المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409083
يتصفح الموقع حاليا : 247

البحث

البحث

عرض المادة

التوحيد في التاريخ النصراني (التوحيد فيما بعد مجمع نيقية)

أ. الأريوسية

في عام 325م صدر أول قرار رسمي يؤله المسيح بعد تبني الامبرطور الوثني قسطنطين لهذا الرأي، ورفض ما سواه، واعتبر آريوس- الذي عقد المجمع من أجله - هرطوقياً.

وآريوس من رهبان الكنيسة المصرية، وكان يقول: "إن الابن ليس مساوياً للأب في الأزلية، وليس من جوهره، وقد كان الأب في الصل (1) وحيداً، فأخرج الابن من العدم بإرادته، والآب لا يمكن أن يراه أو يكيفه أحد، ولا حتى الابن، لأن الذي له بداية لا يعرف الأزلي، والابن إله بحصوله على لاهوت مكتسب" (2).

وقد توفي آريوس 336م، لكن دعوته انتشرت بعد وفاته، وأصبحت كما يقول الأستاذ حسني الأطير في كتابه الماتع "عقائد الفرق الموحدة في النصرانية": "أوشك العالم أن يكون كله أريوسياً - حسب قول الخصوم - لولا تدخل الأباطرة في العمل على ضرب تلك العقيدة واستئصال تبعيتها".

ويقول أسد رستم في كتابه "كنيسة مدينة الله العظمى": "كان آريوس فيما يظهر عالماً زاهداً متقشفاً يجيد الوعظ والإرشاد، فالتف حوله عدد من المؤمنين، وانضم إليه


(1) كلمة عبرية مشتق معناها من الظل، والمراد من النص أنه كان معه قبل بداية الخلق، حيث لم يكن نور ولا حياة. انظر: قاموس الكتاب المقدس، ص (546).
(2) تاريخ الكنيسة القبطية، منسى يوحنا، ص (253).

عدد كبير من رجال الاكليروس".

ويؤكد كثرة الأريوسيين المؤرخ ابن البطريق، وينقل أن أكثر أهل مصر كانوا أريوسيين، بل يقول القس جيمس أنِس: "فإن التاريخ يروي كيف أن الكنيسة المنظورة وقادتها أخطأوا وانحرفوا عن الحق، منها قبول أغلب الأساقفة ضلالة آريوس" (1).

ومما يؤكد قوة مذهب آريوس إبان حياته وبعد موته، أن الكنيسة عقدت مجامع عدة لبحث عقيدته، كما كان لآريوس وأتباعه مجامع منها، مجمع قيسارية 334م، وصور 335م، وقد قرر المجتمعون في مجمع صور عزل أثناسيوس البابا - الداعي لألوهية المسيح والذي كتبت أمانة النصارى بإشرافه في مجمع نيقية-كما نفوه إلى فرنسا، ثم عقدوا مجمعاً آخر في إنطاكية عام 341م حضره سبع وتسعون أسقفاً أريوسياً، قرروا فيه مجموعة من القوانين التي تتفق مع مبادئهم ومعتقداتهم.

إن كثرة الأريوسيين وقوتهم جعلت البابا أثناسيوس - داعية تاليه المسيح - يبدو وحيداً، حتى "قيل له مرة: العالم كله أصبح ضدك يا أثناسيوس ... ثم عرف في الغرب بهذا اللقب Athanasius contra mundum أثناسيوس المضاد للعالم" (2).

ويقول الأنبا غريغوريوس: "كاد الإيمان في لاهوت المسيح أن يفنى لو لم يهب الله للكنيسة (القديس) أثناسيوس الرسولي، فقد كان له من صفات الثبات والصمود والعناد في الحق ما كفل له الانتصار الحاسم على أكبر بدعة كادت أن تمحو كيان الكنيسة المسيحية من كل الأرض .. وقد أنصف من دعاه من المؤرخين بمؤسس المسيحية الثاني" (3).

ثم أعاد الامبرطور الروماني الأسقف أثناسيوس إلى كرسي البابوية، فاحتج


(1) علم اللاهوت النظامي، جيمس أنس، ص (56).
(2) موسوعة الأنبا غريغوريوس (اللاهوت المقارن)، ص (252).
(3) المصدر السابق، ص (73).

الأريوسيون لذلك، وأثاروا اضطرابات عدة، ثم عقدوا مجمعاً في آرلس بفرنسا عام 353م، وقرروا فيه بالإجماع - عدا واحداً - عزل أثناسيوس.

ثم أكدوا ذلك في مجمع ميلانو 355م فعزل، وتولى الأسقف الآريوسي جاورسيوس كرسي الإسكندرية، وفي عام 359م عقد الامبرطور مجمعين أحدهما للغربيين في "ريمني"، والآخر للشرقيين في "سلوفيا"، وقرر المجمعان صحة عقائد الأريوسية، وباتت الكنائس الغربية آريوسية.

ويذكر المؤرخ ناسيليف أن الامبرطور قسطنطين نفسه قد تحول إلى المذهب الأريوسي ممالأة لأفراد شعبه، وذلك بعد نقل عاصمته إلى القسطنطينية، وقد تعلق بذلك الأنبا شنودة وهو يبرر كثرة أتباع المذهب الأريوسي، فذكر بأنه بسبب معاضدة الامبرطور له.

وفي مجمع إنطاكية 361م وضع الأريوسيون صيغة جديدة للأمانة، ومما جاء فيها: "الابن غريب عن أبيه، ومختلف عنه في الجوهر والمشيئة"، وفي نفس العام عقدوا مجمعاً في القسطنطينية وضعوا فيه سبعة عشر قانوناً مخالفاً لما صدر عن مجمع نيقية.

وفي هذا العام أيضاً تولى الامبرطورية يوليانوس الوثني، فأعاد أثناسيوس وأساقفته إلى أعمالهم، وجاهر بعبادة الأصنام، وسلم الكنائس للنصارى الوثنيين، ثم خلفه الامبرطور يوبيانوس 363م، فأكمل ما بدأه سلفه، وعادى الأريوسيين، وفرض عقيدة النصرانية الوثنية، ومما قاله مخاطباً شعبه وأركان دولته: " إذا أردتم أن أكون امبراطوركم كونوا مسيحيين مثلي"، ثم حرم مذهب الأريوسيين، وتبنى قرارات نيقية، وطلب من الأسقف أثناسيوس أن يكتب له عن حقيقة الدين المسيحي الذي كان قد أجبر الناس عليه قبل أن يقف على حقيقته (1).

وقد تم القضاء على الأريوسية بقوة السيف، فقد حكم مجمع نيقية بنفي آريوس و>حرق كتبه وبإعدام من يتستر عليهاأيام ثيوديسيوس الثاني صدر أمر باستئصال الأريوسية وإبادتها بموجب قانون تقرر في السلطنة الرومانية، وذلك سنة 428م، ومن ذلك العهد إلى الآن لم تعرف فرق بالحقيقة أريوسية حسب تعاليم آريوس< (2)، وقد كان من نتيجة هذا الاضطهاد أن >فقدت أفريقيا خمسة ملايين من سكانها، إذ قضى على الأريوسية في تلك الأرجاء< (3).


(1) انظر: عقائد النصارى الموحدين بين الإسلام والمسيحية، حسني الأطير، ص (66 - 84)، طائفة الموحدين من المسيحيين عبر القرون، أحمد عبد الوهاب، ص (22 - 33)، اليهودية والمسيحية، محمد ضياء الرحمن الأعظمي، ص (398)، النصرانية من التوحيد إلى التثليث، محمد أحمد الحاج، ص (168 - 170)، المسيحية الحقة التي جاء بها المسيح، علاء أبو بكر، ص (131).
(2) تاريخ الكنيسة القبطية، منسى يوحنا، ص (257، 274).
(3) مختصر تاريخ الكنيسة، ملر، ص (193).

ب. النسطورية

وامتداداً لآريوس وفرقته، وفي القرن الخامس ظهرت فرقة النسطورية على يد أسقف القسطنطينية نسطور الذي شايعه بعض الأساقفة والفلاسفة، وكان يرى أن في المسيح جزء لاهوتياً، لكنه ليس من طبيعة المسيح البشرية، فلم يولد هذا الجزء من العذراء التي لا يصح أن تسمى أم الله، وكان يقول: > إني أعترف موافقًا أن كلمة الله هو قبل كل الدهور، إلا أني أنكر على القائل بأن مريم والدة الله، فذلك عين البطلان، لأنها كانت امرأة، والحال أنه من المستحيل أن يولد الله من امرأة، ولا أنكر أنها أم السيد المسيح، إلا أن الأمومة من حيث الناسوت< (1).

ويعتقد نسطور أن اتحاد اللاهوت بعيسى الإنسان ليس اتحاداً حقيقياً، بل ساعده فقط، وفسر الحلول الإلهي بعيسى على المجاز أي حلول الأخلاق والتأييد والنصرة.

وقال في إحدى خطبه: "كيف أسجد لطفل ابن ثلاثة أشهر؟ " وقال: "كيف يكون لله أم؟ إنما يولد من الجسد ليس إلا جسداً، وما يولد من الروح فهو روح. إن الخليقة لم تلد الخالق، بل ولدت إنساناً هو إله اللاهوت".

وقد عقد في أفسس 431م مجمع قرر عزله ونفيه، فمات في صحراء ليبيا، يقول المؤرخ سايرس ابن المقفع: >إن المسيح إنسان فقط, وإنه نبي لا غير، وقد جاء إلى العالم أنبياء كثير، ولم يُعبَد أحد منهم، فإذا كان هذا يعبد إنساناً فقد صار عابد وثنفقسا قلبه مثل فرعون، ولم يجبهم بشيء< (2).

وقد تغير مذهب النسطورية بعد نسطور فأشبه مذاهب التثليث، إذ يقول النسطورية: إن المسيح شخصية لها حقيقتان: بشرية وإلهية، فهو إنسان حقاً، إله حقاً،

ولكنه ليس شخصية قد جمعت الحقيقتين، بل ذات المسيح كانت تجمع شخصيتين!! (3).

 


(1) تاريخ الكنيسة القبطية، منسى يوحنا، ص (281).
(2) تاريخ البطاركة، ساويرس ابن المقفع (1/ 447، 455).

(3) انظر: عقائد النصارى الموحدين بين الإسلام والمسيحية، حسني الأطير، ص (34 - 37)، الله واحد أم ثالوث، محمد مجدي مرجان، ص (140).

 

 

  • الثلاثاء PM 03:04
    2022-05-10
  • 986
Powered by: GateGold