المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413953
يتصفح الموقع حاليا : 313

البحث

البحث

عرض المادة

الإسلام والليبرالية نقيضان لا يجتمعان

 

سؤالان يوضحان

الفرق بين الإسلام والليبرالية

 

السؤال

الإسلام

الليبرالية

مَن له حق التحليل والتحريم؟ مَن له الحق أن يقول: هذا حلال وهذا حرام؟

اللهُ ـ خالقُ البشر الذي خلقهم ويعلم ما فيه مصلحتهم.

على النطاق الفردي كل شخص حُرٌ يفعل ما يشاء ، أما على نطاق المجتمع فما رآه أغلبية الشعب حلالًا فهو حلال وما رأوه حرامًا فهو حرام.

ما حكم الزنا ، والشذوذ الجنسي ، والربا وشرب الخمر؟

من كبائر الذنوب ومن اعتقد أن أيًا  منها حلال فهو كافر.

على نطاق الفرد حرية شخصية ، أما بالنسبة للمجتمع فهو حسب رأي أغلبية الشعب.

 

أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ ،  وَخَيْرَ الْـهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ص ،  وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِى النَّارِ.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ت قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ص: «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ» ، قِيلَ:«وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟»قَالَ: «الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ». (رواه ابن ماجه  ، وصححه الألباني).

وفي رواية :«السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ».

(رواه الإمام أحمد في المسند ، وحسنه الأرنؤوط).

وفي رواية :« الْفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ » (رواه الإمام أحمد في المسند ، وحسنه الأرنؤوط).

(سَنَوَاتٌ) جَمْعُ سَنَةٍ ، (خَدَّاعَاتُ) الخداع المكر والحيلة ، وإضافة الخداعات إلى السنوات مجازية. والمراد أهل السنوات.

(الرُّوَيْبِضَةُ) تضغير رابضة. وهو العاجز الذي ربض عن معالي الأمور وقعد عن طلبها ، وَالتَّافِهُ الْحَقِيرُ الْيَسِيرُ ، أَيْ: قَلِيلُ الْعِلْمِ» ([1]).

ونحن في زمن اختلطت فيه بعض المفاهيم على كثير من الناس فانخدعوا بأبواق الإعلام العلماني المعادي لكل ما هو إسلامي ، وصار - عند هؤلاء المخدوعين – بعض الحقِّ باطلًا وبعض الباطلِ حقًّا ، متأثرين بالمتعالمين وأدعياء الثقافة وأعداء الإسلام الذين يحاولون جاهدين تشويه منهج الإسلام العظيم عن طريق تشويه الدعاة إليه ، وإثارة الشبهات حوله.

ومن المفاهيم التي التبسَتْ على الناس مفهوم (الليبرالية) التي ظن بعض الناس أنها تعني الحرية التي كانوا منها محرومين ، وكانوا إليها تواقين ، ولم يدركوا معناها الحقيقي الذي يخالف أصول الإسلام ، والذي يجعلها دينًا عند أهلها ، كما سيرى القارئ الكريم في صفحات هذا الكُتَيّب.

وقد كَثُر في الآوِنِة الأَخيرةِ تَرديدُ كَلِمِةِ (اللِيبراليِّةِ) عَلى أَلسنِةِ النِّاس ، وَعَلى صَفحاتِ الصُّحُفِ اليَوميِّة وَغَيرِها مِنَ وَسائِل الإعلام ، بَعدَ أَن نَشَأَت في بلاد المسلمين أَحزابٌ تَنتَسِبُ إِلى هذِهِ العَقيدةِ الضالَّة ، وَغَدَت تَدعُو إِلى مَبادِئِها الهَدَّامةِ ، مِثل :

  • الدعوة إلى تَرْك الاحتكام إلى الشريعة الإلهيِّة بدعوى اللحاق بركب المستقبل.
  • وإلى السماح بنشر الدعوة إلى الكفر والإلحاد ، بدعوى التسامح والانفتاح على الثقافات الأُخرى واحترام حريِّة الرأي والنشر والتعبير.
  • وإلى الهبوط من سموِّ الأخلاق الإسلامية ، إلى حضيضِ الرذائل البهيميِّة ، تحت شعار الحريّة الشخصيّة.
  • وإلى محاربة الفضيلة وحجاب المرأة والعفاف والشيم الكريمة.

وغدت هذه الأحزاب تحضُّ الناس على اعتناق هذه العقيدة التي تُدْعَى (الليبراليَّة) ، وما هي سوى تخاريف شيطانيَّة ، ابتدعها فلاسفة من أوربا ، حقيقةُ أمرِهم أنهم زنادقة لا يؤمنون برب معبود ، ولا بيومٍ مشهود ، ولا يدينون بشريعة إلهيّة يلتزمونها ، ولا برسول يطاع ويُتَّبَع ، وإنما غاية مرامهم ، تزيين المنكرات ، واتباع الشهوات ، والكفر بخالق الأرض والسموات.

و أما هذه الأحزاب الضاَّلة فغاية مقصدها هدم الشريعة الإسلاميَّة وإلغاؤها بالكليَّة ، أو عزلها من الحياة ، وحصرها في المسجد والعبادات الشخصيَّة.

وهدف هذه الأحزاب هو إلحاق الأمة الإسلاميِّة ، بمناهج الغرب المتهتِّك الضالِّ الملحد الكافر ، وطمس معالم الأخلاق الإسلاميِّة ، وصدّ الناس عن التمسُّك بتعاليم الكتاب العزيز ، والسنة النبويِّة الشريفة ، بدعوى اللّحاق بركب الحضارة المعاصرة ، كأنَّ الحضارة لا تكون إلا بالكفر والإلحاد ، أو التهتك والانحلال والفساد.

ومن هنا كانت هذه الرسالة لكي تستبين سبيلُ المجرمين ، وليأخذ المؤمنون حِذْرَهُم كما أمرهم الله ـ ، وليأخذوا على أيدي المفسدين فيهم ، وليحذّروا من أتباع هذه الأحزاب ، وليمنعوا رموز هذه الأحزاب ما استطاعوا من الوصول إلى المواقع التي تمكنهم من تطبيق أفكار أحزابهم الخبيثة على المسلمين.

وأسأل الله ﻷ أن ينفعني والمسلمين بهذه الورقات وأن يرزقنا الإخلاص في السر والعلن ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه ـ سيدنا محمد ـ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.                                     

ما هي

الليبرالية؟

 

بيان معنى العَلَمانيّة التي هي أصل الليبراليّة:

العَلَمانيّة تُعْرَفُ في أوربا - وهي البلاد التي نشأت فيها - بـ :«ألاّ يكون الإنسان مُلزَمًا بتنظيم أفكاره وأعماله وفق معايير مفروضة على أنها شريعة أو إرادة إلهيِّة» ، ويطلق على هذا الفكر في اللغة الانجليزية التي هي لغته الأصلية  SECULARISM  ، وهي تعني (اللاَّدينية ) ، غير أنها اشتهرت باسم ( العَلَمانيّة) ، ولعلَّ ذلك كان مقصودًا بغيةَ إلباسها لبوسًا يجعلها مقبولة بين المسلمين.

وفي قاموس (أكسفورد) عُرِّفَتْ بما يلي :«العلمانيَّة مفهوم يرى ضرورة أن تقوم الأخلاق والتعليم على أساس غير ديني».

 

الأركان التي تقوم عليها العَلَمانية :

العلمانية تقوم على ثلاثة أركان هي :

الركن الأول : قَصْر الاهتمام الإنساني على الدنيا فقط ، وتأخير منزلة الدين في الحياة ، ليكون من ممارسات الإنسان الشخصيَّة ، فلا يتدخل في الحياة العامة.

الركن الثاني: فَصْل العلم والأخلاق والفكر والثقافة عن الالتزام بتعاليم الدين ، أيِّ دين كان.

الركن الثالث: إقامة دولة ذات مؤسسات سياسية على أساس غير ديني.

 

ينقسم الناس بالنسبة إلى موقفهم من أحكام الشريعة الإسلامية الى أربعة أقسام :

القسم الأوّل:

 يقبلونها ويعتقدون أنها كلها حق ويعملون بها قدر استطاعتهم ، وهم مع ذلك إن عَصَوا وخالفوا ما أمر الله ـ به ، استغفروا وتابوا ، فهؤلاء هم المسلمون المؤمنون المستقيمون على طاعة الله ـ ، ومنهم المقتصد الذي يأتي بالواجبات وينتهي عن المحرمات ، ومنهم السابق بالخيرات الذي يزيد في الطاعات والحسنات من النوافل والمستحبات.

 

القسم الثاني:

وهم الذين يقبلون جميع أحكام الله ـ وما جاء به الرسول ص ، ويعتقدون أنها كلها حق من عند الله ـ ، ولا يعترضون على شيء منها ، ولا يقولون نؤمن ببعض ونرفض بعضًا بعقولنا وأهوائنا ، ولكنهم مع ذلك تغلبهم الشهوات فيقعون في الذنوب والمعاصي والآثام وهم يعلمون أنَّ ما فعلوه مخالف لأحكام الله ـ ، ويقِرُّون بأنهم عاصون مذنبون ، ولكنَّهم يسوِّفون التوبة ويؤخِّرونها بتزيين الشيطان وطول الأمل.

فهؤلاء عُصاةٌ قد ظلموا أنفسهم ، لكنَّهم مسلمون لأنَّهم يؤمنون بالدين كلِّه ، ولا يرفضون شيئًا منه ، لا ظاهرًا ولا باطنًا ، غير أنهم ناقصو الإيمان ، وحكمهم أنَّ أمْرَهم إلى الله ـ إن ماتوا على المعاصي ولم يتوبوا منها قبل الموت ، فيحكم الله فيهم يوم القيامة ، إن شاء غفر لهم ، وإن شاء عذبهم ، وإن عذبَّهم فمآلهم بعد العذاب إلى الجنَّة ماداموا موحِّدين من أهل الصلاة ، ما لم تهوي بهم كبائر الذنوب إلى حضيض الشرك والكفر قبل الموت ، لأن الكبائر ـ كما قال العلماء ـ هي دهليز الكفر ، وأهل الكبائر على خطر عظيم ، ومن ذلك أن يُرانَ على قلوبهم مع كثرة الذنوب ، فيسهل عليهم الكفر بالله ـ ، فيصيرون إليه قبل الموت ، خذلانًا من الله ـ ، عياذا بالله من سوء الخاتمة.

القسم الثالث :

وهم الذين يرفضون أحكام الله ـ كلها ، ويعتقدون أن الأديان ليست سوى اجتهادات بشريِّة لمصلحين اجتماعيين أو مفكرين سياسيين ، ولا يوجد وحي من الله ـ مُنَزَّلٌ على الرسل ‡ ، وقد يعتقد بعض هؤلاء أن الله ـ خلق الكون والإنسان ، ولكنَّه تركه ليهدي نفسه بنفسه ، لأنَّه ركَّب فيه العقل وتركه ينير للإنسان طريق الهداية ، وهؤلاء هم الكفّار الذين لا يؤمنون بما أنزل الله ـ .

القسم الرابع:

وهم الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض ، ويجعلون الدين أجزاء بحسب أهوائهم ، ويقولون نؤمن بما يوافق أهواءنا منه ، ونرفض ما سواه ، أو نَعْرِضُ ذلك على التصويت حسب عدد الأصوات.

 فما قبله أكثر الناس بناءً على قناعاتهم العقليِّة التزمناه وجعلناه قانونًا حاكمًا على العباد لاحاكم سواه ، وعاقَبْنَا مَن يخالفه ، وما رفضه التصويت والعقل تركناه وأهملناه ، ولا يهمُّنا أن الله ـ أنزله وفرضه ، فالعقل والتصويت هما الحاكمان على الدين ، وهما الإله المعبود لديهم ، وهما المنهج الهادي ، بدل كتاب الله ـ وسنَّة رسوله ص.

ولا ريب أن التشريعات المناقضة لشريعة الله ـ ، ليست سوى أنداد تضل عن شريعة الله التي هي سبيله وصراطه المستقيم الذي وضعه نورًا وهدى للناس ، ويصدق على تلك التشريعات المناقضة لشريعة الله.

من المعلوم أن الدين كلُّ ، لا يقبل أن يتجزأ من جهة القبول به والإذعان له ، وأن من رفض حكمًا من أحكام الله ـ ، وكفر به واعتقد أنه لا يصلح لهذا الزمان ، وأن تطبيقه يجب أن يُعرضَ على العقل ، أو على التصويت ، فإن وافق ذلك أحكام الله ـ كان بها ونعمت ، وإن لم يوافق أحكام الله ـ تركنا ما أنزل الله ـ وراء ظهورنا ، واتبعنا عقولنا ونتيجة التصويت ، من زعم ذلك فهو كافر مشرك بالله تعالى.

 

قال الشيخ محمد متولي الشعراوي / :« إياك أن تَرُدَّ الأمرَ على الله ـ سبحانه وتعالى ـ لا تَقُل إن هذه الشريعة لم تَعُدْ تناسب العصر الحديث ، فإنك بذلك تكون قد كفرت ، والعياذ بالله»([2]).

وإذا كان إبليس قد كفر ولعنه الله لاعتراضه على أمر واحد من أوامر الله – وهو الأمر بالسجود لآدم ؛ – فما بالك بمن يرفضون الكثير من أوامر الله ونواهيه بحجة أنها لا تناسب العصر الحديث.

وكأنهم يتهمون الله ﻷ بأنه لا يعلم ما يصلح الإنسان

وفيما يلي بعض الآيات القرآنية الدالة على وجوب التحاكم إلى شريعة الله وكُفْر مَن لم يعتقد وجوب التحاكم إليها في كل صغير وكبير ، وكفر مَن آمن ببعض أحكام الله ـ دون بعض

ومن اعتقد أنّ المناهج الشيوعية أو العلمانيَّة أو الليبراليَّة أو غيرها أهدى مما أنزل الله ـ فقد كفر بالله ﻷ لأنه بذلك يكون قد أعرض عن أحكام الله ـ.

ومعنى السِّلم في هذه الآية هو الإسلام ، أي ادخُلُوا في جميع الإسلام ، وآمنوا بجميع أحكامه ، لا كالذين يؤمنون ببعض ، ويكفرون ببعض.

وقد أمر الله ـ نبيّه الكريم في هذه الآية الكريمة أن يستقيم على الشريعة ، ونهاه أن يتبع أهواء الجاهلين ، وبَيَّنَ أنه أنزل هذا القرآن المشتمل على الشريعة التامة ، فهي البصائر والهدى والرحمة ، وغيرها الضلال والحيرة والجهل.

 

معنى الليبرالية:

الليبرالية فكرةٌ ليست من صنع عَقلٍ بشري واحد ، ولا وليدةَ بيئةٍ ثقَافيةٍ أو ظروفٍ زمَنيةٍ واحدة ، فقد تعددت تعريفاتها بعد أن استقرت فلسفةً فكرية غربية وضعية ، تنزع إلى المادية والفردية والتحرر من كل قيدٍ أو ثابت ، إلا ثابت واحد وهو عدم الثَّبات ؛ فكل شيء في المذهب الليبرالي متغير ، وقابل للجدل والأخذ والرد.

والليبرالية هي - في الأصل - مصطلحٌ أجنبيٌّ مُعرَّب ، مأخوذ من (Liberalism) في الإنجليزية ، و(Liberalisme) في الفرنسية ، وهي تعني : (التحررية) ، ويعود اشتقاقها إلى (Liberty) في الإنجليزية ، و(Liberte) في الفرنسية ، ومعناها الحرية.

ولم يتفق صنَّاع الليبرالية والمنظِّرين لها على تعريفٍ يُحدد معناها بوضُوح ، لكنهم اتفقوا على وصفها بـ «الحرية المطلقة».

 

والليبرالية:

مذهب رأسمالي ينادي بالحرية المطلقة في الميدانين الاقتصادي والسياسي ، ولها تعريفات مرتكزها: الاستقلالية ؛ ومعناها: التحرر التام من كل أنواع الإكراه الخارجي: دولة ، جماعة ، فردًا ؛ ثم التصرف وفق ما يُمْليه قانون النفس ورغباتها ، والانطلاقة والانفلات نحو الحريات بكل صورها: مادية ، سياسية ، نفسية ، ميتافيزيقية (عَقَدِيّة).

والليبرالية هي وجه آخر من وجوه العلَمانية ، وهي تعني في الأصل الحرية ، غير أن معتنقيها يقصدون بها أن يكون الإنسان حرًا في أن يفعل ما يشاء ويقول ما يشاء ويعتقد ما يشاء ويحكم بما يشاء.

المصطلحات التي أطلقها الليبراليون على أنفسهم أو أطلِقَت عليهم من غيرهم:

1- الليبرالية: تدعو إلى الحرية المطلقة وعبادة الفرد نفسه وهواه وشهوته وقد عبر عنها منظروها في الحضارة الغربية سواء في فرنسا أو في بريطانيا بأنها التفلت المطلق وهي أيضا تدعو إلى الحرية المطلقة التي لا تعترف بدين ولا نص مقدس ولا عادات ولا تقاليد ولا أي أمر يعيق الحرية الفردية.

2- العصرانية : إشارة لتطويعهم نصوص الشريعة وأحكامها لتتوافق مع مستجدات العصر دون اعتبار لقداسة النص والمرجعية الشرعية وهي الكتاب والسنة.

3- العقلانية : إشارة إلى تقديمهم وتقديسهم للعقل أو أنهم أهل عقل وحكمة ومَن عداهم ليس لديه اهتمام بالعقل ، وتعاملوا مع العقل بالطريقة المنحرفة التي تعامل بها أهل البدعة عموما والمعتزلة على وجه الخصوص.

4- التنوير: ظهر مصطلح التنوير في القرنين السادس عشر والسابع عشر في أوروبا تعبيرا عن الفكر الليبرالي البورجوازي ذي النزعة الإنسانية العقلية والعلمية والتجريبية ويتضمن هذا الفكر نزعة مادية واضحة بعد إقصاء اللاهوت وذلك بإحلال الطبيعة والعقل بدلا من الفكر الغيبي في تفسير ظواهر العالم ووضع قوانينه.

5- الفكر التجديدي: وليس المقصود المتبادر من اصطلاح التجديد وهو إحياء ما اندرس من معالم الإسلام وأصوله ، بل يعنون به تغيير أصول الإسلام فالمتمعن في كتب هذا التوجه يرى أنهم يدخلون في التجديد الابتداع في تغيير الإسلام وتغيير أصوله بما يتوافق مع الأهواء ويساير الواقع وتوجهات الأعداء ليقبلوا بهم.

 

مبدأ الليبرالية:

 

الإنسان عند الليبراليين إلهُ نفسه ، وعابد هواه ، غير محكوم بشريعة من الله 

ولهذا فإن الليبرالية لا تعطيك إجابات حاسمة على الأسئلة التالية مثلًا: الشريعة الإسلامية حقٌّ أم لا؟ وهل الربا حرام أم حلال؟ وهل القمار حرام أم حلال؟ وهل نسمح بالخمر أم نمنعها؟ وهل للمرأة أن تتبرج أم عليها أن تتحجب؟ وهل تساوي الرجل في كل شيء أم تختلف معه في بعض الأمور؟ وهل الزنا جريمة أم أنه علاقة شخصية وإشباع لغريزة طبيعية إذا وقعت برضا الطرفين؟

وهل الشذوذ الجنسي حق أم باطل؟ وهل نسمح بحرية نشر أي شيء أم نمنع نشر الإلحاد والإباحية؟وهل نسمح بالبرامج الجنسية في قنوات الإعلام أم نمنعها؟

وهل القرآن حق أم يشتمل على حق وباطل ، أم كله باطل ، أم كله من تأليف محمد ص ولا يصلح لهذا الزمان؟ وهل سنة الرسول ص وحي من الله ـ فيحب أتباعه فيما يأمر به ، أم مشكوك فيها؟ وهل الرسول ص رسول من الله ـ أم مصلح اجتماعي؟

وما هي القيم التي تحكم المجتمع؟  هل هي تعاليم الإسلام أم الحرية المطلقة من كل قيد ، أم حرية مقيدة بقيود من ثقافات غربية أو شرقية؟ وما هو نظام العقوبات الذي يكفل الأمن في المجتمع ، هل الحدود الشرعية أم القوانين الجنائية الوضعية؟

 

الليبرالية ليس عندها جواب تعطيه للناس على هذه الأسئلة ، ومبدؤها العام هو: دَعُوا الناسَ كلٌّ إلهٌ لنفسه وعابد لهواه ، فهم أحرار في الإجابة على هذه الأسئلة كما يشتهون ويشاءون ، وأما ما يجب أن يسود المجتمع من القوانين والأحكام ، فليس هناك سبيل إلا التصويت الديمقراطي ، وبه وحده تُعْرَف القوانين التي تحكم الحياة العامة ، وهو شريعة الناس لا شريعةَ لهم سواها.

ولا يقيمُ الليبراليّون أيَّ وزنٍ لشريعة الله ـ ، إذا ناقض التصويتُ الديمقراطي أحكامَها الـمُحْكَمَة المنزلة من الله ـ ، ولا يبالون أن يضربوا بأحكامها عرض الحائط ، حتى لو كان الحكم النهائي الناتج من التصويت هو عدم تجريم الزنا ، أو عدم تجريم شرب الخمر ، أو كان تحليلًا للربا ، أو كان السماح بتبرج النساء ، أو التعري والشذوذ الجنسي ، أو نشر الإلحاد تحت ذريعة حرية الرأي.

وكل شيء في المذهب الليبرالي متغير ، وقابل للجدل والأخذ والرد حتى أحكام القرآن المحكمة القطعية.

فإذن إلهُ الليبراليِّة الحاكم على كل شيء بالصواب أو الخطأ هو حرية الإنسان وهواه وعقله وفكره ، وحُكْمُ الأغلبيِّة من الأصوات هو القول الفصل في كل شئون حياة الناس العامة ، سواء عندهم عارض الشريعة الإلهيّة أو وافقها ، وليس لأحد أن يتقدَّم بين يدي هذا الحكم بشيء ، ولا يعقب عليه إلا بمثله فقط.

وهي عندما تزعم أنه لا يوجد حق مطلق إلا الحرية والتغير ؛ فإنها تكفر بثوابت القرآن والسنة وبأحكام الشريعة المحكمة التي أنزلها الله ـ لتكون نبراسًا لهداية الناس إلى يوم القيامة ، وما الشريعة إلا الحق المبين الراسخ الذي لا يتغيَّر ولا يتبدَّل مهما تغيَّر الزمان والمكان 

والليبرالية عندما تُسَوّي بين الإسلام - دين الله الحق - وغيره من الأهواء الباطلة ، وعندما تسوي بين المؤمنين بالله ـ المتبعين لدينه والكافرين به فهي بذلك تشرع شريعة تناقض شريعة الله 

والليبراليِّة ما هي إلاّ وجه آخر للعَلَمانيِّة التي بُنِيَت أركانها على الإعراض عن شريعة الله ـ ، والكفر بما أنزل الله ـ ، والصد عن سبيله ، ومحاربة المصلحين ، وتشجيع المنكرات الأخلاقيِّة ، والضلالات الفكريِّة ، تحت ذريعة الحريِّة الزائفة ، والتي هي في حقيقتها طاعة للشيطان وعبودية له.

والليبراليون عندما يَدْعُون الناس إلى مخالفة الشريعة الإلهيّة ، زاعمين أنهم يمنحونهم الحرية ، فإنما هي خديعة وفخ يصيدون به المغفلين من ضعاف العقول ، وبغيتهم أن يُخْرِجوا الناس من عبادة الله ـ وحده باتباع صراطه المستقيم ، إلى عبادة مفكِّريهم ومنظِّريهم ، وإلى إتِّباع أهواءِهم والسيرِ على مناهجهم الضالَّة.

وعندما يقولون للشعب أنت حرُّ في أن تفعل ما تشاء ، فكأنهم يقولون له كن أسيرًا وعبدًا لشهواتك وهواك ، ولِنَزْغِ الشيطان ، والليبراليِّة عندما تقول للناس دعوا عبادة الله ـ واتباع شريعته ، إلى طاعة وعبادة الهوى والشيطان ، فهي تدعو إلى الشرك والكفر وفعل الفحشاء والمنكر.

والمذهب الليبراليّ بهذا المنهج الضال ، يبطل دين الله كله ، ويطوي أحكامه التشريعيَّة برمَّتها ، ويضع بدلها أحكامًا أخرى من عنده ، أحكامًا لا تقيم وزنًا لما أنزله الله تعالى من البيَّنات والهدى والكتاب المنير.

والخلاصة أن المنهج الليبراليّ ليس سوى الضلال بعينه ، وهو الكفر والشرك برَسْمِه واسمِه ، وما هو إلاّ صدُّ عن سبيلِ اللهِ تعالى ، ونَقض لأحكامِ اللهِ تعالى ، ودعوة للناس إلى الخروج عن شريعة الله تعالى ، وإشاعة الفوضى الفكرية والعقائدية في حياة الناس.

هذه هي الليبراليّة ، وحكمها في الإسلام هو نفس حكم العلمانيّة سواء بسواء ، لأنها فرع من فروع تلك الشجرة الخبيثة ، ووجه آخر من وجوهها.

الأسس الفكرية لليبرالية:

 

تقوم الليبرالية على أسس فكرية هي القَدْر المشترك بين سائر اتجاهاتها وتياراتها المختلفة ، ولا يمكن اعتبار أي فرد ليبراليًّا وهو لا يقر بهذه الأسس ولا يعترف بها ، لأنها هي الأجزاء المكونة لهذا المذهب والمميزة له عن غيره.

وتنقسم هذه الأسس المكونة لليبرالية إلى قسمين:

1- ذاتية مميزة لليبرالية عن غيرها من المذاهب الفكرية الغربية التي ظهرت في عصر النهضة والتنوير ، وهي أساسان هما: «الحرية» و«الفردية».

2- مشتركة بين الليبرالية وغيرها من المذاهب الفكرية الغربية ، وهي أساس واحد هو:«العقلانية» ، فكل المذاهب التي ظهرت في أوروبا في العصر الحديث خرجت من الفكر العقلاني الذي يعتقد باستقلال العقل في إدراك المصالح الإنسانية في كل أمر دون الحاجة إلى الدين.

فالليبرالية حقيقة مركبة تركيبًا تامًّا من «الحرية الفردية العقلانية» ، ولكن هذه الأسس المكَوّنة لحقيقتها مُجْمَلة ، تعددت تصورات الليبراليين في تفصيلاتها الفكرية ، فضلًا عن آثارها العملية ، والطريقة التطبيقية أثناء العمل السياسي أو الاقتصادي.

الأساس الأول: الحرية:

 

التي تعني أن الفردَ حُرٌّ في أفعاله ، ومستقِلٌّ في تصرفاته دون أي تدخل من الدولة أو غيرها ، فوظيفة الدولة حماية هذه الحرية ، وتوسيعها ، وتعزيز الحقوق ، واستقلال السلطات ، وأن يعطى الأفراد أكبر قدر من الضمانات في مواجهة التعسف والظلم الاجتماعي.

 

الأساس الثاني: الفردية:

 

وقد ارتبطت الحرية بالفردية ارتباطًا وثيقًا ، فأصبحت الفردية تعني استقلال الفرد وحريته.

وقد جاءت هذه الفردية بمفهومين مختلفين:

أحدهما: الفردية بمعنى الأنانية وحب الذات ، وهذا هو الاتجاه التقليدي في الأدبيات الليبرالية.

والثاني: الفردية بمعنى استقلال الفرد من خلال العمل المتواصل والاعتماد على النفس ، وهذا هو الاتجاه البراجماتي ، وهو مفهوم حديث للفردية.

الأساس الثالث: العقلانية:

تعني العقلانية استقلال العقل البشري بإدراك المصالح والمنافع دون الحاجة إلى قوى خارجية.

وقد أصبح الاعتماد على العقل المجرد وإقصاء الدين والقيم والأخلاق سمة من أبرز سمات الفكر الأوروبي المعاصر.

 

تناقض الليبرالية :

من أقبح تناقضات الليبراليين أنّ الحرية عندهم كصنم عجوة يُقَدَّس ويُعبد ، وتُنْزَعُ القداسة عن سواه ، ثم لا يلبث أن يُؤكل أمام جوعة من الجوعات ، فلو صار حكمُ الأغلبيِّة هو الدين ـ في الليبرالية السياسية مثلا ـ واختار عامة الشعب بحريةٍ الحكمَ بالإسلام ، واتباعَ منهج الله ـ ، والسَّيْرَ على أحكامه العادلة الشاملة الهادية إلى كل خير ، فإن الليبراليّة هنا تنزعج انزعاجًا شديدًا ، وتشن على هذا الاختيار الشعبي حربًا شعواء ، وتندِّدُ بالشعب وتزدري اختياره إذا اختار الإسلام ، وتطالب بنقض هذا الاختيار وتسميه إرهابًا وتطرفًا وتخلفًا وظلاميّة ورجعيّة... الخ.

فإذا ذُكر منهج الله ـ ، وأراد الناس شريعته اشمأزت قلوب أعداء الشريعة ، وإذا ذُكِر أيُّ منهجٍ آخر ، أو شريعة أخرى ، أو قانون آخر ، إذا هم يستبشرون به ، ويرحِّبون به أيَّما ترحيب ، ولا يتردَّدون في تأيِّيده 

قال الشيخ السعدي في تفسير هذه الآية:« يذكر تعالى حالة المشركين، وما الذي اقتضاه شركهم توحيدًا له ، وأمر بإخلاص الدين له ، وتَرْك ما يُعْبَدُ من دونه، أنهم يشمئزون وينفرون ، ويكرهون ذلك أشد الكراهة.

 من الأصنام والأنداد ، ودعا الداعي إلى عبادتها ومدْحِها  بذلك ، فرحًا بذكر معبوداتهم، ولكَوْن الشركِ موافقًا لأهوائهم ، وهذه الحال أشر الحالات وأشنعها.

ولكن موعدهم يوم الجزاء ، فهناك يؤخذ الحق منهم ، وينظر: هل تنفعهم آلهتهم التي كانوا يدعون من دون اللهِ شيئًا؟

 

التعددية

 

التعددية هي فرع عن الليبرالية التي هي فرع عن العلَمانية ، والديمقراطية الغربية تجعل التعددية من صور الحرية التي هي أحد أركانها ، والحرية هنا حرية زائفة ، يُقصد بها العبودية للعقل الغربي في توصيف حتى معنى الحرية.

والتعددية تعني أن يسمح في المجتمع بالاختلاف والتعدد في كلّ شيء ، حتى لو كان هذا الاختلاف بين الحق والباطل ، بل لا يوجد في التعددية ، حق مطلق ، وباطل مطلق ، ولهذا ترى التعددية أن الاختلاف مهما كان هو في حد ذاته ظاهرة محمودة بإطلاق ، تجب رعايتها ، وتشجيعها ، ومحاربة من يقف في طريقها.

وحتى لو كان في المجتمع من يعبد إبليس نفسه ، فيجب أن يُسْمَح لهم ـ في نظر التعددية ـ بإظهار دعوتهم ، وتمكينهم من دعوة الناس إليها ، ونشر كل ما يزينها ويشجع على اعتناقها ، وعلى الصعيد السياسي يجب أن يسمح لهم بتأسيس حزب سياسي يحمي معتقداتهم ، ويسمح لهم بنشرها.

وكذلك يجب أن يسمح العالم كله بعبور كلّ العقائد ، والأفكار ، والديانات ، ونشرها عبر المجتمعات من غير حَجْرٍ ولا تضييق ولا مَنْع.

والعجب من التعددية ـ كسائر ما يأتي من الغرب الأعور المنافق ـ أنها عندما يأتي دور الإسلام ، لا يُسمَح لهُ بالتعددية ، بل يحارَب حربًا شعواء ، ويضيَّق عليه ، كما فعلت فرنسا مع الحجاب ، فإنها عندما رأت انتشار الحجاب في المدارس ، أعلنت حربًا على التعددية الثقافية ، بل الحرية الشخصية.

ومن الأمثلة الأخرى تلك القوانين الغربية التي تحظر مناقشة تاريخ الهولوكوست ، ( المذبحة اليهودية المزعومة ) ، ولا تسمح هنا بالتعددية في الآراء ، وقد تمت مطاردة عدة مفكرين غربيين قضائيًّا ، ومنهم مَن سُجن ، لتشكيكهم في صحة وقوع الهولوكوست بالصورة التي يزعم اليهود أنها  وقعت بها.

حكم التعددية:

الأصل الجامع لهذا الدين ، وكل دين أرسل الله به المرسلين والنبيين ، أن الله ـ أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، أن يُعلوا أحكام هذا الدين ، وهو كلمة الحق ، وأن ينصروه ، وأن يقيموا العدل ، وينصبوه ، وأن يمنعوا الباطل من العلوّ والظهور ، وكذا الظلم والفجور.

ومعيار العلم بالحق والباطل ، إنما هو الوحي ، هو الحق وماذا بعد الحق إلا الضلال 

وذلك أن الله ـ هو الحق ، وهو ربّ الناس ، ملك الناس ، إله الناس ، له الأمر كلّه ، كما له الملك و الخلق كلّه ، وقد أقام هذه السموات والأرض على الحق والعدل ، وأنزل الوحي ، حاكما بين الناس ، وأمر المرسلين والمؤمنين أن يقوموا به في الأرض ، ويجاهدوا في سبيل إقامته ، بالعلم واللسان ، وبالقوة والسنان.

فأمر الناس أن يقيموا دين الله وأن يجتمعوا عليه ، ولا يتفرقوا.

والقرآن مليءٌ بالأمر بالاجتماع على الحق ومدحه ، وذَمِّ الافتراق عنه والتفرق فيه ، والأمر بجهاد الباطل وأهله ، وقد سماهم أهل الشقاق ، وأهل النفاق ، وأهل الكفر ، أو الفسق والفجور ، وجمع لهم أوصافَ الذمِّ وأسماءَه.

هذا هو الأصل العظيم الجامع ، الذي أقيمت عليه شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام ، بل جًعِلَ النظام السياسي كله قائمًا على هذا الأصل ، فمقصوده إظهار الحق الذي تحمله الأمّة بالوحي ، إظهاره أي جَعْلُه ظاهرا بالقوة والعلوّ ، بين المؤمنين ، وعلى الأرض كلها بجهاد الطلب.

غير أن هذا لا يعني أنه ليس في الإسلام مساحة لتعدد الآراء ، والتسامح في الخلاف ، مادام ذلك لا يكون في دائرة المحكمات ، والثوابت ، ومثال ذلك المسائل الاجتهادية التي لا نص فيها ، لأن الله ـ شاء بحكمته أن يكون فيما أنزل محكمات هنّ أمّ الكتاب ، يجتمع عليها أهل الحق ولا يتفرقون ، ومتشابهات يجري وقد يسوغ فيها اختلاف النظر والاجتهاد.

وكذا يقِرّ الإسلام التعددية في الأفكار والابتكارات العلميّة الدنيوية ، والعادات المباحة ، ونحو ذلك مما فطر الله الخلق على التنوّع فيه ، لأن ذلك من طبيعة الخلق التي فطر الله الناس عليها ، وهي تُثْرِي المجتمعات ، وتُضْفِي عليها تلونًا جميلًا ، فهو أمر محمودٌ مطلوب ، ومازالت أمتنا تحوي هذا التنوع المحمود في تاريخها منذ عصر الصحابة من غير نكير.

هذا ولم تزل أمتنا الإسلامية مزيجًا متنوعًا رائعًا من شعوب شتى ، تختلف في عاداتها وألوان فنونها ، ومعايشها ، ولغاتها ، غير أنها تجتمع على ثوابت الأمة العامة وهي أصول هذا الدين العظيم.

أما التعددية في عُرْف العصر ، فإنها يُقصَد بها في الغالب عند الإطلاق ، السماح بما يسمى التعدد الثقافي ـ والسياسي تبع له ـ القائم على أصول تناقض أصول الشريعة ، وليس المقصود هنا ـ في هذا العرف العصري ـ السكوت عن الباطل ما بقي اعتقادًا بالقلب ، أو إقرار أهل الأديان التي يكونون أهل ذمة على دينهم وعباداتهم ، بالشروط الشرعية المرعية.

بل المقصود بتلك التعددية الإذن بإظهار الدعوة إلى الكفر ، والمنكر ، وحماية الداعين إلى ذلك بالقوانين ، كما تنص على ذلك الدساتير العلمانيّة الوضعيّة تحت شعار الديمقراطيّة.

فهذا من الكفر ، بل هو الكفر نفسه ، ومن الواضح أن هذا ليس من التعددية في ثقافة أمة في شيء ، بل هو اختراق ثقافي لها ، وغزو عقدي من ثقافة أمة إلى أمة أخرى ، فتسميته تعددية من التلاعب بالألفاظ.

والحاصل:

 أن التعددية بالمفهوم العصري ضلال مبين يتناقض تناقضًا تامًّا مع التعددية في عرف الإسلام.

مع أنه يجب أن يُعلَم أن ثمة فرق كبير بين التعاطي مع واقع سياسي مخالف ، لم يصنعه الإسلام ، التعاطي معه بما يحقق مصلحة المسلمين ، وبين إقامة أو المشاركة أو الدعوة إلى إقامة هذا الواقع المخالف باسم الإسلام.

وذلك أيضا كما يجوز للمسلم أن يرتكب أدنى الضررين ليدفع أشدهما عند التزاحم ، ولا يجوز له أن يصنع الضررين بنفسه ، ليختار أدناهما ضررا !!

ومن الأمثلة على هذا أن المسلمين لا يجوز لهم أن يطالبوا بقضاء لا يقضي بالشرع ، ولا أن يشاركوا في صناعة هذا النظام ، لكن إن وجدوا في نظام قضائي يخالف الشرع ، جاز لهم التحاكم إليه إن اضطروا لرفع الظلم عنهم ، كما رفع نبي الله يوسف ؛ شكايته على ظلم الوزير ، إلى الملك الكافر ، رسالة مع ساقي الملك الذي يسقيه الخمر.

فالعجب والله كل العجب ممن يقول ، إن هذه الأحزاب المخالفة للإسلام ودعوتها إلى كفرها وضلالها ، واقع ما له من دافع ، فلماذا لا نقنن هذا الواقع بما يحميه ، وينظّمه ، ويشرّعه؟ !

فما مثل هذا القائل إلا كمثل من يرى الخمر قد شاع شربها ، والفاحشة قد ذاع فعلها ، فدعا إلى تشريع ينظم العصابات القائمة على هذه المنكرات ، وتنظيمها في ناظم يقنّنها !!

بل الدعوة إلى تنظيم الداعين إلى المنكر في الاعتقادات ، والعلم ، والتصورات التي تفسد الإيمان ، وتقنين دعوتهم ، أشد قبحًا ، لو كانوا يعلمون.

وأخيرًا:

 فإن هذه التعددية العصرية الزائفة ، ما هي إلا خداع ألقاه إلينا مفكرو الغرب التائهون ، فاغتر به مَن خضع لضغط هذا الواقع الجاهلي المزيّف ، لتبقي هذه الأمة في حال الفرقة والخلاف.

 

دعاة الليبرالية في بلاد المسلمين

 

إن الفكرة الليبرالية بعد أن تفاقمت سلبياتها على المجتمعات الغربية ، هبت رياحها علينا - منذ أمد ليس بالقصير - فأصابنا منها ما أصابنا ، لكن لم يكن بالقدر الذي أصابهم.

ومن العجيب أن نرى دعاةً لهذه الفكرة بيننا ، يفتخرون بها ، ويتسمون بها ، ويجاهرون بتقدمها ، وصلاحها لعلاج كافة السلبيات المتراكبة المتراكمة في النواحي الفكرية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ، والسياسية ، وينادون أن الحل في الليبرالية ، دون متابعة لما يجري في الغرب ، مصدر الليبرالية ، من معارضة وانتقاد لهذا النهج ، بعد ظهور سلبياته المدمرة ، المغلفة بالشعارات الجميلة والمكاسب الظاهرة.

 

وهنا قد يدور في الذهن سؤال:

هل أولئك الذين ينادون بالليبرالية ، ممن يعيش في بلاد إسلامية ، يدركون مفهوم الليبرالية ، كما قُرِّرَ له ووُضِع ، أم أن لهم مفهومًا يختلف عن ذلك؟

إن مفهوم الليبرالية ، كما وضع له في الغرب ، يصطدم بالدين الإسلامي ، في أصول لا يُستَهان بها ، كاستبدال الحكم الإلهي بالحكم البشري ، فيما يسمى بالديمقراطية ، وكذا الحرية المطلقة في الاعتقادات ، بالتغيير والتبديل ، وغير ذلك.

فكيف يستقيم لمن يفهم هذه الحقائق عن الليبرالية أن يدعو لها ، ويزعم صلاحها ، وهي معارضة تماما للإسلام ، إذا كان مسلما؟!!

أما إن كان له مفهوم خاص عن الليبرالية ، لا يتعارض مع الأصول الشرعية ، فالحق أن هذا ليس هو الليبرالية ، بل هو شيء آخر.

في المغرب أُسِّسَ (الحزب المغربي الليبرالي) ، وفي إطار التحضير لتأسيس الحزب ، وبدعوة من جريدة (الصدى) ، ألقى المؤسس محمد زيان يوم الأحد 21/1/2001 عرضًا حول أسس الحزب ، ومنها:

1- (مَنْع الـمَنْع) الذي يعني الحرية الكاملة ، في العمل والمبادرة ، والتي لا تقف إلا عند حدود القانون.

2- منع الامتيازات التي تتنافى مع مبدأ مساواة المواطنين ، وتكافؤ الفرص أمام الجميع.

بعد ذلك أضاف شرطًا فحواه:

« إذا ثبت بآية صريحة أو حديث صحيح أن هناك تعارضًا بين هذه الليبرالية ومبادئ العقيدة ، عطلنا العمل بهذه الليبرالية ، وضحينا بها ، من أجل ما تفرضه مبادئ الإسلام».

كان هذا الشرط فاسخًا لكلامه فقد أكد أن الليبرالية تقوم على مبدأ منع المنع ، أي على الحرية التي ينظمها القانون ، وليس الأهواء والأمزجة الشخصية للحاكمين ورجال السلطة ، لكن المؤسس محمد زيان خرق هو نفسه هذا المبدأ في الفلسفة الليبرالية ، عندما اشترط أن لا تكون في تعارض مع العقيدة الإسلامية ، أي يمنع عن الليبرالية أن تكون غير إسلامية ، في حين أن من مبادئ الليبرالية:

أنها لا تمنع أي دين ، ولا تدعو إلى أية عقيدة ؛ إذ عقيدتها الوحيدة هو الحياد تجاه كل العقائد ، أي العلمانية ، التي هي النتيجة المنطقية والعملية لمبدأ: منع المنع.

ويكفي للتدليل على ذلك أنه لا توجد في العالم أية دولة ليبرالية حقيقية دون أن تكون علمانية ، فالمبدأ الفلسفي العام الذي يحكم الليبرالية إذن هو العلمانية ، فلا يمكن تصور فلسفة علمانية يكون من مبادئها الولاء لهذا الدين أو ذاك ، أو الدفاع عن هذه العقيدة أو تلك.

وهكذا فإن الليبرالية ذات أسس وقواعد وأفكار محددة سلفا ، فأي خرق لتلك الأمور نفي وإلغاء لما يقوم عليها ، وهذا أمر ينبغي على كل من يدعو إلى فكرة ما مثل الليبرالية ، أن يفهمها بوضوح ، كيلا يقع في مغالطة صريحة ، فيلبس فكرة غير لباسها الملائم ، ليعري في الحين ذاته عقيدة ومبدأ من لباسه.

 

الليبرالية من الداخــــــــــــــــل

 

لم تكن الليبرالية محل إجماع بين المفكرين الغربيين ، حتى أولئك الذين تبنوا الفكرة - وهم الأكثرية - اضطربوا في تحديد نطاقها ورسم حدودها ، بعد أن لمسوا كثيرا من الخلل في التطبيق:

1- فالحرية المطلقة التي تدعو إليها الليبرالية تتعارض مع قيم أخرى ، كالعدالة والمساواة ، بل وحريات الآخرين.

فحرية الفرد لا تصح أن تكون سببًا في شقاء الفرد الآخر ، كما لا تصح أن تكون سببًا في إلغاء حرية الفرد الآخر ، فما من حرية مطلقة ينادى بها للفرد ، إلا وفيها إلغاء لحرية فرد آخر ، فهذا الشعار الجميل في مظهره ، يحمل في تطبيقاته مشاكل كثيرة ، شعر بها وعاشها دعاتها وشعوب أوربا ، ولذا اضطروا ، إلى قيد: عدم الإضرار بالآخر.

لكن هذا القيد غير محدد ، ويختلف من شخص إلى آخر ، ومن أمة إلى أخرى ، تمامًا كما هو الحال في المقيّد (الحرية) ، وإذا كان هذا القيد مختصًا بالأفعال ، فيمنع كل فعل يضر بالآخر ، فليس من العقل إغفال قيد الأقوال ، فالأقوال ربما لا تَقِلّ خطرا عن الأفعال ، فكم من كلمة أشعلت فتنة وحربًا.

فالحرية جميلة ، والقيد لابد منه ، لكن الخلاف حول معنى الحرية ، وحَدّ القيد المحدد للحرية.

2- وفكرة السوق الحر ، هل بالفعل تحقق مصالح الفرد بأقصى درجة ، أم تحقق مصلحة فئة معينة ، تملك المال والاقتصاد؟

واقع السوق الحر يثبت أن المصلحة تتجه نحو جيوب كهنة المال والاقتصاد ، فالمال يضخ في خزائن الذي يملكون التجربة والممارسة الاقتصادية ، ورفع سلطة الدولة عن ضبط السوق ، مكَّنَ كل محتال أن يلعب لعبته ، وصار السوق غابة من وحوش تأكل كل ضعيف وساذج أو صادق غرّ ، لا يعرف ولا يحب أن يعرف طرائق المكر والاحتيال.

وكون الفرد ينطلق من مصالحه الخاصة ، بيعا وشراء ، هذا لا علاقة له بصحة العملية بوجه ، فالانتفاع عملية متبادلة بين البائع والمشتري ، هذا صحيح ، لكن هذا لا يمنع من التلاعب والاحتيال ، ما لم يخضع لقانون ، وحرص الفرد على مصلحته لا يرفع عنه الغفلة ، كما لا يرفع عنه الخديعة ، ما لم يجد قانونا يحميه ، أو قانونا يردعه ويكفه عن العبث.

فهذا الذي يملك سلعة يحتكرها ، فلا يبيعها ، حتى إذا شحت في أيدي الناس ، وزاد الطلب عليها ، باعها بأعلى الأسعار ، أليس يحقق مصلحته في البيع ، ويحقق مصلحة المشتري حينها؟.

لكن مدة الاحتكار ، وزيادة السعر ، أليس فيه ضرر بائن بالمشترين؟

إن وسائل الشر والإضرار بالآخرين ممكنة لكل فرد ، متى ما وجد إلى ذلك سبيلًا ، وإذا لم تكن ثمة ضوابط تمنع وتحد وتقيد ، وقع الضرر ، وحال السوق الحر ، كحال المجتمع بلا دولة ولا حاكم ، أو العمل من غير رئيس ، أو القطار من غير سائق.

3- ثم في الليبرالية ، ما مصير القيم الأخرى ، كالمساواة والعدالة والسعادة والتعاون؟

فإذا كانت الحرية هي القيمة العليا ، فلا شك أنها ستتعارض مع قيم كثيرة:

ستتعارض مع السعادة ، فالفرد بدعوى الحرية سيفعل ما يشاء ، ولو كان فيه شقاؤه ، سيشرب الخمر ، ويزني ، ويخدع ، ويحتال ، وكل هذه آفات تقتل السعادة ، يقر بذلك كل العقلاء.

وحرية السوق أو السياسة تتعارض مع العدالة والمساواة: فأين نجد المساواة في حكم ديمقراطي ، الحكم فيه للأغلبية الغنية؟

وأين نجد العدالة في سوق حر ، لا يعرف إلا الاحتيال والتلاعب ، والذكي من يكسب أكثر؟

إن الحل الليبرالي قاتم وسقيم ، والغرب أكبر شاهد على هذا ، فقد عاش الحياة الليبرالية بالمفهوم الذي وُضِع لها ، أكثر من قرنين ، وهاهو ينتقدها ويعارضها ، بعدما طحنت شعوبهم ، فنشرت فيهم البطالة والفقر ، والأمراض المهلكة ، والمخدرات والخمور والزنا والشذوذ والإلحاد والجريمة ، والغرب اليوم ، ومن وراء الفكر الليبرالي ، يصدر للعالم مشاكله وجرائمه وعدوانه.

 

من ثمرات الليبرالية: باعتراف حكومي  28 ألف عصابة تنشط في الولايات المتحدة:

اعترف مسئولون في وزارة العدل الأمريكية في تقرير بأن عدد العصابات الناشطة في الولايات المتحدة يفوق الـ 28 ألف عصابة.

وبحسب وكالة ( يو بي آي ) الأمريكية قال المسئولون الحكوميون:« أكثر من 28 ألف ومائة عصابة ، وعدد أعضائها 731 ألفًا ، موزعون في المدن الكبرى التي سجلت نشاطًا أكبر للعصابات خلال فترة 2005 -2009».

وكشفت نتائج مسح - أجراه مكتب العدالة والحيلولة دون انحراف الشباب التابع للوزارة - ازديادًا مفاجئًا منذ العام 2001 وحتى 2005 في نسبة الجريمة وعدد مزاوليها.

وأشارت الوكالة إلى أن الجرائم في الولايات المتحدة تحصد كل عام ما يقارب 17 ألف شخص([3]).

 

أسئلة

موجهة لليبراليين

 

1- إلى من تحتكمون عند النزاع والاختلاف؟

 

ولكن إلى أية مرجعية تحتكمون أيها الليبراليون؟

 

2- ما موقفكم من الدين الإسلامي؟

 

يؤمن المسلمون بأن الدين جاء شاملًا للحياة كلها (سياسة واقتصاد وثقافة واجتماع) وبأنه وحي من الله ـ فيجب أن يكون هو المرجعية العليا للأمة؟

فهل يؤمن الليبراليون بذلك ؛ فيكونوا قد تبرؤوا من الليبرالية؟ أم أنهم يقلدون الغرب الذين لا يعدو الدين عندهم أن يكون مثل مسائل الآداب والفن مسألة ذوق ، لا تقوم على منهج علمي محدَّد ، أو معايير منضبطة ، وعلى هذا فلا يلزم ، بل لا يقبل ، أن يكون الدين حاكمًا على حياة البشر؟

3- الليبرالي لو جاءه رجل وأراد أن يمارس الجنس مع زوجته أو ابنته أو أمه أو أخته فهل سيمنعه من هذه الحرية الشخصية ، أم لا؟ وإذا أراد أن يمنعه فبأي حجة يمنعه وليبراليته تخالف المنع؟!!

وماذا سيفعل إن كانت زوجته أو أمه أو أخته أو ابنته موافقة على هذا الفعل؟ حرية شخصية!!!

هل سيمنعهما ويتدخل في حريتهما الشخصية أم يعتز بليبراليته؟ وأكرِم بها من ليبرالية!!!

5- الليبرالي إذا أرادت زوجته أو ابنته البالغة أن تسير في الشارع عارية كما ولدَتْها أمُّها هل سيشجعها على هذه الحرية الشخصية أم سيعلن كفره بالليبرالية  ويمنعها ، فيصبح متشددًا متخلفًا رجعيًا متعصبًا ، كما يحلو لليبراليين أن يصفوا الملتزمين من المسلمين؟!!!

وإن مَنَعها فهل سيمنعها باسم الدين الإسلامي الذي يمنع ذلك أم باسم التقاليد أو عرف الناس ، وعلى أي حالة هو يخالف ليبراليته المزعومة التي تنادي بالحرية المطلقة ؛ لأنه  قيد هذه الحرية المطلقة بحدود معينة.

 

الإسلام والليبرالية نقيضان لا يجتمعان

 

دعوى الإسلام الليبرالي:

أكذوبة ما يسمى بالليبرالية الإسلامية:

في عالمنا الإسلامي ، وبالرغم من أن الليبرالية بدأت تظهر حقيقتها على أنها حملة استئصالية ، تستهدف الدين في أصوله قبل فروعه ، والأخلاق في جوهرها قبل مظهرها ؛ فقد وجَدَتْ مَن يُروِّج لها ويتحدث باسمها ، بل تطور الأمر إلى أن بعض الطيبين انساق إلى الانخداع بالليبرالين والإنصات لقولهم.

وتمخض الأمر عن ميلاد ما يعرف الآن بـ (الليبرالية الإسلامية) على غرار ما كان يُعرف بـ (اشتراكية الإسـلام) و(اليسار الإسلامي) وكذلك دعوى (ديمقراطية الإسلام) والدعوة إلى (أسلمة العلمانية).

وإذا كان لا يمكن الجمع بين الإسلام واليهودية تحت مسمى (اليهودية الإسلامية) ، ولا بين الإسلام والمسيحية تحت مسمى (المسيحية الإسلامية) ، ولا بين الإسلام والبوذية تحت مسمى (الهندوسية الإسلامية) ، فمن المستحيل أن نجمع بين الإسلام والليبرالية تحت دعوى (الليبرالية الإسلامية).

إن مَن لديه أدنى معرفة بمعنى العبودية لله في الإسلام ؛ كيف يجرؤ أن يقول:«الليبرالية الإسلامية» فيجمع بين مـتناقضين ، وهل يمكن أن ينادي مُسْلِمٌ بـانفلات مطلق أو تطبيق للقوانين التي اشترعها الإنسان بنفسه لنفسه؟ هل هناك في الإسلام استقلال عن كل المؤثرات الخارجية في الاعتقاد والسياسة والنفس والمادة؟! كيف يمكن أن تُنْسَب كل هذه القبائح للإسلام أو تصبغ به؟

 

المشروع الأمريكي لقضية الإسلام الليبرالي:

اهتمت الولايات المتحدة بتفسير الإسلام تفسيرا ليبراليًّا منذ وقت مبكر ، لأن ذلك يحقق كثيرًا من المصالح الحيوية لهيمنتها ، فهي تعلم أن إقصاء الإسلام تمامًا من البلاد الإسلامية أمر مستحيل لقوة تأثيره وتعلق المسلمين به فوجدت في التبديل والتحريف له أنجح السبل للقضاء على فاعليته وتأثيره.

ومن جهة أخرى فإن تفسير الإسلام وتأويله تأويلًا ليبراليًا يقوّي علاقة هذه البلاد وشعوبها بالحضارة الغربية وقيمها مما يضمن عملية استمرار الخضوع لها.

وهنا إلى بعض الوثائق والأعمال الأمريكية في هذا المجال:

1- مؤتمر الشرق الأدنى مجتمعة وثقافته ، مارس 1947م.

2- مؤتمر الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة 1953م.

3- دراسة ( الإسلام في العصر الحديث ) لولفرد كانتول سميث.

4- دراسة (الليبرالية الإسلامية ، نقد للآيديولوجيات التنموية )، ليوناردبايندر.

5- تقرير مؤسسة رانْد الأمريكية عن الإسلام الديمقراطي.

هل هذا ما يريده أدعياء الليبرالية الإسلامية المزعومة؟

1- هل يطالبون بأن تتحقق (المساواة) بين التوحيد والتثليث ، وتعدد الآلهة وانعدام الآلهة.. في بلاد المسلمين..؟

2- وهل يسرهم ذلك (العدل) بين المعبودات ، فلا يفرق بين عبادة خالق الكون الواحد الأحد ، وبين عبادة الصلبان والنيران والفئران؟

3- وهل يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ، وتتم العودة عن الحجاب ، استجابة لدعاوى التحرير والتغرير؟

4- وهل يغتبطون باستمرار استبعاد الشريعة بحكم الدولة والقانون ، ولا يبقى منها إلا نصوص مجمدة في صدور بعض الدساتير؟

5- وهل تنشرح نفوسهم عندما يرون التعليم والإعلام يمسخ أجيال الأحفاد بعدما دمر كثيرًا في أجيال هي الآن آباء وأجداد؟

6- وهل يرغبون في أن تظل فئام من الأمة تأكل الربا أضعافًا مضاعفة ، معرّضين أنفسهم والناس معهم لحرب من الله ورسوله؟

لا نظن الدعوة لهذا وغيره في بلاد المسلمين تصدر إلا من دعاة على أبواب جهنم ، مَن أجابهم إليها قذفوه فيها.

 

فتوى الشيخ الفوزان عن الليبرالية ([4]):

المكرم فضيلة الشيخ: صالح بن فوزان الفوزان ، حفظه الله ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ما قول فضيلتكم في الدعوة إلى الفكر الليبرالي في البلاد الإسلامية؟

وهو الفكر الذي يدعو إلى الحرية التي لا ضابط لها إلا القانون الوضعي ، فيساوي بين المسلم والكافر بدعوى التعددية ، ويجعل لكل فرد حريته الشخصية التي لا تخضع لقيود الشريعة كما زعموا ، ويُحَادّ بعض الأحكام الشرعية التي تناقضه ؛ كالأحكام المتعلقة بالمرأة ، أو بالعلاقة مع الكفار ، أو بإنكار المنكر ، أو أحكام الجهاد... الخ الأحكام التي يرى فيها مناقضة لليبرالية.

وهل يجوز للمسلم أن يقول:«أنا مسلم ليبرالي»؟

وما نصيحتكم له ولأمثاله؟

الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد.

فإن المسلم هو المسلم لله بالتوحيد المنقاد له بالطاعة البريء من الشرك وأهله. فالذي يريد الحرية التي لا ضابط لها إلا القانون الوضعي هذا متمرد على شرع الله يريد حكم الجاهلية وحكم الطاغوت فلا يكون مسلمًا.

والذي ينكر ما علم من الدين بالضرورة من الفرق بين المسلم والكافر ويريد الحرية التي لا تخضع لقيود الشريعة وينكر الأحكام الشرعية من الأحكام الشرعية الخاصة بالمرأة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومشروعية الجهاد في سبيل الله. هذا قد ارتكب عدة نواقض من نواقض الإسلام ، نسال الله العافية.

والذي يقول:«إنه مسلم ليبرالي» متناقض إذا أريد بالليبرالية ما ذُكِر فعليه أن يتوب إلى الله من هذه الأفكار ليكون مسلمًا حقًّا.

صالح بن فوزان الفوزان. عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.

 

لماذا لا يجوز إطلاق مصطلح (الليبرالية الإسلامية) ([5]):

السؤال:لقد اشتركتُ في أحد المنتديات ، ولقد ذكر أحد الإخوة مصطلح  ( الليبرالية الإسلامية ).

هل هذا المصطلح جائز شرعًا؟

وإليكم الجملة التي ذكر بها الأخ هذا المصطلح :« أنا لا أرفض مفهوم الليبرالية بشكل مطلق ولكني أؤكد على مبدأ الليبرالية الإسلامية التي تتيح للإنسان حريته المسئولة عن تصرفاته من خلال سلوك يحكمه الدين ».

الإجابــة:

إطلاق مصطلح الليبرالية الإسلامية لا يجوز شرعًا لعدة اعتبارات:

الأول: أنه لا وجود لما يسمى بالليبرالية الإسلامية ؛ لأن هذا جمع بين النقيضين ، ومن أطلق هذا المصطلح المحدث يصدق عليه قول الشاعر:

سارَتْ مشرِّقَةً وسِرْتُ مُغَرِّبًا     

شَتَّانَ بينَ مُشَرِّقٍ ومُغَرِّبِ

فشتان شتان بين الليبرالية والإسلام ، ولهذا فإن من يطلق هذا المصطلح (الليبرالية الإسلامية) يضطر إلى أن يفسر الليبرالية بتفسير يفرغها من حقيقتها ومضمونها ، بحيث لا يبقى لها أي معنى ، كما في هذه الجملة المذكورة في السؤال ، فإذا كانت الليبرالية الإسلامية تعني التقيد بالدين ، فأي فائدة لكلمة الليبرالية ، فإن التقيد بالدين داخل في مفهوم الإسلام ، فأي جديد أضافته كلمة الليبرالية حتى يقال: ليبرالية إسلامية؟!

الثاني: أن هذا المصطلح المحدث يُوهم التقارب بين الإسلام والليبرالية ، ويسمح بتمرير ضلالات الليبرالية إلى قلوب عوام الناس وعقولهم وهم لا يشعرون ، وهذا لا ريب أنه محظور عظيم يجب سَدّ الطرق المفضية إليه.

الثالث: أن الإسلام منهج عظيم متكامل ، والجمع بينه وبين المذاهب الأرضية التي هي في الحقيقة زبالات الأذهان ونفايات الأفكار ، طَعْنٌ فيه بالنقص والحاجة إلى التكميل ، وقد ﭧ ﭨ (  ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿ   ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃ  ﮄ  ﮅﮆ  ) (المائدة:٣) ، و ﭧ ﭨ (ﭯ  ﭰ  ﭱ  ﭲ    ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ  ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻ   )   ، وقال: ( ﯩ  ﯪ  ﯫ  ﯬ  ) (آل عمران: 83) ، وقال: ( ﯾ   ﯿ  ﰀﰁ  ﰂ  ﰃ  ﰄ  ﰅ  ﰆ  ﰇ  ﰈ  ﰉ   ) (المائدة: 50).

والله أعلم.

 

الحكم الشرعي في الليبرالية

 

الليبرالية – كما سبق – فكرة غربية مستوردة ، وليست من إنتاج المسلمين ، وهي تنفي ارتباطها بالأديان كلها ، وتعتبر كافة الأديان قيودًا ثقيلة على الحريات لابد من التخلص منها.

وقد تقَدَّم الكلام حول حقيقتها ، وتصورها لمفهوم الحرية ، ومن خلال ما تقدم يتبين لنا أن الليبرالية مناقضة للإسلام في أصوله ومنهجه وأخلاقه وقيمه.

ومحاولة التوفيق بين الليبرالية والإسلام هي تغيير لمفهوم كل واحد منهما ، وتبديل لمعناه يخرجه عن حقيقته إلى مفهوم مُشَوَّه ، وصورة غير صحيحة لكل منهما.

ومن البديهي أن يُقال: إن فلاسفة الليبرالية ومفكريها الذين وضعوا أصولها في فترات مختلفة قد شكلوها خارج إطار الأديان جميعًا ، ولم يَدَّعِ أحد منهم ارتباطها بدين من الأديان ولو كان دينًا محرفًا.

ومع هذا الوضوح يبقى من يُصِر من المسلمين على أنه بالإمكان الجمع بين منهج مادي يرفض قيود الأديان ، ومنهج الإسلام الرباني ، ولهذا سنجد بما لا يدع مجالًا للشك أن الليبرالية تعني في الإسلام ألوانًا متعددة من الكفر والشرك المناقض لحقيقته ، وأشكالًا مختلفة تنافي أخلاقه وقيمه الكريمة.

أولا: نواقض الإيمان في الليبرالية :

إن دارس الليبرالية يجد أنها دعوة إلى الإلحاد ورفض الأديان حيث لا تعترف بهيمنة الدين على الحياة الإنسانية ، فقد نمت هذه الفكرة في أجواء رافضة للدين ، ومعترضة عليه ، وهي تريد أن تعطي الإنسان حريته المطلقة بالتحلل من قيود الأديان والقيم والأخلاق ، فأساس الفكرة قائم على تعظيم العقل الإنساني وماديته ، ولهذا ارتبطت عبارة :«الفكر الحر» في كتابات الغربيين بالإلحاد والرفض للدين والقِيَم ، وعليه فإن الليبرالية لا تتفق مع الإسلام.

بعض أنواع الكفر والشرك الواقعة في الليبرالية:

1- كفر الاستحلال:

الاستحلال معناه: أن يعتقد في المحرمات أنها مباحة ، ويجوز فعلها مع علمه بأن الله ـ حرمها. وقد أجمع العلماء على أن المستحل لما حرمه الله ـ مما هو معلوم من الدين بالضرورة ومتواتر فهو كافر خارج عن دين الإسلام.

وضابط الأمر المستَحَلّ هو أن يكون أمرًا ظاهرًا متواترًا لا يوجد فيه خلاف ولا شبهة مثل تحريم الزنا والربا وأكل الخنزير وغيرها.

وسبب كفر المستحل التكذيب أو العناد ، فإن اعتقاد إباحة أمر محرم يدل على تكذيبه لمن حرمه أو عناده له ، وكلاهما مناقض لحقيقة الإيمان.

فلا يشترط لتكفير المستحل أن يصرح بالتكذيب أو يعتقده ، لأن الجحود في حد ذاته كفر ينقل عن الملة.

وهذا النوع من الكفر موجود في الليبرالية ، لأن من مفاهيم الليبرالية المتعلقة بالحرية «منع التحريم» ، أو «منع المنع» ، فلا يمكن أن يجتمع الفكر الليبرالي مع التحريم الإلهي المقيِّد لحرية الفرد.

ومن بديهيات الليبرالية « إباحة الزنا» ، وهي إباحة عقائدية ، وليست مجرد ممارسات عملية ، ولا يمكن أن يكون الرجل ليبراليًّا وهو يعتقد تحريم الربا ، والبيوع المنهي عنها لأن هذا يتعارض مع حرية التجارة والاقتصاد ، كما أنه لا يمكن أن يكون ليبراليًّا وهو يعتقد تحريم الزنا والتبرج والشذوذ الجنسي لأن هذا يناقض الحرية الشخصية.

والليبرالية مذهب فكري يحدد للفرد الممنوع واللازم قبل أن يكون ممارسة عملية ، فهو اعتقاد وتصور لسائر أنماط الحياة البشرية.

 

2- كفر الشك:

الشك هو عدم اليقين ، والتردد بين شيئين ، وعدم القطع بالصحة أو البطلان ، أو الخطأ أو الصواب ، ونحو ذلك ، وعدم وجود القطع واليقين هو من الريب والشك.

ومن أساسيات الإسلام وجود اليقين في التوحيد والإيمان ، فالتوحيد والإيمان لا يُغْنِي فيه إلا اليقين الجازم ، ولهذا عَدَّه العلماء شرطًا أساسيًّا من شروط لا إله إلا الله ؛ ﭧ ﭨ ( ﮬ    ﮭ  ﮮ  ﮯ  ﮰ  ﮱ  ﯓ  ﯔ  ﯕ ) (الحجرات: 15) ، فاشترط في صحة إيمانهم عدم الريبة ، وهي الشك والظن.

ولهذا جاء الشك والريب وصفا للمنافقين فقال ﭨ (ﮙ  ﮚ  ﮛ ﮜ  ﮝ  ﮞ  ﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣ   ﮤ  ﮥ  ﮦ  ) (التوبة: 45) ، ولقد قال رسول الله ص:«  «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ ، لَا يَلْقَى اللهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا ، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ» (رواه مسلم).

فاشترط في دخول قائلها الجنة أن يكون مستيقنًا بها قلبُه غير شاكّ فيها ، وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط.

والفكر الليبرالي لا يعتقد عقائد جازمة غير حق الفرد في الحرية الفردية مهما توصل له من أفكار وعقائد وآراء ، فهو لا يملك عقيدة يقينية محددة ، لأن كل عقيدة قابلة للتغيير ، ومن حق الآخر أن يعتقد خلافها ، وهذا الفكر لا يملك جوابًا محددا على أوضح الأمور مثل وجود الله ـ وربوبيته ، لأن المنهج السيال الذي يعتمد عليه يجعل كل أمر قابل للصواب أو الخطأ ، وربما أوصلت المنهجية الليبرالية إلى عقائد متناقضة.

وبهذا يتبين أن الليبرالية تصحح العقائد المتناقضة ، والأفكار المتعارضة ، ولا تجزم بحقيقة عقدية ، فالمنتسب للإسلام منهم يعتقد أن إسلامه صحيح يحتمل الخطأ ، وعقيدة الآخر (الكافر) خطأ يحتمل الصواب ، ويرفضون الجزم العقائدي في جانب الصحة أو البطلان.

وهذا هو الشك بعينه.

 

3- كفر الإباء والامتناع:

حقيقة الإباء والامتناع هي عدم الانقياد والاستسلام لأمر الله ـ وشرعه ، ومن المعلوم أن الإيمان يتضمن أخبارًا تقتضي التصديق ، وأوامر تقتضي الانقياد والتسليم ، ومناقضة التصديق يكون بالتكذيب ، ومناقضة الانقياد والتسليم يكون بالإباء والامتناع.

وقد يُضاف إلى الإباء والامتناع «الاستكبار» مثل كفر إبليس وفرعون واليهود.

 وقد يكون الإباء والامتناع دون «استكبار».

ولا ريب أن الفكر الليبرالي يؤسَّس للامتناع عن شرائع الإسلام في مجال السياسة والاقتصاد ، ولهذا تكونت الدول الليبرالية بعيدة كل البعد عن شرائع الإسلام في نظمها السياسية والاقتصادية.

ومن ذلك امتناع الدول الليبرالية مِن تطبيق الحدود والعقوبات الشرعية ، وكذلك الامتناع عن تحريم الربا في البنوك والمؤسسات المالية ، وهكذا.

 

4- تشريع القوانين الوضعية المضادة لشريعة الله :

والتشريع حق خاص لله ـ ، وهو الأمر الشرعي وحقيقة فعلهم أنهم أحلوا الحرام ، وحرموا الحلال فاتبعوهم على ذلك.

وقد أوجب الله ـ الحكم بشريعته ، وجعله من العبادة 

وكل مَن تصوَّرَ الليبرالية ، وعرَفَ حقيقتها فإنه يجزم أنها لا تعترف بحكم الله ، ولا تقر بشريعته ، وترى أن الحرية الإنسانية كافية في إصدار التشريعات دون الرجوع إلى جهة إلهية خارج نطاق العقل الإنساني.

ولا ريب أن مقاييس علماء الإسلام في أحكام الكفر تنطبق عليها (الليبرالية) بمجرد معرفة حقيقة الفكرة وتصورها ، ومن هذه الأحكام أنها حكم بغير ما أنزل الله استحلالًا أو تشريعًا.

ولو قال قائل: إن الليبرالية تطبق شريعة الله وحكمه في الحدود والأموال والأسرة وغيرها لأضحك على نفسه كل باحث يعرف مفهوم الليبرالية وتاريخها ومرجعيتها.

 

شُبُهات ورُدُود

 

يردد بعض المفتونين بالليبرالية عددًا من الشبهات يعارضون بها الحكم السابق عليها ، منها:

الشبهة الأولى: شبهة التكفير:

وهذه الشبهة تظهر في الحكم على كل مذهب إلحادي يَفِدُ على البلاد الإسلامية ، حيث يقولون: إن بعض الليبراليين ينطقون الشهادتين ، ويصلون ، ويؤدون الشعائر التعبدية ، والقول بأن الليبرالية عقيدة كفرية يكون بمثابة تكفير المسلمين ، وهذه هي عقيدة الخوارج الضالين.

والجواب عن هذه الشبهة بأن ثبوت الإسلام للإنسان يشترط له بالإضافة إلى الإتيان بالواجبات المذكورة في الشبهة وغيرها: ترك النواقض والمبطلات لحقيقة الإيمان والإسلام ، فمن يأتي بهذه الواجبات ، وهو قائم على نواقض الإيمان ، فإنها لا  تنفعه حتى يترك النواقض.

ولهذا حذرت الشريعة الإسلامية من نواقض الإيمان ، وبينت خطورتها ، فقد يكفر الإنسان ويخرج من الملة ، وهو لا يزال يشهد أن لا إله إلا الله ويؤدي بعض الواجبات ، وهذه حقيقة شرعية قطعية.

وهذه الحقيقة موجودة في كل دين ، لأنه ما من دين إلا ويوجد له نواقض إذا وُجِدَتْ بطل أصلُ هذا الدين ، وكذلك الأمر في العبادات كالصلاة والوضوء وغيرها لو أتى الفرد بواجباتها وارتكب مبطلاتها لم تنفعه هذه الواجبات.

ومن جهة أخرى فإن التكفير الوارد حول هذا المذهب يقع على العقائد ، والأفكار ، والآراء التي يتضمنها ، وهذا يسمى « كفر النوع » ، وهو تحرير المسائل الكفرية دون النظر للمُعَيَّنِين ، أما الفرد الـمُعَيَّن فإنْ وُجِدَتْ فيه هذه العقائد والأفكار ، والآراء ، فإنه لابد من توفر شروط التكفير فيه وانتفاء موانعه عنه ، مثل قيام الحجة وانتفاء الشبهة والتأويل ، وعدم الإكراه.

هذا في حال تلبسه بهذه المكفرات ، أما مجرد الانتماء لهذا المذهب وحده ، فهو غير كافٍ في اعتباره متلبسًا بهذه المكفرات ، لأن الواقع يشهد بأنه يوجد من ينتمي إلى مذهب فإذا سئل عنه ، وصفه بغير حقيقته دون إقرار بالمكفرات التي هي مناط الكفر.

وبناء على ذلك فإن الـمُعَيَّنين تختلف أحوالهم ، وأوضاعهم ولكن العقائد والأفكار تبقى ثابتة يمكن أن يطلق عليها حكم محدد ، ولا يعكر على ذلك اختلاف أحوال المعينين وأحكامهم.

والكلام هنا حول العقائد والأفكار ، وليس على المعينين فلهم شأن آخر. وهذا أمر معروف عند علماء السلف الصالح حيث يطلقون وصف الكفر على المقالة ، ويبينون وجه مناقضتها لأصل الدين دون أن يقتضي هذا تكفير كل معين يقول بهذه المقالة ، فضلا عن تكفير المنتمي لفرقة تقول بها لمجرد انتمائه.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:« الْقَوْلَ قَدْ يَكُونُ كُفْرًا فَيُطْلَقُ الْقَوْلُ بِتَكْفِيرِ صَاحِبِهِ وَيُقَالُ:« مَنْ قَالَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ » لَكِنَّ الشَّخْصَ الْـمُعَيَّنَ الَّذِي قَالَهُ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الَّتِي يَكْفُرُ تَارِكُهَا » ([6]).

وقد حذر علماء السلف من إطلاق تكفير المعين دون بينة 

وبقوله ص :«إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ ، فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا» (رواه البخاري ومسلم). وفي رواية لمسلم: «إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ»([7]).

والتكفير حكم شرعي تترتب عليه لوازم في الدنيا والآخرة ، فيجب الاحتياط فيه ، والحذر من الاستعجال فيه ، ولهذا قد تكون المقالة كفرًا ناقلًا عن الملة ، ولا يكون القائل بها كافرًا إذا لم تَقُم عليه الحجة أو كان متأولًا.

ولكن هذا لا يعني أن المعَيَّن لا يُكَفَّر إذا وُجِدَتْ فيه الشروط ، وانتفت عنه الموانع ، فإنه إذا تم التأكد من ذلك يُكَفَّر بعينه ، فقد أفتى علماء الإسلام بردة عدد ممن أعلنوا الكفر وتحققت فيهم شروط الكفر ، ويدخل في هذا الصدد قتال الصحابة للمرتدين ، وفتوى شيخ الإسلام ابن تيمية في قتال التتار وتكفيرهم ، وغيرهم.

أما تكفير المذاهب الإلحادية المعاصرة فهو أمر ضروري لتَعْلَمَ الأمة الإسلامية خطورة هذه المذاهب وتحْذَر منها ، ومن ذلك: ما قرره مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي من تكفير « العلمانية » ، وهي المنبع الذي خرجت منه سائر المذاهب المعاصرة بما فيها « الليبرالية »([8]).

 

الشبهة الثانية:

 أن الليبرالية مجرد آلة وليست عقيدة:

هذه الشبهة تقوم على أن الليبرالية ليست عقيدة يمكن أن تُوصَف بالإيمان أو الكفر ، وإنما هي مجرد آلة عصرية يمكن الاستفادة منها لتحديث المجتمع وتطويره.

ويبدو على هذه الشبهة أسلوب المخادعة ، والهروب من الحقيقة ، فإن مَن يَدْرس الليبرالية يتبين له أنها عقيدة فكرية متكاملة ، وفلسفة مادية إلحادية ، فدعوى أنها مجرد آلة هي هروب مما تتضمنه الليبرالية من مناقضة لأحوال الإسلام.

وقد تبين من الكلام على حقيقة الليبرالية وأسسها الفكرية أن الليبرالية منظومة فكرية متكاملة ، وعقيدة سياسية واقتصادية محددة ، وليست مجرد آلة كما يزعم البعض.

الشبهة الثالثة:

أن الليبرالية تشتمل على بعض الإيجابيات:

وترى هذه الشبهة أن الليبرالية مشتملة على أمور إيجابية مثل إكرام الإنسان ، وعدم إهدار حقوقه ، وشحذ الدافع الذاتي (الفردية) للإنسان مما ولد المنافسة القوية بين الشركات الكبرى بحيث توصلت من خلال هذه المنافسة إلى تحريك الاقتصاد ، واكتشاف المخترعات الحديثة المفيدة للإنسان ، هذا بالإضافة إلى المشاركة السياسية ، والحرية في مؤسسات المجتمع ، والصحافة ، وتكوين الأحزاب والمعارضة وغيرها ، ولا يمكن أن يكون هذا معارض للإسلام.

والجواب عن هذه الشبهة من وجوه عدة:

أولًا: أن وجود بعض الإيجابيات لا يدل على صحة هذا المذهب أو ذاك ، لأنه ما مِن فكرٍ باطلٍ أو بدعةٍ مخترعةٍ إلا ويوجد فيها شيء من الحق فلا يكاد يوجد مذهب إلا وهو مشتمل على بعض الإيجابيات ، ولكن ذلك لا يستلزم الصحة 

ثانيًا: أن سلبيات الليبرالية ومساوئها أكثر ، وأعظمها الكفر والشرك بالله ـ ، والأثرة ، واتباع الهوى ، والظلم للفقراء والطبقات المتدنية.

ثالثًا: أن إيجابيات الليبرالية لا تخلو من جوانب سلبية ، لأنها حريات مفتوحة غير منضبطة فحقوق الإنسان فَتْحٌ لمجال الإلحاد ، والفساد الأخلاقي إلى درجة الشذوذ ، والفردية أصبحت شحًّا مطاعًا ، وهوىً متبعًا ، وأنانية مقيتة ، والديمقراطية رفعت أصحاب رؤوس الأموال ، وجعلتهم يتحكمون في المجتمع بأموالهم.

رابعًا: أن أي صفة إيجابية في مذهب باطل فإنها موجودة في دين الإسلام بأحسن وأكمل وأنقى من النقص من غيره ، وهذا من كمال الدين وتمامه فلا نحتاج إلى أن ننقل من المناهج والمذاهب المنحرفة بحجة وجود إيجابيات فيها ، فلا خير إلا وقد دلنا له الإسلام ولا شر إلا حذرنا منه ، فكل خير موجود في الإسلام دون أي شائبة.

الشبهة الرابعة:

 قول بعضهم:« سنُقَيّد الليبرالية بقيود الشرع! فلا نقبل منها أي أمر يخالف شريعة الإسلام ، حيث نؤقلمها مع عقيدتنا وظروفنا»:

والجواب: قد قيل مثل هذا ممن أراد الترويج للديمقراطية ؛ مُدَّعِيًا أنه لن يقبل بالتصويت على أمر مخالف للإسلام ، وأنه.. وأنه.. إلى آخر القيود ، فقيل له: إذا قيدتها بهذه الأمور فلا تُسَمِّها « ديمقراطية » ؛ لأنها لن تكون كذلك! سَمِّهَا إسلامًا ، ودَعْ هذا التلاعب.

ومثل هذا يقال لمن أراد أن يُقَيِّد الليبرالية بقيود الشرع ؛ لأنها ستكون شيئًا آخر غير الليبرالية.

 

آثار وأخطار الفكر الليبرالي عــــلى المسلمين ودينهم

 

هل الليبراليون يملكون مشروعًا جادًّا وحقيقيًّا للنهضة؟ وهل لديهم رؤية ناضجة للإصلاح؟

الواقع الذي لا مراء فيه: أن غاية ما عند هؤلاء الليبراليين هو مسخ هوية المجتمع والانقلاب على الذات وتلميع الفكر الغربي, واستنساخه بدون وعي أو صدق مع الذات أو مع المجتمع!

وهذا التيار المنحرف ليس له جذور عميقة في المجتمع, وليس له امتداد أو قبول شعبي, لكن خطورته تكمن في أن بعض وسائل الإعلام المحلية والإقليمية صَدَّرَتْ رموزه, وجعلت منهم مفكرين إسلاميين, وخبراء في الحركات الإسلامية, وصناع للرأي العام!

وفيما يلي بعض آثار ومخاطر الفكر الليبرالي على المسلمين:

أولا: الآثار العقدية:

1- التشكيك في العقيدة الصحيحة وزعزعة الثقة بها, بمختلف الأسباب والطرق الملتوية الخبيثة.

2- القطيعة التامة مع مصادر التلقي والاستدلال عند المسلمين والتزهيد, بل التشويه المتعمد للتراث الإسلامي عقيدة وشريعة.

3- إحياء التراث الفلسفي والمعتزلي, وتقريبه للناس في قالب جميل مزخرف مما يؤدي إلى تقبل هذا التراث المنحرف في ظل الجهل الذي يخيم على كثير من الناس.

4- الهزيمة النفسية أمام الأعداء التي يريدون أن يغرسوها في أفراد الأمة شاءوا أم أبوا من خلال أمور عدة منها:

أ- هدم حاجز الولاء والبراء.

ب- إلغاء الجهاد.

ج- الترويج بأن المسلمين متخلفون, ولا يمكن أن يتقدموا أبدًا ، والانبهار بالغرب رغم تراجع الحضارة الغربية والتنبؤات من قبل مُنَظّرِيهم بزوالها.

د- إفساح المجال أمام التيارات المنحرفة الزائغة, بدعوى حرية الرأي والانفتاح على الآخر.

هـ - الارتماء في أحضان الأعداء وتقليدهم, وتقَبُّل الغزو الفكري بحجة صحة هذه الأديان وأن ما عندهم لا يخالف صراحةً ما عندنا.

و- نشر ثقافة تقبل الآخر ولو كان ملحدًا, وضياع ما أسماه العلماء بحفظ الضرورات الخمس وعلى رأسها (حفظ الدين).

ثانيًا: الآثار  الأخلاقية والاجتماعية :

1- إفساد المرأة المسلمة, وجعلها دُمْيَة يتلاعب بها المنحرفون سلوكيًّا وأخلاقيًّا.

2- طمس معالم الأخلاق الإسلامية, وذلك عن طريق الانحلال والتفسخ الأخلاقي, فلقد فتح هذا الفكر الباب على مصراعيه لدعاة التغريب بحيث لو طبقت المجتمعات كل ما يرونه ويؤصلونه لأصبحت مجتمعات منحلة لا تعرف معروفًا ولا تنكر منكرًا.

3- إماتة وإضعاف جانب الاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ثالثًا: الآثار السياسية:

1- إقصاء الشريعة عن الحكم وعزلها عن الحياة, وحصرها في نطاق المسجد والعبادات الشخصية, وهو ما يعرف بـ (العلمانية) أو اللادينية فالدعوة الليبرالية في حقيقتها هي العلمانية, وإن وجد فاصل بينهم فهو رقيق جدًّا وكأنهما وجهان لعملة واحدة واسمان لمسمى واحد.

2- الولاء للفكر الغربي, والاستقواء بالأجنبي.

*************************************

([1]) بتصرف من حاشية السندي على سنن ابن ماجه  ، ومن تعليق محمد فؤاد عبد الباقي عليها.

([2]) تفسير الشعراوي  ، عند تفسير (سورة البقرة:37).

([3]) موقع  مفكرة الإسلام   ، الاثنين 13 يونيو 2011. ‎

([4]) موقع الشيخ على شبكة الإنترنت www.alfawzan.ws  .

([5]) فتاوى موقع  الشبكة الإسلامية  ، بإشراف الدكتور عبد الله الفقيه  ، الثلاثاء 7 جمادي الآخر 1425  ،  25- 7 - 2004 ، رقم الفتوى ( (51488 .

([6]) مجموع الفتاوى (23/345).

([7]) قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم (2/50):

  • السبت PM 11:41
    2021-08-14
  • 2881
Powered by: GateGold