المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409045
يتصفح الموقع حاليا : 356

البحث

البحث

عرض المادة

إبطال دعوى الإلهام لكتبة العهد الجديد

إن أحداً من كتاب العهد الجديد - سوى بولس - لم يدع لنفسه الإلهام، بل سجلت كتاباتهم اعترافات أن هذا العمل جهد بشري خالص لم يقصد كاتبوه أن يسجلوا من خلاله كتباً مقدسة.

فها هو لوقا في مقدمة إنجيله يقول: " إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا، كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة، رأيت أنا أيضاً - إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق - أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس، لتعرف صحة الكلام الذي علِّمتَ به " (لوقا 1/ 1 - 4).

فيفهم من هذه المقدمة أمور، منها: أن إنجيله خطاب شخصي، وأنه دوّنه بدافع شخصي، وأن له مراجع نقل عنها بتدقيق، وأن كثيرين كتبوا غيره، ولم يذكر لوقا في مقدمته شيئاً عن إلهام إلهي ألهمه الكتابة أو وحي من روح القدس نزل عليه، فهو لا يدعي الإلهامية، ولا يعلم أنه ملهم!.

وهذه الملاحظة ليست خاصة بلوقا، بل جميع كتبة العهد الجديد غفلوا عن إلهاميتهم، ولم يعرفوا أنهم ملهمون فيما يكتبون، يقول القس الدكتور منيس عبد النور: "لم يكن يخطر ببال واحد من هؤلاء جميعاً أن ما كتبه عن المسيح سيكون كتاب المسيحية المقدس الذي سيتناقله الناس في كل العصور والبلاد". (1)

وإذا كان الحواريون والتلاميذ غير عارفين بإلهامية ذواتهم وبعضهم، فكيف عرف النصارى ما جهله أصحاب الشأن؟ لا دليل في الأناجيل على إلهامية أحد منهم، إلا ما ادعاه بولس لنفسه.

[رسائل شخصية لا علاقة للإلهام والوحي بها]

لكن المتأمل في رسائل بولس خصوصاً والحواريين عموماً يجد عشرات المواضع التي تشهد لهذه الرسائل بأنها شخصية لا علاقة للوحي بها، ومن ذلك: "يسلم عليك أولاد أختك " (يوحنا (2) 13).

ويرسل يوحنا المزيد من السلامات لأحبابه " غايس الحبيب الذي أحبه بالحق. أيها الحبيب في كل شيء أروم أن تكون ناجحاً وصحيحاً ... سلام لك، يسلم عليك الأحباء، سلم على الأحباء بأسمائهم" (يوحنا (3) 1 - 14).

وفي رسائل بولس مثل ذلك، ومنه: " تسلم عليكم كنائس آسيا، يسلم عليكم ... أكيلا وبريسكلا .. يسلم عليكم الإخوة أجمعون، سلموا بعضكم على بعض بقبلة مقدسة " (كورنثوس (1) 16/ 19 - 20).

ويسجل بولس مشاعره الحميمة لصديقه تيموثاوس في مطلع رسالته إليه، فيقول: "أذكرك بلا انقطاع في طلباتي ليلاً ونهاراً، مشتاقاً أن أراك، ذاكراً دموعك، لكي امتلئ فرحاً، إذ أتذكر الإيمان العديم الرياء الذي فيك، الذي سكن أولاً في جدتك لوئيس وأمك أفنيكي، ولكني موقن أنه فيك أيضاًً" (تيموثاوس (2) 1/ 3 - 5).

ثم يسجل بعض رغباته الشخصية ويخبر صديقه تيموثاوس بأخبار أصدقائه في كورنثوس، فيقول: " الرداء الذي تركته في تراوس عند كابرس أحضره متى جئت، والكتب أيضاً لاسيما الرقوق ... سلم على ريسكا وأكيلا وبيت أنيسيفورس، اراستس بقي في كورنثوس، وأما تروفيمس فتركته في ميليتس مريضاً. بادر أن تجيء قبل الشتاء ... " (تيموثاوس (2) 4/ 13 - 21).

وهكذا تستمر رسائل بولس وسلاماته إلى أصدقائه وأقربائه، وتطول كما في رسالة رومية، وفيها: " أوصي إليكم بأختنا فيبي التي هي خادمة الكنيسة التي في كنخريا، كي تقبلوها في الرب كما يحق للقديسين وتقوموا لها في أي شيء احتاجته منكم، لأنها صارت مساعدة لكثيرين ولي أنا أيضاً.

سلموا على بريسكلا وأكيلا العاملين معي في المسيح يسوع، اللذين وضعا عنقيهما من أجل حياتي، اللذين لست أنا وحدي أشكرهما، بل أيضاً جميع كنائس الأمم، وعلى الكنيسة التي في بيتهما. سلموا على أبينتوس حبيبي الذي هو باكورة إخائية للمسيح. سلموا على مريم التي تعبت لأجلنا كثيراً. سلموا على أندرونكوس ويونياس نسيبيّ المأسورين معي اللذين هما مشهوران بين الرسل، وقد كانا في المسيح قبلي. سلموا على أمبلياس حبيبي في الرب. سلموا على أوربانوس العامل معنا في المسيح وعلى أستاخيس حبيبي. سلموا على أبلّس المزكى في المسيح. سلموا على الذين هم من أهل أرستوبولوس.

سلموا على هيروديون نسيبي. سلموا على الذين هم من أهل نركيسوس الكائنين في الرب. سلموا على تريفينا وتريفوسا التاعبتين في الرب. سلموا على برسيس المحبوبة التي تعبت كثيراً في الرب. سلموا على روفس المختار في الرب وعلى أمه أمي. سلموا على اسينكريتس فليغون هرماس بتروباس وهرميس وعلى الإخوة الذين معهم. سلموا على فيلولوغس وجوليا ونيريوس وأخته وأولمباس وعلى جميع القديسين الذين معهم.

سلموا بعضكم على بعض بقبلة مقدسة. كنائس المسيح تسلم عليكم، ... يسلم عليكم تيموثاوس العامل معي ولوكيوس وياسون وسوسيباترس أنسبائي. أنا ترتيوس كاتب هذه الرسالة أسلم عليكم في الرب. يسلم عليكم غايس مضيفي ومضيف الكنيسة كلها. يسلم عليكم اراستس خازن المدينة وكوارتس الأخ " (رومية 16/ 1 - 21)، ولعل القارئ الكريم قد لاحظ مشاركة الكاتب ترتيوس، والذي لم ينس هو أيضاً أن يسجل تحياته وأشواقه في رسالته التي لم يدر في خلده أنها ستعتبر يوماً من الأيام جزء من كلمة الله.

وأرسل بولس إلى تيطس قائلاً: "حينما أرسل إليك ارتيماس أو تيخيكس بادر أن تأتي إليّ إلى نيكوبوليس، لأني عزمت أن أشتي هناك، جهز زيناس الناموسي وأبلّوس باجتهاد للسفر حتى لا يعوزهما شيء " (تيطس 3/ 12 - 13)، ولعل القارئ لاحظ أن بولس - الملهم لكتابة هذا النص كما يدعي المؤمنون بقدسية رسائله - لا يدري من سيرسل من أصدقائه لاستدعاء تيطس إلى نيكوبوليس، حيث يقضي بولس فصل الشتاء.

وتتكرر المشاهد الشخصية في رسالة فيلبي، حيث يقول: " أنا أيضاً سآتي إليكم سريعاً، ولكني حسبت من اللازم أن أرسل إليكم ابفرودتس أخي والعامل معي والمتجند معي ورسولكم والخادم لحاجتي، إذ كان مشتاقاً إلى جميعكم ومغموماً، لأنكم سمعتم أنه كان مريضاً .. فأرسلته إليكم بأوفر سرعة، حتى إذا رأيتموه تفرحون أيضاً، وأكون أنا أقل حزناً " (فيلبي 2/ 26 - 28).

ولا ينسى بولس أن يسجل هنا أيضاً بعض تحياته، فيقول: " سلموا على كل قديس في المسيح يسوع. يسلم عليكم الإخوة الذين معي، يسلم عليكم جميع القديسين، ولا سيما الذين من بيت قيصر .. كتبت إلى أهل فيلبي من رومية على يد ابفرودتس " (فيلبي 4/ 21 - 22).

ومثل هذا كثير، انظر (كورنثوس (1) 16/ 20)، و (فيلمون 1/ 21 - 24)، فهل هذه العبارات من إلهام الله ووحيه؟!

عبارات لا يمكن أن تكون وحياً

لو تتبعنا الأناجيل لما وجدنا ما يشعر بأن أياً منها صادر من مُلهَم يكتب وحياً، فمثلاً لم يستطع يوحنا تقدير المسافة التي قطعها التلاميذ في البحر قبل أن يروا المسيح فقال: "فلما كانوا قد جذفوا نحو خمس وعشرين أو ثلاثين غلوة نظروا يسوع ماشياً على البحر " (يوحنا 6/ 19)، ولو كان يلهم ما يكتب من الوحي لما وقع في مثل هذا.

ومثله في خاتمة يوحنا يقول: " وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله" (يوحنا 20/ 30 - 31)، وقد كتبه بطلب من أساقفة آسيا لا الروح القدس، وهو لا يقول بأن الله ألهمه ذلك.

ويقول: " هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا، وكتب هذا، ونعلم أن شهادته حق " فلم يذكر شيئاً عن إلهام هذا الإنجيل، ثم قال بعدها ما أثبت صفة البشرية لكلامه "وأشياء أخرى كثيرة صنعها يسوع، إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة " (يوحنا 21/ 24 - 25)، فمثل هذه المبالغة لا يغيب أنها صنعة بشرية لعادة البشر في ذلك. (2)

وعلاوة على هذا كله فإن في الرسائل فقرات تنفي هي عن نفسها دعوى الإلهام وتكذبه، وتشهد لصاحبها بأنه يتحدث ببشرية تامة، وأن الوحي لا علاقة له بما يكتب.

ومن ذلك قول بولس عن المتزوج بغير المؤمنة: " أقول لهم أنا، لا الرب ... " (كورنثوس (1) 7/ 12)، فكلامه في هذه المسألة لا علاقة له بالوحي، لكنهم مع ذلك يعتبرونه جزءاً من كلمة الله.

ويقول عن أمر آخر: "وأما العذارى فليس عندي أمر من الرب فيهنّ، ولكنني أعطي رأياً" (كورنثوس (1) 7/ 25)، فهل نصدق بولس، وهو يصف كلامه هنا بأنه رأي شخصي أم نصدق النصارى الذين يقولون عن هذه العبارات أنها أيضاً ملهمة من قبل الله ووحيه؟

ويؤكد بولس ثانية أن بعض ما يصدر عنه هو محض رأي بشري واجتهاد شخصي منه، فيقول: "لست أقول على سبيل الأمر، بل باجتهاد ... أعطي رأياً في هذا أيضاً " (كورنثوس (2) 8/ 8 - 10).

ويقول بولس أيضاً وهو ينفي عن كلامه صفة القداسة: " الذي أتكلم به لست أتكلم به بحسب الرب، بل كأنه في غباوة في جسارة الافتخار هذه " (كورنثوس (2) 11/ 16 - 17).

وقد وردت هذه الكلمات ضمن سياق مهم يصرخ بأن هذا الكلام رسالة شخصية لا علاقة لله به، إذ يقول: " أقول أيضاً: لا يظن أحد أني غبي، وإلا فاقبلوني ولو كغبي، لأفتخر أنا أيضاً قليلاً. الذي أتكلم به لست أتكلم به بحسب الرب، بل كأنه في غباوة في جسارة الافتخار هذه. بما أن كثيرين يفتخرون حسب الجسد، أفتخر أنا أيضاً.

فإنكم بسرور تحتملون الأغبياء، إذ أنتم عقلاء. لأنكم تحتملون إن كان أحد يستعبدكم. إن كان أحد يأكلكم. إن كان أحد يأخذكم. إن كان أحد يرتفع. إن كان أحد يضربكم على وجوهكم.

على سبيل الهوان أقول: كيف أننا كنا ضعفاء. ولكن الذي يجترئ فيه أحد أقول في غباوة، أنا أيضاً اجترئ فيه. أهم عبرانيون؟ فأنا أيضاً، أهم إسرائيليون؟ فأنا أيضاً. أهم نسل إبراهيم؟ فأنا أيضاً، أهم خدام المسيح؟

أقول كمختل العقل: فأنا أفضل، في الأتعاب أكثر، في الضربات أوفر" (كورنثوس (2) 11/ 15 - 24)، فهل أوحي إليه أن يصف نفسه حال بلاغه للوحي أنه مختل العقل وأنه غبي ....

ويقول متحدثاً إلى مستمعيه متلطفاً لهم: " ليتكم تحتملون غباوتي قليلاً" (كورنثوس (2) 11/ 1)، فهل أوحى الله له أن يصف نفسه بالغباء، وهل يعتذر الله ويخشى أن يكون ملهَمه قد أثقل على أولئك الذين يقرؤون رسالته.

ويقول معتذراً، والمفروض أن القائل وحي الله الذي يسجله بولس: "لقد اجترأت كثيراً فيما قلت أيها الإخوة" (رومية 15/ 15).

 


(1) شبهات وهمية حول الكتاب المقدس، القس منيس عبد النور، ص (42).

(2) انظر: إظهار الحق، رحمة الله الهندي (2/ 362)، مناظرتان في استكهولم، أحمد ديدات، ص (27 - 28).

 

 

  • الخميس AM 11:35
    2022-05-12
  • 842
Powered by: GateGold