المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409110
يتصفح الموقع حاليا : 348

البحث

البحث

عرض المادة

تناقضات الإنجيليين في رواياتهم بعض الأحداث

[أمثلة التناقض في العهد الجديد]

ضرب المحققون عشرات الأمثلة لتناقض الأناجيل الأربعة والرسائل الملحقة بها، منها ما يتعلق ببعض الأحداث التي تقصها الأناجيل، ومنها ما يجعل المسيح متناقضاً مع نفسه زمنها على الخصوص تلك التناقضات المتعلقة بروايات حادثة الصلب، ومنها تلك التي خالف فيها الإنجيليون ما في العهد القديم، فبدلوا في رواياته أو أخطؤوا، فحصل منهم التناقض:

أولاً: تناقضات الإنجيليين في رواياتهم بعض الأحداث

[نسب المسيح]

لعل أهم وأصرح تناقضات العهد الجديد تناقض متى ولوقا في نسب يوسف النجار، فقد اختلفا اختلافاً لا يمكن الجمع فيه، كما تناقض لوقا ومتى مع ما جاء في سفر الأيام الأول، وهو يتحدث عن بعض ملوك إسرائيل الذين جعلهم متى من أجداد المسيح.

يقول متى: " كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم. إبراهيم ولد إسحق. وإسحق ولد يعقوب. ويعقوب ولد يهوذا وإخوته، ويهوذا ولد فارص وزارح من ثامار. وفارص ولد حصرون. وحصرون ولد أرام، وأرام ولد عمينا داب. وعمينا داب ولد نحشون. ونحشون ولد سلمون، وسلمون ولد بوعز من راحاب. وبوعز ولد عوبيد من راعوث. وعوبيد ولد يسى، ويس ولد داود الملك.

وداود الملك ولد سليمان من التي لأوريا، وسليمان ولد رحبعام. ورحبعام ولد أبيا. وأبيا ولد آسا. وآسا ولد يهوشافاط. ويهوشافاط ولد يورام. ويورام ولد عزيا. وعزيا ولد يوثام. ويوثام ولد أحاز. وأحاز ولد حزقيا. وحزقيا ولد منسي. ومنسي ولد آمون. وآمون ولد يوشيا. ويوشيا ولد يكنيا وإخوانه عند سبي بابل.

وبعد سبي بابل يكنيا ولد شألتئيل. وشألتئيل ولد زربابل. وزربابل ولد أبيهود. وأبيهود ولد ألياقيم. وألياقيم ولد عازور. وعازور ولد صادوق. وصادوق ولد أخيم. وأخيم ولد أليود. وأليود ولد أليعازر، وأليعازر ولد متان. ومتان ولد يعقوب. ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع، الذي يدعى المسيح.

فجميع الأجيال من إبراهيم إلى داود أربعة عشر جيلاً. ومن داود إلى سبي بابل أربعة عشر جيلاً ومن سبي بابل إلى المسيح أربعة عشر جيلاً " (متى 1/ 1 - 17).

لكن لوقا يورد نسباً آخر للمسيح يختلف تمام الاختلاف عما جاء في متى يقول لوقا:" ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة وهو - على ما كان يظن - ابن يوسف بن هالي، بن منثات بن لاوي بن ملكي بن ينا بن يوسف بن متاثيا ابن عاموص بن ناحون بن حسلي بن نجاي، بن ماث بن متاثيا بن شمعي بن يوسف بن يهوذا، بن يوحنا بن ريسا.

ابن زربابل بن شألتئيل بن نيري، بن ملكي بن أدى بن قصم بن ألمودام بن عير، بن يوسي بن أليعازر بن يوريم بن متثات بن لاوي. بن شمعون بن يوذا بن يوسف بن يونان بن ألياقيم بن مليا بن مينان بن متاثا بن ناثان بن داود.

ابن يسى بن عوبيد بن بوعز بن سلمون بن نحشون بن عميناداب بن أرام بن حصورن بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.

ابن تارح بن ناحور، بن سروج بن رعو بن فالج بن عابر بن شالح بن فينان بن أرفكشاد بن سام بن نوح بن لامك بن متوشالح بن أخنوخ بن يارد بن مهللئيل بن قينان بن أنوش بن شيت بن آدم ابن الله " (لوقا 3/ 23 - 38).

توقف المحققون ملياً عند التناقض في نسب المسيح، وقد استوقفتهم ملاحظات منها:

- أن متى ولوقا اتفقا في ابتداء النسب بيوسف النجار، ثم افترقا ليلتقيا من جديد بزربابل بن شألتئيل، حيث جعله متى الجد العاشر ليوسف النجار، فيما جعله لوقا الجد التاسع عشر ليوسف.

ثم اختلف الإنجيليان من جديد اختلافاً كبيراً، فقد جعل متى المسيح من ذرية ملوك بني إسرائيل سليمان ثم رحبعام ثم أبيا ثم آسا ثم يهوشافاط ... بينما يجعله لوقا من نسل ناثان بن داود، وليس في أبنائه من ملك على بني اسرائيل.

- ولا يعقل أن يكون المسيح من ذرية أخوين، أي سليمان وناثان ابنا داود عليه السلام، كما لا يعقل أيضاً ذات الأمر بخصوص زربابل وأبوه شألتئيل، فإما أن يكونوا (المسيح وزربابل وشألتئيل) من نسل سليمان أو من ذرية أخيه ناثان.

- وأيضاً بلغ الاختلاف بين القوائم الثلاث مدى يستحيل الجمع فيه على صورة من الصور، فالاختلاف في أعداد الأجيال كما الأسماء، وثمة خلل في الأنساب وإسقاط لعدد من الآباء.

- وقد حرص متى على تقسيم سلسلة الأنساب التي ذكرها إلى ثلاثة مجموعات في كل منها أربعة عشر أباً فيقول: " فجميع الأجيال من إبراهيم إلى داود أربعة عشر جيلاً، ومن داود إلى سبي بابل أربعة عشر جيلاً، ومن سبي بابل إلى المسيح أربعة عشر جيلاً " (متى 1/ 17).

لكن متى لم يوف بالأرقام التي ذكرها، إذ لم يذكر بين المسيح والسبي سوى اثني عشر أباً. وقد تصرف متى في المجموعة الثانية، فأسقط عدداً من الأسماء ليحافظ على الرقم 14، فأسقط ما بين يورام وعزيا ثلاثة آباء، هم أخزيا بن يورام وابنه يواشى وابنه أمصيا والد عزيا.

ولعل صورة التناقض والتلاعب تتضح إذا تأملنا في الجدول الذي يقارن بين سلسلتي لوقا ومتى، فيما بين داود ويوسف النجار، ونضع إلى جوارهما ما جاء في سفر (الأيام (1) 3/ 10 - 19)، لنقف على الأسماء التي أسقطها متى، لتنتظم له سلسلته التي أرادها، فقد غيّر في نسب المسيح، لتتناسب وحساباته الخاصة:

م ... إنجيل متى (1/ 1 - 17) ... أخبار الأيام (3/ 10 - 19) ... إنجيل لوقا (3/ 23 - 38) ... م ... إنجيل متى (1/ 1 - 17) ... أخبار الأيام (3/ 10 - 19) ... إنجيل لوقا (3/ 23 - 38)

1 ... داود ... داود ... داود ... 22 ... زربابل ... زربابل ... شالتئيل

2 ... سليمان ... سليمان ... ناثان ... 23 ... أبيهود ... زربابل

3 ... رحبعام ... رحبعام ... متاثا ... 24 ... الياقيم ... ريسا

4 ... أبيا ... أبيا ... مينان ... 25 ... عازور ... يوحنا

5 ... آسا ... آسا ... مليا ... 26 ... صادوق ... يهوذا

6 ... يهوشافاط ... يهوشافاط ... ألياقيم ... 27 ... أخيم ... يوسف

7 ... يورام ... يورام ... يونان ... 28 ... أليود ... شمعي

8 ... ... ... أخزيا ... يوسف ... 29 ... اليعازر ... متاثيا

9 ... ... ... يواش ... يهوذا ... 30 ... متان ... مآث

10 ... ... ... أمصيا ... شمعون ... 31 ... يعقوب ... نجاي

11 ... عزيا ... عزريا ... لاوي ... 32 ... يوسف ... حسلي

12 ... يوثام ... يوثام ... متثات ... 33 ... ناحوم

13 ... أحاز ... أحاز ... بوريم ... 34 ... عاموص

14 ... حزقيال ... حزقيال ... أليعازر ... 35 ... مُتاثيا

15 ... منسي ... منسي ... يوسي ... 36 ... يوسف

16 ... آمون ... آمون ... عير ... 37 ... ينا

17 ... يوشيا ... يوشيا ... ألمودام ... 38 ... ملكي

18 ... ... ... يهوياقيم ... قصم ... 39 ... لاوي

19 ... يكنيا ... يكنيا ... أدي ... 40 ... متثات

20 ... شالتئيل ... ... ... ملكي ... 41 ... هالي

21 ... ... ... فدايا ... نيري ... 42 ... يوسف

والسؤال كيف يجمع علماء الكتاب المقدس بين تناقضات أنساب المسيح؟

يقول صاحب كتاب " شمس البر ": "معرفتنا بطريقة تأليف جداول النسب في تلك الأيام قاصرة جداً "، ويعلق بوكاي: " لاشك أن نسب المسيح في الأناجيل قد دفع المعلقين المسيحيين إلى بهلوانيات جدلية متميزة صارخة تكافئ الوهم والهوى عند كل من لوقا ومتى ". (1)

لكن النتيجة الخطيرة والمهمة المترتبة على وجود هذا التناقض هي: أن إنجيل متى لم يكن معروفاً للوقا مع أنه قد سبقه بنحو عشرين سنة، ولو كان لوقا يعرفه، أو يعتبره إنجيلاً مقدساً لراجعه ولما خالفه، فدل ذلك على عدم وجود إنجيل متى يومذاك، أو إسقاط الاعتبار له.

لكن محرري قاموس الكتاب المقدس أوصلونا إلى نتيجة أخرى أهم منها، وهي أن "هذه الفروق تبرهن استقلال كل من البشيرين عن الآخر في ما كتبه واعتماده على مصادر تختلف عن مصادر الآخر، ولكنها ليست أقل منها أهمية ووثوقاً" (2)، بمعنى أن مصدرهما لم يكن الروح القدس، بل لكل منهما مصدره الخاص.

[أسماء التلاميذ الاثني عشر]

ومن التناقضات بين الأناجيل أيضاً اختلاف الأناجيل في أسماء التلاميذ الاثني عشر، إذ يقدم العهد الجديد أربع قوائم للتلاميذ الاثني عشر تختلف كل واحدة عن الأخرى، وبيانه:

أن أسماء التلاميذ ذكرها متى في إنجيله (10/ 1 - 4)، ومرقس أيضاً (انظر 3/ 16)، وذكرها لوقا في إنجيله في (6/ 14) ثم في أعمال (1/ 13).

وتتشابه القوائم الأربعة في عشرة أسماء وهي سمعان بطرس، وأخوه اندرواس، ويعقوب بن زبدي، وأخوه يوحنا، وفيلبس، وبرثو لماوس، وتوما، ومتى، ويعقوب بن حلفي، وسمعان القانوي أو الغيور.

ويتفق متى ومرقس ولوقا على ذكر يهوذا الأسخريوطي، فيما أهمل في أعمال الرسل، وهو ما يمكن أن نعتبره توافقاً، إذ قد أهمل ذكر التلميذ الخائن.

وأما الاسم المكمل للإثني عشر، فيذكر متى ومرقس اسم لباوس الملقب: تداوس، فيما يذكر لوقا في إنجيله وأعمال الرسل يهوذا بن حلفي.

ولا يمكن أن يكون لهذا التلميذ هذه الأسماء الثلاثة، لأنه كما في تعليق الآباء اليسوعيين على (متى 10/ 3): "يستبعد أن تكون هذه الأسماء المختلفة قد أطلقت على شخص واحد، لأن هذه الأسماء الثلاثة هي سامية كلها، حين كان لشخص واحد اسمان في ذلك الزمان؛ كان أحدهما يهودياً، والآخر يونانياً أو رومانياً. إن التقليد الذي حافظ بثبات على عدد الرسل الاثني عشر لم يتردد إلا على اسم واحد منهم".

وإذا كانت الأناجيل تختلف بأمر بمثل هذه الأهمية والوضوح، فكيف لنا أن نثق بما وراء ذلك من أخبار ووقائع وتفصيلات تعرضها عن حياة المسيح وغيره.

[من الذي طلب الملكوت، الأم أم ابناها؟]

ومن تناقضات الأناجيل أيضاً ما تناقض فيه متى مع مرقس، فقد ذكر متى أنه " تقدمت إليه أم ابني زبدي مع ابنيها وسجدت، وطلبت منه شيئاً، وقالت له: قل: أن يجلس ابناي هذان، واحد عن يمينك، والآخر عن اليسار في ملكوتك، فأجابها يسوع: لستما تعلمان ما تطلبان ... " (متى 20/ 20 - 23).

وفي مرقس تذكر القصة نفسها وبنفس حيثياتها، لكن الذي طلب الملكوت هما الابنان، وليس أمهما، يقول مرقس: " وتقدم إليه يعقوب ويوحنا ابنا زبدي قائلين: يا معلّم نريد أن تفعل لنا كل ما طلبنا ... فقالا له: أعطنا أن نجلس واحد عن يمينك، والآخر عن يسارك في مجدك. فقال لهما يسوع: لستما تعلمان ما تطلبان .... " (مرقس 10/ 35 - 38).

يقول جون فنتون في تفسيره لإنجيل متى (ص 324): لقد أحدث متى بعضاً من التغيرات والحذف لما في إنجيل مرقس، وأهم ما في ذلك، أنه بينما في إنجيل مرقس نجد أن التلميذين نفسيهما يطلبان من يسوع، إذ بأمهما هي التي تطلب منه حسب رواية متى. (3)

[هل أوصى المسيح تلاميذه بأخذ العصا أم أوصاهم بتركها؟]

ومن التناقضات أن مرقس يذكر وصية المسيح لتلاميذه بعد أن أعطاهم سلطاناً على الأرواح النجسة فقال: "وأوصاهم أن لا يحملوا شيئاً للطريق غير عصا فقط، لا مزوداً ولا خبزاً ولا نحاساً في المنطقة، بل يكونوا مشدودين بنعال، ولا يلبسوا ثوبين " (مرقس 6/ 8 - 9).

لكن الوصية في لوقا تتفق مع مرقس في أمور وتختلف في أخرى فقد جاء فيها: " وأرسلهم ليكرزوا بملكوت الله ويشفوا المرضى، وقال لهم: لا تحملوا شيئاً للطريق، لا عصا ولا مزوداً ولا خبزاً، ولا فضة ولا يكون للواحد ثوبان " (لوقا 9/ 2 - 3). فقد تناقضا في وصية المسيح بخصوص العصا.

كما ناقض إنجيلُ متى القديسَ مرقس في حمل العصا والأحذية، إذ نسب إلى المسيح قوله: "لا تقتنوا ذهباً ولا فضة، ولا نحاساً في مناطقكم، ولا مزوداً للطريق ولا ثوبين، ولا أحذية ولا عصا" (متى 10/ 9 - 10)، فقد نص متى على منعهم من اقتناء (أي تملك) الأحذية والعصا، مخالفاً ما جاء في إنجيل مرقس.

[هل سمعوا صوت الله أم أن الله لا يسمع صوته]

يتحدث يوحنا عن الله الآب فيقول: "والآب نفسه الذي أرسلني يشهد لي، لم تسمعوا صوته قط ولا رأيتم هيئته" (يوحنا 5/ 37)، وعليه فإن أحداً لم يسمع صوت الله.

في حين أن الإنجيليين الثلاثة يتحدثون عن صوت لله سمعه الناس بعد عمادة المسيح على يد يوحنا المعمدان، يقول مرقس: "وكان صوت من السماوات: أنت ابني الحبيب الذي به سررتُ" (مرقس 1/ 11)، و (انظر متى 17/ 5، ولوقا 3/ 22)، وكذلك سمع بطرس صوت الله حين كان فوق الجبل المقدس، يقول بطرس: "أخذ من الله الآب كرامة ومجداً، إذ أقبل عليه صوت كهذا من المجد الأسنى: هذا هو ابني الحبيب الذي أنا سررت به. ونحن سمعنا هذا الصوت مقبلاً من السماء؛ اذ كنا معه في الجبل المقدس" (بطرس (2) 1/ 17)، فكيف يتحدث بطرس والإنجيليون عن سماع صوت الله وهو يبشر بالمسيح؛ في حين أن يوحنا يذكر أن أحداً لم يسمع صوت الله ولم يره؟

[هل يوحنا المعمدان هو إيلياء؟]

ويذكر يوحنا أن الكهنة واللاويين أرسلوا إلى يوحنا المعمدان ليسألوه: من أنت؟ فسألوه وقالوا: " أأنت إيليا؟ فقال: لست أنا " (يوحنا 1/ 20 - 22).

لكن متى يذكر أن المسيح قال عنه بأنه إيليّا " الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان. ولكن الأصغر في ملكوت السموات أعظم منه .. وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليّا المزمع أن يأتي، من له أذنان للسمع فليسمع" (متى 11/ 14).

وفي موضع آخر قال المسيح، وهو يقصد يوحنا: " ولكني أقول لكم: إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه، بل عملوا به كل ما أرادوا " (مرقس 9/ 13)، فلزم من هذا التناقض تكذيب أحد النبيين أو تكذيب كتبة الأناجيل، وهو الصحيح.

[متى يبست التينة؟]

وتتحدث الأناجيل عن إتيان المسيح شجرة تين، فلما وجدها غير مثمرة دعا عليها قائلاً: " لا تخرج منك ثمرة إلى الأبد، فيبست تلك الشجرة للوقت، فنظر التلاميذ وتعجبوا " (متى 21/ 19 - 20)، إذاً كان يباسها في الحال.

وهذا ما يناقضه مرقس، إذ ذكر دعاء المسيح على الشجرة ثم " لما صار المساء خرج إلى خارج المدينة، وفي الصباح إذ كانوا مجتازين رأوا التينة قد يبست من الأصول، فتذكر بطرس، وقال له: يا سيدي، انظر التينة التي لعنتها قد يبست! " (مرقس 11/ 19 - 20)، ومعنى هذا أنها لم تيبس في الحال، كما لم يكتشف التلاميذ يباسها إلا في الغد.

[هل حضر القائد إلى المسيح؟]

ويذكر متى أن المسيح عندما دخل كفر ناحوم " جاء إليه قائد مائة يطلب إليه ويقول: يا سيدي، غلامي مطروح في البيت مفلوجاً متعذباً جداً " (متى 8/ 5 - 7).

ويروي لوقا القصة وذكر بأن القائد لم يأت للمسيح بل " فلما سمع عن يسوع (أي القائد) أرسل إليه شيوخ اليهود يسأله أن يأتي ويشفي عبده، فلما جاءوا إلى يسوع طلبوا إليه باجتهاد .. " (لوقا 7/ 3 - 4)، فهل حضر القائد أم لم يحضر.

[أم المجنونة، كنعانية أم فينيقية؟]

وجاءت المرأة تشكو إلى المسيح مرض ابنتها بالجنون، وهذه المرأة عند متى " كنعانية " (متى 15/ 22)، غير أنها عند مرقس " فينيقية سورية " (مرقس 7/ 26)، فأيهما الصحيح؟

[متى حصلت قصة تطييب المرأة لقدمي المسيح؟]

وتتحدث الأناجيل الأربعة عن قصة المرأة الخاطئة التي دهنت قدمي المسيح بالطيب ومسحت قدميه بشعرها، ويختلف الإنجيليون في تحديد الوقت الذي جرت فيه القصة، فقد جعلها لوقا في أوائل تبشير المسيح، في حين جعلها الآخرون متلازمة مع قصة الصلب، واختلفوا هل كانت قبل الفصح بيومين أم قبله بستة أيام.

أما لوقا جعل القصة من أوائل قصص المسيح (انظر لوقا 7/ 36 - 50) وإبان حياة يوحنا المعمدان، فقد ذكر لوقا قصة إرسال المعمدان تلاميذه إلى المسيح في نفس الإصحاح (انظر لوقا 7/ 19 - 23).

لكن مرقس يزعم أن هذه القصة حدثت قبل عيد الفصح بيومين "كان الفصح وأيام الفطير بعد يومين، وكان رؤساء الكهنة والكتبة يطلبون كيف يمسكونه بمكر ويقتلونه. ولكنهم قالوا: ليس في العيد لئلا يكون شغب في الشعب ... جاءت امرأة معها قارورة طيب ناردين خالص كثير الثمن" (مرقس 14/ 1 - 4)، والفصح الذي يتحدث عنه مرقس في أواخر تبشير المسيح، أي العيد الذي حصلت فيه حادثة الصلب.

وأما يوحنا فجعل القصة قبل الفصح بستة أيام، بدلاً من يومين، يقول يوحنا: " ثم قبل الفصح بستة أيام .. فأخذت مريم منّاً من طيب ناردين خالص كثير الثمن، ودهنت قدمي يسوع ومسحت" (يوحنا 12/ 1 - 3)، وهو يتحدث عن ذات الفصح الذي تحدث عنه مرقس، أي الذي سبق أحداث الصلب، فمتى حصلت القصة؟ وهل أخطأ روح القدس في إبلاغ بعضهم؟ أم أن الإنجيليين كانوا هم المخطئين؟

هل جرب إبليس المسيح على الجبل أولاً أم في الهيكل؟

ويتحدث الإنجيليون عن تجربة إبليس للمسيح في موضعين، أحدهما في القدس عند الهيكل، والثانية عند جبل عال جداً، لكن الإنجيليين يختلفون في ترتيب الحدثين، فمتّى يرى أن تجربة الهيكل أولاً ثم تلته تجربة الجبل، فيقول: "ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة، وأوقفه على جناح الهيكل، وقال له: إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل .. ثم أخذه أيضاً إبليس إلى جبل عال جداً، وأراه جميع ممالك العالم ومجدها" (متى 4/ 5 - 8).

وهذا الترتيب يخالف فيه لوقا، والذي يرى أن تجربة الجبل حصلت أولاً "ثم أصعده إبليس إلى جبل عال، وأراه جميع ممالك المسكونة في لحظة من الزمان. وقال له إبليس: لك أعطي هذا السلطان كله ومجدهنّ ... ثم جاء به إلى أورشليم، وأقامه على جناح الهيكل، وقال له: إن كنت ابن الله فاطرح نفسك من هنا إلى أسفل" (لوقا 4/ 5 - 9).

ويحار القس الدكتور إبراهيم سعيد في ترتيب التجربتين، ثم لا يجد ما يدفع حيرته وحيرة قرائه، فيقول: "تميل جمهرة المفسرين في القرن الماضي إلى الترتيب المذكور في متى، بينما يتفق المفسرون العصريون على تفضيل الترتيب في لوقا" (4)، ويبقى السؤال مطروحاً: أي التجربتين كانت أولاً؟ إنها إحدى معضلات العهد الجديد.

[متى ظهر إيليا وموسى للتلاميذ؟]

ويتحدث الإنجيليون عن ظهور موسى وإيليا أمام التلاميذ بعد أن ذهبوا مع المسيح إلى جبل للصلاة، وذلك بعد مغادرة المسيح قيصرية بعدة أيام، اختلف الإنجيليون هل كانت ستة أيام أم ثمانية أيام، يقول لوقا: "وبعد هذا الكلام بنحو ثمانية أيام أخذ بطرس ويوحنا ويعقوب وصعد إلى جبل ليصلّي" (لوقا 9/ 28).

ويخالفه متى فيقول: "وبعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا أخاه، وصعد بهم إلى جبل عال منفردين" (متى 17/ 1)، فهل كان ظهور موسى وإيليا بعد ستة أيام أم ثمانية؟.

وفي محاولة يائسة لحل هذا التناقض يقول الأب متى المسكين: "وهذا اللبس ربما لأن القديس متى لم يحسب السبت في الوسط، أما القديس لوقا فحسبه وحسب اليوم الذي تكلم فيه القديس بطرس عن استعلان المسيح". (5)

ولا إخال القارئ إلا مدركاً أن ما قدم له الأب المسكين بقوله: "ربما" إنما هو محض تخرص وتخيل لا أساس له، وكان الأولى به الإقرار بأن أحد الإنجيليين قد أخطأ في روايته.

[هل تبرر إبراهيم بالإيمان فقط؟]

ولعل من أهم صور التناقض بين كتبة العهد الجديد اختلافهم في أهمية العمل للحصول على البر، مع اتفاقهم على أهمية الإيمان، فبولس يقلل من أهمية العمل، ويراه غير ذي فائدة عند الله، ويستدل لصحة مذهبه ببرارة إبراهيم عليه السلام بالإيمان قبل اختتانه والتزامه بالشريعة، ويرى أن الأعمال إنما هي أجرة سداد لدين البرارة التي منحها الله له، فيقول: "لأنه إن كان إبراهيم قد تبرر بالأعمال فله فخر. ولكن ليس لدى الله. لأنه ماذا يقول الكتاب: فآمن إبراهيم بالله فحُسب له براً.

أما الذي يعمل فلا تحسب له الأجرة على سبيل نعمة، بل على سبيل دين. وأما الذي لا يعمل ولكن يؤمن بالذي يبرر الفاجر، فإيمانه يحسب له براً، كما يقول داود أيضاً في تطويب الإنسان الذي يحسب له الله براً بدون أعمال .. أفهذا التطويب هو على الختان فقط أم على الغرلة أيضاً؟ لأننا نقول: إنه حسب لإبراهيم الإيمان براً. فكيف حسب؟ أوَهو في الختان أم في الغرلة؟ ليس في الختان بل في الغرلة" (رومية 4/ 2 - 6)، فالإيمان دون العمل هو طريق البر، وكما تبرر إبراهيم به يتبرر المؤمنون، هذا هو مذهب بولس "الإنسان يتبرر بالإيمان، بدون أعمال الناموس " (رومية 3/ 27 - 28).

وأما التلميذ يعقوب فيخالفه ويناقضه، حين يرى أن الإيمان بدون عمل لا يجدي شيئاً، بل هو إيمان ميت، ويستدل لذلك ببرارة إبراهيم مناقضاً بولس، حيث لم يكف إيمان إبراهيم ليكون باراً عند الله، إذ أصبح باراً بالعمل، حين قدم ابنه إسحاق ذبيحة بين يدي الله، فحسب ذلك له براً، يقول يعقوب: "ألم يتبرر إبراهيم أبونا بالأعمال، إذ قدم اسحق ابنه على المذبح، فترى أن الإيمان عمل مع أعماله، وبالأعمال أكمل الإيمان، وتم الكتاب القائل: فآمن إبراهيم بالله فحسب له براً ودعي خليل الله.

ترون إذاً أنه بالأعمال يتبرر الإنسان، لا بالإيمان وحده .. لأنه كما أن الجسد بدون روح ميت، هكذا الإيمان أيضا بدون أعمال ميت" (يعقوب 2/ 21 - 26)، فهل تبرر إبراهيم بالإيمان وحده، أم أن الإيمان بدون عمل جسد ميت؟

[أين كانت موعظة المسيح؟]

ويذكر الإنجيليون موعظة المسيح الطويلة لتلاميذه، والتي عزّى فيها الفقراء والجياع، وتهدد الأغنياء والمتخمين، لكنهم اختلفوا في الموضع الذي كانت فيه الموعظة، "ولما رأى الجموع صعد إلى الجبل، فلما جلس تقدم إليه تلاميذه .. " (متى 5/ 1)، فمتّى يرى أن الموعظة كانت على الجبل.

وهو ما يخالفه فيه لوقا، والذي يجعل الموعظة في سهل، لا في الجبل، فيقول: "ونزل معهم، ووقف في موضع سهل هو وجمع من تلاميذه .. " (لوقا 6/ 17).

ويحاول الأب متى المسكين الجمع بين النصين، فيأتي بقول لا علاقة له بأي من النصين من قريب ولا بعيد، فيقول: "ربما يكون أنه بعد أن ألقى العظة على الجبل جالساً نزل إلى السهل ليشفي المرضى واقفاً ثم صعد مرة أخرى". (6)

[نهاية يهوذا]

ويتحدث العهد الجديد عن نهايتين مختلفتين للتلميذ الخائن يهوذا الأسخريوطي الذي خان المسيح، وسعى في الدلالة عليه وتسليمه مقابل ثلاثين درهماً من الفضة، فيقول متى: " لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين ندم وردّ الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ، قائلاً: قد أخطأت، إذ سلمت دماً بريئاً. فقالوا: ماذا علينا؟ أنت أبصر. فطرح الفضة في الهيكل وانصرف، ثم مضى وخنق نفسه، فأخذ رؤساء الكهنة الفضة، وقالوا: لا يحل أن نلقيها في الخزانة، لأنها ثمن دم. فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخاري مقبرة للغرباء. لهذا سمي ذلك الحقل حقل الدم إلى هذا اليوم" (متى 27/ 2 - 5).

ولكن سفر أعمال الرسل يحكي نهاية أخرى ليهوذا وردت في سياق خطبة بطرس، حيث قال: "أيها الرجال الإخوة، كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقاله بفم داود عن يهوذا الذي صار دليلاً للذين قبضوا على يسوع، إذ كان معدوداً بيننا، وصار له نصيب في هذه الخدمة، فإن هذا اقتنى حقلاً من أجرة الظلم، وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط، فانسكبت أحشاؤه كلها، وصار ذلك معلوماً عند جميع سكان أورشليم، حتى دعي ذلك الحقل في لغتهم حقل دما، أي حقل دم" (أعمال 1/ 16 - 20).

فقد اختلف النصان في جملة من الأمور:

- كيفية موت يهوذا، فإما أن يكون قد خنق نفسه ومات " ثم مضى وخنق نفسه"، وإما أن يكون قد مات بسقوطه، حيث انشقت بطنه وانسكبت أحشاؤه فمات " وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها "، ولا يمكن أن يموت يهوذا مرتين، كما لا يمكن أن يكون قد مات بالطريقتين معاً.

- من الذي اشترى الحقل، هل هو يهوذا " فإن هذا اقتنى حقلاً من أجرة الظلم"، أم الكهنة الذين أخذوا منه المال " فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخاري "؟

- هل مات يهوذا نادماً " لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين ندم ... قد أخطأت، إذ سلمت دماً بريئاً" أم معاقباً بذنبه كما يظهر من كلام بطرس؟

- هل رد يهوذا المال للكهنة " وردّ الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ "، أم أخذه واشترى به حقلاً " فإن هذا اقتنى حقلاً من أجرة الظلم "؟

- هل كان موت يهوذا قبل صلب المسيح وبعد المحاكمة " ودفعوه إلى بيلاطس البنطي الوالي، حينئذ لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين ندم ... فطرح الفضة في الهيكل وانصرف ثم مضى وخنق نفسه " أم أن ذلك كان فيما بعد، حيث مضى واشترى حقلاً ثم مات في وقت الله أعلم متى كان؟

- هل سمي الحقل حقل دم لأنه كان ثمناً لدم المسيح " فأخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا: لا يحل أن نلقيها في الخزانة لأنها ثمن دم، فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخاري مقبرة للغرباء، لهذا سمي ذلك الحقل حقل الدم إلى هذا اليوم"، أم لأن دم يهوذا قد سال فيه لما انشق بطنه " فإن هذا اقتنى حقلا من أجرة الظلم، وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط، فانسكبت أحشاؤه كلها، وصار ذلك معلوماً عند جميع سكان أورشليم، حتى دعي ذلك الحقل في لغتهم حقل دما، أي حقل دم".

 


(1) انظر: التوراة والإنجيل والقرآن والعلم، موريس بوكاي، ص (119 - 120)، وقاموس الكتاب المقدس، ص (1037).
(2) قاموس الكتاب المقدس، ص (1037).

(3) انظر: المسيح في مصادر العقائد المسيحية، أحمد عبد الوهاب، ص (87).

(4) شرح بشارة لوقا، القس إبراهيم سعيد، ص (85).

(5) الإنجيل بحسب القديس متى (دراسة وتفسير وشرح)، الأب متى المسكين، ص (502).

(6) الإنجيل بحسب القديس متى (دراسة وتفسير وشرح)، الأب متى المسكين، ص (212).

 

  • الخميس PM 03:18
    2022-05-12
  • 1354
Powered by: GateGold