المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409177
يتصفح الموقع حاليا : 386

البحث

البحث

عرض المادة

جهود علماء المسلمين -فترة البحث- في نقد عقيدة التثليث

تبيّن فيما سبق أن سيدنا عيسى -عليه السلام- دعا إلى التوحيد الخالص ولكن النصارى لم يحافظوا على هذه العقيدة الصحيحة وانحرفوا من الوحدانية إلى التثليث وتحولت النصرانية من الإيمان إلى الكفر ومن التوحيد إلى الشرك بعد رفع المسيح -عليه السلام-، وقد ظهرت عقيدة "التثليث" في مجمع نيقية 325 م الذي وضع أساسها ثم اكتملت صيغتها الرسمية في مجمع القسطنطينية عام 381 م ومع أن عقيدة التثليث تعتبر أهم ركن من أركان النصرانية ولا يعتبر الشخص نصرانيًا إلا إذا آمن بهذا الثالوث فإن الكتاب المقدس لا يشتمل على لفظ الثالوث أو لفظ الأقانيم، ولكن النصارى يحتجون لذلك بأن تعليم الثالوث مطابق لنصوص في الكتاب المقدس (1).

[وهذه العقيدة الباطلة يتم نقدها من خلال المحاور التالية]

1 - الأدلة التي يستدل بها النصارى على عقيدة التثليث.

2 - عرض مقولة الطوائف النصرانية في التثليث.

3 - جهود العلماء في نقد الأدلة والرد عليها.

وبالقراءة في كتابات علمائنا الأجلاء يضع الباحث يديه على جملة من النصوص التي استدل بها النصارى على تلك العقيدة وقد ذكرها كل من صاحب الجوهر الفريد أيوب بك صبري ود/ مريم عبد الله زامل، د/ سعد الدين صالح، د/ محمَّد أحمد الحاج .. أذكر هذه الأدلة أولًا، ثم أبين جهود العلماء في نقدها والرد عليها.


(1) انظر: النصرانية من التوحيد إلى التثليث: د/ محمَّد أحمد الحاج، ص 219، مشكلات العقيدة النصرانية: د/ سعد الدين صالح، ص 117.

أولًا: الأدلة التي يستند عليها النصارى في قولهم بالتثليث:

أفادت د/ مريم عبد الله زامل في كتابها، موقف ابن تيميه من النصرانية: (أنه لا توجد للنصارى أدلة صريحة من التوراة تدل على عقيدة التثليث لديهم، وإنما يُفهم ضمنيًا منها، فقد جاءت ألفاظ في التوراة مثل "كلمة الله، حكمة الله، روح القدس ... " ولم يعلم من نزلت إليهم التوراة ما تكنه هذه الكلمات من المعانى؛ لأنه لم يكن قد أتى الوقت المعين الذي قصد الله فيه إيضاحها على وجه الكمال والتفصيل، ومع ذلك فمن يقرأ التوراة في ضوء الإنجيل يقف على المعنى المراد إذ يجدها تشير إلى أقانيم في اللاهوت) (1).

أما النصوص التي يستدل بها النصارى من العهد القديم ويدعون أنها تدل على التثليث والتي ذكرها العلماء منها ما يلي:

[أدلة من العهد القديم]

1 - ما جاء في سفر التكوين: "في البدء خلق الله السموات والأرض" (2).

2 - والنص الذي يقول: "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (3).

3 - والنص الذي يقول: "هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض" (4).

4 - وما ورد في سفر أشعياء: "من أرسل ومن يذهب من أجلنا" (5).

5 - وفي سفر العدد: "يباركك الرب ويحرسك، يضئ الرب بوجهه عليك ويرحمك يرفع الرب وجهه عليك ويمنحك سلامًا" (6).

6 - حادثة ظهور الله لإبراهيم: (7) وحادثة ظهور الله في العليقة (8).


(1) 2/ 560.
(2) تكوين: (1/ 1) البدء.
(3) تكوين: (1/ 26) السابق.
(4) تكوين: (11/ 7).
(5) أشعياء: (6/ 8).
(6) عدد: (6/ 24 - 26).
(7) تكوين: (18/ 1 - 33) الزوار الثلاثة.
(8) خروج: (3/ 1 - 22) موسى والعليقة المشتعلة.

[أدلتهم من العهد الجديد]

1 - " بكلمة الرب صنعت السموات وبنسمة فيه كل جنودها" (1).

2 - "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الأب والابن والروح القدس" (2).

3 - ومتى جاء المعزى الذي سأرسله إليكم من الأب روح الحق الذي من عند الأب ينبثق فهو يشهد لي" (3).

4 - "فإن الذين يشهدون في السماء ثلاثة الأب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد" (4).

5 - "الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك فذلك أيضًا القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (5).

6 - "فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء وإذا السموات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلًا مثل حمامة وآتيًا عليه" (6).

وغير ذلك من الأدلة التي ذكرها علماؤنا الأفاضل ويقحمها النصارى في تأييد باطلهم. ويستنتجون من هذه النصوص عقيدتهم الباطلة إلى تقول بالتثليث عن طريق لي أعناق النصوص وتفسيرها حسب أهوائهم، وقد ذكر علماؤنا الأجلاء ما ذهبت إليه طوائف النصارى في تقرير التثليث على النحو التالى:

ثانيًا: مقولة الطوائف النصرانية في التثليث:

مقولة الأرثوذكس:

(يعتقد الأرثوذكس أن الله واحد في أقانيم ثلاثة هكذا: الله -عزّ وجلّ- تعالى عما يقولون علوًا كبيرًا- نزل من السماء واختبأ في بطن مريم العذراء تسعة أشهر وكان لما دخل بطنها نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم أصبح جنينًا كاملًا، ثم خرج طفلًا اسمه عيسي- ونما كما ينمو الأطفال ولا بلغ سن الثلاثين بلغ الرسالة وبعد سنتين وأشهر قتله اليهود وصلبوه، ثم دفن فى القبر ثلاثة أيام ونزل إلى الجحيم وهو في القبر ثم خرج في اليوم الثالث وصعد إلى السموات ويسمي: الأب قبل التجسد ويسمى: الابن بعد التجسد ويسمي: الروح القدس الاسم الذي كان له قبل إنشاء العالم. أي أن عيسى هو الله خالق السماء والأرض والله هو عيسى. ويستدلون على مذهبهم بقول بولس: الله ظهر في الجسد تبرر في الروح تراءى لملائكة، كرزبه بين الأمم: أُومِنَ به في العالم رفع في المجد" (7)) (8).


(1) مزمور: (33/ 6).
(2) متى: (28/ 19) يسوع يظهر للتلاميذ.
(3) يوحنا: (15/ 26) العالم يبغض يسوع والتلاميذ.
(4) رسالة يوحنا الأولي: (5/ 7) الشهادة ليسوع المسيح.
(5) لوقا: (1/ 35) البشارة بميلاد يسوع.
(6) متى: (3/ 16) معمودية يسوع المسيح.
(7) رسالة بولس الأولي إلى تيموثاوس (3/ 16) الشمامسة.
(8) أقانيم النصارى: د/ السقا، ص 67.

[مقولة الكاثوليك والبروتستانت]

يقولون: إن الآلهة ثلاثة متميزون ومنفصلون: الأب -الابن- الروح القدس- يقول الكاثوليك في شرح الآية الأولى من إنجيل يوحنا: "والكلمة كان عند الله: يعني: أن الكلمة متميز عمن ولده، فالآب غير الابن. والابن غير الآب ومع ذلك فهما شيء واحد في الطبيعة والذات والحكمة" (1).

(والأقانيم على مذهب الأرثوذكس: مراحل لأنّ الله انقلب إلى إنسان واتخذ جسد إنسان فله طبيعة واحدة ومشيئة واحدة، والأقانيم على مذهب الكاثوليك والبروتستانت ذوات متميزة لأنّ عيسي كما جاء في كلامهم: "مساو للآب بحسب لاهوته، ودون الآب بحسب ناسوته" ومع هذا التميز يقول الكاثوليك والبروتستانت: بأن الله واحد لئلا يكذبوا التوراة والإنجيل المصرحتان بالوحدانية) (2).

ثالثًا: جهود علماء المسلمين -فترة البحث- في نقد الأدلة السابقة والرد عليها:

أَتبع علماء المسلمين -فترة البحث- في نقدهم لتلك الأدلة إلى يستند إليها النصارى في قولهم بالتثليث- اتبعوا منهجًا علميًا متميزًا في هدم هذه العقيدة الباطلة .. برز في هذا المنهج كثير من الرؤى النقدية- لعلمائنا الجلاء- القائمة على أسس ومعايير واضحة ومحددة قد أشرت إليها قبل ذلك في نقد متن العهد القديم وتميزت هذد الرؤى المتنوعة بما يلي:

1 - عرض تأويلات النصارى لهذه النصوص على الحقائق العلمية الثابتة لبيان الصواب من الخطأ في تأويلهم لها.

2 - عرض النصوص على العقل إذ أن العقل السليم هو الميزان الذي يزن الأمور بدقة تامة بعد الاستدلال النقلى.

3 - تحليل النصوص في حدود ما تحتمله الألفاظ دون انحراف أو شطط.

4 - المناقشة المنطقية لهذه الدعوى في حيده تامة وموضوعية كاملة.

5 - بيان خطأ النصارى في استدلالهم وخطأ استنباطهم لأسس هذه العقيدة من النصوص التى يعتمدون عليها.

وسوف يتضح هذا المنهج من خلال تتبع جهود علمائنا الأجلاء في نقد عقيدة التثليث وردها ويمكن حصر ما قاموا به من جهود تحت العناوين التالية:

1 - بطلان استنتاج النصارى من الأدلة إلى يستندون عليها في التثليث.

2 - مناقشة الأدلة إلى يستند عليها النصارى في تقرير عقيدة التثليث.

3 - نقد عقيدة التثليث بأدلة من الكتاب المقدس.

4 - نقد عقيدة التثليث بالأدلة والبراهين العقلية.


(1) أقانيم النصارى ص 68، انظر حواشي على الكتاب المقدس للكاثوليك (3/ 479) ط بيروت 1968 م.
(2) المرجع السابق: ص 68.

أولًا: بطلان استنتاج النصارى عقيدة التثليث من الأدلة السابقة:

أجمع علماء المسلمين أنه لا يوجد دليل صريح يدلّ على التثليث لا من العهد القديم ولا من العهد الجديد وأن النصوص التي يدعون أمّا تؤيد دعواهم لا تدل من قريب أو من بعيد على أن الآلهة ثلاثة بل تدل على أن الله سبحانه واحد وهو الذي خلق السموات والأرض وما فيهن ولكنهم يلوون أعناق النصوص ويفسرونها حسب أهوائهم ولذلك تقول د/ مريم عبد الله زامل:

إن التعبير في النص بلفظ الله أو ألوهيم ليس فيه ما يدل على التثليث لا ضمنًا ولا استتارًا؛ بل كل ما يدلّ عليه النص: أن الله جل جلاله في بدء عمارة الكون خلق السموات والأرض وأن لفظ الجلاله (الله) لا يُطلق إلا على الذات الإلهية وهو الله سبحانه وتعالى فقط وبذلك يتبين تعسفهم وشططهم في تأويل النصوص فأين صيغة الجمع في هذا اللفظ؛ بل إن صاحب قاموس الكتاب المقدس لم يشر إلى أن هذا اللفظ "ألوهيم" يدل على الجمع بل قال: "يدلّ هذا الاسم على صفة الله كالخالق العظيم وعلى علاقته مع جميع شعوب العالم من أمم ويهود" (1) فهذا اللفظ التعظيم وليس فيه دلالة على التثليث" (2).

وفي المناظرة التي تمت بين القس سوجارت والعلامة أحمد ديدات يُلاحظ أن استنتاج القس سوجارت استنتاج خاطئ وقد بين العلامة ديدات بُطلان هذا الاستنتاج واستخدم الاستدلال المنطقى والترتيب العقلى للأفكار والمعلومات التى توضح تلك العقيدة كما يفهمها النصارى ثم يعرض لها بذكر المقدمات السليمة التى تؤدى إلى نتيجة سليمة أيضًا مؤداها بُطلان هذه العقيدة المزيفة والتي يعتقدونها وتوضيح ذلك كالتالى:

عبر الأب سوجارت على ذلك بقوله: إن الرب يعلمنا بوجود إله واحد وليس اثنين أو خمسة أو عشرة أو خمسة عشر "وأنه تجلى في ثلاثة أشخاص، ثلاث شخصيات مختلفة نحن نؤمن بوجود الأب السماوي والإله الابن ونؤمن بالروح القدس الذي غشى مريم. إنه إله أيضًا وهم كلُ لا يتجزأ بمعنى أنهم متفقون تمامًا وفي توحد وانسجام لا يختلفون أبدًا ولن يختلفوا أبدًا" (3).


(1) انظر: موقف ابن تيميه من النصرانية: 2/ 562.
(2) قاموس الكتاب المقدس: ص 107.
(3) انظر: المناظرة الحديثة في علم مقارنة الأديان بين الشيخ/ أحمد ديدات والقس سوجارت، ص 192 جمع د/ السقا، مكتبة زهران بالأزهر بمصر 1408 - 1988 م.

وعندما أُعطيت الكلمة للعلامة ديدات قام فأفصح عن تعجبه الشديد من قيام الأب سوجارت بتغيير الكلمة المعبرة عن الرب حيث كان في صباح يوم المناظرة نفسه يستخدم في خطابه لمجموعة من كنيسته كلمة "المولود لله" وهي مستخدمة أيضًا في إنجيل الملك جيمس المعتمدة بالنص "لأنه هكذا أحب الله العالم ... حتى أنه أعطى ابنه الوحيد" والتعبير الإِنجليزي الوارد بالنص يستخدم كلمة "بجتن" أي المولود لله (1). ولكن بعد ثماني ساعات فقط وأثناء المناظرة غير الأب سوجارت كلمة "بجتن" إلى كلمة "المتفرد" (2). وعندما سُئل الأب سوجارت عما يعنيه بكلمَة "المتفرد" أجاب بأنها في الأصل اليوناني تعني ببساطة: " لم يكن مثله أحد من قبل وما كان أحدًا أبدًا مثل ابن الله، فهو متفرد، ولم يكن أحد من قبل مثل مريم التي أنجبت ابن الله وإنها تعني ببساطة أن أحدًا لم يكن أبدًا مثله من قبل ولن يكون أحد مثله من بعد يكون متفردًا كابن الله متجسدًا في هيئة بشرية (3).

ثم يقول القس سوجارت: شخص وشخص وشخص: (إلا أنهم ليسوا ثلاثة أشخاص بل شخص واحد) وعندئذ وجه العلامة ديدات الخطاب إلى الأب سوجارت وضرب له المثل التالى: أنت وأخواك لنفترض أنكم ثلاثة توائم متشابهة وأننا لا نستطيع التمييز بينكم أنتم الثلاثة لأنكم متطابقون تمامًا فإذا اقترف أحدكم جريمة قتل هل يمكن أن نشنق الآخر؟ جوابك: كلا وأسألك: ولماذا لا يُشنق؟ فتقول لي: إنه شخص آخر، أوافقك على هذا (4).

ثم أوضح أن استخدام الكلمات يستدعى صورًا ذهنية حول "الأب السماوي المحب"، والإله الابن والروح القدس. إذن هناك ثلاث صور ذهنية مختلفة ومهما حاولتم فلن تتطابق هذه الصور الثلاثة في صورة واحدة سيكون في ذهنكم دائمًا ثلاث صور ولكن حين أسألكم: كم صورة ترون؟ تقولون واحدة وهذا لا يُطابق الواقع (5).

ويؤيد النصارى باطلهم بتقريب عقيدة التثليث إلى الأذهان بضرب هذا المثال: "مثال الشمعة" (فالله عندهم -تعالى عما يقولون علوًا كبيرًا- كالشمعة فالشمعة واحدة ولكنها مادة ونور وحرارة فهي ثلاثة في واحد) (6).


(1) الإِسلام والأديان د/ مصطفى حلمي ص 215.
(2) المناظرة الحديثة عن 135.
(3) المرجع السابق: 195.
(4) المناظرة الحديثة: ص 193 - 198.
(5) المرجع السابق: ص 199، وانظر: الإسلام والأديان، ص 217.
(6) الإِسلام والأديان: ص 217 نقلًا عن كنت نصرانيًا واصف الراعي، ص 110، مطابع الفرزدق بالرياض، 1407 هـ / 1987 م.

وينتقد د/ مصطفى حلمى هذا المثال بقوله: وهذا المثال متهافت أيضًا لا يعبر عن العقيدة النصرانية، لأنّ الأقانيم عندهم ثلاثة أصول والشمعة أصل واحد (أما الضوء والحرارة فمظهران حادثان طرآ على الشمعة بعد إضاءتها، فإذا انطفأت الشمعة عادت إلى أصلها الواحد وفاتهم أن هناك مصدرًا من أشعل الشمعة فما دوره في الأقانيم الثلاثة وأين مكانه من هذا التشبيه؟) (1).

ثم يقول د/ مصطفي حلمي:

إن هذا المثال إذن مخالف للثالوث النصراني الذي -بحكم صياغته- يقرر تعدد الشخصيات في الإله، وينسب خصائص شخصية منفصلة لكل شخص (2).

أما د/ عبد الأحد داود، فقد عرض هذه العقيدة -الثالوث- على الحقائق العلمية الثابتة التى لا يختلف عليها اثنان في مشارق الأرض ومغاربها وبين معارضتها لتلك الحقائق ومخالفتها للمنطق والعقل فقال:

والرياضيات كعلم إيجابي تعلمنا إن الوحدة ليست أكثر من واحد ولا أقل، وإن واحدًا لا يمكن أن يساوى واحدًا+ واحدٍ + واحدٍ، وبعبارة أخرى فإنه لا يمكن أن يكون الواحد مساويًا لثلاثة لأنّ الواحد هو ثلث الثلاثة، وقياسًا على ذلك فإن الواحد لا يساوى الثلث وبالعكس فإن الثلاثة لا تساوى واحدًا كما إنه لا يمكن للثلث أن يساوى الوحدة ... والذين يقولون بوحدانية الله في ثالوث من الأشخاص إنما يقولون لنا إن كل شخص هو: "إله قدير موجود دائم، أزلي، وكامل، لكنه لا يوجد ثلاثة آلهة قديرين وموجودين ودائمين وأزليين وكاملين ولكنه إله واحد قدير" وإذا لم تكن هناك سفسطة في المنطق المذكور أعلاه فإننا سنطرح هذا "اللغز" الذي تقدمه الكنائس ويكون طرحنا له بالمعادلة التالية:

إله واحد= إلهًا واحدًا، إلهٍ واحد + إلهٍ واحد

كذلك فإن:

إلهًا واحدًا = ثلاثة آلهة!

أولًا: لا يمكن لاله واحد أن يساوى ثلاثة آلهة، بل يساوى واحدًا منها فقط ثم يخاطب النصراني بقوله: ثانيًا: بما أنك تسلم بأن كل شخص إله كامل مثل قرينيه، فإن استنتاجك بأن 1+ 1+ 1 = 1 ليس استنتاجًا رياضيًا بل هو ضرب من السخف (3).


(1) الإِسلام والأديان: ص 217 عن كنت نصرانيًا، ص 25.
(2) المرجع السابق: نفس الصفحة.
(3) "محمَّد في الكتاب المقدس": د/ عبد الأحد داود، ص 45.

ثم ينتقل د/ عبد الأحد داود بعد ذلك إلى مناقشة التثليث من الناحيتين المنطقية والعقائدية: (بناءً على تصور أن لكل شخص في الثالوث صفات لا تنطبق على الاثنين الآخرين وتدل هذه الصفات طبقًا للمنطق الإنساني واللغة الإنسانية على وجود قَبْليِه وبَعْدِيه فيما بينهما فالأب يحظى بالمرتبة الأولي ويتقدم على الابن أما الروح القدس فليس متأخرًا فحسب لكونه الثالث في الترتيب العددي بل إنه أقل درجة من أولئك الذين انبثق منهم. ألا يعتبر نوعًا من الإلحاد إذا ما أعيد ذكر هذا الثالوث بترتيب معكوس؟ ألا يعتبر إنشاء الصليب عند مشاهدة القربان المقدس أو تجاوز مبادئه، نوعًا من الزندقة عند الكنائس إذا عكست العبارة وصارت على النحو التالي: باسم الروح القدس، والابن والآب؟ لأنها إذا كانت متساوية ومتعاصرة فإنه لا داعي لمراعاة ترتيب الأسبقية بدقة) (1).

من خلال هذه المناقشات المنطقية والمحاورات العقلية التى قام بها العلماء، حول استنباطات النصارى واستنتاجاتهم ما يقرر هذه العقيدة - في زعمهم - يتبين بُطلان ما استنتجوه ومخالفته للحقائق العلمية الثابتة ومعارضته للبديهيات الرياضية التي لا تقبل الجدال لأنها واضحة وضوح الشمس في وسط النهار.

[مناقشة علماء المسلمين للأدلة التي يعتمد عليها النصارى في تقرير عقيدة التثليث ونقدها]

لشيخ الإِسلام والعلامة رحمة الله الهندي والألوسى وأيوب بك صبري، جهود قيمة في إبطال الأدلة التي اعتمد عليها النصارى في تقريرهم لعقيدة التثليث من هذه الأدلة إلى ناقشوها ما يلي:

[الدليل الأول]

" بكلمة الرب صُنعت السموات وبنسمة فيه أو روح فيه كل جنودها" (2) ومؤداه عندهم أن هذا النص صرح بثلاثة أقانيم حيث قال الله وكلمته وروحه وكان لعلماء المسلمين -فترة البحث- جهود قيمة في تفنيد تلك الأدلة التي استدل بها النصارى على عقيدة التثليث وقد اتبع علماؤنا الأجلاء في الرد على النصارى ونقد أدلتهم البحث في المعني المتبادر من الآيات بحسب دلالاتها اللغوية والقواعد المنطقية إذ أن اللغة لا تنفك عن روابطها الأساسية.


(1) "محمد في الكتاب المقدس": ص 46.
(2) مزمور: (33/ 6)، أيوب: (33/ 4).

وقد كان رائد هذه الطريقة الفريدة أيوب بك صبري، صاحب كتاب الجوهر الفريد، حيث يرد على من ادعي التثليث فقال في دعواه: إن الكلمة هي الأقنوم الثاني وهي المسيح وأن لفظ الرب هو أقنوم الأب وهو الأقنوم الأول وأن لفظ الروح أو النسمة هو الأقنوم الثالث المدعو روح القدس، فيقول أيوب بك صبري:

(ننظر هل ممكن أن نستنتج من هذه الألفاظ وجوب اعتقاد الشخصية بكل لفظ منها أو جعله أقنومًا أم لا؟ وأنى لنا ذلك وقد ثبت بمدلول نصوص جميع الكتب المنزلة من عند الله تعالى تعيين معنى لفظ الكلمة والروح في مثل هذا المقام والحق يلزمنا بالوقوف عند حدّ ما دلت عليه الكتب الإلهية كما يلي:

1 - فوصف الله للسيد المسيح بالكلمة في القرآن المجيد ظاهر إنها كلمة التكوين وصيغة الأمر كناية عن قوله جل شأنه "كن فيكون" بدلالة الالقاء كما في قوله تعالى: {أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} (1) كأنه تعالى ألقى إليها قولة "كن" التي هى أمر الإيجاد والتكوين، ثم إنه لما كان هذا القرآن منزلًا بالعربية الفصحى في اصطلاح العرب يسمون الرسول كلمة ولسانًا ويقولون هذا لسان فلان وكلمته لكونه رسوله المبلغ عنه أوامره إلى الخلق وهذا المعني المتواتر المشهور بين سائر العالم لا يختلف فيه اثنان.

2 - وكذلك نصوص التوراة في عدة مواضع ناطقة بذلك وأن الكلمة لا معنى لها سوى النطق وهي كلمة التكوين بدليل ما جاء في سفر الخليقة (1/ 3) "وقال الله ليكن نور فكان" وقوله هذا ليكن جلدًا فكان وقوله ليكن كذا وليكن كذا ... الخ ما ورد في صيغة التكوين ولحصر المعنى في كلمة التكوين قد سمي المتقدمون سفر الخليقة "سفر التكوين" وقد ورد في جميع أسفار الأنبياء ما يفيد تعيين هذا المعنى وهو قولهم: "كانت إلي كلمة الرب وصارت إليّ كلمة الرب وكان إليَّ كلام الرب "وهناك نصوص كثيرة تدل على أن المراد بالكلمة الأمر، ما جاء في أشعياء" هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمى لا ترجع إلى فارغة" (55/ 11)، وما جاء في حزقيال: "فاسمع الكلمة من فمى وأنذرهم من قبلى" (3/ 17)، لأني أنا الرب أتكلم والكلمة إلى أتكلم بها تكون. أقول الكلمة وأجريها يقول السيد الرب ... الكلمة التي تكلمت بها تكون" (12/ 25) وغير ذلك من النصوص الصريحة الناطقة بأن الكلمة لا معنى لها غير الأمر وهي كافية لإقناع كل معتدل ومن تأمل بالفكر الحر المنزه عن الأغراض أنها ناطقة بكل صراحة بأن صنع السموات وكل جنودها هو بأمر الله تعالى وتأثيره وأن كلمته هى أمره تعالى وليست بأقنوم ولا شخص إلهى كما يشهد بصريح ذلك قول أشعياء: "يداي أنا نشرتا السموات وكل جندها أنا أمرت" (45/ 13) (2).


(1) سورة النساء: جزء من الآية (171).
(2) الجوهر الفريد: ص 11 - 12.

3 - ثم إن نص الإنجيل أيضًا ناطق بهذا المعنى في عدة مواضع منها: "كانت كلمة الله على يوحنا بن زكريا" (لوقا 3/ 2) ومنها: "والأب الذي أرسلنى يشهد لي لم تسمعوا صوته قط ولا أبصرتم هيئته وليست لكم كلمته ثابتة فيكم" (يوحنا 5/ 37، 38) ومنها قوله: "إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله ولا يمكن أن ينقض المكتوب" (يوحنا 10/ 35)، ففى العبارة الأولي فسر معنى الكلمة بالايمان الذي لا يناله العبد إلا بالتوفيق الإلهى والصبغة الإلهية، وفي العبارة الثانية الكلمة هى الأمر والتأثير الإلهى القائم به حياة الوجود. وأيضًا فسر الروح والنسمة بهذا التفسير واستبعد كونها تدل على أي من الأقانيم الثلاثة كما يدعون أ. هـ (1).

• وبالقراءة المتأنية لما قام به أيوب بك صبرى يتبين أنه قام بتحليل الألفاظ وبيان مدلولها الحقيقي طبقًا للدلالات اللغوية والقواعد المنطقية السليمة في حيدة تامة وموضوعية كاملة.

• بين خطأ استدلال النصارى بهذا النص لأنه يدلّ على الأمر الإلهى لا أكثر ولا يرمز إلى شخص أو أقنوم كما يدعون.

• بين بُطلان استنباطهم من هذا النص: أن المراد بالكلمة هو المسيح ولكن المراد بها الأمر والتأثير الإلهي القائم به حياة الوجود، لورود تلك اللفظة في القرآن والتوراة والإنجيل وتدل دلالة واضحة على الأمر الإلهى.

وينتقد العلامة الألوسي، هذا النص أيضًا فيقول: إن هذا النص يقتضى أن تكون الآلهة أربعة بل خمسة لأنه قال: رحمة الرب، وكلمة الرب، وبروح فيه إلى أن قال في نهاية هذا المزمور وعلى اسمه القدوس اتكلت فالروح إله أول والرب إله ثان والكلمة إله ثالث والروح إله رابع والقدوس إله خامس فصارت الأقانيم خمسة وهذا لا يخفى على ذي عينين أو أحول يجعل الواحد اثنين ... وإذا كان داود علم أن الآلهة ثلاثة والثلاثة إله فعيسي جزء من الآلهة فلم لم يخبر بنى إسرائيل أن إلههم وربهم متعدد وأن جزء الإله أو الواحد من الآلهة حامله إذ ذاك في صلبه وأنه سيكون من ذريته (2).

وبتحليل رؤية الإمام الألوسي النقدية لهذا النص يتبين أنه اتبع المحاورة العقلية في إثبات رؤيته النقدية وأن تحليل النصارى لهذا الدليل تحليل باطل ومردود لأنه يتناقض مع العقل.


(1) نهاية كلام صاحب الجوهر الفريد: ص 13.
(2) الجواب الفسيح: 1/ 217، 218.

[الدليل الثاني]

" اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الأب والابن والروح القدس" متى (28/ 9) وحول هذا النص تعددت الرؤى النقدية لعلماء المسلمين -فترة البحث- فيقول صاحب كتاب الفارق في ذيل فارقه: إن أساس التعميد بالتثليث مبني على هذه الوصية" عمدوا الناس باسم الأب والابن والروح القدس" فقط ... وإن هذه الوصية وحدها تكفينا بأن هذه الأناجيل مصنعة؛ لأنّ يحيى -عليه السلام- صرح بأن المسيح سيعمدكم بروح القدس ولم يذكر التثليث وكذلك "متي ومرقس ولوقا ويوحنا" اتفقوا وصرحوا في أناجيلهم بأن عيسى حين الرفع وقبله أوصي تلاميذه بأن يعمدوا بروح القدس فقط والمترجم المختلس لإنجيل "متى" افترى وذيل ترجمته بقوله: "إن المسيح قبل الرفع أوصي التلاميذ أن "يعمدوا الأمم باسم الأب والابن وروح القدس" متى (28/ 19) فتبين ببداهة العقل أن هذه الجملة إلحاقية من المترجم وإلا فلا يُتصور أن "متى" يروى روايتين مختلفتين بإنجيله عن المسيح في آن واحد (1).

وعلى فرض صحة رواية المترجم فهي ليست تثليثًا للإله؛ بل إنما المقصد منها ظاهر وهو قوله: "عمدوا الأمم باسم الأب" أي لقنوا الأمم المتنصرة بأن يؤمنوا بواجب الوجود والموجد لكل موجود وقوله: "الابن" أي وأن يؤمنوا أيضًا بعيسى رسول الله وكلمته وقوله: "روح القدس" أي أن يؤمنوا بجبريل أمين الوحى لكافة الأنبياء والمبشر للعذراء بحملها بعيسي -عليه السلام- ولا نزاع في جبريل بأنّه "روح القدس" ولا خلاف في الأنبياء والرسل الأبرار بأنهم أبناء الله أي أصفياء الله ... وهذا توجيه وجيه لا يحتمل غيره؛ لأنه موافق لسنن الله في أنبيائه وخلقه منذ خلق الدنيا إلى يومنا هذا (2).

ويقول شيخ الإِسلام ابن تيميه عن هذا النص: ليس في هذا النص ما يدلّ على التثليث وأن الأب هو الله والابن هو المسيح والروح القدس هو جبريل -عليه السلام- والمراد بعبارة التعميد عنده -أي المسيح-: "مروا الناس أن يؤمنوا بالله ونبيه الذي أرسله وبالملك الذي أنزل عليه الوحى الذي جاء به فيكون ذلك أمرًا لهم بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وهذا هو الحق الذي يدلّ عليه صريح المعقول وصحيح المنقول، وهذا تفسير ظاهر ليس فيه تكلف ولا هو من التأويل (3).


(1) الفارق: رسالة أبحاث المجتهدين في ذيل الفارق، ص 56، 57، بتصرف بالحذف.
(2) المرجع السابق: ص 56 - 57، بتصرف بالحذف
(3) الجواب الصحيح: 2/ 112، بتصرف، 1/ 276.

ويقول د/ عبد الكريم الخطيب:

إن كلمات الأب والابن والروح القدس التي تردد ذكرها في الأناجيل قد جاءت في سياقات تعطى لكل منها دلالة مستقلة ومفهومًا خالصًا بحيث لا يمكن أن يجتمع منها مفهوم واحد أو دلالة مشتركة، فالأب أب والابن ابن والروح القدس هو الروح القدس لكل ذاتيته وشخصيته (1).

ويقول الشيخ أبو زهرة: إن شروط استدلال النصارى بهذا النص على وجود الأقانيم الثلاثة غير مستوفاه إذ ترى أن تلك العبارات الشيخ عثروا عليها في كتبهم لا تفيد على وجه القطع ما يريدون؛ بل تفيد بأبعد أنواع الاحتمالات أو باحتمال قريب ومن المعلوم في قواعد الاستدلال أن الاحتمال إذا دخل الاستدلال أبطله وكل أدلتهم ينفذ الاحتمال إليها من كل جانب هذا وإن الاستدلال بكتبهم يفيد من يصدقها وهي ذاتها يعزوها النقد العلمي في سندها وفي متنها من كل ناحية فهي في ذاتها في حاجة إلى دفاع طويل لإثباتها (2).

ويقول د/ عبد الكريم الخطيب، في موضع آخر من كتابه: (بل إنك لتقرا الأناجيل فصلًا فصلًا وكلمة كلمة، فلا توجد فيها إشارة من بعيد أو قريب إلى ما يُعرف بالأقنوم أو الأقانيم) (3).

ومن خلال ما سبق يتبين أنه لم يرد في العهد القديم ولا في العهد الجديد نص يدل دلالة صريحة على التثليث أو الأقانيم وبالتالي فهذا الادعاء من النصارى إدعاء مردود لأنه لا يوجد دليل يقويه وجميع استدلالاتهم على هذه العقيدة في غير موضعها وتعتمد على: إما تأويل باطل لنص من النصوص أو لحمل نص منها على الحقيقة وهو يُراد به المجاز، لذلك يغفل النصارى الدلالات المجازية في أغلب أدلتهم ويحملون الألفاظ على حقيقتها مما يخرجها عن مدلولها المراد فيقعون في الخطأ عن عمد.

ولذلك يقول شيخ الإِسلام ابن تيميه عن النصارى في هذه العقيدة قولهم بالأقانيم مع بطلانه في العقل والشرع لم ينطق به عندهم كتاب، ولم يوجد هذا اللفظ في شىء من كتب الأنبياء التي بأيديهم ولا في كلام الحواريين، بل هى لفظة ابتدعوها، ويُقال إنها رومية وقد قيل: الأقنوم في لغتهم معناه الأصل ولهذا يضطربون في تفسير الأقانيم، تارة يقولون أشخاص، وتارة خواص، وتارة صفات وتارة جواهر وأخرى يجعلون الأقنوم اسمًا للذات والصفة معًا وهذا تفسير حُذاقهم (4).


(1) المسيح في القرآن والتوراة والإنجيل: د/ عبد الكريم الخطيب، ص 217.
(2) انظر: محاضرات في النصرانية ص 106، بتصرف.
(3) المسيح في القرآن: د/ عبد الكريم الخطيب، ص 214.
(4) الجواب الصحيح: 2/ 114.

[الدليل الثالث]

والذي ينص على ما يلي: "فإن الذين يشهدون في السماء ثلاثة: الآب، والكلمة، والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد".

استدل العلامة رحمة الله الهندي بهذا الدليل على إثبات التحريفى بالزيادة في الأناجيل وأن معتقدي التثليث أزادوا على النص الأصلى ما يؤيد دعواهم فقال:

(وقع في الإصحاح الخامس من رسالة يوحنا الأولي هكذا: "فإن الذين يشهدون في السماء ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد" "والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة الروح والماء والدم والثلاثة هم في الواحد" كان أصل العبارة في هاتين الآيتين على ما زعم محققوهم هذا القدر" والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة الروح والماء والدم والثلاثة هم في الواحد" فزاد معتقدو التثليث هذه العبارة" وفي السماء هم ثلاثة الأب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد والذين يشهدون في الأرض" في أصل العبارة وهي ملحقهَ يقينًا وقد اعترف بذلك رجال دينهم) (1).

وينتقد صاحب كتاب الجوهر الفريد هذا الاستدلال بقوله:

هذه العبارة لا يوجد بها حكيم التكليف بوجوب اعتقاد تثليث الله تعالى ولا يوجد بها لفظ الأقنوم ولا الشخص الإلهي ولا الجوهر ولا التساوي وإن هى إلا ألفاظ لو صح ورودها في أصل الكتاب المقدس لكانت محتاجة إلى التأويل بما لا يشذ عن قواعده ولا يناقض برهان العقل والنصوص الصريحة في شىء.

وهذه العبارة: "لأنّ الذين يشهدون ... الخ مشكوك فيها عند جمهور علماء المسيحية (2). وغير ذلك من الأدلة التى ناقشها صاحب كتاب الجوهر الفريد والعلامة رحمة الله الهندي وشيخ الإِسلام ابن تيميه.


(1) إظهار الحق: (1/ 235، 236).
(2) الجوهر الفريد: ص 7.

ثالثًا: نقد عقيدة التثليث بأدلة من الكتاب المقدس:

أولًا: أدلة من العهد القديم:

فقد أورد د / السقا في كتابه أقانيم النصارى ما يبطل عقيدة التثليث بأدلة من العهد القديم تثبت وتصرح بأن الله واحد لا شريك له في ملكه وأنه هو وحده خالق السموات والأرض وأنه هو وحده يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير ... (1).

وقد ذكر هذه الأدلة ولم يناقشها لوضوح الدلالة فيها على نفي التثليث من هذه الأدلة:

1 - "اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك وقصها على أولادك (2) ... إلخ هذه الوصية.

2 - "احمدوا الرب لأنه صالح لأنّ إلى الأبد رحمته احمدوا إله الآلهة لأنّ إلى الأبد رحمته احمدوا رب الأرباب لأنّ إلى الأبد رحمته الصانع العجائب العظام وحده لأنّ إلى الأبد رحمته (3).

ثانيًا: أدلة من العهد الجديد:

أما أدلة العهد الجديد استدل بها العلامة رحمة الله الهندي والألوسى ود/ السقا، وغيرهم وناقشوها مناقشة علمية منها ما يلي:

1 - جاء في إنجيل يوحنا: "وهذه الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته" يوحنا (17/ 3).

وقد نقد العلامة رحمة الله الهندي بهذا النص إدعاء النصارى في قولهم بالتثليث ورد عليهم من خلال رؤيته التفسيرية لهذا النص فقال: بين عيسى -عليه السلام- أن الحياة الأبدية عبارة أن يعرف الناس أن الله واحد حقيقى وأن عيسي -عليه السلام- رسوله، وما قال أن الحياة الأبدية أن يعرفوا أن ذاتك ثلاثة أقانيم ممتازة بامتياز حقيقى وأن عيسى إنسان وإله أو أن عيسى إله مجسم ولما كان هذا القول في خطاب الله في الدعاء حينما رفع رأسه إلى السماء وقال:


(1) انظر: أقانيم النصارى، ص 77.
(2) تثنية: (6/ 4 - 9) أحب الرب إلهك.
(3) مزمور: (136/ 1 - 6) بدون.

"قد حضرت الساعة وآمنوا أنك أرسلتني" فلا احتمال هنا للخوف من اليهود ولا سيما وقد قال قد حضرت الساعة، فلو كان اعتقاد التثليث مدار النجاة لبيئه ولما قال: "الإله الحق وحدك" ولما فرق بين المرسل والمرسل وإذا ثبت أن الحياة الأبدية هى اعتقاد التوحيد الحقيقى لله وحده واعتقاد الرسالة للمسيح، فضدهما يكون موتًا أبديًا وضلالًا سرمديًا بالبداهة؛ لأنّ التوحيد الحقيقي ضد التثليث الحقيقى وكون المسيح رسولًا ضد لكونه إلهًا لأنّ التغاير بين المرسل والمرسل إليه ضروري، وتبعه في رأيه العلامة الألوسي ود/ السقا، وكل منهما أيده فيما ذهب إليه (1).

2 - ما جاء في إنجيل مرقس: "فجاء إليه واحد من الكتبة الذين كان سمعهم يتساءلون ونظر إجابته لهم حسنة، فسأله أي وصية أول الكل؟ فأجابه يسوع: إن أول كل الوصايا اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا إله واحد هو. وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل نيتك ومن كل قوتك هذه أولى الوصايا والثانية هى مثلها أن تحب قريبك كنفسك ليس وصية أخرى أعظم من هاتين، فقال له الكاتب جيدًا يا معلم، قلت بالحق أن الله واحد وليس آخر غيره" (مرقس 12/ 28 - 34).

يقول العلامة الألوسي ردًا علي المثلثة بعد أن ساق هذا الدليل الدامغ على وحدانية الله عَزَّ وَجَلَّ وبإقرار المسيح -عليه السلام- يقول: (فعلم أن أولى الوصايا أن يعتقد الإنسان ان إلهه واحد حقيقى، لا ثلاثة ممتازة بامتياز حقيقى) (2).

وبالنظر في الرؤية التحليلية للعلامة رحمة الله الهندي لهذا النص الذي يبطل دعوى التثليث بدلالاته الواضحة على الوحدانية بلا أدني شك يتبين:

1 - عمق الفهم الذي يتمتع به العلامة الهندي ودرايته الواسعة وعلمه الغزير بالكتاب المقدس وقضاياه المختلفة.

2 - ربطه بين النصوص ربطًا جيدًا يؤكد ما يتميز به عن باقى النقاد من سهولة الاستشهاد على القضايا التى يعالجها في كتابه كأنه يحفظ النمو جيدًا بأماكنها في الكتاب المقدس.

3 - الموضوعية الفائقة في جميع ما يتعلق بالموضوع الواحد من نصوص تؤكد رؤيته إذا كان يريد إثبات شىء ما أو نفيه.


(1) إظهار الحق: 2/ 343، الجواب الفسيح: 1/ 196، وأقانيم النصارى: ص 77 - 78.
(2) الجواب الفسيح: 1/ 197.

فيقول العلامة الهندي بعد أن استدل بالنص السابق من مرقس: (12/ 28 - 34) وفي الإصحاح الثاني والعشرين من إنجيل متى في قوله: بعد بيان الحكمين المذكورين هكذا: "بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس والأنبياء" فعلم أن أول الوصايا الذي هو مصرح به في التوراة وفي جميع أسفار الأنبياء وهو الحق وهو سبب قرب الملكوت، أن يعتقد الناس أن الله واحد ولا إله غيره ولو كان اعتقاد التثليث مدار النجاة لكان مبينًا في التوراة وجميع أسفار الأنبياء لأنه أول الوصايا ولقال عيسى -عليه السلام-: أول الوصايا: الرب واحد ذو أقانيم ثلاثة ممتازة بامتياز حقيقى، لكنه لم يبين في سفر من أسفار الأنبياء صراحة ولم يقل عيسى -عليه السلام- هكذا فلم يكن مدار النجاة، فثبت أن مدارها هو اعتقاد التوحيد الحقيقي لا اعتقاد التثليث، وهوسات التثليثيين باستنباطه من بعض آيات أسفار الأنبياء لا يتم على المخالف لأنّ هذا الاستنباط خفى جدًا مردود بمقابلة النص) (1).

وملخص ما ارتآه العلامة الهندي حول إبطال التثليث بهذا الدليل السابق ومن خلال تحليله له يتضح لدي الباحث ما يلي:

أ- عدم ورود التثليث في التوراة لا صراحة ولا ضمنًا.

ب- خلو أسفار الأنبياء أيضًا من هذه العقيدة التثليثية.

ج- لم يصرح به عيسى -عليه السلام- على فرض صحة الأناجيل ونسبتها إليه- لم يصرح بالتثليث أو بما يدلّ عليه من قريب أو بعيد.

د- ورود ما يدلّ صراحة على التوحيد الحقيقي في التوراة والإنجيل.

3 - ما جاء في إنجيل مرقس: "وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بها أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الآب" مرقس (13/ 32).

وقد حلل العلامة الهندي هذا النص ووافقه في رؤيته التحليلية العلامة الألوسي ود/ السقا كذلك فيقول: (هذا القول ينادي على بطلان التثليث لأنّ المسيح -عليه السلام- خصص علم القيامة بالله ونفى عن نفسه كما نفي عن عباد الله الآخرين وسوى بينه وبينهم في هذا، ولا يمكن هذا في صورة كونه إلهًا سيما إذا لاحظنا أن الكلمة وأقنوم الابن عبارتان عن علم الله وفرضنا اتحادهما بالمسيح وأخذنا هذا الاتحاد على مذهب القائلين بالحلول أو على مذهب اليعقوبية القائلين بالانقلاب فإنه يقتضى أن يكون الأمر بالعكس ولا أقل من أن يعلم الابن كما يعلم الآب ولما لم يكن العلم من صفات الجسد فلا يجرى عليه في عذرهم المشهور أنه نفى عن نفسه باعتبار جسميته فظهر أنه ليس إلهًا لا باعتبار الجسمية ولا باعتبار غيرها) (2).


(1) إظهار الحق: 2/ 344.
(2) المرجع السابق: 2/ 345، انظر: الجواب الفسيح: 1/ 197، 198.

وحول هذا النص الذي يثبت بشرية المسيح -عليه السلام- ويبطل ما زعمه النصارى عن التثليث يقول الشيخ عبد الله الترجمان بعد أن استدل بالنص السابق (مرقس 13/ 32) هذا إقرار من عيسى -عليه السلام- بأنّه ناقص علم حتى عن الملائكة وأن الله تعالى هو المنفرد بعلم الساعة وقيامتها، وأن عيسى -عليه السلام- لا يعلم إلا ما علمه الله تعالى (1).

وغير ذلك من الأدلة التي ذكروها وتدل دلالة واضحة على التوحيد الحقيقى ونفي التثليث وأنه ممتنع ومستحيل في ذات الله سبحانه وتعالى (2).

والإمام ابن تيميه في محاوراته العقلية التي يبطل بها دعوى التثليث يرد على النصارى فيقول: إنهم يجمعون بين النقيضين عندما يقولون نحن نلعن من قال إنه الأب والأب هو الخالق ونلعن من قال هو الأب الخالق ومن قال ليس هو الخالق فيقول لهم إنكم بذلك تجمعون بين النقيضين: فتلعنون من جرد التوحيد بلا شرك ولا تثليث ومن أثبت التثليث مع انفصال كل واحد عن الآخر؛ وتجمعون بذلك بين متناقضين أحدهما حق والآخر باطل وكل قول يتضمن جمع النقيضين (إثبات الشيء ونفيه) أو رفع النقيضين (الإثبات والنفي) فهو باطل (3).

ومن مظاهر تناقضهم أيضًا: "زعمهم أن كلمة (الله) التي يفسرونها بعلمه أو حكمته وروح القدس التي يفسرونها بحياته وقدرته هي صفة له قديمة أزلية لم يزل ولا يزال موصوفًا بها ويقولون مع ذلك: إن الكلمة هى مولودة منه فيجعلون علمه القديم الأزلي متولدًا عنه، ولا يجعلون حياته القديمة الأزلية متولدة عنه، وقد أصابوا في أنهم لم يجعلوا حياته متولدة عنه لكن ظهر بذلك بعض مناقضاتهم وضلالهم بأنّه أنواع كثيرة فإنه إن كانت صفة الموصوف القديمة اللازمة لذاته يقال: إنها ابنه وولده ومتولد عنه، ونحو ذلك فتكون حياته أيضًا ابنه وولده ومتولدًا عنه وإن لم يكن كذلك فلا يكون علمه ابنه ولا ولده ولا متولدًا عنه ... فعلم أن القوم في غاية التناقض في المعاني والألفاظ وأنهم مخالفون للكتب الإلهية كلها ولما فطر الله عليه عباده من المعقولات التي يسمونها نواميس عقلية ومخالفون لجميع لغات الآدميين وهذا مما يظهر به فساد تمثيلهم" (4).


(1) تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب: أ/ عبد الله الترجمان الأندلسي، ص 84.
(2) لمزيد من التفصيل انظر: إظهار الحق: 2/ 345 - 350، الجواب الفسيح: 1/ 198 - 200 وانظر: تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب: ص 84 - 88، وأقانيم النصارى ص 78 - 81.
(3) الجواب الصحيح: 3/ 177، 178، بتصرف 3/ 188 - 189 باختصار.
(4) المرجع السابق: 3/ 162 - 193 بتصرف.

رابعًا: نقد عقيدة التثليث بالأدلة والبراهين العقلية:

الدليل العقلي أحد الأدلة التي استخدمها علماء المسلمين في نقد الكتاب المقدس بقسميه، إذ أن إعمال العقل في فحص القضايا المتنازع فيها بين المسلمين والنصارى أمر من الأهمية بمكان ولأن النصارى لا يؤمنون بالقرآن وإذا استخدم العلماء القرآن الكريم في الرد عليهم فذلك منهج غير موضوعي لذا اتبع علماء المسلمين في إبطالهم لعقائد النصارى الدليل العقلي وذلك بعرض مفردات تلك العقائد على العقل وإثبات أنها تتعارض مع المسلمات البديهية وتتناقض مع الحقائق العلمية الثابتة. وقد أبطل هذه العقيدة شيخ الإِسلام بأدلة عقلية أوردها في كتابه الجواب الصحيح وقد أورد العلامة رحمة الله الهندي أيضًا كثيرًا من الأدلة والبراهين العقلية على بطلان عقيدة التثليث عند النصارى ووافقه عليها أيضًا العلامة الألوسي .. من هذه الأدلة ما يلي:

1 - لما كان التثليث والتوحيد حقيقيين عند المسيحيين ... وإذا وجد التثليث الحقيقى لا بد من أن توجد الكثرة الحقيقية أيضًا ولا يمكن بعد ثبوتها التوحيد الحقيقى وإلا يلزم اجتماع الضدين الحقيقيين وهو محال فلزم تعدد الوجباء (أي تعدد واجب الوجود) وفات التوحيد يقينًا، فقائل التثليث لا يمكن أن يكون موحدًا لله تعالى بالتوحيد الحقيقى والقول بأن التثليث الحقيقى والتوحيد الحقيقى وإن كانا ضدين حقيقيين في غير الواجب لكنهما غير ذلك فيه سفسطة محضة لأنه إذا ثبت أن الشيئين بالنظر إلى ذاتيتهما ضدان حقيقيان أو نقيضان في نفس الأمر فلا يمكن اجتماعهما في أمر واحد شخصى في زمان واحد من جهة واحدة واجبًا كان ذلك الأمر أو غير واجب كيف وإن الواحد الحقيقى ليس له ثلث صحيح والثلاثة لها ثلث صحيح وهو واحد وأن الثلاثة مجموع آحاد ثلاثة، والواحد الحقيقي ليس مجموع آحاد رأسًا، وأن الواحد الحقيقي جزء الثلاثة فلو اجتمعا في محلّ واحد يلزم كون الجزء كلًا والكل جزءًا وأن هذا الاجتماع يستلزم كون الله مركبًا من أجزاء غير متناهية بالفعل لاتحاد حقيقة الكل والجزء على هذا التقدير، والكل مركب فكل جزء من أجزائه أيضًا مركب من الأجزاء التي تكون عين هذا الجزء وهلم جرا، وكون الشيء مركبًا من أجزاء متناهية بالفعل باطل قطعًا (1).

2 - الاتحاد بين الجوهر اللاهوتي والناسوتي إذا كان حقيقيًا لكان أقنوم الابن محدودًا متناهيًا وكل ما كان كذلك كان قبوله للزيادة والنقصان ممكنًا وكل ما كان كذلك كان اختصاصه بالمقدار المعين لتخصيص مخصص وتقدير مقدر وكل ما كان كذلك فهو محدث فيلزم أن يكون أقنوم الابن محدثًا ويستلزم حدوثه حدوث الله، وهذا محال (2).


(1) إظهار الحق: 1/ 335، الجواب الفسيح: 1/ 191.
(2) المرجع السابق: 1/ 336، الجواب الفسيح: 1/ 192.

3 - فرقة البروتستانت ترد على فرقة الكاثوليك في استحالة الخبز إلى المسيح في العشاء الرباني شهادة الحس وتستهزئ بها. فهذا الرد والهزء يرجعان إليهما أيضًا؛ لأنّ الذي رأى المسيح ما رأى منه إلا شخصًا واحدًا إنسانًا وتكذيب أصدق الحواس الذي هو البصر يفتح باب السفسطة في الضروريات فيكون القول باطلًا كالقول باستحالة الخبز إلى المسيح والخمر إلى دمه (1).

وقد ذكر العلامة الهندي، ما يؤكد بطلان عقيدة التثليث بأبسط البراهين العقلية فنقل أنه تنصر ثلاثة أشخاص وعلمهم بعض القساوسة العقائد الضرورية سيما عقيدة التثليث أيضًا، وكانوا في خدمته فجاء محب من أحباء القسيس وسأله عمن تنصر؟ فقال ثلاثة أشخاص تنصروا. فسأل هذا المحب هل تعلموا شيئًا من العقائد الضرورية؟ فقال نعم وطلب واحدًا منهم ليرى محبه فسأله عن عقيدة التثليث فقال إنك علمتني أن الآلهة ثلاثة أحدهم الذي هو في السماء والثاني تولد من بطن مريم العذراء والثالث الذي نزل في صورة الحمام على الإله الثاني بعد ما صار ابن ثلاثين سنة فغضب القسيس وطرده، ثم طلب الآخر منهم وسأله فقال: إنك علمتني أن الآلهة كانوا ثلاثة وصُلب واحد منهم فالباقى إلهان فغضب عليه القسيس أيضًا وطرده، ثم طلب الثالث وكان ذكيًا بالنسبة إلى الأوليين وحريصًا في حفظ العقائد فسأله فقال يا مولاي حفظت ما علمتني حفظًا جيدًا وفهمت فهمًا كاملًا بفضل الرب المسيح أن الواحد ثلاثة والثلاثة واحد وصلب واحد منهم ومات فمات الكل لأجل الاتحاد ولا إله الآن وإلا يلزم نفي الاتحاد (2).

ثم يعلق على هذه القصة العلامة رحمة الله الهندي فيقول: لا تقصير للمسئولين فإن هذه العقيدة يخبط فيها الجهلاء هكذا ويتحير علماؤهم ويعترفون بأنهم يعتقدون ولا يفهمون ويعجزون عن تصويرها وبيانها ومن غير تصور يصدقون (3).


(1) المرجع السابق: (1/ 337) والجواب الفسيح: (1/ 194).
(2) إظهار الحق: (1/ 338).
(3) المرجع السابق: (1/ 338)، والجواب الفسيح: (1/ 195).

وغير ذلك من الأدلة والبراهين العقلية التي ساقها كل من العلامة الهندي والألوسى (1) والتي أثبتوا من خلالها ما يلي:

1 - أن هذه العقيدة تتناقض مع الحقائق العلمية الثابتة.

2 - استحالة ما يدعيه النصارى من كون الثلاثة واحدًا والواحد ثلاثة.

3 - أن هذه العقيدة تتعارض مع العقل في أبسط تصوراته.

4 - تخبط النصارى في هذه العقيدة وتحير رؤساؤهم أيضًا في تناقضها وعدم فهمهم لها ويدعون أنها فوق العقل.

5 - بطلان عقيدة التثليث بناء على ما سبق بيانه من الأدلة العقلية إلى ساقها علماؤنا الأجلاء.

6 - استحالة وجود التوحيد الحقيقي والتثليث الحقيقي في نفس الوقت.

7 - وإذا بطل التثليث من خلال ما تقدم ذكره فقد ثبت أن الله واحد لا شريك له ولكن النصارى يؤولون النصوص تأويلًا فاسدًا لتأييد دعواهم ويحملون النصوص على حقيقتها دون مراعاة للمعنى المجازي لها.

8 - ولقد أبطل الله عَزَّ وَجَلَّ ما ذهب إليه النصارى من التثليث، وبين كفر هؤلاء الذين يجعلون الآلهة ثلاثة بدلًا من أن ينزهوه عن الشريك والولد، فقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (2)


(1) لمزيد من التفصيل يراجع: إظهار الحق: 1/ 335 - 336، والجواب الفسيح: 1/ 192 - 195.
(2) سورة المائدة، الآية: (73).

  • الثلاثاء PM 05:34
    2022-05-17
  • 1562
Powered by: GateGold