المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413521
يتصفح الموقع حاليا : 265

البحث

البحث

عرض المادة

القول بتدرج إعلان ألوهيته

ولما عدِم النصارى الدليل على ألوهية المسيح، ورأوا أن أحداً من معاصريه لم يدرك تلك الألوهية التي يتحدثون عنها صدر بعضهم بقول جديد، مفاده أن المسيح لم يعلن ألوهيته لتلاميذه في بدء دعوته، بل تدرج بهم حتى كشف لهم عنها بعد قيامته، أي لم يدركوا هذا السر إلا بعد موته.

ومن القائلين بهذا الرأي بتر سمث في كتابه الشهير "سيرة المسيح الشعبية"، فيقول عن مريم وموقفها من ابنها: "هل حسبته إلهاً ابن الآب الأزلي ... إن رواية الإنجيل تجعل هذه الفكرة محالة، كما أن العقل لا يسلم بها، وإلا كيف استطاعت أن تؤنبه على توانيه في الهيكل مع أحبار وعلماء اليهود؟ وكيف عالجت شؤونه كلها كطفلها الخاضع لها ...

كلا إن العذراء لم تفكر في ولدها كإله ... لم تدرك سر ألوهيته الهائل الذي لم تفطن إليه ولم تعرفه إلا مؤخراً، وحتى التلاميذ أنفسهم لم يدركوا هذا السر الهائل إلا قبيل نهاية حياته ... لكنهم لم يفطنوا إليه ويدركوه تماماً إلا بعد موته وقيامته وصعوده بمجد وإرساله الروح القدس.

عندئذ أخذوا يرجعون بذكرياتهم إلى الوراء خلال ثلاث سنوات تقضت في صحبته، ويتعجبون كيف أمسكت عيونهم عن معرفة ما عرفوه الآن".

إذاً كانت ألوهية المسيح استنتاجاً عقلياً توصل إليه التلاميذ بعد رفع المسيح، وكل ما ينقل من أدلة كتابية على ألوهيته لم تكن كافية ليصلوا إلى هذا المعتقد أو يدينوا به.

وهذه الدعوى من النصارى تثور في وجهها تساؤلات عدة منها: لمَ أخفى المسيح هذه الحقيقة عن تلاميذه؟ ولم َلم ْيعلنها منذ اليوم الأول؟ إن إخفاءه المزعوم لها جعل الكثيرين - من معاصريه ومن بعدهم من الذين تسميهم الكنيسة بالهراقطة - يقولون ببشريته، وحُقّ لهم ذلك، إذ لم يقل المسيح عن نفسه أنه إله، ولم يعتقد ذلك أحد من تلاميذه زمن كرازته.

ونتساءل هل كان إخفاؤه لحقيقته خوفاً من اليهود؟ كيف وهو الرب الذي نزل ليصلب كما زعموا؟

والحق أن المتتبع لآخر أحاديث المسيح لا يجد أي مفارقة بين أقوال المسيح أول بعثته وبين أقواله قبل وبعد حادثة الصلب المزعوم، كما لا يجد في أحوال التلاميذ ما يدل على أنهم اكتشفوا ما لم يدروه من قبل، فلوقا يذكر أن المسيح على الصليب قال: "يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون" (لوقا 23/ 34)، وكان ينبغي أن يجهر بألوهيته فيقول: سأغفر لكم. لكنه بشر يعجز عن ذلك، فطلب من الله أن يغفر لهم.

وأيضاً قال للص المصلوب: "تكون معي في الفردوس" (لوقا 23/ 43)، ولو كان إلهاً لقال: أنعمت عليك بالفردوس.

وها هو المسيح بعد القيامة المزعومة يقول: "إني ذاهب إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم" (يوحنا 20/ 17).

وها هم تلاميذه بعد قيامته يعتبروه إنساناً فقط، فيقول اثنان منهم: "الناصري الذي كان إنساناً نبياً مقتدراً في الفعل والقول أمام الله وأمام الناس" (لوقا 24/ 19).

وكذلك قال عنه بطرس بعد رفعه وهو ممتلئ من الروح القدس: "يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من الله بقوات وعجائب" (أعمال 2/ 22).

وقال في مرة أخرى: "يسوع الذي من الناصرة كيف مسحه الله بالروح القدس والقوة ... " (أعمال 10/ 38).

إن مجرد الحديث عن تدرج إعلان ألوهية المسيح يطعن في كل ما تورده النصارى من أدلة على ألوهية المسيح من التوراة والأناجيل، إذ هذه الأدلة كلها وغيرها لم تجعل تلاميذه يقولون بألوهيته، فهم عندما أسموه ابن الله أو الرب أو الله ما كانوا يقصدون الحقيقة، إنما كانوا يريدون المجاز، وهكذا الحال في جميع ما يتعلق به النصارى في موضوع ألوهية المسيح من أدلة.

 

  • الثلاثاء PM 12:31
    2022-05-10
  • 686
Powered by: GateGold