المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412275
يتصفح الموقع حاليا : 362

البحث

البحث

عرض المادة

هل ادعى المسيح عيسى - عليه السلام - أنه المسيح المنتظر؟

وإذا كان كثيرون من معاصري المسيح ادعوا أن عيسى عليه السلام هو المسيا المنتظر، كما قالوا من قبل عن يوحنا المعمدان، فهل ادعى عيسى أو قال لتلاميذه أنه المنتظر، وهل حقق عليه السلام نبوءات المسيح المنتظر؟

ذات يوم سأل تلاميذه عما يقوله الناس عنه، ثم سألهم " فقال لهم: وأنتم من تقولون إني أنا؟ فأجاب بطرس وقال له: أنت المسيح، فانتهرهم كي لا يقولوا لأحد عنه، وابتدأ يعلّمهم أن ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيراً، ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل" (مرقس 8/ 29 - 31)، لقد نهرهم ونهاهم أن يقولوا ذلك عنه، وأخبرهم بأنه سيتعرض للمؤامرة والقتل، وهي بلا ريب عكس ما يتوقع من المسيح الظافر. أي أنه أفهمهم أنه ليس هو المسيح المنتصر الذي تنتظرون، والذي يوقنون أن من صفاته الغلبة والظفر والديمومة، لا الألم والموت.

وفي رواية لوقا تأكيد ذلك "فأجاب بطرس وقال: مسيح الله، فانتهرهم، وأوصى أن لا يقولوا ذلك لأحد، قائلاً: إنه ينبغي أن ابن الإنسان يتألم" (لوقا 9/ 20 - 21)، وانتهاره التلاميذ ونهيهم عن إطلاق اللقب عليه ليس خوفاً من اليهود، فقد أخبر تلاميذه عن تحقق وقوع المؤامرة والألم، وعليه فلا فائدة من إنكار حقيقته لو كان هو المسيح المنتظر، لكنه منعهم لأن ما يقولونه ليس هو الحقيقة.

لكن بطرس كبير الحواريين رفض الإذعان لهذه الحقيقة، وهي أن المسيح هو العبد المتألم المتعرض للقتل، ليس الملك الظافر المنتظَر، فاندفع يؤنب المسيح على ما يسوقه من خبر عن نفسه، ولندع الكلام لمتى وهو ينقل لنا هذا المشهد بقوله: "ابتدأ يسوع يظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويقتل، وفي اليوم الثالث يقوم، فأخذه بطرس إليه، وابتدأ ينتهره قائلاً: حاشاك يا رب، لا يكون لك هذا".

فواجهه المسيح بصرامة تناسب أهمية الموضوع الذي يحتج عليه "فالتفت وقال لبطرس: اذهب عني يا شيطان، أنت معثرة لي، لأنك لا تهتم بما لله، لكن بما للناس" (متى 16/ 21 - 23).

هذا الذهول الذي وقع لبطرس أصاب سائر التلاميذ، فقد سمعوه يقول: " وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إليّ الجميع، قال هذا مشيراً إلى أية ميتة كان مزمعاً أن يموت" فاندفعوا يعبرون عن استنكارهم لفكرة المسيح المتألم المقتول، وتساءلوا مستنكرين: هل كان المسيح يتحدث عن نفسه، "أجابه الجمع: نحن سمعنا من الناموس أن المسيح يبقى إلى الأبد، فكيف تقول أنت: إنه ينبغي أن يرتفع ابن الإنسان، من هو هذا ابن الإنسان؟! " (يوحنا 12/ 34)، لقد صدمتهم الحقيقة التي يصرح لهم بها المسيح، إنها تهدم كل أوهامهم عنه في أنه المسيا العظيم الظافر الذي طال انتظار اليهود إليه.

ويوافقنا القس الخضري في أن المسيح عليه السلام ليس المسيّا الظافر الذي ينتظره اليهود، لكنه المسيا الروحي، ثم يلفت أنظارنا "إلى حقيقة في غاية الأهمية، وهي أن يسوع كان يحاول جاهداً أن يخفي نفسه كمسيا عن الجماهير، لذلك عندما كان يلاحظ وجود بعض الثغرات التي من خلالها كان يمكن للجماهير أن تراه كمسيا؛ كان يسرع لإغلاقها". (1)

يقول الأب متى المسكين: "التلاميذ جمعوا من الأدلة في حياة المسيح ما يؤكد لهم أنه المسيا، ولكن كل مرة يحاولون أن يثيروا هذا الافتراض يمنعهم المسيح .. فإخفاء المسيح لمسيانيته أرهق العلماء للغاية، وقالوا فيه ما قالوا". (2)

وهو عليه السلام حرص على نفي كونه المسيا مرة بعد مرة "فلما رأى الناس الآية التي صنعها يسوع قالوا: إن هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم، وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً انصرف أيضاً إلى الجبل وحده" (يوحنا 6/ 14 - 15). لماذا هرب؟ لأنه ليس الملك المنتظر، وهم مصرون على تمليكه لما يرونه من معجزاته عليه السلام، ولما يجدونه في أنفسهم من شوق وأمل بالخلاص من ظلم الرومان.

يقول القس الخضري: "إن جماعة الغيورين كانت تنتظر المسِيّا السياسي، وعندما رأت يسوع الذي يعظ بملكوت الله القريب؛ ظنت أنه هو فعلاً ذلك المسيا السياسي، ولذلك أرادت أن تختطفه، وتنصبه ملكاً على حزب الغيورين، لكي يكون زعيماً لهم، فيجمع شملهم ويدعم صفوفهم، ولكن المسيا يسوع ينصرف وحده إلى الجبل، لأن ملكوته ليس من هذا العالم، ولا يريد هذا الملك الذي يتقاتل ويتحارب عليه الناس". (3)

وذات مرة قال فيلبس لصديقه نثنائيل: "وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة".

فجاء نثنائيل إلى المسيح عليه السلام وسأله " وقال له: يا معلّم أنت ابن الله؟ أنت ملك إسرائيل؟ أجاب يسوع وقال له: هل آمنت لأني قلت لك: إني رأيتك تحت التينة، سوف ترى أعظم من هذا" (يوحنا 1/ 45 - 50)، فقد أجابه بسؤال، وأعلمه أنه سيرى المزيد من المعجزات، ولم يصرح له أنه الملك المنتظر.

وفي بلاط بيلاطس نفى أن يكون الملك المنتظر لليهود، كما زعموا وأشاعوا "أجاب يسوع: مملكتي ليست من هذا العالم، لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أسلّم إلى اليهود، ولكن الآن ليست مملكتي من هنا" (يوحنا 18/ 36)، فمملكته روحانية، في الجنة، وليست مملكة اليهود المنتظرة، المملكة الزمانية المادية، التي يخشاها الرومان، و"المعروف من النبوات أن مسِيا سيكون ملكاً وكاهناً". (4)

لذلك ثبتت براءته من هذه التهمة في بلاط بيلاطس الذي سأله قائلاً ": أنت ملك اليهود؟ فأجابه وقال: أنت تقول، فقال بيلاطس لرؤساء الكهنة والجموع: إني لا أجد علّة في هذا الإنسان" (لوقا 23/ 2 - 4)، فجواب المسيح لا يمكن اعتباره بحال من الأحوال إقراراً، فهو يقول له: أنت الذي تقول ذلك، ولست أنا، وقد اقتنع بيلاطس ببراءته فقال: " أنا لست أجد فيه علة واحدة" (يوحنا 18/ 38).

وفي إنجيل يوحنا أن المسيح بيّن لبيلاطس أن سبب إرساليته الشهادة للحق وليس التملك على البشر، فقد قال: " أنت تقول: إني ملك، لهذا قد ولدت أنا، ولهذا قد أتيت إلى العالم، لأشهد للحق، كل من هو من الحق يسمع صوتي" (يوحنا 18/ 37).

وممن أدرك أن عيسى - عليه السلام - ليس المسيح المنتظر يهوذا الأسخريوطي الذي يرى القس الخضري أن سبب خيانته للمسيح أنه كان من طائفة الغيورين التي تحلم بمجيء المسيا القادم الظافر، فتبددت آماله، وساورته شكوك في مسيانية المسيح " بعد أن سمع في كفر ناحوم عظة السيد عن خبز الحياة الذي سيكون طعاماً للآخرين، فكيف يمكن أن يكون المسيا ذبيحة، ونحن نريد مسيا عسكرياً قوياً يحرر من العدو؟ ولقد ازدادت شكوكه في مسيانية يسوع عندما سمعه يأمر بطرس بدفع الجزية للمستعمر (متى 17/ 24 - 27) ". (5)

وثمة آخرون أدركوا أنه ليس المسيح المنتظر مستدلين بمعرفتهم بأصل المسيح عيسى ونسبه وقومه، بينما المنتظر القادم غريب لا يعرفه اليهود "قال قوم من أهل أورشليم: أليس هذا هو الذي يطلبون أن يقتلوه، وها هو يتكلم جهاراً، ولا يقولون له شيئاً، ألعل الرؤساء عرفوا يقيناً أن هذا هو المسيح حقاً؟ ولكن هذا نعلم من أين هو، وأما المسيح فمتى جاء لا يعرف أحد من أين هو" (يوحنا 7/ 25 - 27)، ذلك أن المسيح القادم غريب عن بني إسرائيل.

وقد أكد المسيح صدق العلامة التي ذكروها للمسيح الغائب، فقال في نفس السياق: "فنادى يسوع وهو يعلّم في الهيكل قائلاً: تعرفونني، وتعرفون من أين أنا، ومن نفسي لم آت، بل الذي أرسلني هو حق، الذي أنتم لستم تعرفونه، أنا أعرفه لأني منه وهو أرسلني ... فآمن به كثيرون من الجمع، وقالوا: ألعل المسيح متى جاء يعمل آيات أكثر من هذه التي عملها هذا! " (يوحنا 7/ 25 - 31)، فذكر المسيح أنه رسول من عند الله، وأنه ليس الذي ينتظرونه، فذاك لا يعرفونه.

وقد آمن به الذين كلمهم، وفهم من المؤمنون أنه ليس المسيح المنتظر، فتأمل قول يوحنا: "فآمن به كثيرون من الجمع، وقالوا: ألعل المسيح متى جاء يعمل آيات أكثر من هذه التي عملها هذا؟ " (يوحنا 7/ 30 - 31).

وعيسى عليه السلام هو ابن داود كما في نسبه الذي ذكره متى ولوقا، وقد دعي مراراً " يا يسوع ابن داود" (مرقس 10/ 47)، (وانظر متى 1/ 1، 20/ 31، ولوقا 18/ 28، وغيرها).

أما المسيح المنتظر، الملك القادم فليس من ذرية داود، كما شهد المسيح بذلك "فيما كان الفريسيون مجتمعين سألهم يسوع قائلاً: ماذا تظنون في المسيح، ابن من هو؟ قالوا له: ابن داود، قال لهم: فكيف يدعوه داود بالروح رباً قائلاً: قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك؟ فإن كان داود يدعوه رباً فكيف يكون ابنه؟ فلم يستطع أحد أن يجيبه بكلمة، ومن ذلك اليوم لم يجسر أحد أن يسأله بتة" (متى 22/ 41 - 46)، فالمسيح - عليه السلام - يشهد بصراحة أنه ليس المسيح المنتظر.

والمسيح - عليه السلام - لا يمكن أن يحقق النبوءات المبشرة بالملك العظيم القادم، ولا يمكن أن يصبح ملكاً على كرسي داود وغيره، لأنه من ذرية الملك الفاسق يهوياقيم بن يوشيا، أحد أجداد المسيح كما في سفر الأيام الأول " بنو يوشيا: البكر يوحانان، الثاني يهوياقيم، الثالث صدقيا، الرابع شلّوم. وابنا يهوياقيم: يكنيا ابنه، وصدقيا ابنه" (الأيام (1) 3/ 14 - 15)، فيهوياقيم جد للمسيح (حسب روايات الكتاب المقدس)، واسم يهوياقيم أسقطه متى من نسبه المزعوم للمسيح، بين يوشيا وحفيده يكنيا.

وقد حرم الله الملك على ذريته كما ذكرت التوراة " قال الرب عن يهوياقيم ملك يهوذا: لا يكون له جالس على كرسي داود، وتكون جثته مطروحة للحر نهاراً وللبرد ليلاً ... " (إرميا 36/ 30)، فكيف يقول النصارى - الذين يزعمون أن المسيح من ذرية يكينيا ابن الفاسق يهوياقيم - بأن الذي سيملك ويحقق النبوءات هو المسيح؟!

ثم إن التأمل في سيرة المسيح - عليه السلام - وأقواله وأحواله يمنع أن يكون هو الملك القادم، الملك المنتظر، فالمسيح لم يملك على بني إسرائيل يوماً واحداً، وما حملت رسالته أي خلاص دنيوي لبني إسرائيل، كذاك النبي الذي ينتظرونه، بل كثيراً ما هرب المسيح خوفاً من بطش اليهود، فأين هو من الملك الظافر الذي يوطِئه الله هامات أعدائه، وتدين الأرض له ولأمته.

فالنبي الآتي يسحق ملوك وشعوب زمانه كما أخبر يعقوب "يأتي شيلون، وله يكون خضوع شعوب" (التكوين 49/ 10)، وقال عنه داود: "تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار، جلالك وبهاءك، وبجلالك اقتحم. اركب من أجل الحق والدعة والبر، فتريك يمينك مخاوف، نبلك المسنونة في قلب أعداء الملك، شعوب تحتك يسقطون. كرسيك يا الله إلى دهر الدهور، قضيب استقامة قضيب ملكك " (المزمور 45/ 1 - 6).

أما المسيح عيسى عليه السلام فكان يدفع الجزية للرومان "ولما جاءوا إلى كفر ناحوم تقدم الذين يأخذون الدرهمين إلى بطرس وقالوا: أما يوفي معلمكم الدرهمين؟ قال: بلى، فلما دخل البيت سبقه يسوع قائلاً: ماذا تظن يا سمعان، ممن يأخذ ملوك الأرض الجباية أو الجزية أمن بنيهم أم من الأجانب؟ قال له بطرس: من الأجانب، قال له يسوع: فإذاً البنون أحرار، ولكن لئلا نعثرهم اذهب إلى البحر، وألق صنارة، والسمكة التي تطلع أولاً خذها، ومتى فتحت فاها تجد أستاراً، فخذه وأعطهم عني وعنك" (متى 17/ 24 - 27)، فأين حال دافع الجزية من الملك الذي تسقط تحت قدميه شعوب خاضعة ذليلة لسلطانه.

والمسيح عليه السلام رفض أن يكون قاضياً بين اثنين يختصمان، فهل تراه يدعي الملك والسلطان، "قال له واحد من الجمع: يا معلّم، قل لأخي أن يقاسمني الميراث، فقال له: يا إنسان من أقامني عليكما قاضياً أو مقسّماً!؟ " (لوقا 12/ 13 - 14).

ولئن أصر النصارى على مخالفة الكتاب فقالوا: المسيح هو الملك الموعود الظافر الذي تخضع له الشعوب، وأن ذلك سيحققه حال عودته الثانية، فإن ذلك مما تدحضه النبوءة التي ذكرها الملاك لمريم، حيث أخبرها أن المسيح سيملك على بيت يعقوب فحسب، فغاية ما يمكن أن يملك عليه هو شعب إسرائيل، فقد قال لها الملاك: " ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية" (لوقا 1/ 33)، فيما المسيح الموعود "له يكون خضوع شعوب" (التكوين 49/ 10)، و " شعوب تحتك يسقطون " (المزمور 45/ 5)، فملكه أعظم من مملكة بني إسرائيل.

ويجدر هنا أن ننبه إلى أن وعد الله لبني إسرائيل بالملك القادم على كرسي داود وعد مشروط بطاعتهم لله وعملهم وفق مشيئته، كسائر وعود الله لبني إسرائيل، فالله لا يحابي أحداً من خلقه، فيخصهم بما لا يستحقونه.

لقد نقض بنو إسرائيل عهودهم مع الله مراراً وتكراراً، فرفضهم الله إلى الأبد "لماذا رفضتنا يا الله إلى الأبد! لماذا يدخن غضبك على غنم مرعاك! اذكر جماعتك التي اقتنيتها منذ القدم وفديتها " (المزمور 74/ 1 - 2)، لقد رفض الله هذه الأمة العاتية القاسية، وكان رفضه لها أبدياً، فلن يكون لهم الملك الموعود، لأنهم لم يوفوا بشرط وميثاق الله العظيم.

وقد يشكل في هذا الباب ما جاء في قصة المرأة السامرية التي أتت المسيح ورأت أعاجيبه وآياته، فأخبرته بإيمانها بمجيء المسيا، فكان جوابه لها أنه هو المسيا، " قالت له المرأة: أنا أعلم أن مسيا الذي يقال له المسيح يأتي، فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء، قال لها يسوع: أنا الذي أكلمك هو" (يوحنا 4/ 25 - 26).

ولست أشك في وقوع التحريف في هذه العبارة، بدليل أن هذا النص يخالف ما عهدناه من المسيح، وبدليل أن أحداً من التلاميذ - بما فيهم يوحنا كاتب القصة - لم يكن يسمع حديثه، وهو يتحدث مع المرأة، فلا يعرفون عن موضوع الحديث بينهما " قال لها يسوع: أنا الذي أكلمك هو، وعند ذلك جاء تلاميذه وكانوا يتعجبون أنه يتكلم مع امرأة. ولكن لم يقل أحد: ماذا تطلب؟ أو لماذا تتكلم معها " (يوحنا 4/ 26 - 27)، فهم لم يسمعوا حديثهما ولم يسألوه عما جرى بينهما.

وأوضح الأدلة على وقوع التحريف في هذه القصة أن المرأة التي رأت أعاجيبه، وقال لها هذا القول المدعى، لم تكن تؤمن أنه المسيح المنتظر، لأنها لم تسمع منه ذلك، ولو سمعته لآمنت وصدقت، فقد انطلقت تبشر به، وهي غير متيقنة أنه المسيح المنتظر "فتركت المرأة جرتها، ومضت إلى المدينة وقالت للناس: هلموا انظروا إنساناً قال لي كل ما فعلت، ألعل هذا هو المسيح؟ " (يوحنا 4/ 28 - 29).

ومما تقدم ظهر جلياً أن المسيح - عليه السلام - لم يدع أنه المسيح الذي تنتظره اليهود، وإن زعم ذلك بعض معاصريه، الذين كانوا يتوقون للمخلص العظيم الذي يسلطه الله على أعدائه.

وقد صدق بولتمان في كتابه "يسوع" حين قال: "إن يسوع لم يعتبر نفسه المسيا"، ووافقه الكثير من العصريين كما نقل عنهم الأسقف برنار بارتمان، فقالوا " بأن يسوع لم يعتبر نفسه المسيا، بل إن التلاميذ هم الذين أعطوه هذا اللقب بعد موته وقيامته من الاموات، الأمر الذي كان يرفضه بشدة أثناء حياته على الأرض".

ونختم بقول شارل جنيبر: "والنتيجة الأكيدة لدراسات الباحثين، هي: أن المسيح لم يدع قط أنه هو المسيح المنتظر، ولم يقل عن نفسه إنه ابن الله ". (6)


(1) تاريخ الفكر المسيحي، الدكتور القس حنا جرجس الخضري (1/ 272).

(2) الإنجيل بحسب القديس لوقا، الأب متى المسكين، ص (392)، ويرى الأب المسكين أن سبب إخفاء المسيح لمسيانيته "حتى يمكنه أن يتمم خدمة ابن الإنسان أو العبد المتألم".
(3) تاريخ الفكر المسيحي، الدكتور القس حنا جرجس الخضري (1/ 238).

(4) الإنجيل بحسب القديس لوقا، الأب متى المسكين، ص (715).

(5) تاريخ الفكر المسيحي، الدكتور القس حنا جرجس الخضري (1/ 236)، وانظر قاموس الكتاب المقدس، ص (1090).

(6) انظر: المسيحية، نشأتها وتطورها، شارل جنيبر، ص (50)، تاريخ الفكر المسيحي، الدكتور القس حنا جرجس الخضري (1/ 280، 282).

 

 

  • الاثنين AM 09:28
    2022-05-16
  • 1165
Powered by: GateGold