المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412411
يتصفح الموقع حاليا : 375

البحث

البحث

عرض المادة

بذور منكري السنة (في تاريخ المسلمين القديم) - البذور الأولى

لم يخلُ عصرٌ مِمّن تفيهَقَ وتحذلَقَ بالنّكير على أحاديثِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإنّ هذه السَّوأةَ عُرِفَت من صدرِ الإسلام الأول؛ حيثُ وُجِدَ أشخاصٌ متفرّقون اعترضوا على مرويّاتٍ بلغتهم، وأحكامٍ نبويةٍ وصلتهم، وتصدّوا لها بعقل يزعمونَه، ومنطقٍ يدّعونَه.

فها هي أم المؤمنين عائشةُ رضي الله عنها تسألها امرأةٌ: أتجزي إحدانا صلاتَها إذا طهُرت؟ فقالت: أحرورية أنت؟ كنا نحيض مع النبي صلى الله عليه وسلم فلا يأمرنا به، أو قالت: فلا نفعله (1).

وفي واقعةٍ أخرى وردَ أنّ سيدنا عمرانَ بن حصين رضي الله عنه (2) قال له رجل: يا أبا نجيد، إنكم لتحدثوننا بأحاديث ما نجد لها أصلاً في القرآن.

فغضب عمرانُ وقال للرجل: أوجدتُم في كلِّ أربعين درهماً درهم، ومن كلّ كذا وكذا شاة شاة، ومن كل كذا وكذا بعيراً كذا وكذا، أوجدتُم هذا في القرآن؟ قال لا.

قال: فعن من أخذتُم هذا؟ أخذتُموه عنّا، وأخذناه عن نبي الله صلى الله عليه وسلم، وذكر أشياء نحو هذا (3).

وفي روايةٍ أنّ عمرانَ رضي الله عنه ذكر الشفاعة، فقال رجل من القوم: يا أبا نجيد، إنكم تحدثوننا بأحاديثَ لم نجد لها أصلاً في القرآن، فغضب عمرانُ رضي الله عنه وقال للرجل: قرأت القرآن؟ قال: نعم.


(1) أخرجه البخاري في «صحيحه» ـ واللفظ له ـ برقم (321).
وأخرجه مسلم في «صحيحه» برقم (761)، وأخرجه أحمد في مواضعَ من «مسنده» أولها برقم (24036).
(2) عمران بن حصين الخزاعي من أهل العلم من الصحابة. أسلم عام خيبر (سنة 7 هـ)، وكانت معه راية خزاعة يوم فتح مكة. بعثه عمر إلى أهل البصرة ليفقههم، وتوفي بها سنة (52 هـ).
يُنظَر لترجمته: «معرفة الصحابة» لأبي نعيم 4/ 2108 الترجمة (2204)، «الإصابة في تمييز الصحابة» 5/ 26 - 27 الترجمة (6005).
(3) أخرجه أبو داود في «سننه» برقم (1561)، وأخرجه الحاكم في «المستدرك» برقم (372) باختلاف.

قال: فهل وجدت فيه صلاة العشاء أربعاً، ووجدت المغرب ثلاثاً، والغداة ركعتين، والظهر أربعاً، والعصر أربعاً؟ قال: لا.

قال: فعن من أخذتم ذلك؟ أخذتموه وأخذناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم ذكر أشياء في أنصبة الزكاة، وتفاصيل الحج وغيرهما، وختم بقوله: أما سمعتم الله قال في كتابه: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [سورة الحشر 59: الآية 7].

قال عمران: فقد أخَذْنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشياءَ ليس لكم بها علم (1).

وحتى في القرن الأول وُجِدَ أفرادٌ ضاقوا ذرعاً بالأحاديث النبوية، فقال قائلُهم ـ لِمُطرِّفِ بنِ عبد الله بن الشّخِّير (2) ـ: «لا تُحدّثونا إلا بالقرآن».

فأجابه مطرّفٌ رحمه الله: «والله ما نريد بالقرآن بدلاً، ولكن نريدُ من هو أعلمُ بالقرآن منّا» (3).

ولكنَّ مِن أقدمِ ما وردَ حول وجود فئةٍ نبتَت بين المسلمين تُنكرُ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكره الإمام الشافعي في مطلع كتابه «جِماع العلم» عن مناظرةٍ جرَت بينه وبين أحد أفرادِ هؤلاء، حيث قال:

لم أسمع أحداً نسَبَهُ الناسُ ـ أو نسَبَ نفسَهُ ـ إلى علمٍ يُخالف في أنْ فرَضَ اللهُ عز وجل اتباعَ أمرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم والتسليمَ لحُكمِه، بأن الله عز وجل لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه، وأنه لا يلزم قولٌ بكلِّ حالٍ إلا بكتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن ما سواهما تبعٌ لهما، وأن فرضَ اللهُ علينا وعلى من بعدنا وقبلنا في قَبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحد لا يختلف في أن الفرض والواجب قَبول الخبر عن


(1) أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» 2/ 1192 برقم (2348)، وقوّاه محققه على ضعفٍ في إسناده.
(2) مطرف بن عبد الله بن الشخير العامري، أبو عبد الله، من كبار التابعين، ثقة عابد، روى له الجماعة مات سنة (95 هـ).
ترجمته في «تهذيب الكمال» 28/ 67 - 70 الترجمة (6001).
(23) أراد النبيَّ صلى الله عليه وسلم.
والخبر في «جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البر 1/ 1193 برقم (2349)، وصحح محققه إسناده.

رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فرقة سأصف قولَها إن شاء الله تعالى (1).

وقد رأى الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله (2) أنهم معتزلة البصرة (3).

بينما ذهب الدكتور خادم حسين بخش (4) في كتابه «القرآنيون» إلى أنهم الخوارج (5).

ولعل الذي يُرجح ما ذهب إليه الدكتور خادم حسين بخش ما قاله الحافظُ ابن حجر العسقلاني (5) في «فتح الباري»:


(1) «كتاب جماع العلم» المطبوع ضمن «كتاب الأم» 9/ 5.
(2) الدكتور مصطفى بن حسني السباعي: ولد بحمص سنة 1333 هـ/ 1915 م وتعلم بها وبالأزهر، اعتقله الإنكليز في مصر وفلسطين ستة أشهر، وأسلموه إلى الفرنسيين فسجنوه في لبنان 30 شهراً.
نال شهادة «دكتور في التشريع الإسلامي وتاريخه» من الأزهر 1949 م، واستقر في دمشق أستاذاً بكلية الحقوق 1950 م، ثم عميداً لكلية الشريعة 1955 م. أنشأ مجلة «حضارة الإسلام»، وأصيب بشلل نصفي 1957 م.
له 21 كتاباً ورسالة، منها «السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي» وهو كتاب أطروحته، و «اشتراكية الإسلام»، و «شرح قانون الأحوال الشخصية» ثلاثة أجزاء، و «الدين والدولة في الإسلام» و «المرأة بين الفقه والقانون»، و «منهجنا في الإصلاح» وتوفي بدمشق 1384 هـ/ 1967 م.
عن موسوعة «الأعلام لللزركلي» 7/ 231 - 232 بتصرف يسير واختصار.
(3) «السنة ومكانتها في التشريع» ص 171.
(4) الدكتور خادم حسين إلهي بخش، ولد في البنجاب ـ الباكستان سنة (1953).
ماجستير من جامعة أم القرى في مكة المكرمة بعنوان «فرقة أهل القرآن بباكستان وموقف الإسلام منها»، وقد طبعت بعنوان «القرآنيون وشبهاتهم حول السنة».
دكتوراه في العقيدة الإسلامية عن رسالته «أثر الفكر الغربي في انحراف المجتمع المسلم بشبه القارة الهندية».
عضو هيئة التدريس بجامعة الطائف: كلية التربية: قسم الشريعة والدراسات الإسلامية.
له عدد من الكتب المطبوعة، وشارك في عدد من المؤتمرات والندوات. المشرف العام على «موقع صوت الحق».
المصدر: «موقع صوت الحق»: المشرف: السيرة الذاتية. (www.soutulhaq.com/index.php).
(5) «القرآنيون» ص 95.
(6) الإمام الحافظ أحمد ابن علي بن محمد العسقلاني الشافعي، المحدّث الفقيه المؤرخ. صاحب «فتح الباري شرح صحيح البخاري»، و «لسان الميزان»، و «الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة»، و «الإصابة في تمييز الصحابة» وكثيرٍ غيرها من المصنّفات الفائقة. ولد (773 هـ) وتوفي (852 هـ).
يُنظَرُ لترجمته: «الضوء اللامع» للسخاوي 2/ 36 - 40 الترجمة (104).

«ويقال لمن يعتقد مذهب الخوارج: «حروري»؛ لأن أول فرقة منهم خرجوا على عليٍّ بالبلدة المذكورة (1) فاشتُهروا بالنسبة إليها، وهم فرقٌ كثيرة، لكنْ من أصولهم المتفق عليها بينهم الأخذُ بما دلَّ عليه القرآن، وردُّ ما زاد عليه من الحديث مُطلَقاً» (2).

وجاءَ بعدَ الإمام الشافعيُّ الإمامُ أحمدُ ابنُ حنبلٍ فصنّف «طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم» ردَّ فيه على من احتج بظاهر القرآن في معارضة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك الاحتجاج بها (3).

ويؤكّد الشيخ الدكتور محمد لقمان الأعظمي الندوي (4) أن هذا الاتجاه لإنكار السنة [بالكلية] (5) لم يكن منتشراً في الأقطار، بل وُجد عند بعض الأفراد ولا يشكل ظاهرة (6).


(1) قال الحموي في «معجم البلدان» 2/ 245:
حروراء: بفتحتين وسكون الواو وراء أخرى وألف ممدودة، يجوز أن يكون مشتقاً من الريح الحرور، وهي الحارة وهي بالليل كالسموم بالنهار، كأنه أُنّثَ نظراً إلى أنه بقعة قيل: هي قرية بظاهر الكوفة، وقيل: موضع على ميلين منها نزل به الخوارج الذين خالفوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فنُسبوا إليها. وقال ابن الأنباري: حروراء: كورة. وقال أبو منصور: الحرورية منسوبون إلى موضع بظاهر الكوفة نسبت إليه الحرورية من الخوارج، وبها كان أول تحكيمهم واجتماعهم حين خالفوا عليه. قال: ورأيت بالدهناء رملة وعثة يقال لها: رملة حروراء.
(2) «فتح الباري بشرح صحيح البخاري» 1/ 560.
(3) ذكره ابن قيم الجوزية في «أعلام الموقعين» 2/ 255.
(4) الدكتور محمد لقمان الأعظمي رحمه الله أستاذ ورئيس قسم العقيدة بكلية المعلمين في حائل السعوديةِ سابقاً.
دكتوراه من جامعة القاهرة، على رسالته «مجتمع المدينة المنورة في عصر النبوة كما يصوره القرآن الكريم».
هندي الجنسية، ولكنه أمضى ما يزيد عن ربع قرن في حائل، وتوفي ودفن فيها 12/ 10/1421 هـ.
تنقل خلال مسيرته التربوية بين التعليم العام والجامعي والمكتبة العامة.
المصدر: «موقع ملتقيات فضاء»: فضاء حائل: ملتقى فضاء حائل: حملة الدكتوراه من أبناء حائل.
(www.fadhaa.com/vb/showthread.php)
و«موقع جريدة الجزيرة السعودية»: العدد (10342) الأحد 26/شوال/1421 هـ.
(www.al-jazirah.com.sa)
(5) زيادة مني للتوضيح.
(6) محمد لقمان الأعظمي «دراسات في الحديث النبوي» ص 26.

وبعد القرن الثاني لا نرى في كتب التاريخ والعقائد ومن ألّف في الفرق والمذاهب ظهور هذه الفرقة وهذا المذهب (1).

وإنّ هذا الاستقراءَ الصحيحَ من الدكتور الأعظمي، والذي تشهد له كتب التاريخ والعقائد لا يُعكِّرُ عليه ما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني؛ لأنّ الأمر لم يبلغ بالخوارج حدَّ الإنكار جملةً، بل إنّ الحافظ رحمه الله قال: «مُطلَقاً»، وفي قوله إمكانيةُ ردِّهم، وأنهم متهيّئون للردّ كلما لم يُوافقِ الحديث آراءَهم، لا أنهم ردّوا السنةَ جملةً، وأنكروها أصلاً.

ولا يُعكّرُ عليه كذلك ما ذكره الإمام السيوطي رحمه الله (2) في مطلع رسالته القيمة «مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسُّنّة»:

« ... وأن مما فاح ريحه في هذا الزمان، وكان دراساً بحمد الله تعالى منذ أزمان، وهو أن قائلاً رافضيا زنديقاً أكثر في كلامه أن السنة النبوية، والأحاديث المرويّة ـ زادها الله علوّاً وشرفاً ـ لا يُحتجُّ بها، وأن الحجة في القرآن خاصة».

إلى أن قال رحمه الله: «وأصل هذا الرأي الفاسد أن الزنادقة وطائفة من غلاة الرافضة ذهبوا إلى إنكار الاحتجاج بالسنة والاقتصار على القرآن وهم في ذلك مختلفو المقاصد .... »، ثم بعد أن عدد من مقاصدهم قال: «وهذه آراء ما كنت أستحل حكايتها لولا ما دعت إليه الضرورة من بيان أصل هذا المذهب الفاسد الذي كان الناس في راحة منه من أعصار، وقد كان أهل هذا الرأي موجودين بكثرة في زمن الأئمة الأربعة فمن بعدهم، وتصدى الأئمة الأربعة وأصحابهم في دروسهم ومناظراتهم وتصانيفهم للرد عليهم، وسأسوق إن شاء الله تعالى جملة من ذلك والله الموفق» (2).

هذا ما رأيتُهُ جمعاً بين قوله والاستقراءِ في مصادر التشريع، ومصادر التاريخ التي لم تُثبِتْ تلك البدعة المُنكرة عنهم.

 


(6) د. محمد لقمان الأعظمي «دراسات في الحديث النبوي» ص 26.
(1) هو الإمامُ جلالُ الدين عبدُ الرحمن بنُ أبي بكرِ بنِ محمد بن سابق الدين أبي بكرِ السيوطي.
ولد في القاهرة سنة (849 هـ)، ونشأ يتيماً، طلب العلم على يد كبار علماء عصره كالجلال المحلي، والزين العقبي، والعلم البُلقيني، والتقي الحصكفي، وكثيرٍ غيرِهم من أقرانهم؛ حتى نبغ في جملة من علوم اللغة والشريعة.
عندما بلغ أربعين اختلى بنفسه وتجرّد للعبادة، وهجر كلَّ معارفِه، وترك الإفتاءَ والتدريس، وعكف على التأليف.
له حوالي ستِّ مئةِ مصنَّفٍ بين رسالة صغيرةٍ من وُريقاتٍ، وموسوعة ضخمةٍ من مجلّدات! من أشهرها: «الإتقان في علوم القرآن»، و «الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور»، و «تدريب الراوي بشرح تقريب النواوي»، و «الأشباه والنظائر» في فروع الشافعية، و «تاريخ الخلفاء»، و «الجامع الصغير»، و «الجامع الكبير»، وكثيرٌ جدّاً غير ذلك.
توفّيَ الإمام السيوطيُّ رحمه الله سنة (911 هـ).
يُنظر لترجمة الإمام السيوطي: «الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع» للسخاوي 4/ 65 - 70.

(2) «مفتاح الجنة» ص 2 - 3.

 

  • الخميس AM 06:46
    2022-05-26
  • 809
Powered by: GateGold