المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412555
يتصفح الموقع حاليا : 316

البحث

البحث

عرض المادة

نقد عقيدة أرض الميعاد في العهد القديم

عقيدة أرض الميعاد من الثوابت الرئيسة في العقيدة اليهودية المحرفة، تلك الأرض التي تنتج لبنًا وعسلًا (1) كما يصفونها في بعض نصوص التوراة، وأصبح الذهاب إليها والعيش فيها حُلم يراود كل يهودي في شتي بقاع الأرض، وصار هذا الحلم أملًا يداعب خيالهم، متى يذهبون إلى أرض فلسطين ومتى يتحقق الوعد الذي أعطاه الله لإبراهيم - عليه السلام - فى زعمهم - ولذلك هم يعملون بخطط مرسومة بدقة على تحقيق إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات التي يتجمع فيها اليهود بعد شتاتهم وتفرقهم.

وحتى يسوغ اليهود لأنفسهم سندًا قانونيًا يرتكزون عليه في التهجير إلى أرض فلسطين وتملكها وطرد أهلها منها فإن أبوا فالإبادة الشاملة لهم حتى تكون وطنًا بلا سكان ينازعونهم ويزاحمونهم فيها لشعب بلا أرض قد عاني كثيرًا من التشرد. من أجل ذلك كله وضعوا في توراتهم نصوصًا تخدم هذا الغرض وتضفي عليه الشرعية والقداسة وهي بلا شك شرعية مزعومة ومفتراة لإثبات هذا الحق.

ولقد اجتهد علماؤنا الأجلاء - فترة البحث - في إبطال هذه العهود المفتراة التي تثبت لبنى إسرائيل الحق في تملك أرض فلسطين، وقد يتميز جهد د/ عابد توفيق الهاشمي في تفنيد هذه المزاعم في كتابه "فلسطين في الميزان" وكذلك قام د/ سعد الدين صاع في كتابه "العقيدة اليهودية" بمعالجة عصرية رائعة تتحلى بالمنهج العلمى المبني على أسس ومعايير واضحة فقام بعرض السند القانوني المختلق الذي يستندون عليه من نصوص العهد القديم المحرفة وناقشه مناقشة علمية منهجية وأيضًا د/ محمد أبو زيد في بحثه "أرض الميعاد نظرة قرآنية في العهود التوراتية (2) " ناقش هذه العهود وأتبع المناقشة بنظرة تقويمية من منظور إسلامي لهذه العهود.

وأيضًا يبرز من بين هذه الجهود ما قام به د/ عبد الوهاب المسيري فى موسوعته. وبقراءة متأنية لهذا الموضوع في الموسوعة يتبين أنه قد ربط بين الأصول اليهودية والفكر الصهيوني الحديث من خلال التحليل السياسى للنصوص التوراتية.

[وتفنيد هذه العقيدة يقوم على ما يلي]

1 - الاستدلال والمناقشة واستخلاص الحكم في نهاية المناقشة.

2 - رد الفهم الخاطئ للنصوص إلى الفهم الصحيح وتأكيد ذلك بالأدلة.

3 - الاعتماد على الجانب التاريخي الصحيح لسيرة أنبياء بنى إسرائيل.


(1) والنص الذي يشير إلى ذلك يقول: "ولكى تطيلوا الأيام على الأرض التى أقسم الرب لآبائكم أن يعطيها لهم ولنسلهم، أرض تفيض لبنًا وعسلًا" تثنية: (11/ 9) أحبب الرب وأطعه.
(2) هذا البحث منشور في مجلة التراث العربي - دمشق - وهو مسجل أيضًا على الإنترنت على موقع المركز الفلسطيني للإعلام وهو كالتالي: .... أ. د/ محمد أبو زيد أستاذ التفسير بكلية الآداب جامعة تعز - اليمن.

4 - بيان الأخطاء التاريخية التي حرفها اليهود (إبطال نظرية الحق التاريخي).

5 - الموضوعية في المعالجة النقدية لهذه العقيدة.

6 - التسليم الجدلي للخصم فيما يدعى ثم التدرج إلى إبطال ما يدعو إليه.

7 - إثبات التناقض والتعارض بين النصوص.

وفي بيان زيف هذه الدعوى المزعومة "أرض الميعاد" يمكن حصر ما قام به العلماء في دراستهم النقدية لها تحت العناصر التالية:

1 - عرض مقولتهم الباطلة في أحقيتهم لتملك أرض اليعاد.

2 - الأدلة والعهود المفتراة التي تقضي لليهود بتملك أرض فلسطين وجهود العلماء في نقدها والرد عليها.

3 - التقويم.

[مقولتهم الباطلة في أحقيتهم لتملك أرض الميعاد]

ارتبطت فكرة أرض الميعاد في أذهان اليهود بفكرة المسيح المنتظر الذي ينتظره اليهود ولذلك يجمع العلماء على أن عقيدة أرض الميعاد قضية سياسية في المقام الأول ولقد حاول اليهود أن يصبغوها بالصبغة الدينية حتى تتمكن من نفوس الشعب اليهودي (1) فيحاول تحقيقها.

ولقد نادي هذه الفكرة السياسيون منهم قبل المتدينين:

1 - يقول ابن غوريون رئيس الوزراء اليهودي الأسبق عام 1948 م بعد أن وقف ممثلًا لليهود في الأمم المتحدة: "قد لا تكون فلسطين لنا عن طريق الحق السياسي أو القانوني، ولكنها حق لنا على أساس ديني فهي الأرض التى وعدنا الله وأعطانا إياها من الفرات إلى النيل ولذلك وجب على كل يهودي أن يهاجر إلى فلسطين وأن كل يهودي يبقى خارج إسرائيل بعد إنشائها، يعتبر مخالفًا لتعاليم التوراة، بل إن هذا اليهودي يكفر يوميًا بالدين اليهودي (2).

2 - ويصرح مناحم بيحين في خطابه 7/ 4/ 1950 م: "لن يكون سلام لشعب إسرائيل ولا لأرض إسرائيل حتى ولا للعرب مادمنا لم نحرر وطننا بأجمعه بعد ... ولو وقعنا معاهدة صلح" (3).

3 - ويؤكد موشي ديان لصحيفة صنداي تايمز في 10/ 9/ 1967 م: "إن هناك مليون يهودي جاءوا محل العرب، سواء اعتبر هذا العمل أخلاقيًا أم لا، فالحقيقة أنه لا يوجد مكان في إسرائيل للعرب" (4).

4 - ويقول ليفي أشكول رئيس وزراء إسرائيل فى خطاب له أمام أعضاء جمعية "نباي بريث" الأمريكية الصهيونية في مدينة القدس يوم 28/ 10/ 1967 م حث فيه يهود العالم على القيام بهجرة جماعية من البلدان الغربية لزيادة عدد سكان ما أسماه بـ "إسرائيل الكبرى" =


(1) انظر: العقيدة اليهودية: د/ سعد الدين صالح ص 378.
(2) أرض الميعاد نظرة قرآنية في العهود التوراتية: ص 1 نقلًا عن العقيدد اليهودية في فلسطين ونقدها د/ عابد توفيق الهاشمي ص 22 ط 1 دار اقرأ - اليمن 1412 هـ - 1992 م.
(3) انظر: إسرائيل فتنة الأجيال "العصور القديمة: أ/ إبراهيم خليل أحمد ص 183 ط مكتبة الوعي العربي 1969 م.
(4) انظر: المرجع السابق: ص 183.

= التي تشمل الأراضي العربية المحتلة بعد 5 يونيو 1967 م (1). وغير ذلك من أقوال الساسة الغربيين.

5 - وحول اختلاف اليهود على حدود ملكية الأرض يحاول بعض الحاخامات أن يزيل التعارض والتناقض بين النصوص التي حددت أرض الميعاد فيقولون: "إن النصوص التي حددت ملك إسرائيل بفلسطين فقط تعد منحة مخفضة عن الله لبنى إسرائيل، لكن هذا لا يعني أن هذه الأرض فقط هي حق إسرائيل، فحقهم في الأرض هو أوسع من ذلك بكثير، فالله قد وعد اليهود وعدًا مشروطًا ووعود الله المشروطة لا تلغى أبدًا؛ بل يحتفظ بها لكي تتحقق فى المستقبل" (2).

وحين ينادي السياسيون هذه العقيدة فهم يرتكزون على خلفية دينية ويتحركون في تنفيذ مخططاتهم لتحقيق هذا الوعد من منطلق عقائدي وعندما يتضح أن هذه الخلفية الدينية مزيفة ومفتراة فإن هذه اللافتات التي يرفعها الساسة والحاخامات ما هى إلا أقنعة سوداء تحجب وراءها نفوسًا استمرأت التحريف واعتادت عليه في شيء المجالات خدمة لأغراضها التي تتعارض مع العقل والنقل والواقع. ولقد ذكر علماء المسلمين الأدلة التي يستند عليها اليهود في تأصيل هذه العقيدة - أرض الميعاد - على النحو التالي:

أولًا: أدلة اليهود على عقيدة أرض الميعاد وحدودها -فى زعمهم -

يقول د/ سعد الدين صالح إن اليهود اختلفوا فيما بينهم اختلافًا بينًا حول هذه العقيدة وبالتحديد حول حدود الأرض الموعودة على النحو التالي:

الفريق الأول: يرى أن حدود أرض الميعاد هي أرض كنعان فقط - أرض فلسطين (3) - واستدل هذا الفريق بمجموعة من النصوص التى وردت في التوراة منها:

أ - ما جاء في سفر التكوين من خطاب الله وإبراهيم: "أنا الله القدير ... أجعل عهدي بيني وبينك وأكثرك كثيرًا جدًا لأني أجعلك أبا لجمهور من الأمم ... وأجعلك أممًا، وملوك منك يخرجون وأقيم عهدي بين وبينك وبين نسلك من بعدك في أجيالهم عهدا أبديًا لأكون إلهًا لك ولنسلك من بعدك وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان ملكًا أبديًا (4) ".

ب - ومنها: "وكلم الرب موسى قائلًا: أوصى بني إسرائيل وقل لهم: إنكم داخلون إلى أرض كنعان، هذه هى الأرض التي تقع لكم نصيبًا أرض كنعان بتخومها (5) ".

ويلاحظ أن هذا النص يضيف أرض كنعان إلى أرض الميعاد (6).

الفريق الثاني: يري أن حدود أرض الميعاد من النيل إلى الفرات: واستدل هذا الفريق أيضًا بنصوص من التوراة المحرفة منها:


(1) انظر: إسرائيل فتنة الأجيال ص 183.
(2) العقيدة اليهودية: د/ سعد الدين صالح ص 369 - 370 نقلًا عن وثاثق القضية الفلسطينية 1/ 290.
(3) المرجع السابق ص 367، 368، وانظر: فلسطين في الميزان: "الهاشمي ص 84، 85.
(4) الإصحاح: (17/ 1 - 8) عهد الختان مع الحذف.
(5) عدد: (34/ 1، 2) حدود كنعان.
(6) العقيدة اليهودية: ص 368.

أ. ما جاء فى سفر الملوك: "وكان سليمان متسلطًا على جميع الممالك من النهر "الفرات" إلى أرض فلسطين إلى تخوم مصر (1) ".

ب. وما جاء في سفر أخبار الأيام: "وكان لسليمان أربعة آلاف مزود خيل ومركبات واثنا عشر ألف فارس ... وكان متسلطًا على جميع الملوك من النهر إلى أرض فلسطين إلى تخوم مصر (2) ".

ج. وما ورد في سفر التثنية: "يطرد الرب جميع الشعوب من أمامكم فترثون شعوبًا أكبر وأعظم منكم، كل مكان تدوسه بطون أقدامكم لكم من البرية ولبنان من النهر نهر الفرات إلى البحر الغربي يكون تخمكم (3) ".

[جهود العلماء - فترة البحث - في نقد هذه الأدلة والرد عليها]

لقد أثبت د/ سعد الدين صالح - التناقض والتعارض بين الأدلة التي استدل بها كل من الفريقين فيقول:

1 - إن أدلة هذه العقيدة محرفة وموضوعة بأيدي اليهود أنفسهم والدليل على ذلك هذا التناقض الظاهر بين النصوص، فهناك نصوص حددت الأرض الموعودة بفلسطين، وهناك نصوص أخرى ضاعفت هذه الأرض أضعافًا مضاعفة، فوصلت بها إلى كل أرض لمستها أقدام اليهود وخصوصًا شبة جزيرة سيناء، بحجة أن تعاليم التوراة قد نزلت فيها على موسى، والوجه البحري من مصر حتى نهر النيل بزعم أن بني إسرائيل قد عاشوا في دلتا النيل بمصر فترة طويلة وأن موسى نشأ في مصر، ويبالغ بعضهم فيضيف إلى الأرض الموعودة أجزاءً من سوريا والعراق بحجة أن هذه الأجزاء كانت تقع تحت حدود مملكة داود وسليمان وأن إبراهيم - عليه السلام - كان يقيم بأرض العراق فالتناقض ليس من سمات النصوص الإلهية فالله لا يتناقض مع نفسه ولا يكذب نفسه وإنما هذا هو شأن الفكر البشري (4).

2 - ولو سلمنا جدلًا بصحة النصوص التي استدل بها اليهود فإذا لا تعطيهم مدعاهم في أحقيتهم هذه الأرض، ذلك أن الوعد من الله كان لنسل إبراهيم، فمن هم نسل إبراهيم؟ المعروف أن إبراهيم أنجب إسماعيل ثم إسحاق وإسماعيل هو جد العرب وإسحاق هو جد بني إسرائيل ومن هنا يكون لبني إسماعيل نفس الحق في أن يرثوا هذه الأرض مثلهم في ذلك مثل أبناء إسحاق ويعقوب، ولكن من الأحق منهم بوراثة الأرض؟ لقد بينت التوراة أن الوعد بهذه الأرض إنما يكون لقوم مؤمنين محافظين على وصايا الله وتعاليمه ... وهذا ما تحقق بالفعل حين آمن بنو إسرائيل واتقوا الله أورثهم الأرض فقال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (5)} (6).


(1) ملوك الأول: (4/ 21) مؤونة سليمان اليومية.
(2) أخبار الأيام الثاني: (9/ 25، 26) عظمة سليمان.
(3) الإصحاح: (11/ 23) أحبب الرب وأطعه.
(4) انظر: العقيدة اليهودية: ص 371، 372.
(5) سورة الأعراف الآية: (137).
(6) انظر: العقيدة اليهودية: ص 373 بتصرف بالحذف.

(ولكن حين انحرف اليهود عن الوحي الإلهى وحرفوا كتبهم انتزع الله منهم هذه الأرض وشردهم وأعطاها لمن يستحقها من الأمم الملتزمة بعبادة الله وتوحيده التي لم تنحرف عن ملة إبراهيم وهي الأمة الإسلامية، فمن نسل إبراهيم - عليه السلام - جاء إسماعيل جد العرب الذين حملوا لواء التوحيد والالتزام بملة إبراهيم، ففتحوا أرض الرومان واستعادوا فلسطين وما حولها محققين بذلك وعد الله لإبراهيم أن يجعل هذه الأرض لنسله من فر مصر إلى فر الفرات) (1).

(وهذا ما يتمشى مع قول الله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} (2) ومن هنا استحق العرب أبناء إسماعيل - أرض فلسطين - لأسباب كثيرة منها:

(1) أنهم هم الذين اتبعوا ملة إبراهيم وساروا على نهجه.

(2) أنهم أبناء إبراهيم من سلالة إسماعيل.

(3) أنهم أول من دخل هذه الأرض وعمروها قبل أن يراها بنو إسرائيل.

(4) أنهم هم الذين أقاموا فيها طيلة حياتهم ولم يفارقوها بينما كان اليهود على النقيض من ذلك كله) (3).


(1) اليهودية د / أحمد شلبي ص 58.
(2) سورة آل عمران الآية: (68).
(3) العقيدة اليهودية: ص 375.

  • الثلاثاء PM 04:31
    2022-05-17
  • 1735
Powered by: GateGold