المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409120
يتصفح الموقع حاليا : 195

البحث

البحث

عرض المادة

أغلاط الأناجيل (أغلاط بشهادة العقل)

كما ثمة أغلاط في الأناجيل يشهد العقل بأنها لا تصدر عن الوحي، لأنه أي العقل يشهد بخطئها وجهل قائلها بقوانين الله في الطبيعة.

[نجم في سماء أورشليم]

ذكر متى قصة المجوس الذين جاءوا للمسيح عند ولادته وسجدوا له فقال: " ولما ولد يسوع في بيت لحم في أيام هيردوس الملك إذا مجوس من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم قائلين: أين هو المولود ملك اليهود؟ فإننا رأينا نجمه في المشرق، وأتينا لنسجد له ... ذهبوا إذا النجم الذي رأوه في المشرق يتقدمهم حتى جاء، ووقف فوق حيث كان الصبي، فلما رأوا النجم فرحوا فرحاً عظيماً جداً ... " (متى 2/ 1 - 10).

فعند عرض القصة على العقل فإنه يرفضها لأمور:

- أن متى يتحدث عن نجم يمشي، وحركته - على رغم بعده الهائل - ملحوظة على الأرض تشير إلى بعض أزقة أورشليم دون بعض، ثم إلى بيت من بيوتها، حيث يوجد المسيح، فيتوقف وهو في السماء، فكيف مشى، وكيف دلهم على البيت، وكيف وقف؟!! وكيف رأوا ذلك كله؟ أسئلة ليس لها إجابة.

- كيف عرف المجوس خبر المسيح ونجمه وهم لا يعرفون الله؟ وكيف يسجدون لنبي وهم لا يؤمنون بدينه؟ فهذا من الكذب بدليل أن أحداً من قدماء المجوس ومؤرخيهم لم ينقل مثل هذا، وكذلك لم ينقله الإنجيليون الآخرون، ومنهم لوقا الذي تتبع كل شيء بتدقيق.

  • ثم لماذا تحمل المجوس عناء هذه الرحلة الطويلة؟ هل لمجرد أن يسجدوا بين يديه ويقدموا له الهدايا ثم يعودون!!؟
  • - كما يتحدث النص عن اهتمام الوالي هيرودس بأمر المولود وأنه أضمر قتله، وطلب من المجوس أن يخبروه إذا وجدوا الطفل ليسجد له، ثم أُوحي للمجوس في المنام أن لا يرجعوا لهيرودس، ففعلوا، فلو كان اهتمام هيرودس حقاً لقام معهم إلى بيت لحم وهي على مقربة من أورشليم، أو لأرسل معهم خاصته، إذ الموضوع بالنسبة إليه جِدُّ خطير.

وأما ما ذكره متى عن قتل هيرودس للأطفال بعد تواري المجوس قبل أن يقف على الطفل فهذا كذب بدليل أن أحداً من المؤرخين لم يذكره على أهمية هذا الحدث، كما ننبه إلى أن هيرودس الكبير قد مات قبل الميلاد بأربع سنوات كما تذكر ذلك كافة المصادر التاريخية.

الركوب على الجحش والأتان معاً

ومما يكذبه العقل ولا يتصوره ما ذكره متى عند حديثه عن دخول المسيح أورشليم فقال: "وأتيا بالأتان والجحش ووضعا عليهما ثيابهما، فجلس (أي المسيح) عليهما " (متى 21/ 7) فجلوس المسيح على الجحش والأتان معاً لا يتصوره العقل.

وهو غلط وكذب أراد متى من خلاله أن يحقق نبوءة توراتية " فكان هذا كله لكي يتم ما قيل بالنبي القائل: قولوا لابنة صهيون: هو ذا ملكك يأتيك وديعاً راكباً على أتان وجحش ابن أتان" (متى 21/ 4 - 5).

لكن الأب متى المسكين يرى أن التنصيص على أن الحمار ابن أتان يكتنف سراً أخلاقياً بليغاً، فهو حمار ابن حمار وأتان، وليس بغلاً ولا حصاناً، فـ"ذكر ابن أتان تأكيداً لتواضعه؛ أنه حمار، وهذا بيت القصيد". (1)

[عجائب متى عند موت المصلوب]

ومثله يرفض العقل ما حكاه متى من عجائب حصلت عند موت المسيح يقول: " وأسلم الروح، وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل، والأرض تزلزلت، والصخور تشققت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين، وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة، وظهروا لكثيرين " (متى 27/ 51 - 54).

والقصة من الغلط بل والكذب، إذ لم يعهد مثل هذه العودة للقديسين والراقدين، ولم يعهد أن عاد هؤلاء أو غيرهم من الموت.

ثم ماذا بعد العودة هل تزوجوا؟ وهل عادوا لبيوتهم؟ أم ماتوا بعدها؟ أم .. ، ثم ماذا كانت ردة فعل اليهود وبيلاطس والتلاميذ أمام هذا الحدث العظيم؟

الإجابة: لا شيء. إذ لم يذكر شيء عند متى ولا عند غيره ممن لم يذكر هذه العجائب، ولو كانت حقاً لسارت في خبرها الركبان، ولآمن الناس بالمسيح حينذاك، يقول الأب كننغسر: يجب الامتناع عن الهزء (أي بمثل هذه الأخبار)، لأن نية متى كانت محترمة جداً، إنه يدمج المعطيات القديمة للرواية الشفهية مع مؤلَفه، ولكن يبقى إخراجه لائقاً بعيسى، المسيح النجم.

وقال نورتن الملقب بحامي الإنجيل:" هذه الحكاية كاذبة، والغالب أن أمثال هذه الحكايات كانت رائجة عند اليهود بعد ما صارت أورشليم خراباً، فلعل أحداً كتب في حاشية النسخة العبرانية لإنجيل متى، وأدخلها الكاتب في المتن، وهذا المتن وقع في يد المترجم، فترجمها على حسبه".

ونقول ما قاله العلامة أبو زهرة: " لعل كثيراً مما في المتن أصله في الحاشية ثم نقل خطأ في المتن"، فكيف يتسنى لنا بيان هذا الزائف وإخراجه من الكتاب؟ (2)

[كيف اختفت هذه الأغلاط وغيرها عن أعين النصارى]

لقد بقيت هذه الأغلاط وغيرها حبيسة دفتي الكتاب المقدس قروناً طويلة، بقي خلالها الكتاب المقدس حكراً على رجالات الكنيسة بعيداً عن أيدي العامة بموجب قرارات الكنيسة ومنها قرار مجمع تولوز 1229م، فقد قرر هذا المجمع "منع كتب العهد القديم والجديد عن العلمانيين؛ إلا من كان يريد منهم اقتناء كتاب المزامير، ولكنا نحرم تحريماً باتاً ترجمة أي جزء من الكتاب الأخرى إلى اللغات الدارجة". (3)

ولما ظهرت الطباعة حاولت الكنيسة منع طباعة الكتاب وأصدرت مراسيم شهيرة تتوعد بالحرق والقتل من يقوم بذلك كمراسيم أراندل، وقد نفذت هذه المراسيم بالفعل، لكن ذلك كله لم يفد شيئاً، فقد انتشرت نسخ الكتاب المقدس وبعض ترجماته في القرن السادس عشر.

فلم تيأس الكنيسة التي أكد آباؤها أن شرح الأناجيل وفهم ما فيها هو من اختصاص البابا الذي يُعينه في ذلك روح القدس، لكن مارتن لوثر وأتباعه رفضوا هذه الخصوصية للكنيسة، وطالبوا بأن يكون حق قراءة وفهم الكتاب المقدس لكل أحد، فانعقد مجمع ترنت نوتردام في 1542 - 1563م للرد على دعوة لوثر الذي ينادي بنشر الكتاب المقدس الذي رآه لوثر لأول مرة حين كان عمره عشرين سنة!!

وكان من قرارات مجمع ترنت نوتردام: " إذا كان ظاهراً من التجربة أنه إذا كان الجميع يقرؤون في الكتب باللفظ الدارج، فالشر الناتج من ذلك أكثر من الخير، فلأجل هذا ليكن للأسقف أو القاضي في بيت التفتيش سلطان حسب تميزه بمشورة القس أو معلم الاعتراف ليأذن في قراءة الكتاب باللفظ الدارج لأولئك الذين يظنون أنهم يستفيدون، ويجب أن يكون الكتاب مستخرجاً من معلم كاثوليكي، والإذن المعطى بخط اليد، وإن كان أحد بدون الإذن يتجاسر أن يتجرأ أو يأخذ هذا الكتاب فلا يسمح له بحل خطيئته حتى يرد الكتاب إلى الحاكم ". (4)

ويبدو في قرار المجمع هروب وهلع من اكتشاف العامة لأغلاط الكتاب المقدس وما فيه من المفاسد، وهو ما يؤكده بعض المحققين، حين يربطون بين الإلحاد الذي شاع في أوربا وانتشار نسخ الكتاب المقدس واطلاع العامة على ما فيه.

[رأي النصارى في أغلاط الكتاب الأناجيل]

وبعد: لعل المرء يتساءل ما هو رأي النصارى بأغلاط الأناجيل؟ وهل يقرونها؟

في الإجابة نقول: لا ريب أن أتباع الكنيسة الذين أغلقوا عقولهم في وجه الحقيقة يرفضون أن يحوي الإنجيل غلطاً، لأن روح القدس لا يغلط، ومن هؤلاء الدكتور القس شروش حيث يقول: " إنا نعلم أن الإنجيل هو وحي الله، لأن التنبؤ بالأحداث قد تم قبل وقوع الأحداث بقرون، إن للإنجيل تأثيره على المجتمعات البشرية طالما تم الإيمان به والعمل بمقتضاه. أكثر من ذلك فإن دقة الإنجيل قد وجدت من يتحداها، ولكنها لم تجد من ينجح في التحدي ".

ويقول أيضاً: " إن صحة محتويات الإنجيل قد أثبتتها الوثائق التاريخية والحفريات الأثرية والوثائق القديمة، وتوجد الآن أكثر من خمس وعشرين ألف وثيقة من الوثائق المقدسة بالمتحف البريطاني من أجلكم، لكي تتأكدوا من صحة مشيئة الله ". (5)

ولما كانت الحقيقة - بوجود الغلط في الأناجيل والرسائل - ساطعة كالشمس عمل بعض علماء النصرانية على التخلص من هذه الأغلاط بالإقرار بأن الإلهام لم يكن مصاحباً للإنجيليين حال كل كتابة كتبوها، يقول هورن: " إذا قيل إن الكتب المقدسة أوحي بها من عند الله لا يراد أن كل الألفاظ والعبارات من إلهام الله ... ولا يتخيل أنهم كانوا يلهمون في كل أمر يبينونه، وفي كل حكم كانوا يحكمون به ".

وتقول دائرة المعارف البريطانية: " وقع النزاع في أن كل قول مندرج في الكتب المقدسة هل هو إلهامي أم لا؟ وكذا كل حال من الحالات المندرجة فيها، فقال جيروم وكثيرون: ليس كل قول إلهامي ... الذين قالوا: إن كل قول إلهامي لا يقدرون أن يثبتوا دعواهم بسهولة ". (6)

وهذا القول يطالب قائلوه بتعيين المواضع غير الإلهامية وإقامة الدليل على خصوصها بعدم الإلهام أو إقامة الدليل على خصوص المواضع التي يقولون بإلهاميتها، وإذا لم يتم ذلك وجب التوقف في شأن الكتب المقدسة، إذ فيها ما هو عمل بشري لا يجوز اعتباره مصدراً دينياً.

 

 

 

 


(1) الإنجيل بحسب القديس متى (دراسة وتفسير وشرح)، الأب متى المسكين، ص (577).

(2) انظر: إظهار الحق، رحمة الله الهندي (1/ 313 - 316)، محاضرات في النصرانية، محمد أبو زهرة، ص (107).

(3) مختصر تاريخ الكنيسة، أندرو ملر، ص (345)، ويجدر التنبيه أن هذا المجمع هو الذي أنشأ محاكم التفتيش.

(4) انظر: إظهار الحق، رحمة الله الهندي (2/ 352)، وانظر مختصر تاريخ الكنيسة، أندرو ملر، ص (608).
(5) انظر: مناظرة العصر، أحمد ديدات، ص (35).

(6) إظهار الحق، رحمة الله الهندي (2/ 358). 

 

  • الخميس PM 02:37
    2022-05-12
  • 792
Powered by: GateGold