المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412596
يتصفح الموقع حاليا : 299

البحث

البحث

عرض المادة

نعت الجهمية لأهل السنة بالمشبهة: دليل على إثبات معاني الصفات

ومن الوجوه المهمة الدالة على علم السلف لمعاني الصفات، وإثباتهم حقيقة ذلك لله تعالى: هو تسمية الجهمية لهم بالمشبهة، فلو لم يُثبت السلف معاني الصفات لله تعالى لم يكن لتسمية الجهمية لهم بذلك معنى. إذ كان السلف لا يثبتون حقائق الصفات ومعانيها لله تعالى، لم يكن بينهم وبين الجهمية فرق، فالجهمية تزعم أن نزول الله: نزول أمره، وأن وجهه: ذاته، وأن يده: نعمته، ونحو ذلك.

قال الإمام أحمد في رسالة السنة التي رواها الاصطخري: (وقد رأيت لأهل الأهواء والبدع والخلاف أسماء شنيعة قبيحة يسمون بها أهل السنة يريدون بذلك عيبهم والطعن عليهم والوقيعة فيهم والإزراء بهم عند السفهاء والجهال: ... - إلى أن قال: وأما الجهمية فإنهم يسمون أهل السنة المشبهة) (1) اهـ.

وقال إسحاق بن راهويه: (علامة جهم وأصحابه دعواهم على أهل الجماعة وما أولعوا به من الكذب أنهم مشبهة) (2) اهـ.

وقال أبو حاتم الرازي: (وعلامة الجهمية أن يسموا أهل السنة مشبهة ونابتة) (3) اهـ.

وقال أبو زرعة: (المعطلة النافية الذين ينكرون صفات الله عز وجل التي وصف بها نفسه في كتابه وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ويكذبون بالأخبار الصحاح التي جاءت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصفات، ويتأولونها بآرائهم المنكوسة على موافقة ما اعتقدوا من الضلالة، وينسبون رواتها إلى التشبيه، فمن نسب الواصفين ربهم تبارك وتعالى بما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - من غير تمثيل ولا تشبيه إلى التشبيه فهو معطل نافٍ، ويستدل عليهم بنسبتهم إياهم إلى التشبيه أنهم معطلة نافية، كذلك كان أهل العلم يقولون منهم: عبد الله بن المبارك ووكيع بن الجراح) (4) اهـ.


(1) رواها ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/ 25).
(2) رواه اللالكائي (3/ 532).
(3) المرجع السابق (1/ 182).
(4) ذكره أبو القاسم التيمي في الحجة في بيان المحجة (1/ 178).

وقال البربهاري: (وإن سمعت الرجل يقول: فلان مشبه، وفلان يتكلم في التشبيه، فاتهمه واعلم أنه جهمي .. ) (1) اهـ.

- شيخ الإسلام الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني (449 هـ)

قال في "عقيدة السلف وأصحاب الحديث": (قلت وبالله التوفيق: أصحاب الحديث، حفظ الله أحياءهم ورحم أمواتهم، يشهدون لله تعالى بالوحدانية، وللرسول - صلى الله عليه وسلم - بالرسالة والنبوة، ويعرفون ربهم عز وجل بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله، أو شهد له بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - على ما وردت الأخبار الصحاح به، ونقلته العدول الثقات عنه، ويثبتون له جل جلاله ما أثبت لنفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يعتقدون تشبيهاً لصفاته بصفات خلقه، فيقولون: إنه خلق آدم بيده، كما نص سبحانه عليه في قوله- عز من قائل: {يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} ص75، ولا يحرفون الكلام عن مواضعه بحمل اليدين على النعمتين، أو القوتين، تحريف المعتزلة الجهمية، أهلكهم الله، ولا يكيفونهما


(1) شرح السنة (ص115).

بكيف أو تشبيههما بأيدي المخلوقين تشبيه المشبهة، خذلهم الله، وقد أعاذ الله تعالى أهل السنة من التحريف والتكييف، ومن عليهم بالتعريف والتفهيم، حتى سلكوا سبل التوحيد والتنزيه، وتركوا القول بالتعطيل والتشبيه، واتبعوا قول الله عز وجل: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} الشورى11.

وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت بها الأخبار الصحاح من السمع والبصر والعين والوجه والعلم والقوة والقدرة، والعزة والعظمة والإرادة، والمشيئة والقول والكلام، والرضا والسخط والحياة، واليقظة والفرح والضحك وغرها من غير تشبيه لشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، بل ينتهون فيها إلى ما قاله الله تعالى، وقاله رسوله - صلى الله عليه وسلم - من غير زيادة عليه ولا إضافة إليه، ولا تكييف له ولا تشبيه، ولا تحريف ولا تبديل ولا تغيير، ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب وتضعه عليه بتأويل منكر، ويجرونه على الظاهر، ويكلون علمه إلى الله تعالى، ويقرون بأن تأويله لا يعلمه إلا الله، كما أخبر الله عن الراسخين في العلم أنهم يقولونه في قوله تعالى: {والراسخون في العلم يقولون: آمنا به، كل من عند ربنا. وما يذكر إلا أولو الألباب} آل عمران7) (1) اهـ.

وقوله (ويكلون علمه إلى الله) المراد به كنه الصفات وحقيقة ما هي عليه، بدليل إنكاره تأويل اليدين، وقوله (ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب وتضعه عليه بتأويل منكر). فدل على أن اللفظ يحمل على ظاهره المعروف في اللغة، وعلى حقيقته اللائقة بالله تعالى.

وقوله (ولا يحرفون الكلام عن مواضعه بحمل اليدين على النعمتين، أو القوتين، تحريف المعتزلة الجهمية) يفسر معنى نهي السلف عن تفسير الصفات، ألا وهو تفسير أهل البدع والمعطلة الذي يخرج اللفظ عن ظاهره.

وقال في تأكيده لحقيقة معنى النزول لله تعالى، وأنه النزول المعروف في اللغة من غير تشبيه له بنزول خلقه، فقال بعد أن روى أحاديث النزول الإلهي: (سمعت الأستاذ أبا منصور على إثر هذا الحديث الذي أملاه علينا يقول سئل أبو حنيفة عنه فقال: "ينزل بلا كيف " وقال بعضهم: "ينزل نزولا يليق بالربوبية بلا كيف، من غير أن يكون نزوله مثل نزول الخلق، بل بالتخلي والتملي، لأنه جل جلاله منزه أن تكون صفاته مثل صفات الخلق، كما كان منزهاً أن تكون ذاته مثل ذوات الخلق، فمجيئه وإتيانه ونزوله على حساب ما يليق بصفاته، من غير تشبيه وكيف ... ) إلى أن قال: (قلت: فلما صح خبر النزول عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أقر به أهل السنة، وقبلوا الخبر، وأثبتوا النزول على ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يعتقدوا تشبيهاً له بنزول خلقه، وعلموا وتحققوا واعتقدوا أن صفات الله سبحانه لا تشبه صفات الخلق، كما أن ذاته لا تشبه ذوات الخلق تعالى الله عما يقول المشبهة والمعطلة علواً كبيراً، ولعنهم لعناً كثيراً ... ) ثم أكد هذا المعنى للنزول بما نقله عن حماد بن أبي حنيفة فقال: (وقرأت لأبى عبد الله ابن أبي جعفر البخاري، وكان شيخ بخارى في عصره بلا مدافعة، وأبو حفص كان من كبار أصحاب محمد بن الحسن الشيباني، قال أبو عبد الله:- أعني ابن أبى حفص هذا- سمعت عبد الله بن عثمان وهو عبدان شيخ مرو يقول: سمعت محمد بن الحسن الشيباني يقول: قال حماد بن أبي حنيفة: قلنا لهؤلاء: أرأيتم قول الله عز وجل {وجاء ربك والملك صفا صفا} الفجر22؟ قالوا: أما الملائكة فيجيئون صفاً صفاً، وأما الرب تعالى فإنا لا ندري ما عنى لذاك، ولا ندري كيفية مجيئه، فقلت لهم: إنا لم نكلفكم أن تعلموا كيف مجيئه، ولكنا نكلفكم أن تؤمنوا بمجيئه، أرأيت من أنكر أن الملك يجيء صفاً صفاً ما هو عندكم؟ قالوا: كافر مكذب. قلت: فكذلك إن أنكر أن الله سبحانه لا يجيء فهو كافر مكذب.) (2) اهـ.

فما أروعه من كلام، وأعظمه من تقعيد وتأصيل. وهذا صريح في فهم السلف لمعنى النزول وأنه نزول حقيقي لائق بالله تعالى لا يشبه نزول المخلوقين، وإنما جهلوا كيفيته.

ومما يطول التعجب منه: عد الأشعريّيْن الصابوني رحمه الله من جملة الأشاعرة!!!

- الإمام العلامة حافظ المغرب أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر الأندلسي القرطبي المالكي (463 هـ)

قال: (وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا" عندهم مثل قول الله عز وجل: {فلما تجلى ربه للجبل} الأعراف143، ومثل قوله: {وجاء ربك والملك صفا صفا} الفجر 22، كلهم يقول: ينزل، ويتجلى، ويجيء بلا كيف، لا يقولون كيف يجيء؟ وكيف يتجلى؟ وكيف ينزل؟ ولا من أين جاء؟ ولا من أين تجلى؟ ولا من أين ينزل؟ لأنه ليس كشيء من خلقه وتعالى عن الأشياء ولا شريك له) (3) اهـ.

وقال في إثبات حقيقة الاستواء وأنه معلوم المعنى مجهول الكيف: (فإن قال إنه لا يكون مستوياً على مكان إلا مقروناً بالتكييف، قيل قد يكون الاستواء واجباً والتكييف مرتفع، وليس رفع التكييف يوجب رفع الاستواء، ولو لزم هذا لزم التكييف في الأزل،

 

 


(1) عقيدة السلف وأصحاب الحديث (35 - 39).

(2) المرجع السابق (60 - 63).

(3) التمهيد (7/ 135).

لأنه لا يكون كائن في لا مكان إلا مقروناً بالتكييف، وقد عقلنا وأدركنا بحواسنا أن لنا أرواحاً في أبداننا ولا نعلم كيفية ذلك، وليس جهلنا بكيفية الأرواح يوجب أن ليس لنا أرواح، وكذلك ليس جهلنا بكيفية على عرشه يوجب أنه ليس على عرشه) (1) اهـ.

وهذا يؤكد أن السلف علموا معنى الصفات، وإنما جهلوا الكيفية، وأن إثبات حقيقة الصفة لله تعالى كاليد، والوجه، والاستواء، والضحك، لا يستلزم العلم بالكيفية. إذ الكيفية أخص من العلم بالمعنى والحقيقة، ومثّل رحمه الله بالروح التي بين جنبي الإنسان، فإننا نقر جميعاً بحقيقتها، ونعلم بعض صفاتها، مع كوننا لا ندرك حقيقة ما هي عليه ولا كيفيتها، وهي مخلوقة، فكيف بالخالق سبحانه!

- شيخ الحنفية أبو اليسر محمد بن محمد بن الحسين البزدوي (493 هـ)

قال: (إثبات اليد والوجه حق عندنا معلوم بأصله، متشابه بوصفه، ولا يجوز إبطال الأصل بالعجز عن إدراك الوصف بالكيف، وإنما ضلت المعتزلة من هذا الوجه فإنهم ردوا الأصول لجهلهم بالصفات فصاروا معطلة) (2) اهـ.


(1) المرجع السابق (7/ 137).
(2) أصول الدين عند أبي حنيفة (ص291).

- شمس الأئمة أبو العباس الفضل بن عبد الواحد السرخسي الحنفي (494 هـ)

قال: (وأهل السنة والجماعة أثبتوا ما هو الأصل معلوم المعنى بالنص -أي بالآيات القطعية والدلالات اليقينية- وتوقفوا فيما هو المتشابه وهو الكيفية، ولم يجوزا الاشتغال في طلب ذلك) (1) اهـ.

وهذا لا يحتاج إلى توضيح.

- الإمام الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن محمد التيمي الطلحي الأصبهاني (535 هـ)

قال وقد سئل عن صفات الرب فقال: (مذهب مالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وحماد ابن سلمة، وحماد بن زيد، وأحمد، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وإسحاق بن راهويه: أن صفات الله التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسوله من السمع، والبصر، والوجه، واليدين، وسائر أوصافه إنما هي على ظاهرها المعروف المشهور، من غير كيف يتوهم فيها، ولا تشبيه ولا تأويل، قال ابن عيينة: كل شيء وصف الله به نفسه فقراءته تفسيره. ثم قال: أي هو هو على ظاهره لا يجوز صرفه إلى


(1) سبق تخريجه حاشية 83.

المجاز بنوع من التأويل) (1) اهـ.

وقال: (قال علماء السلف: ... وذلك أن الله تعالى امتدح نفسه بصفاته، ودعا عباده إلى مدحه بذلك وصدق به المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وبين مراد الله فيما أظهر لعباده من ذكر نفسه وأسمائه وصفاته وكان ذلك مفهوماً عند العرب غير محتاج إلى تأويله) (2) اهـ.

وقال في كلام له نفيس وهو يقرر أن الصفات على حقيقتها من غير تأويل: (قال أهل السنة: الإيمان بقوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} طه5، واجب، والخوض فيه بالتأويل بدعة .... ) إلى أن قال: (والاستواء في كلام العرب تأتي لمعان ... ) ثم ذكر معاني الاستواء في اللغة وهي التقويم والمماثلة والقصد والعلو، ثم قال: (قال أهل السنة: الاستواء هو العلو. قال الله تعالى {فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك} المؤمنون28، وليس للاستواء في كلام العرب معنى إلا ما ذكرنا، وإذا لم يجز الأوجه الثلاثة -أي التقويم والمماثلة والقصد- لم يبق إلا الاستواء الذي هو معلوم كونه -أي العلو- مجهول كيفيته، واستواء نوح على السفينة معلوم كونه، معلوم كيفيته لأنه صفة له، وصفات المخلوقين معلومة كيفيتها. واستواء الله على العرش غير معلوم كيفيته لأن المخلوق لا يعلم كيفية صفات الخالق لأنه غيب ولا يعلم الغيب إلا الله، ولأن الخالق لم يشبه ذاته ذات المخلوق لم يشبه صفاته صفات المخلوق، فثبت أن الاستواء معلوم، والعلم بكيفيته معدوم، فعلمه موكول إلى الله تعالى كما قال: {وما يعلم تأويله إلا الله} آل عمران7.

وكذلك القول فيما يضارع هذه الصفات كقوله تعالى {لما خلقت بيدي} ص75، وقوله {بل يداه مبسوطتان} المائدة64، وقوله {ويبقى وجه ربك} الرحمن27. وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (حتى يضع الجبار فيها قدمه). (إن أحدكم يأتي بصدقته فيضعها في كف الرحمن). وقوله: (يضع السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع). فإذا تدبره متدبر، ولم يتعصب بان له صحة ذلك وأن الإيمان به واجب، وأن البحث عن كيفية ذلك باطل. وهذا لأن اليد في كلام العرب تأتي بمعنى القوة ..... ) ثم ذكر معانيها في اللغة فذكر النعمة والنصرة والملك والتصرف، وبين امتناع إرادة هذه المعاني في حق ما ورد من آيات ذكر اليد لله تعالى ثم قال: (ومنها اليد التي هي معروفة، فإذا لم تحتمل الأوجه التي ذكرنا لم يبق إلا اليد المعلوم كونها، المجهولة كيفيتها، ونحن نعلم يد المخلوق وكيفيتها لأنا نشاهدها ونعاينها فنعرفها، ونعلم أحوالها، ولا نعلم كيفية يد الله تعالى، لأنها لا تشبه يد المخلوق، وعلم كيفيتها علم الغيب ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى، بل نعلم كونها معلومة لقوله تعالى، وذكره لها فقط، ولا نعلم كيفية ذلك وتأويلها. وهكذا قوله {ويبقى وجه ربك} الرحمن27، للوجه في كلام العرب معان .. ) ثم ذكر منها الجاه والقدر وأول الشيء والجهة وبين امتناع إرادتها فيما ورد من ذكر الوجه لله تعالى في القرآن، ثم قال: (ومنه الوجه المعروف، فإذا لم يجز حمل الوجه على الأوجه التي ذكرناها بقي أن يقال: هو الوجه الذي تعرفه العرب، كونه معلوماً بقوله تعالى، وكيفيته مجهولة.

وكذلك قوله: (حتى يضع الجبار فيها قدمه) وقوله: (حتى يضعه في كف الرحمن). وللقدم معان، وللكف معان، وليس يحتمل الحديث شيئاً من ذلك إلا ما هو المعروف في كلام العرب فهو معلوم بالحديث مجهول بالكيفية.

وكذلك القول في الإصبع، الإصبع في كلام العرب تقع على النعمة والأثر الحسن وهذا المعنى لا يجوز في هذا الحديث، فكون الإصبع معلوماً بقوله - صلى الله عليه وسلم -، وكيفيته مجهولة، وكذلك القول في جميع الصفات يجب الإيمان به، ويترك الخوض في تأويله، وإدراك كيفيته) (3) اهـ.

وقال أيضاً: (قال بعض العلماء: من أنكر الضحك فقد جهل جهلاً شديداً، ومن نسب الحديث إلى الضعف وقال: لو كان قوياً لوجب رده. وهذا عظيم من القول أن يرد قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والحق أن الحديث إذا صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجب الإيمان به، ولا توصف صفته بكيفية، ولكن نسلم إثباتاً له، وتصديقاً به) (4) اهـ.


(1) سبق تخريجه حاشية 87.
(2) الحجة في بيان المحجة (1/ 170).

(3) المرجع السابق (2/ 257 - 262).

 

(4) المرجع السابق (2/ 458).

- الإمام الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (748 هـ)

قال في "العلو": (المتأخرون من أهل النظر قالوا مقالة مولدة ما علمت أحدا سبقهم بها، قالوا: هذه الصفات تمر كما جاءت، ولا تأول مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد، فتفرع من هذا أن الظاهر يعني به أمران:

أحدهما: أنه لا تأويل لها غير دلالة الخطاب، كما قال السلف: الاستواء معلوم، وكما قال سفيان وغيره قراءتها تفسيرها، يعني أنها بينة واضحة في اللغة لا يبتغى بها مضائق التأويل والتحريف، وهذا هو مذهب السلف، مع اتفاقهم أيضا أنها لا تشبه صفات البشر بوجه، إذ الباري لا مثل له لا في ذاته ولا في صفاته.

الثاني: أن ظاهرها هو الذي يتشكل في الخيال من الصفة كما يتشكل في الذهن من وصف البشر فهذا غير مراد) (1) اهـ.

وقال بعد نقل كلاماً للخطيب البغدادي: (وقال نحو هذا القول قبل الخطيب الخطابي أحد الأعلام، وهذا الذي علمت من مذهب السلف، والمراد بظاهرها أي: لا باطن لألفاظ الكتاب والسنة غير ما وضعت له، كما قال مالك وغيره الاستواء معلوم، وكذلك القول في السمع والبصر والعلم والكلام والإرادة والوجه ونحو ذلك، هذه


(1) العلو (ص250 - 252).

الأشياء معلومة فلا نحتاج إلى بيان وتفسير، لكن الكيف في جميعها مجهول عندنا والله أعلم) (1) اهـ.

- الحافظ عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي (795 هـ)

قال: (وأما وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - لربه عز وجل بما وصفه به فكل ما وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - به ربه عز وجل فهو حق وصدق يجب الإيمان والتصديق به كما وصف الله عز وجل به نفسه مع نهي التمثيل عنه، ومن أشكل عليه فهم شيء من ذلك واشتبه عليه فليقل كما مدح الله تعالى به الراسخين في العلم وأخبر عنهم أنه يقولون عند المتشابه: {آمنّا به كُلٌّ من عند ربِّنا} آل عمران7، وكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في القرآن: (وما جهلتهم منه فكلوه إلى عالمه). خرجه الإمام أحمد والنسائي وغيرهما، ولا يتكلف ما لا علم له فإنه يُخشى عليه من ذلك الهلكة) (2) اهـ.

وقال: (وقد اعترض بعض من كان يعرف هذا على حديث النزول ثلث الليل الآخر، وقال: ثلث الليل يختلف باختلاف البلدان، فلا يمكن أن يكون النزول في وقت معين. ومعلوم بالضرورة من دين الإسلام قبح هذا الاعتراض، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو خلفاءه الراشدين لو سمعوا من يعترض به لما ناظروه بل بادروا إلى عقوبته وإلحاقه بزمرة المخالفين المنافقين المكذبين.) (3) اهـ.

قلت: واعتراض من ذكرهم، إنما هو اعتراض على إثبات حقيقة النزول، فلذلك أوردوا عليه ما ذكره، وهذا من جهلهم، لأنهم قاسوا الخالق بالمخلوق عياذاً بالله.

- تقي الدين أبو العباس أحمد بن علي العبيدي المقريزي (845 هـ)

قال: (اعلم أن الله تعالى لما بعث من العرب نبيه - صلى الله عليه وسلم - رسولاً إلى الناس جميعاً، وصف لهم ربهم سبحانه وتعالى بما وصف به نفسه الكريمة في كتابه العزيز، الذي نزل به على قلبه - صلى الله عليه وسلم - الروح الأمين، وبما أوحى إليه ربه تعالى.

 

فلم يسأله - صلى الله عليه وسلم - أحد من العرب بأسرهم قرويهم وبدويهم عن معنى شيء من ذلك، كما كانوا يسألونه - صلى الله عليه وسلم - عن أمر الصلاة والزكاة والصيام والحج، وغير ذلك مما لله فيه سبحانه أمر وتهي، وكما سألوه - صلى الله عليه وسلم - عن أحوال القيامة والجنة والنار، إذ لو سأله إنسان منهم عن شيء من الصفات الإلهية لنُقل، كما نُقلت الأحاديث الواردة عنه - صلى الله عليه وسلم - في أحكام الحلال والحرام، وفي الترغيب والترهيب، وأحوال القيامة، والملاحم والفتن، ونحو ذلك، مما تضمنته كتب الحديث، معاجمها ومسانيدها وجوامعها.

ومن أمعن النظر في دواوين الحديث النبوي ووقف على الآثار السلفية علم أنه يرد قط من طريق صحيح ولا سقيم عن أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - على اختلاف طبقاتهم، كثرة عددهم أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن معنى شيء مما وصف الرب سبحانه نفسه الكريمة في القرآن الكريم وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -، بل كلهم فهموا معنى ذلك وسكتوا عن الكلام في الصفات.

نعم، ولا فرّق أحد منهم بين كونها صفة ذات أو صفة فعل، وإنما أثبتوا له تعالى صفات أزلية، من العلم والقدرة والحياة والإرادة والسمع والبصر والكلام والجلال والإكرام والجود والإنعام والعز والعظمة، وساقوا الكلام سوقاً واحداً، وهكذا أثبتوا - رضي الله عنهم - ما أطلقه سبحانه على نفسه الكريمة من الوجه واليد ونحو ذلك، مع نفي مماثلة المخلوقين.

فأثبتوا - رضي الله عنهم - بلا تشبيه، ونزهوا من غير تعطيل، ولم يتعرض مع ذلك أحد منهم إلى تأويل شيء من هذا، ورأوا بأجمعهم إجراء الصفات كما وردت، ولم يكن عند أحد منهم ما يستدل على وحدانية الله تعالى، وعلى إثبات نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - سوى كتاب الله، ولا عرف أحد منهم شيئاً من الطرق الكلامية ولا مسائل الفلسفة، فمضى عصر الصحابة - رضي الله عنهم - على هذا) (4) اهـ.

وقال أيضاً: (فلذلك وصف الله تعالى نفسه الكريمة بها في كتابه، ووصفه رسول الله أيضاً بما صح عنه وثبت، فدل على أن المؤمن إذا اعتقد أن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأنه أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، كان ذكره لهذه الأحاديث تمكين الإثبات، وشجاً في حلوق المعطلة، وقد قال الشافعيّ رحمه الله "الإثبات أمكن" نقله الخطابيّ، ولم يبلغنا عن أحد من الصحابة والتابعين وتابعيهم أنهم أوّلوا هذه الأحاديث، والذي يمنع من تأويلها إجلال الله تعالى عن أن تضرب له الأمثال، وأنه إذا نزل القرآن بصفة من صفات الله تعالى، كقوله سبحانه:"الله فوق أيديهم " فإن نفس تلاوة هذا يفهم منها السامع المعنى المراد به، وكذا قوله تعالى:"بل يداه مبسوطتان"، عند حكايته تعالى عن اليهود نسبتهم إياه إلى البخل فقال تعالى:"بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء"، فإن نفس تلاوة هذا مبينة للمعنى المقصود) (5) اهـ.


(1) المرجع السابق (254).
(2) اختيار الأولى في شرح اختصام الملأ الأعلى (ص27).

(3) المرجع السابق (ص134).

(4) خطط المقريزي (المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار) (4/ 188).

(5) المرجع السابق (4/ 197).

- الملا علي بن سلطان محمد القاري الحنفي (1014 هـ)

قال في شرح الفقه الأكبر: (إن الغضب والرضى الذي يوصف الله به مخالف لما يوصف به العبد، وإن كان كل منهما حقيقة ... فإن صرف القرآن عن ظاهره وحقيقته بغير موجب حرام ... فما سمّى به الرب نفسه، وسمّى به مخلوقاته مثل: الحي، والقيوم، والعليم، والقدير، أو سمّى به بعض صفات عباده فنحن نعقل بقلوبنا معاني هذه الأسماء في حق الله وأنه حق ثابت موجود، ونعقل أيضاً معاني هذه الأسماء في حق المخلوق، ونعقل بين المعنيين قدراً مشتركاً، إذ المعنى المشترك الكلي لا يوجد مشتركاً إلا في الأذهان، ولا يوجد في الخارج إلا معيناً مختصاً، فيثبت في كلم منهما ما يليق به) (1) اهـ.

فرع في تقرير هذا الأصل من كلام أبي الحسن الأشعري قال: (مسألة: ويقال لأهل البدع: ولم زعمتم أن معنى قوله: {بيدي} ص75، نعمتي أزعمتم ذلك إجماعاً أو لغة؟

فلا يجدون ذلك إجماعاً ولا في اللغة.

وإن قالوا: قلنا ذلك من القياس.

قيل لهم: ومن أين وجدتم في القياس أن قوله تعالى: {بيدي} ص75، لا يكون معناه إلا نعمتي؟ ومن أين يمكن أن يعلم بالعقل أن تفسير كذا وكذا، مع أنا رأينا الله عز وجل قد قال في كتابه العزيز الناطق على لسان نبيه الصادق: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه} إبراهيم4، وقال تعالى: {لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين} النحل 103، وقال تعالى: {إنا جعلناه قرآنا عربيا} الزخرف 3، وقال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله} النساء 82،ولو كان القرآن بلسان غير العرب لما أمكن أن نتدبره ولا أن نعرف معانيه إذا سمعناه، فلما كان من لا يحسن لسان العرب لا يحسنه وإنما يعرفه العرب إذا سمعوه على أنهم إنما علموه لأنه بلسانهم نزل وليس في لسانهم ما ادعوه) (2) اهـ.

وقال: (مسألة: قد سئلنا أتقولون إن لله يدين؟

قيل: نقول ذلك بلا كيف وقد دل عليه قوله تعالى: {يد الله فوق أيديهم} الفتح10، وقوله تعالى: {لما خلقت بيدي} ص75، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إن الله مسح ظهر آدم بيده فاستخرج منه ذريته) فثبتت اليد بلا كيف .. ) إلى قوله: (وليس يجوز في لسان العرب ولا في عادة أهل الخطاب أن يقول القائل: عملت كذا بيدي، ويعني به النعمة، وإذا كان الله عز وجل إنما خاطب العرب بلغتها وما يجري مفهوماً في كلامها ومعقولاً في خطابها، وكان لا يجوز في خطاب أهل اللسان أن يقول القائل: فعلت بيدي، ويعني النعمة، بطل أن يكون معنى قوله تعالى: {بيدي} ص75، النعمة، وذلك أنه لا يجوز أن يقول القائل: لي عليه يدي، بمعنى لي عليه نعمتي، ومن دافَعَنا عن استعمال اللغة ولم يرجع إلى أهل اللسان فيها دوفع عن أن تكون اليد بمعنى النعمة، إذ كان لا يمكنه أن يتعلق في أن اليد النعمة إلا من جهة اللغة، فإذا دفع اللغة لزمه أن لا يفسر القرآن من جهتها، وأن لا يثبت اليد نعمة من قِبَلها، لأنه إن روجع في تفسير قوله تعالى: {بيدي} ص75، نعمتي فليس المسلمون على ما ادعى متفقين، وإن روجع إلى اللغة فليس في اللغة أن يقول القائل: بيدي، يعني نعمتي، وإن لجأ إلى وجه ثالث سألناه عنه ولن يجد له سبيلا) (3) اهـ.

وقال: (الإجماع العاشر: وأجمعوا على وصف الله تعالى بجميع ما وصف به نفسه ووصفه به نبيه من غير اعتراض فيه ولا تكيف له، وأن الإيمان به واجب وترك التكييف له لازم) (4) اهـ.


(1) شرح الفقه الأكبر (ص96).

(2) الإبانة لأبي الحسن الأشعري (ص107).

(3) المرجع السابق (ص106).
(4) رسالة إلى أهل الثغر (ص218).

  • الجمعة AM 06:19
    2022-05-27
  • 1470
Powered by: GateGold