المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413186
يتصفح الموقع حاليا : 318

البحث

البحث

عرض المادة

إنكار مصطفى محمود لتدوين الأحاديث!!

ثم قال: القرآن هو خزينة العلم الإلهي القديم الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه وهو العمدة في كل حقائق الدين والمرجع الوحيد في أمور الغيب والحساب والقيامة والآخرة. أنزله الله الذي ليس كمثله شيء فكان على مثاله كتاباً ليس كمثله كتاب. لايرتفع إلى ذرْوة مصداقيته كتاب. ولايبلغ مدى حِجّتيه مقال. فهو منفرد في صدقه وإحاطته وإعجازه.أما السنة القولية التي جمعها رواة الأحاديث عن الرسول الكريم فقد جمعها ودوّنها بشر مثلنا غير معصومين في سلسلة من العنعنات عبر عشرات السنين. لم تدوّن الأحاديث إلا من بعد زمن الخلفاء الراشدين على أيام سلاطين القصور.وقدْ أجمع رواة الأحاديث على أن النبي عليه الصلاة والسلام قد نهى عن تدوين الأحاديث وجاء هذا النهي في أكثر من حديث لأبي هريرة وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن مسعود وغيرهم.

وفي كلمات أبي هريرة في قطعية لاتقبل اللبس خرج علينا الرسول ونحن نكتب أحاديثه فقال: ماهذا الذي تكتبون؟ قلنا: أحاديث نمسعها منك يارسول الله.

قال: أكتاب غير كتاب الله. يقول أبو هريرة: فجمعنا ماكتبناه وأحرقناه بالنار. (1)

الجواب: إن هذا الضال يطعن ويُشكك في أحاديث الرسول جملة ويدعو إلى الإكتفاء بالقرآن وحده. وهذا مع أنه غاية الضلال إلا أنه غاية الجهل. وقد تبين ويأتي مايوضح ضلاله.أما نهْي النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابه الأحاديث فهو منسوخ.قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكان النبي صلى الله عليه وسلم قدْ نهاهم أن يكتبوا عنه غير القرآن وقال:(من كتب عني شيئاً غير القرآن فليمحه ثم نُسخ ذلك عند جمهور العلماء حيث أذِنَ في الكتابة لعبد الله بن عمرو. وقال: (أكتبوا لأبي شاه) وكتب لِعَمرو بن حزم كتاباً.

قالوا: وكان النهي أولاً خوفاً من اشتباه القرآن بغيره. ثم أذِنَ لَمّا أمِنَ ذلك. فكان الناس يكتبون من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مايكتبون. وكتبوا أيضاً غيره. (2)من هذا يتبين أيضاً أن تدوين الأحاديث قبل البخاري الذي نَقِمَ عليه هذا.فالصحابة رضي الله عنهم كتبوا الحديث ومن بعدهم قبل البخاري.

وقد أمر أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ابن شهاب الزهري بجمع الحديث. وكتب مالك الموطأ وغير مالك كتبوا الحديث قبل البخاري رحمهم الله أجمعين.


(1) ص 89، 90.

(2) مجموعة الفتاوى 20/ 322 وذكر مثله في الفتاوى 21/ 318.

ثم قال: إن ماصنعه البخاري بإخراجه مُذْنبي المسلمين من النار بشفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام كما رَوى في أحاديثه لم تأت بالمسلم الأفضل بل جاءت بالمسلم الأضعف المتواكِل الذي يحلم بدخول الجنة بلا عمل. (1)

الجواب: البخاري رحمه الله ليس هو الذي يُخرج مُذْنبي المسلمين من النار بشفاعة الرسول وإنما ينقل ماصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك. كذلك غيره من المحدّثين.والمسلم الضعيف المتواكل الذي يحلم بدخول الجنة بلا عمل ليست آفته من أحاديث البخاري وإنما آفته من الفهم الفاسد لتلك الأحاديث حيث يظن أن مجرّد التلفظ بالشهادة يُغنيه عن العمل بمقتضاها حيث الشفاعة أمامه. وإذا كان هذا يُحيل الضلال للأحاديث الصحيحة فالقرآن ضَلّت به الخوراج لفهمهم الفاسد فكيف المخرج إذاً؟

بل إنه هو ضَلّ بالقرآن حيث زعم أن أحاديث الشفاعة وغيرها تناقضه وطلب الإكتفاء به وهو الذي فيه {وما آتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا} {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول} وغير ذلك.

ثم قال: ونقف معاً أمام الحديث الذي رواه البخاري عن سيدنا موسى حينما قضى ربنا عليه الموت وأرسل له ملَك الموت ليقبض روحه. ماذا قال لنا البخاري؟ قال إن موسى رفض أن يموت وضرب ملك الموت على عينه ففقأها فرجع ملك الموت إلى ربه فَرَدّ له بصره.

كيف يجوز هذا الكلام والقرآن يقول في قطع لا لَبْسَ فيه: {إن أجل الله إذا جاء لايؤخر لوكنتم تعلمون} {ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها} {فإذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولايستقدمون} فأين موسى من كل هذا وكيف يضرب ملك الموت على عينه ويرفض أن يموت وأين كلام البخاري من كلام الله؟ إن الحديث واضح الزيْف ومثله كثير في البخاري (2).

الجواب: الواضح الزيف فَهْمك.

وإلا فالحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس البخاري الذي قال: إن موسى رفض أن يموت وضرب ملك الموت ففقأ عينه وإنما النبي هو الذي أخبر بهذا الخبر. والبخاري رحمه الله ناقل ومُبَلّغ عن نبيه الذي أمر أمته بتبليغ رسالته ومَنْ قال لهذا الضال أن ملك الموت أُرسل إلى موسى ليقبض روحه في الحال حتى يكون هذا التأخر لموت موسى مناقض للقرآن. وإنما هذه بعض فضائح من اسْتهان بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة.

فبما أن هذا الحديث صحيح فقطعاً لايعارض القرآن فليس في الحديث أن ملك الموت مأمور بقبض روح موسى بنفس الوقت.ثم إنه في عِلم الله أن موسى سوف يقول لملك الموت ماقال ويفعل مافعل ومع هذا أرسله إليه وفي علمه أنه بقي من عُمر موسى مابَقّي فأيّ معارضة في هذا؟

أما قوله: وكيف يضرب ملك الموت على عينه فجوابه ما قال ابن خزيمة رحمه الله قال: أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث وقالوا: إن كان موسى عَرَفَه فقد اسْتخف به وإن كان لم يعرفه فكيف لم يقتص له من فقء عينه؟

والجواب: أن الله لم يبعث ملك الموت لموسى وهو يريد قبض روحه حينئذ وإنما بعثه إليه اختباراً.

وإنما لَطَمَ موسى ملك الموت لأنه رأى آدمياً دخل داره بغير إذنه ولم يعلم أنه ملك الموت وقد أباح الشارع فقء عين الناظر في درا المسلم بغير إذن. وقد جاءت الملائكة إلى إبراهيم وإلى لوط في صورة آدَمِييِّن فلم يعرفا هم ابتداء. ولوْ عرفهم إبراهيم لما قدّم لهم المأكول. ولوْ عرفهم لوط لما خاف عليهم من قومه إلى آخره. (3)

وقد رَدّ محمد الغزالي هذا الحديث قبل مصطفى محمود. قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله في (لمعة الإعتقاد) تحت عنوان: (الإيمان بكل ما أخبر به الرسول).

قال: ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وصح به النقل عنه فيما شاهدناه أوْغاب عنا نعلم أنه حق وصدق. وسواء في ذلك ماعقلناه أوْجهلناه ولم نطلع على حقيقة معناه مثل حديث الإسراء والمعراج وكان يقظة لا مناما فإن قريشاً أنكرته ولم تُنكر المنامات. ومِن ذلك أن ملَك الموت لما جاء إلى موسى عليه السلام ليقبض روحه لطمه ففقأ عينه فرجع إلى ربه فردّ عليه عينه. إلى آخره.

ثم ختم كتابه بقوله: ويعلم الله أنه مادفعني إلى كتابة ماكتبت إلا محاولة استجلاء الحقيقة وابتغاء وجه الله فأنا مثلكم من الخطائين وكان أنفع لي أن آخذ كلام البخاري على علاته ولكن الله كان عندي أحق وأوْلى وأدعو لنفسي ولكم بالهداية. (4)الحقيقة ظهرت وبانت وردّك أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة وطعنك على هذا الإمام العظيم البخاري رحمه الله ليس بالهَيّن فلم يبق إلا التوبة والبيان برجوعك عن الذي خالفت به أهل السنة. والكلام على صحيح البخاري وما قاله العلماء في تعظيمه والثناء عليه ليس ولله الحمد بالخفي وليس بالذي يحتمله هذا الرّد.

من عَلِمَ ماتقدم تبين له وظهر ضلال القبورية الذين يعتقدون بالموتى وأنهم من أخسر الناس يوم القيامة. لقد غَرَّهم الشيطان ومكر بهم فظنوا أنهم يحسنون صُنعاً إن عابد البدوي أو الدّسوقي أوغيرهم من الموتى يقول: أنا ما أعبدهم وإنما أعبد الله وأقول: لا إله إلا الله لكن هم أولياء ونتبرّك بهم ولهم جاه ومنزلة عند الله.فيقال له: هذا هو مطلب عباد الأصنام من أصنامهم فهم صَوّرها على صور الملائكة ومَنْ هو مقرّب عند الله وعبدوها باعتبار أن عبادتهم لها بمنزلة عبادتهم إياهم بَذَوَاتهم مع أنهم يقولون ربنا الله وهو الذي خلقنا ويرزقنا وإنما هؤلاء لهم وجاهة فهم يُقربوننا إليه فكفّرهم الله بذلك.

يقول من ينذر للبدوي أوغير البدوي ويذبح له ويرجوه: أنا أقول: لا إله إلا الله وأصلي وأصوم وأعمل بالإسلام فكيف أُجْعل مثل عباد الأصنام الذين يمتنعون من قول لا إله إلا الله وليسوا بمسلمين.؟فيقال له: أنت لو عرفت الإسلام كما عرفه عباد الأصنام من العرب لامْتنعت من قول لا إله إلا الله. أوقلتها وامْتنعت من أن يتوجه قلبك بعبوديته للموتى وعرفت أنها مانعة قاطعة أن يكون في قلبك لمخلوق حي.أومّيت نصيب وشركة في الخوف والرجاء والمحبة وأن تعتقد فيه أنه يُقرّبك إلى الله أويشفع لك عنده لكنك تقولها وتعمل خلاف معناها فلا إله ليس معناها لارب أولا خالق أولا رازق إلا الله.

هذا يعتقده عباد الأصنام وإنما معناها قطع تعلّق قلبك بالأنبياء والملائكة والصالحين فضلاً عن غيرهم بأدنى رجاء نرجوه منهم مما ترجو أن تقترب به من ربك لأن هذه الرّقة والخشية والتعظيم الذي يُحسّ به وتُشعر به في قلبك هو ملك ربك ولايرضى أن تجعل لأحد منه نصيب فهذا هو الشرك وهو أعظم الذنوب وهو الموجب للخلود في جهنم لمن مات عليه ولا تنفعه شافعة شافع.

ومعنى لاتنفعه لأنه لا أحد يشفع فيه وتقرب إليه بدعاء أوذبح أونذر أوغيره من العبادة التي هي حق إلا له سبحانه ولايرضى بالشركة فيها.ثم ليعلم من يعتقد بالمقبورين أن هناك شُبَهٌ تغرّه وتخدعه وهي من مكر الشيطان وكيْده ليُضلّه عن معبوده الحق وذلك أنه قدْ يرى عند الضريح خيالاً أويسمع صوتاً أو تُقضى له حاجة أويرى في المنام مايدعو للإعتقاد بالميت وكل هذا بلا ريب من الشيطان. والشياطين تقدر على أعظم من ذلك للفتنة.

وما اغْترّ عباد الأصناح بحجر ولا بشجر وإنما يسمعون أصواتاً ويروْن أشياء وتقضى لهم بعض الحوائج ومِنْ هنا اغتروا وهذا معنى قوله تعالى عن خليله عليه السلام: {رب إنهن أضللْن كثيراً من الناس} إن مع كل صنم شيطان وظيفته الفتنة وزيادة تعلق القلب بغير الإله الحق. ولاشك أن السّدنة وما يرُوّجونه من الباطل عامل كبير لِرَواج بناء القباب على القبور وتعظيمها. وهم دجاجلهم يتأكّلون بالشرك. وكم يُرَوّجون الإعتقاد بمقبور لايملك لنفسه فضلاً عن غيره نفعاً ولاضراً بأنه فعل كذا وحصل بسببه كذا.

وكل ذلك ينقسم إلى قسمين: إما من الشيطان للفتنة ولزيادة التعلّق بالميت. أو كذب محض لا أصل له.إن التعلق بالموتى مهما كانت وجاهتهم ومنزلتهم أعظم صارف لقلب العبد عن ربه الذي خلقه ليكون هذا الذي في قلبه من التعلّق خالصاً له لايُزاحمه فيه مُزاحم لا محمد ولا جبريل ولاجميع الأنبياء والملائكة فضلاً عن غيرهم.

وإنما هؤلاء يريد الرب منا أن ننزلهم منازلهم التي أنزلهم إياها وأنهم عبيده فنحبهم بحبه ولانرفعهم فوق منازلهم بإخراجهم عن طوْر العبودية إلى الإلهية.

هذا أعظم ذنب عُصِي الله به وهو الشرك.

ثم إنهم أعداء لمن يشركهم مع ربهم {وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين}.إنهم يتبرأون ممن تعبّدهم بالخوف والرجاء وغير ذلك من أنواع العبودية.

أما البدوي فمن يكون؟ لقد تُرْجِمَ له أقبح سيرة وإنما غلافية من لم يعرف التوحيد الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم. وهو إخلاص تألّه القلوب لوليّها الحق ومالكها.

ولا يصلح شيء من ذلك إلا له.حتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم لايُفعل عنده عند زيارة المسجد إلا السلام عليه وعلى أبي بكر وعمر. ومن أراد الدعاء لايدعو عند القبر وإنما في المسجد مستقبلاً القبلة لا القبر .. ومسجد الرسول أُدْخل فيه القبر للتوسعة من قِبَل بني أمية وقد أنكر العلماء ذلك .. فما للمساجد والقبور وما للقبور وتوَجّه القلوب بخوف أو رجاء.

هو والله كيد الشيطان ومكره ليضل عن سبيلالله من سبقت له الشقاوة.الميت إذا كان صالحاً يسلم عليه سلام السنة ويُدْعى له لايدعى ويُرّحم عليه. لأنه مُرْتهن بعمله ومشغول بما هو فيه وليس له من أمور عباد الله شيء وليس رب العالمين كملوك الدنيا تنفع عندهم الوسايط. التي يخترعها العباد ويبدؤونها وينشئونها.

من غير علمهم ويشفعون عندهم دون إذنهم. والملوك أنفسهم يخافون الشفعاء ويرجون لقيام ملكهم بالشفاعة ولارب هو الذي يخلق حركة الشافع ليشفع كرامة له ورحمة من الله للمشفوع فيه سابقة علم الشافع وسابقة رحمة الشافع للمشفوع فيه. فالأمر كله له سبحانه.

والكلام في هذا من أجلّ وأعظم أمور التوحيد فمن تأمله ووفق لفهمه جعل الله له نوراً يمشي به في الناس وفرقاناً يفرق به بين الحق والباطل {ومن لم يجعل الله له نوراً فماله من نور} {من يهدي الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا}. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


(1) ص 103.

(2) ص: 106 - 107.

(3) فتح الباري 6/ 443.

(4) ص 109.

  • الاثنين PM 02:32
    2022-08-01
  • 1762
Powered by: GateGold