المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409170
يتصفح الموقع حاليا : 350

البحث

البحث

عرض المادة

إنجيلي مرقس ومتى وشجرة التين المجني عليها

يقول إنجيل متى (وفى الصبح إذ كان راجعا (يسوع) إلى المدينة جاع، فنظر شجرة تين على الطريق وجاء إليها فلم يجد فيها شيئا إلا ورقا فقط، فقال لها لا يكن منك ثمر بعد إلى الأبد، فيبست التينة فى الحال) صح 21: 18 - 21

ويذكر مرقس هذه القصة هكذا.

(لما خرجوا من بيت عنيا جاع (يسوع) فنظر شجرة تين من بعيد عليها ورق وجاء لعله يجد فيها شيئا فلما جاء إليها لم يجد شيئا إلا ورقا لأنه لم يكن وقت التين. فأجاب يسوع وقال لها لا يأكل أحد منك ثمرا بعد إلي الأبد .. وفى الصباح إذ كانوا مجتازين رأوا التينة قد يبست من الأصول) 11: 12 - 14

ويبلور وليم باركلي (1) الخلاف بين متى ومرقس فى نقطتين:

1 - ذكر مرقس أن الوقت لم يكن وقت التين.


(1) تفسير إنجيل متى: وليم باركلي

2 - لا يذكر مرقس ما يفيد أن التينة قد يبست فى الحال كما ذكر متى ويقول وليم باركلي أن شراح الإنجيل يعتقدون أن رواية مرقس أقرب إلي الحادثة الواقعية من رواية متى على أساس أن إنجيل مرقس هو أقدم البشائر.

ويضيف وليم باركلي قائلا: ثم أنه تعترضنا مشكلة أخرى تحتاج إلي تفسير، فكيف يعاقب السيد المسيح شجرة بلعنة مع أن العقاب فى الحقيقة لا يوقع إلا على الكائنات الحية التي لها عقل وإرادة والشجرة ليس لها عقل ولا إرادة، ثم إننا إذا ذكرنا ما قاله مرقس من أنه لم يكن وقت التين فلماذا يلعن المسيح الشجرة على شئ لم يكن فى قدرتها أو أمكانها؟ وهل يكلف المسيح الشجرة شيئا فوق طاقتها؟

ويتسائل أيضا القس انسلم تورميدا (1): كيف ينسب متى ومرقس إلى المسيح التماس التين من أشجار الناس وفى غير فصله؟ وهذا لا يفعله الصبيان والمجانين.

وكيف يدعو عليها باليبس وتنقطع منفعة الناس منها فى حين أن الله جعل الأنبياء والرسل لمنفعة الخلق ومصلحتهم لا عكس ذلك؟

ونتساءل كيف يجهل المسيح وقت أثمار شجر التين وهو من أكثر الأشجار انتشارا فى فلسطين؟ ولماذا لم يسخر المسيح.

ماوهبه الله من معجزات فى إثمار شجرة التين بدلا من إذبالها والقضاء عليها؟ وهل يعقل أن نبي الله يستخدم قدراته الإعجازية فى التخريب بدلا من النفع.

يقول وليم باركلي: يقرأ كثيرون من المؤرخين هذه العبارات وتصادفهم حيرة لأنها تعطي صورة عن المسيح لم نعهدها فيه من قبل.


(1) تحفة الأريب فى الرد على أهل الصليب: انسلم تورميدا صـ125

الأناجيل ونهاية العالم فى القرن الأول الميلادي:

يقول انجيل متى (الحق أقول لكم أن من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتيا فى ملكوته) صح 16: 27 - 28

ابن الإنسان: لقب كان يطلقه على نفسه السيد المسيح.

هنا يتحدث المسيح عن مجيئه الثاني عند نهاية العالم (يوم القيامة) والهدف من المجئ الثاني (حينئذ يجازى كل واحد حسب عمله) متى 16: 27

وقد بشر المسيح أتباعه بقرب حدوث ذلك، وأن منهم من سيبقى حيا حتى يشهد ذلك.

وبالطبع مضت مئات السنين على موت مستمعي هذه البشري ولم يحدث ما تنبأ به المسيح.

ويعلق ر. ت. فرانس (1) قائلا: توضح هذ الآية أن مجئ المسيح الثاني كملك وكقاضي سيراه بعض ممن كانوا يسمعون قوله قبل موتهم وهذه الآية تثير مشكلة عن النبؤة الواضحة عن مجئ المسيح إبان القرن الأول ويضيف وليم باركلي (2): تثير هذه العبارة مجالا كبيرا للمناقشة. والحقيقة أن المسيحيية فى الكنيسة الأولي كانوا يؤمنون بسرعة مجئ المسيح الثاني ويتوقعون حدوثه فى أيام حياتهم على الارض،


(1) التفسير الحديث لإنجيل متي: ر. ت. فرانس
(2) تفسير إنجيل متى: وليم باركلي صـ375 الجزء الأول

نظرا لأنهم كانوا يعيشون فى اضهادات وآلام ويشتاقون إلي يوم تحريرهم وتمجيدهم وقد سقط فى الاعتقاد الخاطئ تلاميذ المسيح وبولص المدعو رسولا فنجد التلميذ يوحنا يقول (أيها الأولاد هي الساعة الأخيرة، وكما سمعتم أن ضد المسيح يأتي قد صار الآن أضداد للمسيح كثيرون، ومن هنا نعلم أنها الساعة الأخيرة) رسالة يوحنا الأولي 18:2

ويعتقد بولس أنه سيبقي حيا حتى مجئ المسيح الثاني وأنه من المشار إليهم فى إنجيل متى الإصحاح 16 فيقول (أننا الأحياء الباقين إلي مجئ الرب) الرسالة الأولي إلي أهل تسالونيكي 15:4 ويقول كذلك (ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعا معهم - يقصد الأموات السابقين - فى السحب لملاقاة الرب فى الهواء) الرسالة الأولي لأهل تسالونيكي 17:4

ويؤكد بولس اعتقاده الخاطئ مرة أخرى قائلا (نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور) الرسالة الأولي لأهل كورتثيوس.

ومما هو جدير بالذكر أن بطرس قد قتل على يد الرومان فى السنة الخامسة والستين (65م) ميلادية (فى عهد نيرون) (1) 54م-67م، كما قتل بولس سنة 66 ويقول التلميذ يعقوب (وثبتوا قلوبكم لأن مجئ الرب قد اقترب) رسالة يعقوب صح 8:5


(1) تاريخ الطبري: لأبي جعفر بن محمد بن جرير الطبري

كذلك التلميذ بطرس (إنما نهاية كل شئ قد اقتربت) الرسالة الأولي 7:4 إن هذه النبوة التي لم تتحقق حتى الآن تكررت فى مواضع كثيرة من الأناجيل وبصورة مختلفة، ونعود إلي إنجيل متى، فعندما سأل التلاميذ السيد المسيح (قل لنا متى يكون هذا - خراب أورشليم - وما هى علامة مجيئك وانقضاء الدهر) متى صح 3:24 فإنه يجيب قائلا (الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله) متى 34:24 ويؤكد ذلك إنجيل لوقا (فاعلموا أن ملكوت الله قريب، الحق أقول لكم أنه لا يمضي هذا الجيل حتى يكون الكل) لوقا 31:21 ويحدد هنا المسيح ميعاد انقضاء الدهور ومجيئه الثاني بجيل أو بثلاثين عاما والطبع مضت أجيال كثيرة، ولم يحدث شئ من النبوءة.

ويقول فولتير (1) لما لم يف المسيح بوعده فى الحضور على متن سحابة فى قوة ومجد عظيم ليؤسس مملكة الله قبل أن ينقرض هذا الجيل، ما الذي عوقه؟

وفى موضع آخر يذكر متى نبوءة انقضاء الدهر والمجئ الثاني للمسيح بصورة أخرى (فإني الحق أقول لكم لا تكملون مدن اسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان) متى 23:10 يحدد المسيح هنا مجيئه الثاني بقبل أن يكمل تلاميذه تبشير مدن إسرائيل. وقد أكمل التلاميذ تبشير هذه المدن وغيرها ولم يجئ المسيح.

ونتسائل كيف ساد هذا الاعتقاد الخاطئ بانقضاء العالم وعودة المسيح فى القرن الأول الميلادي بين كتبة الأناجيل والمسيحيين الأوائل.


(1) أسئلة ذاباتا سنة 1767: فولتير

يقول فولتير: إن يسوع قبل اعتقاد كثير من اليهود الأتقياء قبله بأن العالم كما عرفوا يسير إلي نهايته وسرعان ما تحل محله مملكة الرب أى الحكم المباشر لله على الأرض (1).

ويؤكد هذا الرأي هرمان رايماروس فيقول: أن المسيح شارك رأي بعض اليهود فى أن العالم المعروف يومها قد أشرف على نهايته وسيعقبه قيام ملكوت الله على الأرض وقد فهمه الرسل على هذا النحو.

هكذا أخذ المسيحيون الاعتقاد بقرب انقضاء العالم فى ذلك الوقت عن الطوائف اليهودية خاصة الأسينيين، وأضافوا إليه المجئ الثاني للمسيح. وقد أدى هذا الاعتقاد عندئذ إلي الجرأة والتهور عند اليهود فثاروا على الاحتلال الروماني فى سنة ستة وستين (66م) (2) مما دفع إلي حصار أورشليم ثم تخريبها وهدم هيكل سليمان فى السابع من سبتمبر سنة سبعين (70م) فى عهد الامبراطور فلافيوس فسباسيان (69 - 79م) وعلى يد ابنه القائد تيطس)

ومن ناحية أخرى دفع هذا الاعتقاد الخاطئ بقرب نهاية العالم المسيحيين الأوائل إلي حياة الزهد والتقشف والانصراف عن الملذات الدنيوية استعدادا للحياة الآخرة ويقول لوقا: (وكانوا يظنون أن ملكوت الله عتيد أن يظهر فى الحال) صح 11:19


(1) قصة الحضارة: ول ديورانت
(2) موسوعة تاريخ العالم: وليم لانجلر. الجزء الأول صـ287

ونتسائل كيف انساق المسيحيون وراء هذا الاعتقاد الخاطئ، وأين كان الوحي والهام الروح القدس؟!

[إبليس والمسيح والجبل الوهمي:]

يقول إنجيل متى (ثم أخذه أيضا إبليس إلي جبل عال وراء وأراه جميع ممالك العالم ومجدها) صح8:4

ويتساءل فولتير (1) أين كان يقع هذا الجبل العجيب الذي يستطيع من فوقه الإنسان رؤية كل ممالك الأرض؟!

كما يعلق وليم باركلي (2) أستاذ العهد الجديد فى تفسيره قائلا: كانت هذه التجربة فى البرية الواقعة بين أورشليم والبحر الميت وهى عبارة عن منبسط من الأراضي الرملية ولا توجد جبال فى تلك المنطقة.

ويضيف تفسير آخر للأناجيل (3): لا يعلم الجبل المشار إليه هنا.

إن رؤية جميع ممالك العالم يتطلب الدوران بمركبة فضائية حول الأرض وعليناأن نتخيل كم يبلغ ارتفاع جبل فى الأردن ليتسني للواقف فوقه رؤية روما عاصمة الامبراطورية الرومانية وبابل فى العراق والاسكندرية فى مصر إذا افترضنا بلوغ قوة الإبصار نهايتها العظمى. إن إبليس بما يمتلك من قوى فوق مستوى البشر


(1) أسئلة ذاباتا: فولتير
(2) تفسير العهد الجديد: وليم باركلي صـ68
(3) تفسير العهد الجديد: إصدار دار الثقافة.

يستطيع تصوير ممالك العالم للمسيح وهذا لايستدعى عناء الصعود والتسلق لجبل عال جدا كما يقول متى ولكن إنجيل متى أوضح أن إبليس كان يفكر بمنطق البشر العادي ألا وهو الارتفاع عن سطح الأرض للتمكن من رؤية أكبر مساحة حوله نظرا لكروية الأرض.

هكذا بالغ إنجيل متى فوقع فى حدود الخرافة واللامعقولية.

إن تفاسير العهد الجديد تنفى وجود هذا الجبل جغرافيا والعقل ينفى حدوث ذلك إن وجد هذا الجبل الخيالي.

ويقول أ. و. توملين (1): ومثلما قام الشيطان بالتغرير بالمسيح، قامت الشيطانة سيندر ماد بالتغرير بزرادشت.

وكذلك عن بوذا: لقي البوذا فى مستهل عمله كمنقذ للبشرية هجوما من قوى الشر لتثنيه عن الرسالة المقدسة التي كرس نفسه لها حيث هاجمه الشيطان (مارا) وبناته الثلاث محاولين بحيلهم المختلفة أن يجعلوه يحيد عن تحقيق هدفه (2)


(1) فلاسفة الشرق: أ. و. توملين.
(2) المعتقدات الدينية لدى الشعوب: جفري بارندر صـ218

  • الجمعة PM 09:58
    2022-08-19
  • 778
Powered by: GateGold