المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413822
يتصفح الموقع حاليا : 287

البحث

البحث

عرض المادة

تواتر الأحاديث بنزول عيسى بن مريم في آخر الزمان

وأما نزول عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام في آخر الزمان، فقد جاء فيه آيات من القرآن، وتواترت الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإخبار بنزوله، وأنه يقتل الدجال ويكون في هذه الأمة حكما عدلا وإماما مقسطا، وجاء في ذلك آثار كثيرة عن الصحابة والتابعين، وذكر بعضهم الإجماع على نزوله، وأنه لم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة، وإنما أنكره الفلاسفة والملاحدة ممن لا يعتد بخلافهم، وقد ذكرت ذلك مستوفى في (إتحاف الجماعة) فليراجع هناك.

وأما ما جاء في العنوان الأول عن نزول عيسى في آخر لزمان هو حقيقة يؤكدها القرآن أم مسألة تتنافى مع الإسلام؟

فجوابه أن يقال: بل نزول عيسى عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان حقيقة يؤكدها القرآن، قال الله تعالى في صفة رسوله - صلى الله عليه وسلم -: {وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى} وقد تواترت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أخبر بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان، فيجب الإيمان بذلك لقول الله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه} وقد جاء في ذلك آيتان من القرآن:

إحداهما: قول الله تعالى: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} قال ابن عباس رضي الله عنهما: قبل موت عيسى بن مريم. رواه ابن جرير بإسناد صحيح. وروى الحاكم في مستدركه عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية قال: خروج عيسى بن مريم. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي في تلخيصه. وروى أبو بكر الآجري في كتاب الشريعة عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية قال: يعني أنه سيدركه أناس من أهل الكتاب حين يبعث عيسى فيؤمنون به. وروى ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال في هذه الآية نحو قول ابن عباس رضي الله عنهما.

وهذا القول هو الصحيح في تفسير الآية، وقد اختاره ابن جرير وابن كثير، وبه يقول أبو مالك والحسن وقتادة وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم. قال الحسن: والله إنه لحي الآن عند الله، ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون. رواه ابن جرير.

وأما قول من قال من المفسرين: إن الضمير في قوله: {قبل موته} يعود إلى الكتابي. فليس فيه معارضة لما تقدم فقد يؤمن كل كتابي عند احتضاره بأن عيسى عبد الله ورسوله، ولكن لا ينفعه إيمانه في هذه الحالة، وأما الذين يؤمنون به بعد نزوله في آخر الزمان فإن إيمانهم به ينفعهم، والله أعلم (1).

الآية الثانية: قوله تعالى: {وإنه لعلم للساعة} وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة والأعمش: {وإنه لعَلَم للساعة} بفتح العين واللام أي أمارة وعلامة على اقتراب الساعة، قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وإنه لعلم للساعة} قال: هو خروج عيسى بن مريم يوم القيامة. رواه الإمام أحمد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم في مستدركه وصححه هو والذهبي. وقد رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: {وإنه لعلم للساعة} قال: (نزول عيسى بن مريم قبل يوم القيامة) صححه الحاكم والذهبي. وقد روي عن أبي هريرة ومجاهد والحسن وقتادة وأبي العالية وأبي مالك وعكرمة والضحاك نحو قول ابن عباس رضي الله عنهما.

ومما جاء في الآيتين والأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في نزول عيسى عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان، وما قاله ابن عباس وأبو هريرة وغيرهما من السلف في تفسير الآيتين من سورة النساء وسورة الزخرف يعلم أن نزول عيسى عليه الصلاة والسلام حق، والحق لا يتنافى مع الإسلام، ومن زعم أن نزوله يتنافى مع الإسلام فهو ممن يشك في إسلامه، لأنه لم يحقق الشهادة بأن محمدا رسول الله، إذ لابد في تحقيقها من التصديق بكل ما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أمور الغيب مما كان فيما مضى، وما سيكون في المستقبل.

وأما قول بعض المتخرصين: إن الأحاديث الواردة في نزول عيسى كلها مزيفة لا يقبلها العقل.

فجوابه أن يقال: هذه مكابرة لا تصدر من رجل له أدنى مسكة من عقل ودين. وإذا كان عقل المرء فاسدا فلا شك أنه يتصور الحق في صورة الباطل، وقد جاء في نزول عيسى عليه الصلاة والسلام أكثر من خمسين حديثا مرفوعا أكثرها من الصحاح والباقي غالبه من الحسان، فمن زعم أنها كلها مزيفة فلا شك أنه فاسد العقل والدين.

وأما قول المتخرص: إن نزول المسيح لا يقره المنطق.

فجوابه أن يقال: أما المنطق المستقيم، والعقل السليم الذي يدور مع الحق حيثما دار فإنه لا يتوقف عن قبول ما جاء في كتاب الله تعالى، وما تواتر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نزول المسيح في آخر الزمان، وأما المنطق المنحرف، والعقل الفاسد، فإنه لا يتوقف عن رد الحق وعدم قبوله، ولا عبرة بالعقول الفاسدة ولا بأهلها.

وأما قوله: وهو مستحيل لأن محمدا هو آخر الأنبياء بنص القرآن.

فجوابه أن يقال: إن عيسى عليه الصلاة والسلام إذا نزل في آخر الزمان لا يأتي بشرع جديد، ولا يحكم بالإنجيل، وإنما يحكم بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -، ويكون واحدا من هذه الأمة، وقد روى الإمام أحمد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كيف أنتم إذا نزل عيسى بن مريم فيكم وإمامكم منكم) وفي رواية لمسلم: (كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم فأمكم منكم). قال الوليد بن مسلم: فقلت: لابن أبي ذئب: إن الأوزاعي حدثنا عن الزهري عن نافع عن أبي هريرة: (فأمكم منكم) قال ابن أبي ذئب: تدري ما أمكم منكم؟ قلت: تخبرني. قال: فأمكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى، وسنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم -. وقال أبو ذر الهروي: حدثنا الجوزقي عن بعض المتقدمين قال: معنى (إمامكم منكم) أنه يحكم بالقرآن لا بالإنجيل. وقال ابن التين: معنى قوله (وإمامكم منكم) أن الشريعة المحمدية متصلة إلى يوم القيامة، وأن في كل قرن طائفة من أهل العلم. وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح على شرط الشيخين، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: (إن الدجال خارج ـ فذكر الحديث وفيه ـ ثم يجي عيسى بن مريم عليهما السلام مصدقا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى ملته، فيقتل الدجال ثم إنما هو قيام الساعة) وقد رواه الطبراني، قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح. وروى الطبراني أيضا في الكبير والأوسط، عن عبدالله بن المغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما أهبط الله تعالى إلى الأرض منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة فتنة أعظم من فتنة الدجال ـ فذكر الحديث وفيه ـ ثم ينزل عيسى بن مريم مصدقا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى ملته إماما مهديا وحكما عدلا فيقتل الدجال). قال الهيثمي: رجاله ثقات، وفي بعضهم ضعف لا يضر اهـ. قلت: والحديث قبله يشهد له ويقويه.

وأما قوله في أحد العناوين: لو كان من أصول الإيمان الاعتقاد برجعة المسيح، أو ظهور الدجال أو المهدي لجاء ذلك في القرآن صريحا محكما.

فجوابه أن يقال: كل ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أخبر بوقوعه فالإيمان به واجب، وذلك من تحقيق الشهادة بأن محمدا رسول الله، وتحقيقها من أصول الإيمان، ولا يكون المرء مؤمنا معصوم الدم والمال حتى يحقق الشهادة بالرسالة، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أخبر بظهور المهدي في آخر الزمان، وبخروج الدجال، ونزول عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام، فوجب الإيمان بذلك تصديقا لقول الله تعالى: {وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى} وعملا بقول الله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه} وبما جاء في آيات كثيرة من الأمر بالإيمان بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، والإيمان به لا يتم إلا بامتثال أمره واجتناب نهيه، وتصديق أخباره والتمسك بسنته، وعملا أيضا بما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي تقدم ذكره.

وأما قوله: ثم كيف يملأ المسيح الدنيا عدلا بعد أن ملئت جورا؟ وهل هذا من سنة الله تعالى في الحياة الإنسانية؟ وكيف يفيض المال عند رجعة المسيح فلا يقبله أحد؟

فجوابه أن يقال: من علم أن الله على كل شيء قدير، وأنه ما شاء كان، وعلم أيضا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يقول إلا الحق، ولا يخبر إلا بالصدق، لم يشك في شيء مما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيجب على المسلم أن يؤمن بكل ما جاء عن الله تعالى، وما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يعترض على أخبار الصادق المصدوق بكيف ولم، وغير ذلك من أنواع الاستفهام الذي يدل على الشك فيما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعدم الإيمان به. وقد قال الله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما}.

وأما قوله: وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل عيسى بن مريم فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الحرب).

فجوابه أن يقال: إن الكاتب قد صحف في لفظ الحديث حيث قال فيه: ويضع الحرب. والذي في الحديث: (ويضع الجزية). ومن تعمد التصحيف في أقوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو داخل في عداد الكاذبين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد تواتر عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) ولعل الكاتب لم يتعمد التصحيف وإنما وقع منه سهوا، أو وجده في بعض الكتب التي لم تصحح من الأخطاء المطبعية.

 

 


(1) هذا فيه نظر وقد عارض هذا القول المهدي في رده على سلمان العودة فليراجع ما ذكر. ص75 من كتاب (كشف اللثام عن جهل سلمان العودة على أمر مهدي الإسلام).

 

 

  • الخميس AM 06:37
    2022-05-26
  • 1090
Powered by: GateGold