المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409064
يتصفح الموقع حاليا : 232

البحث

البحث

عرض المادة

نقد موقف العهد القديم من الكتب المقدسة

لقد أثبت علماء المسلمين - فترة البحث - انحراف اليهود في عقيدة الإيمان بالكتب المقدسة، فالدكتور / عبد الراضي محمَّد في كتابه "التطرف اليهودي" تأتي وقفته النقدية لتوضح مدى التطرف في الكتب المقدسة بطريقة منهجية وقد أكد نقده ببيان وجهة نظر النقاد من أهل الكتاب ليكون ذلك حجة قوية عليهم في إثبات التحريف الذي يزعمون عدم وجوده في كتبهم. فيقول:

أنزل الله تبارك وتعالى على رسله الذين أرسلهم إلى بنى إسرائيل كتبا لهدايتهم وإرشادهم، وذلك كصحف إبراهيم وزبور داود وتوراة موسى وإنجيل عيسى عليهم الصلام آجمعين وقد تطرف اليهود في تلك الكتب واتخذ تطرفهم ثلاثة محاور:

أولها: إنكار بعض الكتب وتكذيبه كما فعلوا مع الإنجيل والقرآن.

الثاني: تحريف بعضها الآخر وذلك كما فعلوا في التوراة وكتب الأنبياء "العهد القديم".

الثالث: ابتداع كتب جديدة والزعم أنها من عند الله كالتلمود (1).

ولقد أسهمت الدراسات النقدية لعلماء المسلمين - فترة البحث - في تفصيل هذه المحاور الثلاثة وتفنيد هذه العقيدة من خلال الأمور التالية:

1 - المقابلة بين النسخ المتعددة.

2 - الاستناد إلى النصوص التي تؤكد أن اليهود غير مأمونى الجانب على ما في أيديهم من كتب.

3 - الاسترشاد بآراء النقاد من أهل الكتاب مما يشكل حجة قوية عليهم.

[المحور الأول: إنكار الإنجيل والقرآن وتكذيبهما]

بداية تأتى محاولة الباحثة / سميرة عبد الله في دراستها النقدية للمحور الأول وهو موقف اليهود من - الإنجيل والقرآن - لتؤكد ما قرره علماء المسلمين من أن اليهود يؤمنون بأسفار أنبيائهم الذين جاءوا بعد سيدنا موسى - عليه السلام - أما ما أَنزل على سيدنا عيسى وسيدنا محمَّد صلي الله عليه وسلم فلا يعترفون بها (2).


(1) انظر: التطرف اليهودي تاريخه - أسبابه - علاماته د عبد الراضي محمد ص 50، 52 مكتبة التوعية الإِسلامية طـ الأولى 1993 - 1413.
(2) انظر: جهود الإمامين ابن تيمية وابن القيم في دحض مفتريات اليهود أ/ سميرة عبد الله بكر بناني ص 276 طـ / معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامى مكة المكرمة 1418 هـ.

وبينت في دراستها مدى الارتباط الوثيق بين الإيمان بالرسل وبين ما أنزل الله عليهم من كتب فتقول:

(إيمان اليهود بالإنجيل والقرآن الكريم المنزلين بعد التوراة كما هو ثابت بالنص الإلهى القاطع في القرآن الكريم، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بموقفهم من الرسولين الكريمين المنزلين عليهما وهما سيدنا عيسى وسيدنا محمد عليهما أفضل الصلاة والتسليم فلما كانت اليهود لا تؤمن بنبوتهما ورسالتيهما مع إعلان الحقد والكره والعداوة لهما ولأتباعهما لذا فهم ينكرون الإنجيل والقرآن الكريم) (1).

وبناءً على ذلك يقول أ/ أحمد إدريس. عن موقف اليهود من العهد الجديد: (اليهود يؤمنون بأن العهد القديم أو التوراة وحدها هي كلام الله ولا يعترفون بالعهد الجديد أما المسيحيون فيعتبرون العهد القديم كتاب الشريعة والعهد الجديد عهد الفضل والكفارة) (2).

ويلاحظ أنه لم يكتف اليهود بإنكار الإنجيل المنزل على سيدنا عيسى - عليه السلام - ورفضه كرسول وعدم الاعتراف به فحسب، بل عمدوا إلى الأناجيل الحاضرة وحرفوها إضافة للتحريف الذي أحدثه بولس اليهودي في النصرانية حيث قلبها رأسًا على عقب نكاية في المسيحيين وكراهية لهم. فقد برهن ل/ أحمد عبد الوهاب في كتابه: "إسرائيل حرفت الأناجيل" على ما فعلته إسرائيل في الأناجيل الحاضرة وأوضح أنها حرفتها لتخدم أغراضها وتساندها في سلوكها وتصرفاتها في الوقت الحاضر وقد اتبع في ذكره للتحريفات النقد العلمي القائم على:

1 - المقابلة بين النسخ: فقد قابل بين النسخة المعتمدة من الأناجيل وبين النسخة الإسرائيلية إلى حرفها اليهود.

2 - إظهار التحريفات المتعلقة باليهود ومزاعمهم. فقد ركز في نقده على إظهار أوضح التحريفات التي لها صلة مباشرة باليهود ليدلل على ما يخدم الغرض الموضوع من أجله الكتاب وهو "اختراع أسطورة السامية وعدم معاداة اليهود.

3 - التفصيل بعد الإجمال وسار في سرده للتحريفات على الطريقة الاجمالية في ذكر ما تشتمل عليه الترجمة من تحريفات في كل إنجيل على حدة فأحصي عددها الإجمالي ثم فصل القول في بعض النماذج من هذه التحريفات.

وهو في نقده هذا يكشف المخططات اليهودية التي تهدف إلى الحفاظ على الهوية اليهودية والتميز العنصري للشعب اليهودي فجاء نقده في هذا الكتاب نقدًا مبنياً على أسس علمية واضحة. وقد التزم فيه بالحيدة التامة والموضوعية. وقال إن عملية التحريف سارت على خطة عامة منها ما يلي (3):


(1). جهود الامامين ص 277.
(2) تاريخ الإنجيل والكنيسة: أ/ أحمد إدريس، ص 61 ط دار حراء للنشر والتوزيع - مكة المكرمة -. بدون.
(3) انظر: إسرائيل حرفت الأناجيل واخترعت أسطورة السامية ل/ أحمد عبد الوهاب ص 45 ط مكتبة وهبة ط 2 - 1417 هـ -1997 م.

1 - محو كلمة "يهود" من أسفار العهد الجديد واستبدالها بكلمات أخرى مثل مواطنى ولاية اليهودية - وفيهم اليهود وغير اليهود -؛ واستبدلوها بكلمة "الرعاع" أو المنعزلين أو العامة.

2 - محو ما يتعلق بالشعب اليهودي باعتباره جماعة دينية ترتبط بـ "الناموس" و "المجمع" ويقوم على رأسها "الشيوخ" "ورؤساء الكهنة". ففى النسخة الإسرائيلية نجد "الناموس" قد استبدل بـ "الكتاب المقدس" واستبدل "المجمع" بالمحكمة، والشيوخ بالمتشرعين، ورؤساء الكهنة بالقسس أو الكهنة.

3 - التخلص من كلمة "الصلب" وما يشتق منها واستبدلوا كلمة "صلبه" بكلمة خذه أو أبعده أو انفه أو "شنقه".

4 - محو الفقرات التي تلقى مسئولية دم يسوع على اليهود وأولادهم من بعدهم واستبدالها بكلمات أخرى تحمِّل المصلوب وزر دمه المراق.

5 - تحميل الرومان مسئولية حادث الصلب بعد تخليص اليهود منه، وذلك بتحريف الفقرات التي تلصق تلك المسئولية باليهود أو بالشعب اليهودي وإلصاقها بالحاكم الروماني بيلاطس (1). وغير ذلك من الأمور إلى ساقها ل/ أحمد عبد الوهاب.

أما أ/ مصطفي السعدني في كتابه "الفكر الصهيوني والسياسة اليهودية" قد أرجع سبب فشل اليهود في حمل رسالة التوحيد إلى العالم بسبب أنانيتهم وفهمهم الخاطئ للألوهية وأنهم يعتبرون أنفسهم أمة متميزة عن باقي الأمم والإله لهم وحدهم دون غيرهم، وقد فشلوا مرد ثانية بسبب عصيانهم المتكرر وتمردهم فعوقبوا بالتشرد في أنحاء العالم ومن أسباب فشلهم أيضًا رفضهم رسالة السيد المسيح - عليه السلام - (2).

يوم صرخ اليهود أمام بيلاطس قائلين: "ليس لنا ملك إلا قيصر" (3) ويوم أن قالوا: "دمه علينا وعلى أولادنا" (4).

حكموا على أنفسهم بالهلاك وتحقق قول الإنجيل: "هو ذا بيتكم يترك لكم خرابا" (5). ورفضهم لرسالة المسيح بالطبع يترتب عليه رفض الكتاب الذي أنزله الله عليه. فاليهود لم يعترفوا بسيدنا عيسى - عليه السلام - كرسول وبالتالي لم يعترفوا بما أنزل عليه من عند الله أما عن موقف اليهود من القرآن الكريم:

فالدكتور / المطعني في كتابه: "افتراءات المستشرقين". بين مزاعم اليهود حول القرآن فعرض مقولتهم الباطلة ثم نقدها نقدًا علميًا قائمًا على:

1 - المقابلة بين أصول الإيمان في التوراة والإنجيل والقرآن.

2 - نقد بعض الأجزاء التشريعية مثل الربا وغيرها.

3 - المقابلة بين القصص النبوي في التوراة والإنجيل والقرآن.


(1) هو: وال أقامته الحكومة الررمانية نائبا أو حاكما على اليهودية لسنة 29 مسيحية واستمر حكمة إلي ما بعد صعود المسيح (قاموس الكتاب المقدس ص207، 208).
(2) انظر: الفكر الصهيوني والسياسة اليهودية أ/ مصطفى السعدني ص 118 - 120.
(3) يوحنا: (19/ 15) بالحكم صلب يسوع.
(4) من: (27/ 25) أمام بيلاطس.
(5) متى: (23/ 38) يسوع يرثي أورشليم.

فيقول: إنهم يقولون: إن القرآن صياغة جديدة لما ورد في التوراة أو العهد القديم ولما ورد في الإنجيل (الأناجيل) أو العهد الجديد ومعنى هذا عندهم أن القرآن الكريم ليس له مصدر سماوي مستقل، ويقولون إن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم استقى فكرة القرآن من أهل الكتاب يهودًا ونصارى (1).

ثم ينتقد د/ المطعني هذه الأوهام ويفندها بناءً على المعايير السابقة فيقول: مهما يكن من أمر فإن دعوى المستشرقين هذه محض افتراء وأدلة زيفها وبطلانها أكثر من أن تحصى منها: أن واقع القرآن يختلف تمامًا عن واقع التوراة والإنجيل وتفصيل ذلك على سبيل المثال: في أصول الإيمان يختلف القرآن عن كل من التوراة والإنجيل في عقيدة التوحيد فهي في القرآن الركيزة الأولى والله فيها موصوف بكل كمال ومنزه عن كل نقص وقد مر اليهود في حياتهم بمرحلتين كانوا في الأولي موحدين وفي الثانية مشركين ودلالة ذلك في التوراة تسمية الله "إلوهيم" جمع "إله" وقد مر تفصيل ذلك في المبحث الأول من هذا الفصل.

والقرآن لا يفرق بين الرسل في وجوب الإيمان بهم وبما أنزل عليهم من حيث المبدأ واليهود لا يؤمنون إلا برسلهم، والقرآن يدعو إلى الإيمان باليوم الآخر في معظم سوره والعمل له والتوراة تخلو تمامًا من هذه العقيدة - باستثناء بعض الإشارات إليه كما سيأتي تفصيل ذلك في مبحث عقيدة الإيمان باليومِ الآخِر - وغيرِ ذلِكَ مِن القضايا (2)

وعقيدة التوحيد في الأناجيل معدومة فالله عندهم ثلاثة، ونسبوا لله سبحانه الصاحبة والولد وجردوه من سلطان الألوهية ووضعوا ذلك السلطان في يد عيسى عبد الله ورسوله وفي بعض الأناجيل وصف للرسل الذين سبقوا عيسى - عليه السلام - بأنهم لصوص وقتلة والإيمان النصراني يفرق بين الرسل فيؤمن ببعض ويكفر ببعض فكيف يستقيم القول بأن القرآن صياغة جديدة للتوراة والإنجيل صاغه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من المعلومات إلى تلقاها عن أهل الكتاب (3).

أما عن التشريع فإن الأناجيل تكاد تخلو منه لأنها عبارة عن تصوير حياة المسيح من خلال وجهة نظر كاتبيها، والتشريع التوراتي لا صلة له بالتشريع القرآني مثل الربا فهي حرام فيما بينهم حلال إذا أخذوها من غيرهم وفي القرآن الربا محرمة بجميع صورها حتي ولو كان التعامل بين المسلم ويهودي أو نصراني أو غيرهما والقصص القرآني يتشابه مع القصص التوراتي في بعض الأمور إلا أنه يختلف عنه كثيرا فهو بين النقص تارة والاضطراب تارةً أُخرى (4).


(1) انظر: افتراءات المستشرقين على الإسلام "عرض ونقد": د/ المطعني، ص 13.
(2) المرجع السابق ص 13، 14 بتصرف.
(3) افتراءات المستشرقين: د/ المطعني، ص14 ولمزيد من التفصيل انظر: موسوعة مقدمات العلوم والمناهج: أ/ أنور الجندى، 5/ 177 - 181.
(4) المرجع السابق، ص 15، 16.

[المحور الثاني: تحريف التوراة وكتب الأنبياء "العهد القديم"]

في هذه القضية يكاد يتفق جميع علماء المسلمين في الماضي والحاضر على أن اليهود قد حرفوا الكتب إلى بين أيديهم وقالوا إن التحريف بقسميه اللفظي والمعنوي واقع في التوراة وكتب الأنبياء "العهد القديم" وفي الصفحات التالية أعرض للمحاولات النقدية لبعض علماء المسلمين - فترة البحث - حول هذه القضية ويبرز في مقدمة هذه الجهود القيمة ما قام به العلامة رحمة الله الهندي بصورة موسعة وموثقة بالشواهد من العهد القديم التي تثبت وقوع التحريف فيه وقد سبقه في ذلك أيضًا - من علماء فترة البحث - شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه ابن القيم وجهودهما في إثبات التحريف تتميز بالمحاورات العقلية الرائعة مما يدل على عمق الفهم وبراعتهما في إثبات ما ورد في الكتاب المقدس من تحريف.

ولقد ادعى اليهود عدم تحريف الكتب المنزلة السابقة وكان لشيخ الإسلام ابن تيميه جهدًا قيمًا يتميز بالبلاغة والإيجاز في الرد على هذه الدعوى التي تبناها أهل الكتاب فقام بتنفيذها عن طريق الجدل الهادف البناء والحوار العقلى المنطقي المستقى من وجهة النظر الإسلامية مع تأكيد هذا الحوار الجدلي بالمقدمات المنطقية السليمة إلى تؤدي إلى بطلان الدعوى ثم يستدل على صحة ما يقول بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية فيقول رحمه الله:

(إذا عرف أن جميع الطوائف من المسلمين واليهود والنصارى يشهدون أنه قد وقع في هذه الكتب تحريف وتبديل في معانيها وتفسيرها وشرائعها فهذا القدر كاف ... والمسلمون يثبتون بالدلائل الكثيرة أنهم - اليهود - بدلوا معاني التوراة والإنجيل والزبور وغيرها من نبوات الأنبياء وابتدعوا شرعًا لم يأت به المسيح، ولا غيره ولا يقوله عاقل مثل زعمهم أن جميع بني آدم من الأنبياء والرسل وغيرهم كانوا في الجحيم في حبس الشيطان لأجل أن أباهم آدم أكل من الشجرة وأنهم إنما تخلصوا من ذلك لما صلب المسيح) (1).

ثم يرد على هذا الزعم بقوله:

وآدم - عليه السلام - وإن كان أكل من الشجرة - فقد تاب الله عليه واجتباه وهداه فقال تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} (2) وقال تعالى أيضًا: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (3) وليس عند أهل الكتاب في كتبهم ما ينفى توبته، وإنما قد يقول قائلهم إنا لا نعلم أنه تاب أو ليس عندنا توبته وعدم العلم بشىء ليس علماً بعدمه، وعدم وجود الشيء في كتاب من كتب الله لا ينفى أن يكون في كتاب آخر ففي التوراة ما ليس في الإنجيل وفيهما ما ليس في الزبور وفي الإنجيل والزبور ما ليس في التوراة، وفي سائر النبوات ما لا يوجد في هذه الكتب. والقرآن لو كان دون التوراد والإنجيل والزبور والنبوات أو كان مثلها لأمكن أن يكون فيه ما ليس فيهما، فكيف إذا كان أفضل وأشرف وفيه من العلم أعظم مما في التوراة والإنجيل وقد بين الله تعالى فضله عليهما في غير موضع كقوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ (4)} (5).


(1) الجواب الصحيح: 1/ 421.
(2) سورة طه: (121، 122).
(3) سورة البقرد الآية 37.
(4) سورة الزمر الآية 2.
(5) الجواب الصحيح لابن تيميه 1/ 422، 423 وانظر: إظهار الحق 2/ 554.

ويري شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: أن التبديل والتحريف إنما وقع في باب الأخبار إذ لا مانع من وقوع ذلك إنما الممتنع في رأيه أن يكون التحريف في باب الأمر والنهي (1).

وكذلك الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى، رفض القول بتبديل التوراة كلها والاستهانة بها كما رفض القول بامتناع ذلك فيها بقوله: والحق أحق ما اتبع، فلا تغلو غلو المستهينين بها المتمسخرين فيها بل معاذ الله من ذلك ولا نقوك إنها باقية كما أنزلت من كل وجه كالقرآن (2)، ضم بعد أن ذكر الأحداث التي مرت بها التوراة المنزلة على سيدنا موسى - عليه السلام - من عند الله تعالى يوضح نقطة في غاية الأهمية وهي أن:

(علماء اليهود وأحبارهم يعتقدون أن هذه التوراة إلى بأيديهم ليست هى إلى أنزلها الله تعالى على سيدنا موسى - عليه السلام - بعينها لأن موسى - عليه السلام - صان التوراة عن بني إسرائيل خوفًا من اختلافهم من بعده في تأويلها المؤدي إلى تفرقهم أحزابًا وإنما سلمها لعشيرته أولاد لآوى قال: ودليل ذلك قول التوراة ما هذه ترجمته:

"وكتب موسى هذه التوراة ودفعها إلى أئمة بني لآوي" (3).

ويذكر الإمام ابن القيم: أن اليهود هم الذين حرفوا التوراة وبدلوا فيها حروفًا كثيرة فقال: واليهود تقر أن السبعين كاهنا اجتمعوا على اتفاق من جميعهم على تبديل ثلاثة عشر حرفًا من التوراة وذلك بعد المسيح في عهد القياصرة الذين كانوا تحت قهرهم حيث زال الملك عنهم ولم يبق لهم ملك يخافونه ويأخذ على أيديهم" (4).

ثم أقام الحجة عليهم بقوله:

(ومن رضي بتبديل موضع واحد من كتاب الله، فلا يؤمن منه تحريف غيره؛ واليهود تقر أيضًا أن السامرة حرفوا مواضع من التوراة وبدلوها تبديلاً ظاهرًا وزادوا ونقصوا والسامرة تدعي ذلك عليهم) (5).

ثم ذكر الإِمام ابن القيم في كتابه هداية الحيارى ما يدل على أن التوراة التي بأيديهم - أي اليهود - فيها من التحريف والتبديل وما لا يجوز نسبته إلى الأنبياء ما لا يشك فيه ذوو بصيرة، والتوراة إلى أنزلها الله على موسى - عليه السلام - بريئة (6) من ذلك وسوف يتضح ذلك في مبحث عقيدة اليهود في النبوة والأنبياء.

ثم انتهي من سرد بعض التحريفات في التوراة إلى حقيقة هامة وهي: أن التوراة إلى بأيديهم ليست هى التوراة المترلة من عند الله -عَزَّ وَجَلَّ-.


(1) انظر: الجواب الصحيح (1/ 427).
(2) إغاثة اللهفان: لابن قيم الجوزية (3/ 358) ط / مكتبة عاطف القاهرة. بدون.
(3) المرجع السابق: (2/ 358)، تثنية (31/ 9) قراءة التوراة.
(4) هداية الحيارى: ص 201.
(5) المؤجر السابق ص 201.
(6) المرجع السابق ص 202.

أما العلامة رحمة الله الهندي قد تناول قضية التحريف في العهد القديم بالشرح والبيان وبين أن التحريف قسمان لفظي ومعنوى وقال إن القسم الثاني لا نزاع بيننا وبين المسيحيين فيه لأنهم يسلمون صدوره عن اليهود في العهد العتيق في تفسير الآيات، الشيخ هي إشارة في زعمهم إلى المسيح، وفي تفسير الأحكام إلى هى أبدية عند اليهود، أما القسم الأول ينكره علماء البروتستانت إنكارًا شديدًا (1).

والملاحظ على المؤلفات النقدية لعلماء المسلمين أنها قد استفادت كثيرًا من الطريقة النقدية التى قام بها العلامة الهندي في إظهار الحق ولا أكون مبالغًا حينما أقول إن معظم العلماء في العصر الحاضر يعتمدون عليه في أغلب القضايا لا سيما قضية التناقض والتحريف فهو المرجع الذي لا غني عنه للباحثين في الأديان.

وأمام إنكار علماء البروتستانت للتحريف اللفظي في العهد القديم والجديد قد اجتهد العلامة رحمة الله الهندي في إثبات وجوده في الكتاب المقدس بقسميه الزيادة والنقصان وقد اتبع في نقده:

أولًا: طريقة المقابلة بين النسخ التعددة والمعتبرة عند اليهود والنصارى: وقال إن النسخ المشهورة للعهد العتيق عند أهل الكتاب ثلاث نسخ:

1 - العبرانية وهي المعتبرة عند اليهود وجمهور علماء البروتستانت.

2 - اليونانية وهي الشيخ كانت معتبرة عند المسيحيين إلى القرن 15 من القرون المسيحية.

3 - السامرية وهي المعتبرد عند السامريين وهذه النسخة هى النسخة العبرانية لكنها تشتمل على سبعة أسفار من العهد العتيق فقط (2).

ثانيًا: الاستشهاد بما يقوله النقاد الغربيون من تعليقات نقدية على النصوص: وعن طريق المقابلة بين هذه النسخ في النص الواحد في قضية ما من بين القضايا المتعددة في العهد القديم يظهر التحريف جليًا سواءً أكان هذا التحريف بتبديل الألفاظ أم بزيادتها ونقصانها.

وقد أورد العلامة رحمة الله الهندي في كتابه ما يدل على وجود التحريفى اللفظي بالتبديل في التوراة فذكر إحدى وثلاثون شاهدًا على ذلك أذكر منها بعض الأمثلة خشية الإطالة:

1 - في العبرانية نص يقول: "فإذا عبرتم الأردن فانصبوا الحجارة التي أنا اليوم أوصيكم في جبل عيبال وشيدوها بالجص تشييدًا" (3). وهو في النسخة السامرية يقول: "فانصبوا الحجارة التي أنا اليوم أوصيكم في جبل جرزيم" (4)، وعيبال وجرزيم جبلان متقابلان كما يفهم من الآية 12، 13 من الإصحاح 27 تثنية وكما يفهم من الآية 29 من الإصحاح 11 من تثنية - فيفهم من النسخة العبرانية أن موسى - عليه السلام - أمر ببناء الهيكل أعني المسجد على جبل عبيال ومن النسخة السامرية أنه أمر ببنائه على جبل جرزيم وبين اليهود والعبرانيين والسامريين سلفًا وخلفًا نزاع مشهور وتدعي كل فرقة منهما أن الفرقة الأخرى حرفت التوراة في هذا المقام وكذلك علماء البروتستانت" (5).


(1) إظهار الحق: (2/ 205).
(2) انظر: المرجع السابق (2/ 205).
(3) تثنية: (27/ 4) والنص في النسخة الحالية "حين تعبرون الأردن تقيمون هذه الحجاره التى أنا أوصيكم بها اليوم".
(4) تثنية: (27/ 3) المدبح علي جبل عيبال
(5) إظهار الحق: (2/ 209).

2 - النص في العبرانية يقول: "ونظر بئرًا في الحقل وثلاثة قطعان غنم رابضة عندها لأن من تلك البئر كانت تشرب الغنم وكان حجر عظيم على فم البئر فقالوا ما نستطيع حتى تجتمع الماشية" (1) فقد حدث تحريف في لفظيّ قطعان غنم، الماشية والصحيح لفظ الرعاة بدلهما كما في النسخة السامرية واليونانية والترجمة العربية (2).

3 - وقع في أخبار الأيام الأول 9/ 35 في النسخة العبرانية "وكان اسم أخته معكاة" والصحيح أن يكون لفظ الزوجة بدل الأخت (3).

وقد استدل العلامة رحمة الله الهندي على ذلك بما قاله بعض مفسري الكتاب المقدس حيث قال: وقع في النسخة العبرانية لفظ الأخت، وفي اليونانية واللاتينية والسريانية لفظ الزوجة وتبع المترجمون هذه التراجم (4).

أما عن إثبات وجود التحريف بالزيادة في العهد القديم فقد ذكر العلامة الهندي ستة وعشرون شاهدًا على وجود هذا النوع من أنواع التحريف اللفظى في العهد القديم منها:

1 - وقع في سفر التكوين 22/ 14 زيادة والنص يقول: "كما يقال في هذا اليوم في جبل الله يجب أن يتراءى الناس "ولم يطلق على هذا الجبل جبل الله إلا بعد بناء البيت الذي بناه سليمان - عليه السلام - بعد أربعمائة وخمسين سنة من موت موسى - عليه السلام - وقال إن هذه الجملة إلحاقية باعتراف مفسرى الكتاب القدس (5).

2 - جاء في الآية 2 من سفر التثنية الإصحاح 23 ما نصه: "لا يدخل ابن زنىً جماعة الرب حتى الجيل العاشر" وهذا الحكم لا يمكن أن يكون من جانب الله، وما كتبه موسى - عليه السلام - وإلا يلزم أن لا يدخل داود - عليه السلام - ولا آباؤه إلى فارص في جماعة الرب لأن داود بطن عاشر من فارص كما يفهم من الإصحاح الأول من إنجيل متى، وفارص ولد الزنا كما في الاصحاح الثامن والثلاثين من سفر التكوين ومفسرى الكتاب المقدس حكموا بأن هذه الألفاظ "وحتى الجيل العاشر إلحاقية" (6).

3 - جاء في ذيل الآية 9/ 4 من سفر يشوع: "إلى هذا اليوم هناك"، وأمثالها وقعت في أكثر أسفار العهد العتيق والأغلب أنها إلحاقية، فحكموا بإلحاق هذه الجملة، وإلحاق كل جملة تكون مثلها في العهد العتيق (7).

أما عن التحريف بالنقصان فقد أثبت العلامة رحمة الله الهندي - وقوعه في العهد القديم وأورد على ذلك خمسة عشر شاهدًا منها:

1 - جاء في سفر الخروج (2/ 22) ما نصه: "فولدت ابنا فدعا اسمه جرشوم لأنه قال: كنت نزيلًا في أرض غريبة" ولكن هذا النص في الترجمة اليونانية واللاتينية وبعض التراجم القديمة في آخر الآية المذكورة هذه العبارة: "وولدت أيضًا غلامًا ثانيا ودعا اسمه العازر فقال: من أجل أن إله أبي أعانني وخلصني من سيف فرعون" فقال الفسرون: لا توجد هذه العبارة في نسخة من النسخ العبرانية (8).


(1) تكوين: (29/ 2 - 8) يعقوب يصل إلى فدان آرام.
(2) إظهار الحق: (2/ 210).
(3) المرجع السابق: (2/ 210).
(4) انظر: المرجع السابق نفس الجزء ونفس الصفحة ولمزيد من التفصيل يراجع: إظهار الحق: (2/ 210 - 220).
(5) انظر: المرجع السابق (2/ 225).
(6) إظهار الحق: (2/ 229).
(7) المرجع السابق: نفس الجزء والصفحة.
(8) المرجع السابق: (2/ 247).

2 - جاء في سفر العدد (10/ 6) ما نصه: "وإذا ضربتم هتافًا ثانية ترتحل المحلات النازلة إلى الجنوب. هتافا يضربون لرحلاتهم" وتوجد في آخر هذه الآية في الترجمة اليونانية هكذا "وإذا نفخوا مرة ثالثة يرفع الخيام الغريبة للارتحال وإذا نفخوا مرة رابعة يرفع الخيام الشمالية للارتحال" فالمتن العبراني هاهنا ناقص باعتراف المفسرين (1).

3 - جاء في سفر التكوين (7/ 17) في النسخة العبرانية ما نصهُ: "وكان الطوفان أربعين يومًا على الأرض" وهذه الجملة في كثير من النسخ اللاتينية وفي الترجمة اليونانية هكذا: "وكان الطوفان أربعين يومًا وليلة على الأرض" وعلى ذلك فالنص في العبرانية ناقص (2).

هذا بالنسبة للعلماء القدامى كابن تيميه وابن القيم والمحدثين كالعلامة رحمة الله الهندي أما بالنسبة للعلماء المعاصرين وكيفية تناولهم لاثبات التحريف في العهد القديم فبقراءة متأنية لما وقع تحت يدي من مؤلفات نقدية معاصرة يتضح لي من خلال الاستقراء والتتبع لتلك الجهود النقدية أن دراسة هؤلاء العلماء الأفاضل قامت على النقد العلمى في إثبات الحقائق وإقامة الحجة على من يدعى سلامة الكتاب المقدس من التحريف وإن كانت لم ترتق إلى مستوى دراسات القدامى من العلماء إلا أنها محاولات جادة وجهود قيمة في هذا الميدان من هؤلاء على سبيل المثال ل/ أحمد عبد الوهاب، د/ أحمد حجازي السقا ود/ محمد دياب ... وغيرهم.

أما م/ أحمد عبد الوهاب، في كتابه: "اختلافات في تراجم الكتاب المقدس". قد سار على نهج العلامة رحمة الله الهندي في مقابلته بين النسخ والتراجم المتعددة للكتاب القدس والتي أثبت من خلالها وجود الاختلاف الواضح بين النسخ وأكد أن هناك شواهد وفيرة على أن الكتبة غيروا بقصد أو بدون قصد في الوثائق والأسفار التي كان عملهم الرئيسى هو كتابتها أو نقلها وأرجع ذلك إلى الأسباب التالية:

1 - الخطأ في القراءة أو في سماع بعض الكلمات أو في هجائها.

2 - الخطأ في التفريق بين ما يجب فصله من الكلمات وما يجب أن يكون تركيبًا واحدًا.

3 - النسيان أثناء النسخ "الكتابة" فقد كانوا ينسخون الكلمة أو السطر مرتين وأحيانًا ينسون كتابة كلمات بل فقرات بأكملها.

4 - التغيير فى النص عن عمد فتغييرهم في النص الأصلي عن قصد قد مارسوه مع فقرات بأكملها حين كانوا يتصورون أبها مكتوبة خطأ في صورتها التي بين أيديهم.

5 - الحذف أو الزيادة كما كانوا يحذفون بعض الكلمات أو الفقرات أو يزيدون على النص الأصلي فيضيفون فقرات توضيحية.


(1) انظر: إظهار الحق (2/ 247).
(2) انظر: المرجع السابق (2/ 246).

6 - طول فترة الكتابة فقد طالت الفترة التي كتبت فيها النصوص الحالية ونقلتها أجيال متعددة من الكتبة والنساخ من القرن 11 ق. م إلى القرون الأولى ق. م وأخذت صورتها النهائية في القرن الأول الميلادي.

7 - أخطاء النساخ الذين نقلوا من ترجمة إلى ترجمة أخرى (1). ثم ذكر ل/ أحمد عبد الوهاب أمثلة على هذه الاختلافات التي وجدت في تراجم الكتاب المقدس منها:

ما حدث في أول الوصايا العشر في التراجم المتعددة. تقول ترجمة الكتاب المقدس للبروتستانت: "تكلم الله بجميع هذه الكلمات قائلًا: "أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية لا يكن لك آلهة أخرى أمامي (2) وبهذا تقول التراجم الإِنجليزية والفرنسية ولا يكن لك آلهة أخرى أمامي" لكن ترجمة الكتاب المقدس للكاثوليك وترجمة التوراة للكاثوليك تقول: "ولا يكن لك آلهة أخرى تجاهى" فإذا كان هناك داع لتعديل الترجمة التي تقول: "لا يكن لك آلهة أخرى أمامى" فلتكن: "لا يكن لك آلهة أخرى إلا أنا" وهذا يتفق مع الصيغة الفرنسية الأخيرة (3).

وبالنسبة لمحاولة د/ أحمد حجازي السقا - النقدية التي تضمنها كتابه نقد التوراة فإنه في هذا الكتاب سار على طريقة العلامة رحمة الله الهندي في الاستدلال على وقوع التحريف في التوراة فبين كيف تتم عملية التحريف خصوصًا فيما يتصل بالنص الذي يشير إلى ظهور نبي من وسط إخوتهم وأنه يكون مثل موسى - عليه السلام - وقام بالرد على زعمهم الفاسد في تأويلهم لهذا النص بأن المقصود بهذا النبي هو المسيح الذي ينتظرونه وأنه لم يكن عيسى - عليه السلام - ولا نبينا صلى الله عليه وسلم، وبين بالأدلة العقلية والنقلية أن المقصود بهذا النبى الذي يكون مثل موسى هو رسولنا صلي الله عليه وسلم ثم بين أنواع التحريف التى وقعت في العهد القديم وحسم الخلاف الذي دار بين العلماء في نوعية هذا التحريف (4).

ود/ محمد أحمد دياب، في كتابه "أضواء على اليهودية" ناقش قضية التحريف في إشارات سريعة وانتهى إلى حقيقة هامة وهي: أن التحريف اللفظى والمعنوي كلاهما واقع في التوراة، وأنها كتب غير متواترة، فالتوراة التى كتبها موسى - عليه السلام - وأخذ العهد والميثاق على بئ إسرائيل بحفظها (5).

تقول: فعندما كمل موسى كتابة كلمات هذه التوراة في كتاب إلى تمامها أمر موسى اللاويين حاملى تابوت عهد الرب قائلًا: خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت عهد الرب إلهكم ليكون هناك شاهدًا عليكم: لأنى عارف تمردكم ورقابكم الصُّلبة، هو ذا وأنا بعد حي معكم اليوم، قد صرتم تقاومون الرب فكم بالحري بعد موتي، اجمعوا إلىّ كل شيوح أسباطكم وعرفاءكم لأنطق في مسامعهم هذه الكلمات وأشهد عليكم السماء والأرض، ولأنى عارف أنكم بعد موتي تفسدون وتزيغون عن الطريق الذي أوصيكم به، ويصيبكم الشر في آخر الأيام, لأنكم تعملون الشر أمام الرب حتى تغيظوه بأعمال أيديكم (6).


(1) انظر: اختلافات في تراجم الكتاب المقدس ل/ أحمد عبد الوهاب ص 19 - 21.
(2) خروج: 20/ 1 - 2 الوصايا العشر.
(3) المرجع السابق: ص 34، 35.
(4) يظر: نقد التوراة د/ السقا ص 143 - 183.
(5) انظر: أضواء على اليهودية د/ محمد أحمد دياب ص 132.
(6) تثنية: (31/ 24 - 29) التنبؤ بتمرد شعب إسرائيل.

[المحور الثالث: وهو ابتداع كتب جديدة والزعم أنها من عند الله مثل: "التلمود"]

يحتل التلمود عند اليهود منزلة عظيمة إذ انهم يعتبرونه من قديم الزمان كتابًا منزلًا مثل التوراة ما عدا بعض المعاندين فإنهم لا يعتقدون ذلك بالطبع (1).

(وتعود أهمية التلمود إلى أنه سجل للتشريعات الدينية المنظمة للحياة اليهودية فمن خلاله أخذت الجوانب الشعائرية والتشريعية الدينية شكلها النهائى واستمرت حية حتى نهاية القرن الثامن عشر الميلادي وفي مقابل الاهتمام بالنواحي الخاصة بالعبادة من طقوس وشعائر ومناسبات دينية وأحكام تشريعية فإن التلمود لم يهتم بصياغة العقائد والمفاهيم الدينية فى مصطلحات عقائدية ثابتة ومحددة ورغم ذلك فإن اليهودية التلمودية تقوم على أسس متينة من يهودية العهد القديم) (2).

ويعتبر التلمود هو المصدر الثاني للتشريع اليهودي والمصدر الأول للسياسة الصهيونية ولا يوجد منه إلا عدة مخطوطات قديمة منها التلمود البابلى- الذي جمع في بابل بالعراق سنة 500 م - والتلمود الأورشليمي- الذي جمع بفلسطين في القرن الثاني للميلاد (3).

[وخلاصة ما سبق]

1 - أن الإيمان بالكتب المنزلة من عند الله ركن أساسى من أركان الإيمان فمن آمن ببعض الكتب وكفر بالبعض الآخر فهو ضال بعيد الضلال فيقول تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} (4).

2 - أنكر اليهود الإنجيل والقرآن ولم يعترفوا بهما مطلقًا ليثبتوا أن شريعتهم هى الشريعة الخاتمة؛ بل وامتدت أيديهم لتحريف الأناجيل لتخدم أغراضهم السياسية وغيرها، أما القرآن فقد باءت محاولاتهم نحوه بالفشل فهو محفوظ من التبديل والتحريف فيقول تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (5).

3 - تحريف اليهود للتوراة وكتب الأنبياء عن عمد إما بالزيادة أو بالنقصان وقد أثبت علماء المسلمين وقوع التحريف اللفظي والمعنوي في التوراة وكتب الأنبياء "العهد القديم" من واقع أقوال علمائهم أنفسهم ومن خلال نظرتهم المتأنية للنصوص التوراتية ومقابلتهم النسخ بعضها ببعض.

4 - ابتداع اليهود كتبًا جديدًة ما أنزل الله بها من سلطان مثل التلمود ولكنها من وحى عقولهم الفاسدة واتخذوها مصدرًا أساسيًا من مصادر التشريع عندهم وهو في المرتبة الثانية بعد التوراة.


(1) الكنز المرصود في قواعد التلمود د/ يوسف نصر الله ص 50 طبعة دار القلم - الطبعة الأولي -1408 هـ -1987 م
(2) تاريخ الديانة اليهودية أ/ محمد خليفة حسن ص 213 ط/ دار قباء القاهرة ط/1 - 1988 م.
(3) التطرف اليهودي د/ عبد الراضي ص 52 ولمزيد من التفصيل انظر: التطرف اليهودي ص 53 - 56، والكنز المرصود ص 47، 48، واليهودية د/ أحمد شلبى ص 265 - 271، وجهود الامامين أ/ سميرة عبد الله ص 273 - 276 ونقد التوراة د/ السقا ص 24.
(4) سورد النساء جزء الآية: (136).
(5) سورة الحجر الآية: (9).

  • الثلاثاء AM 11:00
    2022-05-17
  • 871
Powered by: GateGold