المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409184
يتصفح الموقع حاليا : 362

البحث

البحث

عرض المادة

ضرورة اعتماد السنة لسلامة فهم القرآن

المبحث الأول: ضرورة اعتماد السنة لسلامة فهم القرآن

أنزل الله القرآن تبياناً (( لكل شيء من أمور الدين إما بالنص عليه أو بالإحالة على ما يوجب العلم ؛ مثل بيان رسول الله e أو إجماع
المسلمين )).

هكذا فسّر ابن الجوزي([1]) قوله تعالى : ] ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء [ (النحل : 89) . ونسبه إلى العلماء بالمعاني .

وقال تعالى : ] ما فرطنا في الكتاب من شيء [ يُعنى بالكتاب اللوح المحفوظ في قول ابن عباس الثابت عنه ، قال : (( ما تركنا شيئاً إلا وقد كتبناه في أمّ الكتاب )) . وتبعه قتادة وابن زيد .

وفُسِّر الكتاب بالقرآن في القول الثاني لابن عباس ، قال : (( ما تركنا من شيء إلا وقد بيناه لكم )) .

قال ابن الجوزي : (( فعلى هذا يكون من العام الذي أريد به الخاص فيكون المعنى : ما فرطنا في شيء بكم إليه حاجة إلا وبينّاه في الكتاب إما نصاً وإما مجملاً وإما دلالة ))([2]) .

وقال القرطبي : (( ما تركنا شيئاً من أمر الدين إلا وقد دللنا عليه في القرآن ، إما دلالة مبينة مشروحة ، وإما مجملة يُتلقى بيانها من الرسول عليه الصلاة والسلام ، أو من الإجماع ، أو من القياس الذي([3]) ثبت بنص الكتاب، قال الله تعالى : ] ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء [ وقال :
] وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم [ وقال : ] وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [  فأجمل في هذه الآية وآية النحل ما لم ينص عليه مما لم يذكره ، فصدق خبر الله بأنه ما فرّط في الكتاب من شيء إلا ذكره ، إما تفصيلاً وإما تأصيلاً ؛ وقال : ] اليوم أكملت لكم
دينكم [ ([4]) .

وعلى كثرة نظري في كتب التفسير لاستجلاء معنى الآيتين لم أر من فهم منهما أن القرآن لا يحتاج إلى بيان النبي e ، ومن خالف ما أجمع عليه المفسرون ظهر زيغه وانحرافه .

وقد كان الصحابة أرباب الفصاحة والزكانة وكانوا مستغنين عن علوم الوسائل التي افتقر إليها المتأخرون ، بيد أنهم احتاجوا إلى تفسير النبي e ، فبين (( أن الظلم المذكور في قوله : ] ولم يلبسوا إيمانهم بظلم [ هو الشرك، وأن الحساب اليسير هو العرض ، وأن الخيط الأبيض والأسود هما بياض النهار وسواد الليل ، وأن الذي رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى هو جبريل ، كما فسر قوله : ] أو يأتي بعض آيات ربك [ أنه طلوع الشمس من مغربها ، وكما فسر قوله : ] ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة [ بأنها النخلة، وكما فسر قوله : ] يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة [ أن ذلك في القبر حين يُسأل من ربك وما دينك ، وكما فسر الرعد بأنه ملك من الملائكة موكل بالسحاب ، وكما فسر اتخاذ أهل الكتاب أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله بأن ذلك باستحلال ما أحلوه لهم من الحرام وتحريم ما حرموه من الحلال ، وكما فسر القوة التي أمر الله أن نُعدّها لأعدائه بالرمي ، وكما فسر قوله : ] من يعمل سوءاً يجز به[ بأنه ما يجزى به العبد في الدنيا من النصب والهم والخوف واللأواء ، وكما فسر الزيادة في قوله تعالى : ] للذين أحسنوا الحسنى وزيادة [ (يونس : 26) بأنها النظر إلى وجه الله الكريم ))([5]) .

وهي كما ترى معانٍ لا يُتوصل إليها بمجرد إتقان لسان العرب ، فلو لم يأت بها بيان الرسول e لكنا في عماية من أمرها .

فالسنة تبين مجمل القرآن ، قال تعالى : ] وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة[ وقال سبحانه : ] كتب عليكم الصيام [ وقال جل من قائل :
] ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً [ ، فبين النبي e بفعله وقوله أن الصلوات المفروضات خمس في اليوم والليلة وبين أعداد ركعاتها وشروطها وأركانها ثم قال : (( صلوا كما رأيتموني أصلّي )) ، وبين أن الحائض لا صلاة عليها لا أداء ولا قضاء .

وكذلك الزكاة بيّن حقيقتها وعلى من تجب ؟ وبيّن أنصبتها ، وأنها تؤخذ من العين من الذهب والفضة والمواشي من الإبل والغنم والبقر السائمة مرة كل عام ، وأوجبها في بعض ما أخرجت الأرض دون بعض([6]) .

(( وبيّن أن الصيام هو الإمساك بالعزم على الإمساك عما أمر بالإمساك عنه من طلوع الفجر إلى دخول الليل ))([7]) .

وفرض على البالغين من الأحرار والعبيد ذكورهم وإناثهم إلا الحيّض فإنهن يقضين عدة من أيام أخر .

وبيّن الرسول e أن الحج لا يجب في العمر إلا مرة واحدة وبيّن ما يلبس المحرم مما لا يلبسه وحدّد مواقيت الحج والعمرة وبيّن عدد الطواف وكيفيته ، كلّ ذلك ليس بيانه في القرآن .

وأوجب الله سبحانه قطع يد السارق فقال : ] والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما [ فبينت السنة أنها لا تقطع إلا في ربع دينارفصاعداً وأنها تقطع من مفصل الكوع .

فلو تُرِكْنا وعقولَنا لم نعرف هذه الأحكام ، فتبيّن أنه لا يُستغنى عن السنة في فهم القرآن ، وقد عرف الصحابة ذلك فكانوا يعرفون للسنة قدرها، فهذا جابر بن عبد الله يقول أثناء سرده صفة حج النبي e (( ورسول الله e بين أظهرنا ، وعليه ينزل القرآن ، وهو يعرف تأويله ، وما عمل به من شيء عملنا به ))([8]) .

وعن ابن عمر قال : قال رسول الله e : (( ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد)) فقال ابن له ، يقال له واقد : إذن يتخذنه دَغَلاً .

قال : فضرب في صدره وقال : أحدثك عن رسول الله e ، وتقول : لا !([9]) .

وروي عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه ذكر الشفاعة ، فقال رجل من القوم : يا أبا نجيد ، إنكم تحدثونا بأحاديث لم نجد لها أصلاً في القرآن ، فغضب عمران وقال للرجل : قرأت القرآن ؟ قال : نعم . قال : فهل وجدت فيه صلاة العشاء أربعاً ووجدت المغرب ثلاثاً ، والغداةركعتين ، والظهر أربعاً والعصر أربعاً ؟ قال : لا . قال : فعمن أخذتم ذلك ؟ ألستم عنّا أخذتمونا وأخذناه عن رسول الله e ؟ أوجدتم فيه : في كل أربعين شاة شاة، وفي كل كذا بعيراً كذا ، وفي كل كذا درهماً كذا ؟ قال : لا . قال : فعمن أخذتم ذلك ؟ ألستم عنا أخذتموه وأخذناه عن النبي e ؟ . وقال: في القرآن ] وليطوفوا بالبيت العتيق [ (الحج : 29) . أوجدتم في القرآن: (( لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام )) ؟ أما سمعتم الله قال في كتابه: ] وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [ ؟! قال عمران : فقد أخذنا عن رسول الله أشياء ليس لكم بها علم([10]) .

وعن أيوب السختياني أن رجلاً قال لمطرف بن عبد الله بن الشخير : لا تحدثونا إلا بالقرآن . فقال له مطرف : (( والله ما نريد بالقرآن بدلاً ؛ ولكنا نريد من هو أعلم بالقرآن منا ))([11]) .

فبهؤلاء السلف فلنقتد ، ولتعظُم السنن في قلوبنا ، ولنُربّ الأجيال على احترامها وتطبيقها ، وما لم يكن يومئذ ديناً فلن يكون اليوم ديناً ، فيا تُرى من أين يأخذ القرآنيون دينهم ؟ ومَنْ إمامهم في بدعتهم ؟ ليتوبوا إلى الله قبل فوات الأوان ، وليراجعوا دينهم قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال .


المبحث الثاني: خلاصة جهود من سبقنا في الدفاع عن السنة

 

ألّف الشافعي كتاب " الرسالة " وهو صاحب السبق في هذا الباب وصاحب الإجادة والإتقان فيه وتبعه الإمام أحمد فصنّف "طاعة الرسول e"([12]) ردَّ فيه على من احتج بظاهر القرآن في معارضة سنة رسول الله e وترك الاحتجاج بها .

ثم قفاهما أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة فألف كتابه " تأويل مختلف الحديث " ردَّ فيه على أعداء السنة وبخاصة المعتزلة.

ثم تلاهم محمد بن نصر المروزي فصنّف كتابه " السنة " وأجاد فيه وأفاد ووصل إلينا ناقص الأول .

وألّف ابن عبد البر " جامع بيان العلم وفضله " وضمنه أبواباً كثيرة في الحث على لزوم السنة والدفاع عنها .

ثم جاء بعدهم أبو المظفر السمعاني فألف كتابه المستطاب " الانتصار لأهل الحديث "

ثم جاء شيخ الإسلام ابن تيمية فصنّف منهاج السنة وأبدع فيه ، وأتى بعده تلميذه ابن قيم الجوزية فحرّر كتابه " الصواعق المرسلة " وبحث فيه مسألة خبر الواحد بما لا مزيد عليه ، كما صنَّف " إعلام الموقعين " وخصص مئات الصفحات للذبّ عن السنن .

وألف محمد بن إبراهيم الوزير اليمني " العواصم والقواصم "([13]) واختصره في "الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم "([14]) .

وألّف السيوطي " مفتاح الجنة في الاعتصام بالسنة "([15]) .

وألّف مصطفى السباعي " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي "([16]) .

ألّف عبد الحليم محمود ( … - 1398 هـ ) شيخ الأزهر الأسبق " السنة ومكانتها في التشريع "([17]) .

وكتب عبد العزيز بن راشد آل حسين ( … - 1403 هـ ) " رد شبهات الإلحاد عن أحاديث الآحاد "([18]) .

وألف الدكتور محمد أمان الجامي " السنة ومنزلتها في التشريع
الإسلامي "([19]) .

وأعدّ صالح أحمد رضا رسالة بعنوان " ظاهرة رفض السنة وعدم الاحتجاج بها " .

وكتب محمد عبد الرزاق حمزة " ظلمات أبي رية " وأبو ريّة أنكر السنة إنكاراً كلياً .

وردّ عليه أيضاً عبد الرحمن بن يحيى المعلّمي في كتابه " الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء السنة من التضليل والمجازفة "([20]) وكتب عبد الغني عبد الخالق " حجية السنة " [21]وهو أقوى المعاصرين .

وألّف محمد محمد أبو شهبة " دفاع عن السنة وردّ شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين "([22]) .

وكتب تقي الدين الندوي " السنة مع المستشرقين والمستعربين "([23]) .

وأعدّ الدكتور أحمد محمود عبد الوهاب الشنقيطي رسالة بعنوان " خبر الواحد وحجيته "([24]) طبع في الجامعة الإسلامية .

وهناك رسالة في جامعة أم القرى بعنوان " حجية السنة في التشريع الإسلامي"، ورسالة أخرى في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بعنوان "حجية السنة والرد على شبه المنكرين ".

ونشرت رابطة العالم الإسلامي كتاباً بعنوان " موقف الجمهوريين من السنة "

كما نشرت " السنة في مواجهة الأباطيل " لمؤلفه محمد طاهر حكيم([25]).

كما كتب محمد ناصر الدين الألباني ثلاث رسائل إحداها " الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام "([26]) ، والثانية " منزلة السنة في الإسلام ، وبيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن "، والثالثة "وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة والأحكام"([27]) .

وكتب عبد المتعال محمد الجبري "حجية السنة ومصطلحات المحدثين وأعلامهم"([28]).

وألّف محمد الصادق بن محمود بسيّس التونسي([29]) " دفاعاً عن السنة النبوية " .

وكتب صلاح الدين مقبول " زوابع في وجه السنة قديماً وحديثاً "([30]) .

وألّف محمد لقمان السلفي " مكانة السنة في التشريع الإسلامي "([31]) .

وصنّف أبو عبد الرحمن القاضي بَرهُون " خبر الواحد في التشريع الإسلامي"([32]) .

وأعدّ الأمين الصادق الأمين رسالة ماجستير بعنوان " موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية "([33]) .

وألّف عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين " أخبار الآحاد في الحديث النبوي حجيتها ، مفادها ، العمل بموجبها "([34]) وهي رسالته الماجستير .

وكتب عبد العزيز بن فيصل الراجحي " قدوم كتائب الجهاد لغزو أهل الزندقة والإلحاد القائلين بعدم الأخذ بحديث الآحاد في مسائل الاعتقاد "([35]) .

وألّف خادم حسين إلهي بخش كتابه المستطاب " القرآنيون وشبهاتهم حول السنة "([36]) وهو رسالته الماجستير .

 

 

 

 

 


المبحث الثالث: حكم منكر حجية السنة

لقد بيّن الرسول e أن فيمن يقرأ القرآن منافقين فقال : ((ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة : ريحها طيب وطعمها مر … ))([37]) .

وأوضح الله سبحانه أنه جعل أعداء للأنبياء يناوئونهم ويصدون الناس عنهم بكلام يزخرفونه فقال تعالى : ] وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً[ (الأنعام 112) ، فليعلم المسلمون أن كلّ كلام يخالف الشرع يزخرفه صاحبه لتمويهه والتلبيس به على الناس حتى يغتروا به ويتلقفوه. وكل عمل يخالف الشرع كذلك يزينونه حتى يروج بين الناس . فهؤلاء الأعداء الذين يتظاهرون بالإسلام ويكيدون له ليل نهار لم يَخْفَ أمرُهم على علماء الإسلام فنبّهوا الناس على سوء مذهبهم ورموهم بالكفر والإلحاد إما وصفاً أو أعياناً ، فإليك بعض ما قاله أهل العلم في منكري السنة :

قال محمد بن نصر المروزي عن المسح على الخفين : (( من أنكر ذلك لزمه إنكار جميع ما ذكرنا من السنن وغير ذلك مما لم نذكر ، وذلك خروج عن جماعة أهل الإسلام ))([38]) .

قال الآجري : (( جميع فرائض الله التي فرضها في كتابه لا يعلم الحكم فيها إلا بسنن رسول الله e .

هذا قول علماء المسلمين ، من قال غير هذا خرج عن ملة الإسلام ودخل في ملة الملحدين ))([39]) .

وقال ابن حزم : (( لو أن امرأً قال : لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن لكان كافراً بإجماع الأمة ، ولكان لا يلزمه إلا ركعة ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل ، وأخرى عند الفجر ؛ لأن ذلك هو أقلّ ما يقع عليه اسم صلاة ولا حد للأكثر في ذلك ، وقائل هذا كافر مشرك حلال الدم والمال ، وإنما ذهب إلى هذا بعض غالية الرافضة ممن قد اجتمعت الأمة على كفرهم ))([40]) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( محمد e مبعوث إلى الثقلين إنسهم وجنهم ، فمن اعتقد أنه يسوغ لأحد الخروج عن شريعته وطاعته فهو كافر يجب قتله ))([41]) .

وعلّق ابن دقيق العيد على طعون بعض الزائغين على حديث الذباب بقوله : ((إن هذا وأمثاله مما تُرد به الأحاديث الصحيحة إن أراد به قائلها إبطالها بعد اعتقاد كون الرسول e قالها كان كافراً مجاهراً ، وإن أراد إبطال نسبتها إلى الرسول e بسبب يرجع إلى متنه فلا يكفر ، غير أنه مبطل لصحة الحديث))([42]) .

قال السيوطي : (( إن من أنكر كون حديث النبي e قولاً كان أو فعلاً بشرطه المعروف في الأصول – حجة كفر ، وخرج عن دائرة الإسلام وحشر مع اليهود والنصارى أو مع من شاء الله من فرق الكفرة ))([43]) .

وقال المعلمي : (( منكر وجوب العمل بالأحاديث مطلقاً تقام عليه الحجة، فإن أصرّ بان كفره . ومنكر وجوب العمل ببعض الأحاديث إن كان له عذر من الأعذار المعروفة بين أهل العلم وما في معناها فمعذور ، وإلا فهو عاص لله ورسوله ، والعاصي آثم فاسق . وقد يتفق ما يجعله في معنى منكر وجوب العمل بالأحاديث مطلقاً ))([44]) .

قال العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله :

(( إن ما تفوّه به رشاد خليفة من إنكار السنة والقول بعدم الحاجة إليها كفر وردة عن الإسلام؛ لأن من أنكر السنة فقد أنكر الكتاب، ومن أنكرهما أو أحدهما فهو كافر بالإجماع، ولا يجوز التعامل معه وأمثاله، بل يجب هجره والتحذير من فتنته وبيان كفره وضلاله في كل مناسبة حتى يتوب إلى الله من ذلك توبة معلنة في الصحف السيارة، لقول الله عز وجل:] إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون . إلا الذين تابوا واصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم[ (البقرة : 159 ، 160)  ))([45]).

وقال أيضاً: ((من المعلوم عند جميع أهل العلم أن السنة هي الأصل الثاني من أصول الإسلام وأن مكانتها في الإسلام الصدارة بعد كتاب الله عز وجل، فهي الأصل المعتمد بعد كتاب الله عز وجل بإجماع أهل العلم قاطبة، وهي حجة قائمة مستقلة على جميع الأمة، من جحدها أو أنكرها أو زعم أنه يجوز الإعراض عنها والاكتفاء بالقرآن فقد ضلّ ضلالاً بعيداً، وكفر كفراً أكبر وارتدّ عن الإسلام بهذا المقال، فإنه بهذا المقال وبهذا الاعتقاد يكون قد كذّب الله ورسوله، وأنكر ما أمر الله به ورسوله، وجحد أصلاً عظيماً فرض الله الرجوع إليه والاعتماد عليه والأخذ به، وأنكر إجماع أهل العلم عليه وكذب به ، وجحده…..

…… ونبغت نابغة بعد ذلك، ولا يزال هذا القول يذكر فيما بين وقت وآخر، وتسمى هذه النابغة الأخيرة " القرآنية " ويزعمون أنهم أهل القرآن، وأنهم يحتجون بالقرآن فقط ، وأن السنة لا يحتج بها ؛ لأنها إنما كتبت بعد النبي e بمدة طويلة ، ولأن الإنسان قد ينسى وقد يغلط ، ولأن الكتب قد يقع فيها غلط ؛ إلى غير هذا من الترهات ، والخرافات ، والآراء الفاسدة ، وزعموا أنهم بذلك يحتاطون لدينهم فلا يأخذون إلا بالقرآن فقط . وقد ضلوا عن سواء السبيل ، وكذبوا وكفروا بذلك كفراً أكبر بواحاً ؛ فإن الله عز وجل أمر بطاعة الرسول عليه الصلاة والسلام واتباع ما جاء به وسمى كلامه وحياً في قوله تعالى : ] والنجم إذا هوى . ما ضل صاحبكم وما غوى . وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى [ (النجم:1-4)، ولوكان رسوله لا يتبع ولا يطاع لم يكن لأوامره ونواهيه قيمة .

وقد أمر e أن تبلغ سنته ، فكان إذا خطب أمر أن تبلّغ السنة ، فدل ذلك على أن سنته e واجبة الاتباع وعلى أن طاعته واجبة على جميع الأمة … ومن تدبر القرآن العظيم وجد ذلك واضحاً ))([46]) .

وكفّر سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز زعيم القرآنيين غلام أحمد برويز ، وذلك في تعقيب له على مجلة الحج " التضامن الإسلامي " التي نشرت استفتاء من الشيخ محمد يوسف البنوري عن حكم الشريعة في غلام أحمد برويز وقدّم عشرين نموذجاً مما تكلّم به برويز أو سطّرت يده ، فقال ابن باز رحمة الله عليه: (( كلّ من تأمل هذه  النماذج المشار إليها من ذوي العلم والبصيرة يعلم علماً قطعياً لا يحتمل الشك بوجه مّا أن معتنقها ومعتقدها والداعي إليها كافر كفراً أكبر مرتد عن الإسلام ، يجب أن يستتاب ، فإن تاب توبة ظاهرة وكذّب نفسه تكذيباً ظاهراً يُنشر في الصحف المحلية ، كما نشر فيها الباطل من تلك العقائد الزائفة وإلا وجب على وليّ الأمر للمسلمين قتله ، وهذا شيء معلوم من دين الإسلام بالضرورة ، والأدلة عليه من الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم كثيرة جداً لا يمكن استقصاؤها في هذا الجواب ، وكل أنموذج من تلك النماذج التي قدمها المستفتي من عقائد غلام أحمد برويز يوجب كفره وردته عن الإسلام عند علماء الشريعة الإسلامية )) .

ومن النماذج التي نقلت عنه نموذج مضمونه أن الأحكام المالية في القرآن من الصدقات والتوريث وغيرها مؤقتة وإنما يتدرج بها إلى " نظام الربوبية " وقد انتهت أحكامها .

وهناك نموذج آخر مضمونه أن الرسول والصحابة استنبطوا من القرآن أحكاماً كانت خاصة بهم ، ولكل من جاء بعدهم من أعضاء شورى حكومة مركزية أن يستنبطوا أحكاماً أخرى وليسوا ملزمين بتلك الشريعة السابقة .

ونموذج آخر مضمونه أن المراد من طاعة الله وطاعة الرسول إطاعة مركز نظام الدين الذي ينفذ أحكام القرآن فقط .

ونموذج آخر نصه (( ليس المراد بالجنة والنار أمكنة خاصة ، بل هي كيفيات للإنسان))([47]) .


 

([1]) في زاد المسير ( 4 / 482 ) .

([2]) المصدر السابق .

([3]) كذا ولعلها (( على الذي )) .

([4]) الجامع لأحكام القرآن ( 6 / 420 ) .

([5]) إعلام الموقعين ( 2 / 315 ) .

([6]) السنة للمروزي 36 .

([7]) المصدر السابق 37 .

([8]) صحيح مسلم ( 1218 ) .

([9]) صحيح مسلم ( 442 / 139 ). والدَّغَل: دَخْلٌ في الأمر مُفْسِد. اه‍ القاموس.

([10]) أخرجه ابن بطة العكبري في الإبانة ح66 (ص234–235) كتاب الإيمان بطوله، وأخرجه أيضاً (ح65و67 ) والآجري في الشريعة (1/417) والحاكم في المستدرك (1/109) وابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/1192) مختصراً ، وقال محقق الإبانة : لا بأس بسنده ، وقوّاه محقق جامع بيان العلم .

([11]) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم ( 2 / 1193 ) وصحّح المحقق إسناده .

([12]) ذكره ابن قيم الجوزية في اعلام الموقعين ( 2 / 290 ) .

([13])  حققه شعيب الأرناؤوط وصدر عن دار البشير .

([14])  له عدة طبعات .

([15])  له عدة طبعات منها بتحقيق مصطفى عاشور .

([16])  طبع المكتب الإسلامي .

([17])  تكملة معجم المؤلفين 273 .

([18])  المصدر السابق 303 .

([19])  طبع المكتب الإسلامي .

([20])  صدر عن عالم الكتب .

([21]) صدر عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي ط1 1407هـ .

([22])  إصدار مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر .

([23])  توزيع المكتبة الإمدادية .

([24])  طبعته الجامعة الإسلامية بالمدينة .

([25])  ضمن سلسلة دعوة الحق .

([26])  الدار السلفية – الكويت .

([27])  الأصالة – العدد الثالث والعشرون – 15 شعبان 1420 هـ .

([28])  مكتبة وهبة – القاهرة 1407 هـ .

([29])  تكملة معجم المؤلفين 496 .

([30])  صدر عن دار عالم الكتب بالرياض دون تاريخ .

([31])  عن دار الداعي بالرياض ط 2 ، 1420 هـ .

([32])  عن أضواء السلف بالرياض ط 2 ، 1419 هـ .

([33])  مكتبة الرشد بالرياض ط 1 ، 1418 هـ .

([34])  دار عالم الفوائد بمكة المكرمة ط 2 ، 1416 هـ .

([35])  دار الصميعي ط 1 ، 1419 هـ .

([36])  عن مكتبة الصدّيق بالطائف ط 1 ، 1409 هـ .

([37]) أخرجه البخاري ( 5059 ) ومسلم ( 797 ) من حديث أبي موسى الأشعري .

([38]) السنة 104 .

([39]) الشريعة للآجري ( 1 / 412 ) . 

([40]) الإحكام في أصول الأحكام 2 / 80 .

([41]) الوصية الكبرى ضمن مجموعة الرسائل الكبرى ( 1 / 315 ) .

([42]) شرح الإلمام 2 / 177 – 178 .

([43]) مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة 14 .

([44]) الأنوار الكاشفة لما في كتاب "أضواء على السنة" من الزلل والتضليل والمجازفة 81-82.

([45]) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة 2 / 403 .

([46]) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ( 9 / 176 – 178 ) .

([47]) المصدر السابق (3/ 268-270 ) ثم ردّ عليه بالآيات والأحاديث في الصفحات بعدها ، وختم كلامه بقوله : إن كفر برويز يُعلم بالبداهة لعامة المسلمين فضلاً عن علمائهم فلا ضرورة إلى بسط الأدلة عليه .

  • الاحد PM 07:02
    2021-08-22
  • 1407
Powered by: GateGold