المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412554
يتصفح الموقع حاليا : 315

البحث

البحث

عرض المادة

بذور منكري السنة (في تاريخ المسلمين القديم) - الخوارج

الخوارج (2):

تمثيلاً على إنكار السنن النبوية، المروية بالأسانيد الصحيحة عن خير البرية، صلى الله عليه وسلم لدى فِرَقِ الخوارج أسوقُ هذه النماذجَ الثلاثةَ التي تؤكد أنهم لم يرُدّوا السنةَ جملةً، بل هم قد ردّوا ما لا يحلو لهم منها فحسب.

وسيأتي عن قريبٍ في خبرٍ فيه ردُّهم حديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف أنهم بادَروا بطلب سماعِ حديثٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم! (1).

[المطلب الأول: إنكار بعض الأحكام الشرعية الأخرى]

إنّ مما اشتُهِرَت به الأزارقة (إحدى أكبر فرق الخوارج) (2) أنّ من بدعهم «إسقاط الرجم عن الزاني؛ إذ ليس في القرآن ذكره، وإسقاط حد القذف عمّن قذف المحصَنين من الرجال مع وجوب الحدّ على قاذف المُحصَنات من النساء» (3).

«وأنكرت الأزارقةُ الرجمَ واستحلوا كفر الأمانة التي أمر الله تعالى بأدائها وقالوا: إن مخالفينا مشركون فلا يلزمنا إذا أمانتنا إليهم ولم يقيموا الحد


(1) قال الشهرستاني في «الملل والنحل» ص 132:
«كل من خرج عن الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجياً، سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين، أو كان بعدهم على التابعين بإحسان والأئمة في كل زمان».
وقال ص 133:
«ويجمعهم القول بالتبري من عثمان وعلي رضي الله عنهما، ويقدمون ذلك على كلِّ طاعة، ولا يصححون المناكحات إلا على ذلك.
ويُكفّرون أصحابَ الكبائر، ويَرَون الخروجَ على الإمام إذا خالف السنة حقّاً واجباً».
ينظر لبيان فرقهم وعقائدهم:
«الملل والنحل» للشهرستاني ص 131 - 161، «الفرق بين الفرق» لعبد القاهر البغدادي ص 72 - 113، و «الفِصل في الملل والأهواء والنِّحل» 5/ 51 - 56.
(2) سيردُ في المطلب الثالث من هذا المبحث.
(3) تنتسب هذه الفئة إلى نافع بن الأزرق، وهي من أكثر فرق الخوارج تطرُّفاً وجرأةً في التكفير، واستباحة الدماء.
يُنظر: «الملل والنحل» ص 137 - 141، و «الفرق بين الفرق» لعبد القاهر البغدادي ص 82 - 87، و «الفصل في الملل والأهواء والنِّحل» 5/ 52.
(4) «الملل والنحل» للشهرستاني ص 140.

على قاذف الرجل المحصن وأقاموه على قاذف المحصنات من النساء، وقطعوا يد السارق في القليل والكثير، ولم يعتبروا في السرقة نصاباً» (1).

وذُكرَ عنهم أنهم «أوجبوا على الحائضِ الصلاةَ والصيامَ في حيضِها» (2).

وقد أتى مبتدعُ الفرقة الميمونية (3)، «بضلالة اشتقّها من دين المجوس! وذلك أنه أباح نكاح بنات الأولاد من الأجداد وبنات أولاد الإخوة والأخوات، وقال: إنما ذكر الله تعالى في تحريم النساء بالنسب الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخوات، ولم يذكر بنات البنات ولا بنات البنين، ولا بنات أولاد الإخوة ولا بنات أولاد الأخوات، فإنْ طَرَدَ قياسَهُ في أمهات الأمهات وأمهات الآباء والأجداد انْمَحَضَ في المجوسية، وإن لم يُجِزْ نكاحَ الجدات وقاس الجدات على الأمهات؛ لزمه قياسُ بنات الأولاد على بنات الصلب، وإن لم يطَّرِدْ قياسُه في هذا الباب نقض اعتلاله» (4).

وحُكي عنهم «أنهم أنكروا أن تكون سورةُ يوسفَ من القرآن، وُمنكِرُ بعضِ القرآن كمُنكِرِ كلِّه، ومن استحلّ بعضَ ذوات المحارم في حكم المجوس، ولا يكون المجوسي معدوداً في فرق الإسلام» (5).

ورأى بعضُهم «أن لا صلاةَ واجبةً إلا ركعة واحدة بالغداة، وركعة أخرى بالعشي فقط، ويرون الحجّ في جميع شهور السنة» (6).


(1) «الفرق بين الفرق» لعبد القاهر البغدادي ص 84.
ويُنظَر كذلك «الملل والنحل» ص 149 و «الفصل في الملل والأهواء والنِّحل» 5/ 53.
(2) ذكره ابن حزم في «الفِصَل» 5/ 51 - 52.
(3) سماه الشهرستاني في «الملل والنحل» ص 149: «ميمون بن خالد»، ولم يزد البغدادي في «الفرق بين الفرق» ص 280 على اسمه الأول «ميمون».
وقد ذكرا أنه كان من الخوارج العجاردة؛ لذلك ذكر الشهرستاني «الميمونية» في أصناف العجاردة.
بينما ذكرهم البغدادي في الفرق الغالية الخارجة عن الإسلام.
(4) «الفرق بين الفرق» لعبد القاهر البغدادي ص 281.
ويُنظَر كذلك «الملل والنحل» ص 149، و «الفصل في الملل والأهواء والنِّحل» 5/ 53.
(5) «الفرق بين الفرق» لعبد القاهر البغدادي ص 281.
ويُنظَر كذلك «الملل والنحل» ص 149، و «الفصل في الملل والأهواء والنِّحل» 2/ 271 حيث ذكرهم وذكر قولهم دون أن يُسمِّيَهُم.
(6) ذكره ابن حزم في «الفِصَل» 5/ 51 - 52 عن الأزارقة.

المطلب الثاني: ردُّهُم لأحاديثِ فضائلِ بعض كُبراءِ الصحابة:

لقد جهر الخوارجُ بتكفير عددٍ من أعلام الصحابةِ مثل سيدِنا عثمانَ بنِ عفان، وسيدنا عليِّ بنِ أبي طالب، وسيدنا معاويةَ بنِ أبي سفيان، وغيرِهم رضي الله عنهم.

وقد أبى هؤلاءِ القَبول بما وردَ في السنة المطهَّرة من أحاديثِ فضائلِ هؤلاء، وهي تشهدُ لهم بالإيمان جملةً، ولبعضِهم بالجنة، وهذا يرُدُّ دعواهم، ودعوى غيرِهم بكفرِ أو فسقِ هؤلاء الصحابة الأجلّة، إلا أنّ الخوارج دانوا بكفرِ هؤلاء؛ وأَبَوا تصديق الروايات الصحيحة الثابتة بفضائل هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم.

بل إنّ هؤلاء المجرمين احتملوا دمَ خير خلق الله في زمانه سيدِنا أميرِ المؤمنين أبي الحسنين عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه، قتلَهُ أشقى هذه الأمة عبد الرحمن [بل الشيطان] ابن ملجم المرادي الخارجي لعنه الله (1).


(1) عبد الرحمن بن ملجم المرادي التدؤلي الحميري: فاتك ثائر، من أشداء الفرسان.
أدرك الجاهلية، وهاجر في خلافة عمر، وقرأ على معاذ بن جبل فكان من القراء وأهل الفقه والعبادة.
ثم شهد فتح مصر وسكنها، فكان فيها فارس بني تدؤل.
وكان من شيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وشهد معه صفين، ثم خرج عليه، ثم كان المتصدي لقتله في مؤامرة قتله ومعاويةَ وعمرَ بن العاص رضي الله عنهم سنة 40 هـ، فقُتِلُ بعليٍّ رضي الله عنه قصاصاً، قبّحه الله.
بوّب ابن سعد في «الطبقات الكبرى» 3/ 31 - 38:
ذكُر عبد الرحمن بن ملجم المرادي وبيعة علي ورده إياه وقوله: لتخضبن هذه من هذه، وتمثله بالشعر وقتله علياً عليه السلام وكيف قتله عبد الله بن جعفر والحسين بن علي ومحمد بن الحنفية.
ترجمته في «الأعلام» 3/ 339.

ووصفُهُ بأشقى الأمة مُستنده أحاديثُ عديدة منها ما أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» برقم (8485) والإمام أحمد في «مسنده» برقم (18321) عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: كنت أنا وعليَّ بن أبي طالب رفيقَين في غزوة العشيرة فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام بها رأينا أناساً من بني مدلج يعملون في عين لهم ـ أو في نخل ـ فقال لي علي: يا أبا اليقظان هل لك أن نأتي هؤلاء فنظر كيف يعملون؟ قال: قلت: إن شئت! فجئناهم فنظرنا إلى عملهم ساعة ثم غشينا النوم، فانطلقت أنا وعلي حتى اضطجعنا في ظل صور من النخل ودقعاء من التراب، فنمنا فوالله ما أنبهنا إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركنا برجله وقد تتربنا من تلك الدقعاء التي نمنا فيها فيومئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: «ما لك يا أبا تراب» لِما يرى مما عليه من التراب ثم قال: «ألا أحدثكما بأشقى الناس؟ » قلنا: بلى يا رسول الله.
قال: «أُحيمِرُ ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا عليُّ على هذه» ووضع يده على قرنه «حتى يبلَّ منها هذه» وأخذ بلحيته.

وإن قتْلَهُ رضي الله عنه لم يكُ تصرُّفاً فردياً من ابن ملجم، بل مُعتقداً جَمْعياً للخوارج!

فقد تغنّى به بعضُ شعرائهم؛ كما روى المبرد (1) في رائعته «الكامل في اللغة والأدب» قول عمران بن حطان (2) يمدح ابن ملجم لعنه الله:

يا ضربة من تقيٍّ ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إني لأذكره حيناً فأحسبُهُ أوفى البريّةِ عندَ الله ميزانا (3)


(1) أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي الأزدي البصري المعروف بالمبرد ـ بكسر الراء ـ إمام النحو واللغة في البصرة. ولد سنة (210 هـ) على الأشهر، ووفاته سنة (285 هـ).
وثّقه المحدّثون وكبار المؤرخين كالخطيب البغدادي والذهبي وابن كثير.
أخذ عن الجرمي والمازني وأبي حاتم السجستاني والجاحظ وغيرهم، وأخذ عنه الأخفش الأوسط، والخرائطي ونفطويه والصولي، وسواهم. له عديد من المصنّفات البديعة النافعة أشهرها: «الكامل في اللغة والأدب»، و «المقتضب»، و «الفاضل».
ترجمته في «معجم الأدباء» 6/ 2678 - 2684 الترجمة (1135)، و «الوافي بالوفيات» 5/ 141 - 142 الترجمة (2286).
وله ترجمةٌ غير يسيرة في مقدمة «كتاب الكامل في اللغة والأدب» ص 5 - 13 طبعة مؤسسة الرسالة ناشرون بعناية الفقير كاتب هذه السطور.
(2) أبو سماك عمران بن حطان بن ظبيان السدوسي الشيباني الوائلي، رأس القعدة من الصفرية، وخطيبهم وشاعرهم.
كان قبل لحاقه بالخوارج من رجال العلم والحديث، من أهل البصرة، وأدرك جماعة من الصحابة فروى عنهم، وروى أصحاب الحديث عنه. طلبه الحجاج ففر إلى عمان، وآواه الأزد حتى مات بينهم سنة (84 هـ).
«الأعلام» 5/ 70.
(3) «الكامل في اللغة والأدب» ص 541.
والبيتان مُشتَهران وهما في «الملل والنحل» ص 140، «الفرق بين الفرق» ص 93.
وقد قال عبد القاهر البغدادي صاحب كتاب «الفَرْقُ بين الفِرَق» ص 93:
وقد أجبناه عن شعره هذا بقولنا:
يا ضربةً من كفورٍ ما استفادَ بها ... إلا الجداء بما يُصليهِ نيرانا
إني لَألعنُهُ ديناً، وألعَنُ مَن ... يرجو لهُ أبداً عفواً وغُفرانا
وذاك ابنُ ملجمَ أشقى الناسِ كلِّهِمِ ... أخفِّهِم عندَ ربّ النّاسِ ميزانا
وما في بيته الثاني، ذلك لأنّه منصوصٌ على أن قاتلَ عليٍّ رضي الله عنه أشقى هذه الأمة، ولولا ذلك لم يكن بعيداً شرعاً ولا عقلاً أن يُغفَرَ له!

المطلب الثالث: واقعة قتل عبد الله بن خباب بن الأرتّ:

وإن من شنيع ما رُويَ عن الخوارج ـ وفيه ردُّهمُ الحديثَ النبويّ الشريف ـ ما أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» عن رجلٍ من عبد القيس (1) كان مع الخوارج ثم فارقهم قال: دخلوا قريةً فخرج عبدُ الله بن خبّاب (2) ذعراً يَجُرُّ رداءَه، فقالوا: لم تُرَع! قال: والله لقد رعتموني!

قالوا: أنت عبد الله بن خباب صاحبِ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قال: فهل سمعتَ من أبيك حديثاً يُحدّثُه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تُحدّثُناه؟ قال: نعم. سمعتُهُ يُحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه ذكر فتنةً القاعدُ فيها خيرٌ من القائم، والقائمُ فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي.

قال: «فإن أدركت ذاك فكن عبد الله المقتول».

قال أيوب (3): ولا أعلمه إلا قال: «ولا تكن عبد الله القاتل».

قالوا: أأنت سمعتَ هذا من أبيك يحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

قال: نعم. قال: فقدَّموه على ضفّة النهر، فضربوا عُنُقَه، فسال دمُهُ كأنه شِراكُ نعلٍ ما ابذقرّ، وبقَروا أمَّ ولدِهِ عما في بطنها (4).


(1) عبد القيس من قبائل بني أسد تُنسَبُ إلى عبد القيس بن أفصى بن دُعميّ بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار.
يُنظَرُ: «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم ص 278
(2) أدرك النبيّ صلى الله عليه وسلم، مختلَفٌ في صحبته، له رؤية ولأبيه صحبة، قتلته الخوارج.
بذا ترجم له الحافظ أبو نعيم في «معرفة الصحابة» 3/ 1632 الترجمة (1621).
وقال ابن حجر: ذكره الطبراني وغيره من الصحابة. «الإصابة في تمييز الصحابة» 4/ 62 الترجمة (4638).
(3) هو أحد رجال إسناد الحديث أيوبُ بنُ أبي تميمةَ السختياني التابعيّ، رأى أنس بن مالك، أحدُ الحفّاظ في البصرة، حديثُه في الصحيحين فما دونَهما، توفي سنة (131 هـ).
ترجمته في «تهذيب الكمال» الترجمة (607) 3/ 457 - 464.
(4) أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» برقم (21064).
والطبراني في «المعجم الكبير» برقمَي (3630) و (3631)، وغيرُهم.
قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» برقم (12335): ولم أعرف الرجل الذي من عبد القيس وبقية رجاله رجال الصحيح.
وأخرجه أحمدُ مفسّراً برقم (21065) عن حميد بن هلال نحوه إلا أنه قال: «ما امذقرّ» يعني: لم يتفرق، وقال: «لا تكن عبد الله القاتل»، وكذلك قال بهز أيضاً. ا. هـ.
وقوله: «ابذقر» أو «امذقر» بمعنى تفرّق.
قال ابن الأثير في «النهاية في غريب الحديث والأثر» 4/ 312:
قال أبو عبيد: أي: ما امْتَزَج بالماء.
وقال شَمِر: الامْذِقْرارُ: أن يجتمعَ الدّمُ ثم يتَقطّع قِطَعاً ولا يختِلط بالماء. يقول: لم يكن كذلك ولكنه سال وامتزج. وهذا بخلاف الأوّل. وسِياق الحديث يشهَدُ للأوّل أي: أنه مَرَّ كالطريقة الواحدة لم يختلط به. ولذلك شَبَّهَهُ بالشِّراك الأحمر، وهو سَيرٌ من سيُور النَّعل.
وذكر المُبَرّد هذا الحديث في «الكامل» قال: ثم قرّبوه إلى شاطئ النهر فذبحوه وقَرّبوه إلى شاطِئ النَّهر فذَبَحوه فامْذَقَرّ دَمُه. أي: جَرى مُستطيلاً مُتَفرِّقاً. هكذا رواه بغير حرف النَّفْي. ورواه بعضهم بالباء وهو بمعناه.
قلتُ: ما قاله المبرد في «الكامل» ص 564 فامذقرّ دمُه، أي: جرى مستطيلاً على دقة.
ثم إنّ المبرد أتمّ الخبرَ قال:
وساموا رجلاً نصرانياً على نخلة له، فقال: هي لكم، فقالوا: ما كنا لنأخذها إلا بثمن. قال: ما أعجب هذا? أتقتلون مثل عبد الله بن خباب ولا تقبلون منا نخلة إلا بثمن!

  • الخميس AM 06:48
    2022-05-26
  • 826
Powered by: GateGold