المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412290
يتصفح الموقع حاليا : 352

البحث

البحث

عرض المادة

نقد سند الأناجيل الأربعة

لعلماء المسلمين جهود قيمة حول سند الأناجيل الأربعة وفي نظرتهم النقدية لها بينوا هل لهذه الأناجيل سند متصل أم أنها منقطعة السند؟ وهل يا ترى تصح نسبتها إلى المسيح -عليه السلام- أم أن الأمر بخلاف ذلك؟ هذا ما سنعرفه فى الصفحات التالية:

من أين جاءت الأناجيل؟

أجمع العلماء على أنه لم يثبت تاريخيًا أن المسيح -عليه السلام- خلف وراءه إنجيلًا مكتوبًا ولهذا فإن ما كتب على لسان المسيح أو عنه إنما هو من عمل التلاميذ والحواريين ومن إليهم (1).

أولاً: إنجيل متى:

يقول صاحب كتاب الفارق (2): اتفقت كلمة النصارى على أن متى من الحواريين الاثنى عشر وقالوا: إن إنجيله أول ما بشر به بعد رفع المسيح بثمانية أعوام وكان باللغة العبرانية وهذا مذهب القدماء كافة والكثير من المتأخرين ودلل على كلامه بشواهد كثيرة من كتب علمائهم (3).

وقيل: إن مؤلف إنجيل متى يهودي ولا شك ... يفهم اليهود ويتعاطف مع تطلعاتهم كرجل يهودي المولد (4)

وقيل: (إن متى أحد تلاميذ المسيح الاثنى عشر ويسميهم المسيحيون رسلًا، وقد كان قبل اتصاله بالمسيح من جباة الضرائب للرومان في كفر ناحوم من أعمال الجليل، وكان اليهود ينظرون إلى الجباة نظرة ازدراء؛ لأنها تحمل صاحبها على الظلم أو العنف والعمل فيها معين للدولة الرومانية المغتصبة التى تحكم البلاد بغير رضا أهلها (5).

[تاريخ التدوين والترجمة]

اختلف العلماء فى تحديد الزمن الذي دون فيه إنجيل متى وهذا الاختلاف دليل واضح على التشكيك في صحة هذا الإنجيل.

فيقول فضيلة الإمام / أبو زهرة عن إنجيل متي:

(لا شك أن جهل تاريخ التدوين، وجهل النسخة الأصلية التي كانت بالعبرية، وجهل المترجم وحاله من صلاحٍ أو غيره، وعلم بالدين واللغتين التى ترجم عنها والتي ترجم إليها كل هذا يؤدي إلى فقد حلقات في البحث العلمي) (6)


(1) المسيح في القرآن والتوراة والإنجيل د/ عبد الكريم الخطيب ص 15 ط/ دار المعرفة بيروت- طـ 2 - 1396 هـ 1976م.
(2) وهو: عبد الرحمن بن سليم بن عبد الرحمن بن الباجه جى زادة: بحاثة حنفى من أعيان العراق موصلى الأصل ولد وعاش ومات ببغداد كان رئيسًا للمحكمة التجارية وانتخبته نائبا في المجلس العثماني صنف الفارق وذيله (الأعلام للزركلى 3/ 307).
(3) الفارق بين المخلوق والخالق ص 35.
(4) انظر: المسيح في مصادر العقائد المسيحية ل م/ أحمد عبد الوهاب ص57 مع الحذف.
(5) محاضرات في النصرانية أبو زهرة ص 47، 48، الأسفار المقدسة: د/ وافي، ص 79، التعصب الصليبي: د/ عمر عبد العزيز القرشى، 2/ 27.
(6) المرجع السابق: أبو زهرة ص 46.

ثم يعود الإمام أبو زهرة (1) ويقول: إن متي كتب إنجيله بالعبرانية، وأشهر النسخ كانت باليونانية ولكن موضع الخلاف في تاريخ تدوينه وفيمن ترجمه إلى اليونانية، فقال البعض إنه كُتب قبل خراب أورشليم وقيل كتب ما بين سنة 60 وسنة 65 من الميلاد وقيل ما بين عامى 85 و 90 وقيل كتب سنة 37 أو 38 أو 41 أو 43 أو 48 أو 61 أو 62 من الميلاد (2) ويؤيده في ذلك كثير من النقاد المسلمين (3).

وبناءً على هذا الاختلاف الواضح في تاريخ التأليف يتساءل العلامة أحمد ديدات فيقول: (وإذا لم نقدر أن نعزى هذا الإنجيل وننسبه إلى الحواري متى فكيف نذعن له ونقبله على أنه كلام الله)؟ (4).

إضافة إلى ما سبق يؤكد صاحب الفارق: (أن إنجيل متى كان بالعبرانية لا اليونانية، وأن نسخته الأصلية فقدت ثم ظهرت ترجمتها ولم يعلم إلى الآن كيف ترجم هذا الإنجيل؟، ومن هو المترجم وما هو حاله في القوة والضعف في الدين؟ وهل هو من المسيحيين أو اليهود أو غيرهم؟ وإذا كان كذلك فكيف تجزمون بهذا الإنجيل وتتخذونه دستورًا مقدسًا ترجعون إليه في عقائد الدين وأصوله، وكيف جزمتم بأنه لمتى وأنتم لا تعلمون الذي ترجمه؟ ولا تدرون هل أدخل فيه من الضلالات ما لايرضى به متى ولا المسيح) (5).

ثم يوجه صاحب الفارق أصابع الاتهام إلى اليهود وما يحتمل أنهم قد فعلوه في إنجيل متى طارحًا افتراضًا عقليًا مؤداه أن اليهود وراء ترجمة هذا الإنجيل فيقول: (ولم لا يحوز أن تكون النسخة العبرانية قد وقعت في يد أحد اليهود أو الدخلاء في المسيحية فترجمها بما وافق غرضه ولائم هواه ودس فيها من العقائد ما يغضب الجبار ويوجب الخلود فى النار) (6).


(1) هو: محمَّد بن أحمد أبو زهرة أكبر علماء الشريعة الإسلامية في عصره ولد بالمحلة الكبرى وتربى في الجامع الأحمدى وتعلم بمدرسة القضاء الشرعي وتولى تدريس العلوم الشرعية والعربية ثلاث سنوات وبدأ اتجاهه إلى البحث العلمى في كلية أصول الدين 1933م وعين أستاذا محاضرا بالدراسات العليا في الجامعة 1935م من مؤلفاته/ محاضرات في النصرانية، وأصول الفقه، والخطابة. وغيرها. توفى بالقاهرة (الأعلام للزريكلى 6/ 25، 26).
(2) محاضرات في النصرانية: ص 46.
(3) الإسلام والأديان "دراسة مقارنة" د / مصطفى حلمي ص 198 طبعة دار الدعوة - ط1 - 1411 هـ 1990م.
(4) هل الكتاب المقدس كلام الله؟ أحمد ديدات ص 155 ترجمة الشيخ/ إبراهيم خليل أحمد ودراسة تحليلية وتقديم د/ نجاح الغنيمى ط / 1 دار المنار 1410 هـ 1989م.
(5) الفارق بين المخلوق والخالق ص 37، 38.
(6) المرجع السابق ص 38.

وبعد هذا العرض التقويمى لسند إنجيل متى وتاريخ تدوينه وترجمته:

يتضح أنه طالما يوجد الشك حول المؤلف ووقت التدوين والترجمة ففي أي شيء تكون الثقة بعد ذلك؟ أتكون الثقة في النصوص وهي من وضع المؤلف المشكوك في نسبتها إليه؟ أم في ماذا تكون الثقة بعد ذلك؟ كل ذلك يدفع المدقق فيما سبق إلى الحكم بأن هذا الإنجيل لا يرتقي لدرجة القبول أو حتى مجرد القداسة وذلك بناءً على انقطاع سنده إلى كاتبه وفقدان النسخة الأصلية منه.

ثانيًا: إنجيل مرقس:

تناول الإمام أبو زهرة وغيره من النقاد من علماء المسلمين ببيان ما يتعلق بإنجيل مرقس واستند في كلامه لما ذكره المؤرخون من المسيحيين فقال: يقول المؤرخون أن اسمه يوحنا ويلقب بمرقس ولم يكن من الحواريين الاثنى عشر الذين تتلمذوا للمسيح، واختصهم بالزلفى إليه، وأصله من اليهود وكانت أسرته في أورشليم في وقت ظهور السيد المسيح وهو من أوائل الذين أجابوا دعوته، فاختاره من بين السبعين الذين نزل عليهم روح القدس- في اعتقادهم - من بعد رفعه وألهموا بالتبشير للمسيحية كما ألهموا مبادئها لكن مرقس كان يذكر ألوهية المسيح وقد لازم خاله برنابا وبولس في رحلتهما إلى إنطاكية ثم تركهما وعاد إلى أورشليم، ثم التقي مرة أخرى بخاله واصطحبه إلى قبرص، ثم افترقا فذهب إلى شمال أفريقيا ودخل مصر في منتصف القرن الأول فوجد في مصر أرضًا خصبة لدعوته ودخل كثير من المصريين فيها، وكان يتردد بين مصر وروما أحيانًا وإلى شمال أفريقيا أحيانًا أخرى ولكن مصر كانت المستقر الأمين له فاستمر إلى أن ائتمر به الوثنيون فقتلوه سنة 62 ميلادية (1).

واعتمد صاحب الفارق في نقده لإنجيل مرقس على أقوال ثلاثة شهود من أكابر علماء النصارى ثم عقب على أقوالهم بقوله: إن إنجيله ليس بإنجيل إلهامي، بل هو تاريخ نقله عن شيخه "بطرس" وهو عبارة عن وقائع في زمن عيسى - عليه السلام - وأنه كان ينكر ألوهية المسيح التي هي مدار الاختلاف بين النصرانية وغيرها (2).

ويقول د/ عبد الكريم الخطيب، من خلال التحقيق العلمي الذي أجراه حول الأناجيل: (إن صاحب هذا الإنجيل لم يجتمع بالسيد المسيح وإن عُد من السبعين فقد بشر بإنجيله في الإسكندرية باللغة اليونانية بعد رفع المسيح بنحو ثلاثين سنة (3).

[تاريخ التدوين واللغة التي كتب بها إنجيل مرقس]

يقول الإمام أبو زهرة: لقد كتب هذا الإنجيل باللغة اليونانية ولم نر أحدًا من كتاب المسيحيين ناقض ذلك ... واختلفوا في زمان تأليفه فقالوا: قد ألف الإنجيل الثاني سنة 56 وما بعدها إلى سنة 65 والأغلب أنه ألف سنة 60 أو سنة 63 (4)


(1) محاضرات في النصرانية ص 47.
(2) الفارق بين المخلوق والخالق ص525.
(3) المسيح في القرآن والتوراة والإنجيل صـ 86.
(4) انظر: محاضرات في النصرانية ص 47، 48 بالخذف.

وبناءً على ما تقدم: فإن الجهل بتاريخ التدوين والاختلاف في زمن التأليف يجعل الباحث المسلم في يقين من أننا أمام كتاب مطعونٍ في صحة نسبته إلى صاحبه.

ثالثًا: إنجيل لوقا:

يقول الإمام أبو زهرة من خلال اطلاعه على كتب النصارى وتفسيرات الكتاب المقدس: (إن لوقا ولد بإنطاكية ودرس الطب ونجح في ممارسته ولم يكن من أصل يهودي ولقد رافق بولس في أسفاره وأعماله وجاء في رسائل بولس ما يشير إلى هذه الرفقة وتلك الملازمة: "ويسلم عليكم لوقا الطبيب الحبيب" (1)) (2).

ويقول صاحب الفارق: (اختلفت النصرانية في لوقا اختلاقًا كليًا بحيث يمكننا أن نلحقه في الجهالة بمترجم إنجيل متى وكيفما كان فإنهم اتفقوا على أنه كان تلميذا لبولس العدو الألد للنصرانية وأنه لم ير المسيح أصلًا، وكان من أهل إنطاكية طبيبًا وقيل مصورًا (3).

[الاختلافات في إنجيل لوقا]

يقول صاحب الفارق: (من نظر إلى اختلاف القوم في عنوان هذا الإنجيل يظهر له حاله ولنذكر من ذلك ثلاثة اختلافات:

الأول: عنوان النسخ السريانية: "باسم ربنا وإلهنا يسوع المسيح نكتب الإنجيل المقدس الذي هو بشارة لوقا الإنجيلي التي تكلم بها مبشرًا باليونانية في مدينة الإسكندرية العظمي.

الثاني: عنوان النسخة اللاتينية: "إنجيل يسوع المسيح المقدس كما كتب لوقا".

الثالث: عنوان النسخة العربية القديمة: "باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد إنجيل الآب الفاضل لوقا البشير افتتاح الإنجيل المجيد" (4).

ويقول د/ عبد الكريم الخطيب: إن لوقا ليس من الحواريين الاثنى عشر وإنما هو من السبعين قد بشر بإنجيله باليونانية بالإسكندرية بعد رفع المسيح بثمانية وعشرين سنة (5).

رابعًا: إنجيل يوحنا:

اتفق النقاد المسلمون على أن هذا الإنجيل ينسب إلى يوحنا الحواري ويرون (أن أغلب الطوائف النصرانية تذهب إلى أن يوحنا الإنجيلى أحد التلاميذ الاثنى عشر وأبوه زبدي الصياد ولد في بيت صيدا من الجليل، وأنه هو الذي كان يحبه عيسى - عليه السلام - جدًا، وقال بعض النصارى: إنه لم يكن من التلاميذ ولا من الرسل) (6).


(1) كولوسى (4/ 14) تحيات ختامية.
(2) محاضرات في النصرانية: ص 49.
(3) الفارق بين المخلوق والخالق: ص 543.
(4) المرجع السابق ص 543.
(5) المسيح في القرآن ص 87.
(6) الفارق بين المخلوق والخالق ص 65 والأسفار المقدسة د/ وافي ص 88 وتمهيد لدراسة الأناجيل الأربعة د/ السيد محمَّد عقيل ص 14 طبعة دار الحديث بدون.

(وقد ألفه باللغة اليونانية وكان تأليفه إياه حوالي 90 بعد الميلاد على أرجح الأقوال فهو لذلك أحدث الأناجيل جميعًا، إذ تفصله عنها مرحلة زمنية كبيرة تبلغ زهاء ثلاثين عامًا) (1).

وقيل إن مؤلفه يوحنا آخر لا يمت إلى الحواري بصلة روحية وقد ظهر هذا الرأي في القرن الثاني الميلادي (2).

[سبب تأليف إنجيل يوحنا]

وقد بين صاحب الفارق سبب تأليف هذا الإنجيل فقال: (لما كانوا يعَلمون المسيحية على أن المسيح ليس إلا إنسانًا، وإنه لم يكن قبل أمه مريم ولذلك في سنة 96 م اجتمع عموم أساقفة آسيا وغيرهم عند يوحنا والتمسوا منه أن يكتب عن المسيح وينادي بإنجيل مما لم يكتبه الإنجيليون الآخرون، وأن يكتب بنوع خصوصى لاهوت المسيح فلم يسعه أن ينكر إجابة طلبهم) (3).

وعن هذا السبب يقول فضيلة الإمام أبو زهرة: إن إنجيل يوحنا كُتب لغرض خاص: وهو أن بعض الناس قد سادت عندهم فكرة أن المسيح ليس إلهًا، وأن كثيرين من فرق الشرق كانت تقرر تلك الحقيقة فطلب إلى يوحنا أن يكتب إنجيلًا يتضمن بيان هذه الألوهية فكتب هذا الإنجيل) (4). ثم أورد فضيلته أقوالًا كثيرة لعلماء النصارى

[تبين سبب كتابته واستنبط منها]

(أن كُتاب النصارى يجمعون أو يكادون على أن الإنجيل المنسوب إلى يوحنا كُتب لإثبات ألوهية المسيح التي اختلفوا في شأنها لعدم وجود نصٍ من الأناجيل الثلاثة يعلنها) (5).

[تاريخ تدوين إنجيل يوحنا]

(اختلف العلماء في تاريخ تدوين إنجيل يوحنا ما بين سنة [68، 69، 70، 89، 95، 98] إذن فليس له تاريخ محدد لتدوينه كما أنه ليس هناك بيان قد خلص من الشك بحقيقة كاتبه) (6) ثم يعود العلامة البغدادي فيقرر نتيجة ما وصل إليه من النظرة النقدية في سند إنجيل يوحنا ويقول:

(إن اختلاف علماء النصارى في شأن إنجيل يوحنا وتاريخ تأليفه مع عدم وجود السند المتصل في روايته بطريق التواتر إلى مؤلفه يسقطه عن الاعتبار ويحط رتبته عن باقي الأناجيل فضلًا عن كونه أعلى منها أو مساويًا لها) (7).

ويقول د/ عبد الكريم الخطيب: هذه الأناجيل الأربعة التي اعتمدت عليها المسيحية في إقامة عقيدتها والتي منها كانت تصورات الدعاة والمبشرين بالمسيحية والمسيح ... ويبدو من النظرة الأولى فيها ... أنها غير مسلمة عند الباحثين من المسيحيين أنفسهم وأن نسبتها إلى الحواريين والتلاميذ الذين كتبوها ليس مقطوعًا بها، وهذا أقل ما فيه أنه يبيح للناظر فيها أن يكون على حذرٍ من جهتها وألا يأخذ قضاياها مأخذ التسليم (8).


(1) الأسفار المقدسه د/ وافى ص 88.
(2) محاضرات في النصرانية ص 51.
(3) الفارق بين المخلوق والخالق ص 568 ومحاضرات في النصرانية ص 65.
(4) محاضرات في النصرانية ص 54.
(5) المرجع السابق ص 54.
(6) محاضرات في النصرانية ص 53.
(7) الفارق بين المخلوق والخالق ص 570.
(8) المسيح في القرآن والتوراة والإنجيل ص 88.

  • الثلاثاء AM 10:47
    2022-05-17
  • 1215
Powered by: GateGold