المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412630
يتصفح الموقع حاليا : 317

البحث

البحث

عرض المادة

عرض نماذج من المؤلفات النقدية

تأتي أهمية العهد القديم من أنه يؤمن به اليهود والنصارى على حدٍ سواء باعتبار أن العهد الجديد مُستتر في العهد القديم كما يقولون، ولا يتم فهم أحدهما إلا بالاعتماد على الآخر والاسترشاد به.

ولا يخفي على ذي بصيرة أن العهد القديم يتسم بالنبرة العالية والحدة والشدة في تعاليمه ووصاياه، لذا فقد أخذ النصيب الأوفر من الدراسات النقدية واهتم به علماء الحركة النقدية على مر العصور باعتبار أنه يؤسس المنطلقات الدينية لليهود والنصارى في اعتقادهم وتشريعاتهم وأخلاقهم، وقد اعتمد علماؤنا الأفاضل في دراستهم على جانبين، الجانب الأول: نقد السند والثانى: نقد المتن، وتعددت فى نقدهما الرؤى النقدية لعلماء المسلمين فتارة ينقدونهما عقلاً وتارة نقلاً وتارة بالشك في السند وفي كاتب النص والظروف التاريخية لكتابته، ومدى توفر الثقة في الكاتب والتحقق من صحة نسبة النص إليه. وعندما يتعامل علماؤنا مع النص التوراتي أو الإنجيلى لا يتعاملون معه على أنه نص مبتور منفصل عن غيره ولكنهم ينقدونه باعتبار ارتباطه بما قبله وما بعده وباعتبار أنه مقدس- في زعم اليهود والنصارى- إضافة إلى الواقع التاريخى الذي يدعم النقد المنهجي البناء.

وعند تتبع ذلك الكم الهائل من المؤلفات التي تهتم بنقد الكتاب المقدس يتضح جيدًا أنه يتعذر على الباحث أن يحصل على جميع ما كُتب وطُبع في المكتبات لكثرتها وصعوبة الحصول على جميعها.

وما وقع تحت يدي عدد لا بأس به من المراجع الأصلية فى هذا الجانب فرأيت أن أتناول بعضها حسب شهرة الكتاب وانتشاره ومكانته عند علماء المسلمين وذلك على سبيل المثال لا الحصر، وأخذت في تصنيفها وتقويمها على النحو التالي:

كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح:

لشيخ الإِسلام ابن تيميه ت سنة 728 هـ.

1. يُعد هذا الكتاب من أهم الكتب الدفاعية التى ردت على شبهات اليهود والنصارى ضد الإِسلام وكتابه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، قام فيه شيخ الإِسلام بجهد متميز كان هذا الجهد هو الأساس الذي بني عليه كثير من العلماء وجهة نظرهم النقدية للكتاب المقدس.

2. رد على النصارى في عقيدة الحلول والاتحاد مستخدماً النقل والعقل وقد أسهب كثيراً في الرد على هذه العقيدة عقلياً مما جعله أحياناً يخلط بين التثليث والحلول والاتحاد.

3. استخدم في الرد على دعاوى النصارى النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، وهذا يدل على عدم موضوعية الرد عليهم لأنهم لا يعترفون بالقرآن والسنة ولكن ربما استدل النصارى ببعض الآيات القرآنية مبتورة من أماكنها ليستدلوا على صحة عقائدهم فكان ابن تيميه يرد عليهم بالقرآن ويوضح المعانى التى يتعمدون إغفالها فهذه له حق فيها.

4. برع في استخراج البشارات من الكتاب المقدس وفندها تفنيداً جيداً راعى فيه تفسير الألفاظ كما وردت في كتبهم مفرقاً بين البشا رات الخاصة بالمسيح عليه السلام، والبشارات الخاصة بنبي الإِسلام - صلى الله عليه وسلم - على أنه قد جاء ببعض البشارات الغير موجودة الآن في الكتاب المقدس ولعلها كانت موجودة في الطبعة التي كانت بين يدي شيخ الإِسلام.

5. كما استخدم الاستدلالات المنطقية المبنية على المقدمات الصحيحة والتوالي التي تؤدى إلى إبطال ما يدعيه الخصم من ناحية العقائد الفاسدة.

6. التسليم الجدلي للخصم بتقديم الافتراضات العقلية استدراجاً له فيما يدعيه ثم ينقض على دعواه بالحجج الدامغة.

7. آثر في محاوراته للنصارى منهج النقد البناء للذود عن الدين الإِسلامى وإبطال ما يزعمه الخصم.

8. ومن الملاحظ أنه في بعض المواضع يبدأ في الرد على الشبهة إلى يثيرها النصارى ثم سرعان ما ينتقل إلى شبهة أخرى دون أن يستكمل الرد على هذه الشبهة وربما عاد إليها يستكملها بعد ذلك في موضع آخر من كتابه.

9. استوعب في كتابة كثيراً من الردود على الفكر النصرانى، أكثر من نقده لنصوص الكتاب المقدس.

[هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى]

للإمام ابن قيم الجوزية ت 751 هـ.

1. اشترك الإِمام ابن القيم مع شيخه في استخدام الجدل الدفاعى في أجوبته على الأسئلة التي وجهت إليه من أهل الكتاب فرد على الشبه التى أطلقها الملاحدة ويشككون من خلالها في الإِسلام وكتابه ورسوله إلا أنه خصص جزءاً غير قليل من كتابه استخدم فيه النقد العلمى البناء وهو وسيلة للدفاع وتفنيد ما يعتقد اليهود والنصارى من عقائد فريقه وتشريعات محرفة.

2. والتزم في نقده بالموضوعية التامة والمنهجية الواضحة إلا أن نقده يتميز بشده الألفاظ وحدتها على اليهود والنصارى على حد سواء، وبين بُطلان ما يعتقده اليهود فى الله عز وجل وفي الأنبياء عليهم السلام.

3 - بين فساد ما يعتقده النصارى في المسيح عليه السلام وبطلان القول بألوهيته وبنوته لله تعالى مستخدماً الردود العقلية والاستفهام الإنكاري لما يدعون من عقائد وشرائع وعبادات مخترعة من قساوستهم ورهبانهم والمجامع المقدسة- في زعمهم - إلا أنه حينما يذكر النصوص أحيانًا يذكرها بمعناها وأحيانًا أخرى يذكرها صريحة، وقد قام د/ أحمد حجازي السقا بجهد طيب في تحقيقها وعزو كل نص للسفر المأخوذ منه.

هذا .. والكتاب في مجمله من الكتب الأصيلة في علم مقارنة الأديان.

[كتاب: تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب]

تأليف: عبد الله الترجمان الأندلسي ت 823 هـ، القس أنسلم تورميدا سابقًا.

1. هذا الكتاب عرض فيه كاتبه عقائد النصارى ونقدها نقدًا علميًا ملتزمًا فيه بالموضوعية التامة، فيعرض مقولة النصارى الباطلة في القضية المراد نقدها والأدلة التي يستندون عليها ثم يناقشها مناقشة عقلية ونقلية.

2. يطرح الأسئلة والاستفهامات الإنكارية لما يدعون ويطرح أيضًا الافتراضات العقلية ويسلم لهم جدلًا فيما يقولون استدراجًا لإبطال ما يدعون.

3. بين ما وقع بين الأناجيل من تضارب وتناقض، الأمر الذي يؤكد أنها من وضع بشر.

4. أقام الأدلة على نبوة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - من أناجيلهم وبشارات أنبيائهم، وفسرها التفسير الصحيح بناءً على معاني بعض الألفاظ باليونانية وماذا يُقابل هذا المعني باللغة العربية كمعنى "الفارقليط" مثلًا الذى يقابله فى اللغة العربية لفظ "أحمد".

5. ثناء العلماء على تحفة الأريب:

أثني عليه مجمع البحوث الإِسلامية وقالت اللجنة: يحتوى هذا الكتاب على شهادة عالم مسيحى متبحر بأن نعت النبي - صلى الله عليه وسلم - موجود في كتب المسيحية بصراحة، فقد بشرت "بالفارقليط" ومعناه "أحمد".

وقالت أيضًا: جاء هذا الكتاب ردًا على تحامل المسيحيين على الإِسلام من نصوص كتبهم وهو كتاب جليل القدر شاهد صدق على الافتراء والبهتان من الذين يدعون أن كتبهم - الأناجيل الأربعة- من الوحى الإلهى.

ويقول د/ محمود على حماية: هذا الكتاب تبدو قيمته العلمية عندما نُدرك أن صاحبه كان قريب عهد بالمسيحية؛ بل واحدًا من قساوستها تلقى دراسة في الكتاب المقدس وانقطع لطلب العلم فترة طويلة استطاع فيها أن يصحب أساطين العلم بالديانة النصرانية (1).

كتاب: محمَّد في الكتاب المقدس:

تأليف د/ عبد الأحد داود. 1867م

بالقراءة المتأنية لهذا الكتاب يضع الباحث يديه على جملة من الإيجابيات إلى يتميز بها هذا الكتاب القيم في دراسة البشارات بالنبي الخاتم - صلى الله عليه وسلم - في الكتاب المقدس من هذه الملاحظات الإيجابية ما يلي:

1. بين مدى التحريف الذي وقع في التوراة والإنجيل وكذلك التناقض والتعارض بين نصوصهما.

2. علمه بخبايا النصرانية مكنه من كشف الزيف والضلال في الكتاب المقدس.

3. أتي بالحقائق من مصادرها، فقد درس وتعمق في اللاهوت وترقي في المناصب العلمية.

4. يقود قراءه إلى محاولة العثور على الحقيقة فينتقد بصورة حيادية بعيدًا عن العدائية والانحيازية لنبى دون نبي، فهو ينظر إلى الأنبياء نظرة مستقيمة ويؤمن بجميع الرسل الذين أرسلهم الله عَزَّ وَجَلَّ لهداية البشرية.

5. درايته بما تعتقده الكنائس مكنه من كشف الأباطيل وفضح العقائد الباطلة التي تروج لها الكنيسة، والتي لا تتفق مع العقل؛ بل ولا تتفق مع الواقع التاريخى.

6. ثقافته الإِسلامية الواسعة مكنته أيضًا من دراسة الكتاب المقدس في ضوء وجهة نظر مستقيمة معتدلة بعيدة عن الجور وإلقاء الأحكام والفصل في القضايا جزافًا بدون دليل، ولكن الحيدة والنزاهة والموضوعية هى السمات البارزة في نقده لتلك النبوءات التي حرفوها وفسروها على حسب أهوائهم لطمس الحقيقة ولصرف دلالتها عن وجهها المراد.

وقد استخدم د/ عبد الأحد داود في نقده المعايير التالية:

*عرض القضايا على الحقائق العلمية الثابتة، فإن وافقت العلم قُبلت وإلا وجب ردها.

* المناقشة العقلية والاستدلال المنطقي في تحليل القضايا.

* المقابلة بين النسخ فى تفسير الألفاظ التي تُشير إلى النبي الخاتم - صلى الله عليه وسلم -.

وعند التجول بين صفحات الكتاب يتضح الآتي:

  1. حرصه الشديد على الطرف الآخر "النصارى" فقد أخبر عن نفسه أنه يراعى مشاعر النصارى ولا يستعمل معهم الجدل العقيم بل يدعو الناس للبحث والاستقصاء في ود وتجرد وموضوعية فيقول: (وليست لدي أية نية أو رغبة في إيذاء مشاعر أصدقائي النصارى، فأنا أحب المسيح، وأحب موسى، وإبراهيم كما أحب محمدًا وكافة الأنبياء الآخرين، ولا يسهدف ما أكتبه إثارة جدل مرير عقيم مع الكنائس؛ بل لا تعدو الغاية أن تكون دعوة لها, لبحث واستقصاء رضيّ ودّيّ لهذه المسألة البالغة الأهمية وبروح من المحبة والتجرد) (2).

(1) انظر: مقدمة تحفة الأريب ص 21.

(2) محمد فى الكتاب المقدس: د/ عبد الأحد داود ص 36.

2. اعتمد على نصوص صريحة من الكتاب المقدس لا تسمح بأي جدل لغوي وتشير إشارات واضحة إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - مثل استدلاله بالنص الذي يقول: "أقيم لهم نبيًا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامى في فمه" ويقول: فإذا كانت هذه الكلمات لا تنطبق على سيدنا "محمَّد" فإذا تبقي غير متحققة ولا نافذة فالمسيح لم يدع أبدًا أنه النبي المشار إليه (1).

3. يعرض التفسير الخاطئ الذي يراه المسيحيون ثم يصوبه بالتفسير الصحيح ثم يسوق القرائن التى تؤيد ما ذهب إليه ويعضد رأيه، فالنصارى يفسرون بيت الرب بأنه كنيسة المسيح وهذا تفسير خاطئ فيقول: (وكذلك فإن بيت الرب الذي يمجَّد اسمه فيه والمشار إليه في الإصحاح (60 الجملة 7)، هو بيت الله الحرام في مكة، وليس كنيسة المسيح، كما يعتقد المفسرون المسيحيون، وإن رعية قيدار لم ينضموا مطلقًا إلى كنيسة المسيح، والحقيقة أن القرى التابعة "لقيدار" وسكانها هم الناس الوحيدون في هذا العالم، الذين لم يتأثروا من ذلك الحين بأية تعاليم من كنيسة المسيح) (2).

4. وكان من منهجه في دراسة البشارات بالنبى الخاتم، دراسة أصول معاني الكلمات اليهودية مثل "ماحماد" أو أحمد ومعانيها فيقول: إن السبيل الوحيد لفهم معني الكتاب المقدس وروحه هو دراسته من وجهة النظر الإِسلامية فمن هنا فقط يمكن الفهم والتقدير والمحبة لحقيقة الوحى الإلهى، وهنا فقط يمكن الكشف عن الزيف والخداع وعناصر التحريف والمغايرة في أسوأ مظاهرها ثم بعد ذلك استئصالها. ويقول:

ومن وجهة النظر هذه فإنني أرحب بالكلمة اليونانية "يودوكيا" والتي في معناها الصحيح والحرفي تتفق بصورة عجيبة مع الكلمات العبرية "ماحماد، ماحامود، حمدا وحمد" والتي تستعمل بصورة متكررة في العهد القديم.


(1) محمَّد في الكتاب المقدس: ص 31.
(2) المرجع السابق: ص 34.

ب. "حاماد أو حمده" إن هذا الفعل يتألف من حروف ساكنة أصلية (ح م د) وهي معروفة لجميع اللهجات السامية، حيثما جاءت هذه الحروف في الكتابات المقدسة اليهودية فإذا تعني "يشتهي، يقع في الحب، يشتاق إلى، يتلذذ ويتذوق، ويرغب بعمق" وأولئك الذين يعرفون اللغة العربية سوف يفهمون بصورة طبيعية المعني الشامل لكلمة "شهوة" والتي تعني بالإِنجليزية "الرغبة الشديدة أو التلهف أو الجشع والطمع أو الرغبة الجامحة والشهية" هذا هو بالدقة معنى الفعل "حاماد" في المخطوطات العبرية.

ج. "ماحماد، ماحمود" (أرميا 1/ 10 - 11؛ 3/ 4): هاتان صيغتان لاسم الفاعل واسم المفعول مشتقتان من الفعل "حمد" معناها "المرغوب فيه جدًا، البهيج، الرائع، اللطيف" لهذا فإن الصيغة العربية" "محمَّد" والعبرية "ماحماد؛ ماحامود" هي مشتقة من أصل واحد ومن نفس الفعل أو الجذر وإنها بالرغم من الفروق البسيطة في التهجئة، فلها أساس ومعنى واحد مشترك، وعليه فلا يكون هناك مثقال ذرة من شك في ذلك (1).

د. اتخذ من الأحداث التاريخية شاهد صدق على ما يقوله، خاصة في قضية عهد الله مع إبراهيم عليه السلام وحق الابن الأكبر إسماعيل في وراثة عهد أبيه وحكمه وبالتالي يجب الإيمان بالحقائق الصادقة التالية:

1. أن إسماعيل هو الابن الأكبر الشرعى لأبيه إبراهيم.

2. أن العهد المبرم بين الله وإبراهيم كان في نفس الوقت عهدًا مبرمًا بين الله وإسماعيل ذلك لأن العهد قد أبرم قبل ميلاد إسحاق. وغير ذلك من الحقائق التي ذكرها (2).

والكتاب في جملته يعتبر إضافة حقيقية للمكتبة الإِسلامية يمتاز بعمق الدراسة والتحليل وحيوية المناقشة وروعة الفصل في كثير من القضايا المتنازع عليها في النصرانية خاصة في البشارات بالنبي الخاتم - صلى الله عليه وسلم -.


(1) محمَّد في الكتاب المقدس: ص 162 - 163.
(2) المرجع السابق: ص 57 - 58.

[إظهار الحق]

للعلامة رحمة الله الهندي ت سنة 1308 هـ.

بالقراءة المتأنية لهذا الكتاب تتضح القيمة العلمية له، فهو يُعد من المؤلفات النقدية المتميزة حيث يمتاز بالشمولية في المنهج النقدي وهو العمدة الذي يرجع إليه الباحثين المعاصرين في نقدهم للكتاب المقدس أو أحد موضوعاته.

قام العلامة رحمة الله الهندي بجهد واضح في كتابه يتضح هذا الجهد من خلال ما يلي:

1. اطلاع مؤلفه على طبعات متعددة للكتاب المقدس منها القديم والحديث، كل ذلك مكنه من كشف وجوه التناقض والاختلاف والأغلاط الواقعة في الكتاب المقدس بقسميه وذلك عن طريق المقابلة بين هذه النسخ المختلفة.

2. التزم بالمنهج العلمي في نقده ذلك النهج الذي يقوم على الحيدة والموضوعية والاستدلال المنطقي، فيضع الدليل في موضعه اللائق به دون تعصب أو تحيز وكذلك يلتزم بالصدق في معالجته للنصوص فلم يفتعل شيئًا يلصقه باليهود أو النصارى وإنما نقدهم من واقع نصوصهم المقدسة- في زعمهم- ومن واقع آراء علمائهم.

3. المحاورات العقلية والجدال بالتي هى أحسن كان وسيلته في مواجهة الآخر وفي نقده لأباطيل اليهود والنصارى وسلك طريقة مهذبة في الحوار تبرز أدبه الجم مع المخالف، وعفة القلم واللسان، واسع الصدر أثناء المناظرة والمحاورة وفي هذا بيان لسماحة الإِسلام فيقول: قد تخرج كلمة تثقل على المخالف ... سيما في محفل المناظرة، لكن لو صدر مني لفظ عن غير عمد لا يكون مناسبًا لشأنهم- في زعمهم- أرجو منهم المسامحة والدعاء (1).

4. يمتاز بدقة الملاحظة لا هو أصل في الكتاب المقدس وما هو إلحاقى قد زيد في النصوص وما هو محرف قد انتقص منها أو زيد فيها أيضًا أو غُير وبُدل ويؤكد ملاحظته بأدلة من كلام مفسري الكتاب المقدس وبذلك تتضح وتتأكد المخالفة ويظهر التحريف جيدًا.

والدليل على ذلك من كتابه: يقول لوقا: "ثم قال الرب فبمن أشبه أناس هذا الجيل؟ وماذا يشبهون؟ فهذه الجملة: ثم قال الرب: "زيدت تحريفًا وقال مفسروهم في ذيل هذه الآية: "هذه الألفاظ ما كانت أجزاءً لمتن لوقا قط، وهذه شهادة تامة، وقد حذفها المفسرون من المتن منهم "بنجل، وكريسباخ" والبروتستانت يحذفونها من المتن فهذا نوع من التحريف (2).


(1) إظهار الحق: 1/ 44 بتصرف.
(2) انظر: المرجع السابق: 1/ 41 بتصرف.

5. ومن الإيجابيات عنده: عمق الفهم وسهولة الاستشهاد بالنص الواحد في أماكن متعددة يظن منها أنه يكرر نفسه ولكن الأمر بخلاف ذلك فعندما يورد النص في المكان الأول يؤكد به غلطًا معينًا قد لاحظه وعندما يورده مرة ثانية في مكان آخر يؤكد به خطأ آخر، والدليل على ذلك: الاختلاف في بيان أولاد بنيامين فقد استشهد بهذه القضية تحت باب الاختلافات في التوراة ثم عاد وأوردها مفصلة تحت باب إثبات التحريف في التوراة وكلا الاستشهادين وجيه في مكانه (1).

6. الموضوعية في نقده للنصوص فلا ينتقد من أجل النقد في حد ذاته وإنما جاء نقده بناءً هادفاً لبيان التحريف الذي وقع في الكتاب المقدس.

7. ثناء العلماء على إظهار الحق: وكان لعلمائنا الأجلاء وقفة مع إظهار الحق تُشيد بإسهاماته الرائعة في مجال النقد العلمي للكتاب المقدس من هذه التعليقات ما يلي:

أ. يقول أ. د / نجاح الغنيمى أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر فرع البنات: أن العلامة رحمة الله الهندي في نقده يضع الخصم في قفص الاقام ويلجئه إلى الدفاع عن نفسه. وهو بحكم تكوينه الأكاديمى كعالم من علماء الهند المسلمين، فقد التزم عمومًا بقواعد المنهج والأسلوب الأكاديمى، مع استثناءات قليلة جدًا، ولولا أخطاؤه اللغوية، بحكم أجنبيته عن العربية لكان عمله كاملاً تمامًا من كل الوجوه (2).

ب. ويقول أ. د/ سيد عبد التواب أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر: يمتاز إظهار الحق بالإحاطة والشمول مع الحفاظ على العمق والأصالة ويقوم منهجه على دعامتين أساسيتين: الأولي: تنبع من الثقافة الكتابية المؤسسة على مصادر أهل الكتاب المعتمدة.

الثانية: معتمدة على التخصص الدقيق في العلوم الإسلامية والفهم الشامل العميق لروح الإسلام وأصوله، وقد تمثل الشيخ رحمة الله كل عناصر النقد الغربي والاسلامي وأخرجها في صورة تتجلى فيها شخصيته وروحه (3).


(1) إظهار الحق: 1/ 106، 213.
(2) مقدمة كتاب: هل الكتاب المقدس كلام الله؟ - ديدات- تحقيق ودراسة د/ نجاح الغنيمي ص 82 ط دار المنار ط: 14101 هـ / 1989م.
(3) انظر: النصوص المقدسة في الأديان الثلاثة: "دراسة في تاريخ الأديان" أ. د/ سيد عبد التواب، ص 294.

[الفارق بين المخلوق والخالق]

تأليف عبد الرحمن بن سليم البغدادي "الباجه جي زاده" ت سنة 1330 هـ / 1911 م.

هذا الكتاب يعد من أبرز الكتب النقدية التي تعني بنقد الأناجيل الأربعة المقدسة لدي النصارى، ولقد تعددت الطرق النقدية التي اتبعها صاحب كتاب الفارق وفي مقدمتها:

[1. وضع السند والمتن موضع الشك]

وقد طبق هذا المنهج على مدار صفحات الكتاب ووضع كل إنجيل موضع الشك من حيث الشك في اللغة الأصلية إلى كتب بها ومن حيث اللغة التي ترجم إليها والجهل بحال المترجم من هو وما هو حاله في القوة والضعف في الدين (1). ومجرد احتمال تطرق الشك إلى السند يحط من رتبة هذه الأناجيل عن مكان القداسة وإنها ليست وحيًا من عند الله عَز وجل.

ووضع النص أيضًا موضع الشك لما يشتمل عليه من مخالفات وتناقضات واستبعاد أن المسيح عليه السلام يقول مثل هذا الكلام ويناقض نفسه وخير دليل على ذلك: قول متى:"فلو علمتم ما هو إني أريد رحمة لا ذبيحة: لما حكمتم على الأبرياء "منقوض بروايته نفسه في الإصحاح 10 الفقرة 34 حيث قال: "ما جئت لألقي سلامًا؛ بل سيفًا" والمراد من ذلك: إلزام قومه بالوقوف عند حدود الله واتباع أحكامه (2).

ومثال آخر في إنجيل متى الإصحاح 21 الفقرة الأولي: "أرسل يسوع تلميذين قائلاً لهما: اذهبا إلى القرية التي أمامكما، فاللوقت تجدان أتانًا مربوطة وجحشًا معها فحلاهما وأتياني بهما، وإن قال لكما أحد شيئًا فقولا: الرب محتاج إليهما" الأناجيل الثلاثة صرحت بأن الرب محتاج إلى ركوب الجحش والاحتياج إلى الركوب لا يكون إلا عن ضرورة ومساس تعب وعجز عن المشى ويوحنا وإن لم يذكر في إنجيله لفظ الاحتياج فق ذكر وقوع الركوب فيكون الاتفاق من الأربعة وهذا مناقض للقول بألوهية المسيح؛ لأن الضرورة ومساس التعب والعجز عن المشي والاحتياج من صفات الحوادث، والإله متره عن ذلك البتة (3).

[2. تفسر النصوص الإنجيلية]

وقد اتبع في نقده لنصوص الأناجيل تفسيرها تفسيرًا صحيحًا في ضوء ما تحتمله النصوص من معان معتمدًا على الشروح المختلفة للعهد الجديد ورد التفسير الخاطئ الذي يذهب إليه النصارى.

ويعتمد كذلك على المقابلة بين النسخ المتعددة للكتاب المقدس لبيان مواطن الاختلاف التي وقعت في نصوص الأناجيل، والتناقض والتعارض الذي وقع فيها.


(1) انظر: الفارق بين المخلوق والخالق: ص 37.
(2) المرجع السابق: ص 127.
(3) المرجع السابق: ص 255.

[3. الموازنة بين النصوص المتعددة في المسألة الواحدة]

وهذه الموازنة من أجل اكتشاف الزيادة والاختلافات الواردة بين الأناجيل الأربعة مثلما فعل في مسألة العشاء الرباني (1) وخرج في نهاية هذه الموازنة إلى القول بانتفاء صفة القداسة والإلهام عن الأناجيل والقول بوقوع الاختلاف والتناقض بين النصوص الواردة في موضوع واحدٍ في الأناجيل الأربعة.

[4. الاستفادة من السابقين عليه في نقد الكتاب المقدس]

استفاد صاحب الفارق كثيرًا من الجواب الصحيح لابن تيميه وإظهار الحق للعلامة رحمة الله الهندي فاستشهد بكثير من أقوالهم خاصة في قضية الصلب التى هى أساس المسيحية المحرفة.

[5. الربط بين النص والواقع الذي يعيشه النصارى]

أسقط رؤيته النقدية على الواقع الذي يعيشه النصارى في أوروبا وغيرها وأن الانحراف الذي حث من رؤسائهم مرجعه لنظام الرهبنة المبتدع (2) فجاءت رؤيته النقدية رؤية واقعية.

6. ثقافته الكتابية والإِسلامية الواسعة:

اطلاعه على ما ألفه علماء النصرانية من كتب خاصة المؤلفات التي تدعو إلى توحيد الأديان والتوفيق بين النصرانية والإسلام، وإعماله عقله فيما يدّعون ومحاورتهم في باطلهم ونقده بأدلة نقلية وعقلية وتاريخية، كل ذلك مكنه من كشف الأباطيل في شأن المسيح عليه السلام ومقام الألوهية الجليل.

هذا .. والكتاب في جملته سفر قيم في توضيح غوامض الأناجيل وإبراز مواضع الاختلاف والتناقض فيها وهو محاولة قيمة وشرح وافٍ للأناجيل بأسلوب سهل ومبسط، جزى الله كاتبه خير الجزاء.


(1) انظر الفارق: 353 - 354.
(2) انظر: المرجع السابق: ص 232.

[الجواب الفسيح لما لفقه عبد المسيح]

للعلامة الألوسي البغدادي ت 1317 هـ.

1. اشترك الألوسي مع شيخ الإسلام في منهجه النقدي لعقائد النصارى إلا أن الألوسي يعتمد في نقده على غيره من العلماء مثل العلامة رحمة الله الهندي فقد تأثر به كثيرًا في كتابه والإمام ابن القيم في هداية الحيارى والعلامة الشهرستاني في الملل والنِحل.

2. ومن ضمن أوجه الاشتراك المنهجى بين شيخ الإسلام والألوسي أن الكتابين اضطلعا بمهمة الدفاع عن الإسلام وكتابه ورسوله وصد هجمات التشويه ضده. 

 

  • الثلاثاء AM 10:07
    2022-05-17
  • 896
Powered by: GateGold