المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409030
يتصفح الموقع حاليا : 306

البحث

البحث

عرض المادة

جهود علماء المسلمين -فترة البحث- في نقض عقيدة الصلب والفداء

[مقولة النصارى في صلب المسيح]

أ- موقف النصرانية الأولى من عقيدة الصلب.

ب- بداية ظهور هذه العقيدة.

ج- إقرار المجامع لهذه العقيدة.

د- أدلة النصارى عليها.

[مقولة النصارى في صلب المسيح وأدلتهم عليها]

صلب المسيح للتكفير عن خطيئة البشر ركن أساسى من أركان العقيدة النصرانية وقد ذكر أكثر علماء -فترة البحث- الأساس الفكري لتلك العقيدة الباطلة فقالوا: (يعبر عن الصلب في لغة المسيحيين بظهور الله في الجسد، حيث جاء بالشكل المنسوب للمسيح، وأساسه عندهم: أن من صفات الله العدل والرحمة فبمقتضى صفة العدل كان على الله أن يعاقب ذرية آدم بسبب الخطيئة إلى ارتكبها أبوهم وطُرد بها من الجنة، واستحق هو وأبناؤه البعد عن الله بسببها. وبمقتضى صفة الرحمة كان على الله أن يغفر سيئات البشر، ولم يكن هناك طريق للجمع بين العدل والرحمة إلا بتوسط ابن الله ووحيده وقبوله أن يظهر في شكل إنسان وأن يعيش كما يعيش الإنسان ثم يُصلب ظلمًا ليكفر عن خطيئة البشر، وهذا ما عبر عنه النصارى بالخلاص وهنا تمت المصالحة بين الله والناس) (1).

[1 - موقف النصرانية الأولي من عقيدة الصلب والفداء]

بينت د/ مريم زامل في دراستها للنصرانية: أن النصرانية الأولى قد خلت من عقيدة الصلب والفداء، وأنها فكرة دخيلة على المسيحية الحقة التي جاء بها المسيح -عليه السلام- فتقول: إن عيسى -عليه السلام- ابتدأ دعوته في قومه بني إسرائيل؛ ليردهم عن غيهم وتماديهم في البعد عن الله، وعما جاء به موسى -عليه السلام-، وإفراطهم في الماديات حيث لم يرسل إلا إلى خراف بني إسرائيل الضالة وكانت دعوته تدعو إلى الوحدانية وأنه بشر رسول ... لكن المتتبع لروايات الأناجيل وما جاء في كتاب الله الكريم يرى رفض بني إسرائيل لدعوته وإنكارهم لرسالته والنيل منه ومحاولة قتلة إلا أن الله نجاه من كيدهم ... والمسيحيون الأوائل لم يكونوا على علم ودراية بما سيؤول إليه أمر المسيح ومن ثم فلم يكن لديهم فكرة عن صلب المسيح كفارة لخطيئة آدم الموروثة في البشر، وإنما هذه العقيدة قد تبنتها الكنيسة بعد حادث الصلب المزعوم (2).


(1) النصرانية والإِسلام م/ الطهطاوي ص 48، وانظر: عقيدة الصلب والفداء أ/ محمَّد رشيد رضا ص (16، 17) طبعة دار الفتح للإعلام العربي 1411 هـ / 1991 م، وانظر: التعصب الصليبي د/عمر عبد العزيز ص 78، 79، وانظر: المسيحية الحقة أ/ علاء أبو بكر ص 206: وانظر: المسيحة د/ أحمد شلبي ص 159، وانظر: الإنجيل والصليب: د/عبد الأحد داود ص6 طبع في القاهرة سنة 1351هـ، وانظر: محاضرات في النصرانية /أبو زهرة ص 107.
(2) موقف ابن تيمية من النصرانية: ص 644.

ولذلك يقول د/ عبد الأحد داود في كتابه:

(إن هذا السر اللاهوتي الذي كان مكتومًا عن كل الأنبياء والصالحين السابقين قد خيل أو كأنما كُشف للكنيسة بواقعة صلب المسيح، وإن هوية الأقانيم الثلاثة وأسرارها التي كان يجهلها أكابر الأنبياء كإبراهيم وموسى وداود وعيسي عليهم السلام قد صار من مبادئ معلومات كل غلام مسيحى فضلًا عن القسيسين والرهبان. الصليب كاشف الأسرار اللاهوتية ما أغربه من نموذج لتجليات الأديان) (1).

ثم تؤكد د/ مريم زامل، من خلال دراستها على ما كتبه أهل الكتاب حول هذا الموضوع أن الحواريين في بدء دعوتم لم يجدوا في النصوص المقدسة، ولا في كتب الأحبار ما يشير من قريب أو بعيد إلى صلب المسيح، وتعذيبه على خشبة الصلب كما يزعم بولس أن المسيح مات من أجل خطايا البشر (2).

[2 - بداية ظهور عقيدة الصلب والفداء وأدله النصارى عليها]

أما عن بداية ظهور هذه العقيدة في النصرانية يؤكد البيروتي (3) في كتابه: أن الذي يحمل وزر هذه العقيدة هو بولس اليهودي الذي تأثر بالفلسفة الإغريقية، وبعقائد الهنود التي تنص على صلب كرشنا المولود البكر الذي هو نفس الإله فشنو الذي لا ابتداء له ولا انتهاء على رأيهم قد تحرك شفقة وحنوًا -كي يخلص الأرض من ثقل حملها فأتاها وخلَّص الإنسان بتقديم نفسه ذبيحة عنه وقد تأثر بها تأثيرًا كبيرًا انعكس على تعاليم المسيح التي أخذ يبشر بها عندما اختلق قصة دخوله المسيحية (4).

وكذلك يرى م/ الطهطاوي أن فكرة صلب المسيح دخلت النصرانية على يد بولس وهو الذي ابتدعها فيقول نقلًا عن "ولز" من كبار كُتاب المسيحية في أوروبا: إن بولس هو الذي أسس المسيحية الحديثة، وهو لم ير المسيح ولا سمعه، وكان اسمه في الأصل "شاول" وكان من مضطهدي المسيحيين ثم اعتنق المسيحية فجأة، وغير اسمه إلى بولس، وكان شديد الاهتمام بعقائد زمانه، فنقل إلى المسيحية كثيرًا من أفكارهم ومن ذلك قوله: "إن المسيح ابن الله، نزل ليصلب، ويفدي البشرية، وذلك مثل الضحايا القديمة أيام الحضارات البدائية (5).


(1) الإنجيل والصليب: ص 8.
(2) موقف ابن تيميه من النصرانية: ص 645.
(3) هو: محمد بن طاهر بن عبد الوهاب بن سليم التنير البيروتي، من أهل بيروت، باحث متكلم رحل إلى مصر، ثم سوريا وتوفي بدمشق سنة 1933م، من مؤلفاته: الدر النضير والعقائد الوثنية، انظر الأعلام للزركلي 6/ 173.
(4) انظر: العقائد الوثنية في الديانة النصرانية / محمَّد بن طاهر التنير البيروتي ص75 تحقيق د/ محمَّد عبد الله الشرقاوي ط: دار عمران بيروت ومكتبة الزهراء جامعة القاهرة/ ط الأولي 1414 هـ / 1993 م، وانظر: موقف ابن تيميه من النصرانية: ص 645، المسيحية د/أحمد شلبي: ص 167.
(5) نقلًا عن: النصرانية والإِسلام: م/ الطهطاوى، ص 265.

أما م/ أحمد عبد الوهاب في رؤيته النقدية لهذه الفكرة الدخيلة على النصرانية يقول: تبنى بولس فكرة سفك دم المسيح كفارة عن خطايا البشر، وروج لها في رسائله .. تلك الرسائل التي لم يُكتب أقدمها إلا بعد رفع المسيح بأكثر من عشرين عامًا (1).

أما عن الأدلة التي يستند عليها النصارى في إثبات هذه العقيدة كثيرة قد رصدها جميع من تكلم في الصلب من علمائنا الأجلاء منها:

1 - قول بولس: "المسيح افتدانا من لعنة الناموس، إذ صار لعنة لأجلنا؛ لأنه مكتوب: ملعون كل من علق على خشبة" (2).

2 - قول مرقس: "لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم" (3).

3 - قول بولس: "متبررين مجانًا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الفصح عن الخطايا السالفة بإمهال إلى الله" (4).


(1) المسيح في مصادر العقائد المسيحية: ص 191.
(2) رسالته إلى أهل غلاطية: (3/ 13) الإيمان أم أعمال الناموس.
(3) انظر: الإصحاح (10/ 45) طلبة يعقوب ويوحنا.
(4) رسالته إلى رومية: (3/ 24، 25) التبرير والإيمان.

[3 - المجامع تقرر الإيمان بصلب المسيح وسر تقديس الصليب]

ومن الأمور التي تؤكد على أن فكرة الصلب نشأت بعد المسيح -عليه السلام- بزمن طويل ما قررته المجامع إسهامًا منها في تقنين العقائد الباطلة إذ أنها السلطة التشريعية العليا في المسيحية ومن ضمن العقائد التي قررتها المجامع عقيدة الصلب والفداء.

هذا ما رصدته د/ مريم زامل في دراستها حيث تقول: (وأيًا ما كان الأمر فقد دخلت عقيدة الصلب والفداء في المسيحية على يد بولس، ثم انتشرت بين الناس وظهرت في الأناجيل التي كُتبت فيما بعد، وإذا كان الخلاف حولها ظل باقيًا خلال القرون الأولى، إلا أنها تقررت فيما بعد في المجامع حتى أصبحت هى العقيدة التي يعتقدها معظم المسيحيين، والتي تدين بها الفرق الثلاث الكبرى على اختلاف ما بينها في تصورها لهذه العقيدة) (1).

حيث يقول د/ عبد الأحد داود عن هذا الاختلاف بين الطوائف: إن الكنيسة التي تُعلن الحرب على الأصنام، هى بذاتها تعبد صليبًا مصنوعًا من معدن أو خشب، بدعوى أنه كشف سر التثليث ومثله وكل النصارى -فيما عدا البروتستانت- يرسمون الصليب بأصابعهم الثلاثة الأولى الأمامية على وجوههم وصدورهم، ويسجدون للثالوث الشريف ويمجدونه قائلين: "باسم الأب والابن والروح القدس" وإذا كان أحد العيسويين لا يرسم الصليب على وجهه أو لا يُقبل الصليب المصنوع من الخشب أو المعدن، لا تُقبل عبادته ويُعد رافضًا ومرتدًا لدى كل الكنائس، وأما البروتستانت فإنهم وإن لم يعبدوا الصليب فإنهم على كل حال معتقدون وقائلون إنه بواسطته انكشف التثليث وألوهية المسيح لنوع البشر" (2).

هذا وقد جاء في الأمانة التي انبثقت عن مجمع نيقية عام 325 م ما يدلّ على اعتقاد المسيحيين بصلب المسيح كركن أساسي من أركان عقيدتم ونصها:

"نؤمن بإله واحد، وأب ضابط الكل خالق السموات والأرض كل ما يرى وما لا يرى وبرب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد ... الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من روح القدس ومن مريم العذراء وتأنس "صار إنسانًا" وصُلب على عهد بيلاطس البنطي" (3).


(1) موقف ابن تيميه: ص 649.
(2) الإنجيل والصليب: ص 8.
(3) الجواب الصحيح: 2/ 131، 295.

[النقض الإجمالي لعقيدة صلب المسيح]

تنوعت الرؤى النقدية لعلمائنا الأجلاء عند مناقشتهم لعقيدة الصلب والفداء عند النصارى مبينين اعتراضاتهم على التحليل الخاطئ لفكرة الصلب مستخدمين في ردودهم على ذلك الأدلة العقلية في إبطال ما يدعيه النصارى وقد بينوا أيضًا أن الأسباب التي يتعلل بها النصارى على صلب المسيح أسباب واهية من نواح كثيرة منها:

1 - أن دعواهم تخالف العُرف العام السائد بين الناس.

2 - أن العقل لا يقر بأى حال من الأحوال أن يُعاقب الأبناء على ذنب الآباء أو يعاقب الإنسان على ذنب لم يرتكبه.

3 - أن دعواهم بصلب المسيح تُبطل كثرًا من عقائدهم الأخرى مشل ألوهية المسيح والمعمودية وسيأتي بيان ذلك في ثنايا نقد العلماء.

جهود علماء المسلمين في نقض عقيدة الصلب والفداء نقضًا إجماليًا:

[أ- الرؤى النقدية الإجمالية حول عقيدة الصلب والفداء لبعض القدامى -فترة البحث-]

تنوعت الرؤى النقدية لعلمائنا الأجلاء حول هذه العقيدة يبرز في مقدمة هذه الجهود ما قام به شيخ الإِسلام وتلميذه ابن القيم والشيخ المسعودي وأكدوا من خلال رؤيتهم النقدية بطلان هذه العقيدة وتناقضها مع غيرها من عقائدهم في المسيح مثل ألوهية المسيح فكيف يتم الجمع بين قولهم بأن المسيح إله حق وبين القول بأن الإله الحق صلب وقُتل وأهين .. فيقول الإمام ابن تيميه موجهًا نقده للنصارى:

إنكم قلتم في أمانتكم عن المسيح: أنه إله حق من إله حق، ومن جوهر أبيه الذي هو مساو الأب في الجوهر الذي نزل وتجسد من روح القدس ومن مريم العذراء وتأنس وصلب وتألم اقتضى ذلك أن يكون الإله الحق المساو للأب في الجوهر صُلب وتألم، فيكون اللاهوت مصلوبًا متألمًا وهذا ما تقر به طوائف منكم وطوائف تنكره، لكن بمقتضى أمانتكم هو الأوّل أن اللاهوت صُلب وتألم، وهذا لا يمكن أن يُقال (1).

ويتساءل الإمام ابن القيم متعجبًا ومستنكرًا في نفس الوقت لما يقوله النصارى فيقول لهم: (أخبرونا من كان الممسك للسموات والأرض حين كان ربها وخالقها مربوطًا على خشبة الصليب وقد شُدت يداه ورجلاه بالحبال وسُمّرت اليد التي أتقنت العوالم، فهل بقيت السموات والأرض خلوًا من إلهها وفاطرها وقد جرى عليه هذا الأمر العظيم؟) (2).


(1) انظر: الجواب الصحيح: 2/ 134، 292 - 293، بتصرف.
(2) هداية الحيارى: ص 277.

وتتجلى رؤية الشيخ المسعودى في ثوبها العلمي القشيب الذي ينم عن درايته بقواعد نقد السند طارحًا في أثناء رده عليهم الافتراضات التي ربما تعن لسائل منهم أن يسأل أو لمدع أن يلتمس عذرًا لما يقولون .. وتتلخص رؤيته النقدية فيما يلي:

يقال للنصارى ما ادعيتموه من قتل المسيح وصلبه أتنقلونه تواترًا أم آحادًا؟ فإن زعموا أنه آحاد لم يقم بذلك حُجة ولم يثبت العلم الضروري، إذ الآحاد لا يؤمن عليهم السهو والغفلة والتواطؤ على الكذب، وإذا كان الآحاد يعرض ذلك لهم فلا يحتج بهم في القطعيات (1).

وإن عزو ذلك إلى التواتر، قلنا لهم شرط التواتر استواء الطرفين فيه والواسطة، وهو أن ينقل الجم الغفير عن الجم الغفير عن الذين شاهدوا المشهود به وهو المصلوب -وعلموا به ضرورة فإن اختل شيء من ذلك فلا تواتر، فإن زعموا أن خبرهم في قتل المسيح وصلبه هذه الصفة كذبتهم الأناجيل إذ قالت: إن المأخوذ للقتل كان في شرذمة يسيرة من تلاميذه فلما قُبض عليه هربوا بأسرهم ولم يتبعه أحد سوى بطرس من بعيد، فلما دخل الدار حيث اجتمعوا نظرت جارية منهم إلى بطرس فعرفته، فقالت هذا كان مع يسوع فحلف أنه لا يعرف يسوع ... وخادعهم حتى تركوه وذهب (2) وأن شابًا آخر تبعه وعليه إزار فتعلقوا به "فترك إزاره في أيديهم وذهب عريانًا" (3).

فهؤلاء أصحابه وأتباعه لم يحضر منهم ولا رجل واحد بشهادة الأناجيل، وأما أعداؤه من اليهود الذين يزعم النصارى أنهم حضروا الأمر لم يبلغوا حد التواتر؛ بل كانوا آحادًا وأفرادًا، وهم أعداؤه ويُحتمل تواطؤهم على الكذب على عدوهم إيهامًا أنهم ظفروا به (4).

[ب- الرؤية النقدية حول عقيدة الصلب لبعض المحدثين]

ولكثرة الردود الإجمالية على عقيدة الصلب أذكر منها ما يلي:

يعرض م / الطهطاوي؛ أ/ محمَّد رشيد رضا (5)، وغيرهما من العلماء مختصرًا لفكرة الصلب قبل مناقشتها ثم يعقبون عليها بالردود الشافية الكافية في إبطالها، ويعترضون عليها بافتراضات عقلية تبين فسادها وفي عرضهم للفكرة يقولون:


(1) المنتخب الجليل: المسعودى، ص 274.
(2) انظر: متى: (26/ 69 - 74) إنكار بولس.
(3) انظر: مرقس: (14/ 52) وقد انفرد مرقس بذكر هذه الواقعة.
(4) المنتخب الجليل: ص 274.
(5) هو: محمَّد رشيد علي رضا بن علي خليفة القلامونى البغدادي الأصل، ولد ونشأ في القلامون بالشام سنة 1865 م، صاحب مجلة المنار، له مؤلفات منها: عقيدة الصلب والفداء، شبهات النصارى وحجج الإِسلام، توفي بمصر سنة 1935م (الأعلام للزركلي 6/ 126).

(يقول المسيحيون أن أساس هذا الصلب هو صفة العدل، إذ كان على الله بمقتضى هذه الصفة أن يعاقب ذرية آدم بسبب الخطيئة التي ارتكبها أبوهم، ولكن بمقتضى صفة الرحمة كان على الله أن يغفر سيئات البشر (1).

بعض الاعتراضات على هذه الفكرة كما يعرضها م/ الطهطاوي وهي نقد في نفس الوقت:

1 - أين كان عدل الله ورحمته منذ طرد آدم من الجنة حتى صلب المسيح فهل كان الله حائرًا بين العدل والرحمة آلاف السنين حتى قبل المسيح منذ ألفى عام أن يصلب للتكفير عن خطيئة البشر؟

2 - والمبدأ العام المعترف به في الديانات جميعًا وفي القوانين الوضعية وعُرف جميع الناس أنه لا يورث عن الآباء سوى ثرواتهم، أما جرائمهم فلا تورث عنهم ولا تؤاخذ بها ذرياتهم، ويترتب على ذلك ما يلي:

أ- أنه لا علاقة لذرية آدم بخطيئة آدم طبقًا لما أوردته عقيدة الفداء عن النصارى بأن المسيح قُتل وصلب كفارة عن خطيئة آدم وذريته إذ لا شأن لذرية آدم بما ارتكبه آدم تطبيقًا لما ورد في سفر التثنية: "لا يُقتل الآباء عن الأولاد ولا يُقتل الأولاد عن الآباء، كل إنسان بخطيئته يُقتل" (2). وما ورد في حزقيال: "النفس التي تخطئ هى تموت، الابن لا يحمل من إثم أبيه والأب لا يحمل من إثم الابن بر البار عليه وشر الشرير عليه يكون" (3)

ب- فساد القول بالمعمودية التى يقول عنها النصارى أنها تطهير المصطبغ بها من خطيئة آدم.

3 - إذا كانت الكلمة قد تجسدت لمحو الخطيئة الأصلية، فما العمل في الخطايا التي تجد بعد ذلك؟ ومنها ما هو أقسى من عصيان آدم.

4 - إذا كان المسيح ابن الله فأين كانت عاطفة الأبوة؟ وأين كانت الرحمة حينما كان الابن الوحيد يلاقى دون ذنب ألوان التعذيب والسخرية ثم الصلب مع دق المسامير في يديه (4).

أما أ/محمَّد رشيد رضا في نقده الاجمالي لهذه العقيدة يقول:

1 - لا يمكن أن يقبل هذه القصة من يؤمن بالدليل العقلي أن خالق العالم لا بد أن يكون بكل شيء عليمًا، وفي كل صنعة حكيمًا؛ لأنها تستلزم الجهل والبداء على الباري عَزَّ وَجَلَّ، كأنه حين خلق آدم ما كان يعلم ما يكون عليه أمره وحين عصى آدم ما كان يعلم ما يقتضيه العدل والرحمة في شأنه حتى اهتدي إلى ذلك بعد آلاف السنين مرت على خلقه.


(1) النصرانية والإِسلام: ص 50.
(2) الإصحاح: (24/ 16).
(3) الإصحاح: (18/ 20).
(4) انظر: النصرانية والإِسلام، ص 50 - 53.

2 - يلزم من يقبل هذه القصة أن يسلم ما يحيله كل عقل مستقل من أن خالق الكون يمكن أن يحل في رحم امرأة في هذه الأرض التي نسبتها إلى سائر ملكه أقل من نسبة الذرة إليها وإلى سماواتها التي تُري منها ثم يكون بشرًا يأكل ويشرب ويتعب ويعتريه غير ذلك مما يعتري البشر ثم يأخذه أعداؤه بالقهر والإهانة فيصلبوه مع اللصوص ويجعلونه ملعونًا.

3 - يلزم من هذه القصة شيء أعظم من عجز الخالق (تعالى وتقدس) عن إتمام مراده بالجمع بين عدله ورحمته، وهو انتفاء كل من العدل والرحمة في صلب المسيح؛ لأنه عذبه من حيث هو بشر وهو لا يستحق العذاب لأنه لم يذنب قط فتعذيبه بالصلب والطعن بالحراب (على ما زعموا) لا يصدر من عادل ولا من رحيم بالأحرى، فكيف يُعقل أن يكون الخالق غير عادل ولا رحيم؟ أو أن يكون عادلًا رحيمًا فيخلق خلقًا يوقعه في ورطة الوقوع في انتفاء إحدى هاتين الصفتين، فيحاول الجمع بينهما فيفقدهما معًا (1).

[وخلاصة جهود العلماء في النقض الإجمالي لعقيدة الصلب]

1 - برع علماء المسلمين في تفنيد عقيدة الصلب والفداء من خلال المحاورات العقلية للنصارى في عقيدتهم هذه، والجدال بالتي هي أحسن.

2 - أن ما قاموا به من نقد ليس خارجًا عن عقيدة الصلب وإنما نقدوها من داخلها وعلى أساس مفرداتها ومكوناتها على طريقة من فمك أدينك حتى تكون الردود من الأمور التي يعرفونها وبالتالى الوصول إلى طرق الإقناع للمخالف أسهل وأيسر.

3 - تعارض عقيدة الصلب مع ما يعتقدون في الإله وفي التعميد.

4 - تأثر المحدثون من العلماء بما سبقهم من قدامى العلماء في تأسيس الرؤية النقدية لعقيدة الصلب، ولكن لكل منهم رؤيته الخاصة به والتي ربما تزيد في الإيضاح أو تقل قليلًا عمن سبقوه إلا أن هذه الرؤى متقاربة في التحليل والمحاورة العقلية والأسئلة الاستفهامية والذي يؤدى كل ذلك إلى بُطلان ما يزعم النصارى.


(1) عقيدة الصلب والفداء: ص 17 - 19.

النقض التفصيلي لأحداث الصلب والفداء

أحداث الصلب وتضارب الأناجيل فيها ونقدها فيما يلي:

- مقدمة الأحداث.

- العشاء الأخير.

- الليلة الأخيرة.

- المحاكمة.

-الصلب.

- الدفن.

- القيامة.

- الظهور.

[أ- النقض التفصيلي لأحداث الصلب والفداء]

لعلماء المسلمين في نقض أحداث الصلب نقضًا تفصيليًا جهود متميزة، وعند تتبع مناقشاتهم لهذه العقيدة يتبين وجود تشابه كبير إلى حدّ ما بين الرؤى النقدية التي يراها هؤلاء الأفاضل .. ويمكن حصر هذه الرؤى فيما يلي:

1 - المقابلة بين الأناجيل الأربعة في الموقف الواحد من أحداث الصلب وذلك لبيان التناقض الواقع فيها والتعارض بين الروايات المتعددة في النص الواحد ولبيان الاختلافات والأغلاط الواردة في تفاصيل الأحداث ويتضح ذلك جيدًا في جهود العلامة رحمة الله الهندي في إظهار الحق، البغدادي في الفارق، علاء أبو بكر في المسيحية الحقه وأ/ محمَّد رشيد رضا في عقيدة الصلب والفداء.

2 - بيان عدم الثقة في رواة الأناجيل، إذ أنه قد تبيّن فيما سبق من خلال نقد سند العهد الجديد أن الأناجيل الأربعة مفقودة السند إضافة إلى الجهل بحال كُتَّابها والاضطراب في زمن كتابتها .. كل ذلك يؤدى إلى ضعف الثقة فيمن نقلوا روايات الصلب وقد اشترك في التنبيه على ذلك الإمام ابن تيميه والبغدادي، فقد بين شيخ الإِسلام أن رواة الأناجيل لم يشهدوا عملية الصلب؛ بل إن الذين شهدوها هم اليهود (1).

3 - إبطال عقيدة الصلب عن طريق الوثاثق التاريخية ومجادلة النصارى بالنصوص الموثقة عندهم بأسلوب إنشائى خطابي يهدف إلى التأثير في الجماهير وقد اتضحت هذه الرؤية جيدًا في أسلوب العلامة أحمد ديدات في مناظرته حول مسألة الصلب بين الحقيقة والافتراء (2).

4 - أما أ/علاء أبو بكر في كتابه المسيحية الحقه، وفي نقده لعقيدة الصلب والفداء إضافة إلى ما سبق قد اتبع في دراسته لها منهجًا علميًا متميزًا وجاء بحثه خلاصة استفادته من السابقين عليه في هذا المجال وخبرتهم في نقد الكتاب المقدس وجمع من كل بستان زهرة ورتبها ترتيبًا علميًا رائعًا يترتب عليه فهم القصة من خلال النصوص فهمًا جيدًا ومن خلال هذه الرؤية النقدية يضع الباحث يده بسهولة على الأخطاء التي وقع فيها كُتاب الأناجيل عن طريق الجداول التي سجل فيها أحداث الصلب التفصيلية.

5 - اكتشاف ما وقع في قصة الصلب من أخطاء يؤكد استحالة صدور هذه القصة عن الوحى الإلهى، وبالتالى تنتفى صفة القداسة عن الأناجيل وأنها من وضع بشر ما عدا ما بقى فيها من حق إلا أنه تلبس بكثير من الباطل.


(1) انظر: الجواب الصحيح، 2/ 79.
(2) يراجع: كتاب مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء: كاملًا، أ/ أحمد ديدات.

وفيما يلي أعرض لقصة الصلب والفداء كما روتها الأناجيل وكيف نقدها علماؤنا الأجلاء .. والجداول التي توضح أماكن الاختلاف والتعارض بين الروايات:

1 - مقدمة الأحداث.

2 - العشاء الأخير.

3 - الليلة الأخيرة.

4 - المحاكمة:

أ- المحاكمة الأولي: أمام مجمع اليهود.

ب- المحاكمة الثانية: أمام بيلاطس.

5 - الصلب.

6 - الدفن.

7 - القيامة.

8 - الظهور.

[1 - مقدمة الأحداث]

[قصة مسح جسد المسيح بالطيب]

رصد العلامة رحمة الله الهندي، وأ/ علاء أبو بكر، أن الأناجيل اختلفت في تحديد المكان الذي حدثت فيه واقعة مسح جسد المسيح وفي المرأة إلى سكبت عليه العطر وفي الجزء المدهون بالعطر، وفي تحديد الزمن الذي تم فيه مسح جسده بالطيب وفي ثمن الطيب.

وقد عرض أ/ علاء أبو بكر مقارنة يتبين من خلالها أماكن الاختلاف بين الأناجيل في هذه القصة على النحو التالي:

مرقس: (14/ 1 - 5) - لوقا: (7/ 36 - 39) - متى: (26/ 2 - 9) - يوحنا: (12/ 1 - 4)

* حدث قصة سكب العطر في:

مرقس:

حدث قصة سكب العطر في منزل سمعان الأبرص في بيت عنيا (14 - 3).

لوقا:

حدثت في بيت الفريسي (7 - 36).

متى:

حدثت في بيت سمعان الأبرص (26 - 6).

يوحنا: حدثت في منزل مريم ومرثا والعازر في بيت عنيا (12/ 1 - 2)

* شخصية المرأة التي قامت بسكب العطر:

مرقس: شخصية المرأة التي قامت بسكب العطر هنا مجهولة (14 - 3).

لوقا: امرأة خاطئة (7 - 37).

متى: شخصية المرأة مجهولة (26 - 7).

يوحنا: المرأة هي مريم أخت العازر (12 - 3).

* سكبت على رأس يسوع العطر بعد أن:

مرقس: سكبت على رأس يسوع العطر بعد أن كسرت القارورة (14 - 3).

لوقا: دهنت رجليه بالطيب (7 - 38).

متى: دهنت رأس يسوع بالطيب (26 - 7).

يوحنا: دهنت رجليه بالطيب (12 - 3).

* اغتاظ القوم:

مرقس: اغتاظ القوم لإسرافها وقالوا ... (14 - 4).

لوقا: تساؤل الفريسي مع نفسه حول معرفة يسوع بشخصية المرأة (7 - 39).

متى: اغتاظ التلاميذ وقالوا: (26 - 8).

يوحنا: اغتاظ يهوذا الاسخريوطي لإسرافها وقال (12 - 4).

* يمكن أن يباع:

مرقس: يمكن أن يباع بأكثر من (300 دينار) ويعطى للفقراء (14 - 5).

لوقا: سكت عن البحث في هذه المسألة.

متى: يمكن أن يُباع بكثير ويعطى للفقراء (26 - 9)، (23 - 7).

يوحنا: لماذا لم يبع هذا الطيب بثلاثمائة دينار ويعطى للفقراء (12 - 5).

* قارورة طيب:

مارقس: قارورة طيب ناردين والإفطار بيومين (14 - 1).

لوقا: لم يحدد التاريخ ولكنه ذكرها قبل إرسال المسيح لتلاميذه الإثنا عشر.

متى: قبل الفصح بيومين (26 - 2).

يوحنا: قبل الفصح بستة أيام (12 - 1).

فعندما نتأمل أولًا: محلّ الواقعة: أي المكان الذي حدثت فيه نجد أن يوحنا جعل ذلك في بيت مريم وهي أخت مرثا وأخت العازر، وجعلها مرقس ومتى في بيت سمعان الأبرص وجعلها لوقا في بيت أحد الفريسيين (1).

وثانيًا: من الذي سكبت العطر؟ الغموض في شخصية المرأة التي قامت بسكب العطر فلم يحدد هويتها إلا يوحنا الذي قال أيضًا إن الواقعة حدثت في بيتها.


(1) انظر: إظهار الحق: (1/ 132)، المسيحية الحقة: ص 218،: الفارق بين المخلوق والخالق ص342.

وثالثًا: الجزء المدهون بالعطر: فقد قال مرقس ومتى إنها دهنت رأس المسيح بالطيب وخالفه لوقا ويوحنا فقالا أنها دهنت قدميه، فهل من شأن الوحي أن لا يفرق بين الرأس والقدم؟ (1).

ورابعًا: تحديد زمن هذه الواقعة: فقد ذكرها مرقس ومتى قبل عيد الفصح والإفطار بيومين وسكت عنها لوقا، وحددها يوحنا قبل الفصح بستة أيام، فهل هذه الأخطاء من الوحى؟

وخامسًا: ثمن الطيب: فيوحنا بين ثمن الطيب ثلاثمائة دينار ومرقس قال بأكثر من ثلاثمائة دينار ومتي أبهم الثمن وقال بثمن كثير (2). كل علامات الاستفهام هذه وكل هذه المتناقضات تجزم بأن هذا الكتاب ليس مقدسًا أي أنه ليس من وحى الله، بل إنه من صنع بشر، غير وبدل عن قصد (3).

والملاحظ على مقدمة الأحداث أنه يوجد اضطراب واضح في نصوص الأناجيل وعدم اتفاق ملحوظ بينها في مفردات قصة مسح جسد المسيح بالطيب فإذا كان هناك اختلاف واضطراب واضح في مقدمة الأحداث فما بالنا بالأحداث نفسها .. لا شك أنهاا أكثر اضطرابًا واختلافًا.

[2 - العشاء الأخير]

ذكر جميع من تكلم في الصلب من علمائنا النص الذي يستدل به النصارى على العشاء الأخير أو الرباني كما يقولون وهو: "وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطي التلاميذ وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلًا اشربوا منها كلكم, لأنّ هذا هو دمى الذي للعهد الجديد الذي يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا" (4).


(1) انظر: إظهار الحق: 1/ 133، المسيحية الحقة: ص 219.
(2) المرجع السابق: 1/ 133، الفارق: ص 346.
(3) المسيحية الحقه: ص 222.
(4) متى: (26/ 26 - 28) عشاء الرب.

وفيما يلي الجدول الذي أعده أ/ علاء أبو بكر، لبيان ما وقع في قصة العشاء الرباني من تناقضات واختلافات، وهذه العقيدة هي أساس القربان المقدس الذي يأتي بيانه في شرائع النصارى الفصل القادم:

مرقص - لوقا - متى - يوحنا

مرقس: العشاء الأخير: هو اليوم الأول من الفطير (14 - 12).

لوقا: العشاء الأخير: هو يوم الفطير (22/ 8).

متى: العشاء الأخير: هو يوم الفطير (26 - 17).

يوحنا: يكون بعد موت يسوع (18 - 28).

=

مرقس: وعلى ذلك يكون ميعاد القبض عليه يوم الخميس.

لوقا: يكون ميعاد القبض عليه يوم الخميس.

متى: قُبض عليه مساء الخميس.

يوحنا: حيث قُبض عليه مساء الأربعاء.

=

مرقس: ويكون الصلب إذن يوم الجمعة.

لوقا: ويكون الصلب يوم الجمعة.

متى: ويكون الصلب يوم الجمعة.

يوحنا: يكون الصلب يوم الخميس.

=

مرقس: أعد العشاء اثنين فقط لم يذكر اسمهما (14 - 13).

لوقا: أرسل بطرس ويوحنا (22 - 8) مع العلم أن يوحنا لم يذكر العشاء إلا بعد صلب يسوع.

متى: شارك التلاميذ كلهم في إعداد العشاء (26 - 18).

يوحنا: لو يذكر هذه المعجزة.

=

مرقس: دخل الشيطان في يهوذا قبل مجيء يوم الفطر (14 - 10).

لوقا: دخل الشيطان في يهوذا قبل يوم الفطر (22 - 3).

متى: دخل الشيطان يهوذا قبل مجيء يوم الفطر (26 - 14).

يوحنا: دخل الشيطان فيه أثناء تناولهم الطعام بعد أن غمس لقمة وأعطاها يهوذا (13 - 27).

=

مرقس: وعدوا يهوذا بفضة - لم يذكر الكم (14 - 11).

لوقا: أعطوه فضة (لم يذكر الكم)

(22 - 5).

متى: ثلاثين من الفضة أعطى مقدمًا (26 - 15) انظر زكريا (11 - 12).

يوحنا: لا توجد مساومة.

=

مرقس: الذي يسلمني الآكل معي (14 - 18).

لوقا: الذي يسلمني على المائدة (22 - 21).

متى: الذي يغمس يده معي في الصفحة هو يسلمني (26 - 23).

يوحنا: الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه (13 - 27).

=

مرقس: حامل الجرة يقودهم إلى مكان إقامة الفصح - أي لا يعرف التلاميذ صاحب البيت (14 - 13).

لوقا: حامل الجرة يقودهم إلى مكان إقامة الفصح - أي لا يعرف التلاميذ صاحب البيت (22 - 10).

متى: لم يذكر حامل الجرة حيث كان يعرف التلاميذ هذا الفلان (26 - 18).

يوحنا: لم تذكر الواقعة عنده.

=

مرقس: السؤال أتى من التلاميذ بشأن الفصح (14 - 12).

لوقا: المسيح أرسل بطرس ويوحنا من غير اقتراح وسؤال من التلاميذ (22 - 8).

متى: السؤال أتى ابتداء من التلاميذ فأرسل كلهم إلى فلان (26/ 17 - 18).

يوحنا: أغمض يوحنا عن ذكر هذا.

=

مرقس: هذا هو دمي الذي يُسفك من أجل كثيرين (14 - 24).

لوقا: ومن الذي يسفك عنكم - عن التلاميذ (22 - 20).

متى: يسفك من أجل كثيرين (26 - 28).

يوحنا: يسفك عن كافة الناس (من أجل حياة العالم) (6 - 51).

=

مرقس: المعلم يقول أين المنزل حيث آكل الفصح مع تلاميذي (14 - 14).

لوقا: أين المنزل حيث آكل الفصح مع تلاميذي (22 - 11).

متى: المعلم يقول: إن وقتي قريب عندك أصنع الفصح مع تلاميذ (26 - 11).

يوحنا: لم توح إليه.

وعند النظر في الجدول السابق الخاص بالعشاء الرباني نجد التناقض والتعارض بين الروايات واضحًا ويؤخذ على هذه القصة تناقضات كثيرة منها:

1 - اتفاق الأناجيل الثلاثة في وقت العشاء الأخير وخالفهم في تحديد هذا الوقت "يوحنا".

2 - اتفاقهم في تحديد موعد القبض على يسوع وهو أنه يوم الخميس مسًاء وخالفهم في ذلك "يوحنا" وقال إنه مساء الأربعاء.

3 - اتفقوا على أن الصلب كان يوم الجمعة وخالفهم "يوحنا" وقال إنه يوم الخميس وغير ذلك من المخالفات الموضحة في الجدول.

وقد وقف العلامة رحمة الله الهندي والبغدادي، أ/ عبد الله الترجمان وأ/ علاء أبو بكر وغيرهم مع هذه القصة ونقدوها من وجوه متعددة أقواها الوجوه التي استخرجها العلامة رحمة الله الهندي يليه في القوة ما انتقده عليها العلامة البغدادي ثم الترجمان ثم علاء أبو بكر من هذه الوجوه ما يلي:

1 - أن الكنيسة الرومانية تزعم أن الخبز وحده يتحول إلى جسد المسيح ودمه ويصير مسيحًا كاملًا وللرد عليهم نجد العلامة الهندي يرد ردًا عقليًا منطقيًا علميًا فيقول: (إذا تحول مسيحًا كاملًا حيًّا بلاهوته وناسوته الذي أخذه من مريم عليها السلام فلا بد أن يشاهد فيه عوارض الجسم الإنساني ويوجد فيه الجلد والعظام والدم وغيرها من الأعضاء لكنها لا توجد فيه؛ بل جميع عوارض الخبز باقية بعد نطق الكاهن كما كانت من قبل نطقه بكلمات التقديس، بدليل أنه إذا نظر أحد أو لمسه أو ذاقه لا يحس شيئًا غير الخبز، وإذا حفظه يطرأ عليه الفساد الذي يطرأ على الخبز لا الفساد الذي يطرأ على الجسم الإنساني) (1).

2 - (لو كان العشاء الرباني الذي كان قبل صلبه يصير نفس الذبيحة التي حصلت على الصليب لزم أن يكون كافيًا لخلاص العالم، فلا حاجة إلى أن يصلب على الخشبة من أيدي اليهود مرة أخرى لأنّ المسيح ما جاء إلى العالم في زعمهم إلا ليخلص الناس بذبيحة مرة واحدة، وما أتى لكي يتألم مرارًا كما تدل عليه عبارة آخر الإصحاح التاسع من الرسالة العبرانية صراحة) (2).


(1) إظهار الحق: 1/ 326.
(2) المرجع السابق: 1/ 327.

3 - وفي نقد العلامة البغدادي لهذه القصة ذكر الروايات المتعددة لأصحاب الأناجيل ثم بين ما وقع بينها من تفاوت .. وأذكر مثالًا مما ذكر وهو ورودها في لوقا حيث يقول: "ثم تناول كأسًا وشكر وقال: خذوا هذه واقتسموها بينكم لأني أقول لكم: إني لا أشرب من نتاج الكرمة حتى يأتي ملكوت الله ... وكذلك الكأس بعد العشاء قائلًا: هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يُسفك عنكم" (1).

فقال في نقده: (ذكر الكأس ثانيًا من زيادات لوقا ويؤخذ عليه اعتراض في قوله: "الذي يُسفك عنكم" وذلك إما أن يكون المراد عموم النصارى أو التلاميذ المخاطبين خاصة. وأيًا ما كان فهو مناقض لقول يوحنا: أنه صلب نفسه عن كافة الناس ومخالف لقول مرقس ومتي، لأنهما قالا: "الذي يسفك من أجل كثيرين" أي لبعض النصارى وزاد المترجم من عندياته على مرقس "لمغفرة الخطايا" ومعلوم أن بين هذه العبارات الأربعة تفاوتًا بعيدًا، والنصارى اتخذوا هذه القصة أساس دينهم فقد أسس هذا الدين على شفا جرفٍ هارٍ) (2).


(1) لوقا: (22/ 20).
(2) الفارق بين المخلوق والخالق: ص 353، ولمزيد من التفصيل، انظر: المسيحية الحقة، من ص 228 - 233.

[3 - الليلة الأخيرة]

ذكر أ/علاء أبو بكر النص الذي يشتمل على تفاصيل الليلة الأخيرة من إنجيل مرقس: "وقال لهم يسوع: إن كلكم تشكون في هذه الليلة لأنه مكتوب أني أضرب الراعى فتتبدد الخراف، ولكن بعد قيامي أسبقكم إلى الجليل، فقال له بطرس: وإن شك الجميع فأنا لا أشك، فقال يسوع: الحق أقول لك إنك اليوم في هذه الليلة قبل أن يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات فقال بأكثر تشديد: ولو اضطررت أن أموت معك لا أنكرك ... " (1).

ثم عرض الجدول الذي يبين الاختلافات إلى شابت هذه القصة:

مرقس - لوقا - متى - يوحنا

مرقس: لم يظهر هذا الملاك.

لوقا: ظهر ملاك يقويه أثناء الصلاة (22 - 43).

متى: لم يظهر هذا الملاك.

يوحنا: لم يظهر هذا الملاك.

=

مرقس: لم تذكر.

لوقا: من ليس له ... ويشهر سيف (22 - 43).

متى: لم تذكر.

يوحنا: لم تذكر.

=

مرقس: لم يحدث هذا.

لوقا: تصيب عرقًا ودمًا أثناء الصلاة (22 - 44).

متى: لم يحدث هذا.

يوحنا: لم يحدث هذا.

=

مرقس: إني أضرب الراعي فيتبدد الخراف (14 - 27).

لوقا: لم تذكر.

متى: إني أضرب الراعي فتتبدد الخراف (26 - 31).

يوحنا: لم تذكر.

=

مرقس: حدثت في ضيعة جشيماني.

لوقا: حدثت في جبل الزيتون.

متى: حدثت في ضيعة جشيماني.

يوحنا: حدثت هذه الواقعة في وادي قدرون (18 - 1).

=

مرقس: لم تذكر.

لوقا: وكانت بينهم مشاجرة من منهم يظن أن يكون أكبر (22 - 24).

متى: لم تذكر.

يوحنا: لم تذكر.

=

مرقس: لم تذكر.

لوقا: الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة (22 - 31).

متى: لم تذكر.

يوحنا: لم تذكر.

=

مرقس: خر على الأرض (14 - 35).

لوقا: جثا على ركبتيه (22 - 41).

متى: خر على وجهه (26 - 39).

يوحنا: لم تذكر.

=

مرقس: انفرد عن التلاميذ مع بطرس ويعقوب ويوحنا (14 - 33).

لوقا: لم يذكر بل أشار إلى أنه ذهب وحده (22 - 41).

متى: انفرد على التلاميذ مع ثلاثة وهم بطرس وابني زبدي (يعقوب ويوحنا) (26 - 37).

يوحنا: لم تذكر.

=

مرقس: خرج المسيح وتلاميذه عقب العشاء والتسبيح مباشرة.

لوقا: فصل بين العشاء وخروجهم بحكايات وقصص كثيرة.

متى: خرج المسيح وتلاميذه عقب العشاء والتسبيح على الفور.

يوحنا: استنفذت الفترة ما بين العشاء (خروج يهوذا) إلى تنفيذ المؤامرة ما يقرب من 20% من حياة المسيح في إنجيله يوحنا (13، 14، 15، 16)


(1) الإصحاح: (14/ 27).

مرقس - لوقا - متى - يوحنا

مرقس: وجه المسيح خطابه إلى بطرس حين وجد التلاميذ نيامًا (14 - 37).

لوقا: لم يوجه كلامه لهم ولكن لوقا اختلق عذرًا لنومهم (نيامًا من الحزن) (22/ 45 - 46).

متى: وجه المسيح خطابه إلى التلاميذ الثلاثة حين وجدهم نيامًا (26 - 40، 45 - 46).

يوحنا:

لم يوح بها إلى يوحنا.

=

مرقس: تنكرني ثلاث مرات قبل أن يصيح الديك مرتين (14 - 30).

لوقا: تنكرني ثلاث مرات قبل أن يصيح الديك مرة واحدة (22 - 34).

متى: تنكرني ثلاث مرات قبل أن يصيح الديك (26 - 34).

يوحنا: لم تذكر.

=

مرقس: شاب عريان هرب منهم وترك الإزار (14 - 51).

لوقا: لم تذكر.

متى: لم تذكر.

يوحنا: لم تذكر.

=

مرقس: يهوذا قبل المسيح (14 - 45).

لوقا: أبقبلة تسليم ابن الإنسان - كان على وشك أن يقبله (22 - 48).

متى: السلام يا سيدي وقبله (26 - 49).

يوحنا: أرشدهم فقط عن المكان (18 - 3).

=

مرقس: استل واحد من الحاضرين سيفه وقطع أذن عبد رئيس الكهنة (14 - 47).

لوقا: قطع أحدهم عبد رئيس الكهنة (22 - 50).

متى: قطع أحدهم عبد رئيس الكهنة (26 - 51).

يوحنا: قطع سمعان بطرس الأذن اليمنى لعبد رئيس الكهنة ملخس (18 - 10).

=

مرقس: لا شيء عن جيش الملائكة.

لوقا: لا شيء عن هذا الجيش.

متى: اثنى عشر جيشًا من الملائكة.

يوحنا: لا شيء عن الجيش.

=

مرقس: لم يذكر هذه العبارة.

لوقا: لم يذكر هذه العبارة.

متى: لم يذكر هذه العبارة.

يوحنا: الكأس الذي أعطاني الأب ألا أشربها (18 - 11).

=

مرقس: لم يأمر يسوع الشاب بإغماد سيفه.

لوقا: قال (دعوا إليّ هذا) (22 - 51).

متى: أمر من استهل سيفه أن يغمده لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون (26 - 52).

يوحنا: فقال يسوع لبطرس: اجعل سيفك في الغمد (18 - 11).

=

مرقس: لم يبرأ أذنه.

لوقا: أبرأ أذنه (22/ 51).

متى: لم يبرأ أذنه.

يوحنا: لم يبرأ أذنه.

=

مرقس: جمع كثير بسيوف وعصي من عند رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ (14 - 43).

لوقا: رؤساء الكهنة وقواد جند الهيكل والشيوخ بسيوف وعصي (22 - 52).

متى: جمع كثير بسيوف وعصي من عند رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب (26 - 47).

يوحنا: فأخذ يهوذا الجند وخدمًا من عند رؤساء الكهنة والفريسيين بمشاعل ومصابيح وسلاح (18 - 3).

=

مرقس: لم يحدث شيء غير عادي.

لوقا: لم يحدث شيء غير عادي.

متى: لم يحدث شيء غير عادي.

يوحنا: حدث شيء غي عادي جعل أفراد القوة يرجعون إلى الوراء ويسقطون على الأرض (18 - 6).

=

مرقس: كأنه على لص خرجتم بسيوف وعصي (14 - 48).

لوقا: كأنه على لص خرجتم بسيوف وعصي (22 - 52).

متى: كأنه على لص خرجتم بسيوف وعصي (26 - 55).

يوحنا: قال من تطلبون (18 - 7).

وقد علق أ/ علاء أبو بكر على أحداث الليلة الأخيرة وانتقد وقائعها ببيان التزوير والتلفيق فيها .. من هذه الانتقادات ما يلي:

1 - تنبأت الأناجيل أن التلاميذ كلهم سيشكون فيه في هذه الليلة، إلا أن الأناجيل كلها تؤكد أن أحدًا من تلاميذه لم يشك فيه، وهذا يعني أنهم رأوا وتأكدوا من نجاة المسيح من القبض عليه، وإلا لكانوا شكوا فيه، ونفى الشك عن التلاميذ في تلك الليلة يترتب عليه أيضًا إلحاق الخطأ بنبوءات السيد المسيح -عليه السلام- وهو الأمر الذي لا يمكن أن يصدر عنه (1).

2 - أهمل كل من مرقس ومتى ويوحنا ذكر الملك الذي ظهر لعيسى -عليه السلام- عند لوقا حين ضعف عن تحمل هذا الأمر وانحطت قوته .. أفما كان يقدر هذا الملك على مدافعة هذه الشرذمة الضعيفة وتخليص إلهه من أيادى مخلوقاته الباغين عليه؟ وأي حاجة للإله في معاونة الملك له؟ فالملك حينئذ كان أشد بأسًا وقوة من عيسى حتى يقوم بتقويته، ويظهر منه أن هذا الإله كان يخور عند الشدائد كما يخور العاجز من الآدميين (2).

3 - وفي مناقشة د/ سعد الدين صالح رواية الأناجيل لحادث الصلب يقول: اختلفت الأناجيل الأربعة في طريقة القبض عليه، فبينما يقرر متى في الإصحاح 26 أن يهوذا جاء ومعه جموع من الشعب بسيوف وعصي وكانت علامته أن يقبل المسيح فتقدم إليه وقبله فعرفه الجند وقبضوا عليه، نجد يوحنا يقرر في الإصحاح 18 أن يهوذا أخذ الجند وذهب إلى يسوع فخرج لهم يسوع وسألهم ماذا تطلبون؟ فقالوا: يسوع الناصري فقال لهم أنا هو فقبضوا عليه، فالتناقض بين الإنجيلين واضح فمتى يقول: إن يهوذا هو الذي سلمه ويوحنا يقول: إن المسيح هو الذي قدم نفسه ولم يقبله يهوذا (3).


(1) المسيحية الحقة: ص 249.
(2) المرجع السابق: ص 249.
(3) مشكلات العقيدة النصرانية: ص 160.

  • الثلاثاء PM 05:57
    2022-05-17
  • 1120
Powered by: GateGold