المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409155
يتصفح الموقع حاليا : 336

البحث

البحث

عرض المادة

نقد سند الأسفار الخمسة

[أهمية الإسناد]

للإسناد أهمية كبيرة في قبول الروايات وبه تتميز الأمة الإسلامية عن غيرها (1) ويتوقف تصديق الخبر أو تكذيبه على هذا الإسناد، أما بالنسبة لليهود والنصارى فيما يتصل بالتوراة والإنجيل (فإن السند المتنازع بيننا وبينهم: السند المتصل وهو عبارة عن أن يروى الثقة بواسطة أو بوسائط عن الثقة الآخر بأنه قال إن الكتاب الفلاني تصنيف فلان الحواري أو فلان النبي، وسمعت هذا الكتاب كله من فيه أو قرأته عليه أو أقر عندى أن هذا الكتاب تصنيفى وتكون الواسطة أو الوسائط من الثقات الجامعين لشروط الرواية) (2).

[شروط قبول الكتب الإلهية]

ولقد وضع العلماء شروطًا لقبول الكتب الإلهية بحيث إذا توافرت هذه الشروط وتبين بالأدلة القاطعة اتصال سندها وصحة نسبتها إلى كاتبيها وجب التسليم بها:

1 - لابد لكون السفر سماويًا واجب التسليم به أن يثبت أولًا: بدليل تام أن هذا السفر كتب بواسطة النبي الفلاني، ووصل بعد ذلك إلينا بالسند المتصل بلا تغيير ولا تبديل، وأن الاستناد إلى شخص ذي إلهام بمجرد الظن والوهم لا يكفي في إثبات أنه من تأليف ذلك الشخص، وأن مجرد ادعاء فرقة أو فرق لا يكفى ... بل يحتاج إلى دليل (3).

2 - أن يكون الرسول الذي نسب إليه قد علم صدقه بلا ريب ولا شك وأن يكون قد دعم ذلك الصدق. بمعجزة أي أمر خارق للعادة قد تحدى به المنكرين والمكذبين وأن يشتهر أمر ذلك التحدي وهذا الاعجاز (4).

3 - أن تكون نسبة الكتاب إلى الرسول الذي نسب إليه ثابتة بالطريق القطعى ... بحيث يتلقاه الأخلاف عن الأسلاف، جيلًا بعد جيل من غير أي مظنة للانتحال وأساس ذلك التواتر أن يرويه جمع عن جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب، حتى تصل إلى الرسول الذي أسند إليه الكتاب، ونسب إليه ونزل الوحى عليه (5). وبتطبيق هذه الشروط على كتب النصارى تبين أن الأدلة لم تتوفر حتى يحكم على سندها بالاتصال أو يقال بصحة نسبتها إلى كاتبيها. وعندما طلب من علمائهم السند المتصل ما قدررا عليه واعتذروا عن ذلك وقالوا: إن سبب فقدان السند عندنا وقوع المصائب والفتن على المسيحيين إلى مدة ثلاثمائة وثلاث عشرة سنة ... ويقولون بالظن والتخمين والظن لا يُغني من الحق شيئًا (6).


(1) وإلي هذا أشار العلماء فيقول عبد الله بن المبارك: "الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء" ويقول ابن سيرين المتوفي سنة110 هـ: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم" (انظر: مقدمة صحيح مسلم للنووي 1/ 15تحقيق أ/ محمد فؤاد عبد الباقي ط الحلبي.
(2) إظهار الحق: 1/ 192، 193.
(3) انظر: المرجع السابق 1/ 83 بالحذف.
(4) انظر: محاضرات في النصرانية. أبو زهرة 79، 80.
(5) المرجع السابق ص 80.
(6) انظر: إظهار الحق 1/ 83 بالحذف.

[نقد سند الأسفار الخمسة]

أَتبع علماء المسلمين- فترة البحث في نقدهم لسند العهد القديم المنهج العلمى القائم على:

وضع السند موضع الشك وعدم التسليم بصحته إلى أن يتبين خلاف ذلك من خلال البحث والدراسة، والتحقق من صحة السند ونسبته إلى قائلة، وهل تصح نسبة هذه الأسفار إلى سيدنا موسى عليه السلام أم أنه يوجد انقطاع في سندها، واللجوء إلى هذا المنهج نتيجة طبيعية لذلك الاضطراب الحاصل في تحديد من هو مصنف هذه الأسفار وكذا الاضطراب الحاصل في تحديد زمن التصنيف وفي الصفحات التالية أبين الرؤى النقدية لعلماء المسلمين حول سند الأسفار الخمسة وغيرها من خلال الجهود المتميزة التى قام بها العلامة. رحمة الله الهندي (1) ود / على عبد الواحد وافي (2)، ود / بدران محمد بدران، كما يلي:

فيقول العلامة رحمة الله الهندي إن التوراة المنسوبة إلى سيدنا موسى عليه السلام ليست هى التوراة الحقيقية المنزلة من عند الله سبحانه وتعالى وأورد الأدلة التى تؤكد ما يقول فذكر عشرة أمور تثبت عدم صحة هذه النسبة وأكتفي هنا بذكر أوضح الأدلة التى استند عليها في ذلك وهي:

1 - تشهد عبارات التوراة أن كاتبها غير موسى وهذا الذي هو غير موسى جمع هذا الكتاب من الروايات والقصص المشتهرة بين اليهود، ثم ميز بين هذه الأقوال فما كان في زعمه قول الله أو قول موسى أدرجه تحت قال الله أو قال موسى، وعبر عن موسى في جميع المواضع بصيغة الغائب، ولو كانت التوراة من تصنيفات موسى عليه السلام لكان عبر عن نفسه بصيغة المتكلم ولا أقل من أن يعبر في موضع من المواضع؛ لأن التعبير بصيغة المتكلم يقتضى زيادة الاعتبار، والذى يشهد له الظاهر مقبول ما لم يقم على خلافه دليل قوى ومن ادعى خلاف الظاهر فعليه البيان (3) ".

2 - لا أحد يقدر أن يدعى نسبة بعض الآيات وبعض الإصحاحات إلى موسى عليه السلام؛ بل إن بعض الآيات تدل على أن مؤلف هذا الكتاب لا يمكن أن يكون قبل داود عليه السلام بل يكون إما معاصرًا له أو بعده .. وعلماء المسيحية يقولون بالظن ورجما بالغيب أنها من ملحقات نبي من الأنبياء وهذا القول مردود؛ لأنه


(1) هو العلامة رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي الحنفى نزيل الحرمين، باحث عالم بالدين والمناظرة جاور بمكة وتوفي بها له كتب كثيرة منها: إظهار الحق مطبوع، التنبيهات في إثبات الاحتجاج إلى البعثة والحشر والميقات، ولد سنة 1233 في جمادى الأولي الموافق 1818م من شهر مارس بحى "دربار كان" في مدينة "كيرانة" التابعة لمحافظة مظفر ناجار" في الهند (انظر: الأعلام- للزركلي - 3/ 18 طبعة دار العلم للملايين، مقدمة مناظرة الهند الكبرى في علم مقارنة الأديان تقدم د / أحمد حجازي السقا ط- مكتبة الإيمان بالمنصورة.
(2) هو: من علماء الأزهر الأفاضل الذين أثروا المكتبة الإسلامية بمؤلفاتهم القيمة منها: الأسفار المقدسة، واليهودية واليهود، حقوق الإنسان في الإسلام وغير ذلك من المؤلفات في الأدب واللغة والسياسة والاقتصاد والاجتماع وله مؤلفات باللغات الأجنبية منها نظرية اجتماعية في الرق والفرق بين رق الرجل ورق المرأة، وتقلد مناصب عديدة منها: عميد كلية التربية بجامعة الأزهر، ووكيل آداب القاهرة سابقًا، وعضو المجمع الدولي لعلم الاجتماع (انظر: الأسفار المقدسة ص 1، ص 205 - 212.
(3) إظهار الحق 1/ 86 وانظر: نقد التوراة د / أحمد حجازي السقا ص 67، 77.

مجرد ادعاء منهم بلا برهان؛ لأنه ما كتب نبي في كتابه أني ألحقت الآية الفلانية في الإصحاح الفلاني من السفر الفلاني ولا كتب أن غيري من الأنبياء ألحقها، ولم يثبت ذلك الأمر بدليل آخر قطعى أيضًا ... ومجرد الظن لا يغنى فما لم يقم دليل قوى على الإلحاق تيهون هذه الآيات والإصحاحات أدلة كاملة على أن كتاب موسى عليه السلام هذا ليس من تصنيفاته (1).

وقد تناول د/ على عبد الواحد وافي، سند الأسفار الخمسة بالنقد العلمى الموضوعى مبينا تاريخ تأليفها فقال: (أهم أسفار العهد القدبم هى أسفار القسم التي ينسبها اليهود إلى موسى عليه السلام ويعتقدون أنها بوحى من الله وأنها تتضمن التوراة: ولكن ظهر للمحدتين من الباحثين من خلال ملاحظة اللغات والأساليب التى كتبت بها هذه الأسفار وما تشتمل عليه من موضوعات وأحكام وتشريع، والبيئات الاجتماعية والسياسية التى ينعكس فيها- ظهر لهم من ملاحظة هذا كله- أنها قد ألفت في عصور لاحقة لعصر موسى عليه السلام بأمد غير قصير وعصر موسى عليه السلام يقع على الأرجح حوالى القرن الرابع عشر أو الثالث عشر قبل الميلاد) (2).

وفي إطلالة نقدية سريعة يذكر د/ بدران محمد بدران في كتابه ما يقوله أهل الكتاب عن كاتب التوراة الأمر الذي أوقعهم في شرك ونقدهم من واقع كلامهم لا من خارجه فيقول: "يقول أهل الكتاب إن كاتب التوراة هو موسى عليه السلام حسب النص الذي يقول: "كتب موسى هذه التوراة وسلمها للكهنة بنى لآوى .. حاملى تابوت عهد الرب ... ولجميع شيوخ إسرائيل" (3).

وفي تحليله للصيغ اللغوية الواردة في هذا النص يبرهن د / بدران على أن سيدنا موسى عليه السلام لم يكتب هذه التوراة لأن ما ورد فيها من صيغ لغوية مثل "كتب موسى وصعد موسى وأوصى موسى" وغير ذلك من الصيغ التي تشعر بأن شخصا آخر غيره هو القائل- تثبت خطأ ما يدعون من نسبة نصوصها إلى سيدنا موسى عليه السلام.


(1) انظر: إظهار الحق 1/ 86 بتصرف بالحذف، ولمزيد من التفصيل في هذة الأدلة فقد ساق العلامة رحمة الله الهندي مجموعة كبيرة من الآيات وبين أنها إلحاقية وليست من كلام موسى عليه السلام منها ما يلي: تكوين 36/ 30، تثنية 3/ 4، عدد 32/ 40، تكوين 22/ 14، تثنية 2/ 12، 3/ 11، عدد 21/ 3، خروج 16/ 35، عدد 21/ 14، يشوع 4/ 9، 10/ 13، 34، قضاة 1/ 10 - 15،، صموئيل الأول 6/ 19، انظر: إظهار الحق 1/ 223 - 232).
(2) الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام أ. د/ علي عبد الواحد وافي ص 4.
(3) تثنية: (31/ 9) - قراءة التوراة.

ومن يدقق في هذا النص جيدًا يدرك للوهلة الأولى أن موسى عليه السلام لم يكتب مثل هذا الكلام لأنه لو كتبه ما قال: "وكتب موسى ... " هذا شيء.

والشيء الثانى: أن هذا النص موجود في (تثنية 31) ويتكون هذا السفر من أربعة وثلاثين إصحاحًا .. فمن كتب بقية الإصحاح الحادي والثلاثين وبقية الإصحاحات المكونة لهذا السفر؟.

الشىء الثالث: أن النصوص التالية للنص السابق تقول: "أمرهم موسى (1) ... " كما يقولون إن الله خاطب موسى بعد النص السابق عدة مرات "وقال الرب لموسى (2) " وغيرها. وهذا يثبت أن موسى عليه السلام لم يكتب هذه الآية وما بعدها وهنا يرد الشك، والشك في آية واحدة فقط كفيلة بأن تهدم الكتاب كله (3)، ويقول د/ علي عبد الواحد وافي: عن الأسفار الخمسة:

(إن معظم سفري التكوين والخروج قد ألف حوالي القرن التاسع قبل الميلاد، وأن سفر التثنية قد ألف في أواخر القرن السابع قبل الميلاد وأن سفري العدد واللاويين قد ألفا في القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد أى بعد النفي البابلى (وهو إجلاء بنى إسرائيل إلى بابل سنة 587 قبل الميلاد) وأنها جميعًا مكتوبة بأقلام اليهود، وتتمثل فيها عقائد وشرائع مختلفة تعكس الأفكار والنظم المتعددة التى كانت سائدة لديهم في مختلف أدوار تاريخهم الطويل) (4).

هذا .. وقد قام علماء المسلمين بالتحقق من نسبة الأسفار الخمسة إلى كاتبيها، بأدلة من العهد القديم، ويمكن تناول جهودهم في نقد نسبتها إلى سيدنا موسى عليه السلام كما يلي:

1 - أدلة من سفر التكوين.

2 - أدلة من سفر الخروج.

3 - أدلة من سفر العدد.

4 - أدلة من سفر التثنية.

5 - أدلة من سفر اللاويين.

بين علماء المسلمين من خلال نصوص العهد القديم أن الأسفار الخمسة مشكوك في نسبتها إلى موسى عليه السلام وبالتالى يضعف من قيمتها الدينية. الأمر الذي يؤدى إلى رفع القداسة عنها باعتبار أنها ليست وحيًا من عند الله سبحانه وتعالى. وقد وقف العلماء أمام كل سفر من هذه الأسفار وغيرها وقفة نقدية على أسس علمية قوية مبينين مواطن التحريف فيها عن طريق تحليل الألفاظ الدخيلة عليها أو المنقوصة منها أو المبدلة فيها.


(1) تثنية: (31/ 10) - قراءة التوراة.
(2) ثنية: (31/ 14، 16) التنبؤ بتمرد شعب إسرائيل، (32/ 48) - الرب ينبئ موسى بموته علي جبل نبو.
(3) التوراة: "العقل. العلم. التاريخ" د/ بدران محمَّد بدران، ص 34.
(4) الأسفار المقدسة: ص 4، مرجع سابق.

وسهل على العلماء كشف الزيف والباطل في كتبهم وتمكنوا من إثبات كذبهم وافتراءاتهم على الله عز وجل وعلى الأنبياء وغير ذلك من أمور. وفي الصفحات التالية أعرض كل سفر على حدة مبينًا المواطن إلى وقف أمامها العلماء وقفات نقدية تثبت عدم صحة نسبتها إلى موسى عليه السلام.

فيقول د / السقا: (إن التوراة المتداولة مع اليهود والنصارى ليست هى التى تركها موسى عليه السلام بل هى قد كتبت بعد عصر الملوك، بعد استيلاء بنى إسرائيل على أرض "كنعان (1) واتخاذهم أورشليم (2) عاصمة للمملكة" (3).

وقد ساق العلامة الهندي ستة وعشرين دليلا تؤكد أن هذه الأسفار الخمسة- ليست من تصنيف موسى عليه السلام ووافقه في معظم هذه الأدلة د/ السقا (4) وزاد عليها أدلة أخرى وربما يضيف بعدًا نقدجديدًا زيادة على ما ذكره العلامة الهندي في بعض الأدلة، إلا أنه يؤخذ عليه المحاكاة والتقليد لكثير من القضايا إلى طرقها العلامة الهندي، وأذكر هنا أبرز الأدلة إلى ذكرها كل من العلامة الهندي، د/ السقا.


(1) هى: الأرض إلى سكنتها ذرية كنعان، وقد استولي عليها العبرانيون فيما بعد وكانت حدودها الأصلية مدخل حماة إلى الشمال وبادية سوريا والعرب إلى الشرق وبادية العرب إلى الجنوب وساحل البحر المتوسط إلى الغرب وبعد أن افتتحها العبرانيون أطلق عليها اسم " أرض إسرائيل والأرض المقدسة وأرض الموعد وأما اسم فلسطين كان يطلق في الأصل على الساحل الذي يقطنه الفلسطينيون (قاموس الكتاب المقدس ص 789)
(2) هى: عاصمة يهوذا وفلسطين السياسية لزمن طويل كما أنها مدينة مقدسة عند اليهود والمسيحيين والمسلمين، معناها أساس السلام وتسمي بيت المقدس، والقدس الشريف (قاموس الكتاب المقدس ص 129 - 135).
(3) نقد التوراة: د / أحمد حجازي السقا، ص 61 ط مكتبة الكليات الأزهرية 1976م.
(4) هو: أحمد حجازي أحمد السقا، ولد في قرية ميت طريف مركز دكرنس بالدقهلية في 23/ 9 /1940 م. حصل على الإبتدائية الازهرية سنه 1958 م، والإعدادية العامة سنه 1960 م والثانوية الأزهرية المعادلة سنه 1963 م من معهد المنصورة والماجستير والدكتوراه من أصول الدين بالقاهرة. (انظر: خاتمة كتاب نقد التوراة، د/السقا).

[أدلة من سفر التكوين]

وفي استدلال الدكتور السقا على القضية يقدم للدليل بقوله: يقول الكاتب ثم يذكر النص والتعبير بلفظ" الكاتب فيه لفتة طيبة إذ أنه لم يتأكد نسبة هذه النصوص إلى سيدنا موسى عليه السلام ويؤكد ذلك بقوله: يقول الكاتب عن إبراهيم ولوط عليهما السلام" فأخذ إبرام (1) ساراي (2) امرأته ولوطًا ابن أخيه وكل مقتنياتهما التي اقتنيا والنفوس التي امتلكا في حاران (3) وخرجوا ليذهبوا إلى أرض كنعان، فأتوا إلى أرض كنعان واجتاز إبرام في الأرض إلى مكان شكيم (4) إلى بلوطة مُورة (5) وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض (6).

فقال د/ السقا " إن هذه العبارة ذكرت أكثر من مرة في نفس السفر وهي: "وكان الكنعانيون (7) والفرزيون حينئذ ساكنين في الأرض (8) وهذا يعنى أن التوراة لم تكتب فى زمن سيدنا موسى عليه السلام لأنه قد استولى بنو إسرائيل على أرض كنعان فى زمن سيدنا داود عليه السلام وقد علق العلامة الهندي على هذا النص بقوله:

(الجملتان المذكورتان تدلان على أن الآيتين المذكورتين ليستا من كلام موسى عليه السلام، ومفسروهم يعترفون بأنهما قد ألحقا إلى هذا السفر ألحقهما عزرا أو شخص إلهامي آخر في وقت جمع الأسفار المقدسة وقولهم ألحقهما عزرا أو شخص إلهامي غير مسلم به، إذ ليس عليه دليل سوى ظنهم) (9).


(1) هو: إبراهيم عليه السلام.
(2) هى: سارة زوجة سيدنا إبراهيم عليه السلام.
(3) هى: مدينة بين النهرين على نهر بلخ وهو فرع للفرات وتقع على مسافة 280 ميلًا إلى الشمال الشرقي من دمشق (قاموس الكتاب المقدس ص 281).
(4) هى: بلدة بالقرب من نابلس في فلسطين، عندها قبر يوسف بن يعقوب وبئر يعقوب (المنجد في اللغة والأعلام- قسم الأعلام ص 390).
(5) هى: اسم كنعاني معناه " بلوطة المعلم وهو موضع بقرب شكيم (تكوين 12/ 6) وجبل عيبال وحرزيم (تثنية 11/ 30) قاموس الكتاب المقدس ص 930.
(6) تكوين: (12/ 5 - 6) - دعود إبراهيم-.
(7) هم: شعب سامي استوطن في الألف (3 ق. م) القسم الغربي من فلسطين وفينيقية وسورية حيث أصبحوا عاملًا حضاريًا له شأنه منذ بدء الألف (2 ق. م) (انظر: المنجد في اللغة والأعلام ص 595) وفي قامرس الكتاب المقدس ص 790 هم سكان أرض كنعان.
(8) الفرزيون: اسم كنعاني معناه "أهل الريف" وهي طائفة من الكنعانيين أحصيت مرارًا مع قبائل فلسطين (تكوين 15/ 20، خروج 3/ 8، يشوع 9/ 1 وربما كان الفرزيون كالرفائيين من السكان الأصليين ومن عنصر غير عنصر الكنعانيين وأقدم منهم في البلاد حيث كانوا منذ أيام إبراهيم ولوط (تكوين 13/ 7) (قاموس الكتاب المقدس ص 675، تكوين (13/ 7) انفصال إبراهيم عن لوط (عليهما السلام).
(9) انظر: إظهار الحق 1/ 277.

ويضيف د/السقا بعدًا نقديًا تاريخيًا جديدًا فيقول في نقده لهذا النص:

قوله: "وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض" يدل على أن الكاتب كتب التوراة بعد استيلاء بنى إسرائيل على أرض كنعان وطرد الكنعانيين منها؛ لأنه يحكى عن زمان مضى، وهم لم يستولوا عليها زمن موسى وإنما تم الاستيلاء عليها زمن داود عليه السلام" (1).

فلا يصح أن نذكر نصًا من العهد القديم ونضيفه إلى موسى عليه السلام حتى لا يتوهم البعض أن القائل هو موسى عليه السلام وحتى لا يكون ذلك ذريعة لأن ينسب إليه شىء يقدح في نبوته وشخصه الكريم وهو برئ منه وفى الاضافة إليه اعتراف ضمني بأنه هو الذي قال هذا النص وذلك يعني تأكيد كلامهم وموافقتهم على ما يدعون.

وفي سفر التكوين أيضًا:

"فلما سمعع إبرام أن أخاه سُبي، جر غلمانه المتمرنين ولدان بيته ثلاث مائة وثمانية عشر وتبعهم إلى دان (2) " (3).

يقول العلامة الهندي، في نقده لهذا النص:

"دان بلدة عمرت في عهد القضاة فتحوا بلدة لايش وقتلوا أهلها وأحرقوا تلك البلدة وعمروا بدلها بلدة جديدة وسموها "دان" باسم دان أبيهم الذي ولد لإسرائيل ولكن اسم المدينه أولًا "لايش (4) " فلا تكون هذه الآية أيضًا من كلام موسى عليه السلام) (5).

ويضيف د/ السقا، بعدًا توضيحيًا آخر لهذه القضية فيقول:

والمعنى أن إبراهيم عليه السلام، لما سمع أن لوطًا عليه السلام. وقع في الأسر انطلق مع عبيده ليحرره وتبع الأعداء إلى قرية "دان" كما جاء في سفر القضاة ودعوا اسم المدينة دان ولفظ دان هو: اسم قرية سُميت باسم دان بن يعقوب عليه السلام وهذه القرية لم يفتحها بنو إسرائيل زمن موسى؛ بل فُتحت في عصر قضاة بني إسرائيل أيام كان القضاة يحكمون قبل عصر الملوك واسم هذه القرية سابقا "لايش" (6)، وكونها لم تُفتح في زمن موسى عليه السلام دليل عى أن الكاتب غير موسى عليه السلام.


(1) نقد التوراة د/ السقا ص 61
(2) دان: اسم عبري معناد "قاض" وهو اسم مدينة موقعها الطرف الشمالي من أرض بني إسرائيل في نصيب نفتالي في سفح جبل حرمون عند تل القاضى حيث منابع الأردن والتعبير من دان إلى بئر سبع (قضاة 20/ 1) أو من بئر سبع إلى دان (أخبار 1/ 21 - 2) يدل على البلاد كلها من الشمال إلى الجنوب (قاموس الكتاب المقدس ص 357).
(3) تكوين: (14/ 14) - إبراهيم ينقذ لوطًا.
(4) قضاة: (8/ 29) - سبط دان يسكن لايش.
(5) إظهار الحق: 1/ 227.
(6) نقد التوراة د/ السقا ص 62.

وجاء في سفر التكوين أيضًا: أن لوطًا عليه السلام أخطأ مع ابنتيه بعد ما سقياه خمرًا" فحبلت ابنتا لوط من أبيهما، فولدت البكر ابنا ودعت اسمه "موآب" وهو أبو الموآبيين إلى اليوم، والصغيرة أيضًا ولدت ابنا اسمه بِنْ عَمِّي" وهو أبو بني عمون إلى اليوم" (1).

وفي نقد د/ السقا لهذا النص يقول:

("قوله إلى اليوم" يدل على الأيام" التي كان فيها كاتب التوراة، وهل يعقل على نبي كريم اصطفاه الله واجتباه أن يفعل هذا الفعل الذميم) (2).

وبذلك استدل د/ السقا على أنه لو كان موسى عليه السلام هو الكاتب الحقيقى للتوراة لما وقع في هذا الخطأ المباشر بقوله: "إلى اليوم" ولما اتهم نبي الله لوطًا هذه الجريمة الشنعاء التى تقدح في عصمة الأنبياء وهل يليق بكتاب يدَّعون له القداسة وأنه منزل من عند الله أن يصف نبي من أنبياء الله بالزنا هذا ما لا يقبله عقل ولا يرضى به دين منزل من عند الله عز وجل.

وجاء في سفر التكوين أيضًا: عن الموضع الذي كان إبراهيم عليه السلام سيذبح فيه ولده إسماعيل (فدعا إبراهيم اسم ذلك الموضع "يَهْوَهْ يْرِأَه" حتى إنه يقال اليوم في "جبل الرب يُرَى") (3).

يقول د/ السقا: (قوله: "حتى إنه يقال اليوم: في جبل يُرَى" يدل على أن الكاتب كتب بعد زمان حادثة الذبح، وبعد ما سمي ذلك الموضع بجبل الرب، وهو لم يسم بجبل الرب إلا في عهد داود عليه السلام) (4).


(1) التكوين: (19/ 36 - 38) لوط وابنتاه.
(2) نقد التوراة: د/السقا، ص 62.
(3) التكوين: (22/ 14) - امتحان إبراهيم.
(4) نقد التوراة ص 62 وقد أشار العلامة الهندي والشيخ السقا إلى أكثر من آية فيها لفظ "إلى اليوم" مثل تكوين (26/ 23) وتكوين (32/ 32) وتكوين (35/ 19 - 20)، ويشوع: (5/ 9، 8/ 28، 29، 10/ 27 , 13/ 13، 14/ 14، 15/ 36، 16/ 10 (انظر: إظهار الحق: 1/ 229 الشاهد السابع عشر، وبين أنه لو كان مرسى عليه السلام هو الكاتب لقال إلي الأبد بدلا من "إلى اليوم" الذي يعتبر إشارة إلى زمن الكاتب الذي يكتب (انظر: نقد التوراة ص 62، 63 الأمثلة الخامس والسادس والسابع)، وانظر: إظهار الحق، 1/ 224 الشاهد الثالث.

[أدلة من سفر الخروج]

استدل كل من العلامة رحمة الله الهندي ود/ السقا بنص من سفر الخروج يثبت عدم صحة نسبة الأسفار الخمسة إلى موسى عليه السلام والنص يقول: "وأكل بنو إسرائيل المن (1) أربعين سنة، حتى جاءوا إلى أرض عامرة. أكلوا المن" حتى جاءوا إلى طرف أرض كنعان" (2).

ويعلق العلامة رحمة الله بقوله: (هذه الآية ليست من كلام موسى عليه السلام لأن الله أمسك المن عن بني إسرائيل مدة حياته، وما دخلوا في أرض كنعان إلى هذه المدة) (3).

ويضيف د/ السقا بُعدًا توضيحيًا إلى ما قاله الشيخ رحمة الله فيقول:

إنه: (لم يُمنع المن إلا بعد ما دخل يشوع (4) أريحا وعبر الأردن كما يقول كاتب سفره "فحل بنو إسرائيل في الجلجال (5)، وعملوا الفصح (6) في اليوم الرابع عشر من الشهر ... وفريكًا في نفس ذلك اليوم، وانقطع المن في الغد عند أكلهم من غلة الأرض ولم يكن بعد لبني إسرائيل مَن، فأكلوا من محصول أرض كنعان في تلك السنة (7)) (8).

ويقول د/السقا:

(جاء في سفر الخروج إشارة إلى سفر ضائع كتبه موسى عليه السلام يسمى سفر العهد ومؤداه: إذا وفي بنو إسرائيل بعهد الله يوف بعهدهم والنص الذي يشير إلى ذلك يقول: "وأخذ كتابَ العهدِ، وقرأ في مسامع الشعب، فقالوا: "كلُ ما تكلمَ به الربُّ نَفعَل ونسمع له"، وأخذ موسى عليه السلام الدم ورش عَلى الشعب وقال: هو ذا دمُ العهد الذي قطعه الرب معكم" على جميع هذه الأقوال" (9)) (10).


(1) هو: مادة أنزلها الله علي بني إسرائيل مدة إقامتهم في البرية وهر حلو يُؤكل (انظر: المعجم الوسيط 2/ 888، 889، قاموس الكتاب المقدس ص 925، خروج 16/ 4).
(2) خروج: (16/ 35) المن والسلوى.
(3) إظهار الحق: 1/ 226.
(4) هو: يشوع بن نون خليفة موسى عليه السلام وابن نون من سبط إفرايم ولد في مصر، كان خادمًا لموسى عليه السلام أولًا، وعينه قائدًا لبني إسرائيل وهو ابن 44 سنة (قاموس الكتاب المقدس ص 1068.
(5) هى: أول معسكر للإسرائيليين بعد عبور الأردن ودخولهم أرض كنعان وفيها نُصب تذكاري من 12 حجرًا أخذت من قعر النهر (قاموس الكتاب المقدس ص 262).
(6) هو: أول الأعياد السنوية الثلاثة التى كان مفروضا فيها على جميع الرجال الظهور أمام الرب في بيت العبادة، ويعرف بعيد الفطير، أنشئ في مصر (قاموس الكتاب المقدس ص 678).
(7) يشوع: (5/ 10 - 12) الختان في الجلجال.
(8) نقد التوراة: ص 64.
(9) خروج: (24/ 7 - 8) تأكيد العهد.
(10) نقد التوراة: ص 64.

ويقول د/ السقا أيضا: (ثم- إن موسى عليه السلام شرح جميع الشرائع إلى سنها عن أمر الله تعالى في السنة الأربعين لخروجه من مصر لقول التوراة: "في عبر الأردن في أرض مؤاب، ابتدأ موسى يشرح هذه الشريعة قائلًا ... الخ " (1). وأخذ من الشعب وعدًا جديدًا بأن يظلوا خاضعين لهذه الشرائع" وليس معكم وحدكم أقطع أنا هذا العهد وهذا القسم" (2)) (3).

ثم يتساءل د/ السقا في نقده لهذا النص ويقول:

(أين كتاب عهد موسى عليه السلام الذي قال عنه الكاتب: "أخذ كتاب العهد"؟ إما أنه قد ضاع وإما أن الكاتب قد وضعه في توراة موسى عليه السلام وعهد الدم هذا كان من أجل أن تنزل التوراة) (4).

[والأدلة السابقة تؤكد]

وقوع كتبة الأسفار الخمسة في أخطاء تاريخية جسيمة فهم يغالطون في حقائق التاريخ الثابتة ويزيفون في أحداثه، ولم يكونوا أمناء فيما أخذ عليهم من عهد. ودل على عدم حفظهم لهذه الأمانة ورود إشارات تدل على أن هناك سفرًا يسمى "كتاب العهد" ولكنه فقد كغيره من الأسفار الصحيحة التي كتبها موسى عليه السلام وضاعت بضياع التوراة الأصلية المنزلة على سيدنا موسى عليه السلام كما سبق بيانه (*).

[أدلة من سفر العدد]

وفي استدلال العلامة رحمة الله الهندي من هذا السفر ذكر النص التالي: "لذلك يُقال الذي كتاب حروب الرب كما صنع في بحر سوف (5) كذلك يُصنع في بحر أرنون (6) " (7).

وعلق عليه قائلًا: (هذه الآية لا يمكن أن تكون من كلام موسى عليه السلام بل تدل على أن مصنف سفر العدد ليس هو؛ لأن هذا المصنف نقل ها هنا الحال عن سفر "حروب الرب"ولم يُعلم إلى الآن جزمًا أي شخصٍ صنف هذا السفر؟ ومتي كان؟ وأين كان؟ وهذا السفر كالعنقاء عند أهل الكتاب سمعوا اسمه وما رأوه ولا يوجد عندهم (8).


(1) تثنية: (1/ 5) الأمر. بمغادرة حوريب.
(2) تثنية: (29/ 14) تجديد العهد.
(3) نقد التوراة: ص 64.
(4) المرجع السابق: ص 65. (*)، مقتبس من نقد التوراه د/السقا ص64_65
(5) هو: البحر الأحمر الذي يفصل آسيا عن أفريقيا وكان العبرانيون مده إقامتهم في مصر يسمونه البحر، وسمى أيضًا بحر مصر، (قاموس لكتاب المقدس ص 162).
(6) هو: اسم لنهر يدعى اليوم "وادي الموجب" بالمملكة الأردنية الهاشمية ويجري نهر أرنون في غور عميق حتى يصل إلى البحر الميت (قاموس الكتاب المقدس ص 57).
(7) عدد: (21/ 4) الذهاب إلى مؤاب.
(8) إظهار الحق: (1/ 226).

[وجاء في سفر العدد أيضا]

وذهب يائير بن منسي (1) وأخذ مزارعها ودعاهن: حووث يائير (2) " (3). وفي نقد العلامة الهندي لهذه الآية يقول: حال هذه الآية كحال سفر التثنية (4) ... وقد جزم علماؤهم بأن بعض الجمل والعبارات ليست من كلام موسى عليه السلام لكنهم ما قدروا أن يبينوا اسم الملحق على سبيل التعيين؛ بل نسبوا على سبيل الظن إلى عزرا وهذا الظن ليس بشىء ولا يظهر من الاصحاحات المذكورة (5) أن عزرا ألحق شيئًا من التوراة؛ لأنه يُفهم من سفر عزرا أنه تأسف على أفعال بني إسرائيل واعترف بالذنوب، ويُفهم من سفر نحميا أن عزرا قرأ التوراة عليهم (6).

وجاء في سفر العدد أيضًا: ما يدل على أن كاتب التوراة غير سيدنا موسى عليه السلام وذلك أن: (التوراة تتحدث عن سيدنا موسى عليه السلام الغائب وأنه لو كان الكاتب هو سيدنا موسى لكان عبر عن نفسه بضمير المتكلم مما يدل دلالة واضحة على أن كاتبها لم يكن سيدنا موسى عليه السلام فيقول الكاتب: "وأما الرجل موسى فكان حليمًا جدًا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض" (7) وفي نهاية السفر: "هذه هى الوصايا والأحكام التي أوصى بها الرب إلى بنى إسرائيل عن يد موسى في عربات موآب (8) على أردن أريحا (9) " (10).

(فلو كان سيدنا موسى هو الذي يتحدث عن وحى الله عزوجل ما كان يستعمل ضمير الغائب) (11).

وبناءً على ما سبق فإن وجود الإشارات الصريحة التي وردت في هذا السفر عن كتاب "حروب الرب" ونقل الكاتب عنه أقوالًا كثيرة ورغم ذلك لم يوجد بين الأسفار سفر يسمي "حروب الرب" وصيغة التمريض الواردة" يقال فى حروب الرب " تضع هذا السفر موضع الشك من ناحية المؤلف ومن الناحية التاريخية أيضًا لم يعرف في أي زمان كان تصنيف هذا السفر.


(1) هو: يائير بن سجوب وحفيد حصرون من سبط يهوذا وزوجته من عشيرة ماكير من سبط منسي وأخذ يائير عندما احتل العبرانيون بقيادة موسى البلاد إلى شرقى الأردن كورة أرجوب (اللجاة). بمدها الثلاث والعشرون وقسما من جلعاد "عجلون" وباشان (حوران) فالكل ستون مدينة وسماها باشان حووث يائيرِ (قرى مائير) (قاموس الكتاب المقدس ص 1043)
(2) هي: اسم عبري معناه "قرى" أو مخيمات أو معسكرات يائير وهي مدن بدون أسوار في القسم الشمالى الغربي من باشان في منطقة الأرجوب ... استولى عليها يائير وكان عددها قابلًا للتغيير لأنها واقعة في أرض متنازع عليها (قاموس الكتاب المقدس ص 328، 329).
(3) عدد: (32/ 41) أسباط عبر الأردن.
(4) يشر إلى تثنية: (3/ 4) وتقول: يائير بن منسي أخذ كل كورة أرجوب إلى تخم الجشوريين والمعكيين ودعاها على اسمه باشان حووث يائيرإلى هذا اليوم" وقال إن هذه الآية لا يمكن أن تكون من كلام موسى -عليه السلام - لأن المتكلم بها لا بد أن يكون متأخرا عن يائير تأخيرا كثرا كما يشعر به قوله "إلى اليوم" لأن أمثال هذا اللفظ لا يستعمل إلا في الزمان الأبعد على ما حقق المحققون من علمائهم (انظر: إظهار الحق 1/ 224).
(5) و (6) يشير مفسرو الكتاب المقدس إلى (عدد 32/ 40) (تثنية 2/ 14) ويقولون إن هذه الجمل تدل على انها ليست من كلام موسى عليه السلام ولم يجزموا أن شخصا ما ألحقها بالتوراه ولكن يقولون بالظن أن عزرا النبي ألحقها كما يدل على ذلك (عزرا 9، 10)، (ونحميا 8) (انظر: إظهار الحق 1/ 225).
(7) عدد: (12/ 3) مريم وهارون ينتقدان موسى.
(8) هي: ما كان في وادي الأردن مقابل أريحا (عدد 22/ 1، 26/ 3، 33/ 48) قاموس الكتاب المقدس ص 928.
(9) هي: مدينة الجبارين في الغور من أرض الأردن بالشام بينها وبين بيت المقدس يوم للفارس في جبال صعبة المسلك سميت فيما قبل بأريحا بن مالك بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام انظر: معجم البلدان: ياقوت الحموي (1/ 165) ط دار صادر بيروت 1984م
(10) عدد: (36/ 13) ميراث بنات صَلفُحاد.
(11) نقد التوراة: د/ السقا ص 67.

[أدلة من سفر التثنية]

وهناك أيضًا نصوص من سفر التثنية تثبت أن موسى عليه السلام لم يكتب هذه الأسفار وقد ذكر هذه الأدلة كل من العلامة الهندي والدكتور / السقا. من هذه النصوص مايلى:

[النص الأول يقول فيه الكاتب]

" وفى سعير (1) سكن قبلًا الحوريون (2) فطردهم بنو عيسو وأبادوهم من قدامهم وسكنوا مكافم كما فعل إسرائيل بأرض ميراثهم التي أعطاهم الرب" (3).

يقول العلامة الهندي في نقده لهذا النص نقلًا عن بعض مفسري الكتاب المقدس: (هذه الآية إلحاقية وجعل هذا القول "كما فعل إسرائيل" إلى آخره دليل الإلحاق) (4)

ويقول د/ السقا معلقًا على هذا النص أيضًا:

(قوله "كما فعل إسرائيل بأرض ميراثهم" يدل على أن الكاتب فى الزمان المتأخر عن دخول بنى إسرائيل أرض كنعان التي أعطاها الله لهم وأنه يشبه طرد بنى عيسو بن اسحق للحوريين بطرد بنى إسرائيل للكنعانيين) (5).

[النص الثانى: يقول فيه الكاتب]

(إن عوج (6) ملك باشان (7) وحده من بقية الرُفائيين (8)، هو ذا سريره، سرير من حديد، أليس هو في ربة بني عمون (9)، طوله تسع أذرع وعرضه أربع أذرع بذراع رجل، فهذه الأرض امتلكناها ذلك الوقت (10).


(1) هي: سلسلة جبال ممتدة في الجهة الشرقية من وادي عربة من البحر الميت إلى خليج العقبة سميت كذلك نسبة إلى سعير الحوري والظاهر أنه جد سكان تلك الأرض (انظر: دائرة المعارف- للبستاني 9/ 623 ط بيروت 1887 م).
(2) هم: سكان جبل سعير الأصليين ولذلك يدعون بنى سعير (تكوين 36/ 20، 21) وكان الاعتقاد قديما أن حور معناها كهف وبالتالي هم سكان الكهوف انتشروا في أراضي ما بين النهرين وسوريا، فلسطين، مصر (قاموس الكتاب المقدس ص 327).
(3) تثنية: (2/ 12) التيه في البرية.
(4) إظهار الحق: 1/ 225.
(5) نقد التوراة: ص 67/ 68.
(6) هو: ملك الأموريين في باشان من سلالة الرفائيين وامتد ملكه من جبل أرنون إلى وادي حرمون قتله بني إسرائيل واحتلوا مملكته (قاموس الكتاب المقدس ص 646).
(7) هي: مقاطعة في أرض كنعان شرقى الأردن بين جبلي حرمون وجلعاد (عدد 20/ 33) (قاموس الكتاب المقدس ص 159).
(8) هم: عشيرة من الجبابرة سكنوا قديما في فلسطين شرقى الأردن قاموس الكتاب بالمقدس صـ 407.
(9) هي: مدينة تقع عند منبع يبوق (نهر الزرقاء) وكانت عاصمة أرض بنى عمون وفيها مات أوريا عند محاصرة يوآب للمدينة (صموئيل الثاني 11/ 17) اسمها الحديث عَمّان (قاموس الكتاب المقدس ص 397).
(10) تثنية: (3/ 11 - 12).

والعلامة الهندي في نقده لهذا النص يعتمد على كلام علمائهم في تفسيرهم لسفر عزرا وهذا التفسير يقول: (المحاورة سيما العبارة الأخيرة تدل على أن هذه الآية كتبت بعد موت ذلك السلطان بمدة طويلة. وما كتبها موسى؛ لأنه مات في مدة خمسة أشهر) (1).

ود/ السقا في نقده يضيف قائلًا:

(قوله:"أليس هو في ربة بني عمون؟ يدل على أن السرير كان موجودًا زمن الكاتب وأن هذا السرير بقى في حوزة بني إسرائيل بعد موت "عوج" وأنه محفوظ في "ربة بني عمون" وربة بني عمون لم يستول عليه بنو إسرائيل في زمن موسى بل بعده بخمسمائة عام وخمسة عشر عاما ... وقوله "فهذه الأرض امتلكناها في ذلك الوقت" يدل على أنه يتحدث عن أمر ماض بعيد جدًا وهم لم يمتلكوها تماما إلا في عهد داود عليه السلام فيكون كاتب توراة موسى عليه السلام بعد زمن داود) (2).أى فى زمن متأخر بعد سيدنا موسى عليه السلام.

هذا وقد وقف د/ السقا مع سفر التثنية وقفة نقدية فاحصة جعلته يحلل ما ورد في هذا السفر تحليلًا جيدًا أثبت من خلاله أن التوراة الموجودة الآن ليست هي التوراة المنزلة على سيدنا موسى عليه السلام فقال:

(الآيات الكثيرة من سفر التثنية تدل على أن السفر ليس من زمن موسى بيقين ذلك لأن الكاتب يتحدث عن موت موسى ودفنه وأنه لا أحد يعرف قبره وأن يشوع بن نون قد خلفه في قيادة بني إسرائيل، أو فى أول السفر يستعمل ضمير الغائب بوضوح تام، وهذا الاستعمال يستمر به إلى نهاية السفر) (3).

فيقول في المقدمة: (هذا هو الكلام الذي كلم به موسى جميع إسرائيل في عبر الأردن (4) في البرية ... في السنة الأربعين الشهر الحادى عشر في الأول من الشهر، كلم موسى بني إسرائيل ... في عبر الأردن في أرض موآب (5) ابتدأ موسى يشرح هذه الشريعة قائلًا ... إلخ) (6).

ويعلق د/ السقا قائلًا: (فلو كان موسى هو المتكلم لكان يقول: "هذا هو الكلام الذي كلمت به جميع إسرائيل في عبر الأردن في البرية ... كلمت بني إسرائيل ... في عبر الأردن في أرض موآب ابتدأت أشرح هذه الشريعة فقلت ... هكذا" فهذا يدل على أن شخصًا يؤرخ لموسى عليه السلام لا أن هذا الكلام من كلام موسى نفسه) (7).


(1) إظهار الحق: 1/ 226.
(2) انظر: نقد التوراة ص 68 بتصرف.
(3) نقد التوراة: ص 70، 71.
(4) هو: اسم كورة وأهل السير يقولون: إن الأردن وفلسطين ابنا سام بن أرم بن سام بن نوح عليه السلام وهي أحد أجناد الشام الخمسة، افتتحها شرحبيل بن حسنةَ عنوة ما خلا طبرية فإن أهلها صالحوة على أنصاف منازلهم وكنائسهم (معجم البلدان 1/ 148).
(5) أرض موآب: ما وقع شرقي البحر الميت (تثنية 1/ 5) وأرض الموآبيين ويقابلها اليوم القسم الشرقي من البحر الميت لمملكة الاْردن اليوم وكانت منقسمة إلى قسمين أرض موأب، عربات موآب (انظر: قاموس الكتاب المقدس ص 927، 928).
(6) تثنية: (1/ 1 - 5) الأمر بمغادر- حوريب.
(7) نقد التوراة: ص 70، 71.

ثم يذكر د/ السقا نصوصًا في ثنايا سفر التثنية تؤكد أن الكاتب ليس موسى عليه السلام بل الكاتب إنسان آخر من هذه النصوص ما يلي:-

أ. "وهذه هى الشريعة التي وضعها موسى أمام بني إسرائيل (1) ... ودعا موسى جميع إسرائيل (1) وقال لهم ... " (2)

ب. "وأوصى موسى وشيوخ إسرائيل الشعب قائلًا: احفظوا جميع الوصايا التى أنا أوصيكم بها اليوم" (3).

ج. "وصعد موسى، من عربات موآب ... فمات هناك موسى عبد الرب في أرض موآب حسب قول الرب، ودفنه في الجواء (4) في أرض موآب، مقابل بيت فغور، ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم وكان موسى ابن مائة وعشرين سنة حين مات، ولم تكل عينه ولا ذهبت نضارته) (5) وغير ذلك من النصوص كثير.

ثم يقف د/ السقا وقفة متعجب حول هذه النصوص قائلًا: أي عاقل يقول: (إن الكاتب هو موسى، وقد ذكر ما حدث لبني إسرائيل بعد موته، من أنه لا أحد يعرف قبره؟ وهذا يدل على أن الكاتب بعد موسى بمدة طويلة جدًا، ضاعت منها الذكريات عن قبر موسى) (6). وينتقد العلامة: أحمد ديدات (7) هذه النصوص قائلا: إنه واضح وجلى بأن هذه النصوص ليست من أقوال الله ولا من أحاديث موسى، إنها تدل على صوت المؤلف بضمير الغائب قام بتصنيف ما سمعه، ويتساءل أيمكن أن يكون موسى قد كتب تفاصيل موته؟ قبل وفاته وصيرورته رفاتًا؟ هل حدث أن كتب يهودي تفاصيل موته؟ مات موسى ودفنه الله كما جاء في سفر التثنية (5، 6) (8)

[أدلة من سفر اللاويين]

وقد ذكر النقاد المسلمون نصوصًا من سفر اللاويين تثبت أن التوراة الموجودة الآن في أيدى اليهود والنصارى ليست هى التوراة الحقيقية من هذه النصوص ما ذكره د/ السقا، حيث يقدم قبل أن يذكر النص بقوله: (إذا أراد الشخص أن يكفر عن ذنبه عليه أن "يأتي إلى الرب بذبيحة لإثمه كبشًا صحيحًا من الغنم بتقويمك من شواقل فضة =


(1) تثنية: (4/ 44) الأمر بالطاعة،
(2) تثنية: (5/ 1) الوصايا العشر.
(3) تثنية: (27/ 1) المذبح على جبل عيبال.
(4) هي: الكلمة العبرية لوادٍ وهو بطن من الأرض أو واد واسع فيه دفن موسى عليه السلام في أرض موآب (تثنية 34/ 6) (قاموس الكتاب المقدس) ص 278).
(5) تثنية: (34/ 1)، (5 - 7) موت موسى.
(6) نقد التوراة: ص 71.
(7) هو: أحمد حسين ديدات، ولد في سنه 1918 م في. تادكسها فاز في الهند. وبعد تسع سنوات لحق بوالده في. جنوب إفريقيا. وعاش الوالد وابنه في دير نان ويعمل والدة ترزيًا، والتحق أحمد ديدات بالمركز الإسلامى حيث تعلم تعاليم الإسلام، انتهى من المرحلة الأساسية عام 1943 عمل في محل تجارى يبيع الملح والسكر وطاردة المبشرون كثيرا حين قرر دراسة الكتاب المقدس وحاور القساوسة وناظرهم من مؤلفاته: مسألة صلب المسيح، ومن دحرج الحجر، وهل الكتاب المقدس كلام الله (انظر: مقدمة كتيب من دحرج الحجر للعلامة أحمد ديدات، صـ 6).
(8) هل الكتاب المقدس كلام الله أ/ أحمد ديدات صـ 151، طـ/ دار المنار، طـ1، 1989م.

= على شاقل القدس ذبيحة إثم ويعوض عما أخطأ به من القدس، ويزيد عليه خمُسَه ويَدْفعُهُ إلى الكاهن فيكَفِّرُ الكاهن عنه بكبش الإثم فيُصْفَح عنهُ) (1).

وفي نقد د/السقا، لهذا النص يقول: (معروف أن بني إسرائيل لم يكونوا قد دخلوا القدس في عهد موسى ولم يتخذوا "الشاقل" (2) أيضًا في عهد موسى) (3). وهذه الوقفة النقدية للدكتور/ السقا تدل على درايته بتاريخ بني إسرائيل والمراحل التي مروا بها ومتي دخلوا القدس وفي أي وقت من الزمان اتخذوا المقدار الوزني الذي يسمي "الشاقل".

ويذكر د/ يحيي ربيع، أدلة كثيرة من سفر اللاويين ويعلق عليها مبينًا أن موسى عليه السلام لم يكن هو الكاتب لهذا السفر أيضًا كغيره من الأسفار فيقول: ورد في سفر اللاويين: (ما يفيد أن مؤرخًا يسجل التشريع الذي أنزله الله على موسى عليه السلام حيث يبدأ السفر بقوله: "ودعا الرب موسى وكلمه من خيمة الاجتماع (4) قائلًا ... " (5) ويقف د/ يحيى ربيع أمام هذا النص منتقدًا قائلًا: لو كان موسى هو الذي يتحدث عن نفسه لقال: "ودعاني الرب من خيمة الاجتماع وكلمني قائلًا ... " ويقول وأمثال هذه العبارة يتكرر كثيرًا منها " وكلم الرب موسى قائلًا) (6) ومنها " أوص هارون وبنيه قائلًا (7)، (8).

والمتأمل لما سبق يجد دقة العلامه الهندي في نقده لسند الأسفار الخمسة وفي نهاية نقده كون رأيًا هامًا حول سند الأسفار الخمسة فقال: ليس في أيدى أهل الكتاب سند لكون الأسفار الخمسة من تصنيف موسى عليه السلام ومادام لم يثبت سند من جانبهم فليس علينا التسليم لصحة هذه الأسفار بل يجوز الرد والإنكار (9).


(1) الإصحاح: (5/ 15 - 16) ذبيحة الإثم.
(2) هو: اسم معيار لوزن الأشياء الثقيلة وغيرها ونوع من النقود الذهب والفضة غير المسكوكة (قاموس الكتاب المقدس ص 1024).
(3) نقد التوراة: ص 67.
(4) هي والخيمة الأصلية التي كان يجتمع فيها الرب بشعبه - في زعمهم -ماشاء لله، ولذلك سميت "خيمة الاجتماع" وهي التي أمر الله موسى أن يقيمها في البرية لكي يسكن الله فيها بين شعبه (على زعمهم) ولذلك سميت المسكن أو مسكن الشهادة (خروج 38/ 21) (قاموس الكتاب المقدس ص 352) تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا
(5) الإصحاح: (1/ 1) المحرقة:
(6) اللاويين: (6/ 1) بدون.
(7) اللاويين: (6/ 8 - 9) شريعة المحرقة.
(8) انظر: الكتب المقدسة بين الصحة والتحريف د/يحيي ربيع ص 78 طبعة دار الوفاء 1415 هـ 1994 م.
(9) إظهار الحق 1/ 91.

[وخلاصة ما سبق]

1 - أثبت علماء المسلمين أن الأسفار الخمسة ليست منسوبة إلى سيدنا موسى عليه السلام بأدلة من داخل نصوص هذه الأسفار نفسها وذلك أدعى للقبول. وأنه لا يصح إضافة أي شىء منها إلى موسى عليه السلام.

2 - بين علماء المسلمين أن الأسس العلمية التي يتم على أساسها قبول الأخبار لم تتوفر في سند الأسفار الخمسة وبالتالى يحكم بردها، وكذلك لم تتوفر فيها الأسس الشرعية.

3 - تعلل علماء النصارى لفقدان السند بكثرة المصائب التى مرت بهم عبر العصور وهذه العلة لا تكفى أبدًا للتسليم بصحة سند الأسفار إذ أن فقدان سند الرواية المقدسة يكفى بردها وإبطالها.

4 - الكشف عن فقرات اعترفوا بأنفسهم أنها ألحقت هذه الأسفار ولم يعرف من ألحقها ولم يكتبها سيدنا موسى عليه السلام وهذا أقوى دليل وحجة عليهم إذ أن رجال الدين عندهم هم الذين أقروا ذلك الإلحاق قبل غيرهم.

  • الثلاثاء AM 10:23
    2022-05-17
  • 852
Powered by: GateGold