المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413889
يتصفح الموقع حاليا : 262

البحث

البحث

عرض المادة

إنجيل لوقا وظهور آدم على الأرض

عندما استعرض انجيل لوقا نسب السيد المسيح فإنه قام بتتبع جذور ذلك النسب إلى أدم عليه السلام مرورا بنوح وإبراهيم عليهم السلام.

إن لوقا قد صنع سلسلة محكمة من الأنسال مستخدما تعبيرا (فلان ابن فلان) للوصول إلى آدم ( ... بن أخنوخ بن يارد بن مهليل بن قينان بن أنوش بن شيت بن آدم ابن الله) لوقا 3: 38.

وكان من السهل بالنسبة لآباء الكنيسة ترجمة هذه السلسلة من الأنسال المتتابعة إلى قيمة زمنية وذلك بالرجوع إلى العهد القديم (التوراه والأنبياء) ففى سفر التكوين (وعاش آدم مائة وثلاثين سنة وولد ولدا على شبهه كصورته ودعا اسمه شيثا وكانت أيام آدم بعدما ولد شيثا ثماني مائة سنة وولد بنين وبنات، فكانت كل أيام آدم التي عاشها تسع مائة وثلاثين سنة ومات. وعاش شيث مائة وخمسة سنين وولد أنوش ... ) صح 5: 3 - 33.

هكذا يعطي سفر التكوين هذا مدة حياة كل سلف وعمر الأب عند ميلاد الابن. وقد قدر آباء الكنيسة الفترة الزمنية بين بداية ظهور آدم على الأرض وميلاد المسيح بأربعة آلاف وأربع سنوات (4004) ويعتبر هذا التقدير هو أساس التقويم اليهودي المتبع والساري إلى الآن، حيث أراد الحاخامات اليهود وضع تقويم على أساس ديني فجعلوا بداية الخليقة هي نفسها بداية التاريخ اليهودي، وقد بدء فى استخدام هذا التقويم فى ختام القرن الثاني بعد المسيح (1)

هنا حدث الاصطدام بين إنجيل لوقا وبكل من علم التاريخ وعلم الأركيولوجي. فبالنسبة إلى التاريخ، يقول بول هازار (2) فياللسماء، ما أوسع هوة الاختلاف بين علماء التاريخ.

ورجال الدين، إننا نجد أمتين تنسفان حدود هذا التاريخ، إن تاريخهما لا يقف عند أربعة آلاف عام، فهي حقبة من التفاهة بمكان - بل يمتد بهما إلى عشرات الآلاف من الأعوام (يشير إلى المصريين والصينيين) ويضيف قائلا أن آدم يبدو مثل قادم متأخر بجانب أمراء الصين الأولين.

إن ما يقرره إنجيل لوقا وكذلك سفر التكوين (أحد أسفار التوراة الخمسة) عن بداية وجود الإنسان على الأرض (آدم) منذ أربعة آلاف وأربع سنوات فقط قبل الميلاد غير مقبول علميا إطلاقا.

ويؤكد بريان. م. فاجان (3): إن الإنسان بصورته الحالية (4) والذي يعرف علميا باسم (هومو سابينز سابينز) (5) بدأ وجوده على الارض منذ (40.000) أربعين ألف سنة قبل الميلاد فقد أثبتت الحفريات فى القارة الأمريكية تواجد الإنسان على جزيرة سانتا روذا بجنوب كاليفورنيا منذ 40000 سنة ق. م (بادا وهلفمان سنة 1975).

وفى الجنوب الغربي لفرنسا عاش الإنسان منذ 33000 سنة ق. م مشتغلا بالصيد وجمع الثمار (بريان. م. فاجان).

وعلى ضفاف النيل فى (كادان) نشأت حضارة منذ (12500 سنة ق. م) حيث عاش الإنسان فى تجمعات سكانية وقد تم العثور على الأحجار المستخدمة فى طخن الحبوب وأدوات حجرية حادة للصيد (ونروف - 1968)

وفى شمال أسوان تم العثور على أدوات لصيد الأسماك يرجع تاريخها إلي ما بين 16300 سنة ق. م إلى 15000 سنة ق. م ويبدو أن الإنسان هناك تعلم الزراعة حيث عثر على بقايا متفحمة للشعير والقمح (وندروف وسشيلد سنة 1981) كما

أنه استغل الأصداف البحرية والخضروات إلى جانب الصيد (ايكاوا وسميث 1980)

وفى استراليا عثر على هياكل عظمية لأناس عاشوا هناك منذ 33000 سنة قبل الميلاد ويعتقد أنهم انتقلوا إلى تلك القارة من جنوب شرق اسيا (بولر، جونز، ألين وثورن - 1970م)

إنجيل يوحنا والكلمة (اللوجوس)


(1) تاريخ العلم: جورج سارتون الجزء الخامس صـ194.
(2) أزمة الضمير الأووبي: بول هازار
(3) People of the Earth: Brian M. Fagan
(4) يقصد إنسان ذو نمو عقلي كامل وجبهة مرتفعة وحاجبين بغير نتؤ عظمى ولا يوجد تقوس فى عظام الفخذ أو الساعدين.
(5) Homo Sapiens Sapiens

افتتح القديس يوحنا إنجيله هكذا (فى البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله) صح 1: 1 - 3

[ويشير الإنجيل هنا إلى مذهب الخلق بالكلمة، فكيف نشأ هذا المذهب الفلسفي؟]

[1 - الكلمة عند المصريين القدماء:]

يقول العقاد (1) إن البداية كانت عند المصريين القدماء، حيث أن العقل الذي خطر له أن الله يخلق بكلمة ولا يخلق بجهد من جهود الحركة المادية قد استعار هذه الفكرة من شئ رآه لا من شئ بحثه واستقصاه، وأقرب هذه الأشياء المرئية إليه هى قدرة الساحر على التأثير بكلمة يقولها والسيطرة على الأجسام والأجرام الضخام بالهمهمة والتعزيم وهي ضرب من الكلام، ومن هنا نشأت عقيدة بتاح (أو فتاح) عند المصريين (2) القدماء، وكان بتاح اله منف كما جاء فى إحدي صلواته هو الفؤاد واللسان للآلهة ومنه يبدأ الفهم والمقال فلا ينبعث من ذهن ولا لسان فكر أو قول بين اللآلهة أو الناس ألا وهو من وحي بتاح، وما وجد شئ من الأشياء قط إلا بكلمة من لسانه صورت عن خاطر فى فؤاده فكلمته هي الخلق والتكوين (3).

أى أن بتاح كان الواسطة بين الإله ومخلوقاته وهو المعبر عن أفكار الإله وأداته للخلق.


(1) الله: العقاد
(2) فلاسفة الشرق: أ. و. توملين (المصريون يقصدون بالفؤاد شيئا أكثر شبها بالعقل والإدراك).
(3) الديانة فى مصر الفرعونية: د. محمد عبد القادر

ويجمع كل من أ. و. توملين وجيمس هنري برستيد على أن عقيدة بتاح هي أساس مذهب الخلق بالكلمة عند اليونانيين وعند فيلون السكندري ومن ثم إنجيل يوحنا.

[2 - الكلمة عند هيراقليطس اليوناني:]

اعتبر هيراقليطس أن الكلمة هي مساك الوجود كله وإنها هى قانون الأضداد الذي يكسبها توازنا وانسجاما ووحدة (1) وتكاد الكلمة عن هيراقليطس أن تكون مرادفة لمعنى الله فهى النظام الذي يضع كل شئ فى موضعه.

وكان خطأ أسلوب التفكير عند هيراقليطس هو عدم تمييزه بين الذات والموضوع أو بين الذات العارفة وموضع المعرفة أو بين المفكر وفكرته، فقد تكلم عن الكلمة تارة بمعناها الموضوعي المستقل عن الذات وتارة يعنى بها العقل بالمعني الذاتي، وقد وقع كاتب إنجيل يوحنا فى نفس الخطأ كما سنرى.

[3 - الكلمة عند انكسجوراس (496ق. م: 427ق. م)]

قام انكسجوراس بتعميم كلام هيراقليطس عن الكلمة وسماها العقل ووصفه بأنه جوهر مجرد خالد واحد لا يتعدد وهذا العقل هو الصلة بين الله والعالم وأداته للخلق والتكوين.

4 - الكلمة عند فيلون السكندري (30 ق. م إلى 40 م):


(1) الفلسلفة عند اليونان: د. أميرة حلمي مطر

كان يدين فيلون باليهودية وكانت نظريته فى الله وصلته بالوجود تتلخص فى أن يهوا (الله عند اليهود) وهو الإله المتعالي اللامتناهي فى صفات الكمال، لا يؤثر مباشرة فى العالم بل يؤثر عن طريق وسائط هي:

1 - الكلمة

2 - الحكمة الإلهية (صوفيا)

3 - الملائكة

4 - الجن

أما صلة الكلمة بالله فهو واسطته إلى الخلق ورسوله إلى الناس وهو الذي ينقل إليه تضرعاتهم فهو ابن الله ورسوله وهو وسيلته فى خلق العالم.

وقد أثرت هذه النظرية فى العقيدة المسيحية وظهرت آثارها فى انجيل يوحنا الذي يرجح أن يكون قد كتب فى أوائل القرن الثاني وتأثر كاتبه بهذا الفيلسوف اليهودي الذي عاش فى الاسكندرية (1)، (2)

عند فيلون أن الله يستجيب دعاء الكلمة للمخلوقات الأرضية وأن (موسى) عليه السلام هو اللوجوس الذي استجاب الله دعاءه فى سيناء وهو الذي خلص من شوائب المادة فلحق بالطبيعة الإلهية.

وأن الكلمة كانت فى عقل الله قبل جميع الأشياء وهى متجلية فى جميع الأشياء. وقد جاء فى انجيل يوحنا اعتراف اليهود بأن موسي هو كلمة الله (إصحاح 9: 29

(نحن نعلم أن موسي كلمة الله) يوحنا صح 9: 29

ويظهر بوضوح تأثر فيلون بفلسفة أفلاطون الذي يقول بضرورة وجود واسطة وأداة للخلق حيث لا يليق بالاله الخالد أن يخلق ما هو فان.

[5 - الكلمة فى إنجيل يوحنا:]

كما ذكرنا أن يوحنا قد تأثر بفلسفة فيلون عن الكلمة ولكنه جعلها وصفا لعيسى وليس لموسى عليهما السلام. والكلمة فى إنجيل يوحنا هي أيضا وسيلة الله وواسطته للخلق والتكوين (كل شئ به كان) يوحنا 1: 3

وكذلك هى المعلنة والمعبرة عن فكر الله كما كان (بتاح) لسان الآلهة عند المصريين القدماء، والكلمة فى إنجيل يوحنا نجدها أحيانا موضوعا أو فكرة يعقلها الله (والكلمة كان عند الله (يوحنا 1:1) وكذلك (هذا كان فى البدء عند الله) يوحنا 1: 2 وأحيانا نجد الكلمة فى هذا الإنجيل (ذاتا) أو (عقلا)

كما فى قول الإنجيل (وكان الكلمة الله) يوحنا 1: 3

إن الخلط وعدم التمييز بين الموضوع والذات أو بين المعقول والعقل خطأ شاع بين الفلاسفة الأقدمين كما بينا عند هيراقليطس وظلت هذه المشكلة إلى أن جاء ديكارت ليؤكد ثنائية الموضوع والذات.

ومن البديهي ان الكلمة ليست من جوهر قا ئلها والموضوع لا يتساوي مع الذات، إن كاتب إنجيل يوحنا (3) قد اقتبس فى انجيله مذهب الخلق بالكلمة بأخطائه مما ينفي الوحي والإلهام فى تحرير الأناجيل.

(1) الفلسفة عند اليونان: د. أميرة حلمي مطر
(2) فلاسفة الشرق: أ. و. توملين

(3) نذكر هنا تعبير كاتب انجيل يوحنا لأننا لا نعرف على وجه التحقيق كاتب هذا الإنجيل: أ. و. توملين

  • الجمعة PM 10:54
    2022-08-19
  • 1304
Powered by: GateGold