المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409111
يتصفح الموقع حاليا : 365

البحث

البحث

عرض المادة

نقد السلوك العدواني فى العهد القديم

فى جولة نقدية تتسم بالموضوعية الفائقة قام بها د/ على خليل فى داخل نصوص العهد القديم واضعًا يده على المواطن التي تشعر بوجود الروح العدوانية فى السلوك والأفكار موجهًا سهام نقده إلى تلك المخالفات التي تزاحم بعضها بعضًا فى نصوص العهد القديم والتي كانت ولا تزال سببًا مباشرًا وراء الممارسات العدوانية والعنف والإرهاب الذي يمارسه اليهود في الماضي والحاضر خاصة على أرض فلسطين فيقول فى كتابه "التعاليم الدينية":

(إن ما قام به أسلاف اليهود من أعمال عدوانية تعتبر بطولات وأمجادًا- في زعمهم- وعلى كل يهودي أن يلتزم بسلوكية هؤلاء الأسلاف، وأن يكوِّن من هذه السلوكية شخصيته المتميزة والمترفعة والمشبعة بالتوجس والعدوان؛ ولهذا فإن نظام التعليم اليهودي يُركز على تعريف الطفل فى سن الرابعة على هويته وأسلافه ويُدرب على الاحتراز من الأغيار وعدم مخالطتهم وزرع فكرة القداسة والاختيار فى عقله الباطن) (1).

وكان من نتائج جولته النقدية أنه قدم للقارئ رؤية نقدية جديدة تلك التي يربط فيها بين النص والواقع ويبين من خلال رؤيته هذه كيف تسير السياسة اليهودية فى العصر الحاضر وأنهم يستلهمون الماضي ويستحضرون أفعال أجدادهم ويقتدون بها رغم مخالفتها للعقل والمنطق، وسار مع الأسفار سِفرًا سِفرًا يذكر منها ما يؤكد ذلك "السلوك اللا أخلاقي" (2) المشبع بالعدوان الذي يصف اليهود بالوحشية والقسوة تجاه الآخرين ويؤكد أن الروح العدوانية واضحة تمامًا في السلوك والأفكار (3).

وقد تتبع د/ على خليل أسفار العهد القديم مبينًا ما فيها من سلوك عدواني مشين أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:


(1) التعاليم الدينية اليهودية ص 8 مرجع سابق.
(2) السلوك: سيرة الانسان ومذهبه واتجاهه يُقال: فلان حسن السلوك، أو سىء السلوك، وفي علم النفس: الاستجابة الكلية التى يبديها كائن حى إزاء أي موقف يواجهه. انظر: المعجم الوسيط (1/ 445). الأخلاقي: هو ما يتنفق وقواعد الأخلاق أو قواعد السلوك المقررة في المجتمع وعكسه لا أخلاقي، وعلم الأخلاق: علم موضوعه أحكام قيميه تتعلق بالأعمال الي توصف بالحسن أو القبيح المعجم الوسيط (1/ 252).
(3) راجع: التعاليم الدينية اليهودية: ص 8.

[السلوك العدواني في سفر التكوين]

فيقول د/ على خليل:

(إن سفر التكوين عبارة عن معمعة من أعمال العنف والغدر والقتل والرذيلة أراد منها الأحبار اليهود أن تكون منهجًا وسنة يقتضي اتباعها في كل زمان وأوان حيث إرادة الإله يهوه- كما يزعمون-) (1).

واستدل بما يدلّ على ذلك من سفر التكوين"من اعتداء أبناء يعقوب بن إسحاق "إسرائيل" على سكان منطقة شكيم التي كانوا يسكنون فيها ويلقون كل الاحترام والمحبة منهم ... فقد أحب "شكيم" بن حمور زعيم المنطقة ابنة يعقوب وأرادها زوجة له وقد طلبها من والدها وإخوتها لكن أولاد يعقوب غدروا بشكيم ووالده وبسكان المنطقة جميعهم بعد أن احتالوا عليهم وتمكنوا منهم وقتلوهم، ثم هربوا من المنطقة بعد أن نهبوا البيوت جميعها وسبوا النساء والأطفال" (2).

ففى هذا النص انحراف ظاهر من أولاد يعقوب وتنكب عن الطريق الصحيح وابتعاد عن الأخلاق الفاضلة فكيف يكون جزاء من أراد الزواج من ابنتهم القتل هو وعشيرته بل وسكان المنطقة جميعًا.

[السلوك العدواني في سفر الخروج]

(إن سفر الخروج يصور موسى بأنّه كان قاسيًا متشددًا إلى الدرجة التي لم يكن ليتوانى عن تنفيذ أية عقوبة حتى على شعبه المميز المختار من الإله يهوه فقد كانت نزعته العدوانية متفوقة على النزعة الإنسانية، والأصح فإن كاتب السفر محى تمامًا كل ما يتعلق بالإنسانية لهذا كان موسى ينظم جماعته تنظيمًا خاصًا على أنهم الشعب المقدس المختار صاحب الإله الخاص الذي لا يريد لهذا الشعب أن يختلط بالأمم الأخرى لأنه الأظهر والأنقى والأخص وكان يغذي فيهم ... الحقد تجاه الشعوب والأمم الأخرى. ففى سفر الخروج: "أرسل هيبتي أمامك وأزعج جميع الشعوب الذين تأتي عليهم وأعطيك جميع أعدائك مدبرين وأرسل أمامك الزنابير فتطرد الحويين والكنعانيين والحثيين من أمامك" (3)) (4).

فالقسوة والشدة التي ألصقها كاتب سفر الخروج بموسى جعلت منه قائدًا يدرب بني إسرائيل على الوحشية والعدوانية تجاه الشعوب الأخرى. فالمقصود هنا موسى التوراتي وليس هو سيدنا موسى النبي -عليه السلام-.


(1) التعاليم اليهودية ص 8.
(2) تكوين: (34/ 25 - 31) دينة وشكيم حمور، وقد سبق ذكر النص في ص 247.
(3) الإصحاح: (23/ 27 - 28) فرائض السبت والأعياد السنوية الثلاث.
(4) التعاليم الدينية، ص 9.

[السلوك العدواني في سفر العدد]

فخلال الفترة التي أمضاها موسى التورايى في الصحراء يدرب جماعته تدريبًا يتناسب وأفكاره العدوانية العنصرية كان دومًا يشى إلى ضرورة الانعزال وإبادة الآخرين من الأمم الأخرى والتمسك. بمبادىء يهوه الناطقة باسمه، وقد نجح موسى في زرع النزعات العدوانية في نفوس جماعته واستدل د/ على خليل بما ورد في سفر العدد والذي يروى عن غزو مديان والمجزرة التي ارتكبها أتباع موسى في هذه المنطقة والتي يعتبرها كاتب السفر بطولات وواجب ديني وتنفيذًا لأوامر الإله يهوه (1): والشاهد من قصة غزو مديان ما يلي: "وكلم الرب موسى قائلًا انتقم نقمة لبني إسرائيل من المديانيين (2) ثم تضم إلى قومك: فكلم موسى الشعب قائلًا جردوا منكم رجالًا للجند فيكونوا على مديان ليجعلوا نقمة الرب على مديان" (3).

"فتجندوا على مديان كما أمر الرب وقتلوا كل ذكر وملوك مديان قتلوهم فوق قتلاهم وسبي بنو إسرائيل نساء مديان وأطفالهم ونهبوا جميع بهائمهم وجميع مواشيهم وكل أملاكهم وأحرقوا جميع مدنهم. بمساكنهم وجميع حصونهم بالنار، وأخذوا كل الغنيمة وكل النهب من الناس والبهائم ... ، فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال وكل امرأة عرفت رجلًا بمضاجعة ذكر فاقتلوهما" (4).

[والواضح من النص السابق]

ظهور النزعة العدوانية التي زرعها موسى التوراتي في نفوس أتباعه حسب زعم كاتب السفر وأنه لا وجود مطلقًا للرحمة والشفقة في قلوبهم على الأطفال والنساء، ولا مجال لوجود الروح الإنسانية فيهم إذ يرتكبون هذه المجزرة البشعة وليس ذلك فحسب بل الأسر والسرقة والحرق والتخريب مما يدل على القسوة والوحشية والعدوانية المفرطة ولذلك يقول د/ على خليل في التعليق على هذه المجازر:

لقد نسى موسى أو تناسي أنه كان نزيلًا لدي المديانيين وأن زوجته مديانيه وهي: "صفورة ابنة كاهن مديان يثرون" وأن المديانيين احتضنوه وعاش في كنفهم معززًا مكرمًا ... وهذه المجزرة كانت تأكيدًا واضحًا على سياسة الانغلاق والعنصرية والغدر والعدوان، وطريقًا سار عليه أتباعه فيما بعد ولا يزال حتى الآن المنهاج الرتيسي للحياة اليهودية (5).


(1) التعاليم الدينية اليهودية، ص 9.
(2) هم: نسل مديان القاطنون في أرض مديان، ومديان أحد أولاد إبراهيم من قطورة (تكوين 25/ 2، 4) وقال بعضهم إن أرض مديان كانت تمتد من خليج العقبة إلى موآب وطور سيناء، وكان شعبها يتاجرون مع فلسطين ولبنان ومصر، وسكن موسى مدة في مديان، والمنطقة إلى تقع شرقى خليج العقبة تسمى الآن "مديان" (قاموس الكتاب المقدس ص 850).
(3) عدد: (31/ 1 - 3) الانتقام من المديانيين
(4) عدد: (31/ 1 - 17) السابق، باختصار.
(5) التعاليم الدينية اليهودية، ص 9.

إلى جانب ما سبق ذكره فقد تتبع د/ على خليل غالبية أسفار العهد القديم مشيرًا إلى ما تحمله تلك الأسفار من الروح العدوانية واستمرارها بعد وفاة موسى فقد تسلمها يشوع من بعده ونفذها كما يريد إله بني إسرائيل ثم حمل لواءها القضاة بعد ذلك وأصبحت الأعمال العدوانية العسكرية غاية بالنسبة إليهم (1).

ثم بين ما يأمر به صموئيل النبي من الحض على العدوان والسلوك العدواني الذي نفذه شاول وجماعته بتوجيهات من صموئيل النبي أو الكاهن الذي كان يؤكد دائمًا أن الإله "يهوه" يرغب في ذلك، ثم انتقل بعد ذلك إلى بيان السلوك العدواني لأنبياء وملوك بني إسرائيل وأنهم دومًا كانوا وراء كل الأعمال العدوانية والانغلاق والتعصب والحقد تجاه الشعوب والأمم الأخرى (2).

وأما عن السلوك العدواني في بقية أسفار العهد القديم يقول: وفي الأسفار التوراتية الباقية: هوشع، صموئيل، عاموس، يونان، عوبديا، ميخا، ناحوم وحبقوق، صفنيا وحجي وزكريا وملاخى .. في هذه الأسفار نجد أيضًا الروح العدوانية التي لا تتحدث إلا عن القتل والتدمير والاستئصال والقطع والتخريب والسبي وغضب رب الجنود يهوه وتوعده الدائم بالإبادة وتهديده المستمر لشعبه الخاص إن حاول أن يتخلى عن هذه الروح العدوانية، وكل نبي من هؤلاء يشير في سفره أن يهوه سيفني الشعوب والأمم من أجل بني إسرائيل سيدمر المدن ويقتل النساء والأطفال والشيوخ وأورشليم وحدها هي الباقية ويسكب الرب روحه على كل واحد من بني إسرائيل ويحاكم جميع الأمم والشعوب بعد أن يرد سبي يهوذا وإسرائيل (3).

وقد أشار د/ بدران، د/ الهاشمي، أ/ عبد الله التل، في نقدهم للسلوك العدواني في العهد القديم- إلى مظاهر هذا السلوك المتمثل في تلك المذابح البشعة التي رصدوها من أسفار العهد القديم، واضعين هذه المظاهر في الميزان النقدي الذي اتبعوه في نقدهم للنصوص التوراتية، مبينين أنها تتنافى مع الدين الذي أساسه الرحمة، والإنسانية وتتعارض مع العقل أذكر منها على سبيل المثال ما يلي:


(1) انظر: يشوع (10، 11، 23)، قضاة (1 - 8)، انظر: التعاليم الدينية اليهودية، ص 10، 11.
(2) انظر: صموئيل الأول: (23، 27)، صموئيل الثاني: (8، 10)، انظر: التعاليم الدينية، ص 12.
(3) انظر: التوراة د/ بدران، ص 89 - 91، التربية في التوراة د/ الهاشمي، ص 125، 126، جذور البلاء: أ/ عبد الله التل، ص 26 - 37.

[القسوة والهمجية]

وضع أ/ عبد الله التل، يده على مواطن الزلل ومجانبة الصواب في التوراة وبين أبشع وسائل العنف والإرهاب التي تروج لها التوراة من خلال تلك الممارسات التي وقعت على يد موسى التوراتي بأوامر من يهوه رب الجنود، وبنظرة علمية تتسم بالموضوعية التامة رصد مواضع متعددة في التوراة تشير إلى الأوامر الوحشية الصادرة من "يهوه" إلى موسى التوراتي بالإبادة المنظمة التي تربي اليهود على القسوة والهمجية حتى على أنفسهم وتؤصل في نفوسهم روح البطش والعدوانية حتى إن الشعب المختار- في زعمهم- لم يسلم من هذه القسوة لذلك جاء في التوراة: "سبعة أيام تأكلون فطيرًا اليوم الأوّل تعزلون الخمير من بيوتكم فإن كل من أكل خميرًا من اليوم الأوّل إلى اليوم السابع تقطع تلك النفس من إسرائيل (1) " (2).

ثم أخذ جولة نقدية داخل أسفار العهد القديم رصد من خلالها ما يؤكد هذه الروح العدوانية ووجودها بكثرة في نصوص العهد القديم. والذي يؤكد القسوة والهمجية في العهد القديم ما يلي:

[قسوة اليهود في الحروب]

وفي بيان منهج التوراة في الجانب الحربي بين د/ محمَّد سيد ندا، ملامح هذا المنهج من خلال النصوص التوراتية التي تشعر بقسوة اليهود في الحروب وفي تعاملاتهم مع غيرهم، ومن أبرز هذه الملامح اتباعهم سياسة معينة مع المدن القريبة وسياسة أخري مختلفة تمامًا مع المدن البعيدة، ولذلك:

(ترسم التوراة لليهود أو يرسم اليهود لأنفسهم في التوراة شرعة من شراثع الحرب وهي أنهم إذا خرجوا للحرب واقتربوا من إحدى المدن فإن أهل تلك المدينة إما أن يقفوا مشمرين عن ساعد الجد استعدادًا للحرب وإما أن يصيبهم الفزع ويفروا من أمام بني إسرائيل فإن فروا من وجوههم فعلى اليهود ألا يكتفوا بهزيمتهم وفرارهم بل يحرمونهم ويضربونهم ولا يقطعون معهم عهدًا ولا ميثاقًا ويهدمون كل ما عندهم مقدس فقد جاء في سفر التثنية ما نصّه: "من أتي بك الرب إلهك إلى الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها وطرد شعوبًا كثيرة من أمامك ... فإنك تُحَرِّمُهم، لا تقطع لهم عهدًا ولا تشفق عليهم، ولا تصاهرهم ... (3)) " (4).


(1) خروج: (12/ 15، 19) الفصح.
(2) انظر: جذور البلاء أ/ عبد الله التل، ص 26 - 37.
(3) تثنية: (7/ 1 - 6) طرد الأمم. مع الحذف.
(4) جنايات بني إسرائيل، ص 259.

(وتأمل كلمة "لتمتلكها" في الفقرة الأولي لتعلم أن شريعة الحرب عندهم ليست غاية سامية كالدفاع عن الدين أو الأوطان أو المحرمات أو تأمين الحدود ونحو ذلك من الغايات المشروعة ولكن غايتها التملك والاستعمار والاستعباد) (1).

ويستكمل د/ ندا، تلك النظرة الاستعمارية التي يتبناها اليهود بناء على ما يحتويه النص المقدس- في زعمهم- ليبين أن اليهود إذا دخلوا أي حرب فليس أمامهم إلا الاستعمار أو الخراب والدمار فيقول:

(وإذا لم تفر هذه الشعوب من وجه اليهود واستعدوا للحرب ضد الإسرائيليين فعلي اليهود أن يدعوهم إلى الصلح فإما أن يستجيبوا وإما أن يرفضوا فإن استجابوا للصلح فقد كتبوا على أنفسهم ذل الدهر ومسكنة الحياة إذ يقدمون بذلك رقابهم وكل ما تمتلكه أيديهم ليكون مسخرًا مستعبدًا لليهود وإذا لم يستجيبوا لدعوة الصلح فقد كتبوا على أنفسهم القتل والخراب والدمار الشامل، أمران أحلاهما مر .. استمع إلى سفر التثنية يقص عليك شريعة الرعب والأهوال فيقول: "حين تقرب من مدينةٍ لكي تحاربها استدعها إلى الصلح، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك بالتسخير ويستعبد لك وإن لم تسالمك بل عملت معك حربًا فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك، هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدًا التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا، وأما مدن هؤلاء الشعوب التى يعطيك الرب إلهك نصيبًا فلا تستبق منها نسمة ما بل تحرمها تحريمًا ... " (2)) (3).

ويعلل الأستاذ عبد الله التل في كتابه جذور البلاء هذه القسوة والهمجية من يهوه رب الجنود ورجل الحرب إله إسرائيل القاسى الظالم المتوحش كما تصوره توراة اليهود بأنّه يرسم الخطط لنصب المجازر والإبادة ليضمن لشعبه الحبيب أرضًا بلا سكان ووطنًا قوميًا بلا منازعين ومشاغبين من السكان الأصليين (4).


(1) جنايات بني إسرائيل، ص 259.
(2) الإصحاح: (20/ 10 - 18) الخروج للحرب.
(3) جنايات بني إسرائيل ص 259 - 260.
(4) جذور البلاء- عبد الله التل، ص 27.

[الإبادة الشاملة لأعدائهم]

ومما يزيد الأمر وضوحًا فقد أشار د/ عابد الهاشمى، إلى نصوص في العهد القديم تحمل أوامر مفتراة على الرب تأمر اليهود بالإبادة الشاملة لأعدائهم. بمختلف الوسائل الوحشية فيقول:

(إن حروبهم كما تصفها توراتهم- إبادات شاملة- وما أكثر ما تتردد هذه العبارة في وصف حروبهم "أبادوهم، ولم يبقوا منهم شاردًا ولا منفلتًا" ويزعم اليهود أن هذه المجازر الرهيبة هى بأمر من إلههم، كما تفتري عليه التوراة "أبادوهم لم يبقوا نسمة كما أمر الرب موسى عبده هكذا أمر موسى يشوع وهكذا فعل يشوع، لم يهمل شيئًا من كل ما أمر به الرب موسى (1) "وإن من وصايا الرب المفتراة عليه، أن الرحمة لا تنزل عليهم إلا من خلال كثرة القتل والذبح والحرق لأعدائهم" (2) "فضربًا تضرب سكان تلك المدينة- أريحا- بحد السيف، ... وتحرق المدينة بالنار، ... ، فتكون رحمة ترحمك ويكثرك كما حلف لآبائك" (3).

وذكر د/ عابد، أيضًا أن الرب أمر موسى - عليه السلام- في سفر العدد أن يصلب جميع رؤساء الأعداء الأسرى ويقتل منهم الألوف ليصالح هذه المجازر البشعة ربه" وقال الله لموسى: انطلق برؤساء الشعب كلهم وصلّبهم قدام الله تلقاء الشمس فترتد شدّة غصبي عن إسرائيل" (4). "وكان من مات من أعدائهم 24000 مصالحة لربهم" (5).

وقال د/ عابد أيضًا: ومن الوصايا المفتراة على الرب ألا يستبقي نسمة واحدة من الشعوب التى يحاربها حين يقتحم مدنها" ... وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا فلا تستبق منها نسمة بل تحرمها تحريمًا، كما أمر الرب إلهك" (6).

وكان موسى يسأل القواد الذين يرجعون إليه من تلك المجازر الرهيبة: "هل أبقيتم أنثى حية" (7). وذكر نصوصًا تحض على إبادة عشرات المدن واضربوها بحد السيف مع ملكها وكل مدنها وكل نفس بها، لم يبق شاردًا فحرمَّها وكل نفس بها، ... وإحراقها بالنار" (8).


(1) يشوع: (11/ 5 - 17).
(2) انظر: التربية في التوراة د/ عابد الهاشمى ص 125 مؤسسة الرسالة الطبعة 14201 هـ 2000 م.
(3) تثنية: (13/ 15 - 18) العبد لآلهة أحرى مع الحذف.
(4) عدد: (25/ 4) موآب يعثر إسرائيل وانظر: التربية في التوراة ص 125.
(5) عدد: (25/ 9، 10) السابق.
(6) تثنية: (20/ 16 - 17) الخروج للحرب.
(7) عدد (31/ 15) الانتقام من المديانيين.
(8) يشوع: (10/ 37 - 38) غزو المدن الجنوبية.

"بالسيف يسقطون، تحطم أطفالهم، والحوامل تشق" وما أكثر ما يتردد الأمر بشق بطون الحوامل" (1). وغير ذلك من نصوص.

وفي تقويمه لهذه النصوص يقول د/ عابد: إن ما نسبته التوراة للخالق من أوامر في إزهاق الأرواح وإفناء المخالفين ... ذلك مجرد افتراء تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا .. وذلك كله من فكر من صاغوا التوراة وحرَّفوها ... فهم لدمويتهم لم يرحموا حتى الحوامل، فدعوا إلى بقر بطونهن (2).

ويقول: إن ما جاء بالتوراة من الأمر بسفك دماء الأعداء يوضح الأسباب الخلقية الظاهرة التي يستند إليها اليهود حاليًا في شدة عدائهم للمسلمين خاصة في فلسطين، فقد قتلوا عشرات الآلاف منهم، ودمروا المنازل حتى بعد استشهاد الشهداء وحطموا كثيرًا من مقومات الأرض المحتلة صلفًا وعدوانًا وبغيًا، بل إن هذه الخلفية الحاقدة هي التي كانت وراء بطشهم بالأبرياء في دير ياسين وصبرا وشاتيلا .. ومجزرة الحرم الابراهيمي، وما يزال اليهود يوالون غاراتهم الوحشية على جنوب لبنان على مدي عشرين عامًا (3).

ويذكر د/ محمَّد سيد ندا في كتابه أن: سفك الدماء وإشاعة العداوة والبغضاء بين الخلائق من جنايات بني إسرائيل التي تدل على البشاعة والعدوانية في أخلاقهم وينتقد هذه السلوكيات الخاطئة قائلًا:

(لقد تشبعت الأرض بدماء الأبرياء التي سفكوها ظلمًا وعدوانًا في سبيل مصالحهم ومآربهم الذاتية وفي كتابهم المقدس ما يسجل عليهم جريمة بشعة لا تصدر إلا ممن خلت قلوبهم من معالم الرحمة والشفقة لبني الإنسان خصص لهذه الجريمة سفرًا خاصًا من أسفارهم المزيفة يسمي سفر "أستير" يقع في عشرة إصحاحات فصولًا تحكي أدوار هذه الجريمة البشعة وما أستير هذه إلا امرأة منحها الله من الجمال قسطًا وافرًا مكن اليهود من استغلاله لقتل الآلاف المؤلفة من البشر الأبرياء) (4).


(1) التربية في التوراة: ص 125، 126.
(2) المرجع السابق: ص 126 بتصرف يسير.
(3) المرجع السابق: ص 129 بتصرف يسير.
(4) جنايات بني إسرائيل على الدين والمجتمع: د/ محمَّد سيد ندا، ص 252، انظر: القصة في سفر أستير.

ويفند د/ عبد الغني عبود، هذه القصة مشيرًا إلى أن المسألة الأخلاقية التي استغلت في قصة أستير لتحقيق هدف يهودي ليست هي المسألة الحيوية هنا وإنما الدم غير اليهودي الذي سأل في القصة هو الذي دفع بأستير لتحتل هذه المكانة الدينية عند اليهود بالاضافة إلى الضياع اليهودي الذي تحول على يديها إلى مكان وإمكان (1).

(فكل ما يؤدي إلى رفع شأن اليهود وإذلال خصومهم أو القضاء عليهم هو مثل أعلى أخلاقى من وجهة نظر اليهود حتى ولو كان ذلك كذبًا أو إفسادًا أو تدميرًا وقتلًا فالفساد في الأرض عند غير اليهود هو المثل الأعلى الأخلاقى عند اليهود، بل إن- هذه الأخلاق اليهودية تقترب من كمالها كلما زادت من العنف والتدمير والقسوة قربًا حتى إن الدم المراق يحتل في الفكر الديني اليهودي منزلة خاصة) (2).


(1) انظر: اليهود واليهودية والإِسلام، د/ عبد الغني عبود، ص 78 بتصرف.
(2) المرجع السابق نفس الصفحة.

  • الثلاثاء PM 05:10
    2022-05-17
  • 1397
Powered by: GateGold