المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409078
يتصفح الموقع حاليا : 378

البحث

البحث

عرض المادة

مقدمة إنجيل يوحنا

وأما الاستدلال على ألوهية المسيح بمقدمة يوحنا: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله. كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يوحنا 1/ 1 - 3) فقد كان للمحققين معه وقفات عديدة ومهمة، منها:

- تنبيه العلماء إلى أن هذا النص قد انتحله كاتب الإنجيل من فيلون الإسكندراني (ت40م)، يقول فيلسيان شالي: "فكرة الكلمة التي جاءت من فلاسفة رواقيين ومن فلسفة يهودي (فيلون)، ومستعارة من هذه العقائد أو النظريات على يد القديس جوستين ويد مؤلف الأسطر الأولى من الإنجيل الذي يعزى إلى القديس يوحنا" (1).

ويرى العلماء أن مصطلح "الكلمة" بتركيباته الفلسفية غريب عن بيئة المسيح وبساطة أقواله وعامية تلاميذه، وخاصة يوحنا الذي يصفه سفر أعمال الرسل بأنه عامي عديم العلم، فيقول: "فلما رأوا مجاهرة بطرس ويوحنا، ووجدوا أنهما إنسانان عديما العلم وعاميان تعجبوا" (أعمال 4/ 13).

- كما ينبه ديدات إلى أن ثمة تلاعباً في الترجمة الإنجليزية، وهي الأصل الذي عنه ترجم الكتاب المقدس إلى لغات العالم.

ولفهم قول المسيح على حقيقته نعود إلى الأصل اليوناني، حيث النص في الترجمة اليونانية يستخدم كلمة (الله) بصيغة التعريف

(??? ????) في قوله: "والكلمة كانت عند الله"، وتترجم إلى كلمة ( God) في الترجمات الإنجليزية، وكتابتها بحرف كبير ( G) للدلالة على أن الألوهية حقيقة، هذا في المقطع الأول.

ثم يمضي النص اليوناني، ليعرِّفنا بصفة الكلمة وخصائصها فيقول: "وكان الكلمة (الله) " (??? ???? ?? ? ?????)، ويستخدم النص اليوناني كلمة (الله) بصيغة تنكير????)) بمعنى إله، وكان ينبغي أن يستخدم في الترجمة الإنجليزية كلمة ( god) بحرف صغير للدلالة على أن الألوهية مجازية، كما وقع في نص سفر الخروج "جعلتك إلهاً لفرعون" (???? ?????? ?? ???? ????? ???) (الخروج 7/ 1)، فكلمة (الله) في هذا المقطع من قول يوحنا جاءت نكرة، فهي لا تفيد العَلَمية التي هي اسم الله عز وجل.

لكن المفاجأة أن هذه الصيغة التعريفية لاسم الألوهية (? ????) لم تعط في الكتاب المقدس للمسيح عليه السلام، لكنها منحت للشيطان حين أسماه بولس "إله الدهر الذي أعمى أذهان غير المؤمنين" (كورنثوس (2) 4/ 4) فاستخدمت التراجم العربية صيغة تنكير "إله"، وكذلك التراجم الإنجليزية ( a god) ؛ مع أن النص اليوناني جاء معرفاً (?? ??? ? ???? ??? ??????).

وهكذا فاستخدام التراجم العربية والعالمية اسم (الله) في قول يوحنا: "وكان الكلمة الله"، نوع من التلبيس والتحريف في النص (1).

وقد استدركت بعض الترجمات العربية والعالمية الخطأ، فغيرت النص، منها نسخة ترجمة العالم الجديد في ترجماتها العالمية المختلفة، وقد جاء في نسختها العربية: "وكان الكلمة إلهاً".

كما أفردت ملحقاً خاصاً بتبيان التحريف الذي وقعت فيه النسخ المخالفة في قراءة هذه الكلمة، ومما جاء فيه: "إن عبارة يوحنا أن الكلمة أو لوغوس كان (إلهاً) أو (إلهياً) أو (كإله)، لا تعني أنه كان (الله) الذي كان هو معه، إنها تعبر فقط عن صفة معينة للكلمة أو لوغوس، ولكنها لا تحدد هويته أنه الله نفسه".

ونقلت عن فيليب هارنر الكاتب في مجلة أدب الكتاب المقدس (المجلد 92/ 87) قوله: "أنا أرى أن القوة الوصفية للمُسند في (يوحنا 1:1) بارزة جداً بحيث إنه لا يمكن اعتبار الاسم معرفة".

ويقول الأب متى المسكين في شرحه لإنجيل يوحنا: "هنا كلمة (الله) جاءت في الأصل اليوناني غير معرفة بـ (الـ) ... ، وحيث (الله) المعرف بـ (الـ) يحمل معنى الذات الكلية، أما الجملة الثانية فالقصد من قوله: "وكان الكلمة الله" هو تعيين الجوهر أي طبيعة (الكلمة)، أنها إلهية، ولا يقصد تعريف الكلمة أنه هو الله من جهة الذات.


(2) انظر: مناظرتان في استكهولم، أحمد ديدات، ص (135 - 137)، المسيح في الإسلام، أحمد ديدات، ص (84 - 87).


(1) موجز تاريخ الأديان، فيلسيان شالي، ص (247)، وانظر: قاموس الكتاب المقدس، ص (903).

وهنا يُحذَّر أن تقرأ (الله) معرفاً بـ (الـ) في "وكان الكلمة الله"، وإلا لا يكون فرق بين الكلمة والله، وبالتالي لا فرق بين الآب والابن، وهذه هي بدعة سابيليوس الذي قال أنها مجرد أسماء، في حين أن الإيمان المسيحي يقول: إن الأقانيم في الله متميزة، فالآب ليس هو الابن، ولا الابن هو الآب، وكل أقنوم له اختصاصه الإلهي، كذلك فالله ليس هو الكلمة، والكلمة ليس هو الله الكلي" (1).

ونوافق الأب المسكين في كثير مما قاله عن تنكير الكلمة المستخدمة، ولا نوافقه على قوله: "وهنا يقابلنا قصور مكشوف في اللغة العربية فلا توجد كلمة (الله) بدون تعريف (الـ) .. " إذ كلامه يوهم القارئ اضطرارهم إلى استخدام اللفظة المعرّفة (الله) في غير معناها بسبب قصور اللغة العربية، وهو غير صحيح، فذكرها إلباس وتحريف، بدليل وقوعه في سائر التراجم العالمية، وفي مقدمتها الترجمة الإنجليزية التي تعرض عن استخدام اللفظ النكرة ( god a) ، وتصر على تعريف الكلمة ( God) .

- ولو غض المحققون طرفهم عن ذلك كله، فإن في النص أموراً مُلبِسة تمنع استدلال النصارى به على ألوهية المسيح:

أولها: ما معنى كلمة "البدء"؟ ويجيب النصارى: أي الأزل.

لكن ذلك لا يسلم لهم، فإن الكلمة وردت في الكتاب على معانٍ منها:

- وقت بداية الخلق والتكوين كما جاء في " في البدء خلق الله السموات والأرض" (التكوين 1/ 1)، فوقت الخلق قديم لكنه في لحظة مخلوقة، وليس في الأزل، ومثله قول المسيح عن إبليس أنه كان منذ البدء: " أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا، ذاك كان قتالاً للناس من البدء، ولم يثبت في الحق، لأنه ليس فيه حق" (يوحنا 8/ 44)، فإبليس قتال للناس منذ البدء أي بداية الخليقة، ولا يعني النص أنه كان في الأزل، فالشيطان ليس أزلياً.


(1) شرح إنجيل القديس يوحنا، الأب متى المسكين (1/ 35).

ومثله قاله متى على لسان المسيح، وهو يحاجج اليهود "قالوا له: فلماذا أوصى موسى أن يعطى كتاب طلاق فتطلّق، قال لهم: إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلّقوا نساءكم، ولكن من البدء لم يكن هكذا" (متى 19/ 7 - 8)، ومعناه أن ذلك لم يكن مأذوناً به عند بداية الخليقة، وبداية الخلق لحظة مخلوقة، وليست الأزل الذي يسبق كل زمان.

- وترد كلمة البدء أيضاً، ويراد منها فترة معهودة من الزمن كما في قول لوقا: "كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء" (لوقا 1/ 2)، فالبدء هنا يعني أول رسالة المسيح.

ومثله قول يوحنا: "أيها الإخوة لست أكتب إليكم وصية جديدة، بل وصية قديمة كانت عندكم من البدء. الوصية القديمة هي الكلمة التي سمعتموها من البدء" (يوحنا (1) 2/ 7).

ومثله قوله في جواب اليهود لما سألوه: "فقالوا له: من أنت؟ فقال لهم يسوع: أنا من البدء ما أكلمكم أيضاً به" (يوحنا 8/ 25)، فكل هذه الاستعمالات لكلمة البدء لا يراد منها الأزل، بل أوقات معينة حادثة.

وعليه فلا يقبل قول النصارى بأن الأزل هو المراد في قوله "في البدء كان الكلمة"، فهذه اللفظة استخدمت في مواضع أخرى بمعان أخرى، فلا يصار إلى المعنى الذي أرادوه إلا بدليل مرجح.

ويرجح الشيخ العلمي في كتابه الفريد "سلاسل المناظرات" بأن معنى النص يتحدث عن بدء تنزل الوحي على الأنبياء، أي أنه عليه السلام كان بشارة صالحة عرفها الأنبياء كما في (إرميا 33/ 14) (1).

ثانيها: ما المقصود بـ (الكلمة)؟ هل هو المسيح - عليه السلام -؟ أم أن اللفظ يحتمل أموراً أخرى، وهو الصحيح. فلفظة (الكلمة) لها إطلاقات في الكتاب المقدس:


(1) انظر: سلاسل المناظرة الإسلامية النصرانية بين شيخ وقسيس، عبد الله العلمي، ص (259 - 262).

منها: كتاب الله أو وحيه "وكانت كلمة الله على يوحنا بن زكريا" (لوقا 3/ 2)، " أمي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها" (لوقا 8/ 21) "لكن ليس هكذا حتى إن كلمة الله قد سقطت، لأن ليس جميع الذين من إسرائيل هم إسرائيليون" (رومية 9/ 6).

ومنها: الأمر الإلهي الذي به صنعت المخلوقات، كما جاء في المزامير "بكلمة الرب صنعت السموات، وبنسمة فيه كل جنودها .. لأنه قال فكان، هو أمر فصار" (المزمور 33/ 6 - 9)، ولهذا المعنى سمي المسيح - عليه السلام - كلمة، لأنه خلق بأمر الله، من غير سبب بشري قريب (أي من غير أب) {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثم قال له كن فيكون} (آل عمران: 59)، أو لأنه - حسب المعنى الأول - أظهر كلمة الله، أي وحيه وكتابه.

كما قد يسمى وعيد الله كلمته؛ كما حكى النبي إرمياء استعجال بني إسرائيل ليوم البلاء والعذاب الذي أوعدهم الله إياه: "ها هم يقولون لي: أين هي كلمة الرب؟ لتأت. أما أنا فلم أعتزل عن أن أكون راعياً وراءك، ولا اشتهيت يوم البلية " (إرمياء 17/ 15 - 16)، والمسيح يعتبر وفق هذا المعنى أيضاً (كلمة الله)؛ أي أنه الكلمة الموعودة المبشر بها على لسان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

وأما المعنى الذي يزعمون النصارى للكلمة (اللوغس)، وأنها الأقنوم الثاني للثالوث الأقدس، فلم يرد في كتب الأنبياء البتة، لذلك يقول الدكتور جردوم عن (الرؤيا 19/ 13) وعن مقدمة يوحنا: "تشكلان الموضعين الوحيدين في الكتاب المقدس اللذين يشيران إلى ابن لله بصفته الكلمة أو كلمة الله" (1).

ثالثها: "وكان الكلمة الله" غاية ما يمكن أن يستدل به من هذه الفقرة أن المسيح - عليه السلام - أطلق عليه: (الله)،


(1) كيف يفكر الإنجيليون في أساسيات الإيمان المسيحي، واين جردوم، ص (319). ويرى الأب متى المسكين أن اللوغس أي الكلمة المتجسدة تملأ الكتاب المقدس وليس يوحنا فقط، لكنه رأي خاص له، يخالفه فيه جميع الشراح والمفسرين، يقول: "يتهيأ لجميع الشراح أن القديس يوحنا لم يستخدم اصطلاح اسم (الكلمة) اللوغس إلا في موضعين اثنين في مقدمة إنجيله في الإصحاح الأول، إلا أن الواقع والحقيقة أن اللوغس هو محور إنجيل يوحنا وملخص لاهوته". شرح إنجيل القديس يوحنا، الأب متى المسكين (1/ 29).

كما أطلق على القضاة في التوراة "الله قائم في مجمع الله، في وسط الآلهة يقضي، حتى متى تقضون جوراً وترفعون وجوه الأشرار" (المزمور 82/ 1)، وكما سمي به أشراف اليهود في قول داود: " أحمدك من كل قلبي، قدام الآلهة أرنم لك" (المزمور 138/ 1)، وقد قال الله لموسى عن هارون: " وهو يكون لك فماً، وأنت تكون له إلهاً " (الخروج 4/ 16). وغيرهم كما سبق بيانه

رابعها: قوله: "والكلمة كان عند الله"، والعندية لا تعني المثلية ولا المساواة. إنما تعني أن الكلمة خلقت من الله كما في قول حواء: "اقتنيت رجلاً من عند الرب" (التكوين 4/ 1)، فقايين ليس مساوياً للرب، ولا مثله، وإن جاءها من عنده، وجاء في موضع آخر " وأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتاً وناراً من عند الرب" (التكوين 19/ 24)، فالكبريت والنار أتيا من عند الله أي بأمره، وليسا مساويين لله عز وجل.

وهكذا يتبين فساد الاستدلال بمقدمة يوحنا على ألوهية المسيح عليه السلام.

 

  • الثلاثاء AM 11:57
    2022-05-10
  • 922
Powered by: GateGold