه : أن المبادرة إلى الطاعة أفضل من التوانى فيها ، ألا ترى أن النبى r لم يحب أن يبقى عنده من مقدار جبل أحدٍ ذهبًا ، لو كان له ، بعد ثلاث إلا دينار يرصده لدين ، وفيه : أن النبى r كان يكون عليه الدين لكثرة مواساته بقوته وقوت عياله ، وإيثاره على نفسه أهل الحاجة ، والرضا بالتقلل والصبر على خشونة العيش ، وهذه سيرة الأنبياء والصالحين ، وهذا كله يدل على أن فضل المال فى إنفاقه فى سبيل الله لا فى إمساكه وادّخاره)[34].

 

وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رسول الله r (إِنَّ الْأَكْثَرِينَ هُمْ الْأَقَلُّونَ إِلَّا مَنْ قَالَ بِالْمَالِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ ..[35] بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ)[36]، قال المناوي (إن المكثرين) مالا (هم المقلون) (ثوابا)[37]، وقال الحافظ: (والمراد الإكثار من المال والإقلال من ثواب الآخرة ، وهذا في حق من لم يتصل بما دل عليه الاستثناء بعد من الإنفاق بقوله (إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه) [38] ، (يعني ضرب يديه بالعطاء للفقراء الجهات الأربع  ، ولم يذكر الفوق والتحت لندرة الإعطاء منهما) [39]

 

والمعنى أن رسول الله r يعلم أن المال هو مال الله ، وأن الله مستخلفه عليه ، وأنه أمانة الله له ، فكان واجب الأمانة يقتضي أن ينفقه في سبيل الله ، وأن يبادر إلى ذلك فلا يمكث معه من هذا المال شيء فوق ثلاثة أيام إلا مال يرصده لقضاء ديون الناس أو دينه هو ، قال ابن عثيمين في الشرح (وهذا يدل على أن النبي r كان أزهد الناس في الدنيا، لأنه لا يريد أن يجمع المال إلا شيئا يرصده لدين وقد توفي r ودرعه مرهونة عند يهودي في شعير أخذه لأهله)[40] .

 

وخيانة الأمانة ذنب عظيم لا يكفره عمل صالح ولا الجهاد في سبيل الله ، فعن بن مسعود قال (القتل في سبيل الله يكفر كل ذنب إلا الأمانة يؤتى بصاحبها ، وإن كان قتل في سبيل الله ، فيقال له أد أمانتك فيقول رب ذهبت الدنيا فمن أين أؤديها فيقول اذهبوا به إلى الهاوية حتى إذا أتى به إلى قرار الهاوية مثلت له أمانته كيوم دفعت إليه فيحملها على رقبته يصعد بها في النار حتى إذا رأى أنه خرج منها هوت وهوى في أثرها أبد الآبدين ، وقرأ عبد الله إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها)[41].

 

وفي قوله (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) (58) فالحكم بين الناس أمانة من الأمانات يجب أن تؤدى وفق شرع الله ، وهو "العدل" ، فعَنْ النَّبِيِّ r قَالَ (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ إِمَامٌ عَادِلٌ)[42] ، وعن علي أنه قَالَ: "حَقٌّ عَلَى الإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَأَنْ يُؤَدِّيَ الأَمَانَةَ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُ وَيُطِيعُوا، وَأَنْ يُجِيبُوا إِذَا دُعُوا"[43] 

 

فالشريعة هي العدل ، والعدل هو الشريعة ، قال ابن عاشور "العدل" هو (إعطاء من يستحق ما يستحق، ودفع الاعتداء والظلم على المظلوم، وتدبير أمور الناس بما فيه صلاحهم ، فيشمل العدل كل ما في كلمات الله: من تدبير شؤون الخلائق في الدنيا والآخرة)[44] ، ذلك أن العدل مناط الحكم الشرعي ، بل إن مدارها عليه ، وعليه جرت الأحكام ، وبه يتم إعمار الكون ، قال تعالى  "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس" (الحديد: 25)

 

وهذه الآية وإن كانت عامة إلا أنها خاصة كذلك في الأمراء وولاة الأمور ، صغر شأنه أم كبر ، فعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَوْلَهُ " وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ "  قَالَ: نَزَلَتْ فِي الأُمَرَاءِ خَاصَّةً"، وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ  قَالَ: نَزَلَتْ فِي حُكَّامِ النَّاسِ، فِيمَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُورِ النَّاسِ شَيْئاً " ، وقَالَ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي وُلاةِ الأَمْرِ"[45] .

 

والظلم ضد العدل وضد الشريعة ، وفي الحديث القدسي "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا"[46] ، وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ (اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)[47] قال r (ما من راع يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لها إلى حرم الله عليه رائحة الجنة)[48].

 

فالعدل حق مجرد ، والكل أمامه سواسية ، فلا وساطة فيه ولا شفاعة  ، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ r فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ r فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا) [49] ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ (لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ)[50] .

 

وإذا كان العدل هو أساس الملك ، وقد جعله الله تعالى مناط شرعية الحاكم ، فينبغي أن تدور تصرفاته في فلكه ، وينبني على ذلك أمران : - أنه تصرف الإمام في الرعية منوط بالمصلحة ، وأنه مراقب في تصرفه ومحاسب كالمحاسبة على مال اليتيم .

 

فأما الأول : أن "كل متصرّف عن الغير ، فعليه أن يتصرّف بالمصلحة" ، ومعنى ذلك أن التصرف في الرعية منوط بالمصلحة ، قال الشيخ الزرقا (نفاذ تصرف الراعي على الرعية ولزومه عليهم شاؤوا أو أبوا معلق ومتوقف على وجود الثمرة والمنفعة ضمن تصرفه دينية كانت أو دنيوية ، فإن تضمن منفعةً ما وجب عليهم تنفيذه وإلا رد لأن الراعي ناظر وتصرفه حينئذٍ متردد بين الضرر والعبث وكلاهما ليس من النظر في شيء) [51]

 

 تطبيق ذلك أنه فلو عفا السلطان عن قاتل من لا ولي له لا يصح عفوه ، ولا يسقط القصاص عن الجاني لأن الحق للعامة ، والإمام نائب عنهم فيما هو أنظر لهم ، وليس من النظر إسقاط حقهم مجاناً وإنما له القصاص أو الصلح [52]، قس على ذلك كل تصرف للإمام لم يراع فيه أصلح مصلحتين .

 

وأما الثاني : أن "منزلة الإمام من الرعيّة بمنزلة الوليّ من اليتيم"[53] وقد نصّ عليها الإمام الشافعي [54]، وأصل ذلك ما روي عن البراء قال قال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة والي اليتيم إن احتجت أخذت منه ، فإذا أيسرت رددته وإن استغنيت استعففت)[55]

 

قال ابن تيمية (وقد أجمع المسلمون على معنى هذا فإن وصى اليتيم وناظر الوقف ووكيل الرجل في ماله عليه أن يتصرف له بالأصلح فالأصلح، كما قال الله تعالى (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) ولم يقل إلا بالتي هي حسنة وذلك لأن الوالي راع على الناس بمنزلة راعي الغنم)[56].

 

قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (59) هذه الآية أصل في حفظ أمانة الحكم وذلك بإرشاد الرعية إلى وجوب طاعة ولي الأمر في حدود الشرع وأنها منوطة بالمصلحة ، فطاعة ولي الأمر من طاعة الله ورسوله ، قال رسول الله r (مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي)[57] ، قال المهلب (هذا يدل على وجوب طاعة السلطان وجوبًا مجملا ؛ لأن فى ذلك طاعة الله وطاعة رسوله ، فمن ائتمر لطاعة أولى الأمر لأمر الله ورسوله بذلك فطاعتهم واجبة فيما رأوه من وجوه الصلاح حتى إذا خرجوا إلى ما يشك أنه معصية لله لم تلزمهم طاعتهم فيه)[58] .

 

قال العلماء (نزلت الآية الأولى في ولاة الأمور عليهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل،  ونزلت الثانية في الرعية من الجيوش وغيرهم عليهم أن يطيعوا أولي الأمر الفاعلين لذلك في قسمهم وحكمهم ومغازيهم وغير ذلك إلا أن يأمروا بمعصية الله فإن أمروا بمعصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، فإن تنازعوا في شيء ردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله r ، وإن لم تفعل ولاة الأمر ذلك أطيعوا فيما يأمرون به من طاعة الله لأن ذلك من طاعة الله ورسوله وأديت حقوقهم إليهم كما أمر الله ورسوله (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) [59] .

 

 قال ابن عثيمين ( فالواجب علي الرعية السمع والطاعة في غير المعصية والنصح للولاة وعدم التشويش عليهم وعدم إثارة الناس عليهم وطي مساوئهم ، وبيان محاسنهم لأن المساوئ يمكن أن ينصح فيها الولاة سرا بدون أن تنشر على الناس لأن نشر مساوئ ولاة الأمور أمام الناس لا يستفاد منه بل لا يزيد الأمر إلا شدة فتحمل صدور الناس الكراهية والبغضاء لولاة الأمور وإذا كره الناس ولاة الأمور وأبغضوهم وتمردوا عليهم ورأوا أمرهم بالخير أمرا بالشر ولم يسكتوا عن مساوئهم وحصل بذلك إيغار للصدور وشر وفساد والأمة إذا تفرقت وتمزقت حصلت الفتنة بينها ووقعت مثل ما حصل في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه حين بدأ الناس يتكلمون فيه فأغروا الصدور عليه وحشدوا الناس ضده وحصل ما حصل من الفتن والشرور إلي يومنا هذا)[60].

 

وعليه فإن تشريعات ولي الأمر تعتبر مصدرا من مصادر التشريع الإسلامي متى كانت تدور في فلك مقاصد الشرع ، ولم تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية ، وتكون إطاعة ولي الأمر فيما أمر به من ذلك من طاعة الله تعالى ورسوله ، لاسيما في الأمور الاجتهادية ، فإنه يجب طاعته فيما يأمر به باجتهاده ، فاجتهاد الحاكم يرفع الخلاف في المسألة ،يقول العلماء (حكم الحاكم يرفع الخلاف في القضية) [61]، أي في مواطن الاختلاف بين الفقهاء والعلماء ، قال القرافي (حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ لَا يُرَدُّ وَلَا يُنْقَضُ ) [62] ، وقال (حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَيَرْجِعُ الْمُخَالِفُ عَنْ مَذْهَبِهِ لِمَذْهَبِ الْحَاكِمِ وَتَتَغَيَّرُ فُتْيَاهُ بَعْدَ الْحُكْمِ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ) [63].

 

ولا تجوز مخالفته لاتباع الهوى ، بل يجب حمل النفس على طاعته ومتابعته كما يحملها على طاعة الله ورسوله متى كان أمره موافقا لهما ، وذلك لقول عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ r عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ)[64] ، فقد يقف الهوى حائلا دون طاعة ولي الأم في كثير من الأحيان ، ريثما يُرى أن أمره يحتمل الخطأ ، بينما يرى صاحب الهوى أنه على صواب ، ففي هذه الحالة ما لم يكن أمر الإمام مخالفا لشرع الله صراحة فيجب عليه أن يتنازل عن رأيه طاعة لإمامه .

 

في ضوء ذلك يجب أن تنضبط السياسة التشريعية فيما يجوز التشريع فيه – أي في الأمور الاجتهادية – ولابد أن تنضبط بالضوابط المذكورة ، وفضلا عن ذلك يجب أن تكون تشريعات الحاكم في إطار الخلاف الفقهي المعتبر ، فلا يخترع رأيا بخلاف آرائهم ، فإن انحصر الخلاف في مسألة معينة بين الفقهاء في زمن من الأزمنة على أربعة آراء مثلا ، فليس له أن يخترع رأيا خامسا ، لأن انحصار الخلاف في هذه الآراء الأربع بمثابة إجماع على أن الاجتهاد فيها يدور حول تلك الآراء الأربعة ولا خامس ، كما لا يجوز التلفيق بين الآراء الفقهية بحيث يخترع رأيا جديدا ليس له سابقة من رأيين أو أكثر ، ولا يجوز أن يكون المبرر لفعل ذلك هو التيسير على الناس (فلا يجوز تتبع الرخص من غير ضرورة ولا عذر ، سداً لذرائع الفساد بالانحلال من التكاليف الشرعية)[65] .

وهذا يعني أن الاجتهاد لا ينقض بمثله ، والمعنَى: (أنَّ المجتهدَ إذا أدَّاهُ اجتِهادُه إلى حُكمِ في قضيَّةٍ باجتِهادِهِ، ثمَّ بدا لهُ الرُّجوعُ عن ذلكَ الاجتهادِ، فلاَ ينتقِضُ حكمُ الاجتهادِ الأوَّل بالاجتهادِ الثَّاني، إنَّما يمضي على ما وقعَ، ويكونُ الاجتهادُ الثَّاني هو المُعتمدَ فيما سيقعُ، لأنَّ كُلاًّ من الاجتهادَينِ وقعَ بالظَّمِّ الرَّاجحِ في نظرِ المجتهِدِ، وكانَ هُوَ المُتعيَّنَ في وقتِهِ)[66].

 (وَعِلَّتُهَا –أي القاعدة- أَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى أَنْ لاَ يَسْتَقِرَّ حُكْمٌ ، وَفِيهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ ، فَلَوْ نُقِضَ لَنُقِضَ النَّقْضُ أَيْضًا)[67] ، فعن مسعود بن الحكم الثقفي قال : أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في امرأة تركت زوجها وأمها وإخوتها لأمها وإخوتها لأبيها وأمها فشرك بين الإخوة للأم وبين الإخوة للأم والأب بالثلث فقال له رجل إنك لم تشرك بينهما عام كذا وكذا قال (فتلك على ما قضينا يومئذ وهذه على ما قضينا اليوم)[68].

 

قال البزدوي (ولكنه ينقض بدليل فوقه في مسألة اشتباه القبلة لم ينقض ما أدى بالتحري بدليل فوقه بأن تيقن بأنه كان مخطئا للقبلة في تحريه, كما ينقض حكم أمضي بالاجتهاد إذا ظهر نص بخلافه)[69]

ومعناه أنه في البلاد التي يكون فيه التقاضي على درجتين لا يجوز لمحكمة الطعن أن تنقض حكم محكمة أول درجة لاجتهاد تراءى لها ، بل عليها أن تجاري حكمها وتقره دون اجتهاد منها ، لكن لها أن تنقضه متى انطوى على مخالفة للأصول العامة والمبادئ المستقرة ، قال الزركشي (قولهم حُكْمُ الْحَاكِمِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ) ، (وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا لَا يُنْقَضُ فِيهِ حُكْمُ الْحَاكِمِ ، أَمَّا مَا يُنْقَضُ فِيهِ فَلَا و(مَدَارُ نَقْضِ الْحُكْمِ ) عَلَى ( تَبَيُّنِ ) الْخَطَأِ ، وَالْخَطَأُ إمَّا فِي اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ (حَيْثُ) تَبَيَّنَ النَّصُّ أَوْ الْإِجْمَاعُ أَوْ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ بِخِلَافِهِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ مُرَتَّبًا عَلَى سَبَبٍ صَحِيحٍ ، وَإِمَّا فِي السَّبَبِ ، حَيْثُ يَكُونُ الْحُكْمُ مُرَتَّبًا عَلَى سَبَبٍ بَاطِلٍ ، كَشَهَادَةِ الزُّورِ )[70].

 

وفي قوله (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (59) القرآن دين يعالج واقع الحياة ، ولذلك عالج الفرض حيث يحدث الخلاف في بعض المسائل بين ولي الأمر والرعية ، فيأمرهم بشيء لا يرضونه ، فهم لا يرضونه لأنه يخالف أهواءهم ، فهذا الفرض سبق وأن نفيناه ، وليس ذلك  يمكن افتراضه الآن ، وإنما الفرض هو أنهم لا يرضونه لظنهم أنه أخطأ في اجتهاده وخالف ما أمر الله به ورسوله  ، هنا لابد من تحكيم بينهما ، حتى لا يفضي النزاع بينهما إلى الخروج عليه ظلما وعدوانا ، أو لا يرد الظلم الذي وقعه منه إلا بالسيف ، ولذلك شرع الإسلام علاجا لهذا الفرض حتى لا ينتهي إلى ما لا يحمد عقباه في الحالتين ، أي لابد من وجود قضاء يختص بالمنازعات بين ولي الأمر وأفراد رعيته ليعرض أوامره على مقاصد الشريعة الإسلامية ، فما وافق منها شرع الله قبله ورفض الدعوى ، وما خالف منها ذلك ألغاه ، وكذلك كل أمر لم يحقق الصالح العام ، فحيث المصلحة فذلك شرع الله

 

وبالتالي فقد قيد الشرع نفاذ أحكام وأوامر ولي الأمر على تحقيق المصلحة العامة بما يتوافق مع شرع الله ، وجعل العلماء المتخصصين في هذا الفقه أي (فقه السياسة الشرعية) هو الذي يراجعون أوامره فيمضون ويلغون منها بحسب ما يتراءى لهم من موافقة أو مخالفة لشرع الله ومقاصد الشرع أي المصلحة العامة .

 

ذلك أن طاعة أولي الأمر ليست مطلقة من كل قيد فكما أنها مقيدة بحدود الشرع ، فإنها كذلك مقيدة بما فيه مصلحة للعباد ، قال العلماء (وإنما تجب طاعة ولي الأمر فيما شرعه الله تعالى وأمر به من مباح ومندوب ومستحب وواجب، وأما في المعصية وما يخالف الشرع فلا طاعة، ولو كان سلطاناً قاهراً، وينبني على هذه القاعدة سقوط الحقوق كلها إزاء حق الله تعالى، فهو المعبود المقصود، ولا تختص هذه القاعدة بالحاكم والقاضي فقط بل يعمّ حكمها كل من تولّى أمراً من أمور المسلمين، لإقامة العدل وحفظ حدود الشرع) [71] .

 

 قال ابن القيم الجوزية (وهذا دليل قاطع على أنه يجب رد موارد النزاع في كل ما تنازع فيه الناس من الدين كله إلى الله ورسوله لا إلى أحد غير الله ورسوله ، فمن أحال الرد على غيرهما فقد ضاد أمر الله ، ومن دعا عند النزاع إلى حكم غير الله ورسوله فقد دعا بدعوى الجاهلية فلا يدخل العبد في الايمان حتى يرد كل ما تنازع فيه المتنازعون إلى الله ورسوله ، ولهذا قال الله تعالى "إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر" وهذا شرط ينتفي المشروط بانتفائه ، فدل على أن من حكم غير الله ورسوله في موارد مقتضى النزاع كان خارجا من مقتضى الايمان بالله واليوم الاخر ، وحسبك بهذه الآية العاصمة القاصمة بيانا وشفاء فإنها قاصمة لظهور المخالفين لها عاصمة للمتمسكين بها الممتثلين ما أمرت به)[72].

 

 يقول صاحب الظلال " والنص يجعل طاعة الله أصلاً؛ وطاعة رسوله أصلاً كذلك - بما أنه مرسل منه - ويجعل طاعة أولي الأمر . . منكم . . تبعاً لطاعة الله وطاعة رسوله" ، ويقول العثيمين " لم يقل أطيعوا أولي الأمر منكم لأن طاعة ولاة الأمر تابعة لا مستقله أما طاعة الله ورسوله فهي مستقلة ولهذا أعاد فيها الفعل فقال أطيعوا وأطيعوا".

 

ولاشك أن أوامر الإمام أو الحاكم في الرعية منوطة بالمصلحة ، فإنما كانت المصلحة فثم شرع الله ، وعند تضارب المصالح وتعارضها يجب ترجيح المصلحة الأولى بالرعاية ، وفي ذلك قضت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة المصري أنه من المسلم قانونا طبقا أن للجهة الإدارية حق إزالة ما يقع من تعديات على أملاك الدولة بالطريق الإدارى ، إلا أن سلطتها فى ذلك وإن كانت سلطة تقديرية فإنها تخضع بحسب الأصل فى نشاطها لاستهداف الصالح العام ، ويكون جوهر وظيفة الإدارة العامة هو إشباع الحاجات العامة تحقيقا لهذا الهدف ، وبالتالى فإنه يجب على جهة الإدارة أن تصدر تصرفاتها بما يراعى ذلك الصالح العام ويناسبه ، وأنه وإن استهدف القرار المطعون فيه مصلحة عامة لا ريب فيها قوامها الحفاظ على ملك الدولة ، إلا إنه فى الجانب الآخر فإن القرار المطعون فيه فى استهدافه تحقيق ذلك الوجه للمصلحة العامة يكون قد ضحى بوجه مصلحة عامة آخر يتمثل فى وجوب عدم تشريد عدد كبير من المواطنين بأسرهم ومنقولاتهم ومتعلقاتهم ، وإذ سيجد ذلك العدد الضخم من المواطنين نفسه من جراء تنفيذ القرار ، وقد فقد مأواه وحمل متاعه وساق أسرته إلى غير مقر ، فقيام مجتمع من تناولهم القرار واستقراره على أرض الدولة لم ينشأ فجأة أو خفية من جهات الإدارة وأجهزتها ، وإنما هى قد أسهمت فى وجوده عندما لم تمنعه فى بادئ أمره ، أما وأنها قعدت عن ذلك ولم تنشط إلى منعه ، فإن منعه الآن يعتبر اخلالا منها بمسئوليتها نحو الحفاظ على المواطنين وتدبير شئونهم واشباع حاجاتهم ، فمؤدى القرار المطعون فيه هو التضحية بوجه المصلحة العامة الكامن فى عدم تشريد العدد الضخم من الافراد الذين يتناولهم هذا القرار والمدعيان منهم ، وتغليب وجه مصلحة عامة أخرى عليه ، وهو حماية أرض الدولة ورفع التعدى عنها ، بينما الوجه الأول أظهر منه وأولى بالرعاية وأجدر بالعناية وأحق بالتغليب ويكون إهماله إخلالا لا يجوز قانونا بحكم طبيعة الوظيفة الإدارية ، وبالتالى يكون القرار المطعون فيه قد شابه عوار فى الغاية يبدو معه متنكبا صحيح حكم القانون [73].

 

وقد يتسع الخلاف ليس فقط في شرعية أوامر السلطان ، فمجاله القضاء المختص بهذا الأمر ، بل قد يتسع الخلاف بين الحاكم والرعية إلى الطعن في شرعية حكمه ، وعندئذ لابد من أن يرتقي مستوى التحكيم لأناس قادرين على حكم هذه المسألة ، ورد المتنازع عليه لحكم الله ورسوله ، وهنا لابد وأن نرجع إلى من هم أعلم بحكم الله ورسوله ، وهم الذين يسمونهم العلماء بأهل الحل والعقد والمقصود بهم العلماء وذوي الهيئات ، قال تعالى (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) (النساء/83)

 قال ابن تيمية (أولو الأمر) أصحاب الأمر وذووه ، وهم الذين يأمرون الناس ، وذلك يشترك فيه أهل اليد والقدرة وأهل العلم والكلام ، فلهذا كان أولو الأمر صنفين : "العلماء" و"الأمراء" ، فإذا صلحوا صلح الناس ، وإذا فسدوا فسد الناس)[74] ، بمعنى أن الأمراء يحلون المظالم بين الناس والمستعملين في الولايات الأقل منهم ، ثم إذا لم تحل المظلمة وظلت الشكاية  حل العلماء المسألة برمتها في موطن القضاء .

 

وهو الأمر الذي يحيلنا إلى مفهوم أهل الحل والعقد في الإسلام ، وصلاحياتهم في الشريعة الإسلامية ، (ذلك أن تلك  الجماعة استقرَّت عمليًّا في واقع الأمة الإسلامية من لدُن الصحابة، واستقرَّت نظريًّا في الفقه الإسلامي من لدُن الفقهاء الأوائل، واستمرَّت على هذا الوضع المستقر قرونًا عديدة ، وتُعد أكبر وأوسع مؤسَّسات النظام السياسي الإسلامي، وأعمقها أثرًا في الحياة السياسية في الأمة الإسلامية، بل إنها تُعتبر مستودع جميع المؤسسات)[75].

 

وبالبحث عن الصفات التي تميز هذه الجماعة عن سائر المسلمين نجد أنها لا تتميز عنهم بشئ غير أنها أقدر الناس على استنباط الأحكام التكليفية الشرعية من الكتاب والسنة ، فهم الذين ميزهم الله بعلم الاستنباط ، في قوله (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) ، فهم ولاة الأمور كما سماهم الله تعالى ، فهم أقدر الناس على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهم أهل عدالة وضبط لأنهم يشهدون بما يفتون وما ينصحون ، ولذلك أمر الله تعالى رد أي أمر متنازع فيه بين المسلمين إليهم ليقضوا فيه بما استنبطوه من أحكام من الكتاب والسنة .

 

 وبالتالي يستبعد أن يكون الانتخاب طريقا لتمييزهم ومعرفتهم ، حيث لا يفرز الانتخاب من هم أقدر الناس على معرفة حكم الكتاب والسنة ، وإن جاز انتخابهم من بين هيئة علماء ، بحيث يكون العلماء أنفسهم هم هيئة الناخبين ، فذلك يعني أنهم وكلاء عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مستوى البلاد ، والدليل القاطع على تمييز هذه الطائفة بالعلم ، وعدم جواز تفويض الناس في انتخابهم من بين عامة الناس قوله r  (إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا) [76]، ذلك أن العلماء هم الحافظون لأمانة هذا الدين ، وبدونهم يضل الناس كما ورد بالحديث ، قال رسول الله r(فَإِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا قَالَ إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ)[77].

 

وهو الأمر الذي يفتح بابا واسعا لأهمية فقه الشورى وآدابها وكيفية رد المتنازع فيه بين المسلمين إلى الله  ورسوله ، وهو ما يؤكد أن شرعية الحاكم تستمد من إقرار أهل الحل والعقد لشرعية حكمه وقراراته ، كما أن استمرار شرعيته مرهونة بعدم استغنائه عنهم ، قال ابن القيم الجوزية (ولا غنى لولي الأمر عن المشاورة ، فإن الله تعالى أمر بها نبيه r فقال تعالى : (فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) ، وَيُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أنه قَالَ (مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ مَشُورَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r)[78] وقد قيل : (إن الله أمر بها نبيه لتأليف قلوب أصحابه وليقتدي به من بعده ليستخرج منهم الرأي فيما لم ينزل فيه وحي من أمر الحروب والأمور الجزئية وغير ذلك ، فغيره r أولى بالمشورة)[79].

 

بل إن النبي r كان يستشير أصحابه في أخص أموره الأسرية ، من ذلك قوله r (أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي أُنَاسٍ أَبَنُوا أَهْلِي وَايْمُ اللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي مِنْ سُوءٍ ، وَأَبَنُوهُمْ بِمَنْ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَطُّ ، وَلَا يَدْخُلُ بَيْتِي قَطُّ إِلَّا وَأَنَا حَاضِرٌ وَلَا غِبْتُ فِي سَفَرٍ إِلَّا غَابَ مَعِي)[80] ، وذلك في حادثة الإفك ، وقد استشارهم فيما يخص أهل بيته

 كذلك ما روي عَنْ عَلِيٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r (لَوْ كُنْتُ مُسْتَخْلِفًا أَحَدًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ لَاسْتَخْلَفْتُ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ)[81] ، ففيه دليل على أنه لم يكن ليدير أمور البلاد والمسلمين بغير مشورة ، ولا أن يستخلف عاملا على ولاية إلا استشار أصحابه ، وعنه r قال (ما يستغني رجل عن مشورة)[82] ، وهو ما حدا بشيخ الإسلام أن يقول (فغيره r أولى بالمشورة) .

 

مما تقدم ندرك أن واجب هذه الهيئة عظيم ، وأنها باب كبير لسد الذرائع التي تتعلق بإدارة شئون الرعية ، فهي المنوط بها حفظ أمانة هذا الدين والحكم الشرعي في البلاد ، ومن ثم وجب عليها أن تؤدي أمانة النصيحة والشورى للإمام بحق ودون تردد أو تلكؤ أو مداهنة ، فعَنْ النَّبِيِّ r قَالَ (مَا اسْتُخْلِفَ خَلِيفَةٌ إِلَّا لَهُ بِطَانَتَانِ بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْخَيْرِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ)[83] ، وعنه r قال (ومن استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشد فقد خانه ، ومن أفتى فتيا بغير ثبت فإثمه على من أفتاه)[84] ، وقال رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ (حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ) ، وذكر منها (وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ)[85] .

 

ولأهل الشورى الذين يُنتخبون أو يختارون من بين هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [86]صلاحيات جمة ، وواجبات جسام ، فهم المعنيون - أولا- باختيار الولي الأعظم لأمر المسلمين  ، فلا يجوز أن يشق أناس عصا الجماعة فيبايعون  إماما من بينهم فجأة ويعلنوه إماما للمسلمين دون أن يعرجوا على تلك الهيئة ويستشيروا سائر المسلمين ، ولذلك لم يأخذ الصحابة ببيعة الأنصار لسعد بن عبادة حال انشغال المهاجرين بتكفين رسول الله r ، واجتمعوا مرة أخرى في السقيفة ليختار المسلمون قاطبة أبو بكر خليفة لرسول الله r .

 

 قال رسول الله r (مَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، فَلَا يُبَايَعُ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا)[87] ، أي خوف أن يقع القتل بين المسلمين [88]، فقوله (تغرة أن يقتلا ) أي (حذار أن يقتلا وخوفا من وقوع الفتنة فيؤول الأمر إلى القتل إذا لم يكن عن اتفاق يؤمن معه الفتنة) [89]

ومعْنى الحديث : (أنّ البَيْعة حقُّها أنْ تقع صادِرة عن الْمُشورة والاتِّفاق ، فإذا اسْتَبَدَّ رجُلان دُون الجماعة فبايع أحدهُما الآخَر ، فذلك تَظَاهُر منهما بِشَقّ العصَا واطِّراح الجماعة ، فإن عُقِد لِأحَدٍ بَيْعة فلا يكون المعقودُ لَه واحِداً منهما ، ولِيَكُونا مَعزولَين من الطائفة التي تَتَّفق على تَمْييز الإمام منها لأنه إن عُقِد لواحدٍ منْهما ، وقد ارْتَكَبَا تِلك الفَعْلة الشَّنيعة التي أحْفَظَت الجَماعة من التَّهاوُن بهم والاسْتغناء عن رأيهم لم يؤَمن أن يُقْتَلا)[90] .

 

كذلك فلهيئة الحل والعقد صلاحيات عزل الحاكم إن أساء ، ولم يُقَوَّم بالنصيحة والإرشاد والقضاء ، شريطة أن يُمكنوا من ذلك ، وهذه سنة سنها الخلفاء الراشدين ، فقد روي عن أبي بكر أنه قال في خطبة توليته (أما بعد أيها الناس، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني، ..،وقال(وأطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم)[91] ، فإذا لم تكن مُمَكنة من ذلك ، ولم تعرف آلية شرعية لفعل ذلك ، فعليها أن تخبر الرعية بخطأ الحاكم الذي يستوجب عزله ، وأنه لم يمتثل لرأيها حتى تتبرأ أمام الله ، فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ (بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ r عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ) [92].

 

 ولا شك أن مباشرة هذه الهيئة لصلاحياتها في عزل الحاكم متى تحقق مناط ذلك مرهون بألا ينازعهم الحاكم هذا الأمر ، لأنه لو نازعهم صار الأمر إلى مغالبة ، ومن هنا تسفك دماء طائفة عظيمة من المسلمين بدون حق ، فيكون ذلك من باب إنكار المنكر بما هو أنكر منه ، وقد يؤدي إلى إهلاك جيش عظيم من الصادقين ، وليس ذلك من مقاصد الشرع  ، قال ابن أبي العز (وَأَمَّا لُزُومُ طَاعَتِهِمْ وَإِنْ جَارُوا ، فلأنه يَتَرَتَّبُ على الْخُرُوجِ مِنْ طَاعَتِهِمْ مِنَ الْمَفَاسِدِ أَضْعَافُ مَا يَحْصُلُ مِنْ جَوْرِهِمْ ، بَلْ في الصَّبْرِ على جَوْرِهِمْ تَكْفِيرُ السَّيِّئَاتِ وَمُضَاعَفَة الْأُجُورِ ، فَإِنَّ الله تعالى مَا سَلَّطَهُمْ عَلَيْنَا إِلَّا لِفَسَادِ أَعْمَالِنَا ، وَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ)[93] .

 

والإجماع منعقد على أنه لا يجوز الخروج على الحاكم لفسقه أو جوره ، قال النووي (أجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق ، قال العلماء وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن وإراقة الدماء وفساد ذات البين فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه)[94]

 

فعَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ فَقَالَ لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلَاةَ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلَاتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ وَلَا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ)[95] ، قال ابن بطال (فى هذه الأحاديث حجة فى ترك الخروج على أئمة الجور ، ولزوم السمع والطاعة لهم والفقهاء مجمعون على أن الإمام المتغلّب طاعته لازمة ، ما أقام الجمعات والجهاد ، وأن طاعته خير من الخروج عليه ؛ لما فى ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء)[96].

 

بيد أن طريق المغالبة أحيانا يتحتم إذا ما صدر من الحاكم ما تراه تلك الهيئة ليس مجرد مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية ، وإنما كما وصفه رسول الله r بقوله (وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ) [97] ، حيث لابد من أمرين متلازمين :-

الأول : صدور كفر بواح من الحاكم يقر به أهل الحل والعقد ، وهم العلماء العدول كما ذكرنا

والثاني : أن يكون فيه برهان ، أي دليل قاطع ساطع على صدور هذا الكفر البواح منه بلا تأويل

 فقوله (كُفْرا بَوَاحاً) أي جِهَاراً من بَاحَ بالشيء يَبُوح به إذا أعْلَنه[98]، أي ظاهرا باديا [99]

 وقوله (عندكم من الله فيه برهان) أي نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل ، ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل)[100]

 

والأحاديث المذكورة تفرق بين أمرين : -

الأول منازعة الحاكم في حكمه ، فهذا لا يجوز –ابتداءً- متى كان للحاكم منعة تحميه مخافة أن يتضرر فريق عظيم من المسلمين

 والثاني إنكار المنكر الذي يصدر من الحاكم على المستوى الشخصي ، وهذا واجب على الأفراد والجماعات ، لاسيما العلماء  ، لأن العلماء ورثة الأنبياء ، وهم شهداء الله في الأرض ، فهذا لا رخصة لهم في تركه حتى ولو خشوا على أنفسهم الهلكة ، ولقوله r (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب و رجل قال إلى إمام جائر فأمره و نهاه فقتله)[101] ، وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ (سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ قَالُوا أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ قَالَ لَا مَا صَلَّوْا)[102]

 

 ولعل هذا الطريق السلمي لإنكار المنكر قد يؤتي ثماره بخلع الحاكم الجائر أو الفاسق إذا شاء الله ذلك استجابة لدعوات المظلومين ، وتأييدا للطائفة التي على الحق ، فإن لم ينخلع بذلك فالصبر الصبر إلا الكفر البواح كما تقدم

 

 لكن ينبغي في هذا الصدد الفطنة إلى أن مفهوم "الحاكم" كثيرا ما لا يقتصر على فرد أو مجموعة أفراد ، فيظن الناس أنهم بخلع الحاكم تصلح الأمور ، فيفاجئوا بغير ذلك ، وقد يكون "الحاكم" هيئة أو مؤسسة عظيمة ، فإذا انخلع رئيسها – بأية صورة- فإن هذه الهيئة تأتي برئيس جديد منها بدلا ممن تم خلعه يسير على ذات الخطأ ، ليضيع جهد الخالعين هباءً ، ولذلك وجب أن يكون طريق الإنكار دون المنازعة هو الخلق الدؤوب لأهل الشورى والحل والعقد ، فلا يضطروا إلى قتال إلا إذا حصلت الفتنة– عند مذهب من جوز ذلك خلافا لأهل الاعتزال -  ولا مفر من الدفع .

 

 

[1] ) سيرة ابن كثير ج2 ص 215

[2] ) تفسير ابن كثير ج2 ص 341 ، تفسير الطبري ج8 ص 492

[3] ) أسباب النزول للواحدي ج1 ص 105

[4] ) زاد المعاد ج3 ص 356

[5] ) رواه البيهقي في شعب الإيمان ج4 ص 323 رقم 5266 وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ج2 ص 157

[6] ) رواه البخاري ج22 ص 43 رقم 6605

[7] ) رواه أبو داود ج9 ص 414 رقم 3067 وصححه الألباني : صحيح وضعيف سنن أبي داود ج 8 ص 35 رقم 3535

[8] ) أبو عمر يوسف النمري : التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ج20 ص 159

[9] ) صالح بن عبد العزيز آل شيخ : قسم الحديث ج9 ص 7

[10] ) العظيم آبادي : عون المعبود ج9 ص 327

[11] ) سبل السلام ج3 ص 68

[12] ) القواعد الحسان في تفسير القرآن ج1 ص 98

[13] ) رواه مسلم ج1 ص 343 رقم 203

[14] ) المناوي : فيض القدير ج5 ص 623

[15] ) رواه أبو داود ج8 ص 177 رقم 2559 وصححه الألباني : صحيح وضعيف سنن أبي داود ج6 ص 448 رقم 2948

[16] ) أبو الطيب : العظيم آبادي  : عون المعبود ج8 ص 118

[17] ) شرح سنن أبي داود لعبد المحسن العباد ج16 ص 74

[18] ) شرح رياض الصالحين ج1 ص 697

[19] ) رواه الطبراني في المعجم الكبير عن ابن عباس ج11 ص 114 رقم 11238 وأعله الألباني

[20] ) رواه البخاري ج10 ص 283 رقم 2834

[21] ) ابن تيمية : السياسة الشرعية ج1 ص 17

[22] ) ابن تيمية : السياسة الشرعية ج1 ص 17

[23] ) رواه مسلم ج9 ص 347 رقم 3404

[24] ) رواه البخاري ج12 ص 238 رقم 3572

[25] )

[26] ) رواه البخاري ج1 ص 217 رقم 124

[27] ) رواه البخاري ج10 ص 283 رقم 2834

[28] ) رواه البخاري ج22 ص 60 رقم 6616

[29] ) رواه البخاري ج20 ص 302 رقم 6132

[30] ) شرح رياض الصالحين ج1 ص 731

[31] ) رواه البخاري ج8 ص 218 رقم 2214

[32] ) فتح الباري لابن حجر ج11 ص 265

[33] ) كشف المشكل من حديث الصحيحين ج1 ص 241

[34] ) شرح صحيح البخاري ج10 ص 164

[35] ) أبو شهاب الراوي للحديث

[36] ) رواه البخاري ج8 ص 217 رقم 2213

[37] فيض القدير ج2 ص 496

[38] ) ابن علان : دليل  الفالحين لطرق رياض الصالحين ج4 ص 256

[39] ) التيسير بشرح الجامع الصغير ج1 ص 610

[40] ) شرح رياض الصالحين ج1 ص 533

[41] ) رواه البيهقي في سننه الكبرى ج6 ص 288 رقم 12572 وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ج3 ص 87

[42] ) رواه البخاري ج21 ص 74 رقم 6308

[43] ) تفسير ابن أبي حاتم ج4 ص 217

[44] ) التحرير والتنوير ج7 ص 16

[45] ) تفسير ابن أبي حاتم ج4 ص 217

[46] ) رواه مسلم، ك. البر والصلة 2577

[47] ) رواه مسلم ج12 ص 456 رقم 4675

[48] ) السياسة الشرعية ج1 ص 17

[49] ) رواه البخاري ج11 ص 294 رقم 3216

[50] ) رواه مسلم ج12 ص 460 رقم 4679

[51] )  شرح القواعد الفقهية للزرقا ج1 ص 182

[52] )  شرح القواعد الفقهية للزرقا ج1 ص 182

[53] ) بحوث مؤتمر السنة النبوية في الدراسات المعاصرة ج10 ص 36 جامعة اليرموك 18/4/2007

[54] ) الأشباة والنظائر ج1 ص 233 (شافعي)

[55] ) رواه البيهقي في سننه الكبرى ج6 ص 4 ص 10783

[56] ) السياسة الشرعية ج1 ص 17

[57] ) رواه مسلم ج9  ص 365 رقم 3418ورواه البخاري ج22 ص 42 رقم 6604

[58] ) شرح صحيح البخاري لابن بطال ج8 ص 209

[59] ) ابن تيمية : السياسة الشرعية ج1 ص 17

[60] ) شرح رياض الصالحين ج1 ص 697

[61] ) محمد رشيد رضا : الخلافة ج1 ص 121

شرح ابن أمير الحاج على تحرير ابن الهمام في علم الاصول الجامع بين اصطلاحي الحنفية و الشافعية – التقرير والتحبير ج6 ص 183

[62] ) أنوار البروق في أنواع الفروق ج3 ص 337

[63] ) أنوار البروق في أنواع الفروق ج3 ص 334

[64] ) رواه البخاري ج22 ص 140 رقم 6660

[65] ) شرح القواعد الفقهية للزرقا ص 86 ، علي بن نايف الشحود : الخلاصة في أحكام الاجتهاد والتقليد ج2 ص 153

[66] ) تيسير علم أصول الفقه للجديع ج3 ص 100

[67] ) علي بن نايف الشحود : الخلاصة في أسباب الاختلاف بين الفقهاء ص 44

[68] ) رواه الدارقطني ج4 ص 88 ص 66

[69] ) عبد العزيز بن أحمد بن محمد، علاء الدين البخاري كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي ج3 ص 128

[70] ) المنثور في القواعد ج2 ص 59

[71] ) بحث بعنوان ( أثر السُّنّة في التقعيد الفقهي) :  أ.د. سعيد فكرة - عميد كلية العلوم الإجتماعية والعلوم الإسلامية \ جامعة باتنة – الجزائر – مقدم إلى مؤتمر السنة النبوية في الدراسات المعاصرة ج10 ص 36 جامعة اليرموك 18/4/2007

[72] ( زاد المهاجر ج1 ص 42

[73] ) بعد إذ لم تكشف الجهة الإدارية عن أن قرارها قد استهدف من إخلاء الأرض مصلحة عامة أحق من تلك التى ضحى بها ، ويقع من ثم مشوبا بما يرجح معه إلغاؤه عند الفصل فى الطلب الموضوعى من الدعوى بالإلغاء ، الأمر الذى يتوفر به فى طلب وقف تنفيذه ركن الجدية المشروط فى اجابته ، ولما كان من شأن تنفيذ القرار أن يلحق بالمدعين قطعا آثار يتعذر تداركها ويصيبها بأضرار بالغة لا عوض لها ، اقلها ما ينكبان فيه من أوضاع مالية ومادية وبعضها أن يصبحا بلا مأوى ، ومن ثم يستوفى طلب وقف التنفيذ ما استوجبه القانون للحكم به ، ويتعين لذلك القضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه ، هذا علما بأنه ليس من شأن القضاء بذلك ولا من لازم مقتضاه تكريس ما وقع من المدعيين – أو غيرهم – من وضع يد على مال الدولة بغير سبب قانونى ولا هو إضفاء ضرب من السلامة أو الشرعية عليه ، ولكنه قضاء ينصب على مناسبة القرار المطعون فيه اذ اختلطت مشروعيته ، ويؤكد بسند من القانون وبالمراد إليه ، أن خلق اقرار مشكلة واهمه لمن تناولهم من المواطنين ، لا يصح أن يكون مقابله مجرد حماية أرض الدولة دون أن تجد حاجة عاجلة إليها لغرض هام وأولى تثبته عناصر الدعوى ، ومن غير تدبير أمر هؤلاء المواطنين بوسيلة أخرى ، وتدبير أمرهم مصلحة عامة لا محل للإخلال أو التضحية بها بمقتضى القرار فى ظروف صدوره وبحجم من تناولهم

حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1914 لسنة 30 بتاريخ 09/03/1991 دائرة منازعات الأفراد والهيئات برئاسة المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة - مكتب فني 36 ج 2 ق 76 ص 724

[74] ) ابن تيمية : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ج1 ص 52

[75] ) د عطية عدلان : موقع العلماء من الحل والعقد والإبرام والنقض : https://www.alukah.net/culture/0/43713/#ixzz6WaOkzvEJ

[76] ) رواه البخاري ج1 ص 176 رقم 98

[77] ) رواه البخاري ج1 ص 103 رقم 57

[78] ) رواه الترمذي ج6 ص 312 رقم 1636 وأصل الحديث في أسرى بدر عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قال الترمذي (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَأَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ)

[79] ) السياسة الشرعية ج1 ص 213

[80] ) رواه البخاري ج14 ص 413

[81] ) رواه ابن ماجة ج1 ص 156 رقم 134

[82] ) رواه البيهقي في سننه الكبرى ج10 ص 109 رقم 20093 قال الألباني حديث مرسل

[83] ) رواه البخاري ج20 ص 281 رقم 6121

[84] ) رواه البخاري في الأدب المفرد ج1 ص 100 رقم 259 وصححه الألباني ، ورواه الحاكم في المستدرك ج1 ص 183 رقم 349 قال الذهبي  في التلخيص : وتابعه يحيى بن أيوب عن بكر بن عمرو بنحوه احتجا برواته سوى عمرو وقد وثق

[85] ) رواه مسلم ج11 ص 127 رقم 4023

[86] ) عضوية مجلس الشوري الأعلى للحاكم تنبثق من عضوية  هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باعتبارها الجمعية العامة ، ويمكن تسميتها بهيئة كبار العلماء ، وأيا كان مسماها ، فإن شروط العضوية منها شروط علمية وشروط صلاح ، فأما الشروط العلمية فأن يحوز شهادات علمية من علماء معترف بهم لدراسته جميع علوم الشريعة من عقيدة وتفسير وحديث وفقه وسيرة وعلوم الآلة كاللغة العربية وعلم الرجال وعلم أصول الفقه ، وأما شرط الصلاح فأن يكون معروف بين الناس أنه يصلي الصلوات الخمس بالمسجد ، لما روي من أنه إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان ، كذلك أن يكون سليما من خوارم المروءة ، وذلك بشهادة المخالطين له وأهل المسجد أولهم ثم أقربائه وعشيرته وجيرانه في المسكن والعمل ، بمعنى التحري عنه من الجهات الأمنية ، ويجوز الطعن على تقاريرهم أمام القضاء الإداري إن شابها خطأ مادي أو تعسف ملحوظ ، ويجب أن تكون شهادات الناس موثقة كتابة لإمكان الطعن عليها إذا تعذر استدعاء الجميع للإدلاء بالشهادة ، ولمن ضابط التحري من الارتكان إلى شهادات غير موثقة  .

[87] ) رواه البخاري ج21 ص 106 رقم 6348

[88] ) قال ابن الأثير (التَّغِرَّة : مصْدر غَرَّرْتُه إذا ألْقَيْتَه في الغَرَر ، وهي من التَّغْرير كالتَّعِلَّة من التَّعْليل ، وفي الكلام مضاف محذوف تقديره : خَوْفَ تَغِرَّة أنْ يُقْتَلا : أي خَوْفَ وقُوعِها في القتل ، فحذف المُضاف الذي هو الخوْف وأقام المُضاف إليه الذي هو تَغِرَّة مُقامَه وانْتَصب على أنه مفعول له ، ويجوز أن يكون قوله [أن يُقْتَلا] بدلا من [تغرة] ويكون المُضاف مَحْذوفاَ كالأوّل ، ومَن أضاف [تَغِرّة ] إلى [يُقْتَلا] فمعناه خَوْفَ تَغِرَّته قَتْلَهما

[89] ) محمد بن أبي نصر الأزدي الحميدي : تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم ج1 ص 5

[90] ) النهاية في غريب الأثر ج3 ص 661

[91] ) كنز العمال ج5 ص 601

[92] ) رواه البخاري ج22 ص 140 رقم 6660

[93] ) ابن أبي العز الحنفي : شرح الطحاوية في العقيدة السلفية ج2 ص 424

[94] ) شرح النووي على مسلم ج12 ص 229

[95] ) رواه مسلم ج9 ص 403 رقم 3447

[96] ) شرح صحيح البخاري لابن بطال ج10 ص 8

[97] ) رواه البخاري ج21 ص 444 رقم 6532

[98] ) النهاية في غريب الأثر ج1 ص 421

[99] ) عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي : تنوير الحوالك ج1 ص 296

[100] ) فتح الباري لابن حجر ج13 ص 8

[101] ) رواه الحاكم في المستدرك ج3 ص 215 رقم 4884 وصححه الألباني : السلسلة الصحيحة المجلدات ج1 ص 373 رقم 374

[102] ) رواه مسلم ج9 ص 400 رقم 3445

  • الثلاثاء PM 01:54
    2025-11-25
  • 88
Powered by: GateGold