المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413156
يتصفح الموقع حاليا : 285

البحث

البحث

عرض المادة

نقد التشريعات الخاصة بغير اليهود

اجتهد علماء المسلمين- فترة البحث- في نقد التشريعات التي تتعلق بغير اليهود والتي يسميها البعض منهم شريعة الأغيار في العهد القديم، وأكد العلماء بنظرتهم النقدية للنصوص التوراتية- أكدوا تمكن النزعة العنصرية في الشريعة اليهودية- وهي من الثوابت التى يرتكز عليها الفكر اليهودي في الماضي والحاضر، واعتقاد بني إسرائيل بأنهم شعب الله المختار، جعلهم يتصورون أنهم فوق البشر، وأن جميع البشر خُلقوا لخدمتهم فهم السادة وغيرهم عبيد عندهم ولكن يتضاءل هذا التصور ويتلاشى عندما يتبين أن الخلفية الدينية التي تكمن وراءه مستمدة من نصوص محرفة، وأن هذه الخلفية خلفية مزيفة لا أصل لها ولا يخفي أبدًا أن السر وراء ذلك كله هو الحقد والحسد الذي يحمله هؤلاء- بني إسرائيل- لغيرهم.

وفي هذا الموضوع يربط علماء المسلمين بين النص والواقع الذي يعيشه اليهود في العالم وعلى وجه الخصوص في فلسطين. وبقراءتهم لهذا الواقع جيدًا وتتبعهم لتلك النزعة العنصرية في أسفار العهد القديم وأنه لا يخلو سفر من الأسفار إلا وقد تشبع بالعنصرية المفرطة، كل ذلك مكنهم من دحض الفرية المزعومة وهي أنهم شعب الله المختار.

ولذلك أصاب د/ على عبد الواحد وافي، عندما رصد أنهم مظاهر الانحراف في الشريعة اليهودية فقال: (إنها تقوم على التفرقة العنصرية، وذلك أنها تجعل اليهود شعب الله المختار الذي اصطفاه وفضله على العالمين وتنظر إلى ما عداه من الشعوب نظرتها إلى شعوب وضيعة في سلم الإنسانية، وتضع قوانينها ونظمها على هذا الأساس، فتفرق بين هؤلاء وأولئك أمام القانون وفي كثير من شئون الاجتماع) (1)، واستدل على ما قاله بالأمثلة التالية والتي أيده فيها كثير من العلماء من هذه الأمثلة ما يلي:

1 - غزو الشعوب والاستيلاء عليها واستعبادها.

2 - استرقاق الغير إلى الأبد وخاصة شعب كنعان.

3 - إباحة التعاملات الربوية مع غير الإسرائيلي.

4 - الرفع من شأن اليهودي والحط من شأن غيره.

5 - الطرد والإبادة لمن لا يطيعهم.

6 - سيطرة النزعة العنصرية على أسفار العهد القديم.


(1) اليهودية واليهود: د/ على عبد الواحد وافي، ص 53، ط، دار نهضة مصر للطبع والنشر، بدون.

أولًا: غزو الشعوب والاستيلاء عليها واستعبادها:

ينتقد د/ وافى، هذه الفكرة- الغزو والاستيلاء دون وجه حق- فيقول:

(إن الإسرائيليين محرم عليهم في هذه الشريعة أن يقتل بعضهم بعضًا، أو أن يخرج بعضهم بعضًا من ديارهم، على حين أنه مباح للإسرائيليين بل واجب عليهم غزو الشعوب الأخرى وخاصة شعب كنعان- فلسطين- وواجب عليهم بعد انتصارهم على بلد ما أن يضربوا رقاب جميع رجالها البالغين بحد السيف فلا يبقوا على أحد منهم ويسترقوا جميع نسائها وأطفالها ويستولوا على جميع ما فيها من مال وعقار ومتاع أو ينهبوه حمسب تعبير أسفارهم) (1).

ويؤكد هذه النظرة د/ الهاشمي في نقده لتلك النصوص التي تحض على التميز والعنصرية فيقول: (يعتقد اليهود- استنادًا إلى دعوى التفوق والأفضلية- أنهم يملكون الحق في التسلط على غير اليهود، قهرًا لهم واسترقاقًا والنصوص التوراتية التي تؤكد على ذلك كثيرة منها: ما جاء في سفر أشعياء: "وبنو الغريب يبنون أسوارك وملوكهم يخدمونك" (2). ومن يرفض الخضوع لهم فجزاؤه القتل والدمار: "لأنّ الأمهَ والمملكة التي لا تخدمك تُبيد، وخرابًا تخرب الأمم" (3) ويستبيح اليهود استرقاق غيرهم في غير ظروف الحرب: "حين تقرب من مدينة لكي تحاربها، استدعها إلى الصلح، فإن أجابتك إلى الصلح، وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك" (4) إذًا فالاسترقاق يكون أصلًا لمن استسلم لهم من خصومهم فضلًا عمن قاومهم وقاتلهم) (5).

ويذكر د/ الهاشمي نصًا آخر يؤكد أنه لا تحرير لهذه العبودية التي يدعيها العهد القديم فغير اليهود عبيد تحت أيديهم إلى الأبد ولا شىء يمحو هذه العبودية. والنص يقول: "أما عبيدك وإماؤك الذين يكونون لك فمن الشعوب الذين حولكم، منهم تقتلون عبيدًا وإماءً، وأيضًا من أبناء المستوطنين النازلين عندكم فمنهم في أرضكم فيكونون ملكًا لكم، وتملكونهم لأبنائكم من بعدكم ميراث ملك تستعبدونهم إلى الدهر" (6) فلا تحرير للعبيد في شريعة اليهود (7).


(1) اليهودية واليهود: د/ وافي، ص 53، وهذا المعني في سفر التثنية: (20/ 13 - 14) الخروج للحرب.
(2) الإصحاح: (60/ 10) إشراق مجد الله.
(3) أشعياء: (60/ 12) السابق.
(4) تثنية: (10/ 20 - 12) الخروج للحرب.
(5) التربية في التوراة د/ الهاشمي، ص 148.
(6) لاويين: (25/ 44 - 47) سنة اليوبيل.
(7) التربية في التوراة: د/ الهاشمي، ص 148.

وينتقد د/ المطعني هذا النص متسائلًا في وقفته المتأنية التي تؤكد عمق نظرته النقدية لهذه القضية فيقول:

كيف يتخذ اليهودي عبيدًا وإماءً من الذكور والإنات وفتوى التوراة في هذا الموضوع تقول: إن مصدر الاستعباد الوحيد لليهود هو الشعوب المجاورة لهم أو بعبارة أوضح: كل الشعوب غير اليهود يصلحون أن يكونوا عبيدًا لليهود رجالهم وأطفالهم ونساءهم، وكذلك من نزح إلى ديار بني إسرائيل من هذه الشعوب وعاشوا بينهم على اليهود أن يتخذوا منهم ومن ذرياتهم الذين ولدوا بينهم عبيدًا وإمًاء يملكونهم مدى الحياة، ثم تنقل ملكيتهم إلى أبناء اليهود ومن بعدهم فيكونون لهم عبيدًا أبد الدهر، أما استعباد اليهودي ليهودي آخر فحرام حرام وفي هذا تقدم التوراة المقدسة هذا القرار الصارم: "وأما إخوانكم بنو إسرائيل فلا يتسلط إنسان على أخيه بعنف" (1).

ثانيًا: استرقاق الغير إلى الأبد وخاصة شعب كنعان:

يؤكد د/ وافى، هذه النزعة ويشير إلى تمكنها وتأصلها في الفكر الإسرائيلي بنًاء على نصوص توراتية فيقول:

إن الإسرائيلي إذا باع نفسه بيعًا اختياريًا لاُخيه الإسرائيلى في حالة عوزه وحاجته إلى المال فإن رقه يكون موقوتًا بأجل يرجع بعده إلى الحرية على حين أن الرق المضروب على غير الإسرائيلى يظل قائمًا أبد الآبدين؛ بل إن أسفارهم لتقرر أن شعب كنعان قد كُتب عليه في الأزل أن يكون رقيقًا لبني إسرائيل وأنه لا ينبغى لأفراد هذا الشعب وظيفة ما في الحياة غير هذه الوظيفة، وهذا الوضع الذي فُرض عليهم بسبب دعوة دعاها نوح على كنعان (2).

ثالثًا: إباحة التعاملات الربوية مع غير الإسرائيلي:

يشير د/ وافى إلى وجود الانحراف في المعاملات من قبل اليهود وأنهم يفرقون في التعامل بينهم وبين غيرهم من الأمم الأخرى فيقول:

ما كان يجوز للإسرائيلى أن يتعامل بالربا مع أخيه الإسرائيلى ولا أن يأخذ منه رهنًا بدينه، وإذا أخذ منه في الصباح رهنًا من المتاع الذي لا يستغني عنه في حياته اليومية كالرحى التي يطحن عليها قوته وجب أن يرده إليه في المساء، أما غير الإسرائيلي فمباح للإسرائيلى أن يمتصه ويتعامل معه بأشنع أنواع الربا الفاحش (3).


(1) الإِسلام في مواجهة الاستشراق، ص 225.
(2) انظر: اليهودية واليهود د/ وافي، ص 53 - 55 باختصار، وانظر: لاويين: (25/ 29)، تثنية: (15/ 12).
(3) انظر: المرجع السابق، نفس الصفحات، وانظر: تثنية: (25/ 35)، (23/ 20).

وكذلك يؤكد د/ بدران أن إباحة الربا مع غير اليهود وتحريمه فيما بينهم من أبرز القضايا التي تؤكد معني العنصرية في نصوص العهد القديم فيقول:

جاء في سفر التثنية أمر لإله إسرائيل في غاية الغرابة، أمر لا يأمر به إلا كهنة معابد الأصنام، حيث يأمر إله إسرائيل موساهم بأنّه إذا أقرض الإسرائيلي إسرائيليًا قرضًا فلا يكون بربا أما إذا كان القرض لأحد غير بني إسرائيل (الأمميين) فيكون القرض بربا حسب النص الذي يقول: "ولا تقرض أخاك بربا فضة أو ربا طعام أو ربا شىء ما مما يقرض بربا. للأجنبي تقرض بربا ولكن لأخيك لا تقرض بربا لكي يباركك الرب إلهك في كل ما تمتد إليه يدك في الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها (1).

ثم ينتقد د/ بدران بقوله:

إن شيئًا مثل هذا ينفر البشر من شريعتهم هذه ... لأنها ليست شريعة الله أبدًا، فشريعة الله لا تفرق بين عربي وأعجمى، ولا بين أحمر ولا أبيض ولا بين أبيض ولا أسود ولكن ما يفرق بينهم هو التقوى والعمل الصالح (2).

أما د/ المطعني في نقده لهذه التعاملات الربوية التي تزكى الروح العنصرية عند اليهود وتقويها فيقول:

الحلال حلال، والحرام حرام ولا عبرة بحال الشخص المعامل بهما ... بصرف النظر عن عقيدته وجنسه، ولكن التوراة تهدر تلك القيمة التشريعية من حساباتها وتبيح من حرمات الأجنبي -غير اليهودي- ما تجزم بحرمته بالنسبة لليهودي، وقد جعلت التوراة إقراض الأجنبي بربا إحدى دعامتين تستوجبان البركة من الرب الإله، والدعامة الثانية: هي أن يتلطف اليهودي مع أخيه اليهودي فيقرضه قرضًا حسنًا لا ربا فيه (3).

وعلى ذلك:

فإن ما قدمه العلماء من رؤى نقدية متنوعة حول قضية الربا في التشريع اليهودي يؤكد أن النصوص التوراتية في هذا الجانب هي الخلفية الدينية المحرفة إلى تكمن وراء تكديس الثروات في اليهودية، ووراء سيطرة اليهود على الاقتصاد العالمي في الوقت الحاضر، وأن امتلاكهم لأسباب القوة المادية مرجعيته لهذه التعاملات الربوية.


(1) التوراة: د/ بدران ص 76، وانظر: تثنية (23/ 19 - 20)، اليهودية واليهود: د/ وافي، (53 - 55).
(2) انظر: التوراة د/ بدران ص، 76 بتصرف بالحذف.
(3) انظر: الإِسلام في مواجهة الاستشراق، د/ المطعني ص 233 باختصار بالحذف.

رابعًا: الرفع من شأن اليهودي والحط من شأن غيره:

تأتي هذه القضية مكملة لغيرها من القضايا ذات النزعة العنصرية عند بني إسرائيل والتي تسيطر على أسفار العهد القديم ولذلك ذكر د/ المطعني في كتابه "الإِسلام" نصوصًا تؤكد أن العهد القديم يرفع من شأن اليهودي ويصفه بالطهر أما غير اليهودي فهو نجس لا يأكل طعامهم حتى لا ينجسه، واستدل على ذلك بما جاء في سفر اللاويين: "وكل أجنبي لا يأكل قدسًا نزيل كاهن وأجيره لا يأكلون قدسًا ... وإذا صارت ابنة كاهن لرجل أجنبي لا تأكل من رفيعة الأقداس، وأما ابنة كاهن قد صارت أرملة أو مطلقة ولم يكن لها نسل ورجعت إلى بيت أبيها كما في صباها فتأكل طعام أبيها لكن كل أجنبي لا يأكل منه" (1).

وكان للدكتور / المطعني، هنا وقفة مع هذا النص يبرز ما فيه من معانٍ مخالفة وهي رؤية تحليلية نقدية جيدة فيقول:

(المراد من الأجنبي هنا هو غير اليهودي وكذلك نزيل الكاهن وأجيره من غير اليهود، وحكم هذا الأجنبي أنه لا يأكل طعام كاهن اليهود؛ لأنّ الأجنبي نجس، وأكله من طعام الكاهن ينجس الطعام لا لشىء إلا لأنه غير يهودي وتسرى هذه النجاسة من الأجنبي إلى بنت الكاهن إذا تزوجت من الأجنبى، وهي مادامت زوجة للأجنبي لا تأكل من طعام أبيها حتى لا تنجسه، ولكن إذا مات الأجنبي زوج ابنة الكاهن أو طلقها وعادت إلى بيت أبيها فإنها تأكل من طعامه ولكن بشرط مهم وهو ألا تكون قد أنجبت من ذلك الأجنبي، أما إذا كانت قد أنجبت فإنها لا تأكل؛ لأن نجاستها قد صارت أبدية والسبب أنها تزوجت وأنجبت من أجنبي غير يهودي) (2).

ويضيف د/ الهاشمي أنه بسبب الاعتقاد السابق -وهو نجاسة غير اليهودي- فالتوراة تمنع غير اليهودي من دخول المعابد اليهودية حتى لا ينجسها فيقول:

(تأمر التوراة اليهود بعدم السماح لغير اليهود بدخول أماكن عبادتهم ذلك لأنهم بعقيدة التوراة- ينجسون دور عبادتهم والنص يقول: "ابن الغريب أغلف القلب وأغلف اللحم، لا يدخل مقدس من كل ابن غريب الذي من وسط بني إسرائيل" (3) والنص التالي يعيب على اليهود سماحهم لغير اليهود بالدخول في بيوت العبادة إذ هم نجس وقذارة: " ... يكفيكم كل رجاساتكم يا بيت إسرائيل بإدخالكم أبناء الغريب الغلف القلوب الغلف اللحم، ليكونوا في مقدسي فينجسوا بيتي" (4)) (5).


(1) الإصحاح: (22/ 10 - 13) مع الحذف.
(2) الإِسلام في مواجهة الاستشراق: د/ المطعني، ص 223، 224.
(3) حزقيال: (44/ 9) الرئيس واللاويين.
(4) حزقيال: (44/ 6، 7) السابق.
(5) التربية في التوراة د/ الهاشمى ص 148.

خامسًا: الطرد والإبادة لمن لا يطيعهم:

تأتي هذه الصورة من العنصرية لتؤكد استمرار المعاملة الفظة لغير اليهود وهذا ما رصده د/ عابد الهاشمى في كتابه مبينًا أن التوراة تبيح لليهود أن يطردوا الآخرين من ديارهم، ويسفكوا دماءهم (1) واستدل في هذا الموضع بنصين من نصوص التوراة (2).

النص الأوّل:

" فتطردون سكان الأرض من أمامكم ... تملكون الأرض وتسكنون فيها، لأني قد أعطيتكم الأرض لكي تملكوها ... وإن لم تطردوا سكان الأرض من أمامكم يكون الذين تستبقون منهم أشواكًا في أعينكم ومناخس ويضايقونكم على الأرض التي أنتم ساكنون فيها. فيكون أني أفعل بكم كما هممت أن أفعل بهم" (3).

ثم ينتقد هذا النص قائلًا:

(ويلاحظ في هذا النص التهديد الذي ادعوا وروده من الرب لهم، إن قصروا في النيل من أعدائهم، وفي هذا كله تمكين مقيت للعنصرية اليهودية المستعلية على سائر الخلق) (4).

[النص الثاني]

تظهر فيه البشاعة بأوضح صورها في موقفهم ضد غيرهم، فقد جاء في سفر صموئيل الأول: "قال صموئيل لشاؤول: فالآن اذهب واضرب عماليق- وهم عرب- وحرموا كل ماله ولا تعف عنهم، بل اقتل رجلًا وامرأة، وطفلًا ورضيعًا، بقرًا وغنمًا وجملًا وحمارًا" (5).

وبذلك يتضح أن جزاء الشعوب الأخرى إن عصت بني إسرائيل أن تطرد من الأرض ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل يصل إلى الإبادة من الأرض .. يالها من قسوة ووحشية تدل على العنصرية ضد الآخرين بل تصل لدرجة العدوانية البغيضة تجاه شعوب الأرض.


(1) سوف تتضح هذد الروح العدوانية في الفصل القادم تحت نقد السلوك العدواني.
(2) التربية في التوراة: ص 148 بتصرف يسير.
(3) عدد: (33/ 52) مراحل مسيرة شعب إسرائيل.
(4) التربية في التوراة: ص 149.
(5) الإصحاح: (15/ 3 - 4) الرب يرفض شاؤول ملكًا.

سادسًا: سيطرة النزعة العنصرية على أسفار العهد القديم:

يقدم د/ على خليل، في كتابه رؤية عصرية ذات أسلوب متميز حول المفهوم التوراتي لفلسطين المحتلة في الفكر اليهودي، ومن خلال القراءة المتأتية لكتابه تتضح رؤيته النقدية التي انتهى إليها من خلال نظرة العهد القديم إلى الشعوب الأخرى، وأهم ما يميز نقده لهذه النزعة العنصرية ما يلي:

1 - أنه يربط بين النص التوراتي والواقع اليهودي المعاصر، فاليهود يستلهمون التاريخ وينطلقون في تحركاتهم على أساس ديني، وأنه لا يوجد فاصل بين ما يحمله العهد القديم من نصوص وبين الواقع الذي يعيشه اليهود في الماضي والحاضر مبينًا أن ما يحدث في الواقع الحالي ما هو إلا واجهة أمامية لخلفية دينية مزيفة، وأن التصرفات اليهودية في القديم والحديث ما هي إلا تطبيق حرفي لمبادىء الفكر العنصري العدواني الذي يستمد أساسياته من نصوص محرفة، والذي يبني انطلاقاته جميعها على تلك القواعد التي أرساها ملوك بني إسرائيل وأنبياؤهم حسب الزعم التوراتي المحرف، وبين أيضًا، كيف نجس اليهود في توظيف هذه النصوص لخدمة أغراضهم وميولهم النفسية التي تفضل الانعزال والتقوقع وكراهية الآخرين.

2 - الموضوعية التامة: حيث جمع كل ما يتعلق بالنزعة العنصرية من معظم الأسفار في حيدة تامة، وبين سيطرتها على أسفار العهد القديم، وقد استخرج من النصوص ما يدلّ على العنصرية صراحة أو ضمنيًا، مبينًا كيف اتخذ اليهود هذه النصوص أصلًا ثابتًا ينبني عليه التميز العنصري في الفكر اليهودي، فيقول:

لقد ساهمت النزعة العنصرية في انغلاق اليهود وتعصبهم وتوجسهم من الأغيار واعتقادهم بأنهم الزرع المقدس والشعب المختار، فالعنصرية في جوهرها نزعة عدوانية، ولا يمكن أن تكون إلا كذلك نظرًا لأنها تبني على التمييز والتميز والاختيار والتفوق والفراده، واليهودية تنص على أن اليهود يشكلون عنصرًا مميزًا على سائر العناصر البشرية، وشعبًا متميزًا على كافة الشعوب بخصائصه وفرادته، والتعاليم الدينية اليهودية تركز بقوة على العنصرية عبر تأكيدها على الاختيار والقداسة والتفوق وعدم الاختلاط بالشعوب والأمم، والكيان الصهيوني اليوم يربط كيانه السياسي بالدين ويجعل من الدين أساسًا لوجوده، وحجة في اغتصاب الأرض وامتلاكها (1).


(1) انظر: التعاليم الدينية اليهودية د/ على خليل ص 18.

وقد تتبع د/ على خليل، أسفار العهد القديم مُركزًا على النصوص التي تشير إلى العنصرية؛ بل وتدعوا إليها أذكر منها على سبيل المثال ما يلي:

[1 - عنصرية إبراهيم -عليه السلام-حسب الزعم التوراتي]

كان إبراهيم الخليل -عليه السلام- يتنقل في أرض كنعان بحرية وأمان، وحكام المنطقة يقدمون له كل التسهيلات الكفيلة بتأمين الإقامة والاطمئنان والكلأ وحرية العمل والحركة والاحترام فنقرأ في سفر التكوين: "فأتوا إلى أرض كنعان واجتاز ابرام في الأرض إلى مكان شكيم إلى بلوطة مور وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض وظهر الرب لابرام وقال لنسلك أعطي هذه الأرض فبني هناك مذبحًا للرب الذي ظهر له ... ثم ارتحل ابرام ارتحالًا متواليًا نحو الجنوب" (1).

كان إبراهيم -عليه السلام- يتصرف بحرية وأمان ولم يتعرض له الكنعانيون ولم يهدموا المذبح الذي بناه ... وتركوا له حرية العقيدة والعبادة وصادقوه واحتضنوه بين ظهرانيهم واحترموه فتقول التوراة: "ثم انتقل إبراهيم إلى بلوطات ممرا التي في حبرون وأقام هناك وبني مذبحًا للرب وسكن بأمان وطمأنينة تحت راية ممرا الأمورى وأخويه أشكول وعائر وكانوا أصحاب عهد مع إبراهيم" (2).

على الرغم من هذا التسامح والترحيب والانفتاح الذي أبداه الكنعانيون لبني إسرائيل فقد نظر الإسرائيليون إليهم نظرة تعصب وعنصرية وعدوانية لأنّ إلههم الخاص صور لهم الكنعانييين أعداءً وكفرة ولذا ينبغي الانعزال عنهم وإذا أمكن إبادتهم واحتلال مناطقهم، فالمصاهرة أمر مرفوض البتة فلا يجوز في عقيدتهم أن يتدنس الزرع المقدس برجاسات الأمم. فرغم كل ما لاقاه إبراهيم من تكريم ومودة واحترام في كنعان من سكانها وبمختلف مناطقها التي سكن فيها فإنه لم يكن ليتخلى عن نزعته العنصرية كما نستشف من النص التوراتي وكأن كاتب النص يرغب أن يصور إبراهيم متعصبًا عنصريًا انعزاليًا مترفعًا (3).

إن إبراهيم رفض أن يتزوج ابنه إسحاق من بنات كنعان، وأصر أن يأخذ بنتًا من عشيرته حصرًا فنقرأ: "وشاخ إبراهيم وتقدم في الأيام وبارك الرب إبراهيم في كل شيء وقال إبراهيم لعبده كبير بيته المستولي على كل ما كان له. ضع يدك تحت فخذي فأستحلفك بالرب إله السماء وإله الأرض أن لا تأخذ زوجة لابني من بنات الكنعانيين الذين أنا ساكن بينهم؛ بل إلى أرضى وإلى عشيرتي تذهب وتأخذ زوجة لأبني إسحاق" (4).


(1) تكوين: (12/ 5 - 9) دعوة إبراهيم.
(2) تكوين: (14/ 13) إبراهيم ينتقد لوطًا.
(3) التعاليم الدينية اليهودية ص 18.
(4) تكوين: (24/ 1 - 4) إسحاق ورفقة، انظر: التعاليم الدينية، ص 18.

[2. عنصرية إسحاق -عليه السلام- حسب الزعم التوراتي]

يقول د/ على خليل: لقد ورث إسحاق -عليه السلام- عن أبيه إبراهيم -عليه السلام- هذه النزعة العنصرية حيث يكتب محرر النص التوراتي: "أن إسحاق أمر ابنه يعقوب أن لا يأخذ زوجة من بنات كنعان أيضًا فنقرأ: "فدعا إسحاق يعقوب وباركه وأوصاه وقال له: لا تأخذ زوجة من بنات كنعان. قم واذهب إلى فدّان آرام" (1) إلى "بيت بتوئيل" أبي أمك وخذ لنفسك زوجة من هناك من بنات لابان (2) أخي أمك" (3). التزم يعقوب بالأمر خاصة وأن أمه "رفقة" كانت قد هددت أن تقتل نفسها إن تزوج من بنات كنعان حيث نقرأ: "وقالت رفقة لإسحاق مللت حياتى من أجل بنات حِثَّ. إن كان يعقوب يأخذ زوجة من بنات حث مثل هؤلاء من بنات الأرض فلماذا لي حياة" (4).

[3. عنصرية أبناء يعقوب -عليه السلام- حسب الزعم التوراتي]

لقد دفعت العنصرية أبناء يعقوب لارتكاب جريمة بشعة بحق سكان منطقة شكيم الذين احتضنوهم في أرضهم وأكرموهم ورحبوا حتى بالاختلاط معهم وكان سبب هذه الجريمهَ البشعة أن "شكيم" ابن حاكم المنطقة "حمور" أراد أن يتزوج من "دينة" ابنة يعقوب التي أحبها وأحبته وقد طلبها له والده رسميًا ووافق على كافة شروطهم ومنها ختان جميع المذكور في منطقة شكيم. ولم يكن ليدرى حمور ولا ابنه شرط الختان كان خدعه وحيلة خطط لها أبناء يعقوب ليرتكبوا جريمتهم انتقامًا وتخلصًا من فكرة المصاهرة والاختلاط والتعايش السلمي.

لقد كانت رؤية حمور حاكم المنطقة الكنعاني حضارية فهو يؤمن بمجتمع تنصهر فيه الفوارق العنصرية والمساواة بين يختلف أفراد البيئة الواحدة أو بين شتي الشعوب المتجاورة حيث المحبة والتعاون والإنسانية فتقرأ خطابه ليعقوب وأبناؤه: "ابني قد تعلقت نفسه بابنتكم أعطوه إياها زوجة وصاهرونا، تعطونا بناتكم وتأخذون لكم من بناتنا وتسكنون معنا وتكون الأرض قدامكم اسكنوا واتجروا فيها وتملكوا بها ثم قال شكيم لأبيها ولإخوتها دعوني أجد نعمة في أعينكم فالذي تقولون لي أعطي (5) وبعد أن تزوجها ذهب إخوتها وقتلوه وقتلوا أهله معه.


(1) هو: سهل آرام، وهو موقع يوجد على ما يظهر في آرام النهرين (تكوين 24/ 10، 25/ 20، 28/ 5)، (قاموس الكتاب المقدس، ص 672.
(2) هو: ابن بتوئيل وحفيد ناحور أخي إبراهيم وأخو رفقة، سكن حران في فدّان آرام وبقى يعقوب عند خاله لابان عشرين سنة على الأقل خدمه مدة سبع منها أولًا لقاء الحصول على ابنته راحيل ولما خدعه خاله وأعطاد ليئة عوضًا عنها خدمه سبع سنين أخرى للحصول على راحيل (قاموس الكتاب المقدس ص 804).
(3) تكوين: (28/ 1 - 2) بدون.
(4) تكوين: (27/ 46) إسحاق يبارك يعقوب.
(5) تكوين: (34/ 8 - 11) وبقية القصة في تكوين: (34/ 22 - 29) وانظر: التعاليم الدينية اليهودية، ص 18.

وينتقد د/ بدران هذه القصة بقوله:

(فعلوا كل هذا لأنّ رجلًا زنى بأختهم ... ولكن لماذا فعلوا كل هذا بعد أن تزوجها الرجل بإرادتهم؟ بل نفذ كل ما طلبوه منه وبالرغم من ذلك قتلوه وقتلوا أهله معه، وإن كان الرجل زنى بأختهم وقتلوه فما ذنب أهله؟ وما هي الجريرة التي ارتكبها الأطفال الصغار والنساء حتى يسبوا) (1).

حقًا إنها العنصرية المتعصبة من أولاد يعقوب (شمعون ولاوي).

ويناقش د/ سعد الدين صالح هذه النزعة العنصرية مبينًا فسادها ومخالفتها للعقل والنقل ودلالاتها على التحريف في العهد القديم فيقول:

يكفي في دحض هذه النزعة أن توجد في كتاب محرف هو التوراة فمجرد وجودها في التوراة دليل على بطلانها؛ بل إن هذه العقيدة الباطلة هي من أقوى الأدلة على تحريف التوراة ودسها بالمشاعر التي كان يشعر بها اليهود أثناء التشرد والاضطهاد الذي حل بهم، ذلك أن الله سبحانه وتعالى ليس قريبًا لأحد ولا يحابي أحدًا على حساب أحد فالكل أمامه سواء ولكن اليهود يحاولون هذه الادعاءات الباطلة الطعن في عدالة الله حيث يميز جنسًا على جنس وليته الجنس المطيع لله الملتزم بأوامره، بل الجنس المعاند المكابر المكذب للرسل، فلا يمكن قبول هذه الدعوى لا عقلًا ولا نقلًا؛ لأنّ الله لا يفضل أحدًا على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (2)) (3).

[وخلاصة هذا المبحث]

ظهر من خلال العرض التقويمي السابق بالتشريعات الخاصة بغير اليهود أنه تتعدد مظاهر الانحراف في الشريعة اليهودية منها ما يلي:

1. تقوم الشريعة اليهودية على التفرقة العنصرية بينهم وبين باقى البشر، فتفرق بين اليهودي وغير اليهودي في التعامل، وتعتبر اليهود فوق جميع البشر؛ لأنهم شعب الله المختار- كما يزعمون- ومن ثم ينظرون لغيرهم نظرة ازدراء واحتقار.

2. أباحت الشريعة اليهودية لليهود استغلال غيرهم ونهب ثرواتهم، واسترقاقهم إلى الأبد؛ لأنهم وحدهم الأسياد كما تقول توراتهم المحرفة وما سواهم عبيد وخدم.

3. عدم الزواج من غير اليهود حتى لا يتدنس الزرع المقدس-كما يدعون- مثلما حدث في قصة زواج إسحاق -عليه السلام- كما ينص العهد القديم، فقد رفض إبراهيم -عليه السلام- أن يزوج ابنه إسحاق من بنات كنعان وأصر أن يأخذ بنتًا من بنات عشيرته.

4 - تحريم دخول المعابد اليهودية لغير اليهود وذلك لأنّ التوراة المحرفة تدعي نجاسة غير اليهودي، وهذه نظرة فيها انحراف وشطط، إذ تصف اليهودي بالطهارة والنقاء، وتصف غيره بأنّه أغلف القلب واللحم نجس.

[خلاصة الجهود النقدية للعلماء]

كان للدكتور / كامل سعفان، الجهد الأكبر في نقد التشريعات في العهد القديم، فلقد خصص لها جزءًا كبيرًا من كتابه، إلا أن نقده لها جاء في لمحات سريعة، ولم يكن نقدًا موسعًا لدقائق التشريع في العهد القديم، ولم يقف مع النصوص كما ينبغي.

يليه في دراسة التشريعات د/ بدران محمَّد بدران، فقد استوعب أغلبها بصورة عامة، ولم يدخل في تفصيلات تشريعية، أما د/ المسيري، فقد استوعب ضمن موسوعته نقد بعض الأجزاء التشريعية في العهد القديم، إلا أنه يغلب على نقده التحليل السياسي للنصوص، وربط بين هذه النظرة النقدية وبين الفكر اليهودي والسياسة الصهيونية، التي تبني تحركاتها بناءً على تلك النصوص، ويعتبر د/ المسيري، من ألمع العلماء المعاصرين، وواحد من المشهود لهم في الكتابة عن اليهود واليهودية.

والملاحظة العامة على تناول العلماء للجوانب التشريعية في العهد القديم، أن نسبة قليلة من بين جموع علماء المسلمين هي التي نقضت هذا الموضوع، وذلك من خلال ما وقع تحت يدي من مؤلفات نقدية.

 


(1) التوراة: د/ بدران، ص 59، ص 60 وهناك نماذخ كثيرة ذكرها د/ على خليل في كتابه تدل على وجود النزعة العنصرية بكثرة في نصوص العهد القديم منها ما يلي:
1 - عنصرية موسى التوراتي كما في سفر الخروج (34/ 15) واللاويين (20/ 26)، (تثنية 7/ 1 - 23).
2 - عنصرية يشوع كما في يشوع: (23/ 12 - 13).
3 - عنصرية القضاة كما في قضاة: (8/ 4)، (8/ 22 - 28) وعنصرية جدعون (8/ 4) وعنصرية أبيمالك، كما في قضاة: (9/ 3 - 6).
4 - عنصرية عزرا كما في عزرا: (6/ 1 - 2، 12).
5 - عنصرية نحميا كما في نحميا: (10/ 28 - 31) انظر: التعاليم الدينية اليهودية ص 19، 20.
(2) سورة الحجرات الآيه: (13).
(3) العقيدة اليهودية: د/ سعد الدين صالح ص 353.

  • الثلاثاء PM 04:58
    2022-05-17
  • 790
Powered by: GateGold