المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413875
يتصفح الموقع حاليا : 267

البحث

البحث

عرض المادة

مختصر الوجاء من شبهات الخوارج والإرجاء

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

إن الحمد لله نحمده وستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله

"يأيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتهم مسلمون "أل عمران 102

يأيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحده وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذى تسألون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا "النساء 1

يأيها الذين أمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما "الأحزاب 70-71

أما بعد ...

فإن اصدق الحديث كلام الله وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثه بدعة وكل بدعه ضلاله وكل ضلاله فى النار ..

فإنه من نعم الله على العبد أن يوفقه إلى عمل صالح ويتوفاه عليه .وأفضل الأعمال بعد التوحيد الدعوة إليه ,وقد كنت فى شهر رجب من عام 1425 ه أو قبل ذلك بقليل فى جولة دعوية فى إحدى المناطق الشمالية النائية .وبعد جلسات ومناقشات وحوارات تعين لي وضع منهج دعوى تربوي يكون بمثابة قاعدة الانطلاق للأخوة الكرام فى هذه المنطقة وبعد وضع المنهج طلب منى وضع قواعد أصوليه على منهج أهل السنة والجماعة وكان هذا فى أخر الليل بعد يوم شاق مع عدم وجود المراجع فجلست أستحضر بعد القواعد وأستنبطها من كتب علماء أهل السنة فكتبت عشرين قاعدة وتم طبعها وتوزيعها على الأخوة

وبعد فتره من الزمن  منْ الله علينا بفضله وكرمه وابتلانا كما أبتلى يوسف عليه السلام وهذا من فضل الله علينا أن اختارنا لهذا الابتلاء ونسأل الله السلامة والعافية والثبات وكما قيل "السجن جنات ونار "

ولما كانت الدعوة إلي دين الله  وإلي توحيده لا تسقط بحال , ولما كان المؤمن كالغيث  أينا حل نفع ولما كان أفضل ما تنفق  فيه الأوقات وتفني فيه الأعمار هو الدعوة إلي توحيد الله العلى الغفار رب الأرض والسموات الله الواحد القهار

 جلست أعيد النظر  في هذه القواعد وأضفت إليها سبع قواعد فاكتملت سبعً وعشرين قاعدة من قواعد أهل السنة والجماعة وجلسنا نتناولها مع بعض الأخوة الكرام بالشرح والتفصيل والتوضيح والرد علي شبة الخوارج وأهل الغلو والمرجئة وبيان مذهب أهل السنة والجماعة . وكانت هذه الدروس لا تستقر علي حال من المداومة والانقطاع علي حسب أحوال المعتقل وظروف السجن نسأل الله أن يفك أسرنا  وأسر جميع المأسورين في سبيله

وقد تفطن لذلك أخونا وحبيبنا في الله الأخ أبو خالد حفظه الله . فطلب مني كتابة شرح ميسر ومختصر مفيد لهذه القواعد ليتسنى  الرجوع إليه وقت الحاجة واستخرت الله وتوكلت عليه فهو حسبي وقوتي ونصيري منه العون والمدد سائلاً الله التوفيق والمدد والهدي والرشاد وأن يسترنا بستره الجميل ولا يفضحنا يوم يقوم الأشهاد وأن يحشرنا بمنه وكرمة ورحمته مع خير العباد صلي الله عليه وسلم تسليماً كثيراً

وأصل هذه القواعد  أنه لما كثر الاختلاف والافتراق وظهرت الأهواء والبدع والكل يدعي أنه علي النهج السليم والطريق القويم أصل علماء أهل السنة والجماعة أصولاً وقواعد جعلوها الأصل عند الاختلاف و بها يتبين الدعي الكاذب من المخلص الصادق فهذه القواعد مستنبطة من مصادر التلقي والتشريع عندهم  وهي القراّن والسنة الصحيحة الثابتة عن النبي صلي الله عليه وسلم بفهم الصحابة رضي الله عنهم جميعا

فكل من التزم هذه الأصول اعتقادا وقولا وعملا ظاهرا وباطنا , فهو من أهل السنة والجماعة   وقد أتي بما يدل عليهم .

 وهذه القواعد مبثوثة في كتب أهل السنة مثل الصحيحين البخاري ومسلم والسنن الأربعة سنن أبي داود والنسائي والترمذي وابن ماجة وكتب الأئمة الأعلام وشيوخ الإسلام كمالك والشافعي و الإمام أحمد والإمام أبى عبيد القاسم ,و الصابوني والآجُرى واللالكائي والبغوى وابن تيمية وابن القيم وشيخ الإسلام الإمام محمد ابن عبد الوهاب  وأئمة الدعوة في بلاد نجد والحجاز وهى  مسطورة  مشهورة فى كتبهم ومؤلفاتهم  مثل "الدرر السنية " ومجموعة الرسائل النجدية  وفتاوى الشيخ محمد ابن إبراهيم والشيخ ابن باز رحمهم الله وستذكر أهم المراجع فى نهاية البحث إن شاء الله تعالي

ونود أن نذكر  الأخوة الكرام بأن هذا البحث مختصر جداً (1)[1]يقتصر علي أقل إشارة وأبسط عبارة حتى يكون في متناول الجميع لأنه كتب لفئة معينة من الناس وهو بمثابة المدخل ورفع الهمة لمراجعة كتب أهل العلم والإطلاع علي المراجع ومصادر تلقي العقيدة وأصول الدين فهو أخي الحبيب مدخل لدراسة العقيدة والوقوف علي مسائل الخلاف وأسباب الانحراف في مفهوم الإيمان نسأل الله التوفيق والسداد

 وقبل أن نذكر القواعد نود أن نشير إلي أهم سمات الخوارج والمرجئة التي عرفوا  بها وخالفوا  أهل السنة والجماعة قديما وحديثا حتى يكون المسلم علي بينة من أمره .

فمن سمات الخوارج وأهل الغلو :

  1. أنهم يكفرون بالمعصية فمن زنا أوسرق أو قتل فهو عندهم كافر
  2. أن ألإيمان عندهم لا يزيد ولا ينقص فهو شيئ واحد
  3. يقولون أن الأصل فى الناس الكفر ولاً يحكمون بالإسلام إلا لمن يعرفون أنه من جماعتهم وعلى نفس منهجهم وطريقتهم
  4. لا يصلون فى مساجد المسلمين ولا مع المسلمين
  5. يعتزلون الناس ولا يشاركون فى المجتمع من وظائف ومدارس وغيرها ومن شارك فى المجتمع فهو قد كفر وخرج من الإسلام بمجرد أنه تول وظيفة أو أدخل أولاده المدارس أو عمل توكيلاً لأحد المحامين أو دخل المحكمة لعمل تظلم أو عقد بيع أوشراء أوإستخراج جواز سفر أو غير ذلك
  6. لا يصلون خلف بعضهم البعض ولا يأكلون ذبائح بعضهم البعض ولا يلقون السلام بتحية الإسلام
  7. يتوقفون فى المسلم حتى يتبينوا من عقيدته وإن كانت هذه من سمات أهل التوقف والتبين,وقد رددنا عليهم فى التنبيهات وبينا فساد عقيدتهم
  8. الوقيعة فى أعراض العلماء ولمزهم واحتقارهم وتنقصهم لمجرد مخالفتهم فى بعض المسائل التى هى من موارد الاجتهاد والنظر ونقصد هنا علماء ودعاة أهل السنة والجماعة المشهود لهم بالعلم والفقه والورع والدين  أمثال الشيخ بن باز وبن عثيمين والفوزان والطحان وسفر وسلمان والطريري  وغيرهم
  9. غلوهم فى مسألة التبرج والسفور وحلق اللحى وغيرها من المعاصي

10.غلوهم فى الحاكمية وأعراف البادية والولاء والبراء وعدم تفريقهم بين الأعراف التى لا تخالف الشرع والو لاءات الغير مكفره فجعلوها كلها قسماً واحداً كفراً أكبر .

هذه بعض سمات أهل الغلو وبذلك نفرق بين أهل الغلو وبين أهل السنة الذين يقولون:

  1. "يكفر تارك التوحيد وتارك الصلاة وتارك أعمال  الجوارح بالكلية مع قدرته وتمكنه من العمل وعدم عجزه ,
  2. وكذلك يكفرون الحاكم المبدل لشرع الله الصاد عن سبيله المحارب لأوليائه,
  3. وكذلك لايفرقون بين الفعل والفاعل فى مسألة الأعذار بالجهالة ويسمون كل من وقع فى الشرك مشركا ومن وقع فى الكفر كافرا  بقطع النظر عن عقوبته من عدمها  فهم يفرقون بين الاسم والعقوبة  وبين الحجة الرسالية والحجة الحدية ومن يعتقد هذه الأمور ليس من أهل الغلو وإلا لأطلقنا لفظ الخوارج والتكفير والغلو على علماء أهل السنة القائلين بهذه المسائل  مثل الصحابة والتابعين وتابعيهم  ,ومالك والشافعى ,وأحمد ,بن تيميه وبن القيم وبن عبد الوهاب وأولاده وأحفاده وأئمة الدعوة النجدية,وهيئة كبار العلماء ,واللجنة الدائمة  والشيخ بن باز وبن عثيمين والفوزان وبن جبرين وبكر أبو زيد والطحان وسفر وسلمان وعلى الخضير  وصالح أل الشيخ وأبو بصير ومحمد أبو رحيم  كل هؤلاء يكفرون الكافر ولا يعذرون بالجهل إلا حديث عهد بالإسلام أو أهل البادية ولا يشترطون فهم الحجة إلا في المسائل الخفية فقط ويكفرون تارك الصلاة ويكفرون الحاكم المغير حكم الله المبدل لشريعته الصاد عن سبيله المحارب لأوليائه

 هل كل هؤلاء تكفير وخوارج وأهل غلو وفئة ضالة ؟ حاشا لله  وكلا بل هم أئمة الهدي ومصابيح الدجى وبهذا يتضح لك الحق من الباطل والغث والسمين

 وكذالك من سمات المرجئة أهل التساهل والتفريط :-

  1. إنهم يخرجون الأعمال من مسمى الإيمان ويقولون أنها شرط كمال ولا تدخل فى الأصل.
  2. الإيمان عندهم اعتقاد وقول فقط وبعضهم اعتقاد فقط وبعضهم يكفي فيه القول والتلفظ فقط

 

 

 

  1. كل من قال لاإله إلا الله فهو من أهل الجنة وإن وقع في النواقض وإن نحى الشريعة ونذر وذبح لغير الله وطاف حول القبور ودعاهم من دون الله وإن استهزء وسب دين الله كل هؤلاء مسلمون لأنهم يقولون لاإله إلا الله
  2. لمزهم لأهل السنة بأنهم خوارج وتكفير لأن أهل السنة يكفرون تارك الصلاة ولا يقولون بالعذر بالجهل في المسائل الجلية ويكفرون الحاكم المغير لدين الله المبدل لشريعته المحارب لأوليائه
  3. وكذالك المرجئة يقيدون الكفر بقيود الاستحلال والجحود والقصد والاعتقاد والمعرفة والعلم و لا يكفر إلا من أراد وقصد الكفر بقلبه .

 هذه بعض أقوال وعلامات أهل الإرجاء . ومن هنا  نعرف خطأ من قال على الشيخ الألباني رحمه الله تعالى وغفر له أنه مرجئ جهمى  بإطلاق وكذلك من قال من الدعاة بعدم تكفير تارك  أعمال الجوارح بالكلية  وعدم تكفير المسلم المتلبس بشرك الذى يصرف العبادة التى هى حق لله لغير الله مثل الدعاء  والذبح والنذر والطواف لغير الله .

نعم هؤلاء قالوا بأقوال المرجئة  أو وافقوا المرجئة فى هذه المسألة بسبب شبهة أو تأويل كدخول الإخوان المجالس النيابية فليسو كفاراً بذلك وليسو مرجئة خُلص بذلك  نعم قد جانبهم الصواب والحق فى هذه المسائل مع أهل السنة والجماعة كما سنوضحه فى شرح القواعد إن شاء الله تعالى  وبحوله وبقوته ولا يجوز لنا أن  نكفرهم  ونرد كل علمهم ولا نقبل الحق الذى أصابوا فيه هذا لا يجوز بحال من الأحوال بل نحذر من قولهم  وننبه على الخطأ الذى وقعوا فيه ونقبل منهم الحق  وما أصابوا فيه ونحفظ لهم قدرهم ومكانتهم ونعترف بعلمهم وفضلهم  وندعو لهم بالصلاح والهداية والمغفرة فهم مسلمون لهم حق المسلم كماهو معتقد أهل السنة والجماعة وقد وضح ذلك الشيخ أبو مالك محمد إبراهيم أبو شقرة فى تقديمه لكتاب "حقيقة الإيمان عند الشيخ الألباني  رحمه الله "لمؤلفه محمد أبو رحيم وكذلك الشيخ بن باز رحمه الله فى تقديمه لكتاب (التوسط والاقتصاد بأن الكفر يكون بالقول أو العمل أو الاعتقاد) لعبد القادر ابن علوي السقا ف وهذا هو منهج أهل السنة والجماعة يأخذون الحق ممن قاله ولا يقدسون العلماء والدعاة ويدورون مع الدليل حيث دار مع حبنا لمشايخنا وعلمائنا ودعاتنا إلا أن الحق أحب إلينا منهم مع حفظ قدرهم ومكانتهم كما سبق والإنصاف عزيز  فهناك فرق بين الخطأ وبين الكفر والردة  

 هذه كانت نبذة مختصرة عن الخوارج والمرجئة وإن كانت لا تشقى  في هذا الزمن الذي كثرة فيه أمراض الهوى والتعصب لكن من أراد المزيد فعلية بما كتبه أئمة الإسلام وما  كتبه  الدكتور ناصر العقل في كتابة "دراسات في أهل الأهواء والبدع والافتراق " فهو كتاب جيد في الوقوف على حقيقة الخوارج والمرجئة والقدرية نسأل الله السلامة والعافية وحسن الخاتمة .

 

 

 

 

 

وسنذكر القواعد إجمالاً ثم بعد ذلك نأتي علي كل واحدة منها بالشرح والتفصيل بما يسره الله لنا ولا حول ولا قوة إلا بالله

  1. الإيمان بأركان الإسلام الخمسة وأركان الإيمان الستة
  2. الأصل في الخلق و الناس و المسلمين أهل القبلة الإسلام والشرك طارئ عليهم وكل من ثبت له الإسلام بيقين لا يزول بالشك أو الظن المحتمل
  3. يثبت عقد الإسلام بالنص أو الدلالة أو التبعية( بم يصير الكافر به مسلماً ؟)
  4. أحكام الدنيا تجري علي الظاهر من إسلام وكفر وليس لنا امتحان الناس في دينهم فكل من أظهر الإسلام حكمنا بإسلامه وقلنا أنه مسلم وكل من أظهر لنا الكفر حكمنا بكفره وقلنا أنه مشرك بقطع النظر عن عقوبته فلا تلازم بين الاسم والعقوبة فليس كل مشرك معذب وليس كل كافر يقتل
  5. التفريق بين أحكام الدنيا وأحكام الآخرة
  6. التفريق بين حكم الدار وحكم الأفراد ولا تلازم بينهما
  7. التفريق بين التكفير المطلق وتكفير المعين
  8. التفريق بين الأحكام والفتوى فالأحكام ثابتة لا تتغير عكس الفتوى تتغير بتغير الأشخاص والزمان والمكان
  9. التكفير حكم شرعي وليس هناك دين بدون تكفير,فدين بدون تكفير ليس بدين ولكن التحذير من الغلو فيه

10.الإيمان اعتقاد وقول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية والأعمال من الإيمان وداخلة فيه

11.كما أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل فكذلك الكفر  يكون بالاعتقاد و القول و العمل والشك والترك

  1. الكفر العملي قسمان منه ما هو أكبر مخرج من الملة ومنه ما هو أصغر غير مخرج من الملة
  2. من العمل ماهو كفر مخرج ومنه دون ذلك خلافاً للخوارج .
  3. ترك أعمال الجوارح بالكلية مع القدرة والتمكن وعدم العجز كفر قولاً واحداً وترك آحاد الأعمال ليس بكفر بل حسب العمل المتروك
  4. كل من مات علي التوحيد وأتي بأصل الدين ولم يلق الله بشرك فهو الموحد وإن وقع في الكبائر والمعاصي والذنوب التي هي دون الشرك فهو تحت المشيئة إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له ودخل الجنة بما معه من التوحيد .
  5. الإتيان بأقسام التوحيد الثلاثة وصرفها لله وحده من إلوهية وربوبية وأسماء وصفات وما يتفرع منهم من نسك وولاية وحاكميه
  6. التوحيد هو صرف العبادة التى هى حق لله .لله وحده لاشريك له , والشرك هو صرف العبادة التي هي حق لله لغير الله
  7. الفرق بين الحاكمية والتشريع فالحاكمية فيها قولان معتبران للحاكم الملتزم بحكم الله والتشريع قولاً واحداً ولا يجب الخلط بينهما

19 - أهل السنة لا يكفرون المكره والمتأول تأويلاً سائغاً معتبراً وشبهة معتبرة وحديث العهد بالإسلام والناشئ في البادية والعاجز عن العلم

 

 

  1. الجهل والنسيان والخطأ يرفع الإثم ولا يسقط الحكم ومن جهل حكماً يعلمه عامه المسلمين أو بعضهم لم يقبل عذره

21 . الفرق بين مناط الحكم ومناط الدعوة . الدعوة إلي التوحيد ومراعاة ظروف المخاطبين

  1. أهل السنة أرحم الناس بالخلق . الحرص علي هداية الناس
  2. مراعاة ظروف المخاطبين واستفاضة البلاغ والحرص علي دعوة الناس وليس تكفيرهم

24 . مراعاة فقه الدعوة والأولويات وترتيب الأعمال وفقه الواقع معتبر

  1. أهل السنة يختلفون ولا يفترقون والاختلاف لا يفسد للود قضية
  2. التأدب بأدب الخلاف وعدم التعصب وتقديس العلماء والحجة في الدليل

27 . عدم الإنكار علي المخالف في المسائل الخلافية والبعد عن النظرة الأحادية والإرهاب الفكري وإلزام المخالف بما ليس بلازم

نسأل الله الهداية والتوفيق والسداد

تنبيه

بما أن هذه الرسالة مختصرة وهى للمبتدئين فى الطلب  فلم نسترسل فى سوق الأدلة وإنما ذكرنا محل الشاهد فقط ومن أراد الوقوف على أدلة هذه القواعد مفصلة من الكتاب والسنة وفهم الصحابة  ويقف  على أقوال أهل السنة فليراجع كتابنا (مقدمة فى التوحيد )[متن فى التوحيد والشرك والإيمان والكفر ]

وندعو الطلاب لحفظه والعناية به  فهو نافع ومفيد بإذن الله فى تربية الأطفال  والشباب  والنساء والرجال  على إتباع الدليل  من القرآن والسنة بفهم الصحابة ,وبذلك نربى الأجيال على مثل ماربى عليه  رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة ,وبذلك تعود الأمة إلى رشدها  وتتبوأ مكانتها لقيادة البشرية ونشر التوحيد وإخراج البشرية من ظلمات الجهل والشرك  والكفر والظلم والتعصب إلى نور العلم والتوحيد والإسلام والعدل واتباع الدليل والتعصب للحق , ما أحوجنا فى مثل هذا الزمان- الذى عظمت غربته على أهل التوحيد - للعودة إلى النبع الصافى الكتاب والسنة الصحيحة  بفهم الصحابة .

نسأل الله الثبات وحسن الخاتمة

كما نسأله سبحانه أن يجعلنا من أنصار دينه وسنة نبيه وعباده الموحدين المجاهدين ,أمين .

والآن مع شرح مختصر لهذه القواعد

 

أبو سلمان

عبد الله بن محمد الغليفى

1424ه

 

(تم شرح هذه القواعد من كتب ومؤلفات الشيخ رحمه الله على يد طلاب الشيخ وتلاميذه – وفقهم الله-)

 

 

 

 

 

القاعدة الأولى

الإيمان بأركان الإسلام الخمسة وكذلك الإيمان بأركان الإيمان الستة

إن الإيمان إذا أطلق يراد به الإيمان ويراد به التوحيد ويراد به الإسلام ويراد به العقيدة وأصل الدين . وهنا يراد به صفه معينه مخصوصة كما فى الحديث الصحيح :"بنى الإسلام على خمس "فقد شبه النبى صلى الله عليه وسلم الإسلام بالبيت الذى لا يقوم ولا يؤسس إلا على أركان بمثابة الأصول التى يبنى عليها غيرها .

وأول الأركان هما الشاهدتان .وقد أفاد وأجاد الشيخ العلامة عبدا لله  بن عبدا لرحمن بن جبرين فى شرح الشهادتان فى كتابه "الشهادتان أركانهما ونو اقضهما " فليراجع فإنه مهم   

. والشهادتان يثبت بهما عقد الإسلام ويدخل بهما الكافر فى الإسلام مع عدم التلبس بشرك إبتداءاً وإستمراراً وانتهاءً فيدخل فى الإسلام بمجرد أن يتلفظ بهما  بمعنى أن يتلفظ بالشهادتين مع ترك الشرك فإنه لا يكون مسلماً لا حكماً ولا حقيقة إذا نطق بالشهادتين وهو عاكف على الشرك الأعظم لم يتركه وهذه فائدة عظيمه ونكته لطيفه جدير بالمسلم أن يفهمها جيداً . فلا بد من ترك الشركين الأعظمين شرك الاعتقاد وشرك العبادة وأن المسلم لا يمكن أن  يكون مسلماًً بأي حال من الأحوال مع تلبسه بالشرك الأكبر  لتنافى الحقيقتين  ,حقيقة الإسلام وحقيقة الشرك

"ماكان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلما وما كان من المشركين "أل عمران  فتفسير الكلمة بالتوحيد ولا يفسر التوحيد بالكلمة فالتوحيد تحقيق الكلمة وليست الكلمة مجرده تحقيقاً للتوحيد ولا تفسيراً له .فالتوحيد يحقق الكلمة ويفسرها

. وانظر رحمك الله إلى قوله تعالى "قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم "فهذه الكلمة وتفسيرها مابعدها" ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً " فمن قلب الحقائق أن يقال إن التوحيد يحقق بالكلمة أو يفسر بالكلمة  فإذا فهمت ذلك جيداً فتح الله عليك أبواباً من الخير عظيمه وعلمت أن الإسلام لا يكون إلا بترك الشرك فليس هناك مسلم مشرك بمعنى الشرك الأكبر وليس المقصود هنا ألفاظ الشرك والكفر الأصغر مثل من حلف بغير الله فقد أشرك ومثل سباب المسلم فسوق  وقتاله كفر "فمن حقق التوحيد بهذه الطريقة فقد حقق الإسلام ومن أشرك وتولى عن التوحيد فقد كفر بما نطقت به الكتب وأرسلت به الرسل  فالتوحيد أن يكون الدين كله لله . والشرك أن يكون بعض الدين لله وبعضه لغير الله والنهى لا يتحقق إلا بالاجتناب والاجتناب لا يتحقق إلا بالترك . ولا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل فإن أختل شيئ من هذا لم يكن الرجل مسلما وسيأتي بيان للركن الأول بمزيد من التفصيل إن شاء الله تعالى لكن المقصود أن من تلفظ بالشهادتين مع ترك الشرك إبتداءاً يثبت له عقد الإسلام ويعصم بها دمه وماله وعرضه . وهذا الذى يدل عليه حديث أسامة بن زيد رضى الله عنهما وكذلك حديث جارية معاوية بن الحكم عندما أراد أن يعتقها . والإيمان بباقي الأركان مثل الصلاة والزكاة والصيام والحج فمن ترك ركناً من هذه الأركان وامتنع عن الأداء مع القدرة ,اختلف أهل السنة فى تكفيره على أقوال ذكرها شيخ الإسلام ابن تيميه فى كتاب الإيمان

 

 

 

والإيمان الأوسط فى المجلد السابع من الفتاوى وكذلك الإمام ابن القيم فى كتاب الصلاة وحكم تاركها والخلاصة  أن من ترك الصلاة تهاونا وتكاسلاً يكفر وهو القول الراجح ولا يشترط الجحود لأن الجحود كفر بذاته فمن ترك الصلاة تهاوناً أو تكاسلاً من غير جحد لوجوبها كفر على الصحيح من قولي العلماء بل هو الصواب التى تدل عليه الأدلة كحديث "بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة "رواه مسلم والمقصود الترك الكلى للصلاة ,والاختلاف فى من يصلى ويترك هل هو منافق أم كافر

 ويجب الإيمان بأركان الإسلام جمله وعلى التفصيل كما يجب الإيمان بأركان الإيمان الستة الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر وبالقدر خير وشره كما فى حديث جبريل الذى شرحه شيخ الإسلام ابن تيميه فى كتابه الماتع "الإيمان الأوسط وحققه ووضحه الشيخ على بن نجيت الزهراني فى رسالة علميه بعنوان "شرح حديث جبريل " والمقصود أن الإيمان بهذه الأركان واجب لأنها من التوحيد وضده الشرك فمن كفر بركن منها أو جحدها فقد كفر كفراً أكبر يخرجه من ملة الإسلام .يقول شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله "من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم ويتوكل عليهم كفر إجماعاً وكذلك من جحد بعض الرسل أو بعض الكتب الإلهية "أى السماوية المنزلة من عند الله مثل القرآن والتوراة والإنجيل والزبور وصحف موسى وعيسى وإبراهيم فقد أرتد لأنه مكذب لله جاحد لرسول من رسله أو كتاب من كتبه وكذلك من جحد الملائكة أوجحد البعث بعد الموت فقد كفر لأنه مكذب للكتاب والسنة والإجماع . فيجب الإيمان بهذه الأركان على الإجمال

القاعدة الثانية

الأصل في الناس و المسلمين أهل القبلة الإسلام, والشرك طارئ عليهم ,

وكل من ثبت له الإسلام بيقين لا يزول بالشك أو الظن المحتمل

قلنا الأصل فى المسلمين الإسلام حتى نخرج اليهود والنصارى والكفار من الحكم ولو قلنا الأصل فى الناس الإسلام فإن لفظ الناس عام يشمل كل الناس وبذلك يحمل قول الأصل فى المسلمين الإسلام ويقصد بذلك الميثاق الأول وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه فهو قول معتبر ولا مشاحه فى كل هذه الألفاظ فالحكم واحد وإلا فقد أثبتنا الإسلام لليهود وغيرهم من الكفار ومعلوم كفر اليهود والنصارى والمشركين من دين الله وصريح القرآن والسنة ومن لم يكفر اليهود والنصارى أوشك فى كفرهم أو صحح مذهبهم فقد كفر لأنه مكذب بالقرآن الذى صرح فى أكثر من أيه بكفر اليهود والنصارى وكما قلنا إن هذا لا يضاد  حديث كل مولود يولد على الفطرة . ولكن نحكم بالظاهر والواقع  فإن قلت الأصل فى أهل القبلة الإسلام فصحيح وإن قلت الأصل فى الناس الإسلام بمعنى أن الله خلقهم وفطرهم على الفطرة التى هى التوحيد و الإسلام فصحيح كما سبق فإن الله قد خلق آدم موحدا على التوحيد والفطرة والأصل فى بنى آدم التوحيد والإسلام ,والشرك بعد ذلك طارئ عليهم

 وإذ ثبت هذا الإسلام بيقين فيجب أن لا يزول بشك أو احتمال أو ظن فما ثبت بيقين لا يزول إلا بيقين ولكن بم يثبت عقد الإسلام ؟أو بم يصير الكافر مسلما ؟ هذا ستجده فى القاعدة الثالثة إن شاء الله

 

 

والدليل على أن الأصل فى الناس الإسلام قوله تعالى (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التى فطر الناس عليها لاتبديل لخلق الله )الروم 30وقوله سبحانه (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين )البقرة 213وقوله عز وجل (وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا )يونس 19 وقوله (إن الدين عند الله الإسلام) وقوله (وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ,وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون ) الأعراف172 -174.

والدليل من السنة قوله صلى الله عليه وسلم كما فى الصحيحين من حديث أبى هريرة عبد الرحمن بن صخر رضى الله عنه (كل مولود يولد على الفطرة ,فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)وقوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه فى الحديث القدسى الذى رواه الإمام أحمد والإمام مسلم (خلقت عبادى حنفاء فاجتالتهم الشياطين)وقال بن عباس رضى الله عنهما (كان بين آدم ونوح عليهما السلام عشرة قرون كلها على الإسلام)

وبذلك يتبين ضلال أهل التوقف والتبين وأهل الغلو الذين يتوقفون فى المسلم الذى ظهرت منه دلالات الإسلام الظاهرة  فلا يصلون خلفه ولا يدعون له ويتوقفون فى ثبوت عقد السلام له بحجة أنهم لايعرفون عقيدته  وقالوا بقول المبتدعة ,أن شيوع الشرك فى المجتمع دليل على كفر المعين أو التوقف فيه تاركين هذه الأدلة الصريحة الصحيحة من الكتاب والسنة وفهم الصحابة إلى شبهات وتأويلات فاسدة عارية من الدليل  الصحيح  ,وقد حمل عليهم شيخ الإسلام بن تيمية حملة سنية فى أكثر من موضع فى فتاويه أبطل حججهم وأظهر بدعتهم وسوء معتقدهم  ومخالفتهم للكتاب والسنة والإجماع(وقدفصلنا ذلك فى التنبيهات المختصرة عند الرد على أهل التوقف والتبين )

 نعوذ بالله من الضلال وسوء الفهم ,نسأل الله لنا ولهم الهداية والتوفيق والسداد وحسن الخاتمة

القاعدة الثالثة:

يثبت عقد الإسلام بالنص أو الدلالة أو التبعية( بم يصير الكافر به مسلما ؟)

 يثبت عقد الإسلام للكافر بإحدى ثلاث النص أو الدلالة أو التبعية فوجود واحدة من هذه الثلاث فى الشخص يثبت له عقد الإسلام ولكن لابد أن نفهم ونتذكر ماقدمناه فى القاعدة الأولى من أن الإسلام معناه الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة ,والبراءة من الشرك وأهله ,فلابد من  ترك الشرك ابتداءً فلا يكون مسلما مشركاً

فالنص هو قول النبى صلى الله عليه وسلم "من قال لاإله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله "وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم "من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا فهو مسلم له مالنا وعليه ماعلينا

"فهو كل من يأتى بقول الشهادتين فهو المسلم ويجب الكف عنه ويثبت له عقد الإسلام مالم يأتى بناقص ينقص قوله والنطق بالشهادتين يثبت بأى طريقه أو إشارة أو علامة  أو كتابة ممن لا يحسن الكلام كالأبكم وغيره .

 والشاهد من نطق الشهادتين نطقاً سليما يفهم منه أنه أمن بالله ربا وبالإسلام ديناً متبعاً ناسخاً لجميع الأديان التى قبله وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً أرسله الله للعالمين أنسهم وجنهم عربهم وعجمهم إلى اليهود والنصارى والمجوس وسائر المشركين بهذا الفهم وهذا البيان يثبت التلفظ بالشهادتين عقد الإسلام وقد فصلنا هذا التفصيل حتى لا نترك شبهاً ترد مفادها أن الرجل يشهد الشهادتين وكذلك شهادة الرسول ولكن هو للعرب خاصة وليس لغيرهم أو أن الإسلام دين سماوي نقر ونؤمن به لكنه غير ناسخ للأديان السابقة فالذي قدمناه هو عموم التلفظ

.أما الدلالة فهى أى دلاله يأتى بها الرجل تدل على إسلامه وهذه الدلالة لا تصدر إلا من مسلم ولا يشارك فيها إلا مسلم كالوضوء والصلاة والسواك والأذان فهذه الأدلة كافيه لثبوت عقد الإسلام له .فلو رأينا رجل يأتى بأى دلاله من دلا لات المسلمين حكمنا بإسلامه وأثبتنا له عقد الإسلام مالم نرى منه ناقضاً مكفراً أما التبعية فهى إما تبعية الوالدين أو أحدهما أو تبعية الدار يعنى يكون أبواه مسلمين أو أحدهما فهو مسلم . أو يكون فى دار إسلام أو مجتمع إسلامي فهو مسلم   أما دار الكفر الأصلي كأمريكا ودول أوربا وغيرها فهى دار كفر  ولا يثبت عقد الإسلام عقد الإسلام للأفراد إلا بما يظهر منهم من دلا لات وعلا مات الإسلام فنحكم على الفرد بما ظهر منه .فإذا ظهر عليه أو صدر منه ما يدل على إسلامه فهو المسلم حكما له حقوقه المسلم ويجب الكف عنه وعصمه دمه وعرضه وماله بما لم يأتى بما ينقص هذا الإسلام الحكمي قولاً وعملاً وسيأتي تفصيل ذلك لكن المهم ألا يزول هذا الإسلام الذى ثبت بيقين لا يزول بشك أو ظن فلو سافرنا مثلا من القاهرة إلى رفح أو العريش مثلا أو أى مكان  وسمعنا الأذان يؤذن لصلاة المغرب ووجدنا مسجداً يدخله المصلون وجب علينا أن نصلى مع المسلمين ولا يجوز لنا أن نتوقف فى حالة الإمام بحجة أننا لا نعرفه ولا نعرف عقيدته .هذا لا يجوز وهذه بدعه التوقف والتبين ([2]1)التى سنفصلها إن شاء الله تعالى .أقول لا يجوز لنا أن نتوقف فى الصلاة مع المسلمين خلف الإمام .ربما تقول إنه حليق اللحية مسبل الثياب .أقول لك حلق اللحية وإسبال الثياب بل وشرب الخمر والدخان كلها معاصٍ دون الكفر تنقص الإيمان ولا تنقضه ولا تمنع من الصلاة  ثم هل تدرى بحال هذا الرجل الحليق ؟ ربما يكون مضطهدا فى دينه محارباً فى عقيدته فاراً من ظلم الطواغيت . ألا يحتمل ذلك ؟نعم يحتمل ولنا أخوة على نفس منهج أهل السنة والجماعة حليقو اللحي

 .إذا عليك ا لصلاة خلفه مادام مسلما لم يظهر منه ماينقض إسلامه لكن لو دخلنا المسجد وظهر لنا فى حال الإمام أنه واقع فى الشرك الأكبر كتحكيم غير شرع الله أو صرف العبادة التى هى حق لله إلى غير الله أو موال للطواغيت ولاية نصرة وتأيد ونعرف من حاله سب الدين والاستهزاء بالسنة وكرة وعداء المسلمين لما هم عليه من التزام بالسنة أى بغضاً لدينه .ماهو الموقف ؟الموقف هنا تغير هذه ليست معاصي بل هذه نواقض . الرجل واقع فى الشرك الأكبر ولا تصح الصلاة خلفه ونحن فى المسجد وفى الصف . فإذا خرجنا كانت هناك مفسدة دعوية وهى أننا لا نصلى مع المسلمين ونكفر المسلمين .فى هذه الحالة يجب الموازنة بين المصالح والمفاسد . فلا يجوز لنا الخروج من المسجد للمفسدة الحاصلة .وكذلك لا يجوز الصلاة بنية المنفرد لأنه ليس عليها دليل ز ولو صلينا بطلت صلاتنا لأنه لا تصح الصلاة خلف مشرك كافر .إذا الحل والصواب هو الصلاة معهم من غير تكبير ولا قراءة كما أفتى بذلك بعض السلف فى مثل هذه الحالة على سبيل الدعوة ودفع المفسدة المتعدية وجلب المصلحة الدعوية المرجوة من ذلك ثم نعيد الصلاة بعد ذلك كما ورد ذلك عن الإمام أحم فى بعض مسائله فى الصلاة خلف أهل البدع( فالصلاة خلف المبتدعة وأهل الكبائر بمعنى أهل الكبائر المظهرين لها، الأصل فيها أنها جائزة، الصحابة رضوان الله عليهم صلوا وراء أمراء الجور الذين يظهرون الكبائر وإزهاق النفوس كما صلى ابن عمر خلف الحجاج ابن يوسف، وأنس صلى خلف الحجاج أيضا، كما روى صلاة ابن عمر خلف الحجاج البخاري وغيره، هذا من جهة أهل الكبائر، و أهل البدع كذلك يصلي خلفهم، وأهل السنة والجماعة نصوا على ذلك في عقائدهم، لكن إذا كان صاحب البدعة هذه يمكن أن يستغنى عنه؛ بمعنى أنه ليس بإمام راتب شخص يتقدم وتعرف أنه صاحب بدعة هنا تنهره عن التقدم ويتقدم صاحب السنة، يعني أنه عند الاختيار لا يجوز أن يؤم صاحب كبيرة ولا صاحب معصية ظاهرة ولا صاحب بدعة، لكن إذا كان ليس عند الاختيار، وإنما أدركت جماعة وفيهم من هو كذلك فإذا كانت بدعته لا تخرجه إلى الكفر فإنه يصلي خلفه، والإمام أحمد ذكر في مسائل أنها بدعة ومع ذلك أمر بالصلاة وراء من فعلها من مثل القنوت في صلاة الفجر فإنه بدعة ومع ذلك سئل عن الصلاة خلف من يقنت في الفجر قال تصلي خلفه، قال هل أرفع يدي معه؟ قال: لا. قال ما أصنع؟ قال: تسكت. أو كما روي عنه.)

  من جواب للشيخ صالح آل الشيخ حول الصلاة خلف القبورى والمبتدع
 هذا فى حالة ماإذا علمنا بحالة الإمام أنه على شرك أما فى حالة ما إذا علمنا أنه مسلم ولم نعرف عنه شيئا غير أنه يصلى فهو المسلم الذى أثبتنا له عقد الإسلام بالنص والدلالة والتبعية . وكل ماثبت بيقين لا يزول بالشك أو الظن المحتمل فليفهم ذلك

.وربما يقول قائل نحن فى بلد يغلب على أهلها الشرك وترك الصلاة وشرك السك والأضرحة وعبادة القبور فما العمل ؟نقول لك وقد سبق أن حكمنا على المعين بما صدر منه ونحن نعيش مع هذا المعين فى مكان واحد ونعرف أحواله وما هو عليه من توحيد أو شرك ولا يجوز لنا أن نحكم على العموم بالشرك والكفر أو تكفير المجتمع أو نتوقف فيه لفشوا الشرك وانتشاره بل نحكم على كل إنسان بما ظهر منه كما قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه "من أظهر لنا الإسلام فهو مسلم وعاملناه بمقتضى إسلامه "فنحكم على المعين بما ظهر منه فشيوع الشرك والكفر ليس دليلا على كفر الناس لأن الأصل فى المجتمعات الإسلامية الإسلام بالعموم كما سبق

.وهل يجوز أن أكل من ذبحه أو أزوجه أو أتزوج منه ؟نقول لك لا يجوز لك أن تأكل إلا من ذبح المسلم الذى تعرف عنه أنه مسلم ولم يتلبس بشرك أو ناقض . فكل من عرفت أو ثبت عندك أنه مسلم وباق على إسلامه ولم يظهر منه شرك أو غير متلبس بناقص فلا يجوز لك أن تمتنع من أكل ذبيحته ([3]1)بل لو شككت فيه فكل لأن الشك لا يقطع اليقين وهو عندك مسلم بيقين كما سبق بالنص أو الدلالة أوالتبعية صحيح أن هذا الإسلام حكمي ينجيه فى الدنيا . لكن لا بد أن يأتى بالإسلام المنجى من الخلود فى النار الإسلام على الحقيقة وهو الموت على التوحيد نقول هذا الإسلام الحكمي ثابت له مالم يأتى بناقص مكفر يخرجه من الإسلام أما الزواج منه أو إليه فثابت من حديث النبى صلى الله عليه وسلم "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه " ومعلوم أن المسلم الموحد يتحرى مساجد السنة, أما الزواج فالشاهد من الحديث  رضا الدين والخلق  فربما يكون موحداً ولا أرتضيه لسوء خلقه ,والعكس ربما يكون صاحب خلق وليس على دين صحيح.فهذا أمر يرجع إلى الرجل وإلى الإيجاب والقبول وأمور أخرى من شروط النكاح المهم أن يكون موحدا ومحققا للتوحيد وتاركاً للشرك .

 

 

 

 

القاعدة الرابعة والخامسة

أحكام الدنيا تجري علي الظاهر من إسلام وكفر

 وليس لنا امتحان الناس في عقائدهم

الفرق بين أحكام الدنيا وأحكام الآخرة

هاتان القاعدتان مرتبطتان فهما تبحثان في الحكم الظاهر, وحقيقةً هذه من الأمور التي ضلت بسببها الخوارج وأهل الغلو 1

فسبب انحراف أهل الغلو  هو عدم تفريقهم بين :

أحكام الدنيا وأحكام الآخرة

التكفير المطلق وتكفير المعين

حكم الدار وحكم الأفراد

الإسلام الحكمي والإسلام علي الحقيقة

كما أن المرجئة وأهل التفريط فرقوا بين الوصف والحكم وقالوا بالتلازم بين الحكم والعقوبة وسيأتي الكلام علي شبهة المرجئة في رسالة بعنوان

"تنبيه الكرام إلي خطورة تغيير الأحكام " وهي نصيحة للأخوة الذين يفرقون بين الفعل والفاعل والوصف والحكم نسأل الله أن يوفقنا إلي أتمامها .

 الشاهد أن أحكام الدنيا تجري علي الظاهر فمن أظهر لنا الإسلام فهو المسلم وليس لنا ما وراء ذلك وليس لنا أن نمتحن الناس في عقائدهم أو نشكك في نياتهم فليس لنا شق الصدور وما تنطوي عليه القلوب فذلك من علم علام الغيوب كما قال النبي صلي الله عليه وسلم " هلا شققت عن قلبه " وقد وضحنا ذلك في القاعدة الثالثة بما لا مزيد عليه هنا منعا للتكرار وإن كان في الإعادة إفادة وأن المسائل إذا تكررت تقررت لكن الموضع هنا موضع اختصار وليس تفصيل وبسط .

 أما  الفرق بين أحكام الدنيا وأحكام الآخرة فهى ذات شقين متلازمين :

 الأول الحكم في الدنيا وقلنا أنها تجري علي الظاهر من إسلام وكفر وفصلنا القول في ثبوت الإسلام بالظاهر بالنص والدلالة والتبعية ويراجع في ذلك كتاب معارج  القبول للشيخ حافظ الحكمي –رحمة الله -  الجزء الأول من صفحة 222حتى ص27في فضل الشهادتين فالكتاب مهم ومفيد وخصوصاً في بيان كلمة التوحيد وشروطها ونو اقضها والشاهد من ظهر منه ناقض مكفر من نواقض الإسلام فيكفر به هذا عندنا في الدنيا أما حكم الآخرة  فليس لنا دخل به فعلم الآخرة نكله إلي الله سبحانه وتعالي وليس لنا دخل به . نحن حكمنا عليه بما ظهر منه . وهنا شبهة المرجئة التي ضلت فيها أفهام وضيعت وغيرت الأحكام وتطاول بها الملاحدة والظلمة علي أهل الإسلام بالتفريق بين الفعل والفاعل وإليك هذه الشبهة والجواب عنها" الفعل فعل كفر ولكن فاعله لا يكفر – التفريق بين الفعل والفاعل

  ابتداء نوضح أنه من الممتنع شرعاً وعقلاً الجمع بين المتناقضين فمن الاستحالة الجمع بين الليل والنهار في وقت واحد ومكان واحد وكذلك ليس هناك مسلم مشرك إذ ليس من الممكن الجمع بين التوحيد والشرك والإيمان والكفر ومن الممتنع ومن المحال أن يسمي الله تبارك وتعالي ذنبا ما كفر ولا يسمى صاحبه كافراً هذا ليس بصواب بل هو عين الخطأ وأنت ترى في كتب العلماء علماء أهل السنة والجماعة جميعهم وخصوصاً في باب حكم المرتد قولهم " من أشرك بالله فقد كفر ومن ذبح لغير الله فقد أشرك ومن نذر لغير الله فقد أشرك ومن استغاث  بغير الله فقد أشرك ومن دعا غير الله فقد كفر . تجد هكذا في كتبهم وكلامهم لا يفرقون بين الفعل والفاعل  . وقد فصلنا ذلك في رسالة مستقلة في ثبوت اسم المشرك لمن وقع في الشرك الأكبر ولا يعذر في الاسم ([4] ) نعم ليس علي الإطلاق فمن فعل الكفر يكفر إلا المكره والمتأول تأويلاً سائغاً وحديث عهد بالإسلام ورجل نشأ في بادية أو عدم وجود مظلة أو مظنة العلم وغير متمكن منه وهذا علي التفصيل في المسائل الظاهرة والخفية لكن ذلك لايغير الاسم ولا يغير الحكم فالمصيبة هنا في تغيير الأحكام وهذه طامة كبرى وقع فيها إخواننا القائلون بقول أهل الإرجاء أو مرجئة العصر في التفريق بين الفعل والفاعل فأصل هذه الشبهة التي يقول بها علماء المرجئة وهي قولهم " هذا هو الشرك لكن  يقولون لا إله إلا الله " ومن قالها لا يكفر بشئ وأعظم من ذلك وأكبر تصريحهم بأن البوادي ليس معهم من الإسلام شعرة ولكن يقولون لا إله إلا الله  وهم بهذه اللفظة إسلام- وحرم الإسلام مالهم ودمهم مع إقرارهم بأنهم تركوا الإسلام كله . ومع علمهم بإنكارهم بالبعث واستهزائهم بالدين  ومن أقر به . وتفضيلهم دين أبائهم مع مخالفتهم لدين النبي  صلي الله عليه وسلم مع تحريفهم للعبادة التي هي حق لله من دعاء  ونذر وذبح وطواف مع هذا كله نصرح هؤلاء أن مرتكب الكفر والشرك مسلم لا يكفر – سبحان الله . رجل يرتكب الشرك والكفر ويموت عليه ويسمى مسلماً لكنه يشرك ومع وقوعه في الشرك والكفر لا يكفر ؟

وأصل الشبهة أنهم فرقوا بين الفعل والفاعل للهروب من الحكم والعقوبة لأنهم يرون ويقولون  بالتلازم بين الحكم والعقوبة وهذا منشأ الضلال وأصل الشبهة التي وقع فيها المرجئة .مع أن الله  لم يفرق بين الفعل والفاعل

قال سبحانه " إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة "وقال " إن الله لا يغفر أن يشرك به "وقال "ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إيمانهم " هذه نصوص من القرآن تبين أن الله تعالى لم يفرق بين الفعل والفاعل وكذلك السنة النبوية بينت بياناً واضحاً شافياً أن من وقع فى الزنا يسمى زانياً ومن وقع فى السرقة يسمى سارقاً ومن وقع فى شرب الخمر يسمى شارب خمر ومن وقع فى الربي يسمى مرابيا وكذلك من وقع فى الشرك يسمى مشركا ومن وقع فى الكفر يسمى كافراً وحقيقتاً كنت أقول بهذا القول ولم أقرأه فى كتاب  ولا سمعته من عالم وإنما هو دلا لات القرآن والسنة ومفهوم سلف الأمة  فعند البحث والتحقيق وجدت أن هذه المسألةوفاقية عند أهل السنة وأن كل من وقع فى الكفر يسمى كافرا ومن وقع فى الشرك يسمى مشركا ,بقطع النظر عن عقوبته  من عدمها فالاسم يطلق عليه بمجرد تلبسه بالفعل ,وهو قول شيخ الإسلام بن تيمية ,وبن عبد الوهاب ,وأولاده  وأحفاده وأئمة الدعوة واللجنة الدائمة وأبا بطين وبن سحمان والخضير قال به صالح أل الشيخ فى شرحه لكشف الشبهات والأصول فحمت الله ([5])

 ولكن هل يعاقب الزاني والسارق وشارب الخمر ؟ ممكن يعاقب وممكن لا يعاقب  إذا توفرت الشروط ونتفت الموانع من البينة والشهود لكن لولم يعاقب ولم يقم عليه الحد يسمى زانيا أولاً ,يسمى سارقاً أولاً هنا العلة وأصل الشبهة, فهنا ترفع عنه العقوبة والإثم لكن لا يرفع عنه الحكم بأنه زانٍ أو سارق فلا تلازم بين الحكم والعقوبة . ممكن يقع فى السرقة والزنا والشرك ويسمى زانيا وسارقا ومشركا لكن ممكن لا يعاقب وترفع عنه العقوبة لمانع ما ,لكن لا يرفع عنه الحكم أبداً لأن الأحكام ثابتة لا تتغير كما سيأتي إن شاء الله تعالى وهناك فائدة مهمة ذكرها أهل السنة ونقلها صاحب كتاب البلاغ أن تغيير الاسم لا يغير حقيقة المسمى ولا يزيل حكمه فمن رابي يسمى مرابيا وإن سماه فائدة أو ربحاً أو عائداً ومن سرب الخمر يسمى شارب خمر وإن سماها مشروبات روحيه

 فأهل السنة قالوا ثلاثة أشياء ضد ثلاثة أشياء :التوحيد ضده الشرك والسنة وضدها البدعة والطاعة ضدها المعصية . ووقوع حقيقة العبادة لغير الله شرك شاء المشرك أو أبى وتغير الأسماء لا يغير حقائق الأشياء فالذين فرقوا بين الفعل والفاعل بين الكفر وفاعله هربوا من ظنهم أن مرتكب الكفر يكفر ولو قالوا بكفرة لزمنه العقوبة  فوقع الناس فى الشرك الأكبر الذى يعرفون أنه شرك أكبر فقالوا كيف نكفر

الناس ونقيم عليهم الحد ونقتلهم ؟قلنا لهم ما سبق ووضحنا لهم أن هناك فرقاً بين الوصف والحكم فإن الأوصاف تتنزل عليها الأحكام والأحكام لا تتنزل على الأوهام بل إن الأحكام تنزل على أوصاف ثابتة ولا تتغير الأحكام بتغير الأسماء كما وضحنا فأهل السنة يقولون بالتلازم بين الأوصاف والأحكام ويفرقون بين الأحكام والعقوبة كما يقول الدكتور محمد بكر إسماعيل فى كتابه "القواعد الفقهية "أن الجهل والنسيان والخطاء يرفع الإثم ولا يسقط الحكم فالقضية أيها الأحباب ليست قضيه يؤاخذ أو لا يؤاخذ يعاقب أو لا يعاقب توثر فيه عوارض الأهلية أو لا تؤثر يعذر بجهله أولا يعذر هذه قضيه ليست قضيتنا الآن وإنما نبحث ونتكلم فى قضيه أخطر وأهم هى قضية تغيير الأحكام انتبهوا القضية خطيرة جيداً فالزاني إن زنا يسمى زانيا والسارق إن سرق يسمى سارقاً والذي يقع في الشرك لا يسمى مشركاً . لماذا غيرتم الأحكام لماذا غيرتم حكم الله الثابت وأضللتم الأمة وسوغتم  لها الشرك والكفر وقلتم حتى لا نقيم الحد عليهم ؟ ومن قال لكم التلازم بين الحكم والعقوبة ؟ ومن قال لكم أن الزاني لابد وأن يجلد أو يرجم ؟ من قال لكم أن السارق لابد وأن تقطع يده ؟ من قال لكم إن المشرك أو المسلم الذي وقع في الشرك لابد وأن يقتل أو يقام عليه حد الردة ؟ ياقوم ليس هناك تلازم بين الحكم والعقوبة فأثبتوا أحكام الله ولا تغيروها

القاعدة السادسة

التفريق بين حكم الدار وحكم الأفراد ولا تلازم بينهما

هذه القاعدة من القواعد المهمة التى أهملها أهل الغلو فى التكفير فقالوا بالتلازم بينهما فعلى هذا التلازم سحبوا حكم الدار على الأفراد وإن كانت بدعه المرجئة قبيحة وشنيعة إذ هى تسوغ الكفر والشرك بتأويل فاسد وهل فسد الناس إلا بالتأويل ؟وهل نحيت الشريعة إلا بالتأويل ؟ فهؤلاء المرجئة هدموا الدين باسم الإصلاح زعموا باسم السلفية الفاسدة المنحرفة وما درى  هؤلاء أنهم ببدعتهم هذه قد سوغوا الكفر والفجور والظلم والزندقة للطواغيت (يراجع في ذلك كتاب عقيدة أدعياء السلفية " محمد المراكشي .)

 تماماً كما فعل دعاة الإصلاح فهم يقولون نوفق بين الإسلام وبين متطلبات الحياة الحديثة فنتحاكم إلي القوانين الوضعية وفى نفس الوقت لا نخرج عن الإسلام  ونحب القرآن ونحب السنة  وربما يحجون ويعتمرون ويصلون ويتصدقون لكن يقولون الآن نحن فى القرن العشرين والعالم متحضر والأحوال تغيرت والأمور تطورت فبدل من أن نكفر بالدين كله نوفق بين الدين ومتطلبات الحياة الحديثة نسمح بالأنظمة ونسمح بالقوانين ونطور المرأة والحياة الإجتماعيه ولا نزال مسلمين مسلمون يقولون لا إله إلا الله علماؤنا وشيوخ مساجدنا ومفتونا وبعض أهل اللحى منا يقولون ذلك لا إله إلا الله لا يضر معها شيئ بدعة الإرجاء الخبيثة وهم لا يقولون اكفروا بالله ومشكلة الشعوب المغفلة الساذجة والأمم التى يخدعها مكر الليل والنهار أنها تنتظر من يقول لها اكفروا بالله حتى تنتبه إلى خطورة المؤامرة وأعداء الله أذكى من أن يقولوا ذلك فهم لديهم أساليبهم  ومهارتهم فى محاربة الإسلام وصرف المسلمين عنه لأن معلمهم الأول إبليس لا يقول للإنسان الزنا حلال أو الربي حلال بل يزين له هذه الأمور كما زين الشرك والكفر لقوم نوح ومن بعدهم ومن قبلهم مع أدم عليه السلام وهكذا صار الملبسون الضالون على طريقهم المعوج فكل عصر فيه تلبيس وكيد يناسبه وإن من الساذجة أن نتصور أنه لا بد أن يقال لنا اكفروا بأحكام الله ,اكفروا بما أنزل الله حتى نقول لا والله لا نكفر بالله إنهم لا يفعلون ذلك أبداً بل يحتالون فيقولون مثلاً نحن نريد التوفيق نريد الإحسان نريد الإصلاح .ووالله ليسو مصلحين ولا دعاة خير بل هم علماء سوء ودعاة شر كما قال الله تبارك وتعالى "ألا إنهم هم المفسدون ولا كن لا يشعرون "فميعوا الدين باسم السنة والسماحة واليسر والسلفية وفرقوا بين الكفر وفاعله وأخرجوا الأعمال من مسمى الإيمان [6] وحقيقته

الشاهد أن بدعة المرجئة  جرأت الخوارج وأهل الغلو فى التكفير على القول بالتلازم بين حكم الدار وحكم الأفراد وهذا رد طبيعي علي بدعتهم من المرجئة – وكلاهما – المرجئة والخوارج علي ضلال فالدار بما يعلوها من أحكام فإن كان يعلوها حكم الله والشريعة فهي دار الإسلام . ودار الإسلام هي التي يعلوها حكم الله وإن كان غالب سكانها كفاراً ودار الكفر هي التي يعلوها حكم الطاغوت وإن كان غالب أهلها وسكانها مسلمين ولا علاقة للأفراد بحكم الدار , كمثل دار الكفر الأصلي مثل أمريكا وأوروبا وغيرهم من بلاد الكفار فهنا ينسحب حكم الدار علي الأفراد بالعموم لأن حكم الدار هنا مطابق للأفراد . ولكن علي التعيين لا يمنع من وجود مسلم في دار الكفر . بل هناك في أمريكا سبعة مليون مسلماً وهم فى زيادة مستمرة بفضل الله وخصوصا بعد ضرب أمريكا من المجاهدين,هذه الضربة المباركة التى لو تأملها المسلم بعين السنة لوجد فيها من الخير والفوائد ماالله به عليم  ولكن هى آفة التقليد والتقديس وحب الدنيا , وهذا لا يعطي صفة حكم الإسلام للدار لأنه يعلوها حكم الشيطان بل هي الطاغوت الأكبر ودار كفر أصلي وليس طارئ . اللهم أجعل أمريكا وحلفاءها غنائم للمجاهدين .

 وبلاد المسلمين التي يعلوها حكم الله وشريعة مع خلو الزمان من هذه الدار إلا ما كان من إمارة أفغانستان في حكم طالبان نسأل الله أن يردها عزيزة قوية ونسأله سبحانه أن ينصر الإسلام والمسلمين وينصر المجاهدين في سبيله في كل مكان فوق كل أرض وتحت كل سماء ,

 نقول لا يمنع من وجود كفار في دار الإسلام لكن لا يؤثرون في حكم الدار وأكبر دليل علي ذلك وجود النبي صلي الله عليه وسلم  في مكة مع الثلة المؤمنة في بداية الدعوة فالذي يقول بالتلازم بين حكم الدار وحكم الأفراد يلزم من قوله  تكفير النبي صلي الله عليه وسلم والفئة المؤمنة في مكة . وكذلك يلزم من قوله ويلزمه إلزاما وحتماً ثبوت عقد الإسلام  لليهود الذين كانوا يعيشون في المدينة بعد الهجرة وتحولها إلي دار إسلام وهذا ممتنع عقلا وشرعاً راجع في ذلك كتاب " أحكام الديار " للدكتور عابد السفياني  فإنه مهم ومفيد في هذا الباب .

فائدة  : ليس معنى شيوع الشرك في المجتمع أن نكفر أفراد المجتمع . ربما يقول لك قائل أن الشرك منتشر ومتفشٍ في الأمة ومن الصعب عليك أن تحكم علي الناس أو تعرف الكافر من المسلم لصعوبة التميز بينهما وشدة المشابهة فنقول إنه ليس شيوع الشرك دليل علي كفر الناس عامة بل نحكم علي المعين بما ظهر منه فإن ظهر منه إسلام فهو المسلم وقد قدمنا لك ما يثبت به عقد الإسلام وإذا ظهر منه كفر أو شرك بواح مما شاع في مجتمعه حكمنا بشركه وكفره بعد البينة إذا كان الذي وقع فيه من المسائل الخفية أما إذا لم يتلبس بشرك مع شيوعه وانتشاره فلا نحكم بكفره  . وبما نكفره ؟أنكفره بشيوع الشرك في مجتمعه ؟ وهل هذا مكفر ؟ إذا اعتبرت هذا مكفراً فيلزمك تكفير المسلم المقيم في بلاد الكفر مثل بريطانيا وفرنسا وأمريكا لأنه مسلم يعيش في مجتمع يشيع فيه الكفر وينتشر فيلزمك تكفير كل المسلمين الذين يعيشون فى بلاد ينتشر فيها الشرك . ولم يقل بهذا أحد من أهل العلم فدل ذلك  على أنه لا تلازم بين حكم الدار وحكم الأفراد والدار بما يعلوها من أحكام

فائدة مهمة

إن الدار بما يعلوها من أحكام وليس بما يعلوها من حكام فالعبرة هنا بكفر الأحكام وليس كفر الحكام فلو كفر الحاكم فى نفسه ولم يغير الأحكام فحكم الدار ثابت لكن لو كفر فى نفسه وغير الأحكام فيكفر هو وتتغير صفة الدار .فالدار بما يعلوها من أحكام

 

القاعدة السابعة

الفرق بين التكفير المطلق وتكفير المعين " تجريم الفعل وتجريم الفاعل "

قبل أن ندخل في شرح هذه القاعدة نود أن نقدم لها مقدمة توضحها وهى من الأهمية بمكان لأن النزاع القائم بين أهل الحق والباطل حول هذه القاعدة وان كانت علي عمومها صحيحة ولكن ليست بإطلاق بل أحياناً كثيرة يكفر الإنسان أو يكفر المسلم بعينه [7] وقبل أن نشرح القاعدة نقول . ما هى  حقيقة الإسلام ؟ حقيقة الإسلام أظهرته ثلاث آيات ,

 الأولى في سورة الأنعام آية 14 " قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم . قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين " إفراد الله بالولاية والنسك والنصرة والإتباع

 الآية الثانية في نفس السورة آية رقم 162, 163 " قل إني صلاتي ونسكى ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " إفراد الله بحقه الخالص في العبادة وصرفها إليه وحدة وبقبول شرعه فيها وفي العادات والمعاملات وبقبول شرعه فيها أيضاً

 الآية الثالثة قول الله تعالي في سورة التوحيد سورة الزمر آية 11, 12  " قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين وأمرت أن أكون أول المسلمين " هذه هي حقيقة الإسلام في الآيات الثلاث  .

الآية الأولى تستلزم الدخول في ولاية الإسلام  وقبول الشرع وإفراد الله بالنسك

والثانية تستلزم إفراد الله بالنسك وقبول الشرع  , والثالثة قبول الشرع  والتكليف, مأخوذ من قوله تعالي " وأمرت أن أكون أول المسلمين " وقوله سبحانه " قل إني أمرت أن أعبد الله " والآيات فيها دلالات لفظ الإسلام بالمطابقة ومعنى الإسلام هو التوحيد المنافي للشرك وذلك من قوله سبحانه " ولا تكونن من المشركين " وفيها أيضاً أن الإسلام هو التوحيد المنافي للشرك لأن الدين هو قبول شرع الله ورفض ما سواه وهذه هى حقيقة الإسلام ومن ابتغي الانتساب إلي الإسلام بغير حقيقته فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ونؤكد أنه لا خلاف في أن التوحيد لا بد وأن يكون بالقلب واللسان والعمل فإن اختل شئ من هذا لم يكن الرجل مسلماً فإن الرجل يكون مشركاً إذا أتي بأعمال وأقوال الشرك فإنه لا دخول في حقيقة الإسلام إلا بالتوحيد وترك الشرك جملة وتفصيلاً . فإن دعوى التوحيد غير النطق بها وأن كلاهما لا يكفي بل لابد من ترك الشرك, ويقول البعض إنه بالنطق يتحقق الإقرار الإجمالي والبراءة الإجمالية من الشرك فإذا وقع في مفردات الشرك مع ذلك فلا بائس لأنه به لم ينقص إقراره وبراءته من الشرك  انظر إلا هذه الشبهة وإنما ينقص  إقراره والبراءة بالعناد مع الشرك  بعد إقامة الحجة فيكون ذلك دليلاً علي نقض الميثاق وهذا من أبين الباطل وسأروى لك حالات كفرها الرسول صلي الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم جميعاً دون إقامة الحجة التى يدعونها وأن إقامة الحجة إنما تكون في المسائل الخفية دون المسائل الظاهرة كما سيأتي إن شاء الله تعالي  في الكلام علي عارض الجهل [8]  يقول الله تعالي في سورة الأنفال آية 39 " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " القتال هنا ليس من أجل الكلمة ولكن من أجل ترك الشرك وهى حجة قاطعة , الدخول في الإسلام المنافي حقيقته ليس بالكلمة ولكن بترك الشرك وهذا هو البدء – أى لا تنفع الكلمة ولا يثبت الدخول في الإسلام بالكلمة والنطق بها مع عدم ترك الشرك وهذا أمرمهم جدا وهذه حجة أساسية فى معرفة كيف يكون البدء هل هو بترك الشرك جملة وتفصيلاً أما فقط بالتزام الترك وإن تلبس ببعض مفرداته ؟  والحد ليس كفارة للشرك والله لا يغفر أن يشرك به إلا بالتوبة  لا ختلاف أحكام التوحيد والشرك عن أحكام الطاعات والمعاصي والسنن والبدع فإن الكفر من أجل الشرك وليس من أجل دلا له الشرك مع العناد لقد أجمع العلماء علي أن  من قال لا إله إلا الله وهو مشرك أنه يقاتل حتى يأتي بالتوحيد بل أكثر من ذلك  فإن علم القلب لا ينفع صاحبه حتى يقترن به عمل القلب وإقرار اللسان لا ينفع صاحبه حتى يقترن به الانقياد للبشرع " و الانقياد معناه إفراد الله عز وجل بحقه الخالص في العبادات والعادات والمعاملات وقبول شرعه فيها والموالاة علي هذا الشرع ونكرر لا يدخل الإنسان في حقيقة الإسلام إلا بالتوحيد وترك الشرك ولا إسلام مع الشرك  لابدء اً ولا استمراراً  ولا انتهاءً والمقصود بالتوحيد والشرك هو الإتيان والترك جملة وتفصيلا  ليس مجرد الالتزام الذي يثبت بإدعاء التوحيد مع إمكان الوقوع في مفردات الشرك والكفر الأكبر( يراجع البلاغ المبين الجزء الأول صفحة 278 وما بعدها.)

 أكثرنا في هذه القاعدة من التفصيل لأن الذين قالوا بشبهة كفر دون كفر أو عدم تكفير المعين واشترطوا دائماً قيام الحجة ولم يفرقوا بين المسائل الخفية التى يعذر فيها والمسائل الجلية المعلومة من الدين بالضرورة التي لم يعذر فيها وكذلك لم يفرقوا بين قيا م الحجة وبلوغها وبين فهم الحجة وسيأتي ذلك في آخر البحث فإن هؤلاء لم يعلموا حقيقة الإسلام ولا حقيقة الشرك . ووقعوا في عدم التفريق بين الحكم المطلق أو تكفير المطلق وتكفير المعين وجعلوا عدم تكفير المعين قولاً مطلقاً ولا يجوز إلا للعلماء وكذلك إقامة الحجة لا يقيمها إلا إمام أو عالم أو قاضٍ مجتهد وهم بذلك لم يفرقوا بين الحجة الرسالية والحجة الحكمية الحدية  وجلسوا يرهبون الناس  من لفظ الكفر أو الحديث في الإيمان والكفر حتى اتهموا كل من يتكلم في قضايا  التوحيد والإيمان والكفر اتهموه بالتكفير والخوارج والضلال والمروق من الدين فأحجم أهل العلم وكثير من أهل الحق عن الكلام فى هذه القضايا حتى                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                              لا يرموا بهذه التهم مع أن الله تعالى أطلق الكفر على كثير من الأصناف وكثير ما نقرأ فى القرآن قول الله تعالى "فأولئك هم الكافرون "وغيرها من الآيات وسأعرض لك وقائع مع السنة ومع الصحابة والتابعين فى تكفير المعين أوردها شيخ الإسلام ابن تيميه  -رحمه الله-الذين ينسبون له عدم تكفير المعين ولكنهم لم يفهموا كلام الشيخ ولا المراد منه ولا مناطه حيث انه كان يتكلم فى كفر أهل التأويل والمقالات الخفية وفى معرض الدعوة لا الحكم .وهناك فرق بين مناط الدعوة ومناط الحكم وسيأتي إن شاء الله .وسننقل كلام شيخ الإسلام الذى اشتبه على من فى قلبه مرض   فتوقف فى تكفير الكفار والمشركين ونص كلام شيخ الإسلام كما فى الفتاوى و ذكره العلماء عنه كما فى كتاب "مجموعة التوحيد "وكتاب عقيدة الموحدين و كتاب "الانتصار لأهل التوحيد "لأبن بطين وكتاب" كشف الشبهتين "لابن سمحان .رحمهم الله جميعاً .قال شيخ الإسلام "فأهل التوحيد والسنة يصدقون الرسل فيما أخبروا ويطيعونهم فيما أمروا ويحفظون ما قالوا ويفهمونه ويعملون به وينفون عه تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين .ويجاهدون من خالفهم تقربا إلى الله وطلبا من الجزاء من الله لا منهم وأهل الجهل والغلو لا يميزون بين ما آمرو به ونهو عنه ولا بين ما صح عنهم ولاما كذب عليهم ولا يفهمون حقيقة مرادهم ولا يتحرون طاعتهم بل هم جهال بما أتو به معظمون لأغراضهم .وما ذكره شيخ الإسلام يشبه حال هذين النوعين الآخرين .

بقيت مسألة تكلم فيها شيخ الإسلام ابن تيميه وهى عدم تكفير المعين ابتداءاً السبب ذكره رحمه الله أوجب له التوقف فى تكفيره قبل إقامة الحجة عليه                                                                                                                   

.قال رحمه الله تعالى :ونحن نعلم بالضرورة أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأحد أن يدعو أحدا من الأموات لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم بلفظ الإستغاته  ولا بغيرها كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت ولا إلى  غير ميت  ونحو ذلك بل نعلم أنه نهى عن هذه الأمور كلها وأن ذلك من الشرك الذى حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولكن لغلبه الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة فى كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يتبين ما جاء به الرسول مما يخالفه . انتهى كلمه رحمه الله فذكر رحمه الله ما  أوجب له عدم إطلاق الكفر عليه على التعيين خاصة إلا بعد البيان والإصرار فإنه قد صار أمة وحده ولأن من العلماء من كفره بنهيه لهم عن الشرك أى من العلماء من كفر شيخ الإسلام ابن تيميه لمجرد نهى ابن تيميه الناس عن ارتكاب  الشرك وفعل الشرك فى العبادة ,فكيف لو كفرهم شيخ الإسلام .فا ذا كانوا قد كفروه لمجرد نهيهم عن الشرك فما بالك لو كفرهم ؟فلا يمكن أن يعاملهم إلا بمثل ما قال كما جرى للشيخ .محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فى ابتداء دعوته فإنه إذا سمعهم يدعون زيد بن الخطاب رضى الله عنه قال الله خير من زيد تمرينا لهم على نفى الشرك بلين الكلام نظراً إلى المصلحة وعدم النفره –مصلحة الدعوة لأن مناطها يختلف عن مناط الحكم وكم من  مخالفة ترتكب باسم مصلحة الدعوة وكأن مصلحة الدعوة تكأةً للوقوع فى المخالفات والبدع باسم مصلحة الدعوة كما بينه الشيخ السلفي [أو محمد القدسى فى كتابه الممتع "القول النفيس من التحذير من خديعة إبليس "مصلحة الدعوة "

فإذا فهمت ذلك فهمت أن الذى قد منع شيخ الإسلام من تكفير المعيين الذى وقع فى الشرك هو الرفق فى الدعوة ومراعاة المصلحة فليس ذلك لأنهم ليسوا كفاراً بذلك بل سننقل لك تكفيره للمعين  على لسانه  رحمة الله نقلاً من الكتاب "مفيد المستفيد فى كفر تارك ا لتوحيد  للشيخ محمد بن عبد الوهاب .قال رحمه الله مبيناً أن تكفير المعين لا يشترط قيام  الحجة دائما وخصوصا فى التوحيد والمسائل  الظاهرة  :- مع أنه يسميه مشركا ولا يكون مسلما بحال قال

  • حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الرجل الذى تزوج امرأة أبيه وأخذ ماله ولم يسأله أجحد أم أقر أم جهل وهم معين
  • همة صلى الله عليه وسلم بقتال بنى المصطلق لما قيل إنهم منعوا الزكاة
  • قتل الصديق رضى الله عنه الفجاءة السلمي وتحريقه بالنار حيا مع إقراره بالإسلام والقيام بجميع أركانه .فإذا كان هذا هو حكم الصحابة فى هذا الرجل مع إقراره بأركان الإسلام الخمس فما ظنك بمن لم يقر بالإسلام بكلمه واحدة إلا أن يقول لا إله إلا الله بلسانه مع تصريحه بتكذيب معناها والإتيان بما بضادها
  • قتال الصديق والصحابة ما نعى الزكاة لمجرد المنع لا الجحود وسبى ذرا ريهم وأخذ أموالهم والشهادة عليهم بالنار وهم أعيان
  • إجماع الصحابة زمن عمر رضى الله عنه على تكفير قدامه بن مظعون وأصحابه رضى الله عنهم لتأولهم حل الخمر
  • إجماع الصحابة زمن عثمان رضى الله عنه على تكفير أهل المسجد الذين ذكروا كلمةً فى نبوة مسيلمة الكذاب مع عدم إتباعهم له
  • تكفير على بن أبى طالب للرافضة والشيعة وحرقهم فى الأخاديد واتفق  الصحابة على قتلهم فأجمعوا على تكفير من دعا غير الله سواء كان نبياً أو وليا يستتاب فإنه تاب وإلا قتل وهذا فى المعين
  • تكفير من دعا على بن أبى طالب ومن شك فى كفر من دعا عليا كفر . وهذا فى المعين .
  • إجماع التابعين مع بقية الصحابة على كفر المختار بن عبيد

10) إجماع التابعين ومن بعدهم على كفر وقتل الجعد بن درهم وهو مشهود له بالعلم والدين وكل هؤلاء أعيان 

11)تكفير أهل حريملاء لعدم تكفيرهم الكفار ومن سب الدين منهم

12)تكفير الأحناف الشخص المعين لمجرد قوله مصيحيف أو مسيجد  أو صلى بدون وضوء

13)تكفير المالكية الذى يحلف بغير الله على سبيل التعظيم

14)تكفير الشافعية ابن عربي وطائفته ومن شك فى كفرهم كفر

15)تكفير الفخر الرازي وهو من أكابر الشافعية وأهل العلم .

16)تكفير بنى عبيد القداح الفاطميين مع تظاهرهم بالإسلام وإقامة الجمع والجماعات ونصب القضاة والمفتين ومع ذلك كفروهم

17)تكفيرهم ابن سيناء وهو رجل مشهور متظاهر بالإسلام

18)تكفير العلماء للقذافى والحسن وصدام وأبو رقيه والأسد وغيرهم بأعيانهم ممن ظهر كفرهم وردتهم فى هذا العصر

فهذا كلام شيخ الإسلام ابن تيميه وغيره فى تكفير المعين  ذكره عنه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب فى كتاب "مفيد المستفيد " ضمن كتاب "عقيدة الموحدين "فإذا علمت ذلك وفهمته علمت معنى الإسلام وهو الاستسلام لله وحده بالتوحيد و بالطاعة والإخلاص فى العبادة ولا يتحقق ذلك إلا بقبول الأحكام فمن استسلم لله ولغيره فهو مشرك ومن أبى الاستسلام فهو مستكبر والمشرك والمستكبر كلاهما كافر

.فإذا علمت ذلك علمت أن حقيقة الكفر لا تتقيد بهذه القيود

حقيقة الكفر لا تتقيد بعقد الإسلام أو قول لا إله إلا الله أو الانتساب أو دعوى الإسلام

وقوع الكفر وحقيقته لا تتقيد بالاعتقاد أى لا يكفر إلا من اعتقد وهذا باطل

حقيقته الكفر لا تتقيد بشرط الاستحلال

.الكفر لا يتقيد بالجحود

وقد مر معك تكفير الصحابة للمعين ولم يشترطوا هذه الشروط

 وكذلك وقوع الكفر لا يتقيد بالعلم أى لا يكفر إلا من اعتقد أنه كفر أو قصد الوقوع فى الكفر وهذا باطل

. وقوع الكفر لا يتقيد بانشراح الصدر فالكفر واقع عليه وإن لم ينشرح به صدره ولكن من وقع بالكفر وانشرح به صدره فهذا كفرة مغلظ  من جهتين من جهة وقوعه فى الكفر ,ومن جهة انشراح صدره به

وكذلك لا يتقيد بالعناد ولا يمنعه التأويل ولا القصد أى قصد الكفر فقول القائل إنه لا يكفر إلا من قصد الكفر فهذا باطل من جميع الوجوه وسأضرب لك مثالاً يساب الله والرسول كما ذكر شيخ الإسلام "فإن سب الله أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم كفر ظاهراً وباطناً سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم أوكان مستحلاً له أوكان ذا هلا عن اعتقاده . وهذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة  القائلين أن الإيمان قول وعمل فسب الله والرسول كفر لمنافاته الانقياد الذى لا يكون بغيره إسلام ولا إيمان وعليه فإن كل ما ينافى الانقياد فهو كفر بغير شرط الاستحلال وقد خرج الفقهاء فى كتب الفقه فى باب الردة أن من تكلم بكلمه الكفر يكفر وإن لم يقصد معناها والمرتد هو المسلم الذى يكفر بعد إسلامه نطقاً أو فعلاً أو شكاً أو اعتقادا أو تركاً

يراجع فى ذلك كتاب "معارج القبول .الجزء الأول ص222حتى ص276وكتاب البلاغ المبين الجزء الأول ص281حتى ص316

والإشكال عند هؤلاء وغيرهم من أهل البدع أنهم استدلوا بكلام شيخ الإسلام بن تيمية –رحمه الله –الذى هو فى سياق تكفير أهل التـأويل وأصحاب المقالات الخفية واستدلوا به على اشتراط قيام الحجة وفهمها لتكفير عباد القبور وتسميتهم كفار ومشركين  ,مع أن كلام شيخ الإسلام يستدل به على أهل الغلو الذين يكفرون الدعاة الذين لايكفر ون الطواغيت  الذين يبدلون دين الله ويحكمون القوانين  الوضعية المخالفة لشريعة رب البرية قبل إزالة الشبهة وإقامة الحجة عليهم فهؤلاء هم أهل التأويل  الذى توقف شيخ الإسلام فى تكفيرهم قبل إقامة الحجة ولا يستدل بكلامه هذا فى عباد القبور والشرك الظاهر الجلى ,وإليك نص كلام شيخ الإسلام حتى تعلم أنه لايتكلم فى عباد القبور أصحاب الشرك والكفر الظاهر الجلى  لأنهم لايدخلون فى عداد المسلمين وإنما كلامه فى أهل التأويل أصحاب المقالات الخفية

قال شيخ الإسلام رحمه الله  : (سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مُفْتِي الْأَنَامِ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد بْنُ تيمية عَنْ قَوْمٍ يَقُولُونَ : كَلَامُ النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ قَدِيمٌ - سَوَاءٌ كَانَ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا فُحْشًا أَوْ غَيْرَ فُحْشٍ نَظْمًا أَوْ نَثْرًا - وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَلَامِ اللَّهِ وَكَلَامِهِمْ فِي الْقِدَمِ إلَّا مِنْ جِهَةِ الثَّوَابِ . وَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ - بَلْ أَكْثَرُهُمْ - : أَصْوَاتُ الْحَمِيرِ وَالْكِلَابِ كَذَلِكَ وَلَمَّا قُرِئَ عَلَيْهِمْ مَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَد رَدًّا عَلَى قَوْلِهِمْ تَأَوَّلُوا ذَلِكَ وَقَالُوا : بِأَنَّ أَحْمَد إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ النَّاسِ فَهَلْ هَؤُلَاءِ مُصِيبُونَ أَوْ مُخْطِئُونَ ؟ وَهَلْ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى زَجْرُهُمْ عَنْ ذَلِكَ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يَكْفُرُونَ بِالْإِصْرَارِ عَلَى ذَلِكَ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ الَّذِي نُقِلَ عَنْ أَحْمَد حُقٌّ كَمَا زَعَمُوا أَمْ لَا فَأَجَابَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

الْجَوَابُ

فَصْلٌ إذَا ظَهَرَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتُ فِي اسْمِ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ الملي وَفِي حُكْمِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُعَيَّنِ وَمَا وَقَعَ فِي ذَلِكَ مِنْ الِاضْطِرَابِ فَ " مَسْأَلَةُ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ " مُتَفَرِّعَةٌ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ . وَنَحْنُ نَبْدَأُ بِمَذْهَبِ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ فِيهَا قَبْلَ التَّنْبِيهِ عَلَى الْحُجَّةِ فَنَقُولُ : الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَد وَعَامَّةِ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ تَكْفِيرُ الجهمية وَهُمْ الْمُعَطِّلَةُ لِصِفَاتِ الرَّحْمَنِ ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُمْ صَرِيحٌ فِي مُنَاقَضَةِ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِنْ الْكِتَابِ وَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ جُحُودُ الصَّانِعِ فَفِيهِ جُحُودُ الرَّبِّ وَجُحُودُ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ عَلَى لِسَانِ رُسُلِهِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ : إنَّا لَنَحْكِي كَلَامَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَحْكِيَ كَلَامَ الجهمية وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ إنَّهُمْ أَكْفَرُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى يَعْنُونَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَلِهَذَا كَفَّرُوا مَنْ يَقُولُ : إنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ وَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ عَلَى الْعَرْشِ وَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ لَهُ عِلْمٌ وَلَا قُدْرَةٌ وَلَا رَحْمَةٌ وَلَا غَضَبٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ . وَأَمَّا " الْمُرْجِئَةُ " : فَلَا تَخْتَلِفُ نُصُوصُهُ أَنَّهُ لَا يُكَفِّرُهُمْ ؛ فَإِنَّ بِدْعَتَهُمْ مِنْ جِنْسِ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي الْفُرُوعِ وَكَثِيرٌ مِنْ كَلَامِهِمْ يَعُودُ النِّزَاعُ فِيهِ إلَى نِزَاعٍ فِي الْأَلْفَاظِ وَالْأَسْمَاءِ : وَلِهَذَا يُسَمَّى الْكَلَامُ فِي مَسَائِلِهِمْ " بَابُ الْأَسْمَاءِ " وَهَذَا مِنْ نِزَاعِ الْفُقَهَاءِ لَكِنْ يَتَعَلَّقُ بِأَصْلِ الدِّينِ ؛ فَكَانَ الْمُنَازِعُ فِيهِ مُبْتَدِعًا . وَكَذَلِكَ " الشِّيعَةُ " الْمُفَضِّلُونَ لِعَلِيِّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ إنَّهُمْ لَا يُكَفَّرُونَ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَيْضًا وَإِنْ كَانُوا يُبَدَّعُونَ . وَأَمَّا " الْقَدَرِيَّةُ " الْمُقِرُّونَ بِالْعِلْمِ وَ " الرَّوَافِضُ " الَّذِينَ لَيْسُوا مِنْ الْغَالِيَةِ والجهمية وَالْخَوَارِجُ : فَيُذْكَرُ عَنْهُ فِي تَكْفِيرِهِمْ رِوَايَتَانِ هَذَا حَقِيقَةُ قَوْلِهِ الْمُطْلَقِ مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ التَّوَقُّفُ عَنْ تَكْفِيرِ الْقَدَرِيَّةِ الْمُقِرِّينَ بِالْعِلْمِ وَالْخَوَارِجِ مَعَ قَوْلِهِ : مَا أَعْلَمُ قَوْمًا شَرًّا مِنْ الْخَوَارِجِ . ثُمَّ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَحْكُونَ عَنْهُ فِي تَكْفِيرِ أَهْلِ الْبِدَعِ مُطْلَقًا رِوَايَتَيْنِ حَتَّى يَجْعَلُوا الْمُرْجِئَةَ دَاخِلِينَ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَعَنْهُ فِي تَكْفِيرِ مَنْ لَا يُكَفِّرُ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَكْفُرُ . وَرُبَّمَا جَعَلَ بَعْضُهُمْ الْخِلَافَ فِي تَكْفِيرِ مَنْ لَا يُكَفِّرُ مُطْلَقًا وَهُوَ خَطَأٌ مَحْضٌ . والجهمية - عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ : مِثْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَيُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطَ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ - لَيْسُوا مِنْهُ الثِّنْتَيْنِ وَالسَّبْعِينَ فِرْقَةً الَّتِي افْتَرَقَتْ عَلَيْهَا هَذِهِ الْأُمَّةُ ؛ بَلْ أُصُولُ هَذِهِ عِنْدَ هَؤُلَاءِ : هُمْ الْخَوَارِجُ وَالشِّيعَةُ وَالْمُرْجِئَةُ وَالْقَدَرِيَّةُ وَهَذَا الْمَأْثُورُ عَنْ أَحْمَد وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ عَامَّةِ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ ؛ مَنْ قَالَ : الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ وَمَنْ قَالَ : إنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ كَافِرٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ . ثُمَّ حَكَى أَبُو نَصْرٍ السجزي عَنْهُمْ فِي هَذَا قَوْلَيْنِ : " أَحَدُهُمَا " أَنَّهُ كُفْرٌ يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ . قَالَ : وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ . وَ " الثَّانِي " أَنَّهُ كُفْرٌ لَا يَنْقُلُ . وَلِذَلِكَ قَالَ الخطابي : إنَّ هَذَا قَالُوهُ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيظِ وَكَذَلِكَ تَنَازَعَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي تَخْلِيدِ الْمُكَفَّرِ مِنْ هَؤُلَاءِ ؛ فَأَطْلَقَ أَكْثَرُهُمْ عَلَيْهِ التَّخْلِيدَ كَمَا نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ مُتَقَدِّمِي عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ ؛ كَأَبِي حَاتِمٍ ؟ وَأَبِي زُرْعَةَ وَغَيْرِهِمْ وَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ الْقَوْلِ بِالتَّخْلِيدِ . وَسَبَبُ هَذَا التَّنَازُعِ تَعَارُضُ الْأَدِلَّةِ فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ أَدِلَّةً تُوجِبُ إلْحَاقَ أَحْكَامِ الْكُفْرِ بِهِمْ ثُمَّ إنَّهُمْ يَرَوْنَ مِنْ الْأَعْيَانِ الَّذِينَ قَالُوا تِلْكَ الْمَقَالَاتِ مَنْ قَامَ بِهِ مِنْ الْإِيمَانِ مَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا فَيَتَعَارَضُ عِنْدَهُمْ الدَّلِيلَانِ وَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُمْ أَصَابَهُمْ فِي أَلْفَاظِ الْعُمُومِ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ مَا أَصَابَ الْأَوَّلِينَ فِي أَلْفَاظِ الْعُمُومِ فِي نُصُوصِ الشَّارِعِ كُلَّمَا رَأَوْهُمْ قَالُوا : مَنْ قَالَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ اعْتَقَدَ الْمُسْتَمِعُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ شَامِلٌ لِكُلِّ مَنْ قَالَهُ وَلَمْ يَتَدَبَّرُوا أَنَّ التَّكْفِيرَ لَهُ شُرُوطٌ وَمَوَانِعُ قَدْ تَنْتَقِي فِي حَقِّ الْمُعَيَّنِ وَأَنَّ تَكْفِيرَ الْمُطْلَقِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَكْفِيرَ الْمُعَيَّنِ إلَّا إذَا وُجِدَتْ الشُّرُوطُ وَانْتَفَتْ الْمَوَانِعُ يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَد وَعَامَّةَ الْأَئِمَّةِ : الَّذِينَ أَطْلَقُوا هَذِهِ العمومات لَمْ يُكَفِّرُوا أَكْثَرَ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَذَا الْكَلَامِ بِعَيْنِهِ . فَإِنَّ الْإِمَامَ أَحْمَد - مَثَلًا - قَدْ بَاشَرَ " الجهمية " الَّذِينَ دَعَوْهُ إلَى خَلْقِ الْقُرْآنِ وَنَفْيِ الصِّفَاتِ وَامْتَحَنُوهُ وَسَائِر عُلَمَاءِ وَقْتِهِ وَفَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الَّذِينَ لَمْ يُوَافِقُوهُمْ عَلَى التَّجَهُّمِ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ وَالْقَتْلِ وَالْعَزْلِ عَنْ الْوِلَايَاتِ وَقَطْعِ الْأَرْزَاقِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ وَتَرْكِ تَخْلِيصِهِمْ مِنْ أَيْدِي الْعَدُوِّ بِحَيْثُ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ إذْ ذَاكَ مِنْ الجهمية مِنْ الْوُلَاةِ وَالْقُضَاةِ وَغَيْرِهِمْ : يُكَفِّرُونَ كُلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ جهميا مُوَافِقًا لَهُمْ عَلَى نَفْيِ الصِّفَاتِ مِثْلِ الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَيَحْكُمُونَ فِيهِ بِحُكْمِهِمْ فِي الْكَافِرِ فَلَا يُوَلُّونَهُ وِلَايَةً وَلَا يُفْتِكُونَهُ مِنْ عَدُوٍّ وَلَا يُعْطُونَهُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يَقْبَلُونَ لَهُ شَهَادَةً وَلَا فُتْيَا وَلَا رِوَايَةً وَيَمْتَحِنُونَ النَّاسَ عِنْدَ الْوِلَايَةِ وَالشَّهَادَةِ وَالِافْتِكَاكِ مِنْ الْأَسْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . فَمَنْ أَقَرَّ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ حَكَمُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ لَمْ يَحْكُمُوا لَهُ بِحُكْمِ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَمَنْ كَانَ دَاعِيًا إلَى غَيْرِ التَّجَهُّمِ قَتَلُوهُ أَوْ ضَرَبُوهُ وَحَبَسُوهُ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مِنْ أَغْلَظِ التَّجَهُّمِ فَإِنَّ الدُّعَاءَ إلَى الْمَقَالَةِ أَعْظَمُ مِنْ قَوْلِهَا وَإِثَابَةُ قَائِلِهَا وَعُقُوبَةَ تَارِكِهَا أَعْظَمُ مِنْ مُجَرَّدِ الدُّعَاءِ إلَيْهَا وَالْعُقُوبَةُ بِالْقَتْلِ لِقَائِلِهَا أَعْظَمُ مِنْ الْعُقُوبَةِ بِالضَّرْبِ . ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ أَحْمَد دَعَا لِلْخَلِيفَةِ وَغَيْرِهِ . مِمَّنْ ضَرَبَهُ وَحَبَسَهُ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وحللهم مِمَّا فَعَلُوهُ بِهِ مِنْ الظُّلْمِ وَالدُّعَاءِ إلَى الْقَوْلِ الَّذِي هُوَ كُفْرٌ وَلَوْ كَانُوا مُرْتَدِّينَ عَنْ الْإِسْلَامِ لَمْ يَجُزْ الِاسْتِغْفَارُ لَهُمْ ؛ فَإِنَّ الِاسْتِغْفَارَ لِلْكَفَّارِ لَا يَجُوزُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ وَالْأَعْمَالُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُمْ لَمْ يُكَفِّرُوا الْمُعَيَّنِينَ مِنْ الجهمية الَّذِينَ كَانُوا يَقُولُونَ : الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَحْمَد مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَفَّرَ بِهِ قَوْمًا مُعَيَّنِينَ فَأَمَّا أَنْ يُذْكَرَ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ فَفِيهِ نَظَرٌ أَوْ يُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَى التَّفْصِيلِ . فَيُقَالُ : مَنْ كَفَّرَهُ بِعَيْنِهِ ؛ فَلِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ وُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ التَّكْفِيرِ وَانْتَفَتْ مَوَانِعُهُ وَمَنْ لَمْ يُكَفِّرْهُ بِعَيْنِهِ ؛ فَلِانْتِفَاءِ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ هَذِهِ مَعَ إطْلَاقِ قَوْلِهِ بِالتَّكْفِيرِ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ . وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ : الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالِاعْتِبَارُ . أَمَّا الْكِتَابُ : فَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ } وقَوْله تَعَالَى { رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } . وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : قَدْ فَعَلْت لَمَّا دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِهَذَا الدُّعَاءِ } . وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " { أُعْطِيت فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ } " وَ " { أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ بِحَرْفِ مِنْهَا إلَّا أُعْطِيَهُ } " . وَإِذَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ الْمُفَسَّرِ بِالسُّنَّةِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ فَهَذَا عَامٌّ عُمُومًا مَحْفُوظًا وَلَيْسَ فِي الدَّلَالَةِ الشَّرْعِيَّةِ مَا يُوجِبُ أَنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مُخْطِئًا عَلَى خَطَئِهِ وَإِنْ عَذَّبَ الْمُخْطِئَ . مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّة... )ثم قال(.. وَأَيْضًا فَإِنَّ السَّلَفَ أَخْطَأَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَاتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ التَّكْفِيرِ بِذَلِكَ مِثْلُ مَا أَنْكَرَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ يَسْمَعُ نِدَاءَ الْحَيِّ وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ الْمِعْرَاجُ يَقَظَةً وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ رُؤْيَةَ مُحَمَّدٍ رَبَّهُ وَلِبَعْضِهِمْ فِي الْخِلَافَةِ وَالتَّفْضِيلِ كَلَامٌ مَعْرُوفٌ وَكَذَلِكَ لِبَعْضِهِمْ فِي قِتَالِ بَعْضٍ وَلَعْنِ بَعْضٍ وَإِطْلَاقِ تَكْفِيرِ بَعْضِ أَقْوَالٍ مَعْرُوفَةٍ . وَكَانَ الْقَاضِي شريح يُنْكِرُ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ : { بَلْ عَجِبْتَ } وَيَقُولُ : إنَّ اللَّهَ لَا يَعْجَبُ ؛ فَبَلَغَ ذَلِكَ إبْرَاهِيمَ النخعي فَقَالَ : إنَّمَا شريح شَاعِر يُعْجِبُهُ عِلْمُهُ . كَانَ عَبْد اللَّه أُفُقه مِنْهُ فَكَانَ يَقُولُ : { بَلْ عَجِبْتَ } فَهَذَا قَدْ أَنْكَرَ قِرَاءَةً ثَابِتَةً وَأَنْكَرَ صِفَةً دَلَّ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَاتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ إمَامٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَكَذَلِكَ بَعْضُ السَّلَفِ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ حُرُوفَ الْقُرْآنِ مِثْلَ إنْكَارِ بَعْضِهِمْ قَوْلَهُ : { أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا } وَقَالَ : إنَّمَا هِيَ : أو لَمْ يَتَبَيَّنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَإِنْكَارِ الْآخَرِ قِرَاءَةَ قَوْلِهِ : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ } وَقَالَ : إنَّمَا هِيَ : وَوَصَّى رَبُّك . وَبَعْضُهُمْ كَانَ حَذَفَ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَآخَرُ يَكْتُبُ سُورَةَ الْقُنُوتِ . وَهَذَا خَطَأٌ مَعْلُومٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ وَمَعَ هَذَا فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ قَدْ تَوَاتَرَ النَّقْلُ عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ لَمْ يُكَفَّرُوا وَإِنْ كَانَ يَكْفُرُ بِذَلِكَ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ .

 وَأَيْضًا فَإِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا إلَّا بَعْدَ إبْلَاغِ الرِّسَالَةِ فَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ جُمْلَةً لَمْ يُعَذِّبْهُ رَأْسًا وَمَنْ بَلَغَتْهُ جُمْلَةً دُونَ بَعْضِ التَّفْصِيلِ لَمْ يُعَذِّبْهُ إلَّا عَلَى إنْكَارِ مَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الرسالية . وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى { لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } وَقَوْلِهِ : { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي } الْآيَةَ . وَقَوْلِهِ : { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ } وَقَوْلِهِ : { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ } الْآيَةَ . وَقَوْلِهِ : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا } وَقَوْلِهِ : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا } وَقَوْلِهِ : { كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ } { قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ } وَقَوْلِهِ : { وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى } وَقَوْلِهِ " { وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } وَنَحْوُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ . فَمَنْ كَانَ قَدْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بَعْضَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ تَفْصِيلًا ؛ إمَّا أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ . أَوْ سَمِعَهُ مِنْ طَرِيقٍ لَا يَجِبُ التَّصْدِيقُ بِهَا أَوْ اعْتَقَدَ مَعْنًى آخَرَ لِنَوْعِ مِنْ التَّأْوِيلِ الَّذِي يُعْذَرُ بِهِ . فَهَذَا قَدْ جُعِلَ فِيهِ مِنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مَا يُوجِبُ أَنْ يُثِيبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَمَا لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ فَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بِهِ الْحُجَّةُ الَّتِي يَكْفُرُ مُخَالِفُهَا . )

سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَجُلَيْنِ تَكَلَّمَا فِي " مَسْأَلَةِ التَّأْبِيرِ " فَقَالَ أَحَدُهُمَا : مَنْ نَقَصَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ تَكَلَّمَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى نَقْصِ الرَّسُولِ كَفَرَ ؛ لَكِنَّ تَكْفِيرَ الْمُطْلَقِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَكْفِيرَ الْمُعَيَّنِ ؛ فَإِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَدْ يَتَكَلَّمُ فِي مَسْأَلَةٍ بِاجْتِهَادِهِ فَيُخْطِئُ فِيهَا فَلَا يُكَفَّرُ ؛ وَإِنْ كَانَ قَدْ يُكَفَّرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ الْقَوْلَ إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الْمُكَفِّرَةُ ، وَلَوْ كَفَّرْنَا كُلّ عَالِمٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ لَزِمَنَا أَنْ نُكَفِّرَ فُلَانًا - وَسَمَّى بَعْضَ الْعُلَمَاءِ الْمَشْهُورِينَ الَّذِينَ لَا يَسْتَحِقُّونَ التَّكْفِيرَ وَهُوَ الْغَزَالِيُّ - فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ تَخْطِئَةَ الرَّسُولِ فِي مَسْأَلَةِ تَأْبِيرِ النَّخْلِ : فَهَلْ يَكُونُ هَذَا تَنْقِيصًا بِالرَّسُولِ بِوَجْهِ مِنْ الْوُجُوهِ ؟ وَهَلْ عَلَيْهِ فِي تَنْزِيهِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْكُفْرِ إذَا قَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ تَعْزِيرٌ ، أَمْ لَا ؟ وَإِذَا نُقِلَ ذَلِكَ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ نَفْسُ الْكِتَابِ الَّذِي نَقَلَهُ مِنْهُ وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالصِّدْقِ : فَهَلْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ تَعْزِيرٌ أَمْ لَا ؟ وَسَوَاءٌ أَصَابَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْعَالِمِ أَمْ أَخْطَأَ ؟ وَهَلْ يَكُونُ فِي ذَلِكَ تَنْقِيصٌ بِالرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ اعْتَدَى عَلَى مِثْلِ هَذَا ، أَوْ نَسَبَهُ إلَى تَنْقِيصٍ بِالرَّسُولِ ، أَوْ الْعُلَمَاءِ ، وَطَلَبَ عُقُوبَتَهُ عَلَى ذَلِكَ : فَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ .

الْجَوَابُ

فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . لَيْسَ فِي هَذَا الْكَلَامِ تَنَقُّصٌ بِالرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَجْهِ مِنْ الْوُجُوهِ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَا فِيهِ تَنَقُّصٌ لِعُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ ؛ بَلْ مَضْمُونُ هَذَا الْكَلَامِ تَعْظِيمُ الرَّسُولِ وَتَوْقِيرُهُ ، وَأَنَّهُ لَا يُتَكَلَّمُ فِي حَقِّهِ بِكَلَامِ فِيهِ نَقْصٌ ، بَلْ قَدْ أَطْلَقَ الْقَائِلُ تَكْفِيرَ مَنْ نَقَّصَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ تَكَلَّمَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى نَقْصِهِ ، وَهَذَا مُبَالَغَةً فِي تَعْظِيمِهِ ؛ وَوُجُوبِ الِاحْتِرَازِ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى نَقْصِهِ . ثُمَّ هُوَ مَعَ هَذَا بَيَّنَ أَنَّ عُلَمَاءَ الْمُسْلِمِينَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي الدُّنْيَا بِاجْتِهَادِهِمْ لَا يَجُوزُ تَكْفِيرُ أَحَدِهِمْ بِمُجَرَّدِ خَطَأٍ أَخْطَأَهُ فِي كَلَامِهِ ، وَهَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ تَجِبُ مُوَافَقَتُهُ عَلَيْهِ ؛ فَإِنَّ تَسْلِيطَ الْجُهَّالِ عَلَى تَكْفِيرِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُنْكَرَاتِ ؛ وَإِنَّمَا أَصْلُ هَذَا مِنْ الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ أَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ ؛ لِمَا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ أَخْطَئُوا فِيهِ مِنْ الدِّينِ . وَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّ عُلَمَاءَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَجُوزُ تَكْفِيرُهُمْ بِمُجَرَّدِ الْخَطَأِ الْمَحْضِ ؛ بَلْ كُلُّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ يُتْرَكُ بَعْضُ كَلَامِهِ لِخَطَأِ أَخَطَأَهُ يُكَفَّرُ ولا يُفَسَّقُ ؛ بل ولا يَأْثَمُ ؛ فإن الله تعالى قال في دُعَاءِ المؤمنين : { رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } وفي الصَّحِيحِ عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أن اللَّهَ تَعَالَى قَالَ قَدْ فَعَلْت } وَاتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْمُنَازِعِينَ فِي عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَاَلَّذِينَ قَالُوا : إنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِمْ الصَّغَائِرُ وَالْخَطَأُ وَلَا يُقَرُّونَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُكَفَّرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : إنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ الْإِقْرَارِ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَوْ كَفَرَ هَؤُلَاءِ لَزِمَ تَكْفِيرُ كَثِيرٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ ، وَالْمَالِكِيَّةِ ، وَالْحَنَفِيَّةِ ، وَالْحَنْبَلِيَّةِ ، وَالْأَشْعَرِيَّةِ ، وَأَهْلِ الْحَدِيثِ ، وَالتَّفْسِيرِ ، وَالصُّوفِيَّةِ : الَّذِينَ لَيْسُوا كُفَّارًا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ؛ بَلْ أَئِمَّةُ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ بِذَلِك . فَاَلَّذِي حَكَاهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الْغَزَالِيِّ قَدْ قَالَ مِثْلَهُ أَئِمَّةُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَصْحَابُ الْوُجُوهِ الَّذِينَ هُمْ أَعْظَمُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَبِي حَامِدٍ ، كَمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الإسفراييني ، الَّذِي هُوَ إمَامُ الْمَذْهَبِ بَعْدَ الشَّافِعِيِّ ، وَابْنُ سُرَيْجٍ فِي تَعْلِيقِهِ : وَذَلِك أَنَّ عِنْدَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ كَمَا يَجُوزُ عَلَيْنَا وَلَكِنَّ الْفَرَقَ بَيْنَنَا أَنَّا نَقِرُّ عَلَى الْخَطَأِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقِرُّ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا يَسْهُو لِيَسُنَّ ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّمَا أَسْهُو لِأَسُنَّ لَكُمْ } . وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ ذَكَرَهَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ هَذَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ ، وَأَبُو الطَّيِّبِ الطبري ، وَالشَّيْخُ أَبُو إسْحَاقَ الشِّيرَازِيّ . وَكَذَلِكَ ذَكَرَهَا بَقِيَّةُ طَوَائِفِ أَهْلِ الْعِلْمِ : مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَأَحْمَد ، وَأَبِي حَنِيفَةَ . وَمِنْهُمْ مَنْ ادَّعَى إجْمَاعَ السَّلَفِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ، كَمَا ذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الخطابي وَنَحْوِهِ ؛ وَمَعَ هَذَا فَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ ، وَمَنْ كَفَّرَهُمْ بِذَلِكَ اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ الْغَلِيظَةَ الَّتِي تَزْجُرُهُ وَأَمْثَالَهُ عَنْ تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِينَ ؛ وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي مِثَالِ ذَلِكَ : قَوْلُهُمْ صَوَابٌ أَوْ خَطَأٌ . فَمَنْ وَافَقَهُمْ قَالَ : إنَّ قَوْلَهُمْ الصَّوَابُ . وَمَنْ نَازَعَهُمْ قَالَ : إنَّ قَوْلَهُمْ خَطَأٌ ، وَالصَّوَابُ قَوْلُ مُخَالِفِهِمْ . وَهَذَا الْمَسْئُولُ عَنْهُ كَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُوَافِقُهُمْ عَلَى ذَلِكَ ؛ لَكِنَّهُ يَنْفِي التَّكْفِيرَ عَنْهُمْ . وَمِثْلُ هَذَا تَجِبُ عُقُوبَةُ مَنْ اعْتَدَى عَلَيْهِ ، وَنَسَبُهُ إلَى تَنْقِيصِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ الْعُلَمَاءِ ؛ فَإِنَّهُ مُصَرِّحٌ بِنَقِيضِ هَذَا ، وَهَذَا . وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ، وَهُوَ مِنْ أَبْلَغِ الْقَائِلِينَ بِالْعِصْمَةِ ، قَسَّمَ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْبَابِ ، إلَى أَنْ قَالَ : " الْوَجْهُ السَّابِعُ " أَنْ يَذْكُرَ مَا يَجُوزُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَخْتَلِفَ فِي إقْرَارِهِ عَلَيْهِ ، وَمَا يَطْرَأُ مِنْ الْأُمُورِ الْبَشَرِيَّةِ مِنْهُ وَيُمْكِنُ إضَافَتُهَا إلَيْهِ . أَوْ يَذْكُرَ مَا اُمْتُحِنَ بِهِ وَصَبَرَ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَلَى شِدَّتِهِ مِنْ مُقَاسَاةِ أَعْدَائِهِ وَأَذَاهُمْ لَهُ ، وَمَعْرِفَةِ ابْتِدَاءِ حَالِهِ ، وَسِيرَتِهِ ، وَمَا لَقِيَهُ مِنْ بُؤْسِ زَمَنِهِ ، وَمَرَّ عَلَيْهِ مِنْ مُعَانَاتِ عَيْشِهِ ، كُلُّ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الرِّوَايَةِ ، وَمُذَاكَرَةِ الْعِلْمِ وَمَعْرِفَةِ مَا صَحَّتْ بِهِ الْعِصْمَةُ لِلْأَنْبِيَاءِ ، وَمَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ . فَقَالَ : هَذَا فَنٌّ خَارِجٌ مِنْ هَذِهِ الْفُنُونِ السِّتَّةِ ؛ لَيْسَ فِيهِ غَمْضٌ وَلَا نَقْصٌ وَلَا إزْرَاءٌ وَلَا اسْتِخْفَافٌ ، وَلَا فِي ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَلَا فِي مَقْصِدِ اللَّافِظِ ؛ لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مَعَ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَطَلَبَةِ الدِّينِ مِمَّنْ يَفْهَمُ مَقَاصِدَهُ ، وَيُحَقِّقُونَ فَوَائِدَهُ ؛ وَيُجَنَّبُ ذَلِكَ مِمَّنْ عَسَاهُ لَا يَفْقُهُ ، أَوْ يَخْشَى بِهِ فِتْنَةً . وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَبْلَ هَذَا : أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ شَيْئًا مِنْ أَنْوَاعِ السَّبِّ حَاكِيًا لَهُ عَنْ غَيْرِهِ ، وَآثِرًا لَهُ عَنْ سِوَاهُ . قَالَ : فَهَذَا يُنْظَرُ فِي صُورَةِ حِكَايَتِهِ ، وَقَرِينَة مقالته ؛ ويختلف الحكم باختلاف ذلك على " أَرْبَعَةِ وُجُوهٍ " الْوُجُوبُ ، وَالنَّدْبُ ، وَالْكَرَاهَةُ ، وَالتَّحْرِيمُ . ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يُحْمَلُ مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا فِيهِ إقَامَةُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ عَلَى الْقَائِلِ ، أَوْ عَلَى وَجْهِ الرَّذَالَةِ وَالنَّقْصِ عَلَى قَائِلِهِ ؛ بِخِلَافِ مَنْ ذَكَرَهُ لِغَيْرِ هَذَيْنِ . قَالَ : وَلَيْسَ التَّفَكُّهُ بِعِرْضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّمَضْمُضُ بِسُوءِ ذِكْرِهِ لِأَحَدِ لَا ذَاكِرًا ، وَلَا آثِرًا لِغَيْرِ غَرَضٍ شَرْعِيٍّ مُبَاحٍ . فَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ هَذَا الْقَائِلُ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ ؛ فَإِنَّهُ مِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ ، وَأَنَّ مَا كَانَ مِنْ هَذَا الْبَابِ لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَذْكُرَهُ لِغَيْرِ غَرَضٍ شَرْعِيٍّ مُبَاحٍ . وَهَذَا الْقَائِلُ إنَّمَا ذُكِرَ لِدَفْعِ التَّكْفِيرِ عَنْ مِثْلِ الْغَزَالِيِّ وَأَمْثَالِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ تَكْفِيرِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِي هَذَا الْبَابِ ؛ بَلْ دَفْعُ التَّكْفِيرِ عَنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ أَخْطَئُوا هُوَ مِنْ أَحَقِّ الْأَغْرَاضِ الشَّرْعِيَّةِ ؛ حَتَّى لَوْ فُرِضَ أَنَّ دَفْعَ التَّكْفِيرِ عَنْ الْقَائِلِ يُعْتَقَدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِكَافِرِ حِمَايَةً لَهُ ، وَنَصْرًا لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ : لَكَانَ هَذَا غَرَضًا شَرْعِيًّا حَسَنًا ، وَهُوَ إذَا اجْتَهَدَ فِي ذَلِكَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَإِنْ اجْتَهَدَ فِيهِ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ . فَبِكُلِّ حَالٍ هَذَا الْقَائِلُ مَحْمُودٌ عَلَى مَا فَعَلَ ، مَأْجُورٌ عَلَى ذَلِكَ ، مُثَابٌ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ لَهُ فِيهِ نِيَّةٌ حَسَنَةٌ ؛ وَالْمُنْكَرُ لَمَّا فَعَلَهُ أَحَقُّ بِالتَّعْزِيرِ مِنْهُ ؛ فَإِنَّ هَذَا يَقْتَضِي قَوْلُهُ الْقَدَحَ فِي عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْكُفْرِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَوَّلَ أَحَقُّ بِالتَّعْزِيرِ مِنْ الثَّانِي إنْ وَجَبَ التَّعْزِيرُ لِأَحَدِهِمَا ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُجْتَهِدًا اجْتِهَادًا سَائِغًا بِحَيْثُ يَقْصِدُ طَاعَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِحَسَبِ اسْتِطَاعَتِهِ فَلَا إثْمَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَسَوَاءٌ أَصَابَ فِي هَذَا النَّقْلِ أَوْ أَخْطَأَ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَنْقِيصٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَكَذَلِكَ أَحَضَرَ النَّقْلَ أَوْ لَمْ يَحْضُرْهُ ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي حُضُورِهِ فَائِدَةٌ ؛ إذْ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْغَزَالِيِّ قَدْ قَالَ مِثْلَهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ مَنْ لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى ؛ وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْ الْغَزَالِيِّ ؛ وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ دُونَهُ . وَمَنْ كَفَّرَ هَؤُلَاءِ اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ؛ بَلْ أَكْثَرُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ يَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ ، حَتَّى الْمُتَكَلِّمُونَ ، فَإِنَّ أَبَا الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيَّ قَالَ : أَكْثَرُ الْأَشْعَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ يَقُولُونَ بِذَلِك ؛ ذَكَرَهُ فِي " أُصُولِ الْفِقْهِ " وَذَكَرَهُ صَاحِبُهُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْحَاجِبِ . وَالْمَسْأَلَةُ عِنْدَهُمْ مِنْ الظَّنِّيَّاتِ ؛ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْمَعَالِي ، وَأَبُو الْحَسَنِ الآمدي ، وَغَيْرُهُمَا ؛ فَكَيْفَ يُكَفَّرُ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ فِي مَسَائِلِ الظُّنُونِ أَمْ كَيْفَ يُكَفَّرُ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ ؛ أَوْ جُمْهُورُ سَلَفِ الْأَئِمَّةِ وَأَعْيَانُ الْعُلَمَاءِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ أَصْلًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

وقال (لَيْسَ التَّكْفِيرُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَ هَؤُلَاءِ فَالْمُكَفَّرُ بِمِثْلِ ذَلِكَ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا عُوقِبَ عَلَى ذَلِكَ عُقُوبَةً تَرْدَعُهُ وَأَمْثَالَهُ عَنْ مِثْلِ هَذَا إلَّا أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي كُفْرَهُ وَزَنْدَقَتَهُ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ أَمْثَالِهِ . وَكَذَلِكَ الْمُفَسَّقُ بِمِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ يَجِبُ أَنْ يُعَزَّرَ بَعْدَ إقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ ؛ فَإِنَّ هَذَا تَفْسِيقٌ لِجُمْهُورِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ . وَأَمَّا التَّصْوِيبُ وَالتَّخْطِئَةُ فِي ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ الْحَافِظِينَ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ . وَتَفْصِيلُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى بَسْطٍ طَوِيلٍ لَا تَحْتَمِلُهُ هَذَا الْفَتْوَى . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ؟ .) وقال (عَلَى النَّاسِ أَنْ يَلْتَزِمُوا الْأُصُولَ الْجَامِعَةَ الْكُلِّيَّةَ الَّتِي اتَّفَقَ عَلَيْهَا سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا : فَيُؤْمِنُونَ بِمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ : مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ . وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُكَفِّرَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ أَخْطَأَ وَغَلِطَ حَتَّى تُقَامَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَتُبَيَّنَ لَهُ الْمَحَجَّةُ وَمَنْ ثَبَتَ إسْلَامُهُ بِيَقِينِ لَمْ يَزُلْ ذَلِكَ عَنْهُ بِالشَّكِّ ؛ بَلْ لَا يَزُولُ إلَّا بَعْدَ إقَامَةِ الْحُجَّةِ وَإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ .)

وقال (وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَتَكْفِيرُ " الْمُعَيَّنِ " مِنْ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالِ وَأَمْثَالِهِمْ - بِحَيْثُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مِنْ الْكُفَّارِ - لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَقُومَ عَلَى أَحَدِهِمْ الْحُجَّةُ الرسالية الَّتِي يَتَبَيَّنُ بِهَا أَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لِلرُّسُلِ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ لَا رَيْبَ أَنَّهَا كُفْرٌ . وَهَكَذَا الْكَلَامُ فِي تَكْفِيرِ جَمِيعِ " الْمُعَيَّنِينَ " مَعَ أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْبِدْعَةِ أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ وَبَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ يَكُونُ فِيهِ مِنْ الْإِيمَانِ مَا لَيْسَ فِي بَعْضٍ فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُكَفِّرَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ أَخْطَأَ وَغَلِطَ حَتَّى تُقَامَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَتُبَيَّنَ لَهُ الْمَحَجَّةُ . وَمَنْ ثَبَتَ إيمَانُهُ بِيَقِينِ لَمْ يَزُلْ ذَلِكَ عَنْهُ بِالشَّكِّ ؛ بَلْ لَا يَزُولُ إلَّا بَعْدَ إقَامَةِ الْحُجَّةِ وَإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ . وَهَذَا الْجَوَابُ لَا يَحْتَمِلُ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا . وَاَللَّهُ الْمَسْئُولُ أَنْ يُوَفِّقَنَا وَسَائِر إخْوَانِنَا لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ).فهذا كلامه رحمه الله فى كل موضع يذكر فيه تكفير المعين وإقامة الحجة وهو واضح فى التفريق بين أهل التأويل وأصحاب المقالات الخفية, وبين أهل الشرك والكفر من عباد القبور وغيرهم من الطواغيت الذين خرجوا من ا لإسلام من أكثر من باب ,وهذا فيه رد على المرجئة والخوارج الذين خرجوا عن منهج الاستدلال وقواعده عند أهل السنة واستعملوا الأدلة فى غير موضعها فاستعمال النصوص فى غير موضعها والأدلة فى غير مناطها جهل بمقاصد الشريعة و هو من علامات أهل الزيغ والبدع والأهواء

فصحة الدليل شئ والإستدلال به شئ آخر فربما يكون الدليل صحيحا لكن الاستدلال به فى المسألة غير صحيح  ,فليتنبه لذلك . 

القاعدة الثامنة

الفرق بين الأحكام والفتوى : فالأحكام ثابتة لا تتغير بعكس الفتوى فهي تتغير بتغير الأشخاص والزمان والمكان

إن حكم الله ورسوله لا يتغير في ذاته باختلاف الأزمان وتطور الأحوال وتجدد الحوادث فإنه ما من قضية كائنة ما كانت إلا وحكمها في كتاب الله تعالي وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم نصاً ظاهراً واستنباط أو غير ذلك علمه من علمه وجهله من جهله فحكم الله لا يتغير والله تبارك وتعالي قد أتمه " وتمت كلمة  ربك صدقاً وعدلا "وقوله سبحانه (مافرطنا فى الكتاب من شئ) (وقوله (تبيانا لكل شئ)

فقد أتم الله الكتاب صدقاً في الأخبار وعدلاً في الأحكام وأنزله مفصلا وجعله تبياناً لكل شئ  فهو شامل والحكم الذي فيه حكم معين ومحدود لا يختلف باختلاف الأزمان  وتغير الأحوال وما من قضية ولا واقعة تقع إلا وحكمها في كتاب الله وسنة  رسول الله صلي الله عليه وسلم إما نصاً بأية تدل عليه  أو حديث كما جاء في الآيات العديدة كآية الدين والربا وكالأحكام المعروفة كالصيام  والزكاة وما أشبة ذلك وكذلك في السنة كما هو معلوم أو ظاهراً بأن تدل عليها النصوص ولا له ظاهر وتكون الدلالات علي غيرها أرجح لأن النص هو ما لايحتمل إلا وجها واحداً وليس معنى أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والأشخاص والمكان معناه أن الدين يتجدد ويتقلب بحسب هذه الإرادات  الشهوانية والأغراض البهيمة كما يشاءون فيغيرون الحكم ويقولون الفتوى تتغير فالفتوى لم تتغير والحكم لم يتغير وإنما الشهوات وحب الدنيا وإيثار الدنيا الفانية علي ما أعد الله سبحانه وتعالي في الدار الباقية وهذا هو سبب ضعف الإيمان وضعف الموالاة والمعاداة وضعف الولاء والبراء هو الذي تغير سياسة الاستمالة والاحتواء التى يركز عليها الطاغوت مع الإسلاميين هى التي غيرت الفكرة وتركت الهدف باسم المصلحة فالأحكام ثابتة والفتوى متغيرة  كما بينها النبي صلي الله عليه وسلم عندما سئل عن أفضل الأعمال  قال برا لوالدين ثم سئل فقال الجهاد وسئل ثالثاً فقال الصلاة علي وقتها فالسؤال واحد والإجابة مختلفة باختلاف السائل ومراعاة حاله ,وقص علي ذلك كل الأمثلة وهذا واضح والحمد لله ,أما أن تخرج الفتاوى من أناس ينتسبون إلى العلم والدعوة من هنا وهناك يحلون بها ماحرم الله من إباحة الربا الصريح ,وإباحة الشرك وبناء الأضرحة والمشاهد وحمايتها وحراستها ,وتحليل التحاكم إلى القوانين الوضعية المخالفة للشرع ,وأسلمة الطواغيت الذين يحكمون بغير ماأنزل الله ويبدلون شريعة الله ,ويحلون مصافحة النساء الأجانب بحجة رعاية الذوق ,ونسى هذا المفتى أن الذوق والرقى والحضارة فى إتباع تعاليم الإسلام ,وكذلك الذين يحرمون الخمار والنقاب ويعتبرونه عادة جاهلية  أوحرية شخصية ,فى حين أنهم يبيحون التبرج والسفور وينشرون الفساد والرذيلة فى المجتمع بحجة مواكبة العصر وتغير الفتوى  بتغير الزمان فهذا ليس تغييرا للفتوى بل هو تغيير لأحكام الله الثابتة  المتواترة فى دين الله ,فالذي له حق التحليل والتحريم هو الله سبحانه وتعالى ,الذى له حق الحكم والتشريع هو الله سبحانه وتعالى  ,فالحلال بين والحرام بين ,وليست هذه من الأمور المشتبهات  بل هى من المحكمات  فى دين الله ,نعم ربما يكون الحكم ثابتا وقطعى لكن القاضي لم يبين له العقوبة وإقامة الحد فرأى التعذير أو بعقوبة أخرى غير الحد ,هذا وارد وهو كثير فى مسائل القضاء فليس هذا من باب تغيير الأحكام  مثل الاتهام بالسرقة والزنا وشرب الخمر ومعلوم فى دين الله عقوبات هذه المعاصى ,هو سارق لكن لم تتوفر فى حقه شروط القطع مثل البينة والإقرار والشهود وغير ذلك من أدلة الثبوت الشرعية ,وهكذا ,فليس هذا تغييرا للحكم ولا للحد والعقوبة ,أما إن ثبتت وقال عقوبة السرقة فى القانون والدستور الجلد أو السجن ,والزنا بالتراضى ليس فيه شئ كما هو معمول به الآن فى مصر وغيرها من البلاد ,فهذا تبديل للدين وتغيير للحكم والعقوبة ,وقس على ذلك ,وسيأتي تفصيل هذه المسالة إن شاء الله تعالى .

نسأل الله أن ينصر دينه وسنة نبيه وعباده الموحدين ويحكم شريعته ويعلى كلمته ويجعلنا من أنصارها .أمين .

 

القاعدة التاسعة

التكفير حكم شرعي وليس هناك دين بدون تكفير ولكن التحذير من الغلو فيه

 

هذه القاعدة كانت مرتبطة بالقاعدة رقم 22 لكن عند الترتيب أفردناها حتى تكون القواعد مرتبة ً حسب الأهمية والأولوية فبدأ بقواعد التوحيد وأصل الدين  ثم فقه الدعوة وأدب الخلاف وإن كانت الدعوة والجهاد متلازمين لا ينفك أحدهما عن الأخر لكن لما ظهرت بدعة المرجئة وأطلقوا التكفير علي أهل السنة وتناسوا أن التكفير حكم شرعي لا يجوز التحذير منه  نعم التكفير  حكم شرعي ذكره الله في كتابه في أكثر من موضع وعندما تقرا القرآن تجد كله  " كفر " " الكافرون -المشركين – الكفار " كل هذا في القرآن الكريم

مثل قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) البقرة

َوقوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) آل عمران

 وقوله (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37)الأعراف

 وقوله تعالى (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) المائدة

وقوله (وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (23) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (24)لقمان

وقوله (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85) غافر

,ومن تدبر القرآن وجد الكثير من مثل هذه الأيات فى الكفر والتكفير

 وكذلك السنة النبوية المطهرة . فليس هناك دين بدون تكفير ودين بدون تكفير أو دين ليس فيه تكفير فليس بدين ,إذاً نفهم أن التكفير حكم شرعي ومن هنا نرى خطأ من يقول التحذير من التكفير لأنه قصد أو لم يقصد التحذير من حكم شرعي ثبت  بالقرآن والسنة والإجماع  فلا يجوز التحذير منه . ولا يجوز تغييره لكن الصحيح أن يقال التحذير من الغلو في التكفير وهذا الذي يجوز لنا ونحذر الناس منه لان الغلو مذموم والتشدد منهي عنه كما قال النبي صلي الله عليه وسلم ( إن هذا الذين متين فأوغلوا فيه برفق وما من أحد شاد الدين إلا غلبه فيسروا ولا تعسروا) ولذلك وبهذا المفهوم لا يجوز للدعاة أن يتركوا الدعوة إلي التوحيد خوفاً من أن يرموا من المرجئة وأعوانهم من الطواغيت  بتهمة أنهم من الخوارج والتكفير فعلينا الصدع بالحق والحكمة في الدعوة مع مراعاة ظروف المخاطبين والحرص علي ما ينفعهم وهكذا أهل السنة يكفرون من كفره الله ورسوله من اليهود والنصارى  والمشركين فكل من لم يدخل فى الإسلام فهو كافر أصلى إن مات على كفره فالجنة عليه حرام  يراجع كتاب الثلاثينية لأبي محمد المقدسي – رحمه الله  .

القاعدة العاشرة

الإيمان اعتقاد وقول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية

سبق الحديث عن الإيمان في القاعدة الأولي وفي ثنايا الكلام السابق لكن نود هنا أن نشير إلي مذهب أهل السنة في مسألة الإيمان وسنفرد في أخر البحث فصلاً كاملاً عن حقيقة الإيمان فى سؤال وجواب , المقصود أن الإيمان عند أهل السنة والجماعة يتركب من أركان ثلاثة أو مبانٍ ثلاثة أو أصول ثلاثة خلافاً للخوارج والمرجئة,الاعتقاد والقول والعمل , فالاعتقاد  هو أن تعتقد اعتقادا جازماً لا يتطرق غليه شك أن الله هو الأحد الفرد الصمد المتفرد بالحكم والملك والأمر لا شريك له في ربوبيته وإلوهيته وليس مثله شئ في أسمائه وصفاته وهذا العلم المنافي للجهل كما قال الله تعالي " فأعلم أنه لا اله إلا الله " وكذلك قول اللسان أن  يتلفظ بلسانه ما وقر في قلبه ولا يختلف قول اللسان عن اعتقاد القلب حتى لا يكون منافقاً  وكذلك العمل عمل القلب وعمل الجوارح فلا يكفي في الإيمان الاعتقاد مجرد الاعتقاد ولا يكفي الاعتقاد مع القول كما تقول مرجئة العصر إن الأعمال كل الأعمال مجرد تكملة للإيمان وليست شرطاً لصحته كما وضح ذلك الشيخ ابن باز –رحمه الله – في تقديمه لكتاب التوسط والاقتصاد في أن الكفر يكون بالقول أو العمل أو الاعتقاد  ولأهمية مسألة الإيمان وحقيقتة أفردنا له رسالة خاصة تبين حقيقة الإيمان عند أهل السنة ومنزله الأعمال وركنيتها فيه ,والإيمان عند المرجئة  والخوارج والمعتزلة والأشاعرة والفرق الضالة المنحرفة عن أهل السنة في " التنبيهات المختصرة علي المسائل الخلافية المنتشرة "  المسألة الأولى .

والأدلة على أن العمل من الإ]مان وركن فيه كثيرة فى كتاب الله  تعالى  ومن ذلك

 قوله تعالى " لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنْ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ "([9])

وقال سبحانه : " وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ"([10])

وقال سبحانه : " وَلَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ "([11])

وقال سبحانه : " الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ "[12]

وقال سبحانه : " وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ " ([13])

وقال سبحانه : "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ "([14])

وقال سبحانه : " إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ " " إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ " ([15])

كل هذا يدل العاقل على أن الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال ، فتأمل - رحمك الله - هل ذكر الإيمان في موضع واحد من القرآن إلا وقد قرن إليه العمل الصالح ؟ وقد قال الله تعالى : " مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ"([16]) فأخبر تعالى بأن الكلم الطيب وحقيقته أن يرفع إلى الله تعالى بالعمل الصالح إن لم يكن عمل بطل الكلام من قائله ورد عليه ، ولا كلام أطيب من التوحيد ولا عمل من أعمال الصالحات أجل من أداء الفرائض ، وهذا في القرآن كثير ، يطول به الكتاب لو جمعته ومرادنا الاختصار .

واعلموا - رحمنا الله تعالى وإياكم - أني قد تصفحت القرآن فوجدت فيه ما ذكرته في ستة وخمسين موضعًا من كتاب الله U ، أن الله تبارك وتعالى لم يدخل المؤمنين الجنة بالإيمان وحده بل أدخلهم الجنة برحمته إياهم ، وبما وفقهم له من الإيمان به ، والعمل الصالح ، وهذا رد على ما قال : الإيمان المعرفة ، ورد على من قال : المعرفة والقول وإن لم يعمل ، نعوذ بالله من قائل هذا ) ذكر كل ذلك الإمام محمد بن الحسين الآجري في " الشريعة " : باب القول بأن الإيمان تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح لا يكون مؤمنًا إلا أن تجتمع فيه هذه الخصال الثلاث ، وقد ذكرته مع تصرف يسير جدًا.

 

القاعدة الحادية عشر

كما أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل فكذلك الكفر يكون الكفر بالاعتقاد أو القول أو العمل

هذه القاعدة شارحة وموضحة للقاعدة السابقة وكذلك القاعدة القادمة . فكما تقدم أن الإيمان على مذهب أهل السنة والجماعة اعتقاد وقول وعمل فكذلك الكفر عندهم يكون بالقول والعمل والاعتقاد والمقصود هنا الكفر الأكبر كما بيناه فى الرد على شبهة الإرجاء فى تفصيل الكفر والشرك والنفاق والظلم والفسق . فأما كفر الاعتقاد فهو شبهة إجماع بين جميع الفرق بأن من اعتقد بقلبه دينا غير دين الإسلام أو أبغض شيئا بقلبه مما جاء به الرسول الإسلام أو أحب أو واد أو نصر أو أحب نصر الكفار على المسلمين كفر وخرج من ملة الإسلام فلو كفر القلب وتخلف قوله وعمله يكون ناقضا من نواقض الإسلام أما القول فلو قال كلمة الكفر كفر إلا المكره كما استثناه الله تبارك وتعالى . وهنا يستوي المازح المستهزئ والهازل فحقيقته الكفر غير مقيدة بالجحود والاستحلال كما تقدم مرارا فيكفر الرجل بكلمة تخرج من لسانه كما قال تعالى " ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا " وقال سبحانه " ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وءاياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتروا قد كفرتم بعد إيمانكم " فكفرهم الله بكلمة قالوها ولم يقبل منهم عذرهم بالخوض واللعب والمزاح فالكفر بالقول ثابت بالكتاب والسنة والإجماع إجماع الصحابة وهو مذهب السلف أهل السنة أما الكفر بالعمل فهو أوضح من الشمس فى رابعة النهار فالذبح عمل والنذر عمل والطواف عمل والسجود لصنم عمل كل هذه الأعمال إذا صرفها العبد لغير الله كفر وخرج من ملة الإسلام . وهذا أصل المعركة بين أهل السنة والجماعة من جانب والمرجئة من جانب آخر . إن المرجئة لا يكفرون بالعمل وإن كفروا فيكفرون الساب لدين الله والرسول . وهذا يرجع إلى أصل بدعتهم من إخراجهم الأعمال من مسمى الإيمان وعدم تأثيرها فى الإسلام لو تخلفت لأن معه اعتقاد القلب وقول اللسان أما العمل فهو شرط كمال لا ينقض الإيمان بل ينقصه فقط . وهذا أصل قولهم إن الإيمان يزيد وينقص لكنه لا يزول وقد رد عليه الإمام بن القيم فى كتاب الصلاة وحكم تاركها وكذلك فى المدارج عند الحديث عن الإيمان وتعريفه الكفر ولا يغرنك قول مرجئة العصر إن الإيمان اعتقاد وقول وعمل تماما مثل تعريف أهل السنة لكن أسأله بعد ذلك والأعمال ما هو موقعها من الإيمان ؟ سيقول إنها شرط كمال فلو أتى الرجل بكل أعمال الكفر لا يكفر ولا تؤثر فى إيمانه بالنقض طالما إنه يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ومصدق بقلبه فقل له قولك راجع إلى قول المرجئة السابقين بحصر الإيمان فى الاعتقاد والقول وهو هو قول المرجئة فقط شابهت أهل السنة فى القول وخالفت الحقيقة

 

القاعدة 12 , 13 ,14

الكفر العملي قسمان منه ما هو أكبر مخرج ومنه ما هو أصغر غير مخرج من الملة .

من الأعمال ما هو كفر مخرج ومنها ما دون ذلك خلافا للخوارج

ترك جنس العمل (أعمال الجوارح بالكلية مع القدرة والتمكن )كفر قولا واحدا وترك آحاد الأعمال ليس بكفر

.هذه القواعد الثلاثة تدل على شيئ واحد وتتكلم على أصل واحد وهو العمل وماهيته وحكم تاركة والفرق بين جنس العمل وآحاد العمل . فكما تقدم أن الكفر العملي عند أهل السنة والجماعة قسمان ونوعان قسم مخرج كالسجود لصنم والطواف والذبح وإهانة المصحف وغيرها من الأعمال المكفرة والمتواترة والمعلومة من الدين بالضرورة وقسم أصغر غير مخرج مثل الحلف بغير الله وقتال المسلم والنياحة وإتيان المرأة فى غير محل الولد وغيرها من الأعمال التى تدخل فى الكبائر والمعاصي التى هى دون الكفر خلافا للخوارج أهل الغلو فى التكفير الذين يجعلون المعاصي كلها قسما واحدا نوعا واحدا فمن وقع فى المعصية أو ارتكب كبيرة من الكبائر كفر عندهم وخرج من دائرة الإسلام وكذلك المرجئة الذين قالوا إن الكفر العملي كله أصغر غير مخرج من الملة وقسموا الكفر إلى نوعين . فالكفر عندهم كفران كفر اعتقاد ولا يكفر المرء إلا إذا اعتقد وقصد الكفر بقلبه مهما أتى من النواقض فهو مسلم لو سب الدين وصد عن سبيل الله وحارب أولياء الله وانتهك حرمات الله وذبح لغير الله وصرف جميع العبادة لغير الله فهو مسلم لأنه لم يعتقد الكفر ولم يقصده بقلبه وهذا من أبطل الباطل وأبينه ولقد بينت ذلك فيما سبق تكرارا فراجعة فإنه مفيد . هذا كفر الاعتقاد

وكفر عمل وكله كفر دون كفر لا يكفر عندهم لأن الكفر العملي قسم واحد كله أصغر لا يكفر صاحبه .

لذلك فلا تعجب منهم حينما لا يكفرون تارك الصلاة والحاكم المبدل لشرع الله والصارف جميع العبادات التى هى لله من ذبح ونذر وطواف وغيرها من العبادات صرفها لغير الله . لا تتعجب من عدم تكفيرهم الكافر لأن كل ذلك كفر عملي وهذا التعريف غير صحيح ومجانب للصواب بل تعريف أهل السنة والجماعة للكفر وأقسامه عندهم أن الكفر نوعان كفر أكبر وكفر أصغر والكفر الأكبر يشمل كفر العمل وكفر الاعتقاد كما بينت لك فيما سبق

 

 

.

القاعدة الخامسة عشر

كل من مات على التوحيد وأتى بأصل الدين ولم يلق الله بشرك أكبر فهو موحد

 وإن وقع فى الكبائر والمعاصي والذنوب التى هى دون الشرك فهو تحت المشيئة إن شاء الله عذبه بما اقترف من الذنوب والكبائر وإن شاء غفر له ابتداء بما معه من التوحيد وأصل الدين ومآله إلى الجنة . مع الفرق بين ترك الفرائض وارتكاب المحارم فترك الفرائض من غير عذر كفر

 هذه القاعدة هى الفاصلة بين أهل السنة والجماعة وأهل الغلو فى التكفير إذ أن أهل السنة والجماعة لا يكفرون بمطلق المعاصي وأهل الغلو يكفرون المسلمين بمطلق المعاصي والذنوب وأصل قول الخوارج أن الناس عندهم إما مؤمن أوكافر والمؤمن من فعل جميع الواجبات وترك جميع المحرمات فمن لم يفعل جميع الواجبات ويترك جميع المحرمات فهو كافر ثم جعلوا من خالف قولهم هذا انه كافر . وفساد قولهم يرده ويبطله  إقامة عقوبة الحدود فلو كانت المعاصي كفرا لقتلوا أهل الذنوب والكبائر وقدمنا سابقا أن هناك فرقا بين أصل الإيمان والإيمان الواجب والإيمان المستحب وأصل الدين هو التوحيد والبراءة من الشرك وأهله فمن مات موحدا لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة عاجلا أو آجلا والذنوب والمعاصي والكبائر تنقص الإيمان فى هذه الحالة ولا تنقضه ولا تزيله بالكلية نعم تؤثر المعاصي فى الأصل وحقيقة الإيمان لكن لا تزيل مهما كبرت وعظمت ما لم تكن شركا وكفرا . فالإسلام باق ما لم يأتى بناقض مكفر خلاف للخوارج وأهل الغلو وكذلك خلافا أيضا للمرجئة من جهة التفريط والتقصير فقد قالت المرجئة إن الإيمان شيئ واحد لا يتبعض إما مجرد تصديق القلب كقول الجهمية وإما تصديق القلب واللسان كقول المرجئة وحصروا الكفر فى الجحود والاستحلال كما مر معك وقالوا لا يكفر من وقع فى الكفر إلا بعد قيام الحجة وفرقوا بين الفعل والفاعل فقالوا الفعل فعل الكفر وهو لا يكفر إلا بعد قيام الحجة

وأصل ضلالهم وانحرافهم أنهم لا يفهمون معنى الحجة ولم يفرقوا بين قيام الحجة وبلوغها وبين فهمها فالحجة قد قامت بالقرآن و بلغت بالرسول صلى الله عليه وسلم ولا يشترط فهمها كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم أن كل من سمع به صلى الله عليه وسلم ولم يؤمن به فهو فى النار . فجعل السماع والبلوغ شرطا للإيمان ولم يذكر الفهم . وإلا فاليهود والنصارى والكفار والمشركون فى عصرنا سمعوا بالقرآن وعلموا بالرسول صلى الله عليه وسلم فهل هؤلاء معذورون لأنهم لم يفهموا ولا نكفرهم إلا بعد الفهم ؟ هذا لا يقوله عاقل فضلا على أن يصدر من مسلم . بل إن الذى مات قبل بعثة النبى صلى الله عليه وسلم ومات على الشرك فهو فى النار خالدا فيها وهو قد مات قبل البعثة وهذا ثابت فى الصحيح من حديث النبى صلى الله عليه وسلم إن أبى وأباك فى النار " فهؤلاء كانت بقية رسالة إبراهيم وبينهم قلة قليلة من الموحدين لا تتعدى أصابع اليد الواحدة ولم يعذرهم الله وليس فيهم رسول فأيهما أولى بالعذر يا عباد الله من مات قبل البعثة أم الذى قامت عليه الحجة الرسالية" وسيأتي ذلك بالتفصيل فى آخر البحث عند الحديث عن عارض الجهل

ولكن كما قلنا إن القوم لم يفرقوا بين قيام الحجة وبلوغها وبين فهمها كما وضحه الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ فى رسالته " الفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة وكذلك الشيخ سليمان بن سحمان فى رسالته النافعة الجليلة " كشف الشبهتين " والشيخ أبا بطين فى رسالته القيمة " الانتصار لأهل التوحيد والشيخ عبد اللطيف بن حسن فى رده على العراقي المرجئ الذى كان يفرق بين الفعل والفاعل ويزعم أن ذلك قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب فأين عقول القوم من الفهم بل لو قالوا بعدم تكفير الكافر لكذبوا بالقرآن إذ أن من أصل الدين والمعلوم بالضرورة منه أن الجنة لا تدخلها إلا نفس موحدة وحرام عليها المشرك فلو رأينا رجلا يطوف بغير البيت الحرام أو يذبح لغير الله أو سب دين الله ومات على ذلك . مات وهو يشرك بالله . ماذا نقول له ؟ مات على التوحيد ؟ مسلم ؟ أم كافر ؟ سبحان الله العظيم أما قولهم فى إقامة الحجة قبل التكفير فهو فى المسائل الخفية كما قال شيخ الإسلام بن تيمية . أما اشتراط قيام الحجة فى كل شيئ فى المسائل الجلية الظاهرة وفى المعلوم من الدين بالضرورة فلا يجوز أبدا وليس بشرط هذا الذى بينه شيخ الإسلام بن عبد الوهاب فى مفيد المستفيد فأين عقول القوم من هذه الأدلة الواضحة أم أنهم لا يقرئون وإن قرءوا لا يفهمون اللهم نسألك الثبات وحسن الخاتمة .

القاعدة 17,16

الإتيان بأقسام التوحيد الثلاث وصرفها لله وحده من إلوهية وربوبية وأسماء وصفات وما يتفرع منهم من نسك وولاية وحاكميه والأصل في ذلك صرف العبادة لله وحده وكذلك معرفة التوحيد وهي القاعدة التالية : التوحيد هو صرف العبادة لله وحده والشرك هو صرف العبادة التي هي حق لله لغير الله علي تفصيل بين أهل السنة سيأتي قريباً .

كما سبق أن التوحيد ثلاثة أقسام توحيد ربوبية وهو الذي أقربه كفار قريش كما حكي الله عنهم في القرآن الكريم  " ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض  ليقولن الله " " وإذا ركبوا في الفلك دعوى الله  مخلصين "     وهذا في القرآن كثير فكفار قريش كانوا يقرون  بتوحيد  الربوبية لكنه لم دخلهم في الإسلام لأنهم لم يؤمنوا بتوحيد الألوهية وكذلك ألحدوا  في أسماء الله وصفاته ووقعوا في توحيد النسك أى العبادة وصرفها لغير الله وكذلك يجب علي المسلم أن يصرف العبادة كلها لله  ويعادى أعداء الله ويوالى أوليا الله ويتحاكم إلي شرع الله ويتبرأ من كل حكم يخالف حكم الله فلله الخلق والأمر  والملك فعلى المسلم أن يتعبد الله بما شرعه علي لسان رسله فإن التوحيد هو صرف العبادة لله وحده والشرك ضد ذلك فالشرك هو صرف العبادة التي هي حق لله لغير الله من ولى أو نبي  وعلي كل داعية صادق في دعوته محب لدينه محب الخير للناس أن يبدأ بما بدأ به الله وبدأت به رسل الله صلوات الله عليهم جميعاً . فإذا بدأ الداعية دعوته هكذا بنفس الترتيب والأهمية والجدية سيخرج جيل مسلم صحيح العقيدة صحيح العبادة محقق للتوحيد كما أمر الله تعالي بكل أنواعه السابقة  مجتنباً الشرك والكفر بجميع أنواعه وصوره .  فإذا رأى الداعية  أن الذين يدعوهم قد حققوا التوحيد وسلموا من الشرك والكفر والبدع وغيرها بدأ بعد ذلك في دعوتهم إلي باقي أركان الإسلام من صلاة وزكاة وصيام وحج ومكارم الأخلاق وبر الوالدين  وحسن المعاملة وجميع أركان الدين لأن الدين الإسلامي ليس عقيدة فقط ولا توحيد فقط ولا حاكميه فقط ولا نسك فقط ولا ولاية فقط بل الدين جامع كامل شامل فلا إله إلا الله عقيدة وشريعة وأخلاق ومعاملات وآداب ومناهج حياة . وهذا هو الدين كل لا يتجزأ ولكن علي الداعية أن يبدأ بما بدأ به الله ورسوله كما سبق .

القاعدة الثامنة عشر

الفرق بين الحاكمية والتشريع :فالحاكمية فيها قولان معتبران والتشريع قولاً واحداً ولا يجب الخلط بينهما .

  1. هذه القاعدة مع وضوحها وجلائها فقد وقع فيها الاختلاف والشقاق والجدال حولها وكثرت المؤلفات فيها وأولاها العلماء والدعاة من العناية مما جعل البعض يتحسس من الحاء أى ذكر الحاكمية بل جعلها البعض مناط الولاء والبراء وجعلها البعض الأكبر مناطاً للغلو فى التكفير وكثرت الاتهامات بين العاملين فى الحركة الإسلامية قديماً وحديثا فالذي لا يكفر الحاكم الذى لا يحكم بما أنزل الله ويقول إنه مسلم موحد فهو مرجئ ضال مفرط والذي يقول بتكفير الحاكم الذى يحكم بغير ماأنزل الله وخروجه من الإسلام خارجي وتكفير وقطبي ومن أهل الغلو فى التكفير .وكما قلت إن المسألة كثر فيها الجدال وتناولها العلماء بالبحث والتدقيق (1[17])ومن هذه المؤلفات والكتب والأبحاث التى تناولت هذه المسألة "الحكم بغير ما أنزل الله أحواله وأحكامه "للشيخ عبد الرحمن بن صالح المحمود "رسالة تحكيم القوانين للعلامة محمد بن إبراهيم ,جهود الشيخ بن إبراهيم فى مسألة الحاكمية  للشيخ عبد العزيز بن  عبد الطيف آل الشيخ "إن الله هو الحكم "للشيخ محمد شاكر الشريف ."وحكم الجاهلية وكلمة حق للعلامة أحمد محمد شاكر "أضواء على ركن من التوحيد لعبد العزيز الحامد وشريعة الغاب لمحمد المقدسي "وألف باء الحاكمية والإرجاء "وفصل الكلام فى الحاكمية والحكام "لعلى بن حاج,الحاكمية فى أضواء البيان لعبد العزيز السد يس , وغيرها كثير من المؤ لفات وإن كانت كثيرة ومفيدة ومعظم هذه المؤلفات مطبوع  ومنشور ومتداول فى المكتبات الإسلامية المنتشرة فى ربوع المعمورة أو على شبكة المعلومات الدولية –الإنترنت –أما مؤلفات الشيخ سيد قطب رحمة الله فهى مليئة بهذه المسائل وفى أكثر من موضوع من مؤلفاته ولا سيما الظلال الذى يظن القارئ ولأول وهلة من خلال قراءته للمجلدات الست أنه كتب خصيصاً لتجلية قضية التوحيد ومنها قضية الحاكمية لله رب العالمين فهو رحمه الله أفضل من تكلم عنها بأسلوبه الراقي فى هذا العصر وكل من أتى بعده عيال عليه وكل من أراد أن يكتب إلى هذه القضية لا بد أن يرجع إلى كلام الشيخ رحمه الله رحمةً واسعة فهو مرجع أساسي فى هذه القضية التى فجرها هذا الإمام وأحياها فى نفوس الأمة ولفت نظر الدعاة العاملين فى الإسلام إليها وهذه المسألة تدور على هذه النقاط التالية باختصار شديد وهى حلتان :حالة يكفر فيها الحاكم كفراً أكبر مخرجاً من الملة وهى إذا
  2. نحى شريعة الله بالكلية وبدلها بقوانين وضعية
  3. أتى بدلا منها بقوانين وضعيه من أفكار البشر "سن القانون
  4. ألزم الناس بالتحاكم إلى هذه القوانين

4 . عاقب كل من لم يتحاكم إلي القوانين ولم يلتزم بها وخالفها .

  1. عاقب كل مسلم يطالب بتحكيم شرع الله والتحاكم إلي حكم الله

6.حرس هذه القوانين وحماها بالدستور والجيش والشرطة

يكفر الحاكم كفراً أكبر مخرج من الملة إذا وقع في واحدة من هذه النواقض فما بالك إذا كان واقع فيهم جميعاً  وأضاف إليها غيرها من النواقض المكفرة من الصد عن سبيل الله ومحاربة أولياء  الله  ومما بجدر التنبيه عليه ولفت النظر إليه ألا وهو عدم التلازم بين تكفير الحاكم والخروج عليه فقضية كفر الحاكم قضية توافرت شروطها وانتفت موانعها فنزل الحكم علي وصف معين أما قضية الخروج علي الحاكم فهى قضية أخرى ومسألة أخرى منوطة بالقدرة والاستطاعة والمنعة كما بين ذلك الحسنى ومحمد شاكر الشريف في كتاب الطريق إلي الخلافة مختصر غياث الأمم في التباس الظلم للإمام الجو يني إمام الحرمين ونقل قول ابن حجر في الفتح أن الخروج لا يجوز في حالة الاستعطاف وعدم القدرة والمنعة لأن  في هذه الحالة   سيستأصل الطاغوت الفئة المسلمة وفي هذا مفسدة عظيمة ويجوز الخروج عليه وتغييره  ولو كان ظالماً ولم يكفر في حالة القدرة والمنعة فيجب في هذه الحالة علي أهل الحل والعقد تغيير الحاكم الظالم واستبداله بالذي هو أفضل منه أما في حالة الاستضعاف وعدم القدرة والمنعة لا يجوز ولو كفر. وهذه فائدة عظيمة لمن تدبرها وعمل فيها بالنصوص الشرعية مراعيناً المفاسد والمصالح محققاً بها مقاصد الشريعة وهناك فرق أيضاً بين الجهاد والإعداد فالإعداد لا يسقط بأي حال من الأحوال فالإعداد كالصلاة لا يسقط في كل الأحوال فالصلاة لا تسقط إلا في حالة النوم وغياب العقل والعجز بالنسبة للرجال فكذلك الإعداد لا يسقط إلا في حالة العجز وغياب العقل . فليس معنى حالة العجز أن يخلد الإنسان إلي الراحة والدعة والدنيا ويتذرع بالعجز والضعف وعدم القدرة وحالة الاستضعاف هذا لا يكون أبداً في دين مسلم يؤمن بالله رباً وبالإسلام دينا وبرسول الله محمد صلي الله عليه وسلم نبياً ورسولاً مجاهدا طوال حياته من يوم بعثته حتى مماته صلوات الله وسلامه عليه . فهو إمام المجاهدين وقدوة العاملين لدين  رب العالمين وقائد أهل الثغور ومحرض المؤمنين علي الكفار والمنافقين فيا فوز من صار علي دربه ولزم غرزه وكانت الشهادة آخر أمره . اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك  شهادة ترضي بها عنا مقبلين غير مدبرين شهادة تعز بها الإسلام وأهله نصرة لدينك وسنة نبيك وعبادك الموحدين . آمين ونعوذ بك يا ربنا من أن نكون من دعاة الانبطاح وفقه المراجعات المثبطين المخذلين لعزائم المجاهدين , المرجفين الناكصين على أعقابهم الراضين بالذل والهوان ومهانة الطواغيت اللئام المحاربين لدين الرحمن . ونسألك يا ربنا بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تربط على قلوبنا وأن تثبت أقدامنا على الحق وأن لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ونسألك يا ربنا أن تمنن علينا وترزقنا حسن الخاتمة بفضلك ومنك وكرمك ورحمتك يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين يا رب العالمين . إن الحديث عن ذروة سنام الإسلام وعن طريق العزة وأهلها السائرين فى طريقه الذابين عن أعراض الأمة الحامين لحماها المرابطين على ثغورها وثراها لحديث تهفو النفوس إليه وتحبه وتشتاق إليه القلوب وتسر وتسكن إليه النفوس .ولم لا وهو تطهير لها وهو المزهد فى الدنيا المرغب فى الآخرة ولم لا وهو أقصر الطرق إلى الجنة ومنقذ من هلكات الدنيا الدنية , المجمع للأحبة محمد وصحبه والسائرين على دربه الرافعين لرايات الحق والنصرة فى أرض الوغى والملحمة المتشبهين بخالد والقعقاع والزبير وصلاح وأسامة والخطاب والوليد والعييرى والمقرن وباقي المأسدة ولم لا ؟ وهو الموصل لرؤية رب البرية والمجاورة فى الجنات العلية والأنهار الجارية والتمتع بالحور العين والنعيم المقيم مع الأنبياء والشهداء والصالحين . نسأل الله من فضله العظيم ونسأل الله العون والسداد لإتمام كتاب " طريق العزة " وسبحان الله كثير من الأخوة متعلق بالخروج وقد طالت عليه أيام السجن وضاقت عليه جدرانه مع ما يقوم به الطواغيت من حملات الاستمالة والاحتواء والترغيب فى متع الدنيا والخروج من المعتقل والعاقل يسأل نفسه .المشكلة ليست فى الخروج من هذا المعتقل سنخرج يوما ما إن شاء الله . المشكلة بعد الخروج نخشى عليك أيها الحبيب أن تخرج بغير الشيء الذى دخلت من أجله وهو دينك . أنت دخلت هذا المكان بقدر الله ولن تخرج إلا بقدر الله ولكن ما هو برنامجك بعد الخروج ؟ الدنيا والزوجة والعمل والأولاد وجمع المال والحرص على المتاع ؟ وتبتعد عن القرآن والتربية وطريق الجنات .فمن وفق لذلك فقد فاز الفوز المبين الذى لاخسارة بعده فإنك أيها الحبيب ميت مهما طال بك العمر ستموت ولكن شتان بين موت وموت شتان بين من يموت ناصرا لدين الله شهيدا فى سبيل الله وشتان بين من يموت صادا عن سبيل الله محاربا لأوليائه فالكل سيموت وكل منا يختار موتته وكل ميسر لما خلق له والله كريم ونسال الله من فضله العظيم , ولا يمنع فى حالة الاستضعاف وقلة المنعة من أن نفعل كما فعل أبو بصير رحمه الله وأبو جندل وهو ما يسمى اليوم بحرب العصابات نكاية فى العدو وبلا شك هناك فرق بين المواجهة والحرب النظامية المعروفة وهذه منوطة بأحكامها وبين العمليات الفردية بشرط النكاية الكبيرة وتحقيق المصلحة نسأل الله التوفيق والسداد والهدى والرشاد

 نرجع إلى موضوع الحاكمية والحالة الثانية التى لا يكفر فيها الحاكم ولا يخرج من الملة والتي يطلق عليها كفر دون كفر أي ليس كافرا مخرجا من الملة مفارقا للإسلام وهذه الحالة مختلفة تماما عن الحالة الأولى ومغايرة لها فى الصفة والمناط فصفتها كالآتي :

 حاكم ملتزم بالشريعة محكما لها فى كل شئ كما أمر الله سبحانه لكنه فى قضية ما يحكم فيها بغير ما أنزل الله إما لقرابة أو رشوة أو لهوى وهذه الحالة تنطبق على القاضى كما تنطبق على الحاكم .فحكم بغير ما أنزل الله لهذه الأسباب لكنه  ملتزم بحكم الله وبتطبيق شرعة فهو فى الأصل ملتزم بالشريعة,وهذا الجور والظلم لم يجعله قانونا عاما ملزما أى لم يسن لها قانونا ويجعلها عامة فى كل قضية بل هى لا تتكرر مع اعترافه أنه مخالف للشريعة مستحق للعقوبة وهذا الذى قال فيه بن عباس كفر دون كفر(إن صح الخبر عنه ) والذى قال فيه أبو مجلز فى أثناء حديثه للخوارج ليس الكفر الذى تذهبون إليه إنهم من الكفر فروا والمناط هو الوصف الذى يتنزل عليه الحكم والمناط الذى يتكلم عنه بن عباس والعلماء من بعده هو مناط خلفاء بنى أميه فى المخالفات التى وقعوا فيها مع التزامهم بالشريعة . وهذه المخالفات من باب الجور والظلم وهناك فرق كبير بين الجور والظلم وبين الكفر والشرك فالجور والظلم والأثرة كل هذه الأشياء موجودة فى كل عصر ومصر ولا يخلوا منها زمان ولا يسلم منها حاكم أو قاضى . لكن هل المناط هنا مطابق للوصف ؟ هل حال حكام بنى أمية وبني العباس وغيرهم مثل حال حكام هذا الزمان ؟ هل حكام بنى أمية الذين تكلم فيهم ابن عباس وقال كفر دون كفر ؟ هل حكام بنى أمية نحو الشريعة بالكلية ؟ هل حكام بنى أمية سنوا القوانين الوضعية المخالفة لشريعة رب البرية وألزموا بها البشر وعاقبوا كل من لم يتحاكم إلى هذه القوانين ؟ هل حكام بنى أمية حاربوا كل من طالب بتحكيم شرع الله ؟ هل حكام بنى أمية حاربوا أولياء الله وصدوا عن سبيل الله ؟ لا شك أن العاقل المنصف سيفرق بين الحالتين وشتان بينهما .شتان بين حاكم ملتزم بشرع الله بالكلية جاعل حكم الله هو الضابط والحكم على أفعال العباد والرعية وبين حاكم بدل وغير حكم الله بقوانين وضعية أما كتب التفسير فقد وضحت هذه المسألة بل المتأمل فى سبب نزول آيات المائدة يجد أن الله كفر اليهود لمجرد تغيير العقوبة من الرجم إلى الجلد والتحميم .الحكم ثابت عندهم ولم يغيروا الحكم لكنهم فقط غيروا العقوبة ومع ذلك كفرهم الله فكيف بمن غير الحكم والعقوبة ؟نسأل الله أن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعته ويذل فيه أهل معصيته ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر ويحكم فيه شرعة وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , هذه الحاكمية وقسميها  باختصار شديد ومن أراد المزيد فليرجع إلى المراجع فقد التزمنا فى هذا البحث الاختصار واكتفينا بالإشارة إلى المختصر المفيد الذي يوضح الأمر فى أبسط عبارة حتى يكون في متناول فهم الناس .

أما التشريع فهو قول واحد . المشرع من دون الله كافرا كفرا أكبر مخرجا من الملة فإنه قد نصب نفسه ندا لله يشرع كشرعه ويحكم كحكمه وهذا يكون فى الحاكم أكثر منه فى القاضى عكس الأول والأمر بحمد الله واضح وبين لا يحتاج مزيدا من البيان والحمد لله . وقد فصلنا هذه المسألة فى " التنبيهات المختصرة على المسائل  الخلافية المنتشرة " المسألة الثانية الحاكمية والحكام وأحوال المتحاكمين وأنصار الطاغوت وجنوده من الجيش والداخلية وما يتفرغ عنهما فمن أراد التفصيل فعليه بها وهى تحتوى على رسالة الأعمال , والعذر , والحاكمية ,و تارك الصلاة.

القاعدة 20,19

أهل السنة لا يكفرون المكره والمتأول تأويلا سائغا وشبهة معتبرة فى المسائل الخفية وحديث العهد بالإسلام  والناشئ ببادية بعيدة والعاجز عن تعلم العلم الغير متمكن منه .

الجهل والخطأ والنسيان يرفع الإثم ولا يسقط الحكم ومن جهل حكما يعلمه عامة المسلمين أو بعضهم لم يقبل عذره بجهله

وقضية جنس العمل والحاكمية وتارك الصلاة وغيرها من مسائل الخلاف إن كان الخلاف سائغا ومعتبرا يقبل وإلا فلا . وهناك فرق بين كل هذه المسائل سنذكرها بالتفصيل , لكن الحذر من تغيير الأحكام وارتباطها بتأثير عارض الجهل أو رفع المؤاخذة من عدمها فالأحكام ثابتة لا تتغير والعقوبة والمؤاخذة متغيرة بتغير المناط كما سبق ووضحنا فى مسألة الوصف  والحكم والعقوبة ..

هذه من أعظم قواعد أصول أهل السنة والجماعة أنهم لايكفر ون بالشبهات ولا بالظن ولا بالتأويل ويفصلون فى كفر من توقف فى تكفير الكافر المرتد خلافا لأهل الغلو فيفصلون فى قاعدة (من لم يكفر الكافر )فمن لم يكفر الكافر الأصلى مثل اليهود والنصارى والمجوس وكل من لم يدين بالإسلام فهو كافر قولا واحدا لاإشكال فى ذلك ,أما من لم يكفر الكافر المرتد أو توقف فى كفره أو جادل عنه كما يحدث من بعض الدعاة الذين لايكفر ون  الطواغيت والحكام المبدلين للشريعة ,أو الذين لايكفر ون المشرك المتلبس بشرك  ,أو من يقول بقول الخوارج والمرجئة والقدرية والمعتزلة والإباضية ,وغير ذلك من أهل البدع وأصحاب المقالات والتأويل ,فإذا كان لايكفر هم  بدون شبهة ولا تأويل ,بل بالهوى والتعصب والجهل فهذا كافر مثلهم ,أما إذا كان عنده شبهات وتأويل وأدلة معارضة فى ذهنه أو فهم خاطئ لبعض النصوص فهذا لايكفر إلا بعد إزالة اللبس وكشف الشبهات بالعلم المتين المبنى على الدليل المعتبر من القرآن والسنة الصحيحة وفهم الصحابة وأقوال أهل العلم وشيوخ الإسلام المؤيدة لذلك حتى تقوم عليه الحجة ولاتبقى له شبهة ,فهنا لابد من إقامة الحجة على والمتأول  لأن المسألة من المسائل الخفية ,وإن كان أصلها ظاهرا لاعذر فيه لكن التفصيل وما تفرع من الأصل  لابد من البيان على وفق ماذكرنا ,كما هو مذهب الصحابة والسلف الكرام مع أهل التأويل وعند ورود الشبهات فى المسائل الخفية ,وأفضل مايبين لك ذلك ماحدث بين أبى بكر وعمر رضى الله عنهما  من مناظرة فى قتال المرتدين فتعجب عمر من تكفير أبى بكر وقتاله لمن يقول لاإله إلا الله ويصوم ويصلى ويقرأ القرآن ويقوم الليل ويأتى بشعائر الإسلام ؟فكيف يكفرهم ويقتلهم ويسبى نسائهم ويستحل أموالهم وأعراضهم ,وعنده أحاديث توجب الكف عن من يقول لاإله إلا الله ؟فناظره أبو بكر وأزال عنه الشبهة وأن التلفظ بالشهادتين لاينفع مع ارتكاب النواقض والكفر ,وكان إجماع الصحابة على كفر مانعى الزكاة وقتالهم قتال كفر وردة ,فقد توقف عمر الفاروق رضى الله عنه  وشك فى كفر من كفره خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ,ومثل ماحدث من قدامة وأصحابه رضى الله عنهم فى تأويل حل شرب الخمر ,ومعلوم تحريم الخمر  ومن يستحلها فقد كفر  ولكن هؤلاء تأولوا الآية ولم يكفروا ابتدءا بل زالت عنهم الشبهة  ,ومن ذلك حال السلف مع أهل التأويل فلم يكفروا الخوارج ولا المرجئة ولا والأشاعرة ولا المعتزلة مع أنهم قالوا مقالات كفرية تخرج من الملة ,لكن منع من كفرهم التأويل السائغ والشبهة المعتبرة ,لكن لو أصر على موقفه بعد البيان  وإزالة الشبهات وانقطع عن الحجة والدليل فهو كافر مثلهم لأنه مكابر ومكذب بالقرآن  يجادل عن المشركين بغير دليل .

فلابد من فهم هذه المسألة فهما جيدا  ولابد من مراعاة التفصيل السابق حتى لاتشوه دعوة التوحيد وحتى لايتهم دعاتها بالغلو والجهل والتساهل فى إطلاق الأحكام بغير حق فالمرجئة وأعداء التوحيد يتربصون ويتصيدون أخطاء أهل الحق فكونوا على حذر رحمكم الله من ذلك

ولا تكفروا العلماء والدعاة الذين لايكفر ون الحكام  لشبهات عندهم حتى تقيموا عليهم الحجة وتزيلوا الشبهة بالعلم والدليل ,نعم هم على خطأ كبير ,وأكبر منه مجادلتهم عن الطواغيت لكن هناك فرق بين الخطأ والضلال ,بين الكفر والخروج من الإسلام,لكن لو ارتكبوا ناقضا مكفرا ظاهرا جليا  يكفروا به ,أما غير ذلك فلا يجوز الإقدام على تكفيرهم والتحدث  بذلك بين الشباب ,هذا هو الحق والعدل والإنصاف وهذا أعظم مايميز أهل السنة عن غيرهم ,وفقنا الله وإياكم إلى الفهم الصحيح والقول السديد ,وقول الحق بعلم وإنصاف وتجرد وعدل .

 

القاعدة الحادية والعشرون

الفرق بين مناط الحكم ومناط الدعوة .الدعوة إلى التوحيد ومراعاة ظروف المخاطبين

يقول الله تبارك وتعالى "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" الكهف ويقول سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم "فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين "الحج 54 وقال الله تعالى "يأيها النبى بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته "المائدة وقد أخذ الله الميثاق على الذين أتو العلم أن يبلغوه ولا يكتموه ويبينوه للناس وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم لعلى رضى الله عنه وكذلك لمعاذ بن جبل "لأن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم "خير لك من الدنيا وما فيها وقال صلى الله عليه وسلم " بلغو عنى ولو أيه "فقد أمرنا الله بقول الحق ولا نخشى فى الله  لومة  لائم وأمرنا بالصدع بالحق وأن نبلغ دين الله للناس .  فعلى المسلم الداعية الذى يحمل هم الدين أن يدعو الناس إلى التوحيد و إلى إفراد الله سبحانه بالعبودية ونبذ العبودية عما سوى الله وإفراد النبى صلى الله عليه وسلم بالمتابعة التامة والبعد عن الشرك فى العبودية والبدعة فى المتابعة يدعوهم إلى المعروف الأكبر إلى التوحيد وينهاهم ويحذرهم من المنكر الأكبر ألا وهو الشرك  .فعلى كل داعية صادق فى دعوته أن يصدع بالحق غير هياب ولا وجل مستحضر خشية الله وعقاب الله وعذاب الله إن فرط أو قصر فهذا أمر بالدعوة والبلاغ وصدع بالحق . لكن مع ذلك علمنا كيف نبلغ هذا الحق بالتباع منهج الأنبياء فى الدعوة "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنه وجادلهم بالتي هى أحسن "النحل "وقال سبحانه وقولوا للناس حسنا " البقرة 83وقال صلى الله عليه وسلم "ماكان الرفق فى شيئ إلا زانه " كل آيات الرفق واللين والإحسان إلى الناس والمجادلة بالحسنى كل ذلك يأتى فى مناط الدعوة ولا يغير من الأحكام شيئاً كما سبق وهذا الذى كان يفعله صلى الله عليه وسلم فى بداية الدعوة فكان يطوف فى البيت ويصلى حول الكعبة وعليها ثلاثمائة وستون  صنم تعبد من دون الله ويذبح لها ويستغاث بها ولكنه صلى الله عليه وسلم كان يرفق فى دعوتم  ويقول لهم ادعوا الله ,اعبدوا الله مالكم من إله غيرة قولوا لا إله إلا الله تفلحوا . ولم يعنى ذلك أنهم ليسو كفاراً عنده صلى الله عليه وسلم أو أنه صلى الله عليه وسلم توقف فى تكفيرهم أو قال صلى الله عليه وسلم إن فعلهم وأعمالهم من ذبح ودعاء ونذر وطواف واستغاثة من دون الله وعبادتهم غير الله كفر لكن هم لا يكفروا ابتداءاً لجهلهم أو لعدم علمهم أو لغياب معالم رسالة إبراهيم عليه السلام أو لعدم وجود رسول ينذرهم ويحذرهم ويزيل عنهم تحريف الضالين من علماء سوء يمكرون الليل والنهار ليلبسوا على الناس دينهم لم يقل كل ذلك صلى الله عليه وسلم وحاشاه لكن كانوا كفاراً بأعمالهم الشركية لكن من فقه الدعوة والرفق بالمدعوين والحرص على هدايتهم لم يواجههم بكلمة الكفر إبتداءاً . لم يقل لهم أنتم كفار مشركون  حلال الدم والمال والعرض بل ترفق بهم فى البداية ,ولما ظهر عنادهم وحربهم أظهر كفرهم وصدع بتكفيرهم  وعداوتهم  وكذلك حصل لشيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله أنه لم يكفر المشركين أو المسلمين الذين وقعوا في الشرك . لم يكفرهم إبتداءاً أى لم يجهر بتكفيرهم ومواجهتهم بحقيقة أمرهم وذكر العلة والسبب الذى منعه من تكفيرهم إبتداءاً وهو وجود علماء سوء مرجئه وجهمية وصوفيه كفروا ابن تيميه لمجرد نهيه عن الشرك فكيف لو كفرهم وهذا من فقهه رضى الله عنه ورحمه الله رحمه واسعة وكذلك ما حصل للشيخ محمد بن عبد الوهاب فى بداية دعوته أنه كان يقول للمشركين الذين يدعون زيد بن الخطاب وعبد القادر الجيلانى ويطوفون حول قبورهم كان يقول لهم "الله خير من زيد "ادعوا الله وحدة وهذا فى بداية الدعوة لضعف الشوكة وقلة المنعة وليس معنى ذلك أنهم ليسوا عنده كفاراً أو فرق بين حكمهم وفعلهم بين الفعل والفاعل لا يتصور ذلك فقد عرضنا عليك أكثر من خمسة عشرة حاله كفرهم فيها بالعين ولم يفرق بين الفعل والفاعل ولكن العلة هى مناط الدعوة الذى يراعى فيه ظروف المخاطبين ومعرفة ظروفهم وأحوالهم ودعوتهم بالرفق واللين والحرص على أحسن الكلام وعدم الجهر بما هم عليه من كفر ابتداءاً لما يسبب ذلك من نفرتهم وعدم قبولهم الحق ولا ينا فى ذلك حكمهم عند الداعية ولكن الموفق هو من وفقه الله إلى الخير وأفضل الخير الدعوة إلى التوحيد . وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء نسأل الله من فضله .

فمناط الدعوة غير مناط الحكم فإن النبى صلى الله عليه وسلم كفرهم وقال لهم كما أمرهم الله تعالى "قل ياأيها الكافرون "أما الذين لم يكفرهم شيخ الإسلام ابن تيميه فهو لعدم قيام الحجة الرسالة عليهم ومع أنه لم يكفرهم إلا أنهم عنده مشركون ولا يسمون مسلمين بحال وكذلك الذى لم يكفره الشيخ محمد بن عبد الوهاب من عبده قبة الكواز وعبد القادر لكن لم يسمهم مسلمين بل سماهم مشركون أما تكفيرهم وقتالهم لا يكون إلا بعد قيام الحجة الحدية التى هى الإستتابه لقتالهم وهذه تكون عند المنعة والقوة والاستطاعة للإمام المتمكن كما بينه شيخ الإسلام فى تاريخ نجد فى الرسائل والمسائل وبينه الشيخ الخضير فى التوضيح والتتمات وقد فصلنا ذلك وبينا شبهة عبدة الكواز من كلام الشيخ وأولاده وأحفاده وأئمة الدعوة واللجنة الدائمة في رسالتنا "البيان والإشهار "

 

 

القاعدة الثانية والعشرون

أهل السنة أرحم الناس بالخلق وأحرص على هدايتهم

القاعدة هذه مرتبطة بالتي قبلها من حسن دعوة الناس والحرص على وصول الخير لهم والجدية والإخلاص في نصحهم والهدف من ذلك هو تعبيد الناس لرب العالمين .الهدف هو انتهاء الناس عما هم علية من خطأ ,هدف الدعاة رجعة الناس إلى الحق والصواب وهذا أدعى إلى قبول الدعوة لما فيه من إخلاص وحرص وبعد عن التعيير كما قال ابن رجب الحنبلي في رسالته اللطيفة النافعة "الفرق بين النصيحة والتعبير "فالناصح يتخير الكلمات والطرق المناسبة لدعوة المخالف والبعد عن كل ما يجرحه أو يسئ إليه أو يكون سبباً في صده عن الحق .وهذا من فقه الدعوة إلى الله .

فلو ضربنا مثلاً برجل يشرك بالله ورأيناه على شرك مثل أن يطوف حول قبر أو يذبح لغير الله مثل أن يذبح للبدوي أو الدسوقي أو خلف أو أبو جرير أو يدعوهم من دون الله نعم إن هذه الأعمال شرك وفعلها مشرك ولو مات عليها لما أفلح أبداً لأن الجنة لا يدخلها مشرك كما أن النار لا يخلد فيها موحد .هذا حاله وهذا حكمه عندنا .لكن لا يجوز لنا أن نتركه على شركه وكذلك لا يجوز لنا أن نقول له أنت مشرك ولو مت على هذه الحالة لمت كافراً لو قلنا هذا لوقعنا في خطأ جسيم وصد عن دين الله كبير ولكن نترفق به وندعوه بالحسنى كأن نقول له إن الله قادر على كل شيء وأن هذه عبادة لا يجوز صرفها إلا لله الذي خلقك ورزقك ألا يستحق أن تعبده وتوحده وتصرف له العبادة .هذا حق الله عليك وهو سبحانه لا يحتاج إلى واسطه فهو سبحانه قريب مجيب الدعاء وهؤلاء قد ماتو فاترك الأموات وادع الحي الذي لا يموت . أنت فيك خير كثير وتحب الله ورسوله وعليك أن تعرف التوحيد حتى تحققه وتعرف الشرك حتى تتجنبه .هذا بالحسنى والموعظة الحسنه ندعو الناس إلى توحيد رب الأرض والسماء أما أن نطلق عليهم الأحكام ونتركهم في شركهم يعيشون في الأرض فسادا فهذا لايجوز ,وماذا يستفيد الدين والمسلمون من موتهم على الكفر ؟فإن هذا ليس مقصود أهل السنة والجماعة الذين هم أرحم الناس بالخلق ومن رحمتهم للناس حب الخير لهم والحرص على هدايتهم أسوتهم في ذلك وقدوتهم رسول الله صلى اله عليه وسلم حيث دخل على الغلام اليهودي يزوره وهو في مرض الموت ودعاة إلى الإسلام فأسلم فشكر الله وحمده وقال الحمد لله الذي أنقذ بى نفساً من النار

فرح النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام هذا الغلام اليهودي وفرح بإنقاذه من النار وهكذا يكون الدعاةوويكون المخلصون لدعوتهم ودينهم

القاعدة 23-24

مراعاة ظروف المخاطبين واستفاضة البلاغ والحرص على الدعوة وليس تكفير الناس وإطلاق الأحكام عليهم

مراعاة فقه الدعوة والأولويات وترتيب الأعمال وفقه الواقع معتبر في الفتوى

يجب على الداعية مراعاة واعتبار ظروف المخاطبين "حدثوا الناس بما يفهمون " كمثل الخطيب الذي يخطب في الناس فعليه أن يراعى أحوالهم ويعرف مستواهم حتى يستطيع أن يحدثهم بطريقة يفهمونها ويستفيدون منها . وكذلك الداعية عليه أن يعرف معرفة تامة أحوال الناس الذين يريد أن يدعوهم فإن كانوا طلبة علم يحدثهم بطريقة طالب العلم الذي يفصل الدليل ويتحرى في المسألة أوجه الخلاف والقول الراجح وأدلته وإن كانوا من عامة الناس الذين لا يعرفون مثل ما يعرفه طالب العلم حدثهم على قدر عقولهم وعلمهم وبسط لهم الخطاب واستفاضة لهم في الإيضاح والبلاغ وضرب الأمثال والإكثار منها ومن الدلائل حتى تصل إليهم المعلومة واضحة صحيحة . هدفه في ذلك * الحرص على هداية الناس ودعوتهم إلى دين الله منهجه

 منهج الأنبياء في الدعوة من الترفق والصبر واللين والحكمة فليس من منهج أهل السنة تكفير الناس وإطلاق الأحكام عليهم فقط . وماذا يستفيد الداعية من مجرد إطلاق الأحكام على الناس ؟ وماذا يستفيد الداعية من تكفير الناس تكفيرا مجردا سلبيا لا يبنى عليه عمل ولا يترتب عليه مصلحة بل مع كفرهم وشركهم وضلالهم وبعدهم عن طريق الحق والهدى يبذل كل ما في وسعة لدعوتهم إلى دين الله " لأن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم , خير لك من الدنيا وما فيها " وماذا يستفيد الداعية لو مات الناس على كفرهم وشركهم بل هو الخاسر وربما الذي مات على شركه وكفره كان سببه هو هذا الداعية الذي لم يعرف طريق الدعوة إلى الله فقصر في تبليغ دين الله . هذا إن لم يكن آثما بتركه الناس على الضلال وعدم دعوتهم وهذا هو فقه الدعوة . أما فقه الأولويات وترتيب الأعمال ومراعاة الواقع فيجب علي الداعية أن يبدأ دعوته بما بدأ به الله وبدأت به الرسل " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " وقد قال كل رسول إلى قومه اعبدوا الله ما لكم من إله غيره "يجب على كل داعية مخلص في دعوته صادق في تبليغ دين الله يجب عليه أن يدعوا الناس إلى توحيد الله رب العالمين ولا  يجوز للداعية مهما كان موقعه أن يبدأ إلا بما بدأ به الله ويركز دعوته على ما يحتاجه الناس وينبه على ما يقع فيه الناس من أمور شركية وألفاظ كفرية تخالف العقيدة , يجب على الداعية أن يكتشف الأمراض المنتشرة في بيئته مراعيا في ذلك فقه الأولويات . فيبدأ بأهم شيء وهو ربط الناس بالله سبحانه وتعالى . ربطهم بخالقهم ورازقهم ومدبر شئونهم  يجب عليه أن يعرفهم حقيقة الإله العظيم الجليل فإن نجح الداعية في ربط الناس بالله وتعلق القلوب به والتوجه إليه ومعرفة قدره سبحانه وتعظيم القلوب له حبا وإجلالا وخوفا ورجاء سهل على الداعية بعد ذلك كل شيء من تلقى الناس أحكام الله وقبولهم شرعه والانقياد له وتحرى الصدق والإخلاص والمتابعة في العبادة التي لا تقبل إلا بذلك . ففقه الواقع ومراعاة ظروف المخاطبين وأحوالهم من أهم الأشياء التي يجب على الداعية دراستها جيدا لأنها من أقوى الأسباب لنجاح دعوته . والله الموفق

القاعدة 27,26,25

أهل السنة يختلفون ولا يفترقون والاختلاف لا يفسد للود قضية

التأدب بآداب الخلاف وعدم التعصب وتقديس العلماء والحجة في الدليل

عدم الإنكار على المخالف في المسائل الخلافية والبعد عن النظرة الأحادية والإرهاب الفكري وإلزام المخالف بما ليس بلازم .

هذه القواعد من أهم قواعد  أهل السنة والجماعة التي تميزهم عن أهل البدع والأهواء والافتراق وهذه القواعد الثلاثة تتكلم عن آداب الخلاف وفقهه انطلاقا من قول الله سبحانه وتعالى " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " وقوله سبحانه "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم "وبما أن الاختلاف مذموم والفرقة شر والجماعة خير فكان الاختلاف المذموم  هو الذي يؤدى إلى فرقة . نعم الخلاف وارد وقد اختلف الصحابة رضي الله عنهم والاختلاف سنة من سنن الله في خلقه لاختلاف العقول وتفاوت مداركها وتعدد النظر للمسألة الواحدة . وكثرة موارد الاختلاف فأسباب الاختلاف كثيرة وقد ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية وذكر اعتذاره عن الأئمة في رسالة النافعة رفع الملام عن الأئمة الأعلام " لكن هذا الاختلاف يظل اختلافا ولا يؤدى إلى الافتراق والتنازع والشر والتخاصم والتشاحن والبغضاء لأن الخلاف بهذه الصورة  المذمومة ليس من سمات أهل السنة والجماعة بل الافتراق هو من سمات أهل البدع والأهواء والافتراق يختلفون ويفترقون أما أهل السنة فيختلفون ولا يفترقون ولا يفسد الخلاف عندهم ولا أصر المحبة والمودة ولا يؤثر على الإخوة الإيمانية وهم بذلك يراعون أدب الخلاف ولا يتعصبون لأرائهم التى تحتمل الخطأ لأنها فى مورد الاجتهاد ولسان حالهم رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرنا خطأ يحتمل الصواب وبذلك لا يقدسون الرجال والعلماء بل كل يؤخذ منه ويرد إلا النبى صلى الله عليه وسلم كما قال ذلك الإمام مالك رحمه الله والحجة فى كل ذلك الدليل هو الذي يحتج به لأقوال العلماء فأقوال العلماء تابعة ومعزة للدليل وليس الحجة فيها وليست حاكمة علي الدليل بل هي تابعة للدليل والصواب أن المسلم يدور مع الدليل حيث دار بفهم لصحابة رضي الله عنهم فالنص مقدم علي غيره وفهم الصحابة مقدم علي فهم غيرهم ولا يجوز الإنكار علي المخالف في المسائل الخلافية وهي علي حالات :

الأولي : مسائل متفق عليها لا خلاف فيها  . والثانية : مسائل مختلف فيها علي قولين أو أكثر . والثالثة : مسائل هي مورد الاجتهاد والقياس من باب فقه النوازل والرابعة مسائل شاذة مخالفة للمتفق عليه  وكذلك للمختلف فيه وليس فيها سلف . فالأولي مقبولة والاختلاف فيها غير سائغ والمخالف مخطئ غير معذور والثانية  والثالثة الاختلاف فيهما سائغ ولا يجوز الإنكار علي المخالف فيها وهو مأجور علي كل حال إن شاء الله وفيها قولان أو أكثر لأهل العلم أو فعلها النبي صلي الله عليه وسلم للجواز     

ومنع عنها للكراهية مثل الشرب واقفاً أو التبول واقفاً فهذه من باب رفع الحرج الأمة ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بالأمة ورفع المشقة فلا يجوز الإنكار لاعلى المخالف في مثل هذه المسائل مثل النزول بالركبة أو باليد أو وضع اليد بعد الركوع في الصلاة والجهر بالبسملة أو الإسرار بها في الصلاة وجلسة الاستراحة وعدمها . وقسي على ذلك من المسائل التي هي مورد الخلاف وفيها قولان .

فالأمر فيها واسع وقد وسع الخلاف فيها الصحابة ومن بعدهم فيسعنا ما وسعهم وعلينا ألا نضيق واسعاً وعلينا أن نبعد عن النظرة الأحادية لهذه المسائل بمعنى أن نرى رأينا صواباً وغيرة خطأ وأن ما نحن عليه حق وغيرنا باطل وهناك فرق طبعاً بين كلمة خطأ وكلمة باطل وندخل في التفسيق والتبديع لمخالف في هذه المسائل التي هي موارد الاختلاف والاجتهاد .وليس من الحكمة والشرع أن نلزم غيرنا بما ذهبنا إليه لأن المسألة راجح ومرجوح ولو ألزمنا المخالف بما ذهبنا إليه وأنكرنا عليه فهذا من الإرهاب الفكري ليس فقط في المسائل التي ذكرناها بل يتعدى الأمر إلى اكبر من ذلك . فقد اختلف العلماء في كشف الوجه وسترة واختلفوا في كفر تارك الصلاة . وقع الخلاف في هذه المسائل الكبار إلا أم هناك قاعدة مهمة جداً ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله مفادها أنه يجب على طالب العلم أن يتحرى الصواب في المسائل الخلافية والعمل بالقول الراجح إذا ظهر له . يجب على من يعرف الدليل العمل بالقول الراجح إذا ظهر لنا لكن لات ننسى باب الرخصة والعزيمة وتفاوت الناس في ذلك وهذا باب واسع ذكره عبد البارئ العطار في ثلاثيته الرائعة المفيدة في هذا الموضوع وهى هموم قلب مسلم تتهيج الخطاب الإسلامي  وعلى طريق النور فمن أراد الاستزادة والإفادة في هذه المسألة فليراجع هذه الثلاثية فإنها فريدة وغريبة في بابها .

والله الموفق والهادي إلى سوء السبيل

وبهذا تم الكلام على القواعد ونرجع إلى ما وعدنا به من تدوين الخلاصة من هذه القواعد والكلام على عارض الجهل وشرح القاعدة التاسعة عشر والقاعدة العشرين كما وعدنا والله الموفق والهادي إلى سوء السبيل .

 

 

عارض الجهل وقيام الحجة

موضوع الجهل باعتباره عارض من عوارض الأهلية والذي يعنينا هو الجهل بمعنى عدم العلم وهل يصلح أن يكون عذراً على الإطلاق . وقد قرر الفقهاء في باب الجهل أنه لا تقبل دعوى الجهل والاعتذار به فى الأمور المشتهرة بين الناس بخلا ف مالا يعرفه إلا الخواص "الموسوعة الفقهية 16/200

قال الشافعي رحمة الله "لو عذر الجاهل لأجل جهله لكان الجهل خيراً من العلم إذا كان يحط على العبد أعباء  التكليف ويريح قلبه من ضروب التعنيف فلا حجة للعبد في جهله الحكم بعد التبليغ والتمكين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل " المنشور في القواعد للزر كشر 2/15,,16 والحجة هي الدليل كما سبق " إن الدليل الشرعي هو حجة كتاب الله ورسوله وإجماع الأمة ولا يجوز لأحد أن يعارض الكتاب والسنة بأقوال الرجال لأن أقوال الرجال تابعة للكتاب والسنة "معالم أصول الفقه عند السلف للجيزانى

وأن العلماء متفقون على أن  العذر بالجهل يختلف بالاختلاف المسائل فقد فرقوا بين مسائل ظاهرة لا عذر للمكلف في جهلها وبين مسائل خفيه تقع تحت باب العذر بالجهل وكثير من العلماء ذكر هذا التفريق أقصد التفريق بين مسائل ظاهرة لا عذر فيها ومسائل خفية ومن هؤلاء العلماء على سبيل المثال  الإمام الشافعي  والقرا في المالكي  وبهاء الدين المقدسي و شيخ الإسلام ابن تيميه وابن عبد الوهاب والملا على القاري ومحمد رشيد رضا الحنفي والشيخ إسحاق بن عبد الرحمن الحنبلي والعلامة سليمان بن سمحان في الضياء الشارق والشيخ أبو زهرة وعبد الكريم زيدان وغيرهم كثير من العلماء .

 المسائل الظاهرة التي لا عذر فيها :

  • توحيد الألو هيه وكذلك يدخل في المسائل الظاهرة توحيد الربوبية
  • ويدخل أيضاً في المسائل الظاهرة التي لا يعذر فيها المكلف في جهلها مسائل الشرك الأكبر الذي يخرج من الملة الإسلام كشرك عبادة القبور من دون الله وصرف العبادة كالدعاء والنزر والذبح وغيرها لغير الله .
  • المسائل المعلومة من الدين بالضرورة أو ما يسمى الشرائع الظاهرة . المتواترة كالصلوات الخمس والزكاة والصيام والحج وتحريم الفواحش كالزنا والجمر وما يسمى معلوم بالدين من الضرورة فلا عذر بالجهل في هذا النوع أيضا إلا حديث عهد بالإسلام

أو من نشأ ببادية فيعذر لعد البلاغ وعدم الإمكانية من التعلم لا لمجرد الجهل . فإن الجهل مع إمكانية التعليم ليس عذراً في هذه المسألة

وبعض أهل العلم يرى أن بعض ماشتهر من مسائل الفروع وغيرها من شعائر الإسلام مما يشترك فيه غالب الناس لا تقبل منه دعوى الجهل . منهم الإمام السيوطي وابن رجب الحنبلي والإمام النووي والشوكانى وابن عثيمين . فهذه المسائل لا يشترط فيها قيام الحجة .

أما المسائل الخفية التي لا بد فيها قيام الحجة والبيان والتفهيم منها أي المسائل الخفية التي يعذر فيها :

  • مسائل الأسماء والصفات أن الصفات التي تندرج تحت المسائل الخفية هي الصفات التي وقع فيها النزاع بين أهل السنة وغيرهم . كالاستواء والعلو والرؤية والكلام بخلاف الصفات التي هي من لوازم الربوبية كالقدرة والعلم فهذه الصفات تندرج تحت المسائل الظاهرة لتعلقها بتوحيد الربوبية كما قرر ذلك الإمام الذهبي في العلو وابن القيم وابن حجر والقاسمى في تفسيره وغيرهم من العلماء .مع ضرورة التنبيه على الفرق بين جهل بالصفة يؤدى إلى جهل بالموصوف سبحانه ,وجهل بمفردات الصفة لايؤدى إلى جهل بالموصوف كما فى الرجل الموحد الذى ذر نفسه  فلايجب الخلط بين الأصول والفروع
  • معتقد الفرق التي تخالف أهل السنة والجماعة والتي تخالف النصوص الشرعية مثل المسائل التي يقع فيها المرجئة والقدرية والأشعرية والمعتزلة والجهمية أو مسائل النزاع بين أهل السنة والفرق المخالفة كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في الإيمان الأوسط ,
  • مسائل الفروع الغير المشتهرة علماً في العامة وليست من المعلوم من الدين بالضرورة وقد قدمنا لك قول الإمام النووي في ذلك في شرحه لصحيح مسلم الجزء الأول ص205 وراجع إن شأت كتاب عارض الجهل ص37حتى ص77

قيام الحجة وصفتها

من المفيد أن نذكر أن لفظ قيام الحجة مذكور في كلام العلماء في المسائل الظاهرة والخفية ولكن صفته قيام الحجة تختلف في المسائل الظاهرة إلى الخفية . فصفته قيام الحجة في المسائل الظاهرة – بلوغ الدليل والسماع به وصفة قيامها في المسائل الخفية بلوغ الدليل وشرحه وإزالة التأويل المشتبه فيه . فإذا فهمنا هذا الفرق زالت كثير من الإشكالات التي ترد في كلام العلماء عند ذكرهم للفظ قيام الحجة فهم يقصدون به المسائل الخفية التي قدمتها لك أما المسائل الظاهرة فليس فيها قيام حجة لأنها ظاهرة بينة كما سبق والحجة هنا هي القرآن فمن بلغة القرآن فقد بلغته الحجة .وراجع كلام بن تيمية السابق جيدا تعرف الفرق  بين قيام الحجة وفهم الحجة وأنه لا يشترط فهم الحجة, والمقصود أن الحجة قامت بالرسول والقرآن فكل من سمع بالرسول وبلغة القرآن فقد قامت علية الحجة كما جزم بذلك الشيخ ابن باز رحمة الله أكثر من مرة في أكثر من موضع في فناويه ورسائله وكذلك الشيخ صالح الفوزان كمامر معك وكذلك الشيخ صالح آل الشيخ في شروحه لكتب ورسائل التوحيد وغيرهم من علماء أهل السنة والجماعة قديما وحديثا . فلا يشترط فهم الحجة إلا في المسائل الخفية كما سبق أما المسائل الظاهرة الجلية فالحجة قائمة بالبلوغ والسماع كم جاء في القرآن والسنة .

 

خلاصة البحث

ومما سبق يتضح أن البحث يدور حول موضوع الإيمان والكفر ومنهج الدعوة  وشمولية الشريعة وكمال الدين ويتخلص قيما يلي

أن الإيمان عند أهل السنة والجماعة اعتقاد وقول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وأن الأعمال جنس العمل شرط صحة وركن فيه ثم قالوا : ومرتكب الكبيرة مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته وفي الآخرة تحت المشيئة إن شاء عذبه وإن شاء غفر له وأن تارك أعمال الجوارح بالكلية مع القدرة كافر قولاً واحداً وروي اللا لكائي فى السنة عن البخاري قال لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحداً  منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية كما قال ذلك  الشيخ ابن باز في تعليقه علي فتح الباري  وكذلك في كتاب التوسط والاقتصاد  وأن  الإيمان مركب من أركان ثلاثة الاعتقاد والقبول والعمل لا ينفع أحدها عن الأخر . وكما قرر ذلك الشيخ العلامة صالح الفوزان  في سؤال له .

  • شهادة أن لا إله إلا الله  لاإله إلا الله هي مفتاح دين الإسلام واصله الأصيل فهل من نطق بها فقط, دخل في دائرة المسلمين دون عمل  ؟

فكان جوابه سدده الله, من نطق بشهادة أن لا إله إلا الله  حكم بإسلامه بادي ذي بدء وحقن دمه , فإن عمل بمقتضاها ظاهراً وباطنا فهذا مسلم حقا له البشري في الحياة الدنيا والآخرة . وإن عمل بمقتضاها ظاهراً وباطنا فقط حكم بإسلامه في الظاهر وعومل معاملة المسلمين وفي الباطن هو منافق يتولي الله حسابه . وأما إذا لم يعمل بمقتضى لا إله إلا الله واكتفى  بمجرد النطق بها أو عمل بخلافها فإنه يحكم بردته ويعامل معاملة المرتدين لأن العمل ركن في الإيمان ومنه وقد فصلنا حقيقة الإيمان ومنزلة الأعمال في " التنبيهات  المختصرة "

 كل من مات علي التوحيد لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة والجنة لا يدخلها مشرك كما أن من المعلوم المستفيض عن أهل السنة اشتراط العمل لدخول الجنة وأن التارك لجنسي العمل كافر كما قال ذلك الشيخ ابن باز والشيخ  عبد الله القرني في مقدمة كتاب " التبيان  " لمؤلفه علي ابن أحمد سوف

 أن من أسباب انحراف الخوارج وأهل الغلو في التكفير أنهم :

 لم يفرقوا بين أحكام الدنيا وأحكام الآخرة .

لم يفرقوا بين التكفير المطلق وتكفير المعين

لم يفرقوا بين أحكام الدار وحكم الأفراد والجماعات .

لم يفرقوا بين الإسلام الحكمي والإسلام علي الحقيقة .

جعلوا شيوع الشرك دليلا علي كفر المعين

جعلوا الأصل في الناس وأهل القبلة ا لكفر

لم يعتبروا بالدلالات الظاهرة على الحكم بالإسلام

لم يفرقوا بين المناطات والولاءات المكفرة والغير المكفرة

أساءوا الظن بالمسلمين والعلماء والدعاة وكفروهم بالشبهات والمعاصي الغير مكفرة .

وكذلك من أسباب أنحرف المرجئة وأهل التفريط أنهم

:حصروا الكفر بالاعتقاد القلبي فقط .

جعلوا الأعمال كلها شرط كمال لا تؤثر في نقض الإيمان .

جعلوا الكفر العملي قسماً واحداً غير مخرج من الملة .

جعلوا التوحيد هو مجرد الكلمة ولم يعتبروا بالنواقص القولية والعملية .

قيدوا الكفر بالاستحلال والجحود والقصد والمعرفة والاعتقاد .

فرقو بين فعل الكفر وفاعلة التفريق بين الفعل والفاعل بالإطلاق .

لم يفرقوا بين ثبوت الحكم والعقوبة وقالوا بالتلازم بينهما .

عدم تفريقهم بين قيام الحجة وبلوغها وبين فهمها واشترطوا الفهم .

لم يفرقوا بين المسائل الجلية التي لا عذر فيها وبين المسائل الخفية التي يعذر فيها ولذلك يحمل كلام العلماء في لفظ قيام الحجة على المسائل الخفية التي تحتاج إلى بيان وشرح .

الخلل عندهم في مفهوم الإيمان وحقيقته وعدم ضبطه بضوابط أهل السنة والجماعة ترتب علية الخلل في مسائل الحاكمية وتارك الصلاة وجنس العمل ومرتكب الشرك الأكبر وغيرها .

رميهم إخوانهم من أهل السنة القائلين بكفر تارك الصلاة وتارك جنس العمل والحاكم المبدل لشرع الله رميهم ببدعة الخوارج .

التكفير حكم شرعي ولا يجوز التحذير منه ولكن الصواب التحذير من الغلو فى التكفير وليس هناك دين بدون تكفير ودين بدون تكفير ليس بدين

الإسلام دين شامل كامل لا يتبعض ولا يتجزءا فهو عقيدة وشريعة ومنهاج حياة توحيد وعبادات ومعاملات وأداب وأخلاق فيجب التمسك به كله

. يجب على المسلم أن يعامل الجميع بخلق الإسلام ,المسلم والكافر المؤيد والمخالف يعامل الجميع بخلق الإسلام.

يجب التفريق بين مناطات الدعوة ومناطات الأحكام والرفق بالناس وحسن دعوتهم إلي دين الله وتوحيده  .

لابد من التفريق بين مصطلحات ثلاثة وفروق ثلاثة لابد من التفريق بين أصل الدين وأصل الإيمان والإيمان الواجب الإيمان المستحب بذلك نفهم الأحاديث التي جاءت مطلقة بدخول الجنة بالقول أو بالشهادتين  وهي أن معه أصل الإيمان أي التوحيد مات ولم يشرك بالله شيئاً وإن قصر في بعض الأعمال التي هي من الإيمان الواجب لكن لم يفرط في أصل الإيمان لم يشرك بالله شيئاً لأنه من الثابت عند أهل السنة والجماعة أن الجنة لا تدخلها إلا نفس موحدة  وأن الجنة حرام علي المشرك ولا تعارض في كلام الله فوجب التفريق بين :

أصل الإيمان = الإسلام = ظالم لنفسه

الإيمان الواجب =الإيمان        = مقتض

الإيمان المستحب =الإحسان = سابق بالخيرات

فمن ترك أصل الإيمان فليس بمسلم والجنة عليه حرام ومن أتي أصل الإيمان فهو مسلم وإن قصر في الإيمان الواجب وهكذا , والخلط في هذه المصطلحات يؤدي إلي سوء الفهم  والجنوح إلي الإفراط والتفريط والغلو وفهم هذه الثلاث بفهم أهل السنة والجماعة هو سبيل النجاح والفلاح بإذن الله  تعالي .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الخاتمة

أسأل الله جل وعلى في ختام هذه الرسالة أن يتقبل هذا العمل منا ويجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا به في الدنيا والآخرة وكل من قرأه وسمعة وساعد على نشرة ابتغاء ما عند الله وقد جعلنه مختصراً جداً معتبرين ظروف المخاطبين وهو ليس للبسط وإنا كتب للحاجة ليس للتكاثر أو الاستكثار وإنما كتب فيما الناس بحاجة إليه لم يكتب لأجل أن يكتب زلكن كتب لأجل أن يدعو , وبين الأمرين فرق كبير جداً وقد تناولت أصول الاعتقاد إجمالاً وفصلت في المسائل التي هي مثار جدلٍ ونقاش في هذه الأيام مثل حقيقة الإيمان والكفر والرد على شبهات الخوارج والمرجئة والعمل وحكم تاركة وجنس العمل ومفترضاته وبينا أن العمل داخل في مسني الإيمان وركن فيه فترك جنس العمل مسقط لأصل الإيمان فلا يوجد مؤمن عند أهل السنة والجماعة يصح أيمانه إلا ولا بد أن يكون مع الشهادتين جنس العمل الصالح جنس الامتثال للأوامر وجنس الامتثال للنواهي وفرقنا بين جنس العمل ومفرداته

وقد تأملت في أصل هذه المسائل المثارة وسبب الجدال فيها بين الشباب فوجت الخائضين فيها هم من أهل الخير والصلاح الذين أراد الخير وكم من مريد للخير لم يوفق إليه وجل اعتمادهم في تحصيل العلم على قراءة الكتب وسماع الأشرطة مع عدم وجود الموجه والمربى فتعلموا المسائل الكبار وفصلوا فيها حسب فهمهم من غير أن يتقنوا الأصول إتقاناً متينا قويا حتى يكون قادراً على تحمل ورود شبهات أهل الزيغ والبدع والضلال فوجدت البعض منهم يتكلم في هذه المسائل وهو يجهل حقيقة الشرك الذي كان عليه كفارا قريش وأشكلت عليه العبارات والجمل فى  كلام أهل العلم مثل قيام الحجة ومراد العلماء بها ومعنى الكفر الظاهر والكفر الظاهر والباطن والحجة الرسالية والحكمية والحدية والاستتابة ولفظ جنس العمل ومفرداته هذا وغيرة كثر مما يجعله لا يثبت على حال ويكثر التنقل حتى يزيغ ويهلك نسأل الله السلامة والعافية لنا ولجميع المسلمين وهذا كله ناتج من عدم ضبط الأصل وتعلم صغار المسائل قبل كبارها على شيخ متقين وعلية بدراسة الأصول الثلاثة وكشف الشبهات ولمعة الاعتقاد وشروح كتاب التوحيد وغيرها من كتب السنة

وفى الختام أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتقبل منا هذه الرسالة وأن ينفع بها كاتبها وقارئها وناشرها وقد اجتهدت في اختصارها وسهولة ألفاظها حتى تكون في متناول الجميع  ومن أراد التفصيل فعليه بما كتبناه فى التنبيهات, والبيان والإشهار, والأسماء والأحكام فقد فصلنا فيها ما أجملناه هنا

 وإني شاكر لكل أخ اطلع عليها ألا يبخل علينا بالنصيحة وبما يعود علي المسلمين بالنفع والخير واستغفر الله وأتوب إليه من كل قول يخالف الكتاب والسنة وفهم الصحابة لهما وما عليه  سلف الأمة وحسبي أنني طرقت لأبواب وفتحت القنوات لإخواني طلبة العلم والدعاة وأهل الفضل والخير لبحث هذه القاعدة وبسطها والزيادة عليها وتحرير قواعدها والزيادة عليها بالبسط والتفصيل ورحم الله امرءاً عرف قدر نفسه

 وأسال الله أن يسترنا بستره الجميل في الدنيا والآخرة . ويغفر لنا ويرحمنا ويتجاوز عن سيئاتنا وزلاتنا وخطأنا وجهلنا ونسأله سبحانه أن يرزقنا الصدق والإخلاص في القول والعمل وما أردت إلا الحق  والخير لي ولجميع المسلمين فإن وفقت إليهما فهذا بفضل الله  ورحمته وكرمه وتوفيقه وليس لي فيه نصيب . نسأله سبحانه أن ينصر الإسلام والمسلمين وينصر المجاهدين  في سبيله في كل مكان وأن يجعلنا من أنصار دينه وسنة نبيه وعبادة الموحدين

*********************************

 

1وما أجملنا ه هنا بيناه وفصلناه في "التنبيهات المختصرة" فمن أراد التفصيل والبيان فعليه "بالتنبيهات " فهى جامعة مانعة أما الوجاء فهي مجرد مقدمة ومدخل لدراسة العقيدة علي قواعد أهل السنة ثم هو التدرج في طلب العلم ومراحله فكانت الوجاء ثم البيان والإشهار ثم حقيقة التوحيد , ثم حقيقة  الشرك , ثم العذر ثم أخيراً التنبيهات وهي الجامعة للمسائل

.

 

1انظر تفصيل ذلك فى التنبيهات المختصرة على المسائل الخلافية المنتشرة "المسائل الثانية

الحاكمية والحكام وأصول المتحاكمين "فى معرض الرد على أهل التوقف والتبين

1راجع مسألة اللحوم والذبائح والأصل فيها فى "التنبيهات المختصرة "

المسألة الثانية حكم ذبيحة المرتد وأعوان الطاغوت وجنوده

[4] وهي " البيان والإشهار في كشف زيغ من توقف في تكفير المشركين والكفار " تحقيق كلام ابن تيمية وابن عبد الوهاب في كفر المعين والعذر بالجهل وأفردنا مسألة العذر برسالة خاصة هي " العذر بالجهل بين  ضبط السلف واضطراب  الخلف " بين فيها معنى  العذر والحجة وأنواعها عند أهل السنة 

[5] وكرره فى أسأله وأجوبه فى الإيمان والكفر هو والشيخ الراجحى والفوزان فكل من وقع فى الشرك يسمى مشركا هذا هو الاسم الذى سماه الله به ليس له اسم أخر وقد قرر ذلك ابن تيميه وأبن عبد الوهاب فى تاريخ نجد وأبا بطين وأبن سحمان فى كشف الشبهتين وعلى الخضير فى التوضيح والتتمات وراجع عارض الجهل وعقيدة الموحدين ورسالتنا "العذر بالجهل بين ضبط السلف واضطراب الخلف وكذلك البيان والإشهار فإنها كافيه فى المسألة

[6] وقد فصلنا مسألة حقيقة الإيمان ومنزلة الأعمال وحكم تارك أعمال الجوارح بالكلية فى "التنبيهات المختصرة "المسألة الأولى "

 وبالاستقراء والتتبع لأقوال أهل السنة فى أكثر من خمسين مرجعاً بحثوا المسألة بحثاً خاصاً فعليك به يكفيك بإذن الله تعالى

[7] أنظر في تكفير المعين الرسائل والمسائل للإمام محمد ابن عبد الوهاب في تاريخ نجد ومفيد المستفيد في كفر جاهل التوحيد له ,

وتكفير المعين لإسحاق بن عبد الرحمن  وكشف الشبهتين لابن سحمان والانتصار لأ بى بطين , والتوضيح والتتمات للخضير ,

وعارض الجهل وعقيدة الموحدين فهذه الكتب بحثت مسألة تكفير المعين خاصة , فعند معرفة حكم المعين يرجع لهذه الكتب المتخصصة ولا يبحث في الكتب العامة .

[8] وقد فصلنا مسألة تكفير المعين والفرق بين الاسم والعقوبة , والحجة وأنواعها ومعني العذر ومناطة وحقيقته  في رسالتنا "

العذر بالجهل  بين ضبط السلف  واضطراب الخلق " وكذلك رسالتنا " البيان والإشهار فراجعها إن شئت

([9])  سورة البينة : آية 1 – 7.

([10])  سورة العصر : آية 1-3 .

([11])  سورة النحل : آية 32 .

([12])  سورة الزخرف : آية 67  .

([13])  سورة الزخرف : آية 72 .

([14])  سورة الطور : آية 17 – 19.

([15])  سورة المرسلات : آية 41 – 43.

([16])  سورة فاطر : آية 10.

[17] وقد فصلنا القول فى مسألة الحاكمية والحكام وأحوال المتحاكمين وحكم جنود الطاغوت وأعوانهم فى رسالتنا "التنبيهات المختصرة "المسألة الثانية .وألحقنا فى نهاية المسألة أهم المراجع فى موضوع الحاكمية

  • الثلاثاء PM 01:12
    2021-08-24
  • 3083
Powered by: GateGold