المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412536
يتصفح الموقع حاليا : 391

البحث

البحث

عرض المادة

من هو الذبيح المبارك؟ وأين هي الأرض المباركة؟

تتحدث التوراة عن قصة أمر الله إبراهيم بذبح ابنه الوحيد، وبدلاً من أن تسميه إسماعيل، فإنها أسمته إسحاق، وطبقاً لهذا التغيير تغير الزمان والمكان الذي جرت به القصة.

ومما جاء في القصة التوراتية " خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق، واذهب به إلى أرض المريا ... فلما أتيا الموضع ... لا تمد يدك إلى الغلام، ولا تفعل به شيئاً، لأني الله علمت أنك خائف الله فلم تمسك ابنك وحيدك عني ... فدعا إبراهيم ذلك الموضع: "يهوه يراه" حتى إنه يقال اليوم: في جبل الرب يرى ... يقول الرب: إني من أجل أنك فعلت هذا الأمر ولم تمسك ابنك وحيدك أباركك مباركة ... " (التكوين 22/ 1 - 18).

 

وفيما تقدم عدة بشارات تبشر بمجيء النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونرى يد التحريف والعنصرية تحاول طمس هذه البشارات.

فمن التحريف البين إدراج اسم إسحاق الذي لم يكن وحيداً لإبراهيم قط، وقد تكرر وصف الذبيح بالوحيد ثلاث مرات، وقد رأينا أن إسماعيل كان وحيداً لإبراهيم أربع عشرة سنة.

والبكورية لإسماعيل محفوظة وإن كان ابن هاجر - مولاة سارة - التي اتخذها زوجة فيما بعد، فمنزلة الأم لا تؤثر في بكورية الابن ولا منزلته، وقد جاء في التوراة: " إذا كان لرجل امرأتان إحداهما محبوبة، والأخرى مكروهة، فإن كان الابن البكر للمكروهة، فيوم يقسم لبنيه ما كان له لا يحل له أن يقدم ابن المحبوبة بكراً على ابن المكروهة البكر. بل يعرف ابن المكروهة بكراً ليعطيه نصيب اثنين في كل ما يوجد عنده، لأنه هو أول قدرته له حق البكورية " (التثنية 21/ 15 - 17)، فهذا الأمر الإلهي لبني إسرائيل يعبر عن عدل الله، وهو به أولى، فهل تراه أجحف بحق إسماعيل ابن الجارية، وخالف ما سيشرعه لعباده من العدل.

ومما يبطل أن يكون الذبيح إسحاق أن إبراهيم قد وعد فيه بالبركة والذرية منه قبل ولادته، وأنه سيكون كعدد نجوم السماء. (انظر التكوين 17/ 21) فالأمر بذبحه لا ابتلاء فيه، لأنه يعلم أنه سيكون لهذا الابن نسل مبارك ...

وهو ما صرح به المسيح حسب إنجيل برنابا الذي نذكر الاستشهاد به استئناساً فقط، فقد قال له التلاميذ: "يا معلم هكذا كتب في كتاب موسى: إن العهد صنع بإسحاق؟ أجاب يسوع متأوهاً: هذا هو المكتوب، ولكن موسى لم يكتبه ولا يشوع، بل أحبارنا الذين لا يخافون الله. الحق أقول لكم: إنكم إذا أكملتم النظر في كلام الملاك جبريل تعلمون خبث كتبتنا وفقهائنا .. كيف يكون إسحاق البكر وهو لما ولد كان إسماعيل ابن سبع سنين" (برنابا 44/ 1 - 11)، وفي التوراة المتداولة أن بينهما أربعة عشرة سنة (انظر التكوين 16/ 16، 21/ 5).

ومن ذلك كله فالذبيح هو إسماعيل، وجبل الرب في الأرض التي عاش فيها، والبركة لإبراهيم في ذريته محفوظة له بعد أن قام بالاستسلام لأمر الله، وهمّ بذبح ابنه الوحيد.

فقد حرف أهل الكتاب اسم الذبيح، وحرفوا اسم المكان المعظم الذي جرت فيه أحداث القصة، فسمتها التوراة السامرية " الأرض المرشدة ". فيما سمته التوراة العبرانية " المريا "، ولعله تحريف لكلمة " المروة "، وهو اسم لجبل يقع داخل المسجد الحرام في مكة المكرمة، أي في المكان الذي درج فيه إسماعيل.

وقد اتفق النصان العبري والسامري على تسمية ذلك الموضع "جبل الله "، ولم يكن هذا الاسم مستخدماً لبقعة معينة حينذاك، لذا اختلف اليهود في تحديد مكانه اختلافاً بيناً، فقال السامريون: هو جبل جرزيم. وقال العبرانيون: بل هو جبل أورشليم الذي بني عليه الهيكل بعد القصة بعدة قرون (الأيام (2) 3/ 1).

يقول الدكتور بوست في قاموس الكتاب المقدس: "يظن الأكثرون أن موضع الهيكل هو نفس الموضع الذي فيه أمر إبراهيم أن يستعد لتقديم إسحاق، غير أن التقليد السامري يقول: إن موضع الذبح لإسحاق كان على جبل جرزيم". (1)

ويقول محققو نسخة الرهبانية اليسوعية: "يطابق سفر الأخبار الثاني (3/ 1) بين موريّا وبين الرابية التي سيشاد عليها هيكل أورشليم .. غير أن النص يشير إلى أرض باسم موريّا لا يأتي ذكرها في مكان آخر، ويبقى مكان الذبيحة مجهولاً".

والحق أن المكان معروف غير مجهول، لأن قصة الذبح جرت في الأرض المرشدة، وهي أرض العبادة، وهي مكة أو بلاد فاران، واختلافهم دليل على صحة ذلك، واتفاقهم على اسم المكان بجبل الرب صحيح، لكنهم اختلفوا في تحديده لرجمهم بالظنون، وقد ربطوه بتسميات ظهرت بعد الحادثة بقرون عدة، وتجاهلوا البيت المعظم الذي بني في تلك البقعة حينذاك، ويسمى بيت الله، كما سمي الجبل الذي في تلك البقعة جبل الله.

وبقي هذا الاختلاف من أهم الاختلافات التي تفرق السامريين عن العبرانيين، وقد أدرك المسيح هذا الخلاف، فذات مرة دخلت عليه امرأة سامرية، وسألته عن المكان الحقيقي المعد للعبادة، فأفصح لها المسيح أن المكان ليس جبل جرزيم السامري، ولا جبل عيبال العبراني الذي بني عليه الهيكل، " قالت له المرأة: يا سيد أرى أنك نبي، آباؤنا سجدوا في هذا الجبل، وأنتم تقولون أن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه، قال لها يسوع: يا امرأة صدقيني، إنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب، أنتم تسجدون لما لستم تعلمون، أما نحن فنسجد لما نعلم، لأن الخلاص هو من اليهود.

ولكن تأتي ساعة، وهي الآن، حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق، لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له، الله روح، والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا" (يوحنا 4/ 19 - 24).

فمن هم الساجدون الحقيقيون الذين يسجدون في غير قبلة السامريين والعبرانيين، إنهم الأمة الجديدة التي تولد بعد حين، إذ لم تدع أمة قداسة قبلتها سوى أمة الإسلام التي يفد إليها ملايين المسلمين سنوياً في مكة المكرمة.

وقوله عن ساعة قدوم الساجدين الحقيقيين " ولكن تأتي ساعة وهي الآن"، يفيد اقترابها لا حلولها، كما في متى: " أقول لكم: من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة، وآتياً على سحاب السماء" (متى 26/ 64)، وقد مات المخاطبون وفنوا، ولم يروه آتياً على سحاب السماء.

ومثله قول المسيح: "وقال له: الحق الحق أقول لكم، من الآن ترون السماء مفتوحة، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان" (يوحنا 1/ 51)، (وانظر صموئيل (1) 15/ 28).

وقد قال ميخا النبي عن مكة والبيت الحرام وعن إتيان الناس للحج عند جبل عرفات: " يكون في آخر الأيام بيت الرب مبنياً على قلل الجبال، وفي أرفع رؤوس العوالي يأتين جميع الأمم، ويقولون: تعالوا نطلع إلى جبل الرب" (ميخا 4/ 1 - 2).

كما رمز النبي إشعيا لمكة في نص آخر بالعاقر، وتحدث عن الجموع الكثيرة التي تأتي إليها، ويعدها بالأمان والبركة والعز، فقال: " ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد، أشيدي بالترنم أيتها التي لم تمخض، لأن بني المستوحشة أكثر من بني ذات البعل، قال الرب: أوسعي مكان خيمتك ولتبسط شقق مساكنك، لا تمسكي، أطيلي أطنابك وشددي أوتادك، لأنك تمتدين إلى اليمين والى اليسار، ويرث نسلك أمماً، ويعمر مدناً خربة، لا تخافي لأنك لا تخزين، ولا تخجلي لأنك لا تستحين، فإنك تنسين خزي صباك، وعار ترملك لا تذكرينه بعد ..

قال راحمك الرب: أيتها الذليلة المضطربة غير المتعزية، هانذا أبني بالإثمد حجارتك، وبالياقوت الأزرق أؤسسك، وأجعل شرفك ياقوتاً، وأبوابك حجارة بهرمانية، وكل تخومك حجارة كريمة، وكل بنيك تلاميذ الرب، وسلام بنيك كثيراً، بالبر تثبتين بعيدة عن الظلم فلا تخافين، وعن الارتعاب فلا يدنو منك، ها إنهم يجتمعون اجتماعاً ليس من عندي، من اجتمع عليك فإليك يسقط، هانذا قد خلقت الحداد الذي ينفخ الفحم في النار ويخرج آلة لعمله، وأنا خلقت المهلك ليخرب كل آلة صورت ضدك لا تنجح، وكل لسان يقوم عليك في القضاء تحكمين عليه، هذا هو ميراث عبيد الرب وبرهم من عندي" (إشعيا 54/ 1 - 17).

في النص مقارنة لمكة بأورشليم، فسمى مكة بالعاقر لأنها لم تلد قبل محمد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يجوز أن يريد بالعاقر بيت المقدس، لأنه بيت الأنبياء ومعدن الوحي، وقد يشكل هنا أن نبوة إسماعيل كانت في مكة، فلا تسمى حينذاك عاقراً، لكن المراد منه مقارنة نسبية مع أنبياء أورشليم.

وقوله: "لأن بني المستوحشة أكثر من بني ذات البعل"، يقصد فيه أن زوارها أو أبناءها أكثر من زوار أورشليم التي يسميها ذات البعل، ولفظة بنو المستوحشة يراد منها ذرية إسماعيل، الذي وصفته التوراة - كما سبق- بأنه وحشي " وقال لها ملاك الرب: ها أنت حبلى فتلدين ابناً وتدعين اسمه: إسماعيل، لأن الرب قد سمع لمذلتك، وإنه يكون إنساناً وحشياً، يده على كل واحد، ويد كل واحد عليه" (التكوين 16/ 11 - 12).

كما تحدثت المزامير عن مدينة المسيح المخلص، المدينة المباركة التي فيها بيت الله، والتي تتضاعف فيها الحسنات، فالعمل فيها يعدل الألوف في سواها، وقد سماها باسمها (بكة)، فجاء فيها: " طوبى للساكنين في بيتك أبداً يسبحونك، سلاه، طوبى لأناس عزهم بك، طرق بيتك في قلوبهم، عابرين في وادي البكاء (2) يصيرونه ينبوعاً، أيضاً ببركات يغطون مورة، يذهبون من قوة إلى قوة، يرون قدام الله في صهيون، يا رب إله الجنود اسمع صلاتي وأصغ يا إله يعقوب، سلاه، يا مجننا انظر يا الله والتفت إلى وجه مسيحك، لأن يوماً واحداً في ديارك خير من ألف، اخترت الوقوف على العتبة في بيت إلهي على السكن في خيام الأشرار " (المزمور 84/ 4 - 10).

وقد سماها النص العبري بكة، فقال: [???????? ????????]، وتقرأ: (بعيمق هبكا)، أي وادي بكة.

والنص كما جاء في ترجمة الكاثوليك كالتالي: "يجتازون في وادي البكاء، فيجعلونه ينابيع ماء، لأن المشترع يغمرهم ببركاته، فينطلقون من قوة إلى قوة، إلى أن يتجلى لهم إله الآلهة في صهيون" (83/ 7 - 8).

وهذا الاسم العظيم (بكة) هو اسم بلد محمد - صلى الله عليه وسلم -، الاسم الذي سمّى القرآن الكريم به مكة البلد الحرام {إن أول بيتٍ وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدىً للعالمين} (آل عمران: 96)، وبركة هذا البيت بما جعل الله لقاطنيه وقاصديه من مضاعفة الحسنات عنده، فصلاة فيه - كما أخبر نبينا - صلى الله عليه وسلم - تعدل أكثر من ألف صلاة فيما سواه (3)، فصدق فيه قول المزمور: "لأن يوماً واحداً في ديارك خير من ألف".

لكن علماء الكتاب المقدس لن يسلموا لنا بأن المقصود من وادي البكاء وادي مكة (بكة)، فقد أحالوا وادي البكاء من اسم جغرافي إلى فكرة تجريدية، لن تستطيع أن تعرف لها مكاناً على الخارطة، فقالوا: "أما وادي البكاء المذكور في المزمور 84: 6 فربما يكون بقعة جغرافية. ولكن يرجح أنه مجرد فكرة تحمل معنى عميقاً، فإن أولئك الذين لهم اختبار طيب مع الرب، بنعمته تتحول المآسي في حياتهم إلى أفراح". (4)

لكن ترجمات عربية وعالمية تخلصت من اسم (بكا ووادي البكاء)، واستبدلتها بكلمة (وادي البلسان) كما في الرهبانية اليسوعية وغيرها، وقد اعتمدوا في ذلك على مخطوطات قديمة.

يقول الآباء اليسوعيون في نسخة الرهبانية اليسوعية تعليقاً على استخدامهم لفظة "وادي البلسان": "في الترجمات القديمة وفي بعض المخطوطات "وادي البكاء"، ولفظ الكلمتين واحد". (5)

ورغم ما يكتنف تغيير اسم (بكا) إلى (البكاء والبلسان) من تحريف متعمد؛ فإن ثمة دلالة واضحة في كلا الكلمتين (البكاء والبلسان) التي درجت النسخ والتراجم على استعمالهما، فكلاهما يدل على مكة المكرمة دون غيرها.

فإن بكّا سميت كذلك نسبة إلى شجر البلسان الذي يخرج منه مادة صمغية تشبه دموع البكاء، وهو شجر ينبت - حسب اعتراف علماء الكتاب المقدس - في مكة المكرمة، يقول كُتاب قاموس الكتاب المقدس عن أشجار البكا: "ربما يقصد به شجر البلسم أو ما يشبهه. ففي بلاد العرب، قرب مكة شجر بهذا الاسم، يشبه شجر البلسم أو البلسان، وله عصارة بيضاء لاسعة، وقد سمى شجر البُكا، نسبة لن تلك الأشجار تنضج بالصموغ، أو نسبة لقطرات الندى التي تقع عليه". (6)

وتزيدنا دائرة المعارف الكتابية يقيناً بأن وادي البلسان هو وادي مكة المكرمة، فتقول: " أما البلسان الحقيقي الذي ذكره المؤلفون القدماء فهو "بلسم مكة " الذي مازالت مصر تستورده من شبه الجزيرة العربية - كما كان الأمر قديماً -، وهو عصير الشجرة المعروفة علمياً باسم ( Balsamo Dendron Apabatsmum) والتي تنمو في جنوب الجزيرة العربية وفي الحبشة، وهي شجرة صغيرة غير منتظمة الشكل، قشرتها ضاربة إلى الصفرة في لون شجرة الدلب" .. (7)


(1) قاموس الكتاب المقدس، ص (859).

(2) سبق التنبيه إلى أن استخدام كلمة البكاء بدلاً من (بكة) تحريف وترجمة لما لا يترجم، فالأسماء لا تترجم، لذا حافظت على صورة الكلمة بعض الترجمات العالمية، ففي الترجمة الإنجليزية: " through the valley of Ba'ca make it a well" فذكر أن اسم الوادي (بكة)، ومثله في الترجمة الفرنسية "" Lorsqu'ils traversent la vallée de Baca.

(3) وذلك في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((صلاة في مسجدي هذا [أي مسجد المدينة المنورة] خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)). رواه البخاري ح (1190)، ومسلم ح (1395).
(4) انظر: دائرة المعارف الكتابية (2/ 187)، وقاموس الكتاب المقدس، ص (507).

(5) وفي قاموس الكتاب المقدس ورد أن "كلمة Baca ( بكا) قد تعني بلسان". انظر: ص (178).
(6) قاموس الكتاب المقدس، ص (507)، وانظر دائرة المعارف الكتابية (2/ 187).

(7) دائرة المعارف الكتابية (2/ 189).

 

  • الاثنين AM 09:47
    2022-05-16
  • 1003
Powered by: GateGold