المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409027
يتصفح الموقع حاليا : 266

البحث

البحث

عرض المادة

معية المسيح الأبدية

ويتعلق الزاعمون بألوهية المسيح بما جاء في أقوال المسيح من نصوص تتحدث عن معية المسيح للتلاميذ ومن بعدهم من المسيحيين، وأنها معية دائمة إلى الأبد، فقد قال وهو يصعد إلى السماء: "وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (متى 28/ 20)، وقال: "حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فهناك أكون في وسطهم" (متى 18/ 20)، ففهم منه الواهمون حضوراً ومعية حقيقيين، واعتبروا هذه المعية دليلاً على الألوهية، فالمسيح موجود في كل زمان ومكان، كما الله موجود في كل زمان ومكان (1).

وهنا نلحظ خطأين متراكبين: أولهما: في فهم معية الله لخلقه على الحقيقة، والثاني: في فهم معية المسيح.

فالكتاب المقدس لم يتحدث عن معية حقيقية لله أو للمسيح، فالله تعالى لا يحل في مخلوقاته، ولا يخالطهم، ومعيته لخلقه - تبارك وتعالى - أمر مجازي، معية النصر والتأييد والهداية، ومعية المسيح للتلاميذ هي كذلك معية إرشاد ومعية تعاليم، وقد قال الأنبا غريغوريوس في موسوعته تعليقاً على خاتمة إنجيل متى: "وهذه المعية ليست معية ظاهرة مادية، بل معنوية، بمعنى أنه أعطاهم المواهب والقدرات" (2).

وهذا النوع من المعية المجازية لا تكاد تحصى نصوصها - في الكتاب - لكثرتها، ومنها قول يحزيئيل بن زكريا مثبتاً اليهود في حربهم " قفوا اثبتوا، وانظروا خلاص الرب معكم، يا يهوذا وأورشليم لا تخافوا ولا ترتاعوا، غداً اخرجوا للقائهم، والرب معكم" (الأيام (2) 20/ 17)، ومثله قول موسى: "لأن الرب إلهكم سائر معكم، لكي


(1) ينزه الإسلام الله تبارك وتعالى عن الحلول في مخلوقاته، فالله بذاته بائن من خلقه، ولكن علمه وقدرته وسمعه أحاط بكل شيء، فلا يعزب عنه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو غير محتاج في ذلك إلى التواجد بذاته العلية بين مخلوقاته.
(2) موسوعة الأنبا غريغوريوس (اللاهوت المقارن)، ص (244).

يحارب عنكم أعداءكم ليخلصكم" (التثنية 20/ 4)، فالرب معهم بخلاصه وتأييده، لا أنه نزل من السماء فوقف بينهم يقاتل معهم.

ومعية الرب لبني إسرائيل تستلزم معية مقابلة من بني إسرائيل لربهم، وهي معية الإقبال على الله والتذلل بين يديه، فقد قال لهم عزريا بن عوديد: "الرب معكم ما كنتم معه، وإن طلبتموه يوجد لكم، وإن تركتموه يترككم" (الأيام (2) 15/ 2)، وكل هذا يثبت مجازية هذه المعية (1).

وبخصوص المعية الحقيقية المزعومة للمسيح، فإن المسيح - عليه السلام - قد نفاها عن نفسه حين أخبر تلاميذه بأنه سيغادر الأرض ولن يبقى معهم، فقد قال لهم: "الفقراء معكم في كل حين، وأما أنا فلست معكم في كل حين" (متى 26/ 11)، وقال: "أنا معكم زماناً يسيراً بعدُ، ثم أمضي إلى الذي أرسلني" (يوحنا 7/ 33)، وقال: "ولستُ أنا بعدُ في العالم" (يوحنا 17/ 11)، فحضوره معهم حضور روحي معنوي، كما في قول بولس لأهل كولوسي: "فإني وإن كنت غائباً في الجسد، لكني معكم في الروح فرحاً وناظراً ترتيبكم ومتانة إيمانكم في المسيح" (كولوسي 2/ 5)، ومثله في (كورنثوس (1) 5/ 3).

 


(1) وللاطلاع على المزيد من أمثلة المعية المجازية، معية النصر والتأييد والإرشاد. انظر (التكوين 48/ 21، الخروج 10/ 10، الأيام (1) 22/ 18، إرميا 42/ 11).

 

  • الثلاثاء AM 11:44
    2022-05-10
  • 806
Powered by: GateGold