المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413538
يتصفح الموقع حاليا : 236

البحث

البحث

عرض المادة

نقد الأخلاق في العهد الجديد

عند البحث فيما وقع تحت يدي من مؤلفات نقدية لعلماء المسلمين - فترة البحث- عن نقد الأخلاق في العهد الجديد وجدت أن من كتب حول هذا الموضوع قلة من الكتاب .. من هؤلاء الكتاب د/ أحمد طاهر، ود/ عمر عبد العزيز ويمكن عرض جهودهما في نقد الجانب الأخلاقى في العهد الجديد فيما يلي:

(1) السلبية في مقابلة الشر.

(2) التحلل والإباحية.

[السلبية في مقابلة الشر]

عرض د/ عمر عبد العزيز مبدأ التسامح من خلال الأناجيل بذكره للنصوص التي تدل على العفو والتسامح وغير ذلك من الأخلاق الكريمة (1) وكذلك د/ أحمد طاهر ذكر جملة من الأخلاق الفاضلة التي ورد ذكرها في العهد الجديد (2). ثم وجه كل منهما سهام النقد لما يسمي بالأخلاق السلبية في العهد الجديد فيقول د/ أحمد طاهر:

وعند استعراض بعض التعاليم المسيحية يتضح أنها تميل ميلًا كليًا إلى جانب دون جانب وبشكل مبالغ تنتفى معه الواقعية والدليل على ذلك من إنجيل متى: "ولكني أقول لكم لا تقاوموا الشر، ومن لطمك على خدك الأيمن فدر له خدك الآخر ليلطمك وإذا ما اختصمك إنسان طالبًا معطفك فدعه له أيضًا، ومن يجبرك على أن تسير ميلًا فسر ميلين" (3).


(1) منها: ما يدل على البشرى للمساكين والودعاء والأتقياء وصانعى السلام كما في متى: (5/ 1 - 12) ومنها: التحذير من إهانة الغير وإرضاء الخصوم كما في متى: (5/ 20 - 25) والتسامح والعفو كما في متى: (3/ 39 - 41) ومنها: حب الأقارب وبغض الأعداء كما في متى: (5/ 33 - 48) ولوقا: (6/ 27 - 38) وغير ذلك عن الأخلاق الكريمة.
(2) إضافة لما سبق الإشارة إليه في هامش رقم 1 ذكر د/ أحمد طاهر، أدلة على العفو والمغفرة كما في متى: (18/ 22) والمحبة والعطف والرحمة كما في مرقس: (12/ 29 - 31) ويوحنا: (13/ 34 - 35) وغير ذلك من الأخلاق الفاضلة.
(3) متى: (5/ 39 - 41).

وفي نقده لهذا النص يقول: (ولعل هذه الموعظة قد قصدت تلطيف الحكم القاسي القائم على الانتقام عين بعين وسن بسن، إذا ما نُفذ حرفيًا كما هو في الشريعة اليهودية، ولكن هل نعمل بالموعظة التي نُسبت إلى المسيح؟، والتي فيها تخاذل وخنوع والتي تقول من ضربك على خدك الأيمن در له خدك الأيسر؟ هل نعتبر هذه الموعظة حكمًا عامًا؟ وهل يمكن أن يكون هذا الحكم شرع أو وصية معنوية تصلح لكل الأحوال ولجميع الظروف، خاصة وأن مقابلتنا للشر بسلبية مطلقة وخنوع واستسلام لا يدلّ على شيء؛ بل على جبن وخور وإذعان للمستبدين والمعربدين ولا يأتي بنتيجة طيبة؛ بل يزيد هؤلاء المتغطرسين المغرورين طغيانًا على طغيانهم وشرًا على شرهم، ومن الناحية الأخرى تزيد هذه الموعظة من نكبات الإنسانية وويلاتها) (1).

ويؤكد هذا الانحراف والميل د/عمر عبد العزيز فيقول:

(إن المسيحية في صورتها المثالية مجافية لفطرة الإنسان، والمسيحى المثالى يتجسد في الراهب المعتزل للحياة المنقطع عن الدنيا المعرض عن الطيبات حتى عن الزواج، والأخلاق المسيحية أخلاق غير واقعية؛ لأنها فوق الطاقة المعتادة للبشر كما في قول الإنجيل: "أحبوا أعداءكم وباركوا لاعنيكم، من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر ومن سرق قميصك فأعطه إزارك" (2).

وفي نقده لهذا النص يقول: إن هذا الأمر ليس في مقدور كل إنسان فهل يليق بمن سُرق منه القميص أن يعطي الإزار ثم يصبح عُريانًا (3).

فهل ظلت المسيحية على هذا التسامح؟ أم أنه حدث لها انحراف في السلوك وتحول في الأخلاق عبر الزمن، هذا ما رصده د/أحمد شلبي، عندما وقف وقفة نقدية مع سلطان الكنيسة المستبد وثورة الإصلاح الديني عليها وبين أنه تقرر في المجمع الذي عقد في سنة 1215م استئصال الخارجين على الكنيسة فاستعملت القتل والحرق وغير ذلك من الاضطهادات التي مارستها الكنيسة ضد المسيحيين (4).

ومع الزعم بأن المسيحية دين التسامح والمحبة فإن المنتسبين إليها ينوء كاهلهم بتاريخ شديد الظلمة حالك السواد، ملطخ بدماء العلماء والمفكرين الأحرار ... تاريخ وقفت فيه الكنيسة مع الجمود ضد الفكر المستنير ومع الخرافة ضد العلم ومع الاستبداد ضد الحرية ومع الظلام ضد النور وصنعت من المجازر البشرية مالا ينساه التاريخ، فأين هذا من التسامح المزعوم؟! وإن كان هذا من التسامح فما التعصب إذن؟! ... والدليل على ذلك ما حدث في أوروبا في العصور الوسطى من ثورة عارمة شعارها "اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس" (4).


(1) متي: (5/ 33 - 48) بالتصرف بالحذف.
(2) التعصب الصليبي: د/عمر عبد العزيز ص16 وانظر متى: (5/ 39 - 41).
(3) انظر المسيحية: د/ أحمد شلبي ص 257.
(4) يُراجع: التعصب الصليبي، ص 17 بتصرف بالحذف، ولمزيد من التفصيل انظر: المسيحية: د/ أحمد شلبى، ص 258 - 259.

وخلاصة ما سبق:

1 - ما قام به علماؤنا في معالجة هذا الخلق يتميز بالموضوعية والحيدة والإنصاف.

2 - اتخذوا من التاريخ خير شاهدٍ على نقدهم للتسامح في المسيحية ونتيجة جهودهم هذه تتبين فيما يلي:

أ- أن دعوى التسامح المزعومة تبطلها حوادث التاريخ من الحروب الصليبية التي شنها الإفرنج ضد الإِسلام والمسلمين تحت شعار الصليب.

ب- أن ارتكاب القائمين على الكنيسة للمجازر الوحشية ضد الخارجين على سلطان الكنيسة والمتمردين عليها يتنافى تمامًا مع التسامح المزعوم.

ج- أن التسامح المزعوم يؤدى بالمسيحية إلى السلبية والخذلان والضعف وبالتالي فالأخلاق المسيحية أخلاق غير واقعية لأنها تتسم بالمثالية المفرطة إلى لا يتحملها كثير من الناس.

[التحلل والإباحية]

يقف د/أحمد طاهر مع العهد الجديد وقفة فاحصة ينتقده فيها إذ أنه لا يحرم أسباب الجريمة والخطيئة فيبيح الخمر والميسر والجنس فيقول:

في الوقت الذي نجد فيه المسيحية تميل نحو الرهبانية لا نجدها في أي كتاب من الكتب المنسوبة إلى الرسل تحرم أسباب الجريمة والخطيئة أعني الخمر والجنس الحرام والميسر؛ بل هى لا تمنع عرض النسوة لمفاتنهن الجسمانية عرضًا لا تحشم فيه (1).

أما عن الخمر فنجده عنصرًا أساسيًا في القربان المقدس؛ بل المعجزة الأولى التي جاء بها المسيح كما يدعون أنه قد حول الماء إلى خمر (2).

(ويرى بولس: أن المرأة مجرد متعة وفتنة؛ بل أنزل بها اللوم كله لسقوط الإنسان وتدهور الخليقة واقتراف المعصية كما في رسائل بولس: "لتتعلم المرأة بسكوت في كل خضوع ولكن لست آذن للمرأة أن تعلم ولا تتسلط على الرجل، بل تكون في سكوت ... وآدم لم يغو ولكن المرأة أغويت فحصلت في التعدي" (3).


(1) الأناجيل: دراسة مقارنة د/ أحمد طاهر 153.
(2) المرجع السابق نفس الصفحة، وانظر: معجزة تحويل الماء إلى خمر (يوحنا 2/ 11 وما بعده).
(3) المرجع السابق: ص 158، وانظر: رسالته إلى تيموثاوس: (2/ 11 - 14) توجيهات خاصة بالعبادة.

ويقول د/مصطفي شاهين عن الأخلاق في النصرانية:

(في الإنجيل دعوة حارة إلى أن تقوم العلاقات بين الناس على أساس التسامح والعفو ودفع السيئة بالحسنة حتى لتكاد تجعل ذلك واجبًا من الواجبات، وتبدو هذه القواعد أوضح ما تكون في كثير من الفقرات الواردة في موعظة الجبل فمن ذلك قول الإنجيل في هذه الموعظة: "لقد كان يُقال لكم: أحبوا أبناء شعبكم وأبغضوا أعداءكم، وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم وباركوا الذين يعلنونكم وقدموا الخير لمن يكرهونكم، وادعوا بخير لهؤلاء الذين يضطهدونكم ويعذبونكم، حتى تستحقوا أن تكونوا أبناءً لأبيكم الذي في السماوات" (1).

ثم يعلق على هذا النص بقوله: وغنى عن البيان أن تطبيق هذه المبادئ تطبيقًا حرفيًا يؤدى في النهاية إلى إلغاء العقوبات) (2).

وفي موضوع رجم الزاني ينص العهد الجديد على إلغاء حدّ الزنا مكتفيًا بأخذ العهد على مقترفه ألا يعود إليه مرة أخرى (3).

[وخلاصة هذا المبحث]

أن إلغاء العقوبات يعطى فرصة للخطاة والمذنبين أن يتمادوا في أخطائهم والتسامح الذي يصل إلى درجة الإفراط يؤدى إلى مزيد من ارتكاب الجرائم وهذا تخرج الأخلاق في النصرانية من الإيجابية إلى السلبية ومن الالتزام إلى الانحراف ومن الدعوة إلى السلام والتسامح إلى سفك الدماء والخراب والدمار وما حدث في البوسنة والهرسك وبلاد البلقان (4) مؤخرًا خير دليل على ذلك، ولكم ذاق المسلمون هناك على أيدى النصارى ويلات القتل والتشريد تحت دعوى التطهير العرقي فأين التسامح الذي يدعون؟!

هذا وقد أشار علماؤنا الأفاضل إلى تلك القيم الأخلاقية المفقودة في النصرانية ولم يهملوا القيم الأخلاقية التي ورد ذكرها في العهد الجديد. بموضوعية فائقة وحيدة تامة.

[وخلاصة جهود العلماء في نقد الشرائع والعبادات والأخلاق في العهد الجديد]

الملاحظ على نقد العلماء لموضوعات هذا الفصل أنه لم تتوسع الدراسات النقدية في هذا الموضوع، كما توسعت في دراسة العقائد النصرانية.

وقليل من العلماء من طرق الجانب الأخلاقي في النصرانية، إلا النذر اليسير ممن رجعت لهم في هذا الفصل، وقد بينوا كيف تحولت النصرانية من التسامح إلى التعصب، ومن السلام إلى العدوانية، شهد بذلك الواقع العالمي، في العصر الحديث، كما سبق أن بينت ذلك.

 


(1) متي: (5/ 43 - 45).
(2) النصرانية: د/مصطفي شاهين ص 23 - 231.
(3) النصرانية: د/ مصطفي شاهين ص230، والنص الذي يدلّ على ذلك ورد في يوحنا (8/ 1 - 11).
(4) شبه جزيرة البلقان: دخلت في الإِسلام بعد الانتصار العثماني على الصرب عام 1389م بقيادة السلطان مراد الأوّل وأتمه ابنه با يزيد وظلت البلاد تحت حكم العثمانيين فترة من الزمن ثم أخذتها الصرب وارتكبوا فيها المذابح ثم تمتعت بالحكم الذاتي فترة من الزمن ثم عادت إليها الهيمنة الصربية سنة 1989م حتى انفجار الأحداث الدامية في كوسوفا مؤخرًا فأين هؤلاء من السلام والتسامح الذي يزعمونه؟ (انظر التاريخ الإِسلامي أ/ محمود شاكر 8/ 82، ومجلة الوعي الإسلامي ص12 العدد رقم 401 المحرم 1420 هـ /إبريل ومايو 1999 م وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت.

 

  • الثلاثاء PM 06:27
    2022-05-17
  • 1032
Powered by: GateGold