المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412368
يتصفح الموقع حاليا : 303

البحث

البحث

عرض المادة

ألوهية الروح القدس

الروح القدس عند المسلمين اسم شريف يطلق على الملاك جبريل - عليه السلام -، كما يطلق على وحي الله وعلى تأييده الذي يؤيد به أنبياءه وأولياءه.

وقد سمى القرآن الكريم الملاك جبريل روحاً في قوله تعالى: {قل نزله روح القدس من ربك بالحق} (النحل: 102)، ومثله قوله تعالى: {إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس} (المائدة: 110).

وكذا سمّى القرآن الكريم وحي الله على أنبيائه روحاً في قوله: {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا} (الشورى: 52)، ومثله قوله تعالى: {ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده} (غافر: 15).

ومن المهم أن نقرر أن روح القدس (????????? ?????) أو روح الله في الكتاب المقدس لا يبعد كثيراً عما ذكرناه في المفهوم القرآني، لكنه على أية حال لا يتفق مع المعنى الذي قدمه مجمع القسطنطينية، فقد ورد هذا الإطلاق (الروح) في الكتاب المقدس على معان متعددة:

1 - الروح الإنسانية التي يخلقها الله في الأحياء، فهي روح الله المخلوقة فيهم، يقول بولس: "وإلى أرواح أبرار مكملين " (عبرانيين 12/ 23)، ونحوه دعاء المترنم: " تنزع أرواحها فتموت، وإلى تراب تعود، ترسِل روحك (أي يا الله) فتُخلق (أي الكائنات) وتجدد وجه الأرض" (المزمور 104/ 29 - 30)، وهذه الروح التي من الله هي النفخة التي أحيت هيكل آدم "ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار آدم نفساً حياً" (التكوين 2/ 7)، وقد دعيت هذه الروح بـ (روح من الله) لأنها صدرت عن الله، وإليه تعود "ترجع الروح إلى الله الذي أعطاها" (الجامعة 12/ 7).

2 - الوحي الذي تأتي به الملائكة إلى الأنبياء ومنه: "داود قال بالروح القدس" (مرقس 12/ 36)، ومثله "وامتلأ زكريا أبوه من الروح القدس" (لوقا 1/ 67)، وقال بطرس: " أيها الرجال الإخوة، كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقاله بفم داود " (أعمال 1/ 16)، وقد سمى الله الأنبياء وما يأتون به من الوحي روح القدس فقال موبخاً لبني إسرائيل: " يا قساة الرقاب وغير المختونين بالقلوب والآذان، أنتم دائماً تقاومون الروح القدس، كما كان آباؤكم كذلك أنتم، أيُّ الأنبياء لم يضطهده آباؤكم؟! " (أعمال 7/ 51)، وسمى يوحنا الأنبياء أرواحاً، وهذه الأرواح من الله: "أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح، بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله، لأن انبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم" (يوحنا (1) 4/ 1).

3 - كما يطلق هذا اللفظ (الروح القدس، روح الله) على ما يعطيه الله من قوة وتأييد وفهم وحكمة للأنبياء وغيرهم، ومنه قول المسيح - عليه السلام -: "كنت أنا بروح الله أخرج الشياطين" (متى 12/ 28) أي بقوة الله، ومثله قول فرعون لعبيده، وهو يبحث عن رجل حكيم: "هل نجد مثل هذا رجلاً فيه روح الله" (التكوين 41/ 38)، أي حكمة إلهية أعطاه الله إياها كما أعطي سليمان الحكيم، ومثله كذلك ما جاء في سفر النبي حجي: "روحي قائم في وسطكم. لا تخافوا" (حجي 2/ 5)، أي قوتي وتأييدي.

وقريباً من هذا المعنى يطلق لفظ (الروح القدس)، ويراد به الخيرات الإلهية التي يسديها الله لعباده كما في قول المسيح: "فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة، فكم بالحري أبوكم الذي في السموات يهب خيرات للذين يسألونه" (متى 7/ 11)، وقد سمى لوقا هذه الخيرات (الروح القدس) وهو ينقل ذلك القول الذي قاله المسيح "فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة، فكم بالحري الآب الذي من السماء يعطي الروح القدس للذين يسألونه" (لوقا 11/ 13)، فالروح القدس هو الخيرات التي يهبها الله للذين يسألونه.

ومثل هذا المعنى ورد في قول لوقا: "كان الرجل في أورشليم اسمه سمعان، وهذا الرجل كان باراً تقياً ينتظر تعزية إسرائيل، والروح القدس كان عليه" (لوقا 2/ 25) أي خيرات الله، وكذلك أيد روح القدس أي خير الله وتأييده التلاميذ في اليوم الخمسين "فامتلأ الجميع من الروح القدس، وابتدؤوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا" (أعمال 2/ 4)، وقدا فسر (القديس) الشهير يوحنا ذهبي الفم هذا النص في مقالته الثانية والسبعين في تفسير إنجيل يوحنا بقوله: " إن الروح القدس من الآب ينبثق والروح الذي أعطاه المسيح للرسل عندما نفخ فيهم والذي حل عليهم يوم العنصرة لم يكن جوهر الروح ولا أقنومه بل مواهبه" (1)، والذهبي الفم يؤمن - كسائر المسيحيين - بتميز بألوهية أقنوم الروح القدس، وتميزه عن الآب والابن، لكنه يفسر لفظة الروح القدس الواردة في (أعمال 2/ 4) بالمواهب التي ينسبها إليه.

4 - الرياح الشديدة، ومنه قول التوراة وهي تصف الريح المدمرة: "يبس العشب، ذبل الزهر، لأن روح الرب هب عليه" (إشعيا 40/ 7)، وهو ينطبق على ما جاء في مقدمة سفر التكوين "وروح الله يرف على وجه الماء" (التكوين 1/ 1 - 2)، فإن في ترجمته لبساً أوهم هذا الخلط، فالنص كما ينقل الناقد الكبير اسبينوزا عن مفسري اليهود، يقصد منه رياح عظيمة أتت من عند الله، فبددت ظلمات الغمر.

ونسبة الروح إلى الله في هذين النصين وأمثالهما نسبة تعظيم وتشريف، لا نسبة تأليه، وهي كقوله: "جبال الله" (المزمور 36/ 6).


(1) انظر موسوعة الخادم القبطي، نقلاً عن الكتاب النفيس "نفي ألوهية الروح القدس" الذي كتبه أخي الأستاذ علي الريس، ص (55)، كما نقل مثله عن البابا أثناسيوس.
ومما نبه عليه الأستاذ علي في كتابه القيم ورود استخدام الروح غير المنسوبة إلى الله في الكتاب المقدس بمعنى القوة والتأييد والفهم والحكمة، كما في قوله:"ولم تبق فيهم روح بعدُ" (هوشع 5/ 1)، أي لم تبق لهم قوة، وكذلك قوله: "أجبني يا رب، فنيت روحي، لا تحجب وجهك عني" (المزمور 143/ 7)، أي فنيت قوتي، وكذلك قوله: "لم يبق فيها روح بعد" (ملوك (1) 10/ 5).

لكن جميع المعاني التي ذكرناها قبلُ للروح القدس غير مرادة عند مؤلهي روح القدس، الذين لا يوافقون على كونه مجرد قوة أو تأثير أو ملاك من الله، فالروح القدس وفق المفهوم النصراني إله، إنه ثالث أطراف الثالوث الأقدس، فمن هو الروح القدس وفق مفهومهم؟ وما أدلة النصارى على تأليهه؟ ومتى تمّ ذلك؟

في عام 381م وبأمر الامبرطور تاؤديوس انعقد مجمع القسطنطينية للنظر في قول الأسقف مكدونيوس أسقف القسطنطينية الأريوسي، والذي كان ينكر ألوهية الروح القدس ويقول بما تقوله الأسفار عن الروح القدس: "إن الروح القدس عمل إلهي منتشر في الكون، وليس أقنوماً متميزاً عن الأب والابن"، وكان يقول عنه: إنه كسائر المخلوقات، ويراه خادماً للابن كأحد الملائكة.

وقد حضر المجمع مائة وخمسون أسقفاً، وقرروا حرمان مكدونيوس وتجريده من وظائفه الكنسية، واتخذوا أحد أهم قرارات المجامع الكنسية، وهو تأليه الروح القدس، واعتبروه مكملاً للثالوث الأقدس، وقالوا: "ليس روح القدس عندنا بمعنى غير روح الله، وليس الله شيئاً غير حياته، فإذا قلنا أن روح القدس مخلوق فقد قلنا: إن الله مخلوق" (1).

ويقول القس يسّى منصور: " إن الروح القدس هو الله الأزلي، فهو الكائن منذ البدء قبل الخليقة، وهو الخالق لكل شيء، والقادر على كل شيء، والحاضر في كل مكان، وهو السرمدي غير المحدود ".

ويقول في موضع آخر راداً على الأسقف مكدونيوس: "إن الروح القدس هو الأقنوم الثالث في اللاهوت، وهو ليس مجرد تأثير أو صفة أو قوة، بل هو ذات حقيقي، وشخص حي، وأقنوم متميز، ولكنه غير منفصل، وهو وحدة أقنومية غير أقنوم الآب، وغير أقنوم الابن، ومساوٍ لهما في السلطان والمقام، ومشترك وإياهما في جوهر واحد ولاهوت واحد" (2).

يتعلق النصارى في تأليه الروح القدس بما جاء في إنجيل يوحنا: "إن الله روح" (يوحنا 4/ 24)، كما يرونه الروح الموجودة منذ بدء الخليقة "في البدء خلق الله السماوات والأرض ... روح الله يرف على وجه الماء" (التكوين 1/ 1 - 2)، وكذا كثير من النصوص يتحدث عن الروح أو روح الله أو الروح القدس.


(1) انظر: الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة، الأنبا ايسذورس (1/ 443)، وتاريخ الكنيسة القبطية، منسى يوحنا، ص (276)، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء، رؤوف شلبي، ص (218 - 221).

(2) انظر: أقانيم النصارى، أحمد حجازي السقا، ص (42 - 44)، الله واحد أم ثالوث، محمد مجدي مرجان، ص (116 - 125). 

 

  • الثلاثاء PM 02:39
    2022-05-10
  • 779
Powered by: GateGold