المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412320
يتصفح الموقع حاليا : 287

البحث

البحث

عرض المادة

إبطال صلب المسيح بنبوءات التوراة

تحتل النبوءات في الفكر المسيحي مكانة سامقة، جعلت بعض النصارى يشترطون لصحة النبوة أن يسبقها نبوءة.

وحادثة صلب المسيح - كما يعتبرها النصارى - أحد أهم أحداث المعمورة، فكان لابد وأن يتحدث عنها الأنبياء في أسفارهم، وأن يذكرها المسيح لتلاميذه.

فهل أخبرت الأنبياء بصلب المسيح وقيامته؟ وهل أخبر المسيح تلاميذه بذلك؟

والإجابة النصرانية عن هذه التساؤلات: نعم، وأن ذلك في مواضع كثيرة من الأناجيل والرسائل والأسفار التوراتية.

ولعل من نافلة القول أن نذكر بأن النصارى يعتبرون أسفار التوراة جزءً مقدساً كتابهم المقدس، كيف لا والأناجيل ما فتئت تحيل إلى هذه الأسفار، تستمد منها تنبؤاتها المستقبلية، التي تحققت في شخص المسيح في حياته أو حين صلبه.

وللأسفار التوراتية دور عظيم في قصة صلب المسيح، فقد أكثر الإنجيليون في سردهم للقصة من الإحالة إلى أسفار التوراة؛ التي يرونها تتنبأ بالمسيح المصلوب، وكانت نصف هذه الإحالات إلى المزامير المنسوبة لداود وغيره.

وقد أكد عيسى عليه السلام لتلاميذه ضرورة أن تتحقق فيه النبوءات التوراتية بقوله: "لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير" (لوقا 24/ 44)، وقد قال لهم: " فتشوا الكتب ... وهي التي تشهد لي " (يوحنا 5/ 39).

يقول جوش مكدويل: "هناك تسع وعشرون نبوءة في العهد القديم تتحدث عن خيانة المسيح (أي خيانة يهوذا للمسيح) ومحاكمته وموته ودفنه ... وتحققت كلها حرفياً في أربع وعشرين ساعة من الزمان". (1)

وبعض هذه النبوءات استشهد بها الإنجيليون في سياق روايتهم لقصة صلب المسيح، ومجموع هذه النبوءات أربع عشرة نبوءة، ذكر متى منها ستاً، ومرقس أربعاً، ولوقا اثنتين، بينما ذكر منها يوحنا سبع نبوءات.

ونخلص من هذا إلى أهمية النبوءات التوراتية المتعلقة بصلب المسيح.

ويبالغ النصارى في التركيز على أهمية وكثرة النبوءات التوراتية المتحدثة والمشيرة إلى المسيح، فيقول القمّص سرجيوس في كتابه " هل تنبأت التوراة عن المسيح ": " فالمسيح ساطع في كل الكتاب المقدس في إشراق دائم، وليس كالشمس التي تغيب عن نصف الأرض ليلاً، إذ ليس في التوراة أو كتب الأنبياء جزء تغرب عنه شمس المسيح، بل يشع اسمه، وشخصه، وصفاته، وأعماله، وظروفه، وأحواله في التوراة، وكتب الأنبياء، وفي ثنايا سطورها نجد المسيح في كل جملة، وفي كل إصحاح، وفي كل سفر من أسفارها. وما حروفها وكلماتها إلا خطوط أو ظلال لصورة المسيح المجيدة ... فنحن المسيحيين لا نهتم أين نفتح التوراة وكتب الأنبياء لنجد الكلام عن المسيح ... " (2)، ورغم ما في الكلام من مبالغة، فإننا نستشف منه أهمية النصوص التوارتية في الدلالة على المسيح.

ولسفر المزامير وموضوع الصلب شأن خاص، يصفه سرجيوس فيقول: " أما سفر المزامير فكان الهالة، التي أحاطت بكوكب يسوع، فتكلم حتى عن إحساساته العميقة، وآلامه المبرحة، ناهيك عن صفاته وألقابه، أكثر من أي نبي آخر، ويمكننا


(1) انظر: برهان يتطلب قراراً، جوش مكدويل، ص (197).
(2) انظر: دعوة الحق بين المسيحية والإسلام، منصور حسين عبد العزيز، ص (72 - 74). ولسوف نعتمد في هذا المبحث كلياً على هذا الكتاب الفريد والعظيم، مع بعض التلخيص وقليل من التصرف والإضافة.

القول، أن سفر المزامير هو سفر "مسِيّا" الخاص، بدليل أن الاقتباسات التي اقتبسها كتبة العهد القديم من سفر المزامير هذا بلغت نصف الاقتباسات المأخوذة من العهد القديم كله ".

ويؤكد عبد الفادي القاهراني أهمية المزامير في كتابه " رب المجد " بقوله: " لم يوجد كتاب مليء بالإشارات والرموز والنبوءات عن المسيح أكثر من كتاب المزامير هذا، وعليه فأهميته في نظر اللاهوتيين تفوق الوصف ". (1)

وقد ارتضى العلامة منصور حسين في كتابه الفريد "دعوة الحق بين المسيحية والإسلام" محاكمة النصارى في هذه المسألة إلى أسفار التوراة، ذلك بأنه ليس من المقبول أن يتصور أحد أن اليهود يغيرون كتبهم لتتمشى مع معتقدات النصارى، لذا فقد قبل هذه الكتب لتكون معياراً للكشف عن الحقيقة في هذه المسألة.

وقبل أن نشرع في تلخيص دراسة الأستاذ منصور، فإنه يحسن التنبيه إلى نقاط الاختلاف والاتفاق بين المسلمين والنصارى في مسألة الصلب.

النصارى يقولون بصلب المسيح، بينما يقول المسلمون بأنه لم يصلب، وأنه قد شُبه غيرُ المسيح به، ولا ينفون وقوع صلب لغيره.

كما لا يمانع المسلمون أن يكون الله تعالى قد أنبأ المسيح بتعرضه للبلاء والامتحان وأن أحد تلاميذه سيسلمه لأعدائه "ولما كان المساء اتكأ مع الاثني عشر، وفيما هم يأكلون قال: الحق أقول لكم: إن واحداً منكم يسلمني، فحزنوا جداً، وابتدأ كل واحد منهم يقول له: هل أنا هو يا رب؟ فأجاب وقال: الذي يغمس يده معي في الصحفة هو


(1) انظر: هل تنبأت التوراة عن المسيح؟، القمّص سرجيوس، ص (28)، ورب المجد، لجماعة من اللاهوتيين المسيحيين برئاسة عبد الفادي القاهراني، ص (84). نقلاً عن "دعوة الحق بين المسيحية والإسلام".

يسلمني، إن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه، ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان، كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد" (متى 26/ 20 - 24).

وقد تألم المسيح لذلك الخبر وارتاع، فقام يطلب من الله ويدعوه أن يصرف هذه المؤامرة عنه، دعا الله بلجاجة وحرارة أن ينجيه منها، زقضى الليل كله على هذه الحال، ويصور لنا متى حال المسيح وشدة ضراعته لله، فيقول: "جاء معهم يسوع إلى ضيعة يقال لها جثسيماني، فقال للتلاميذ: اجلسوا ههنا حتى أمضي وأصلّي هناك، ثم أخذ معه بطرس وابني زبدي، وابتدأ يحزن ويكتئب، فقال لهم: نفسي حزينة جداً حتى الموت، امكثوا ههنا واسهروا معي، ثم تقدم قليلاً وخرّ على وجهه، وكان يصلّي قائلاً: يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس، ولكن ليس كما أريد أنا، بل كما تريد أنت، ثم جاء إلى التلاميذ فوجدهم نياماً .. فمضى أيضاً ثانية، وصلّى قائلاً: يا أبتاه إن لم يمكن أن تعبر عني هذه الكأس، إلا إن أشربها، فلتكن مشيئتك، ثم جاء فوجدهم أيضاً نياماً، إذ كانت أعينهم ثقيلة، فتركهم، ومضى أيضاً، وصلّى ثالثة قائلاً ذلك الكلام بعينه" (متى 26/ 36 - 40).

ويصف لوقا المشهد، فيقول: "وإذ كان في جهاد؛ كان يصلي بأشد لجاجة، وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض " (لوقا 22/ 44).

فالمسلمون مصدقون بلجوء المسيح إلى الله ودعائه إياه في تلك الليلة العصيبة، إذ هو حال الصالحين جميعاً حين يتعرضون للأهوال والشدائد، فلا يجدون ناصراً يلجؤون إليه إلا الله العظيم.

وقد أجاب الله دعاء عبده المسيح فصرف عنه كأس الموت، كما قال بولس: "الذي في أيام جسده، إذ قدّم بصراخ شديد ودموع طلباتٍ وتضرعات للقادر أن يخلصه من الموت، وسُمع له من أجل تقواه" (عبرانيين 5/ 7)، فقد سمع الله لعبده المسيح وأجابه في سؤله "وأنا علمتُ أنك في كل حين تسمع لي" (يوحنا 11/ 40).

وهكذا فالمسلمون لا ينفون جملة ما ترويه الأناجيل من وقوع تلك الأحداث التي صاحبت الصلب أو سبقته، كإخبار المسيح تلاميذه عن المؤامرة التي سيتعرض لها، ثم لجوؤه في البستان إلى الله القادر طالباً من الله أن ينجيه من الموت، وكذا فالمسلمون يصدقون بأن الجموع حضرت للقبض عليه، وأن ثمة من أُخذ من ساحة البستان، وأن المأخوذ حوكم، وصلب، ثم دفن.

فالخلاف إنما هو في حقيقة المأخوذ والمصلوب، فيرى المسلمون أنه يهوذا الخائن، وأن لحظة الخلاص هي تلك التي أراد الجند أن يلقوا القبض فيها على المسيح، فسقطوا على الأرض، سقطت الجموع الغفيرة، وتدافع الجند، ووقعت المشاعل من أيديهم، ثم نهضوا ليجدوا دليلهم يهوذا الأسخريوطي وحيداً في الساحة، فأخذوه، وقد ألقى الله عليه شبه المسيح، لينال جزاء خيانته لسيده.

وهذه اللحظة العظيمة الخالدة سجلها يوحنا حين قال: " فأخذ يهوذا الجند وخداماً من عند رؤساء الكهنة والفريسيين، وجاء إلى هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح، فخرج يسوع وهو عالم بكل ما يأتي عليه، وقال لهم: من تطلبون؟ أجابوه: يسوع الناصري، قال لهم يسوع: أنا هو، وكان يهوذا مسلمه أيضاً واقفاً معهم، فلما قال لهم: إني أنا هو، رجعوا إلى الوراء، وسقطوا على الأرض" (يوحنا 18/ 4 - 6)، فكانت لحظة سقوطهم هي لحظة الخلاص الخالدة التي تاهت عنها عيون الملايين من النصارى ممن ظن أن المأخوذ بعدها هو المسيح.

وأما المسيح فقد نزلت ملائكة الله وصعدت به إلى السماء، " وظهر له ملاك من السماء يقويه" (لوقا 22/ 44) لينجو من المؤامرة بحماية الله العظيم، وأعطي بذلك حياة طويلة تمتد إلى قبيل قيام الساعة حيث ينزل إلى الأرض عليه السلام.

فماذا تراه تقول المزامير والأسفار عن هذا الحدث العظيم الذي لا يصح أن تغفله الكتب؟ هل تراها تحدثت عنه؟ ولو أجبنا بالإثبات، فماذا تُراها تقول؟ هل تحدثت عن المسيح المصلوب كما يؤمن النصارى، أم تحدثت عن نجاة المسيح وصلب الخائن الأسخريوطي، كما يعتقد المسلمون؟

دعونا نتجرد ونبحث عن الجواب الصحيح في سفر المزامير الذي فاقت أهميته عند اللاهوتيين جميع الأسفار.

ولسوف نستعرض في هذه العجالة ثلاث عشر مزموراً فقط، من نبوءات المزامير، نختصرها مع بعض التصرف من الدراسة الرائعة للأستاذ منصور حسين في كتابه الماتع "دعوة الحق بين المسيحية والإسلام"، والتي شملت ستة وثلاثين مزموراً.

والمزامير التي اختارها للدراسة، يجمعها أنها مما يعتبره النصارى نبوءات تحدثت عن المسيح المصلوب.

 

  • الاربعاء AM 10:13
    2022-05-11
  • 710
Powered by: GateGold