المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 411911
يتصفح الموقع حاليا : 316

البحث

البحث

عرض المادة

نقد تصور العهد القديم للنبوة والأنبياء

قبل الحديث عن تصور العهد القديم للأنبياء لابد من بيان حقيقة النبوة في العهد القديم وما الذي تحتمله هذه اللفظة "النبوة" من معان ومن هو النبى في وجهة نظر اليهود من خلال نصوصهم المقدسة في زعمهم.

[1. حقيقه النبوة واللأنبياء عند اليهود]

من أجل بيان هذه الحقيقة قد أسهم أ. د / سعد الدين صالح بإسهامات رائعة في نقد العقيدة اليهودية في النبوة والأنبياء وقد ربط في كتابه بين ما يعتقد اليهود في الإله وفي الأنبياء وبين تصرفاتهم في الماضي والحاضر فجاءت إسهاماته واقعية وموضوعية في نفس الوقت يزينها المنهج العلمى الذي سار عليه في نقده لهذه العقيدة وذلك يرجع إلى تخصصه الدقيق في الأديان فله إنتاج متميز في نقد اليهودية والنصرانية وقد بين فضيلته حقيقة النبوة في العهد القديم من خلال رؤية اليهود للنبوة وللأنبياء وأشار إلى أنهم حَمَّلوا لفظة النبوة أكثر مما تحتمل فأدخلوا تحتها ما ليس منها مما أوقعهم في مخالفات كثيرة جدًا فقال تحت عنوان مفهوم النبوة عند اليهود:

(المفهوم الصحيح للنبوة والرسالة: هو أنها اصطفاء من الله تعالى واختصاص منه لعبد من عباده يوحى إليه الحق من السماء سواء أمره بالتبليغ أو لم يأمره. ولكن النبوة عند اليهود كان لها مفهوم آخر فهي لا تقتصر على من اختارهم الله لذلك وإنما تتسع لكي تشمل كل من يدعى النبوة من الكهنة والسحرة والمخادعين والكاذبين) (1).

ويقول: د/ عوض الله حجازي:

(وكلمة نبي في عرف اليهود واسعة المدلول فهي تشمل الأنبياء الذين اختارهم الله تعالى لرسالته وأنبأهم بوحيه لإصلاح حال المجتمعات التي وجدوا فيها كما تشمل الكثير من أدعياء النبوة الذين كان منهم الساحر والمنجم والمنافق وغيرهم وإلى هذا يشير حزقيال "قل للذين هم أنبياء من تلقاء ذواتهم اسمعوا كلمة الرب هكذا قال:"الرب ويل للأنبياء الحمقى الذاهبين وراء روحهم ولم يروا شيئًا. أنبياؤك يا إسرائيل صاروا كالثعالب في الخرب ... القائلون وحي الرب والرب لم يرسلهم (2) ") (3).


(1) العقيدة اليهودية أ. د/ سعد الدين صالح ص 322 وانظر الإسلام في مواجهة الاستشراق د/ المطعني ص 121، وانظر: أضواء على اليهودية من خلال مصادرها د/ محمد أحمد دياب عبد الحافظ ص 73 ط دار المنار 1406 هـ -1985 م.
(2) الإصحاح: (13/ 2 - 6) نبوءة ضد الأنبياء الكذبة.
(3) مقارنة الأديان أ. د/ عوض الله حجازي ص 117 ط دار الطباعة المحمدية - القاهرة - بدون. وانظر: جهود الإمامين أ/ سميرة عبد الله ص 377.

(والأنبياء الذين ورد ذكرهم في العهد القديم يقسمهم اليهود إلى قسمين:

(1) أنبياء كبار مثل: أشعياء - أرمياء - دانيال.

(2) أنبياء صغار مثل: هوشع - عاموس - يونان.

وفي الوقت ذاته يدعون أن النبوة بدأت بموسى عليه السلام وانتهت بملاخى أما من كان قبل موسى من أمثال إبراهيم وإسحاق ويعقوب فيسمونهم الآباء أو البطارقة -أي العلماء- (1).

ويؤكد أ. د/ سعد الدين صالح هذا الرأي بقوله:

(وهذا التقسيم لا أساس له من الصحة فليس هناك نبي صغير ونبي كبير بل الأنبياء كلهم سواء، قد يُفَضلُ بعضهم على بعض كأولى العزم من الرسل أما تقسيم اليهود لهم لا يليق بمكانة الأنبياء) (2).

[2. رؤية العهد القديم للأنبياء]

لقد وقف النقاد من علماء المسلمين مع رؤية العهد القديم للأنبياء وقفة متأنية فاحصة وربطوا بين نظرة اليهود للإله وبين نظرتهم إلى الأنبياء وأنهم بنفس درجة الانحراف في عقيدتهم في الإله قد انحرفوا في عقيدتهم في الأنبياء فيقول أ. د/ عبد الغني عبود في نقده لعقيدة الأنبياء عند بني إسرائيل:

(تعامل بنو إسرائيل بنفس الأسلوب الذي تعاملوا به مع إلههم فأرادوا أن يسوقوا الأنبياء أمامهم لتحقيق أغراضهم ومطامعهم بدلًا من أن يقودهم هؤلاء الأنبياء إلى الطريق الذي يجب أن يسلكوه، وإذا كانت وظيفة إله بني إسرائيل محددة في أن يحقق لهم النصر على الأعداء فقد تحددت وظيفة الرسل عندهم في أن يكونوا واسطة بينهم وبين هذا الإله) (3).


(1) مقارنة الأديان أ. د/ عوض الله حجازي ص 117.
(2) العقيدد اليهودية: ص 223.
(3) اليهود واليهودية أ. د/ عبد الغني عبود ص 39.

ويقول د/ صفوت مبارك عن تدنى نظرة اليهود إلى الأنبياء لدرجة وصفهم بارتكاب الجرائم وحاشا لله أن يكونوا كذلك فهم صفوة الله من خلقه:

يلاحظ على أسفار العهد القديم أنها حين تتحدث عن الأنبياء لا تنظر إليهم بوصفهم صفوة الله من خلقه وأمنائه على تبليغ وصاياه للبشر، وهم القدوة والأسوة الحسنة لغيرهم من الناس، وهم من أجل ذلك يجب أن يتصفوا بكل الكمالات البشرية، ويتنزهوا عن جميع النقائص والمثالب، وعند مراجعة أسفار العهد القديم يتضح أن هذا الكتاب المقدس عند اليهود لا يتورع عن أن يلصق بالأنبياء كل نقيصة، يكاد يشمل بذلك جميع الأنبياء، وقد كان رد الفعل الطبيعى لذلك أن بالغ المسيحيون بعد ذلك في تنزيه المسيح عن كل نقص بشرى، وغالوا في ذلك حتى رفعوه إلى مقام الألوهية (1).

[3. ألقاب الأنبياء في العهد القديم]

بين د/ حسن ظاظا، أ/ محمد خليفة حسن والباحثة / سميرة عبد الله، ألقاب الأنبياء والرسل في العهد القديم ووظيفتهم من هذه الألقاب:

النبي، رجل الله، الرائى: حيث جاء في سفر صموئيل: (قديمًا في إسرائيل هكذا كان يقول الرجل روئيم عند ذهابه ليسأل الله "هل نذهب إلى الرائي, لأن النبي اليوم كان يدعى سابقًا الرائي" (2) وقد كان الرائي يخبر بما سيكون وينبئ بالغيب حسب علامات معروفة تلقى دلالاتها وتأويلاتها نقلًا عن سابقيه، كما كان حكيمًا وساحرًا وعرافًا (3).

وفي بيان أ/ سميرة عبد الله، لمفهوم النبوة وأنه قد اتسع مدلولها في العهد القديم ليشمل شخصيات متعددة من هؤلاء نساء نبيات والأنبياء الكذبة كما تعتقد اليهود وأما النبيات مثل مريم أخت هارون "فأخذت مريم النبية أخا هارون الدف بيدها" (4) "ودبورة" ودبورة امرأة نبيَّة زوجة لفيدوت هى قاضية إسرائيل في ذلك الوقت" (5) وخلدة امرأة شلوم "فذهب حلقيا الكاهن وأحيقام وعكبور وشافان وعسايا إلى خلدة النبية امرأة شلوم بن تقوة (6) " وغيرهن.


(1) مدخل لدراسة الأديان د/ صفوت مبارك ص 130 بتصرف.
(2) صموئيل الأول: (9: 9) مجيء شاول إلى صموئيل وانظر: أبحاث في الفكر اليهودي د/ حسن ظاظا ص 62.
(3) ينظر: جهود الإمامين ص 377، أبحاث في الفكر اليهودي ص 62 وينظر: تاريخ الديانة اليهودية أ/ محمد خليفة حسن ص 118.
(4) خروج: (15/ 20 - 21) ترنيمة موسى ومريم.
(5) قضاة: (4/ 4) دبورة وباراق.
(6) ملوك الثاني: (22/ 14) العثور على كتاب الشريعة.

وينتقد د/ محمد على البار نظرة العهد القديم إلى الأنبياء فيقول مؤكدًا الرؤية النقدية السابقة: يفاجأ من يطالع العهد القدم بالأعداد الكبيرة للأنبياء وهم يطلقون لفظ نبي على كل شخص يتنبأ بأمور المستقبل ووظيفة النبي عندهم تشبه وظيفة المنجمين حتى إنهم زعموا: أن لكل من ملوك بني إسرائيل مجموعة كبيرة من الأنبياء يتنبأون له عما ينبغى أن يفعله: هل يقاتل أم لا؟ هل يخرج لملاقاة العدو أم يمكث في المدينة ... ؟ وكان لكل معبد من المعابد - بالإضافة إلى الكهنة - مجموعة من الأنبياء (1).

ثم تحدث عن النبيات من النساء مستدلًا بالنصوص سالفة الذكر عن مريم ودبورة وخلدة وقال إنه من الغريب حقًا أن التوراة لم تصف موسى ولا هارون عليهما السلام بالنبوة ووصفت هؤلاء النسوة بالنبوة (2).

[الأنبياء الكذبة]

وبنظرة نقدية تحمل في طياتها التعجب لما ورد في العهد القدم من الأخبار عن وجود أنبياء كذبة يقول د/ محمد على البار:

إذا كانت أسفار العهد القديم قد اتهمت أنبياء الله الصادقين بكل نقيصة فما بالك بصفات الأنبياء الكذبة وقد تحدثت أسفار العهد القديم عن ظهور أعداد كبيرة من المتنبئين وأشار إلى النصوص التي تؤكد هذا الكلام (3).

أما ل. م/ أحمد عبد الوهاب في كتابه: "النبوة والأنبياء" قد أخذ جولة بين أقوال النقاد الغربيين للكتاب المقدس وبنظرة نقدية تنم عن متبحر في هذا الجانب وباحث له باع طويل في دراسة الكتاب المقدس والمقارنة بين تراجمة المتعددة جاءت حصيلة جولته النقدية حول موضوع النبوة والأنبياء تقرر الحقيقة التالية:

(أنه لا يوجد معيار حقيقى لتمييز حقيقة الظواهر التى اقترنت بكل من الأنبياء الحقيقيين والأنبياء الكذابين ويتبين ذلك مما نقرأه في سفر التثنية "إذا قام في وسطك نبي أو حالم حلمًا وأعطاك آية أو أعجوبة ولو حدثت الآية أو الأعجوبة التي كلمك عنها قائلًا: لنذهب وراء آلهة أخرى لم تعرفها وتعبدها فلا تسمع لكلام ذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم لأن الرب إلهكم يمتحنكم كى يعلم هل تحبون الرب إلهكم من كل قلوبكم ومن كل أنفسكم (4) ") (5).


(1) المدخل لدراسة التوراة د/ محمد على البار ص 222، 223 بتصرف بالحذف.
(2) انظر: المرجع السابق ص 223.
(3) تثنية: (18/ 20 - 22)، تثنية: (13/ 1 - 5)، ملوك الأول: (22/ 10 - 23) وملوك الأول: (18/ 17 - 25) وملوك الأول: (18/ 26 - 40)، أرميا: (14/ 14)، أرميا: (23/ 11 - 35)، حزقيال: (13/ 1 - 13)، (ميخا 3/ 1 - 5) وينظر: المدخل لدراسة التوراة د/ البار ص 227 - 230 وانظر: تاريخ الديانة اليهودية أ/ محمد خليفة حسن أحمد ص 144 - 147.
(4) الإصحاح: (13/ 1 - 3).
(5) النبوة والأنبياء في اليهودية والمسيحية والإسلام ل/ أحمد عبد الوهاب ص 16 مكتبة وهبة ط 2/ 1413 هـ - 1992 م.

وقدم أ/ آدم الألورى رؤية نقدية لنظرة اليهود للأنبياء من خلال نصوص العهد القديم فقال:

إدن اليهود لم يعطوا النبوة حقها؛ بل لم يعترفوا ببعضهم كأنبياء وبالتالي برروا لأنفسهم أن يلصقوا بهم التهم والزور والبهتان، ومما يؤكد عدم المعرفة هذه أنهم اعتبروا نوحًا وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى أنبياء ورغم ذلك لم ينصفوهم ولم ينزلوهم المكانة اللائقة هم واعتبروا يوسف وداود وسليمان ملوكًا فناصبوهم العداء وقتلوا معظم الأنبياء الذين أرسلهم الله -عَزَّ وَجَلَّ- إليهم (1).

ود/ محمد البار، عرض المخالفات إلى نسبتها التوراة للأنبياء ونقدها، وفي نقده لهذه المخالفات قدم الرؤية النقدية على النصوص وبين الرؤية الإسلامية للأنبياء كل على حدة فيقول:

ونحن نبرئ الأنبياء عليهم السلام جميعًا من هذه التهم ... ونعتقد اعتقادًا جازمًا لا تردد فيه أن الأنبياء هم صفوة البشر وأنهم لم يبلغوا هذه المكانة عبثًا، فهم على أعلى درجة من الخلق والانضباط. ولا تجوز أن تحدث منهم الصغائر فضلًا عن الكبائر والكفر والعياذ بالله كما تنسبه لهم التوراة ونرى أيضًا أن الأنبياء معصومون عن ارتكاب المعاصي (2).

وأكثر من نقل النصوص التوراتية الشيخ تقدح في الأنبياء وذويهم وترميهم بما ينافى الأخلاق والذوق السليم وبين أنها افتراء وكذب على رسل الله الذين هم صفوة الله من خلقه. ومن كثرة ما نقل من نصوص بعيدة عن العفة تصيب من يقرؤها بالألم النفسي والغثيان استوقف قلمه في منتصف عرض النصوص وقال:

الأمر فظيع فظيع ... ولم تعد أعصابنا تحتمل مواصلة قراءة هذه التوراة المحرفة والتي كانت هدىً ونورًا عندما أنزلها الله تعالى، فأصبحت بعد التحريف رجسًا وظلمات بعضها فوق بعض بسبب تحريف اليهود وأكاذيبهم (3).

ثم تتبع الأسفار مبينًا ما تحتويه من مخالفات تجاه الأنبياء وفي نهاية حديثه عن الأنبياء في العهد القديم بين دور اليهود في العصر الحديث في انتشار الجرائم الأخلاقيه وقدم إحصائيات لهذه الجرائم في العالم.


(1) انظر: تاريخ الدعوة إلى الله - آدم الآلورى ص 75.
(2) المدخل لدراسة التوراة د/ محمد على البار ص 335.
(3) المرجع السابق ص 344.

وقد أرجع د/ البار انتشار هذه الجرائم إلى تطبيق اليهود لهذه النصوص التي تشير إلى الانحراف تطبيقًا وخلاصة هذه المحاولة العبادة التي قام بها د/ محمد على البار في كتابه تُظهر بوضوح وجلاء المسلك الذي اتبعه في دراسة التوراة والعهد القديم وهو:

(1) تقديم الرؤية النقدية على النصوص.

(2) العنونة للنصوص بما تحتويه.

(3) الإكثار من نقل النصوص دون التعليق عليها إلا النذر اليسير.

(4) الربط بين النص والواقع. ففى نهاية عرض النصوص يربط بين النص والواقع بالأدلة والإحصائيات.

(5) ضبط العملية النقدية بمنظور الإسلام.

أما د/ محمد دياب عبد الحافظ الأستاذ بجامعة الأزهر قد فند مفهوم النبوة عند اليهود وبين أن رؤية الكتاب المقدس للنبوة ليست رؤية صحيحة فهي فيه نبوءة السحر والرؤيا والأحلام والكهانة وغير ذلك وكلها مما يدعيه المتنبئون، وبين أيضًا: أن اليهود لم يعرفوا النبوة الحقيقية -بمعناها الصحيح - إلا بعد احتكاكهم بالعرب بعد عودتهم من مصر بقيادة سيدنا موسى - عليه السلام -، وقال: إنهم رغم معرفتهم للنبوة الإلهية مازالوا يخلطون بين مطالب السحر والتنجيم ومطالب الهداية الإلهية ويجعلون الاطلاع على المغيبات امتحان لصدق النبى في دعواه أصدق وألزم من كل امتحان ففى أخبار صموئيل أنهم كانوا يقصدونه ليدلهم على مكان الماشية الضائعة ويعطونه أجره على ردها (1) فتقول التوراة:

"خذ معك واحد من الغلمان وقم اذهب فتش على الأتن ... هو ذا نذهب فماذا نقدم للرجل؟ لأن الخبز قد نفد من أوعيتنا وليس من هدية نقدمها لرجل الله ماذا معنا: فعاد الغلام يقول هو ذا يوجد بيدي ربع شاقل فضة فأعطيته لرجل الله فأخبرنا عن طريقنا (2).


(1) انظر: أضواء على اليهودية د/ محمد أحمد دياب ص 75 مرجع سابق.
(2) صموئيل الأول: (7/ 3 - 9).

  • الثلاثاء AM 11:03
    2022-05-17
  • 1205
Powered by: GateGold