المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 408983
يتصفح الموقع حاليا : 385

البحث

البحث

عرض المادة

آية التطهير وعلاقتها بعصمة الائمة

 

أية التطهير:




(آية التطهير) وهي قوله تعالى :{ ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } أقوى ما احتجوا به من آيات القرآن, ويلاحظ أنها ليست آية وإنما هي تتمة الآية التي أولها خطاب لأمهات المؤمنين – رضي الله عنهن- بقوله :{و َقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ... }, ولذلك فتسميتها ب((آية التطهير)) تدليس لأنها ليست بآية وإنماهي جزء منها .
وعلى كل حال فقد قالوا:إن التطهير وإذهاب الرجس معناه العصمة من الخطأ والسهو والذنب((فأهل البيت)) معصومون من ذلك كله, ومقصودهم ((بأهل البيت)) أشخاصاً معينين أولهم سيدنا علي ثم فاطمة والحسن والحسين - رضي الله عنهم- وليس جميع أهل البيت .
مناقشة هذا التفسير:
إن الاحتجاج بهذه الآية على (عصمة) مردودمن حيث الدليل ومن حيث الدلالة :

1- عدم صلاحية الدليل (آية التطهير) للاستدلال على (العصمة) .

إن قضايا الاعتقاد الكبرى ومهمات الدين وأساسياته العظمى لابد لإثباتها من الأدلة القرآنية الصريحة القطعية الدلالة على المعنى المطلوب كدلالة قوله تعالى:{ اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } على التوحيد , ودلالة{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ } على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ودلالة قوله تعالى:{أقيموا الصلاة}, على فرضية الصلاة ومشروعيتها ولايصح ان تؤسس هذه الأمور المهمة على الأدلة الظنية المشتبهة وإلاتطرق الشك إلى أساس الدين لقيامه على الظنيات وابتنائه على المتشابهات المحتملات وذلك منهي عنه بصريح قوله تعالى:{ هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ }(1) , ال عمران:7 فاشترط الله- جل وعلا- لإقامة دينه الآيات المحكمات الواضحات التي لااشتباه فيها ولااحتمال كالآيات التي استشهدنا بها على التوحيد والنبوة والصلاة وهي((أم الكتاب))
ومرجعه وأصله المعتمد الذي يرد إليه ما تشابه وتطرق إليه الظن والاحتمال .
أما من اعتمد على الآيات المتشابهات المحتملات فهو من الزائغين الذين{فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة} .
وقال تعالى أيضاً :{ وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا } (2 ) ,النجم:28 فالدليل الظني لايصح الاعتماد عليه لأنه لايفيد العلم وإذن لابد ان يكون الدليل قطعياً في دلالته ,فيسقط الاستدلال بكل الأدلة الظنية المشتبهة , ولذلك قال الأصوليون :

((الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال )) .

إن ((عصمة الأئمة )) من ضروريات الاعتقاد عند الإمامية لأنها الأساس الذى يقوم عليه أصل عقيدة ((الإمامة )) فإذا انها ر الأساس ((العصمة)) انهدم ما بني عليه((الإمامة)) ولذلك شددوا في الإيمان بها والنكير على من جحدها حتى كفروه وأخرجوه من الملة !! .
فقد روى الكليني أن أباعبدالله ((ع)) قال: ((ما جاء به علي آخذ به ومانهى عنه انتهي عنه... المتعقب عليه في شئ من أحكامه كالمتعقب على الله وعلى رسوله ,والراد عليه في صغيرة أو كبيرة على حد الشرك بالله))(1) اصول الكافي 1/ 196
وقال ابن بابويه القمي: ((من نفى عنهم العصمة في شئ من أحوالهم فقد جهلهم ومن جهلهم فهوكافر))(2)اعتقادات الصدوق ص 108 .
وهذا يستلزم تكفير أكثر من مليار مسلم لايدين بهذه العقيدة وتكفير حكامهم وأولهم الخلفاء الراشدون فما دون بلا استثناء فضلاً عن أجيال المسلمين المتعاقبة على اختلاف أزمنتهم وأمكنتهم وما ينتج عن ذلك من مفاسد لايمكن إحصاؤها قد يكون أهونها حرمة مناكحتهم وأكل ذبائحهم وعلى هذه العقيدة بنيت الفتاوى التي تبيح أموال المسلمين ودماءهم وجواز أو وجوب مقاتلتهم و الخروج عليهم !! .
وعقيدة بهذه المنزلة والخطورة لابد أن تكون أدلتها صريحة قطعية في دلالتها , محكمة لايتطرق إليها الشك أو الاحتمال بأي حال من الأحوال وإلاصار الدين لعباً لكل لاعب, وأساسياته عرضة لكل متلاعب وهذه الآية : ((آية التطهير))
ليست صريحة في الدلالة على عصمة أحد, فضلاًعن عصمة أشخاص معينين محددين , والقول بدلالتها على ((العصمة)) ظن واشتباه فبطل الاستدلال بها على ذلك ,لأن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال .
وهذا يكفي في رد هذه الحجة وإسقاط هذه العقيدة استدلالاً بالآية الكريمة ,لأن الدليل من الأساس فقد صلاحيته للاستدلال على المراد .
ولكن من باب الاستطراد النافع لإخراج آخر شبهة من نفس المقابل الذي يريد الحق بالحق لابأس من مناقشة دلالة الدليل (الآية) بالتفصيل .

2-عدم دلالة النص ((الآية)) على((العصمة)) .

وذلك يتبين من وجوه كثيرة منها :

أولاً:افتقاره إلى السند اللغوي :

فهذا التفسير لاينهض من الأساس لأنه ساقط لغوياً والقرآن نزل بلغة العرب فإذا كانت هذه الألفاظ ((التطهير)) و((إذهاب الرجس)) تعني ((العصمة)) في هذه اللغة فيمكن حمل النص على ما يقولون .
ولكن...إذا كانت هذه الألفاظ تعني ذلك في اللغة التي نزل بها القرآن فماذا يكون الجواب ؟ والدليل على ما أقول ما يلي :
1- لاعلاقة للرجس بالخطأ في لغة القرآن .
فلا يعرف من لغة القرآن- التي هي لباب لغة العرب- إطلاق لفظ ((الرجس)) على الخطأ في الاجتهاد .فإن((الرجس)) القذر والنتن وأمثالهما .
يقول الراغب الأصفهاني في ((مفردات ألفاظ القرآن)) مادة((رجس)) :

الرجس: الشي القذر يقال :رجل رجس ورجال أرجاس قال تعالى:{ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ }...والرجس من جهة الشرع الخمر والميسر...وجعل الكافرين رجساً من حيث أن الشرك بالعقل أقبح الأشياء قال تعالى : { وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} وقوله تعالى :{ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ },قيل الرجس النتن , وقيل العذاب وذلك كقوله :{ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } وقوله تعالى:{ أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ } أ.هـ
قلت :ولذلك لم يختلف الفقهاء في نجاسة الخمر وإنما اختلفوا في كون النجاسة هل هي معنوية أم حسية ؟لأنها وصفت بالآية بالرجس وما ذاك إلالأنهم فهموا من وصف الله تعالى لها وللأنصاب والأزلام والميسر بلفظ ((الرجس)) إنه القذر والنتن والنجاسة ومن قال بنجاستها المعنوية قال هي كقوله تعالى :{ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } (1) التوبة :28. والخطأ في الاجتهاد لايمكن أن يوصف بأنه قذرأو نجاسة أونتن لذلك فهو ليس برجس .
فمن قال : إن الآية نص في التنزيه من الخطأ فقد جاء بما لايعرف من لغة العرب . وإذن فالآية لاتنهض حجة على العصمة من الخطأ ,بل سقط الاحتجاج بها كلياً لأن العصمة لاتتجزأ فإذا لم يكن من وصف بالعصمة معصوماًمن الخطأ فهو ليس معصوماً من الذنب لأنهما متلازمان .
2- ((التطهير)) و((إذهاب الرجس)) لايعني العصمة من الذنب والدليل الواضح على هذا وروده في غير ((اهل البيت)).
كما في قوله تعالى :{ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .102. خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا }(2)التوبة :102-103 .
وهؤلاء قوم ارتكبوا المعاصي , فلو كان ((التطهير)) يعني العصمة من الذنب لما أطلق على هؤلاء المذنبين الذين ((اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً)) وقد وصف هؤلاء بالتزكية إضافة إلى التطهير ((تطهرهم وتزكيهم)) والتزكية أعلى وقد وصف بها هؤلاء المذنبون ومع ذلك لم يكونوا معصومين ولم يوصف بها أولئك الذين يُقال عنهم ((أئمة معصومون)) ,وإنما اكتفى بلفظ ((التطهير )) فقط ,وهو أقل منزلة من حيث المعنى فكيف صاروا به – وهوأقل – معصومون ؟ ! .
وقال تعالى { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} النمل :56.,ولم تكون ابنتا لوط معصومتين مع أنهما من الآل الذين وصفوا ((بالتطهير)) وأرادوا إخراجهم , فتطهير آل النبي محمد صلى الله عليه وسلم أو أهله هو كتطهير آل لوط عليه السلام .
وقال جل وعلا عن رواد مسجد قباء من الصحابة الأطهار :{ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} ( 2)التوبة:.108 .ولم يكن هؤلأء معصومين من الذنوب بالاتفاق .
وقال بعد أن نهى عن إتيان النساء في المحيض :{ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ }(3) ا لبقرة :222.
وقال عن أهل بدر وهم ثلاثمائة وثلاثة عشررجلاً :{ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ }(4)الأنفال:11 .
والرجز والرجس متقاربان و((يطهركم))في الآيتين واحد ولم يكن هؤلاء معصومين من الذنوب .
وقال مخاطباً المسلمين جميعاً :{ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (1) المائدة :6.
وقال عن المنافقين واليهود: { أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ}(2)المائدة:41.
وليس معنى اللفظ((أولئك الذين لم يرد الله أن يعصمهم من الذنوب ))ولا يستقيم تفسير اللفظ ((بالعصمة))إلاإذا كان المعنى كذلك,وأيضاً فإن مفهوم لفظ الآية يستلزم أن يكون غيرهم من المؤمنين معصومين من الذنوب ولم يقل أحد بذلك .
فالآية إذاً لادليل فيهاعلى ((العصمة)) بمعنييها ولله الحمد .

3- لفظ ((الأهل)) لغة :

لفظ ((الأهل)) في أصل الوضع اللغوي يعني زوجة الرجل , ومن يجمعه وإياهم مسكن واحد وليس الأقارب بالنسب إلاعلى سبيل المجاز واليك الدليل :
((فأهل)) الشئ عموماً : أصحابه الملازمون له كما قال تعالى :{ إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ }(3) ص:64. فأهل النار أصحابهاوسكانها الملازموم لها كما قال تعالى :{ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ}(4)الحشر:20 .
و((أهل الكتاب )) و((أهل الذكر )) أصحابه وحملته ((وأهل المدينة)) و((أهل القرى)) أصحابها وساكنوها المقيمون فيها الملازمون لها كما قال تعالى { وَجَاء أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ } (1) الحجر :67. , { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ} (2)الأعراف :96 . , وكذلك((أهل البلد)) كما قال تعالى :{ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ}(3)البقرة :126 .
وكذلك كل لفظ أضيف إلى كلمة ((أهل )) كما في قوله تعالى :{ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ}(4) طه :40 .
{ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا}(5)الأحزاب :13 ,{ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ}(6)البقرة :217 . { حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا} (7)الكهف: 71 . فأهل السفينة ركابها الذين تجمعهم .

أهل البيت :


وأهل أى بيت سكانه الذين يجمعهم ذلك البيت كما قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}(8)النور :27 .وقالت أخت موسى – عليه السلام – لفرعون :{ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُون }(9).القصص :12 .

أهل الرجل :

يقول الراغب الأصفهاني :أهل الرجل في الأصل من يجمعه وإياهم مسكن واحد ,ثم تُجُوزبه فقيل أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإياهم نسب .أ .هـ .
فأهل الرجل أوأهل بيته في الأصل من يجمعه وإياهم مسكن واحد وبهذا جاء ت النصوص القرآنية كما في قوله تعالى :{ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ }(1)هود: 40 . ,وقال إخوة يوسف- عليه السلام :{ وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} (2)يوسف:65
{ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ}(3)يوسف :88. وقال يوسف- عليه السلام :{ وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ}(4) يوسف :93 . وكانوا أباه وزوجة أبيه وإخوته كما أخبر عنهم الرب جل وعلا بقوله :{ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ 99 وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا}(5) يوسف 99- 100 .
فأنت ترى كل هذه الشواهد القرآنية لم يدخل في لفظ ((الأهل )) فيها غير سكان بيت الرجل الذي يجمعهم وإياه ذلك البيت , ولم يدخل الأقارب فيه قط

الزوجة من (أهل بيت) الرجل بل هي أول عضوفيه :


فأهل الرجل زوجته بدليل اللغة والشرع والعرف والعقل ولادليل آخر مع هذه الأربعة :
1- دليل اللغة :

يقول الراغب الاصفهاني : وعبر (بأهل الرجل ) عن امرأته ... و(تأهل) إذاتزوج ومنه قيل : أهلك الله في الجنة : أي زوجك فيها وجعل لك فيها أهلا يجمعك وإياهم .أ . هـ .
وفي (مختار الصحاح) يقول الرازي : (أهل ) الرجل تزوج وبابه دخل وجلس و(تأهل) مثله أ . هـ . فهذا دليل اللغة .

2- دليل الشرع :

تأمل هذه الآيات :
-{ فَلَمَّا قَضَى مُوسَىالْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ}(1)القصص : 29 . ولم يكن معه ساعتها غير زوجه
-{ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخًا } وهذا قول سارة زوجة إبراهيم عليه السلام فبما ذا أجابتها الملائكة ؟ وتحت أى وصف أدخلتها ؟ { قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ} (2) هود:72-73
فلولا كونها من أهل بيت إبراهيم عليه السلام لما رحمها الله بهذ المعجزة ولابارك عليها فحملت بإسحق عليه السلام , وإذن فلا عجب .
- وقالت أخت موسى عليه السلام لفرعون : { هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ}(3) القصص : 12 . فمن قصدت أولاًبأهل البيت ؟ أليست أمها أول المقصودين بهذا اللفظ لأن كفالة الرضيع تتوجه أول ما تتوجه إلى المرضع وهي هنا أم موسى لذلك قال تعالى:{ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ} (4) القصص :13
- حتى امرأة العزيز خطبت زوجها فقالت :{ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا}(5)يوسف :25
أي بزوجتك .
-وهذه عدة آيات عن لوط عليه السلام وامرأته يدخلها الله تحت مسمى (الاهل) في كل المواضيع التي ورد فيها إنجاؤهم وإلالما استثناها منهم .
-{ فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ}(1) الاعراف:83 .
-{ قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ}(2)هود :81 .
- { فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ} (3) النمل : 57 .
- { فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ 170 إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ} (4) الشعراء : 170 – 171 .
- { قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ }(5) العنكبوت :32 .
- { لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ }(6) العنكبوت:33
فكرر الاستثناء مع أن الآيتين متقاربتان لا تنفصل بينهما إلاآية واحدة وفي سياق واحد .
-{ وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ . إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ} (7) الصافات : 133 -135 .
ولا شك أن هذا الإصرار على استثناء امرأة لوط في كل مرة يذكر فيها (أهله) لاداعي له لو كان العرب الذين نزل عليهم القرآن يستطيعون فيهم لفظ (الأهل) مجرداُ من الزوجة .

3- دليل العرف .


وإطلاق لفظ (الأهل ) والمراد منه الزوجة أمر متعارف عليه إلى اليوم : يقول الرجل مثلاً : (جاءت معي أهلى) يقصد زوجته والناس تفهم منه ذلك .

4- دليل العقل :


إذ كل رجل إنما يبدأ بيته بزوجته وكل عائلة تبدأ بأب وأم أورجل وامرأة هي زوجته وهنا يصح اطلاق لفظ (الأهل) على الزوجة حتى قبل مجيء الأولاد وحتى لو لم يكن عند الرجل أب أو أم أو أخوة . فالزوجة أول شخص في البيت يطلق عليه اسم (الأهل) فهي أول أهل بيت الرجل أو أهل البيت . ولذلك قيل للزوجة : (ربة البيت) فهي ليست أهله فحسب أو من أهل بيته وإنما هي ربة هذا البيت .
فالزوجة إذن أهل الرجل ومن أهل بيته فبأي حق تخرج أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته ويقال إنهن لسن من أهله ؟ ! فموسى زوجته من أهله وإبراهيم زوجته من أهله وعمران زوجته من أهله وحتى لوط امرأته من أهله بل حتى الوزير الفاسق امرأته من أهله بل كل رجال الدنيا منذ خلقت وإلى أن تفنى زوجاتهم من أهل بيتهم . إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاهر المطهر زوجاته الطاهرات أمهات المؤمنين بنص القرآن لسن من أهله !!!! بأي لغة يتحدث القوم ؟ !
أهل النبي صلى الله عليه وسلم وبيت أوبيوت النبي .
يقول الله تعالى :{ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَال}(1) آل عمران:121. فمن هؤلاء (الأهل) الذين غدا منهم رسول الله صلى الله عليه وسلام متوجهاً للقتال .أليسوا هم الذين كان يجمعهم وإياه مسكن واحد؟ وهم أزواجه لاغيرأهل ذلك البيت الذي قال الله عنه :{ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} (2)الأ نفال: 5 . وبيت رسول الله له وجود مستقل كان يأوي إليه وينام فيه كذلك يأكل ويشرب ويفعل كل ما يفعله رجل في بيته وفي هذا البيت أزواجه وهن أهله لاغيرهن فأولاده الذكور قد ماتوا جميعاً والبنات بعضهن مات وبعضهن تزوج وخرج من بيته . ولقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عدة بيوت على عدد أزواجه فلكل زوجة بيت فهي بيوت كما يعبر الله عنها بصيغة الجمع ويضيف هذه البيوت التي تعددت لتعدد أزواجه مرة إليه ومرة إليهن فبيوته بيوتهن وبيوتهن بيوته على حد سواء فكيف يكون بيت لشخص ومع ذلك فهذا الشخص ليس من أهل ذلك البيت ؟ ! فبيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أهلها هذه الأزواج وبيوت النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن غير بيوت أزواجه فهن أهل بيته بلا شك كما قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ}(3)الأحزاب :53 . ثم يذكر الله في الآية نفسها الأدب الواجب على المؤمنين في التعامل مع أهل هذه البيوت (أزواجه) قائلاً : (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} (4) الأحزاب :53 . ويقول مخاطباً أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مضيفاً البيوت إليهن { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا . وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (1)الأحزاب:33-34 . فتأمل كيف قال الرب جل وعلا :{ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } ثم قال : { أَهْلَ الْبَيْتِ} ثم قال : { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ } وهذا يعني أن المقصود (بأهل البيت ) في الآية نفس المخاطبات في الآية نفسها والآية التي بعدها فبيت النبي صلى الله عليه وسلم هو نفسه بيت زوجته ولتعدد هذه البيوت أضيفت إليه صلى الله عليه وسلم بصيغة الجمع فقيل (بيوت النبي ) وهي نفسها (بيوت أزواجه) بلا فرق . وأهل هذا البيت هم النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه . فبأي حق نخرج هذه الأزواج الطاهرات الطيبات أمهات المؤمنين من (أهل بيت) رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ !
شبهات (متشابهات ) تعلقوا بها :

1-ضمير التذكير في الخطاب :

قالوا : لو كان المقصود بالآية أزواجه لقال الرب : (عنكن) و(يطهركن) بالتأنيث ولم يقل (عنكم ) بالتذكير .
قلت : سبحان الله ! حتى عوام الناس يدركون بفطرتهم أن الخطاب في لغتهم إذا جاء بصيغة التذكير شمل الذكور والإناث أما إذا جاء بضيغة التأنيث فالمقصود به الأنثى أو الإناث فقط ولذلك يقول الرجل لأولاده : كلوا أو اقرأوا إذا كانوا ذكوراً وإناثاً ولا يقول اقرأن إلا إذا كن إناثاً فقط وأحياناً حتى إذا كان المخاطبون إناثاً ليس فيهم ذكر فيبقى الخطاب بصيغة التذكير فيقول : اقرأوا ,قوموا ,اخرجوا...
وبهذا نزل القرآن . فقوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } يعم الرجال والنساء كقوله : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ }ولذلك قال الله تعالى : {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ} واستمر الخطاب بالتذكير إلى أن قال :{ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم } ولازال الخطاب بالتذكير ثم أصبح بالمقصود فقال بعد قوله (منكم){ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} وإذن فالمقصود الجميع الذكر والأنثى ثم عاد الخطاب بالتذكير { فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي } (1)آل عمران :190-195 .
ولما كان بيت النبي صلى الله عليه وسلم فيه النبي وأ زواجه جاء اللفظ بصيغة التذكير ليعمهم جميعاً فلا يمكن إذاً أن تأتي الصيغة بالتأنيث وإلا لأخراج النبي من حكم الآية .
ومن العجيب أنهم يخرجون نساء النبي صلى الله عليه وسلم من حكم الآية محتجين بكونهن إناثاً وفي الوقت نفسه يدخلون فاطمة رضي الله عنها تحت حكمها مع أنها انثى !

2-حديث الكساء :


روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت :
خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن ابن علي فأدخله معه في المرط ثم جاء الحسن فأدخله معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } وفيه أن رسول الله لم يدخل زوجته أم سلمة معهم بل قال لها : أنت من أهل بيتي أنت على خير .
ما العلاقة ؟ !
ونحن لاندري ما علاقة هذا الحديث بإخراج أمهات المؤمنين من الآية !! .
غاية ما فيه إدخال مجموعة من أقرباء النبي صلى الله عليه وسلم الذين لم يكونوا يساكنونه في بيته في حكم الآية , وليس فيه قصر المعبى عليهم وحدهم أو إخراج غيرهم منه , إذ ليس من شرط دخول هؤلاء خروج أولئك , ورحمة الله وسعت كل شيء ,فلن تضيق بأحد من أجل أحد ,إن قول القائل مشيراً إلى أربعة من أصدقائه ((إن هؤلاء هم أصدقائي)) لايعني قصر الصداقة عليهم , ولو كان لأحدهم عشرة إخوة فأشار إلى ثلاثة منهم كانوا معه فقال معرفاً بهم : ((إن هؤلاء إخوتي )) لم يدل قوله بلفظه هذا على عدم وجود إخوة آخرين له إلا إذا لم يكن له في الواقع غيرهم , فالقرينة التي تحدد معنى اللفظ سعة وضيقاً هي واقع الأمر ذاته , أما اللفظ لغة فلا ينفي ولا يثبت ,و ((أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم))
في الواقع كثيرون فبأي حجة نقتصر باللفظ على بعضهم دون بعض ؟ ! .
وهذا يرد في القرآن كثيراً كقوله تعالى : { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}(1)التوبة :36 , أي ذلك من الذين القيم وليس الدين القيم مقصوراً على عدة الشهور وكون أربعة منها حرماً فقط .
كذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((هؤلاء أهل بيتي ))أي من أهل بيتي .
وإذا كان هذا اللفظ يمنع دخول أحد من بيت النبي صلى الله عليه وسلم مع هؤلاء الأربعة فكيف أدخلوا تسعة آخرين معهم لم يكونوا موجودين أصلاً عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم قوله ودعا دعاءه ؟ ! .
فإن قالوا :لوجود أدلة على ذلك قلنا : الأدلة كلها تدل على أن أزواجه هن خصوص أهل بيته مع أن الأدلة التي احتجوا بها لإدخال أولئك التسعة ليس فيها دليل واحد من القرآن وإنما هي روايات صاغوها وأحاديث وضعوها ليس إلا .
لنا لا علينا :
ونحن زيادة على ذلك نقول : لو تمعنت في الأمر قليلاً لو جدت الحديث حجة لنا لا علينا , إذ هو قرينة واضحة على أن المقصود بالآية أزواجه فلو كانت نازلة بخصوص أصحاب الكساء لما كان لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم معنى فما الداعي له والأمر محسوم من الأساس بدون دعائه ؟ ! وإذن دعاء النبي طلب من الله أن يشمل بكرامته من دعالهم شفقة منه أن لايكون حكم الآية عاماً لأنه نزل في معرض الخطاب لأزواجه ,ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يقطع بدخولهم في حكمها أو كان مطمئناً إلى ذلك لما دعا لهم .
مجيء اللفظ بصيغة العموم والمراد به الخصوص
أن مجيء اللفظ عاماً في صيغته والمراد به خصوص معناه معروف في لغة العرب إذا احتفت به قرائن توجب أو ترجح حمله على ذلك .
والقراينة إما حالية أو لفظية , فالحليه كما في قوله تعالى :{ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا}(1)القصص :4 . فلفظ ((أرض)) و((أهلها)) عام , والمراد به أرض مصر وأهلها وهو خاص . والقرينة ما نقطع به تاريخياً أن فرعون لم يحكم عموم الأرض .
وقال تعالى عن الريح التي أرسلها على عاد :{ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا}(2) الأحقاف :25 . فلفظ ((كل شيء) عام لكن القرينة اللفظية التي بعده وهي قوله : { فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ } صرفت المعنى إلى الخصوص فلم يعم المساكن
كذلك لفظ ((أهل البيت)) في الآية فهو وإن كان عاماً في صيغته فقد احتفت به قرائن منها المعنى الحقيقى ((لأهل البيت)) وهو الزوجة وسياق الآيات وسبب النزول ...إلخ . جعلته يبدو للسامع خاصاً بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولم تكن من قرينة تجعل النبي صلى الله عليه وسلم يطمئن ويقطع بأن المراد به العموم , لذلك دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب الكساء , وهكذا صار دعاؤه صلى الله عليه وسلم قرينه لنا على أمرين :


الأول أن أزواجه أول المقصودين بالآية .


الثاني : شمول اللفظ لبقية أهل بيته ,ولولا دعاؤه لما كنا نستطيع القطع بالأمر الثاني فتأمل .

أما قصر الآية على أهل الكساء دون أزواج النبي فباطل لوجوه منها :


1-المعني اللغوي لأهل بيت الرجل وهو أزواجه ومن يساكنه في بيته ولم يكن في بيته عند نزول الآية من أهله غير أزواجه .
2-المعنى الحقيقي للأهل هو الزوجة . وأما تعديه إلى الأقارب فمجاز .
وقد مر بنا قول الراغب الأصفهاني : ((أهل الرجل في الأصل من يجمعه وإياهم مسكن واحد ثم تجوزبه فقيل : أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإياهم نسب )) وحمل اللفظ على معناه المجازي دون الحقيقي لايكون إلا بعد اجتماع أمرين :
1-مانع .
2-قرينة .
مانع يمنع حملة على حقيقته وقرينة تصرفه إلى مجازه ولامانع من حمل الآية على حقيقة معناها ((الزوجة )) بل ولاقرينة ساعة نزول الآية ترجح عموم المعنى فضلاً عن قصره على مجازه .
3-سبب النزول :فإن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم سبب نزول الآية والسبب داخل في الحكم دخولاً أولذلك لما أرادت أم سلمة – كما ورد في بعض الروايات – أن تدخل مع أهل الكساء قائلة : ألست من بيتك ؟ ! أجابها النبي صلى الله عليه وسلم : ((أنت من أهل بيتي )) و((أنت على خير )) أي أنت مشمولة بالخير فلا داعي لدخولك معهم , إذ أنت السبب في نزول الآية وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم في لفظ آخر : ((أنت إلى خير أنت من أزواج النبي )) , وهذا يعني أن أصحاب الكساء لو كانوا مشمولين من الأساس بحكم الآية لما دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم .
4- سياق الآيات : فالسياق يأبى أن يدخل كلام أجنبي فيما بين كلامين مسوقين لغرض واحد في كلام العقلاء- وإلاكان ركيكاً ساقطاً يجب أن ينزه عنه كلام الرب جل وعلا , فما علاقة عصمة أشخاص معينين بالكلام عن أمور تخص أشخاصاً آخرين ليدخل فيها بين أجزائه ؟ ! .
5-بيت النبي صلى الله عليه وسلم هوالمقصود بالآية لابيت غيره : وبيت النبي صلى الله عليه وسلم كان يشغله وقت نزول الآية أزواجه وله وجود مستقل عن بيت علي- رضي الله عنه – ولايمكن ان يخطر ببال النبي أو غيره أن قوله تعالى ((أهل البيت )) خصوص أصحاب الكساء فإن ذلك يستلزم أن الآية نزلت خاصة بأهل بيت علي دون بيت النبي ,وكأن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية هو علي بلا فرق فلو رفعنا النبي ووضعناه مكانه علياً لما تغير المعنى , وكذلك ألغينا أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم بيت خاص به دون غيره يمكن أن يكون محلاًلتنزل الرحمات وحلول البركات !! وهذا لايقول به مسلم بل ولا عاقل.
لهذه الأمور وغيرها لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم مطمئناً إلى أن الآية عامة المعنى في الجميع فدعا دعاءه المعروف لأصحاب الكساء رضي الله عنهم , وبذلك جزمنا نحن بعموم الآية ولولا حديث الكساء لما قطعنا بذلك , وإنما يظل العموم ظنياً لا أكثر .
الخلاصة :
وهكذا سقط السند اللغوي لإمكانية تفسير الآية ((بالعصمة )) فضلاً عن عصمة أشخاص بعينهم فسقط الاحتجاج بالآية على ذلك من الأساس .


ثانياً : إلزامهم بعصمة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين رضي الله عنهن :


فالآية تشمل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بدليل الشرع واللغة والعرف والعقل وسبب النزول والسياق وغيرها من الأدلة التي قدمناها آنفاً ولا يحتاج الأمر إلى أكثر من قراءة الآيات في المصحف الشريف في سورة الأحزاب من الآيات (28- 34): { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا 28 وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا 29 يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا 30 وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا 31 يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا 32 وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا 33 وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا }(1) الأحزاب : 28 – 34 .
بل سورة الأحزاب كلها في ذكر أمهات المؤمنين : ففي الآية السادسة منها يقول تعالى : { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} ,ثم تعود السورة بعد جولة تمهيدية لتذكرهن في الآية (28) إلى الآية (40) ثم في الآية (50) –إلى الآية (62) تصريحاً أو تلميحاً ثم في الآية (69) وهي تنهى عن أذى النبي صلى الله عليه وسلم في أزواجه مع أن عددآياتها (73) ثلاث وسبعون ! فلو كانت الآية نصاً في العصمة لاستلزم ذلك عصمة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولما كان ذلك منفياً بالاتفاق فلا دلالة في الآية إذن على عصمة أحد .


ثالثاً: إلزامهم بعصمة (آل البيت ) جميعاً :


لفظ ((أهل البيت)) عام يشمل أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم جميعهم ومنهم آل جعفر وآل العباس وآل عقيل ومنهم بناته الأربع , أليس بناته من أهل بيته ؟ ! ومنهم أبناؤه أليس أبناؤه من أهل بيته ؟ ! إن هؤلاء جميعاً من ((أهل البيت )) فكيف يخصص النص بأهل بيت علي وحده والآية نص في أهل بيت النبي ؟! وقد مر بنا تهافت القول بدلالة حديث الكساء على التخصيص , ثم إن أولاد علي رضي الله عنه كثيرون وقد أعقبوا ومنهم محمد وعمر فلم اقتصرت العصمة على اثنين منهم فقط ؟! ثم إن الحسن رضي الله عنه عنده ذرية فلم يكن أحد منهم معصوماً مع أنهم من أهل البيت , وأبوهم الحسن أفضل من الحسين رضي الله عنه وأكبر ؟! ثم لماذا اقتصرت العصمة على واحد من أولاد الحسين , ثم تسلسلت في الواحد بعد الواحد من ذريته مع أن الكل ينتسبون إلى أهل البيت الذين نزلت الآية فيهم – كما يقولون .
إن هذه الآية إما نص في العصمة ((فأهل البيت)) جميعاً معصومون وإلا فلا دلالة فيها على العصمة لا سيما وحديث الكساء فيه الدعاء لعدد مخصوص هم علي وفاطمة والحسن والحسين وليس فيه الدعاء لغيرهم من ذريتهم ممن لم يأتوا بعد .
إنهم يقولون :إن قول النبي صلى الله عليه وسلم مشيراً إلى هؤلاء الأربعة ((إن هؤلاء هم أهل بيتي )) يعني قصر الآية عليهم وإخراج البقية منها , ونحن نقول مجاراة لهم : ابقوا على قولكم هذا واصمدوا عليه إلى الأخير ولاتدخلوا معهم أحداً من أهل بيت النبي وسترون النتيجة في غير صالحكم !! إذن كيف يستطيعون نقل ((العصمة)) إلى الخامس فما دون ؟! وما الذي أدخل هؤلاء وأخرج غيرهم ؟ ! وما هذه الازدواجية والانتقائية ؟ ! أليس لها من ضابط أو مقياس ؟ !


رابعاً : الإرادة الشرعية والإرادة القدرية :


ومن الأدلة على عدم دلالة الآية على العصمة أن((الإرادة )) التي جاءت فيها شرعة لاقدرية وإليك البيان :
وردت ((الإرادة )) الإلهية في نصوص الشرع على ضربين :
الضرب الأول : الإرادة القدرية الكونية :
وهي المشيئة التي لابد من وقوع وتحقق ما تعلق بها من مراد الله , ولا تلازم بين هذه الإرادة ومحبة الله وأمره الشرعي , فقد يريد الله ويشاء وقوع شيء يكرهه لحكمة يعلمها وبأسباب من خلقه أنفسهم كوقوع الزنا والكذب والكفر والله تعالى لا يحب ذلك ولايأمر به شرعاً وإنما نهى عنه لكنه يقع بإذنه ومشيئته يقول تعالى : { وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} (1)الأنعام : 112 . , ويقول تعالى عن هذه الإرادة :{ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}(2) يس:82 . ,
{ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ}(3)الرعد :11 . , { وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ} (4) هود :34 , فالله أراد غوايتهم مع أنه لم يأمر بها ولم يحبها فإنه كما أخبر عن نفسه : { يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ} (5) النحل :90 , لكن ما كل ما أراده الله وأحبه وأمر به شرعاً يقع ولاكل ما كرهه ونهى عنه لايقع وهنا يأتي دور الضرب الثاني من الأرادة وهي :

الإرادة الشرعية :

وهي بمعنى المحبة والقصد والأمر الشرعي الذي قد يقع وقد يتخلف مقتضاه كما في قوله تعالى : { يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }(6) البقرة : 185 , وهذه الإرادة يتوقف وقوع مقتضاها ومرادها على العبد فقد يقع إذا قام العبد بأسبابه الجالبة , وقد لايقع إذا قصر فيها فيقع ما يكرهه الله ولا يريده أي لايحبه ولايأمر به , ويحب الله شيئاً ويأمر به فلا يقع , فالله تعالى يحب اليسر لكل خلقه وأراده وأمر به , ويكره العسر لهم كما في الآية السابقة وكما في قوله :{ يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ }(7) النساء :28 . , لكنه لايتحقق في حق كثير من الناس الذين يشددون على أنفسهم ويثقلون عليها مع أنهم داخلون تحت خطابه تعالى :{ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وقوله : { يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ }, والله تعالى أراد من عباده جميعهم الطاعة بمعنى أمرهم بها وأحب أن يفعلوها لكن محبوب الله ومراده هذا وأمره لم ينفذه أكثرهم ! في حين أنه لم يرد أشياء وكرهها لكنها واقعة رغم أن الله لم يردها : يقول سبحانه : { تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ}(الانفال 67 )
فوقع مرادهم وهو أخذ الفداء من الأسرى دون مراد الله وهو القتل
ويقول أيضاً { وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } النساء 27
ويقول { مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ } المائدة 6

فالخرج واقع للبعض رغم أن الله ما يريده والتطهير لا يتحقق للكل رغم أن الله يريده لهم جميعاً فالاية خطاب لجميع الأمة وهي تشبه تماماً (اية التطهير) إذ اللفظ نفسة يتكرر في الايتين وهو في الإرادة الشرعية التى تتوقف على استجابة المخاطب وليس في الإرادة الكونية القدرية التى لابد من وقوعها
وحتى يمكن حمل الايه على العصمه لابد أن تكون الإرادة فيها قدرية كونيه من الله إذ العصمه التى اثبتوها إنما هي بجعل من الله لا بتكلف من العبد ولادليل على ذلك على ذلك أبداً فبالإضافة الى كون اللفظ أصلا في الإرادة الشرعية لوجود ما يشبهه وهو ليس في الإرادة القدرية فهناك قرائن تدل على أن الإرادة شرعية لاقدرية منها :

1-حديث الكساء

إذ لو كانت إرادة الله قدرية لابد من وقوعها لما دعا لهم إذ هم أغنياء عن دعائه صلى الله عليه وسلم لكون الله تعالى شاء (( عصمتهم )) وقدرها حتماً فلا حاجة له وأيضاً فلو كانت الاية في العصمه وهو معصومون من الأصل فرسول الله صلى الله وسلم يعلم ذلك فعلام يطلب لهم شيئاً حاصلاً من الأساس أي كما قال تحصيل حاصل وتحصيل الحاصل لغو ينبغي أن ننزه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيضاً يقال : هل عصمتهم قبل دعاء النبي أم بعدة ؟ فإن كانت حصلت بدعائه أي بعده فهم غير معصومين من قبل وغير المعصوم كيف ينقلب معصوماً ؟؟ وإن كانت حاصلة بدون دعائه أي قبله فعلام دعا ؟؟!

2-سياق الكلام

فالكلام الذي جاء في سياق النص (( إنما يريد ...)) توجيه وأمرونهي يبدأ بقوله { إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا 28 وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا 29 يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ } الى قولة تعالى { وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا } الى قولة { فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ } الى قوله تعالى { َقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } ثم قال معللاً هذه التوجيهات والاوامر والنواهي { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ } ثم يستمر بقوله { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ...} وإذن المخاطب يحتمل في حقه الطاعة والمعصية فيحذره الله من المعصية ويحثه على الطاعة فالإرادة هنا شرعيه بمعنى أن الله يأمر بما أرادة وأحبه فاحرص أيها المخاطب على تحقيق إرادة الله في تطهير هذا البيت الذي تنتسب اليه وإذهاب الرجس عنه والا إما أن تخرج من هذا البيت بالطلاق { فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا }وحين ذلك فمهما عملت فعملك لاينسب إلى هذا البيت الذي يحب الله أن يرفع من شأنه .وإما أن تضاعف لك العقوبة ضعفين إذا ارتكبت ما يخدش سمعة هذا البيت الطاهر وذلك من أجل أن يبقى المخاطب – أزواج النبي صلى الله عليه سلم –حذراً يقظاً على الدوام تحقيقاً لإرادة الله , وهذا المعنى لايستقيم إذا كانت المشيئة أو الإرادة كونية حتمية ,ولذلك جمع الله بين النهي عن المخالفة والأمر بالطاعة وإرادته الثمرة الناتجة عن ذلك وهي التطهير في آية واحدة فقال : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } فمن حمل الإرادة على الإرادة الكوبية القدرية فكما قال تعالى : { إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} و العقيدة مبناها على القطع والإحكام لاعلى الظن والاشتباه , ولايتحصل إمكان أو احتمال تفسير الآية ((بالعصمة)) بدلالة الآإنما هو احتمال في احتمال فسقط بها الاستدلال .
المعنى المقصود من الآية
ولعل سائلاً يسأل ما المعنى الذي ترمي إلية الآية فنقول :هو أمر الله جل وعلا وإرشاده لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يترفعن عن كل ما من شأنه أن لايتناسب وسمعة بيت النبي وكونهن بنتمين إلى هذا البيت الذي هو بيت أعظم النبيين وخاتمهم وأطهرهم ,فعليهن أن يدركن خطر هذا الانتماء والمنزلة التي وضععهن الله فيها وأي طهر وأي نقاوة يريدها الله لهن ويحب أن يتصفن بها ,ولذلك نهاهن أن يطالبن رسوله بما تطالب به النساء الأخريات أزواجهن من الزينة والنفقة ,وبين ((إن من يأت منهن بمعصية ظاهرة القبح يضاعف عقابها , فإن المعصية من رفيع الشأن أشد قبحاً فناسب أن يضاعف جزاؤها)) . والجملة الشرطية لاتقتضي وقوع الشرط كما تقول لولدك إن رسبت ضربتك والقصد تحذيره حتى لايرسب , ولذلك خاطب الله رسوله قائلاً : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }(1)الزمر:65 . وهو صلى الله عليه وسلم لم يشرك ولم يحبط عمله . وقال له أيصاً : { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ}(2)يوبس :94. وهو صلى الله عليه وسلم لم يشك ولم يسأل .
فكذلك قوله لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن: { يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ} ,فلم تأت واحدة منهن بفاحشة ولم يضاعف لها العذاب , بل العكس حصل – كما سأوضحه – والنهي لايستلزم وقوع المنهي عنه كما قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}(3) الأحزاب : 1 . ,وذلك في مطلع السورة التي خاطب الله بها أزواج نبيه بقوله :{ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} – وقوله – { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطع الكافرين والمنافقين وأزواجه لم يخضعن بالقول ولم يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى , بل أقمن الصلاة وآتين الزكاة واتقين الله وأطعنه ورسوله وقمن بتنفيذ هذه الموعظة خير قيام واخترن الله ورسوله والدار الآخرة والعيش مع رسول الله على خشونته وخلوبيته من كل ما يمكن أن يجذب امرأة ويغريها بالبقاء فيه ,ولقد كان اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة على الدنيا وزينتها صادقاً حقيقياًمقبولاً عند الله الذي لاتخفى عليه خافيه والدليل على ذلك أن الله قبل هذا الاختيار بأن كافأهن بجملة أمور منها :
-حرمة الزواج عليهن .
-حرمة تطليق واحدة منهن ليتزوج غيرها .
-وذلك بقوله في الأية(52) من السورة نفسها :{ لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ} , وهذا تحريم للزواج عليهن – { وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} وهذا تحريم لتطليق أي واحدة منهن .
-ومنها اختيارهن أمهات للمؤمنين { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ }(1) الأحزاب : 6 . , وتحريم زواجهن من غير رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته ليبقين زوجات أبديات لهذا الرسول الكريم لافي الدنيا فقط , وإنما في الآخرة أيضاً , وذلك بقوله : { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا}(2)الأحزاب :53 .
وكل هذه التوجيهات والتحذيرات والوصايا من أجل ماذا ؟ من أجل أن الله يريد لهذا البيت أن يكون طاهراً بعيداً عن كل ما يقدح في طهارته ورفعيه . فقوله تعالى :{ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } , تعليل لما تقدم وروده في السياق من الأوامر والنواهي كما قال في الآية (53) من السورة :{ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} لماذا ؟قال { ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} فعلل الأمر بالسؤال من وراء حجاب بالتطهير لقلوب السائلين وقلوبهن وإذن هذا التطهير مراد من قبل الرب وهو علة الأمر, فكذلك التطهير الأول مراد من الرب وهو علة الأوامر والنواهي الأولى .
ولذلك يختل السياق ومعناه لو حذفنا هذه العلة وهي قوله تعالى :{ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}, من الآيات لأنها هي الغاية منها وهي روح الموضوع كله ومداره الذي يدور عليه وقوله تعالى بعد ذلك :{ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} , إشارة إلى أنهن – وقد خصصن بنزول الوحي في بيوتهن دون سائر الناس – أحق بهذه الذكرى من سواهن فعليهن أن يرتقين إلى المستوى المطلوب من أمثالهن ويعملن بما ينزل في بيوتهن من القرآن والسنة ويبلغن ذلك ,فالآية إذن وما قبلها وما بعدها – باختصار – إنما سيقت من أجل تعليم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين وتربيتهن كي يرتقين إلى المنزلة السامية اللائقة بمقام هذا النبي الكريم الذي أراد الله تعالى طهارة بيته الشريف وإذهاب الرجس عنه .

فما دخل ((عصمة الأئمة )) في الموصوع ؟ !

وكيف حشرت هذه القضية التي لا علاقة لها به من قريب ولامن بعيد ؟ !
{ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنامن لدنك رحمة إنك أنت الوهاب }



الخلاصة

إن آية التطهير , وما قبلها وما بعدها إنما سيقت من أجل تعليم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتربيتهن كي يرتقين إلى المنزلة السامية اللائقة بمقام هذا النبي الكريم الذي أراد الله تعالى طهارة بيته الشريف , وإذهاب الرجس عنه , فما دخل عصمة الأئمة في الموضوع ؟ وكيف حشرت هذه القضية التي لا علاقة لها به من قريب ولا من بعيد ؟ ولماذا يحمل النص والا يتحمل ؟ !


المصادر
•القرآن الكريم .
•مفردات ألفاظ القرآن الكريم – الراغب الأصفهاني .
•مختار الصحاح – الرازي .
•أصول الكافي – للكليني .
•اعتقادات الصدوق – ابن بابويه القمي .






 

  • الاثنين AM 04:08
    2022-04-11
  • 928
Powered by: GateGold