المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412240
يتصفح الموقع حاليا : 324

البحث

البحث

عرض المادة

وسقط صنم الليبرالية

 

    حقا إن سنة الله لا تتبدل ولا تتغير ولا تحابي أحدا ، فما بني علي باطل فهو باطل ، والله عز وجل هو خالق الإنسان وهو أدري بما يصلحه وما ينفعه في دنياه وآخرته ، والإنسان مهما ازداد في العلوم والمعارف ومهما اخترع من قوانين وآليات لإصلاح حال البشر فجهده قاصر وسعيه مبتور، لأن ما يجهله في هذا الكون أكثر مما يعرفه ، وما يغيب عنه أوسع مما يدركه .

     بين عشية وضحاها حدث ما لم يكن متوقع، حيث بدأت حبات عقد أعتي أيديولوجية علي وجه الأرض في الانفراط حبة حبة ، ولأول مرة أصبحت هناك الجرأة علي نقد الليبرالية بعدما كان من المحرمات بل من المهلكات  الكلام بأقل القليل عن الليبرالية ، وكأنها أقدس أيدلوجية عرفها بني البشر.

كان من السهل على الليبراليين من بني جلدتنا أن يقدحوا في كل ما هو مقدس عندنا ، لكن عندما يقترب الكلام من جناب الليبرالية كانت الأسلحة توجه في وجه المتحدث مهما كان وضعه ، والاتهامات بالجهل والتخلف والإرهاب وغيرها ... جاهزة ومشرعة أمام المتكلم .

وهذا الكلام ينطبق علي ما أخرجته قريحة البشر من الأيديولوجيات والتشريعات ومنها " الليبرالية" فكنا علي موعد مع الأزمة الاقتصادية الجارفة التي تمر بها كل دول العالم الآن والتي سببها يرجع في الأساس إلى ترك العنان والحرية المطلقة لبني البشر أن يفعلوا في الأموال والثروات ما يشاءون ، فكانت الليبرالية وتطبيقاتها الاقتصادية هي السبب فيما يمر به العالم من أزمة خانقة وذلك باعترافات أربابها ومنظريها، وتمثل الحل عند أكثر الاقتصاديين الغربيين علي دراسة الاقتصاد الإسلامي وتطبيقه وتجريبه عندهم .  

    ولعل ذلك يدفعنا دفعا إلى سبر أغوار  "الليبرالية " ومعرفة حقيقتها وآلياتها ، لنعرف كيف سقط المارد وكيف هوت تلك الأسطورة التي لن يكون لها علي الأقل تلك الهيبة والهيمنة والاحترام والتقديس لدي منظريها قبل شانئيها ، وهذا يعتبر أعظم مكسب للإسلام والمسلمين .


تعريف الليبرالية :

     هي مذهب رأسمالي ينادي بالحرية المطلقة في السياسة والاقتصاد وكل مناحي الحياة، وينادي بالقبول بأفكار الغير وأفعاله، حتى ولو كانت متعارضة مع أفكار المذهب وأفعاله، وقد اختلفت وتعدد التعريفات لليبرالية وذلك بسبب أنهم لم يتفقوا على آلية محددة لتطبيقها في الواقع .

فالليبرالية : (LIBERALISME) كلمة لاتينية ، اشتقت من كلمة LIBER  التي تعني الحُر ، وغير المقيد بقيود ، وغير الملتزم بأي التزام ، والليبرالية الحرية المطلقة ، غير المقيدة بقيود .

جاء في الموسوعة الميسرة : " الليبرالية مذهب رأسمالي ينادي بالحرية المطلقة في الميدانين الاقتصادي والسياسي"  .

    أي معناها : التحرر التام من كل أنواع الإكراه الخارجي دولة، جماعة، فردا؛ ثم التصرف وفق ما يمليه قانون النفس ورغباتها، والانطلاقة والانفلات نحو الحريات بكل صورها مادية، سياسية، نفسية، ميتافيزيقية (عقدية)  .

     كما جاء في موسوعة لالاند الفلسفية تحت مادة (LIBERALISME) : المعنى الفلسفي الحق للحرية هو الانفلات المطلق، لا بغياب النزوع، بل بالترفع فوق كل نزوع وكل طبيعة). ج.لاشلييه) .

     وقد عرَّفها المفكر اليهودي )هاليفي(  بأنها:  الاستقلال عن العلل الخارجية، فتكون أجناسها الحرية المادية والحرية المدنية أو السياسية، والحرية النفسية والحرية الميتافيزيقية (الدينية) .

     وعرفها الفيلسوف الوجودي (جان جاك روسو) بأنها: الحرية الحقة في أن نطبق القوانين التي اشترعناها نحن لأنفسنا .

    وعرفها الفيلسوف (هوبز) :بأنها غياب العوائق الخارجية التي تحد من قدرة الإنسان على أن يفعل ما يشاء.

    وهكذا نرى أن تعريفات الليبرالية تُجمِع على أنها انكفاء على النفس مع انفتاح على الهوى؛ بحيث لا يكون الإنسان تابعاً إلا لنفسه، ولا أسيراً إلا لهواه .

    ويذكر في الموسوعة الفلسفية العربية : أن الليبرالية في الفكر السياسي الغربي نشأت وتطورت في القرن السابع عشر، وأن لفظتي "ليبرالي " و "ليبرالية"  لم تكونا متداولتين قبل بداية القرن التاسع عشر، وأن كثيرا من الأفكار الليبرالية موجودة في فلسفة "جون لوك" السياسية، فهو أول وأهم الفلاسفة الليبراليين.     وبحسب هذه المفاهيم والمعادلات والنتائج يمكن أن نصل إلى تحديد أدق لحقيقة الليبرالية بأنها تعنى:

الاستقلالية التامة للفرد، بالانكفاء على النفس، والتحرر من سلطة الغير، ثم الانفتاح على قوانين النفس والانفلات معها.

     والحقيقة أن التعريف الدقيق لهذا المصطلح هو تعريفه بحسب المجال الذي يعرف من خلاله , نعرفها على النحو التالي :  ليبرالية السياسة ، وليبرالية الاقتصاد ، وليبرالية الأخلاق ... وهكذا . وهذا ما قامت به موسوعة لالاند الفلسفيّة .

     فالليبرالية السياسية تقوم على التعددية الأيدلوجية والتنظيمية الحزبية، وهي لم تظهر إلا في أوائل القرن 19، وأول استخدام كان في أسبانيا في عام 1812م، ولكنها قامت كأيدلوجية على أفكار ونظريات تنامت قبل ذلك بـ300  عام، حيث نشأت الأفكار الليبرالية مع انهيار النظام الإقطاعي في أوربا والذي حل محله المجتمع الرأسمالي أو مجتمع السوق . وبحلول الأربعينيات من ذلك القرن كان المصطلح قد صار واسع الانتشار في أوربا؛ ليشير إلى مجموعة من الأفكار السياسية المختلفة . ولكن في إنجلترا انتشر المصطلح ببطء برغم أن الأعضاء ذوي الشعر المستعار  Whigs(أعضاء حزب بريطاني مؤيد للإصلاح) أطلقوا على أنفسهم "الليبراليون " أثناء الثلاثينيات من القرن 18، وكانت أول حكومة ليبرالية هي حكومة جلادستون  Gladstone التي تولت الحكم عام 1868 ([1]) .

    والليبرالية الفكرية تقوم على حرية الاعتقاد ، أي حرية الإلحاد ، وحرية السلوك ، أي حرية الدعارة والفجور، وعلى الرغم من مناداة الغرب بالليبرالية والديمقراطية إلا أنهم يتصرفون ضد حريات الأفراد والشعوب في علاقاتهم الدولية والفكرية . وما موقفهم من الكيان اليهودي في فلسطين ، ومن العراق ، وموقفهم من قيام دول إسلامية تحكم بالشريعة ، ومواقفهم من حقوق المسلمين إلا بعض الأدلة على كذب دعواهم([2]) .

     والليبرالية الفكرية تعد أساساً لليبرالية السياسية، فهي تؤصل منذ نشأتها للفوضى الفكرية، ولهذا فإن كل ما يبنى فوقها من منشآت سياسية يؤول أمره إلى الفوضى، وثورة الليبرالية على الدين وثوابته لا تلبث أن تتحول إلى ثورة على السياسة ومسالكها.

     والليبرالية الدينية أو(الميتافيزيقية) كما يسمونها أحياناً، لتكون عاراً على كل من يتبنى الليبرالية ممن يدعي احترام المبادئ الإنسانية فضلاً عن القيم الإسلامية، فالليبرالية الدينية أو التعددية الدينية تسعى إلى نمط من الفكر الديني، لا يتقيد بأية قواعد، ولا يستند إلى أية مرجعية، بل يستند إلى حرية الإنسان في اختيار الإله الذي يهواه، ولو عبد كل يومٍ إلهاً .. ولو لم يعبد إلهاً على الإطلاق إلا هواه .

والليبرالية الدينية تقوم على فكرة نسبية الحقيقة، وترِّوج لمقولة : لا دين على الإطلاق يحتكر الصواب.


ولهذا كانت الليبرالية الدينية دائماً هي الأداة الخادمة والدافعة لبقية الليبراليات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية؛ لأن الليبرالية الدينية تهدم أولاً القواعد، وتزيل الحواجز، لينطلق )البناءون الأحرار( بعدها في تشييد أبنية الضلالة على أسس الغواية، كل ذلك على خلفية إلغاء الخصوصيات الثقافية، وتدمير مفهوم (المقدس) وتبديله بمفهوم (النسبية) في الحقائق والعقائد والقيم لإزالة الثبات عنها، حتى لا يبقى هناك مجال لأصول تبنى عليها الهوية، أو ترتكن إليها القيم.

     وتأتينا الليبرالية الاقتصادية (الرأسمالية) بوجهتها الانتهازية ونكهتها اليهودية؛ إذ تقـوم منذ وضع أسسها (آدم سميث 1723 ـ 1790 ) على المصلحة أو (الأنانية)، فهي المحرك الوحيد للنشاط الإنساني كما يقول، ولا ينبغي أن يوضع أمام المصلحة أي قيد، وهو ما عبر عنه بقوله: " دعه يعمل، دعه يمر" ؛ فالاقتصاد لا ينظمه حسب النظام الرأسمالي إلا قانون العرض والطلب وقوانين الطبـيعة البشـرية، دون أي قيود أو ضوابط([3]).  

    وتقوم فكرة الليبرالية الاقتصادية على منع الدولة من تولي وظائف صناعية، ولا وظائف تجارية، وأنها لا يحق لها التدخل في العلاقات الاقتصادية التي تقوم بين الأفراد والطبقات أو الأمم.

     ويعد آدم سميث هو المنظر لهذه النظرية الليبرالية الاقتصادية:  فقد افترض أن المحرك الوحيد للإنسان والدافع الذي يكمن وراء كل تصرفاته الطوعية، هما الرغبة في خدمة مصالحه وإرضاء ذاته .

    وسميث هنا يشارك هوبز في نظرته إلى الإنسان ككائن (أناني)، واعتبر سميث أن الاقتصاد تنظمه قوانينه الخاصة، كقانون العرض والطلب، وقوانين الطبيعة الإنسانية، وكانت لدى سميث قناعة تامة أن هذه القوانين إذا ما سمح لها بأن تأخذ مجراها دون تدخل من الدولة، تقوم بمهمتها على أكمل وجه، فتخدم مصلحة المجتمع ككل، وتخفف رغبات الفرد، وقد يبدو أن هذه القوانين جاءت نتيجة تصميم مصمم، أو أنها تشكل نظاما غائيا متعمدا، ولكنها ليست كذلك، أو على الأقل هذه هي قناعة سميث.

... وهكذا أدخل سميث مبدأ الاقتصاد الحر (تنافس حر، في سوق حرة) في مفهوم الليبرالية ([4]).

         والليبرالية كنظرية في السياسة والاقتصاد والاجتماع لم تتبلور على يد مفكر واحد، بل أسهم عدة مفكرين في إعطائها شكلها الأساسي.  ففي الجانب السياسي يعتبر (جون لوك1632 – 1704 م  (أهم وأول الفلاسفة إسهاما، وفي الجانب الاقتصادي (آدم سميث 1732-1790 م) ، وكذلك كان لكل من (جان جاك روسو1712-1778 م) و(جون ستيوارت مل 1806-1873 م) إسهامات واضحة.

 

نشأة الليبرالية :

    كثر استعمال الكلمة في أوربا في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، وهما قرنا الصراع بين الكنيسة  (السلطة الكهنوتية)  والعلوم المادية والمكتشفات العلمية .

    فقد كانت الكنيسة تطارد علماء المادة ومكتشفي خصائصها ، في كل بقاع أوربا ، ولم تكن تسمح لأحد بالخروج عن منهجها ، فحين أتى جاليليو وزميلاه بنظرية كروية الأرض بالأدلة والبراهين المادية ، قامت قيامة الكنيسة ، وطاردت الثلاثة ، فمنهم من فََرَّ ، ومنهم من آثر السلامة ورجع عن نتائجه ، وكذبها ظاهراً ، ومنهم من سلخته الكنيسة ونزعت جلدَه حيا حقيقة وواقعاً .

    فالحرية التي أرادها القوم هي الحرية من تسلط الكنيسة على الأفكار والمكتشفات ، فالعلماء وعامة الناس كانوا مضطهدين في أفكارهم، وفي ممتلكاتهم، وفي أزواجهم، وفي أولادهم وبناتهم، وفي تشريعاتهم وتقنينهم، حتى فيما يأكلون ويشربون.... ، اضطهاد له جذور يعود امتدادها إلى أكثر من ألف عام .

    وكان هذا الاضطهاد مبنيا على انحراف عقدي ، من أن عيسى احد الأقانيم الثلاثة للإله ، وأنه صاحب الصلاحية المطلقة في الكون ، وأنه وهب تلك الصلاحيات إلى الكنيسة ، فهي وريثة المسيح ، ولها ما كان لعيسى من القداسة والسلطان([5]) .

    فالغرب أراد التحرر من الكنيسة ، التي ظلمتهم في كل روافد الحياة .

    فبدأ الفكر الليبرالي في مرحلته المبكرة داعياً إلى حق التمرد ضد الحكومات التي تقيد الحريات ، ولهذا أوحت الأفكار الليبرالية بالثورة الإنجليزية عام 1688م، والأمريكية عام 1775م، والفرنسية عام 1789م، وأدت هذه الثورات إلى قيام حكومات تعتمد على دساتير تقدس حق الإنسان في الحرية الشخصية بأوسع دوائرها، دون التزام تجاه شيء، إلا القوانين المصاغة أصلاً لحماية الحريات الشخصية([6]).

    من هنا ظهرت الليبرالية الغربية التي تعنى حق الفرد في الحياة كما يريد ، دون التقيد بأي قيد أو شرط ، ويعبرون عن ذلك بقولهم: دَعْه يفعل ما يشاء ، ويَمُر من حيث يريد ، ولا شك أن هذه المطالبة جاءت للتحرر من قيود الكنيسة ، التي حرفت الإنجيل ، وأخرجته من وحي الهي إلى كلام بشري .

     ولقد قامت حركة التنوير الأوروبية وفق تسلسل مرحلي تلقائي؛ بدءاً من العلمانية ثم الليبرالية وأخيراً الديمقراطية، بحيث لا يمكن عزل أي مرحلة منها عن الأخرى أو تجاوز اللاحقة منها السابقة ، فكانت بداية النهضة الأوروبية مع حركة العلمنة التي تعني تحرر العقل العلمي من سلطان الكنيسة الجائر، وإعفاءه من الالتزام بالولاء لما يتناقض مع أولى بديهياته، ونادت بإطلاق حرية العقل في التجريب والملاحظة بعيداً عن المسلّمات الأولية المتناقضة في النصوص الدينية، ولم يكن ذلك يعني التملّص من الإيمان الديني عند معظم العلمانيين، بل كانت حركتهم موجهة نحو تخليص العقل من سلطان الكنيسة لعدم إمكان الجمع بينهما، ومن ثَم عزل الإيمان الغيبي (الميتافيزيقا) عن الواقع التجريبي المحسوس.

... بناء على التسلسل المرحلي السابق ذكره، فإن الليبرالية الاقتصادية والأيديولوجية لم تنشأ في الغرب إلا بعد شيوع العلمنة وتخليص العلم من سلطان الكهنوت، وهكذا فقد كان من الطبيعي أن تثور العقلية العلمانية على أيديولوجيا التسليم بالمطلق ومنح العلم صفة النسبية.  وتزامن ذلك مع تطلع الفرد للتحرر الاقتصادي من نير الإقطاع، وتحالف البورجوازية الناشئة مع الطبقة الكادحة التي أصبحت أكثر وعياً وثقافة، مما أدّى إلى تقلّص سلطات الإقطاعيين ومنح الطبقات الدنيا حرية العمل والتملك.

... إثر ذلك التغيير العقلي والاجتماعي في المجتمع الأوروبي نشأ النظام الديمقراطي كتطور تلقائي ليحل بديلاً عن نظام التوريث الإقطاعي الملكي، وما كان ذلك ليحدث لولا تغلغل الفكر العلماني الليبرالي في المجتمع، والذي أشاع مبادئ الحرية الفردية وحق تقرير المصير، مما أدَّى إلى تدخل الأفراد في انتخاب السلطة الحاكمة، ومن ثم نشوء النظام الديمقراطي القائم على الاقتراع ورأي الأغلبية([7]).

    على الرغم من أن الليبرالية عادة ما تُنسب إلى الفيلسوف الإنجليزي (جون لوك ) كما أسلفنا ، إلا أن (جون لوك) كان يهدف في الأساس من أفكاره السياسية إلى التحرر من سلطات الكنيسة السياسية، وما رسخته من أفكار حول نظرية التفويض الإلهي للملوك والتي نظَّر لها السير (روبرت فيلمر) في كتابه (دفاع عن السلطة الطبيعية للملك) والذي ذهب فيه إلى أنه »على من يؤمنون بأن الكتاب المقدس منزل من عند الله أن يسلِّموا بأن الأسرة الأبوية وسلطة الأب أقرهما الله، وانتقلت هذه السيادة من الآباء إلى الملوك«.

      ومن أجل دحض آراء (فيلمر) هذه ذهب (لوك) إلى تصور أن الأفراد في (الحالة الطبيعية) يولدون أحراراً متساوين (وهذه هي نقطة الانطلاق في المذهب الليبرالي كله) وأنه بمقتضى العقل توصل الناس إلى اتفاق (عقد اجتماعي) تنازلوا فيه عن حقوقهم الفردية في القضاء والعقاب للجماعة ككل؛ وعلى هذا تكون الجماعة هي السيد أو الحاكم الحقيقي؛ وهي تختار بأغلبية الأصوات رئيساً أعلى ينفذ مشيئتها.

     وكان (فولتير) من أشهر زعماء الليبرالية في فرنسا والذي يعد تلميذاً خالصاً لـ (لوك) من الناحية الفلسفية البحتة، ولكنه يتجاوزه من حيث القدرات الأدبية في التأثير ونقده الحاد وسخريته اللاذعة . وكانت قضية )فولتير( الرئيسية هي تحرير العقلية الأوروبية تماماً من المسيحية الثالوثية عقائد ومفاهيم وقيماً؛ وهكذا كان يصرخ بعنف وسخرية » : إن لديَّ مائتي مجلد في اللاهوت المسيحي؛ والأدهى من ذلك أني قرأتها وكأني أقوم بجولة في مستشفى للأمراض العقلية « .

    كما يعد (جون ستيوارت مل) منظِّر الليبرالية الأكبر والذي اهتم في كتابه (عن الحرية) بشرحها شرحاً وافياً، وقد حدد أن الغرض من كتابه هذه هو تقرير المبدأ الذي يحدد معاملة المجتمع للأفراد » ومضمون هذا المبدأ هو أن الغاية الوحيدة التي تبيح للناس التعرُّض بصفة فردية أو جماعية لحرية الفرد هي حماية أنفسهم منه؛ فإن الغاية الوحيدة التي تبرر ممارسة السلطة على أي عضو من أعضاء أي مجتمع مُتَمَدْيِن ضد رغبته هي منع الفرد من الإضرار بغيره. أما إذا كانت الغاية من ذلك هي الحيلولة دون تحقيق مصلحته الذاتية أدبيةً كانت أم ماديةً فإن ذلك ليس مبرراً كافياً؛ إذ إنه لا يجوز مطلقاً إجبار الفرد على أداء عملٍ ما، أو الامتناع عن عملٍ ما «([8]) .

 

 دور اليهود :

     لليهود دور أساسي في ترسيخ الفكرة الليبرالية في المجالات الغربية: السياسة والاقتصاد والفكرية؛ قد لا يكونوا هم من ابتدعها، فالأقرب أنها ابتدعت تلبية لحاجة نفسية، وثورة على كبت مطلق، لكن اليهود أحسنوا استغلال هذه الحاجة والثورة، بما يحقق أهدافهم، على حين غفلة.

وفي البروتوكول الأول من بروتوكولات حكماء صهيون وردت كلمة "الليبرالية"، بما يبين أن الفكرة ليست إلا غطاء لأهداف حددت سابقا..

     ينطلق اليهود في ترسيخ الفكرة الليبرالية من فهم نفسيات الشعوب، من حيث سيطرة العاطفة والسطحية على شعورها، وضعف إدراكها لخفايا الأمور، واغترارها بالظاهر وعدم البحث فيما وراءه، ولأجله فهم مهيئون لتقبل كل فكرة ظاهرها الرحمة، وإن كان باطنها العذاب، لكنهم لا يفقهون ذلك الباطن، وليس لهم إلا الوقوف على الظاهر!!  .

وقد اتخذوا هذه الفكرة وسيلة لهدم كل الحكومات الارستقراطية الملكية القائمة الثابتة الحاكمة حكما مطلقا، واستبدالها بحكومات غير ثابتة متغيرة على الدوام، ذات سلطة محدودة، بدعوى تحقيق الليبرالية، التي يدركون يقينا أنها لن تكون خيرا من الملكيات والحكومات ذات السلطات المطلقة، إن لم تكن شرا منها، لكن كان لابد من الترويج لها من أجل هذا الهدف، وهو إزالة الأنظمة التي تعوق خطط الصهيونية اليهودية الماسونية في الوصول إلى الحكم.

وهم يعلمون جيدا فشل الليبرالية في تحقيق الأهداف المروجة لها، فقد ورد في برتوكولات حكماء صهيون ما يلي:  " لما كانت الحرية السياسية فكرة مجردة عن الواقع، فمن الفرض اللازم معرفة سبيل تسخيرها، من أجل السيطرة على الجماهير، وضمهم إلى حزبنا، ويقتضينا ذلك أن نقدم الطعم الذي يوقعهم في شباكنا، وحينئذ يسع حزبنا أن يقضي على الحزب الآخر المنافس له، ويكون النصر لحزبنا محققا ومؤزرا، لأن المنافس لنا مخدر بفكرة الحرية التي جعلته ينزل عن كثير من سلطاته ، وهذا –  دون شك – فاتحة انتصارنا وهزيمة منافسنا"  .

"     الرعاع أو الجمهور قوة همجية تؤكد كل تصرفاتها هذه الهمجية، وعندما يتمتع الرعاع بالحرية تظهر الفوضى التي هي قمة الهمجية"   .

 "     كنا أول من نادي في العصور الغابرة بكلمات الحرية، والمساواة، والإخاء؛ فاجتذب النداء الناس، وأخذوا يهتفون بها ويرددونها في كل أقطار الأرض ترداد الببغاء، دون فهم أو إدراك أو شعور، وأدى بهم الهتاف الببغائي إلى عرقلة التقدم الإنساني في العالم، وحرمان الفرد من حريته الذاتية الأصيلة، التي كانت في مأمن من عبث الجماهير، وأدعياء العلم والفطنة من الجوييم لم يفهموا مدلول هذه الكلمات، ولم يتبينوا التناقض فيما بينهن في المعاني، ولم يفطنوا إلى ما في مدلول كل منهن من خلاف، وفاتهم إدراك الاختلاف في أصل الطبيعة نفسها، إذ ليس فيها مساواة قط، كما أنه ليس فيها حرية أبدا، والطبيعة هي نفسها التي أوجدت الفروق في الأذهان، والأخلاق، والطاقات، والكفايات، وجعلت هذه الفروق ثابتة ثبات الخضوع لها فيما أوجدت من سنن وقوانين"  .

وإذا كان الأمر على هذا النحو، فلم إذن الترويج للحرية (الليبرالية)؟.

الجواب:  لإزالة الأنظمة السائدة، من حكومات ملكية أرستقراطية دينية، وفتح الباب لتغييرها كلما دعت الحاجة والمصلحة الصهيونية الماسونية اليهودية.

إذن، اليهود كانوا وهم يروجون لليبرالية يعلمون أنها شعار أجوف، ليس وراءها أية فائدة للجماهير، بل تفاقم مشكلاتهم وتزيدها حرجا، لكنها سبيل لتحقيق أهم أهداف اليهودية الصهيونية:

]إزالة الحكومات القائمة إلى الأبد، ثم السيطرة على الحكومات البديلة من خلال النظام الديمقراطي [

ومن هنا أطلقوا تلك الشعارات، ونادوا بها، وصدقها الغوغاء والرعاع، وتبنوها، وصاحوا بها، وهم لا يدركون حقيقتها، ولا ما فيها من تناقضات، واختلافات، ومعارضة لأصل الطبيعة البشرية!! ([9]) .

      لذا دخل اليهود في اللعبة ولاسيما في الثورة الفرنسية عام 1789م، فوسعوا مفهومها ، حتى شمل نقض كل ثابت في الحياة ، بما في ذلك الإله ، والإنسان ، والأفكار، والمعتقدات ، والسلوكيات ...

فدارون بنظرية التطور نفى وجود اله خَلَقَ الإنسان ، بل نفى خَلْق الإنسان على هذه الهيئة الإنسانية ، وإنما بِِنْيَتُه هذه مَرتْ بالعديد من المراحل في نظره ، فلم يكن الإنسان إنسانا في تلك المراحل ، وإنه يجب التحرر من أن الله خلق الإنسان .

وفُرُوْئِدْ هز ثوابت ممارسة الجنس ، واَوْهَمَ للأوربيين أن العقد النفسية تنشأ من الكبت الجنسي ، ووَضْعِ القيود الشرعية على ممارسته، كتحريم ممارسة الجنس مع الأم ، أو مع الأخت، أو مع البنت، وأن التحرر من هذه القيود يحرر الإنسان من العقد النفسية .

وهِنْرِىْ بَرْجِسُوْن صاحب النظرية الأخلاقية المُعَيَّنة ، جزم بأن الإله وَهْمٌ اختلقته المجتمعات البشرية ، لإيهام الفرد المتمرد على التشريعات الاجتماعية ، وانه الحارس الأمين يعاقب من ينتهكها ، يجب على البشرية التحرر من وَهْمِ الإله ومعاقبته([10]) .

)    ولكن القليل فقط من الغربيين فى هذه الفترة هو من أدرك خطورة المخطط اليهودي منهم  الملياردير

الأمريكي (هنري فورد) صاحب مصانع السيارات الشهيرة باسمه، الذي تعرض لمؤامرات يهودية كثيرة لزحزحته عن نشاطاته ونجاحاته المتوالية التي لم تسر وفق أهوائهم نظرا لتعصبه لبلده  أمريكا التي يرى أن اليهود دخلاء عليها  . فما كان من فورد إلا أن كلف مجموعة من الباحثين الأمريكيين لدراسة تاريخ اليهود في بلده ومصادر قوتهم وأساليبهم وطريقة تفكيرهم ...الخ ليستفيد منها في تعريتهم وفضحهم أمام بني وطنه  . فألفوا له كتابا مهما بعنوان ) اليهودي العالمي( .

وقد جاء في هذا الكتاب معلومات كثيرة مهمة عن اليهود ؛ منها ما يخص أمر الليبرالية  .

يقول أصحاب الكتاب ( ص 160-162 ) : " لقد تطلب البرنامج اليهودي واستغرق بالفعل 1900 سنة لكي يصل اليهود بالدول الأوروبية إلى مرحلة التبعية والانقياد للمخططات اليهودية كما هو شأنها الآن في الوقت الحاضر  – تبعية تامة في بعض الأقطار الأوروبية، وتبعية سياسية في بعضها الآخر، وتبعية اقتصادية فيها كلها - أما في أمريكا، فقد حقق البرنامج اليهودي النجاح نفسه وتطلب من الوقت خمسين سنة فقط  ! . إنه عن طريق مجموعة الأفكار التي تدور حول فكرة "الديمقراطية Democracy  " حصل اليهود على "انتصارهم الأول " في مجال السيطرة اليهودية على "الرأي العامTheir First Victory   over Public Opinion " وتؤكد البروتوكولات أن "الفكرة" هي السلاح The Idea is the Weapon، ولكي تكون الفكرة سلاحاً ملائماً لليهود، فمن الضروري أن تكون هذه الفكرة فكرة ضارة فاسدة متعارضة ومتضاربة مع الأوضاع السليمة الطبيعية في حياة الناس، وهذا هو الشأن أيضاً مع النظريات المنطوية على أفكار متعددة في المجالات المختلفة من الحياة، ومثل هذه الأفكار والنظريات لا يمكن لها أن تكون عميقة الجذور وفعالة ومقبولة إلا إذا بدت لعقول الناس كأفكار ونظريات منطقية ومتسقة مع مطالب الجماهير، بل ومسرفة في التظاهر بأنها تحقق للجماهير أكبر قدر من مطالبهم وآمالهم في الحياة، وغالباً ما تكون الفكرة الصحيحة غير ملبية للمطالب والآمال الكبرى للناس، وتبدو الأفكار والنظريات السليمة في كثير من الأحيان أمام الناس أفكاراً ونظريات قاسية مخيبة للآمال، وتبدو كما لو كانت شرّاً على الرغم من أنها تتصف بأنها حقيقة من الحقائق الخالدة.

إن كل ما يترتب وينتج عن مثل هذه الأفكار والنظريات الحقيقية ليس هو الضرر أو الفوضى، ومثل هذه الأفكار والنظريات الحقيقية هي أول ما يهدف البرنامج اليهودي إلى تحطيمه والقضاء عليه، وجدير بنا أن نلاحظ أن الدعوة إلى التحرر والليبرالية يحتل مكان الصدارة في البرنامج اليهودي الذي تتحدث عنه البروتوكولات إذ نجد أنها تقول بالحرف الواحد:  " لتحقيق السيطرة على الرأي العام من الضروري أولاً إرباكه"  . والحقيقة واحدة، ولا يمكن إرباكها، ولا يصح إلا الصحيح، ولا توجد حقائق غير صحيحة، وإن لم تكن الحقيقة حقيقة فهي الخطأ بعينه، ويستحيل أن يتصف شأن من الشئون بأنه حقيقة إذا كان خاطئاً، كيف سيربك اليهود الحقيقة، إنهم يعتمدون في ذلك على هذه "الليبرالية " الزائفة ، ولكنها جذابة تستهوي الجماهير وتروق لهم رغم زيفها ، ولقد حقق اليهود لفكرة الليبرالية الذيوع والانتشار بسيطرتهم على دور النشر والإعلام وأجهزة النشر والإعلام على نطاق واسع في أمريكا بسرعة أكبر بكثير من سرعتهم في ذلك في البلاد الأوروبية، ومن الممكن القضاء على هذه الليبرالية الزائفة بسهولة؛ لأنها لا تمتُّ إلى الحقيقة بأي صلة من الصلات الحقيقية، إنها خطيئة كبرى، وللخطايا أكثر من ألف شكل وشكل، وأكثر من ألف صورة وصورة.

     ولنأخذ أمة أو حزباً أو مدينة أو مؤسسة، ولنفترض أن سُمَّ الليبرالية  Poison of Liberalism قد سرى في عروق أي من هذه المؤسسات ؛ سنجد أمامنا أن كلاً منها قد انقسم وتمزق إلى عدة أقسام، وعدد من الشيع لا ينقص عن اثنين، ويجوز أن يزيد على ذلك في كثير من الأحيان، وذلك عن طريق بث أفكار جديدة، وتقديم تعديلات للأفكار القديمة، وهذه الخطة السوقية الشريرة معروفة تمام المعرفة لدى القُوَىَ اليهودية التي تسيطر على أفكار الجماهير بصورة خفيَّة غير مكشوفة."

... وجاء في البروتوكول العاشر:  ولما أدخلنا اسم الليبرالية على جهاز الدولة، تسممت الشرايين كلها، ويا له من مرض قاتل، فما علينا بعد ذلك إلا انتظار الحشرجة وسكرات الموت.

إن الليبرالية أنتجت الدولة الدستورية التي حلت محل الشيء الوحيد الذي كان يقي الغوييم السلطة المستبدة. والدستور، كما تعلمون جيداً، ما هو إلا مدرسة لتعليم فنون الانشقاق، والشغب، وسوء الفهم، والمنابذة، وتنازع الرأي بالرد والمخالفة، والمشاكسة الحزبية العقيمة، والتباهي بإظهار النـزوات. وبكلمة واحدة: مدرسة لإعداد العناصر التي تفتك بشخصية الدولة وتقتل نشاطها . ومنبر الثرثارين وهو ليس أقل من الصحف إفساداً في هذا الباب، راح ينعى على الحكام خمولهم وانحلال قواهم ، فجعلهم كمن لا يرجى منه خيرٌ أو نفع . وهذا السبب كان حقاً العامل الأول في القيام على كثيرين من الحكام فأُسقطوا من على كراسيهم. فأطل عهد الحكم الجمهوري، وتحقق، فجئنا نحن نبدل الحكم بمطية من قِبَلِنا ونجعله على رأس الحكومة وهو ما يعرف بالرئيس، نأتي به من عداد مطايانا أو عبيدنا، وهذا ما كان منه المادة الأساسية المتفجرة من الألغام التي وضعناها تحت مقاعد شعب الغوييم، بل على الأصح شعوب الغوييم)([11]) .

 

    مراحل الليبرالية

    أولاً : الليبرالية الكلاسيكية : وهي مفاهيم الليبرالية التي ظهرت كرد فعل للاضطهاد الذي لاقاه الأوربيون في هذه الآونة.

    ويعتبر جوك لوك أبرز فلاسفة الليبرالية الكلاسيكية، ونظريته تتعلق بالليبرالية السياسية، وتنطلق نظريته من فكرة العقد الاجتماعي في تصوره لوجود الدولة، وهذا في حد ذاته هدم لنظرية الحق الإلهي التي تتزعمها الكنيسة. وقد تميز لوك عن غيره من فلاسفة العقد الاجتماعي بأن السلطة أو الحكومة مقيدة بقبول الأفراد لها ولذلك يمكن بسحب السلطة الثقة فيها .

    وهذه الليبرالية الإنكليزية هي التي شاعت في البلاد العربية أثناء عملية النقل الأعمى لما عند الأوربيين باسم الحضارة ومسايرة الركب في جيل النهضة كما يحلو لهم تسميته.

     وقد أبرز آدم سميث الليبرالية الاقتصادية وهي الحرية المطلقة في المال دون تقييد أو تدخل من الدولة.

وقد تكونت الديمقراطية والرأسماليّة من خلال هذه الليبرالية، فهي روح المذهبين وأساس تكوينها، وهي مستوحاة من شعار الثورة الفرنسية  " دعه يعمل " وهذه في الحرية الاقتصادية "  دعه يمر "في الحرية السياسية([12]).

ثانياً : الليبرالية الجديدة :

"      تعود نشأة الليبرالية الجديدة إلى منتصف القرن الميلادي الماضي، كردِّ فعل لإخفاق الليبرالية الكلاسيكية في تجنيب العقل الأوروبي تبعات التطرف العقائدي، والذي استفحل مع بروز الحركات الفاشية والقومية، وحتى الشيوعية التي خرجت كسابقاتها من رحم الفلسفة المادية، وهي المرجعية الأم للعقل الأوروبي الحديث بكافة أطيافه .

       ومع تراجع الليبرالية الكلاسيكية التي حُمّلت الكثير من أوزار الحربين العالميتين، بدأت مرحلة جديدة من النقد وإعادة البناء في محاولة لإنقاذ الثقافة الليبرالية الغربية، فظهرت »الكينزية« كتعديل ضروري وعاجل للاقتصاد الرأسمالي الكلاسيكي ليسمح للدولة بالتدخل وإدارة الأزمات، وهذا يناقض المبادئ التي قامت عليها الليبرالية من الأساس وهي الحرية المطلقة .

    وفي الفلسفة والآداب بدأ المفكرون والنقاد بوضع تصوراتهم المختلفة لمرحلة »ما بعد الحداثة  « .

    وفي السياسة برزت مفاهيم التكتل والأحلاف والاحتواء .

    أما الميدان العلمي فقد شهد انحساراً لنزعة المركزية الأوروبية المتعالية، وبدأ العلماء يدركون أن معرفتهم بالكون ما زالت أقل بكثير من تحقيق آمال القرن العشرين في الإحاطة بأسراره ([13])".

    ثم بدأت الليبرالية الجديدة في الزحف نحو السيطرة على المجال الاقتصادي العالمي منذ أكثر من ربع قرن.  كانت دول مثل بريطانيا تاتشر، أمريكا ريغان، تركيا أوزال، وأرجنتين العسكر اليمنيين، من أوائل الدول التي اتجهت نحو تطبيق النموذج الليبرالي الجديد؛ ولكن هيمنة النموذج لم تتحقق إلا بعد سقوط الشيوعية وانهيار الاتحاد السوفيتي . طوال معظم القرن العشرين مثل التصور الاشتراكي التحدي الرئيسي للرأسمالية ـ الليبرالية، سواء على المستوى النظري أو على المستوى التطبيقي([14]) .

     ويؤمن الليبراليون المعاصرون بإعطاء الأهمية الأولى لحرية الفرد ، غير أنهم يتمسكون بأن على الحكومة أن تزيل بشكل فعال العقبات التي تواجه التمتع بتلك الحرية.

واليوم يطلق على أولئك الذي يؤيدون الأفكار الليبرالية القديمة  : المحافظون.

     ونلاحظ أن أبرز نقطة في التمايز بين الطورين السابقين هو في مدى تدخل الدولة في تنظيم الحريات ، ففي الليبرالية الكلاسيكية لا تتدخل الدولة في الحريات بل عليها حمايتها ليحقق الفرد حريته الخاصة بالطريقة التي يريد دون وصاية عليه ، أما في الليبرالية المعاصرة فقد تغير ذلك وطلبوا تدخل الدولة لتنظيم الحريات وإزالة العقبات التي تكون سبباً في عدم التمتع بتلك الحريات.

     وهذه نقطة جوهرية تؤكد لنا أن الليبرالية اختلفت من عصر إلى عصر ، ومن فيلسوف إلى آخر ، ومن بلدٍ إلى بلدٍ ، وهذا يجعل مفهومها غامضاً كما تقدم.

     وقد تعرف الليبرالية تطورات أخرى في المستقبل، ولعل أبرز ما يتوقع في الليبرالية هو التطور نحو العولمة التي هي طور ليبرالي خطير، فـ "ليبرالية العولمة " من دلالتها الفكرية : العودة إلى الليبرالية الكلاسيكية كمفهوم ، وذلك أن من أبرز معالم العولمة:  التخفيف من التدخل الحكومي في انتقال المال عبر الحدود والأسوار السياسية، وذلك لتحقيق أعلى الأرباح ، فقد طبّقت الفلسفة الليبرالية عملياً عن طريق الشاويش السياسي الذي يحمي هذه الفكرة القديمة في الضمير الغربي.

     لقد أصبح الاقتصاد وسيلة سياسية للسيطرة ، ونقل الثقافات الحضارية بين الأمم ، ولهذا فالأقوى اقتصادياً هو الأقوى سياسياًّ ولهذا اقتنعت الدول الغربية بهذه الفلسفة مع مشاهدتها لآثار الرأسمالية على الشعوب الفقيرة ، ومن خلال اللعبة الاقتصادية يمكن أن تسقط دول ، وتضعف أخرى.

وجذر العولمة الفكري هو انتفاء سيادة الدول على حدودها ومواطنيها فضلاً عن عدم سيطرتها عل النظام الاقتصادي الحر الذي كان يطالب به الليبراليون الكلاسيكيون.

يقول رئيس المصرف المركزي الألماني هناس تيتمار في فبراير من عام 1996م أمام المنتدى الاقتصادي في دفوس: " إن غالبية السياسيين لا يزالون غير مدركين أنهم قد صاروا الآن يخضعون لرقابة أسواق المال ، لا بل إنهم صاروا يخضعون لسيطرتها وهيمنتها " وسوف يكون قادة العالم في المرحلة القادمة (العولمة) هم أرباب المال ، وسدنة المؤسسات الاقتصادية الكبرى ([15]).

 

تهافت الليبرالية :

     بعد سقوط الشيوعية كأيديولوجية كانت تهدد الفكر الليبرالي الغربي اغتر الغربيون كثيرا بمبدأ  الليبرالية وصاروا يبشرون به في كل محفل ويزعمون أنه هو خيار الإنسانية الوحيد فوظفوا طاقاتهم الفكرية والإعلامية بدعم سياسي واقتصادي رهيب لنقل هذا النور إلى الإنسانية كلها .

     ولعل أبرز نتاج فكري يدل على الغرور الكبير بهذا المبدأ عند الغربيين كتاب )نهاية التاريخ )  لمؤلفه فرانسيس فوكوياما وهو أمريكي الجنسية ياباني الأصل، وقد ظهر فيه بوضوح مدى الغرور الكبير بهذا المنهج (الليبرالية) حيث اعتبرها فوكوياما نهاية التاريخ الإنساني وليس الأمريكي فحسب.

    ولقد أستغل الغربيون الليبراليون الإمكانيات الكبيرة المتاحة لديهم لنقل هذا المذهب إلى أقصى الدنيا وصناعة الحياة الإنسانية على أسسه ومبادئه عن طريق القوة السياسية والاقتصادية وتوظيف وسائل الاتصالات التي تمكنهم من مخاطبة كل الناس وفي كل الأرض .

    ولعل من أبرز نتائج الليبرالية في مجال الاقتصاد (العولمة) وما تحمله من مضامين فكرية وقيم أخلاقية وأنماط حضارية وهي تحمل الرغبة الغربية في السيطرة في كل اتجاه : الحربي والسياسي والقيمي والحضاري والاقتصادي . فضلا عما تحمله من الدمار للإنسانية في معاشها الدنيوي وقد ظهرت آثار الرأسمالية في الحياة الغربية قبل مرحلة العولمة التي هي تعميم للرأسمالية على العالم كله .

    مما جعل البعض يعتبر القرن الحادي والعشرين هو قرن المفكر الشيوعي (كارل ماركس) لما يرى من تكدس الثروة بيد طبقة من الناس وانتشار الفقر والعوز في الناس وأخذ الأموال من البشر بأي طريق ، والتفنن في احتكار السلع الضرورية وتجويع البشر وإذلالهم باسم الحرية الاقتصادية([16]) .

 

دور الليبرالية في الأزمة الاقتصادية الحالية :

     النظام الرأسمالي بطريقة تطبيقه، ووفقا لأولريخ تيلمان نائب مدير معهد أخلاقيات الأعمال التجارية في جامعة سانت غالن السويسرية، أثبت أنه متوحش وغير عادل. وقد أثبتت الشهور الأخيرة أنه يفوق في خزيه كل وصف .

    ففي العقود الأخيرة اكتسبت الأسواق المالية نفوذا هائلا أدى إلى سيادة نمط من عدم المساواة، وكانت النتائج خسائر كبيرة سيفرض على دافعي الضرائب من المواطنين العاديين تسديدها.

     إن الأزمة الحالية، من وجهة نظر تيلمان ترقى إلى مستوى الفضيحة . وإن الحلول التي جرى تبنيها من قبل الإدارة الأمريكية والدول الأوروبية كما يرى عدد من المحللين الاقتصاديين هي حلول غير واقعية، وهي أشبه باللجوء إلى تدريبات مكافحة الحرائق لمنع أزمة اقتصادية عالمية . إن كون رأس المال ليس مجرد لعبة بين أيادي حملة الأسهم، بل يرتبط بالاقتصاد الحقيقي، أي إلى سوق الائتمان، يجعل بقية الناس رهائن بطريقة ما لحركة أسواق البورصة . وربما تكون الخيارات التي تم اللجوء لها مقبولة بشكل مؤقت، لكن ينبغي الحذر من الركون لها باستمرار إلى ما لا نهاية . إن ترك الحبل على الغارب، سيؤدي إلى مبادرة جميع العملاء إلى سحب مدخراتهم، ومن شأن ذلك أن يعيد كارثة عام 1929، لذلك يغدو بديهيا أن تتدخل الدولة وتعلن ضمانها لتلك الأموال ([17]) .   

    كما يرى كثيرون أن الأزمة الراهنة تفتح باب الجدل من جديد حول تناقضات النظام الرأسمالي ومدى قدرة الليبرالية الجديدة على حل أو تجاوز تناقضات هذا النظام في زمن العولمة  .

     ومن المعروف أن الثورة الصناعية، التي ظهرت في أوروبا منذ ما يقرب من ثلاثة قرون ومنها انتقلت إلى بقية أنحاء العالم، أحدثت انقلابا جذريا في أنماط ووسائل الإنتاج وفرضت تقسيما جديدا للعمل ترتب عليه تغير ضخم في علاقات الإنتاج وظهور طبقات اجتماعية مختلفة عن تلك التي عرفتها المجتمعات الزراعية والإقطاعية وتبلور نظام اقتصادي واجتماعي جديد (الرأسمالي). غير أن هذا النظام مر بمراحل تطور متعددة قبل أن يستقر كنظام عالمي تحت تأثير عاملين، الأول : استعمار أوروبي لقارات إفريقيا وآسيا والأمريكتين حولها إلى مصادر لمد الصناعات الأوروبية الوليدة بالمواد الأولية التي تحتاجها وإلى أسواق لتصريف منتجاتها، والثاني : شركات عملاقة ظهرت أولا في كنف الاستعمار وتحت حمايته لكنها راحت بعد انتهاء الحقبة الاستعمارية تقوى وتتحول إلى شركات عملاقة متعددة الجنسيات لتصبح أحد أهم مرتكزات وآليات عولمة النظام الرأسمالي .

     هذا بالإضافة إلي أن اعتناق النموذج الليبرالي الجديد أدى إلى أزمات اجتماعية طاحنة في البداية، من الإضرابات العمالية واسعة النطاق إلى الارتفاع الحاد في معدلات البطالة واقتلاع مجتمعات بأكملها .

     أما ما يحدث اليوم فهو يمس دول المركز، بل والسوق الأميركية ذاتها .البنوك وشركات الإقراض والتأمين المالي التي أفلست أو أشرفت على حافة الإفلاس هي بعض أضخم المؤسسات المالية في العالم، ومصيرها لا يؤثر على عدد من المستثمرين الكبار أو الصغار وحسب، بل وعلى دول وصناديق سيادية وبنوك وشركات تجارية.  الذين قالوا إن الأزمة الحالية لن تصل إلى مستوى الانهيار الذي عاشته الولايات المتحدة ودول أخرى عدَّة في نهاية العشرينيات من القرن الماضي محقون . فالعالم اليوم في وضع أفضل بكثير من حيث مقدرته على التعامل مع الأزمات المالية والاقتصادية الكبرى، وقد رأينا كيف تحركت الدول والبنوك المركزية في جميع الدول الصناعية الرئيسة لمحاصرة الأزمة ومنعها من التفاقم . ولكن ذلك لا يعني أن الاقتصاد العالمي سيخرج من هذه الأزمة سريعاً أو من دون تكاليف باهظة. إلى جانب الخسائر الهائلة لجميع أصناف المستثمرين، فإن الأموال التي ضخت لإنقاذ المؤسسات المالية المهددة هي أموال دافعي الضرائب، مما قد أدى إلى ارتفاع عجز ميزانيات عدد من الدول .  والانهيارات المالية، إلى جانب المستويات المرتفعة لأسعار الفائدة، ستترك أثرها على عجلة الإنتاج والنمو الاقتصاديين، إلى ارتفاع معدلات البطالة، وإلى تراجع الطلب على عدد متزايد من السلع .

      إن وهم النمو الاقتصادي المستمر، والازدهار المتصل، الذي وعدت به الليبرالية الجديدة، قد وصل إلى نهايته . ولم يعد من منقذ سوى أداة الدولة، وليس من يحمل عبء الإخفاق سوى دافعي الضرائب، ملايين العاملين من المواطنين العاديين ([18]).

     ويقول توماس فريدمان : إذا كنتم تريدون مثلاً وحيداً عن الطريقة التي رمتنا بها دمقرطة التمويل في الأزمة المالية العالمية والطريقة التي ستخرجنا بها من مأزقنا، يكفيكم النظر إلى الصحف البريطانية الأسبوع الماضي وعناوينها الرئيسيّة التي سلّطت الضوء على عدد المواطنين والبلديات والجامعات في بريطانيا، بما فيها جامعة كامبردج، الواقعين في حالة من الارتباك اليوم نتيجةً لحسابات الادخار التي فتحوها لدى مصارف أيسلندية من خلال الخدمات المصرفيّة عبر الإنترنت، لاسيما Icesave.co.uk ... إليكم ما أوصل أيسلندا إلى الأزمة التي تعاني منها اليوم . في عام  2002 تقريباً، بدأت أيسلندا بعمليّة لخصخصة المصارف المحلية .

    وبحسب ما جاء في صحيفة )وول ستريت جورنال( شهدت المصارف الثلاثة التي تشكّل الجزء الأكبر من النظام المصرفي في أيسلندا نمواً سريعاً بفضل الائتمانات السهلة المنال وتضاعف إجمالي أصول هذه المصارف مجتمعةً عشر مرّات في غضون خمس سنوات، وفي حين أن المصارف الأيسلندية لم تكن معنيّة بالرهون العقارية الأميركية ذات التصنيف الائتماني المنخفض، إلا أنها أسرفت في عمليات الاقتراض والإقراض، مُغريةً العملاء الراغبين في ادخار أموالهم في معظم أنحاء أوروبا بمعدّل فائدة يساوي 45,5في المائة على حسابات الادخار  . ..

     كما تعمد العولمة إلى سحب كلّ المزايا التي قدّمتها إلى العالم سابقاً، ذلك لأن دمقرطة التمويل أدّت إلى انتقال عدوى الرهون العقارية السامة في الولايات المتحدة إلى سائر دول العالم. وعلى ضوء هذا الواقع، لم يعد أمامنا سوى الانتظار([19]) .

      ويقول الدكتور السيد ياسين: ما شهدناه في عصر العولمة من محاولات دائبة لإعادة صياغة الأيديولوجية الرأسمالية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وابتداع نظرية "الليبرالية الجديدة" التي تجاهد الولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص لكي تصبح هي الأيديولوجية السائدة في كل المجتمعات الإنسانية المعاصرة بلا استثناء، ونقطة البدء هي تصفية دولة الرعاية الاجتماعية Welfare State بأشكالها المتنوعة الاشتراكية والرأسمالية المهذبة، وتصفية نظرية التخطيط الاشتراكي، ونسف كل مشاريع القطاع العام من خلال برامج الخصخصة، وتحرير الاقتصاد، والتركيز على حرية السوق من خلال آلية العرض والطلب، وفتح الباب – نظرياً - أمام التنافس الحر الطليق للمواطنين في المجتمع .

    وقد أدت الليبرالية الجديدة التي يمثلها خير تمثيل منتدى "دافوس " في مؤتمراته السنوية إلى كوارث لا حدود لها لشعوب العالم النامي نتيجة لاستبعادها من دورة الإنتاج الفعال وتحويلها إلى أسواق للشركات الرأسمالية الكبرى تحت رعاية "منظمة التجارة العالمية". غير أن الليبرالية الجديدة قامت في مواجهتها حركات احتجاجية عالمية، وهكذا أصبح لدينا دافوس وضد دافوس . وهذه الحركات قنعت حتى الآن بالنقد العنيف لمقولات وممارسات الليبرالية الجديدة، غير أنه يبقى أمامها - كما دعا إلى ذلك آرنسون - أن تصوغ مشروعاً راديكالياً جديداً لتغيير العالم ([20]).

     على الرغم من أداء الاقتصاديات الرأسمالية الرئيسية في أميركا وأوروبا الغربية وازدهارها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية السبعينيات من القرن العشرين، فإن النظريات الاقتصادية قد برهنت في أوضاع الأزمة التي تصيب الرأسمالية من فترة إلى أخرى على فشلها كما قال رئيس الوزراء البريطاني تشرشل ذات مرة ...  لقد حرصت النظرية الكينزية على إصلاح الرأسمالية لتجنب انهيارها، ولذلك داست على بعض معتقداتها في سبيل البعض الآخر، وانتهكت حرمة معبودها -السوق- بإدخال الدولة في النشاط الاقتصادي كلاعب رئيس . وكردة فعل على النظرية الاقتصادية الكينزية جاءت أفكار مدرسة جانب العرض (Supply Side Economics) التي تربط كل أزمات الاقتصاد بـ" ارتفاع تكاليف الضرائب"، وقد سخر من هؤلاء كروغمان واصفا إياهم بالفشل في التحليل الاقتصادي الكلي([21]) .

     وبحسب خبراء المال والاقتصاد فإن الأسوأ لم يظهر بعد في الأزمة المالية الدولية، وأن تسعين بالمئة من الضرر نتج عن سياسات مالية خاطئة، ومضاربات وفساد إداري وعشرة بالمئة نتيجة العوامل الضعيفة في السوق .. وإن الأضرار والخسائر في العام المنصرم، قاربت ألفي بليون دولار وقرابة أربعمائة مليار دولار، في الربع الأخير من هذه السنة، منها مائة وثمانين مليار دولار، خسائر الأسواق الخليجية، والأسوأ لم يظهر بعد .. فشل النظرية الاقتصادية الليبرالية الرئيسة وتطبيقاتها وغياب الرقابة وسطوة المضاربات ركزت النشاط الاقتصادي في جانب واحد من النشاط الاقتصادي على حساب الجوانب الأخرى الأكثر أهمية .

    لقد دفع العالم ثمنا غاليا، لنظريات تسليع وفتح الأسواق واجتياحها بدون ضوابط، وان أوان العودة لشيء من الضوابط الوطنية والدولية على الحركة الاقتصادية فلم يعد سليم القبول بالتوجهات الاقتصادية المنفلتة التي قامت أساسا على فرص أولويات أصحاب هذه النظريات وأجنداتهم واستثماراتهم ونتائج فشل سياساتهم على دول العالم، بدون تدخل أو رقابة([22]) .

       " هذا بالإضافة إلي أن واقع السوق الحر يثبت أن المصلحة تتجه نحو جيوب كهنة المال والاقتصاد، فالمال يضخ في خزائن الذي يملكون التجربة والممارسة الاقتصادية، ورفع سلطة الدولة عن ضبط السوق، مكن كل محتال أن يلعب لعبته، وصار السوق غابة من وحوش تأكل كل ضعيف وساذج أو صادق غرّ، لا يعرف ولا يحب أن يعرف طرائق المكر والاحتيال . وكون الفرد ينطلق من مصالحه الخاصة، بيعا وشراء، هذا لا علاقة له بصحة العملية بوجه، فالانتفاع عملية متبادلة بين البائع والمشتري، هذا صحيح، لكن هذا لا يمنع من التلاعب والاحتيال، ما لم يخضع لقانون، وحرص الفرد على مصلحته لا يرفع عنه الغفلة، كما لا يرفع عنه الخديعة، ما لم يجد قانونا يحميه، أو قانونا يردعه ويكفه عن العبث.

 فهذا الذي يملك سلعة يحتكرها، فلا يبيعها، حتى إذا شحت في أيدي الناس، وزاد الطلب عليها، باعها بأعلى الأسعار، أليس يحقق مصلحته في البيع، ويحقق مصلحة المشتري حينها؟.

     ثم في الليبرالية، ما مصير القيم الأخرى، كالمساواة والعدالة والسعادة والتعاون؟..

فإذا كانت الحرية هي القيمة العليا، فلا شك أنها ستتعارض مع قيم كثيرة : ستتعارض مع السعادة، فالفرد بدعوى الحرية سيفعل ما يشاء، ولو كان فيه شقاؤه، سيشرب الخمر، ويزني، ويخدع، ويحتال، وكل هذه آفات تقتل السعادة، يقر بذلك كل العقلاء . وحرية السوق أو السياسة تتعارض مع العدالة والمساواة .

فأين نجد المساواة في حكم ديمقراطي، الحكم فيه للأغلبية الغنية ؟ وأين نجد العدالة في سوق حر، لا يعرف إلا الاحتيال والتلاعب، والذكي من يكسب أكثر؟.

     إن الحل الليبرالي قاتم وسقيم، والغرب أكبر شاهد على هذا، فقد عاش الحياة "الليبرالية "بالمفهوم الذي وضع لها، أكثر من قرنين، وهاهو ينتقدها ويعارضها ، بعدما طحنت شعوبهم، فنشرت فيهم البطالة والفقر، والأمراض المهلكة، والمخدرات والخمور والزنا والشذوذ والإلحاد والجريمة، والغرب اليوم، ومن وراء الفكر الليبرالي يصدر للعالم مشاكله وجرائمه وعدوانه([23]).

      ومع ذلك فكلما اجتهد العلماء وخبراء الاقتصاد في بحث أفضل السبل لإنقاذ الاقتصاد العالمي وجدوا أن الحل الأمثل هو تخفيض فوائد البنوك لتصل إلى الصفر (أي إلغاء الربا) وتثبيت الضرائب عند نسبة     2.5% وهي قيمة الزكاة - كما شرعها الله تعالى .

 

   الليبرالية والمرأة :

    هذه شهادة واحد من مفكري الغرب وتحديدا أمريكا في بيان عوار الليبرالية في واحد من أخطر الميادين التي يصول فيه الليبراليون ويجولون - وهو مجال المرأة :

     حيث أوضح المؤلف الأميركي المناهض للحركات النسائية "غاري نيلر" الذي ألف كتاب (لعنة العام 1920)، أن المجتمع الأميركي لم يجن من مشاركة المرأة سوى " تآكل القيم الأخلاقية والاجتماعية"  .

     وبدا معجباً بثقافة السعوديين (المسلمين) تجاه المرأة، وأضاف في الحالة السعودية الأنظمة الدينية والاجتماعية، إضافة إلى الحقوق المدنية، تبدو أكثر انسجاماً من تلك الموجودة في أوروبا وأميركا، فالصفات الأخلاقية والدينية للسعوديين أكثر اتساقاً وأفضل من حال مؤسسي الولايات المتحدة.

    وطالب نيلر في رسالة وجهها إلى من سماهم (إخوانه في السعودية) برفض كل الأصوات المطالبة بفتح المجال أمام المرأة للتصويت والمشاركة السياسية، محذراً من «لعنة مقبلة تشبه تلك التي أصابت الولايات المتحدة، حينما أتيحت الفرصة للمرأة الأميركية لإسماع صوتها والمشاركة في التصويت.

     ويبرر نيلر رأيه المخالف للعقلية الغربية بشكل عام بالنتائج المدمرة التي طالت المجتمع الأميركي بعد عام 1920، وهو العام الذي نالت فيه المرأة الأميركية حقها الوطني في التصويت . واستطرد معدداً الآثار المترتبة على توسيع المشاركة النسائية، اقتصادياً، ارتفعت التكاليف الحكومية بشكل متسارع، بشكل صار يهدد الاقتصاد الأميركي، مستدلاً بدراسة أجراها قسم القانون في جامعة شيكاغو في هذا الجانب بعنوان "كيف أثر انتخاب المرأة بشكل متسارع في حجم ونطاق الحكومة ؟"  .

وأضاف: أما اجتماعياً، فإن ثلاثة أرباع حالات الطلاق المنظورة في المحاكم الأميركية، تقدمها نساء بشكل يهدد الأمن المالي والتماسك الاجتماعي للأسر .

     ويتساءل نيلر متعجباً عن شكل الفضيلة والأخلاق وضبط النفس والأمومة لدى النساء بعد حصولهن على حق المشاركة السياسية والمساواة في التعليم والتوظيف، بدلاً من الاهتمام بالمظهر والملابس؟ .

    وقال: لا يوجد تشابه بين المجتمعين السعودي والأميركي ... لكن هل أنتم مستعدون للتعامل مع الإحصاءات الأميركية، إذ إن نسبة الطلاق تصل إلى  53 في المئة، وعدد البيوت الزوجية التقليدية نحو    50 في المئة .

     ويواصل نيلر هجومه على الوضع الذي وصلت إليه حال المجتمع الأميركي بعد إعطاء المرأة حقها في التصويت، مشيراً إلى قضية الإجهاض التي بلغت أرقامها نحو 3500  حالة إجهاض يومياً في أميركا وحدها، مرجعاً ذلك أيضاً إلى الحقوق أو " اللعنة"  التي أعطيت للمرأة.  واختار أن يصف الحرية للمرأة الأميركية بـ المدمرة، إذ دمرت الأسرة الأميركية والأخلاق وعدداً لا يحصى من الأرواح ) في إشارة إلى موضوع الإجهاض(، فضلاً عن زعزعة الاستقرار المالي وغياب احترام القيم وقدسية الزواج، والخلط بين الحقوق الشرعية السياسية للرجل والمرأة .

    ويؤكد أن الأمهات من النساء لسن أبداً عاطلات، وأن المشكلة تكمن في عدم رؤية ما يؤدي إليه هذا الطريق وتبعات إعطاء المرأة حقها وحريتها في مشاركة الرجل.

    حتى أصبحت أميركا  -بحسب وصف نيلر (الشيطان الأكبر(، الذي لا يمكنه العودة إلى أخلاق الآباء المؤسسين والتوبة قبل إدراك هذه الحقيقة، مبدياً قلقه حول الوضع الحالي للمجتمع الأميركي، ومعيداً تقديره وامتنانه للالتزام السعودي الراسخ والثابت بالثوابت الدينية والأخلاقية، وراجياً ألا يؤثر الغباء والحماقة والعمى الأميركي على هذا الالتزام .

     يذكر أن غاري نيلر حاصل على درجة البكالوريوس في العلوم من جامعة تكساس للتقنية، وبدأ تناوله لقضايا الحركة النسائية في عام 1994، مصدراً كتابه الأول "لعنة العام 1920"، الذي يعد الأول من نوعه في مجال الحركات النسائية، مبيناً أن سبب توجهه لهذا المجال هو: تدمير هذه الحركة للأرواح والعائلات والمجتمعات والدين([24])  .  

     كما جاءت اللبرالية الجنسية فألغت كل القيود ، فنجد الصحافة الغربية والأمريكية بالذات مليئة بارتكاب كثير من المحرمات ، فلم يعد الأب يتورع من نكاح ابنته نكاحاً مدنياً، غير كنسي، ولم تعد الأخت تنظر إلى أخيها من منظور التحريم، ولا تنظر الأم إلى ولدها في ممارسة الجنس بمنظار المُحرمات  ... وفي أمريكا منتديات يهودية مهمتها نقض الثوابت في ممارسة الجنس .

    تنص القوانين الأوربية جمعاء ، أن الفتاة إذا بلغت ستة عشر عاما ، فمن حقها أن تتصرف في نفسها كما تشاء ، وتهب نفسَها لمن تريد ، وكم من أبٍ مسلمٍ في بريطانيا دخل السجن ، لأنه منع عشيق ابنته دخول داره لممارسة الفحشاء ، فشكته الابنة إلى الشرطة ، فحُوكِم ونال الجزاء القانوني .

     والسؤال الآن للذي يدعو لتحرير المرأة من قيد الشريعة الإسلامية على حسب قوله ، كيف يحارب الوصاية الفكرية وهو يخلصها من القيد ويرميها بوحل التغريب، كي تكون مسخاً للمرأة الغربية في طريقة التفكير وأسلوب الحياة، ولك أن تعجب عندما شنوا حملة فكرية شعواء على الشيخ تاج الدين الهلالي مفتي أستراليا على خلفية تصريحه (اللحم المكشوف) عن النساء العاريات، لأن هذا تعدٍّ على الآخر لكنهم صمتوا صمت القبور على تصريح أحد وزراء الثقافة العرب ضد الحجاب واعتبروه رأياً يدخل في حرية التعبير.

 

   الليبرالية وحقوق الإنسان :

 

     إذا كانت الليبرالية الأولى نقلة نوعية  – بالنسبة لأوربا  – في قضية حقوق الإنسان، فإن الليبرالية الجديدة انتكاسة حقيقية لحقوق الإنسان، تحت سمع وبصر العالم، ليس الإنسان الغربي فحسب، بل الإنسان الشرقي والشمالي والجنوبي:  تستخدم فيها القوة العسكرية لفرض الهيمنة والأفكار والتقاليد، في عصر ما يسمى بالعولمة، فلم تعد للحريات الإنسانية مكانا، إلا الحريات التي تمليها القوة الكبرى )أمريكا(  بسيطرتها المحكمة على مراكز الأرض، برا وبحرا، من خلال قواعدها البرية، شرقا وغربا وجنوبا وشمالا، وأساطيلها البحرية، متمثلة في حاملات الطائرات، التي تجوب بحار العالم، كقواعد عسكرية متنقلة، فكل من يخرج عن إرادة هذه القوة الكبرى فهو خارج عن القانون ( إرهابي) أو (محور الشر)، فالقاعدة:  "إما أن تكون معنا أو ضدنا".. .

    ولا يملك العالم أمام هذه القوة الهائلة إلا الخنوع والرضوخ لإرادتها، وتنفيذ كل ما يطلب منها، وإلا كان مصيرها التأديب باسم النظام الدولي متمثلا في:

 -هيئة الأمم المتحدة..

- مجلس الأمن الدولي ..

 -صندوق النقد الدولي..

 -البنك الدولي..

 -منظمة التجارة العالمية..

 -كذلك باسم مكافحة الإرهاب، والقضاء على محور الشر.

    ولعل هذه النتيجة القاتمة لم تكن مفاجأة لمن تتبع سير الفكرة وعرف أسباب نشأتها، ومن الذي تولى توجيهها، ورسم حدودها وخطتها، فما كانت إلا شعارا أجوف المضمون، لم يكن يراد لذاته ، بل لغيره..

    نعم كان هناك مخلصون للفكرة، ونادوا بصدق وإيمان تام، لكن لم يكن منهم إلا التقرير والتصوير، أما التوجيه وتولي دفة السير فكانت لغيرهم، ممن اقتنص الفرصة ليضرب ضربته في تحقيق أهدافه الخاصة، فركب موجة الليبرالية، ودعا إليها، وهو يعلم سلفا أنها ضارة غير نافعة، وأن نفعها بالنسبة للشعوب محدودة جدا، بل لا تقارن بمضارها، وفائدتها قاصرة على ذوي الأهداف الفاسدة الشريرة، وهم اليهود([25]).

     وقد حاول النموذج الرأسمالي الصناعي أثناء القرن العشرين التغلغل في الدول النامية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وخاصة أن التنمية الاجتماعية والسياسية تم تعريفها بالمنظور الاقتصادي الغربي المتمثل في نظرية التقدم المادي، ولكن العديد من البلدان النامية قاومت الليبرالية لارتباطها بالنظم الاستعمارية من جهة ولقوة الثقافة السياسية التقليدية في الدول حديثة الاستقلال التي تناصر الجماعية وليس الفردية؛ ولذلك كانت تربة خصبة لنمو الاشتراكية والقومية أكثر من الليبرالية الغربية.

 

   شهادات مفكري وعلماء الغرب علي فشل الليبرالية :

    لم تكن الليبرالية محل إجماع بين المفكرين الغربيين، فقد رفضها هوبز، وعظم من شأن سلطة الدولة، حتى أولئك الذين تبنوا الفكرة – وهم الأكثرية – اضطربوا في تحديد نطاقها ورسم حدودها، بعد إذ لمسوا كثيرا من الخلل في التطبيق:

    - فالحرية المطلقة التي تدعو إليها الليبرالية تتعارض مع قيم أخرى، كالعدالة والمساواة، بل وحريات الآخرين، لذا فقد حاول "جون ستيوارت ميل" أن يجد معادلة توفق بين الليبرالية والديمقراطية، فلم يسمح بتقييد حرية فرد ما، إلا لمنع ضرر واضح يلحق بالآخرين، نتيجة تصرف هذا الفرد، وقد ميز جون ميل بين الحيز الخاص والحيز العام، فأعطى الفرد حرية مطلقة في الحيز الأول، وسمح للدولة بأن تتدخل فقط فيما يتعلق بالحيز الثاني.

    فهذا التقييد للحرية بهذا التقسيم، يتنافى مع الحرية المطلقة والاستقلالية التامة، لكن الفكر الليبرالي أدرك أهمية هذا التقييد، وإلا فلن تكون الليبرالية حلا صحيحا، متلائما مع حاجات الفرد قبل حاجات الجماعة، فحرية الفرد لا تصح أن تكون سببا في شقاء الفرد الآخر، كما لا تصح أن تكون سببا في إلغاء حرية الفرد الآخر، فما من حرية مطلقة ينادى بها للفرد، إلا وفيها إلغاء لحرية فرد آخر، فهذا الشعار الجميل في مظهره، يحمل في تطبيقاته مشاكل كثيرة، شعر بها وعاشها دعاتها وشعوب أوربا، ولذا اضطروا، كما رأينا، إلى قيد عدم الإضرار بالآخر..

    لكن هذا القيد غير محدد، ويختلف من شخص إلى آخر، ومن أمة إلى أخرى، تماما كما هو الحال في المقيد(الحرية)، وإذا كان هذا القيد مختصا بالأفعال، فيمنع كل فعل يضر بالآخر، فليس من العقل إغفال قيد الأقوال، فالأقوال ربما لا تقل خطرا عن الأفعال، فكم من كلمة أشعلت فتنة وحربا.

فالحرية جميلة، والقيد لابد منه، لكن الخلاف حول معنى "الحرية"، وحد القيد المحدد للحرية.

    - وإذا كان الفكر الليبرالي يرى الحل الديمقراطي هو الأمثل والبديل المناسب للملكية القسرية، فإن التجربة الديمقراطية أثبتت أنها ليست إلا وجها جديدا للحكم الملكي الدكتاتوري، فالسلبيات التي كانت تنشأ عن الحكم الملكي عادت في ظل حكم الأغلبية، فما الذي يمنع الأغلبية أن تمارس طغيانها الخاص، كما مارس الحكم الملكي طغيانه الخاص؟. والتجربة أثبتت أن رقابة المجتمع، في ظل الديمقراطية، لم تفد شيئا ذا بال، فالمشاكل متفاقمة، والتلاعب مستمر، وإذا ذهب وجه ديمقراطي منتخب بإسقاطه، لطغيانه، جاء وجه آخر، يمارس نفس الدور، في حلقة مفرغة، ودورة مستمرة لا تنتهي.

وقد شعر بهذه المشكلة كبار الليبراليين والقانونيين: فقد أدرك ملّ أن مشكلة تسلط الملوك وإن حلت تاريخيا بتجريدهم من صلاحياتهم أو بقطع رؤوسهم، تعود وتظهر بشكل طغيان الأكثرية أو من يمثلها في النظام الديمقراطي، والحل الدستوري (عبر القوانين وإصلاح المؤسسات، وإنشاء المحاكم العليا، وتعدد الأكثريات من خلال النسق التعاقبي للانتخابات الخ ..) لا يحل المشكلة كليا، حتى لو تأكدنا أن الديمقراطية دستورية، يبقى، في نهاية المطاف، الدستور وتقرير أحكامه في يد الأكثرية.

وقد أدرك توماس جيفرسون (1743-1826) هذه الحقيقة قبل ملّ، وتوكفيل، وتوماس جرين (1836-1882)، وكونستانت وغيرهم، ممن أدركوا طبيعة هذه المشكلة وأبعادها ([26]).

    يقول الشيخ حامد العلي : لم يصدُق كاتب غربي في كشف حقيقة المذهب (الليبرالي) كما صدَق الكاتب الأمريكي RASSEL   JACOBY  إذ وصفه قائلا:  إنه ليس فقط مفتقدا تراثا كلاسيكيا واضحا، بل مختلطاً أيضاً بالغموض والفضيحة، ثم نقل كلمة في غاية الدقة، عبر بها أحد كبار مؤرخي فرنســـا عن هذا المذهب:  (لقد كنا غير محظوظين، بشكل استثنائي، في اختيار هذا الشعار، ومن الصعب أن تجد شعارا آخر أكثر ابتذالا وأقل لياقة منه بالتأكيد، ليس ثمة شعار يمكن أن يكون نابيا وبلا دلالة مثله،..شعار ذو أصل حديث مبتذل، لا علاقة له بأصل كلاسيكي.. شعار بلا مستدعيات أدبية أو تاريخية.. شعار مجرد تماما من أي صدى ديني أو أخلاقي .. شعار يمكن أن يعني التفكك وفق أهواء كل فرد.. وكل مواطن يحمل في قلبه مصالح وطنه، لابد أن يأسف لسوء اختيار هذا الشعار الذي لا يلائم جمهورية عظيمة على الإطلاق) ([27]) .

    يقول الخبير الفرنسي بشؤون الإسلام السياسي أوليفيه روا : عندما يكون على الغرب الاختيار بين العلمانية والديمقراطية، فهو يختار العلمانية دائماً، وعندما تكون العلمانية في كفة والديمقراطية في كفة كما في الجزائر وتركيا فالغرب يختار دائماً العلمانية لا الديمقراطية، الغرب يفضل قيام نظام تسلطي دكتاتوري على وصول الإسلاميين إلى السلطة ..

    كما تحدث ادوارد مانسفليد و جاك سنايدر عن فوز جبهة الإنقاذ الجزائرية، وحزب الرفاة في تركيا وضرورة ضربهما يقولان: في كلتا الحالتين ، كان لا بد من انتهاك المسار الديمقراطي، وذلك لإيقاف ما أسفرت عنه العملية الديمقراطية نفسها، فقد عبر كثير من المراقبين والحكومات عن ارتياحهما لهذا، مبررين ذلك بأنه من الأفضل وجود حكومة فاشية نستطيع التعامل معها، بدلاً من حكومة إسلامية لا نستطيع التعامل معها!.

    يقول مراد هوفمان: إن الغرب يتسامح مع كل المعتقدات والملل ، حتى مع عبدة الشيطان، ولكنه لا يظهر أي تسامح مع المسلمين، فكل شيء مسموح إلا أن تكون مسلمًا !؟ ثم يأتينا من يقول أنا ليبرالي مُسلم! .

    ويقول محمد أركون: على الرغم من أني أحد الباحثين المسلمين المعتنقين للمنهج العلمي والنقد الراديكالي للظاهرة الدينية، إلا أنهم  –أي الفرنسيين - يستمرون في النظر إليّ وكأني مسلم تقليدي!  فالمسلم في نظرهم –أي مسلم - شخص مرفوض ومرمي في دائرة عقائده الغريبة ودينه الخالص وجهاده المقدس وقمعه للمرأة وجهله بحقوق الإنسان وقيم الديمقراطية ومعارضته الأزلية والجوهرية للعلمنة، هذا هو المسلم ولا يمكنه أن يكون إلا هكذا ! والمثقف الموصوف بالمسلم يشار إليه دائماً بضمير الغائب،  فهو الأجنبي المزعج الذي لا يمكن تمثله أو هضمه في المجتمعات الأوروبية لأنه يستعصى على كل تحديث أو حداثة ! ([28]) .

    كذلك فإن أحدًا لا يصدق أمريكا حتى الأمريكيين والأوروبيين بل والمتعاطفين مع النموذج الأمريكي بين المثقفين العرب؛ فالمفكر الأمريكي (فوكوياما) صاحب نظرية "نهاية التاريخ"  التي بشر فيها بسيادة الليبرالية الغربية يري أن دعوة أمريكا إلى الديمقراطية تفتقر إلى المصداقية، والصحفي البريطاني (روبرت فيسك) يقول الشيء نفسه مع إضافة أن أمريكا تدعم الطائفية وتمنع الديمقراطية في العراق؛ بل ويقول : إن الغرب نفسه هو الذي منع التطور الديمقراطي في المنطقة؛ فبريطانيا مثلاً هي التي منعت بالقوة التطور الديمقراطي في مصر في الثلاثينيات من القرن الماضي . والدكتور (عبد المنعم سعيد) وهو مفكر مصري وصحفي بالأهرام ورئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية وهو بالمناسبة مع النموذج الأمريكي وضد المقاومة ومع التطبيع. اكتشف أخيرًا أن الاستثناء الأمريكي بخصوص الديمقراطية قد انتهي، وأن المدينة المضيئة على التل قد أصبحت معتمة !! وأن هناك أيديولوجية شوفينية بدأت تترعرع في أمريكا ذاتها.

الليبرالية في بلادنا العربية

     تعتبر الحملة الفرنسية علي مصر بداية تاريخ الليبرالية فيها بل وفي بلاد الإسلام ، حيث بدا الأمر بهزيمة عسكرية أعقبها هزيمة نفسية خطيرة جراء ما شاهده المصريون من تقدم وازدهار في جميع الميادين ، تعمد الفرنسيون إظهاره أثناء الحملة .

     وظهرت الليبرالية في كثير من الصور منها السياسية والتشريعية حتى الأخلاقية منها عن طريق سلوك الفرنسيات المرافقات للحملة سواء في ملبسهم ومسلكهم .

    ولم تكد تخرج الحملة الفرنسية من مصر حتى أثرت تأثيرا نفسيا سلبيا في نفوس الكثير من المصريين ، أعقبه ميل للخضوع والخنوع والتقليد .

     ولم تمضي إلا سنوات قليلة حني ظهرت الطلائع الليبرالية في أمة الإسلام، أمثال رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي ثم أعقبهم جمال الدين الأفغاني وتلاميذه الذين تربوا علي أيديهم .

     ثم كانت فترة الاستعمار الإنجليزي التي استمر وتعمق فيها المد الليبرالي، وتحت إشراف ذلك المستعمر، وضع الليبراليون أيديهم على كل منافذ التأثير، وقد تعاقبت على حكم مصر حكومات تنتمي إلى أحزاب سياسية، وكان أكثرها يحمل المبادئ الليبرالية في السياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع، كحزب الوفد الضليع في علمانيته الذي أسسه سعد زغلول والذي تفرعت منه أو انشقت عنه أحزاب علمانية، تؤمن كلها بالمبادئ الليبرالية على اختلافٍ بينها في الوسائل، وفي المدة من (أكتوبر 1922م) وحتى قيام ثورة (يوليو 1952م) أي فيما يقرب من ثلاثين عاماً، قامت في مصر إحدى وأربعون وزارة، كان الوفديون الليبراليون أو المنشقون عن الوفديين (السعديين) يتناوبون فيها مع غيرهم من العلمانيين على كراسي رئاسة الوزراء، ولم يكن التنافس بين هذه الأحزاب في الغالب إلا بقدر إثبات قدرتها على إحداث التغيير في بيئة المجتمع المصري وفق معايير الغرب؛ فماذا كانت الحصيلة؟ .

    * وضع دستور علماني لمصر عام (1923م) على يد حزب الأحرار الدستورين المتعاطفين مع الانجليز، وهو الدستور الذي ظل معمولاً به مدة المد الليبرالي، والذي نص صراحة على أن التشريع حق خالص للبرلمان، وهو ما يعني تنحية الشريعة، وظل ذلك تقليداً متبعاً بعد ذلك.

    * في ظل الأحزاب الليبرالية، جرى (تأليف) أحكام مبدلة وضعية بدلاً من الأحكام الشرعية على يد (عبد الرزاق السنهوري)، وفريقه، وهي الأحكام والقوانين المحادة للشريعة والمتناقضة مع أحكامها ومقاصدها والتي أصبحت مصدراً تستمد منه معظم الدول العربية فيما بعد قوانينها، وقد أحلت تلك القوانين كثيراً من المحرمات وألغت مرجعية الشريعة بشكل عملي .

    * انطلقت مؤامرة (لبرلة) أو (تحرير المرأة) من حجاب العفة والكرامة، على يد قاسم أمين (تنظيراً)، وهدى شعراوي وصفية زغلول (تطبيقاً) وانتشرت العدوى بعد ذلك إلى بلدان عربية عديدة حتى صارت بعض العربيات ينافس الأوروبيات في (الليبرالية) الاجتماعية والأخلاقية.

   * أُرسيت قواعد التعامل الربوي لتُبنى عليها صروح الاقتصاد، على يد (طلعت حرب) الذي أقام اقتصاداً وطنياً حراً، وأنشأ بنك مصر وأقام المؤسسات والشركات ليؤكل الربا أضعافاً مضاعفة.

    * أُصِّل بطلان الحكم الإسلامي على يد )علي عبد الرازق ( الذي بلغت )اليبرالية الدينية(على يديه أن زعم أن المسلمين أحرار في أن يهجروا تحكيم الشريعة؛ لأن الإسلام دين لا دولة.

   * جرت لبرلة أو علمنة مناهج التعليم، على يد المستشار القس )دنلوب( المفوض الإنجليزي الذي كلف بوضع المعالم الرئيسة لمناهج التعليم المصرية؛ بحيث يُحَيَّد فيها الدين والتاريخ الإسلامي، وتهمش اللغة، وتستلهم المبادئ الغربية.

    * أما الصحافة والإعلام فلا تسل عن تعاون الفجار مع الكفار في إنشاء مؤسساتها وإرساء قواعدها على أسس منافية للدين عقيدةً وشريعةً وأخلاقاً؛ حيث اشتهرت أسماء لأخبث قوى الهدم باسم الكتابة والفن والأدب، ولمعت أسماء كثير من النصارى واليهود الذين قاموا في ظل حماية الحكومات الليبرالية بهدم كل ما طالته أيديهم من قيم وأخلاق ومبادئ، بالتعاون مع حثالة من دروز لبنان، ونصيرية سوريا، وأقباط مصر، مع من داروا في فلكهم من سقطة القوم([29]).

     ثم تمضى القافلة حتى نصل إلى ظهور فئة من الليبراليين أطلق عليهم (الليبراليون الجدد) الذين يتسمون بالتطرف في أفكارهم، ومواقفهم السلبية من الإسلام، وولائهم للسياسة الأميركية والإسرائيلية.

من أبرز سماتهم أيضا تناقضهم المخيف مع أبسط مفهومات الليبرالية، وهي الحرية والتعددية والاحتفال بالتنوع. كما أن الظاهرة ( الليبرالية) الجديدة ذات طبيعة إقصائية وأحادية وموغلة في جلد الذات والتبرؤ من تاريخ الأمة وأمجادها، والتشديد على أن الحداثة مرتبطة ارتباطا جوهريا بالتنكر للدين، واستلهام التجربة الأوروبية في هذا السياق، ومن ثم إعادة تأويل القرآن والسنة ليتمشيا مع مقتضيات الحداثة المنشودة، بحيث يتم تبني المفهوم الغربي والطريقة الغربية والسياسات الغربية، والدفاع عنها وتسويقها بشتى السبل . ويمثل هذا الاتجاه في السعودية مثلا عبد الرحمن الراشد وعدد من زملائه في صحيفة الشرق الأوسط وقناة العربية وموقعها وكذلك موقع إيلاف الأوضح تطرفا والذي يرأسه عثمان العمير، وكان رئيس تحرير سابقا للشرق الأوسط([30]) .

      وأنقل هنا مثلا علي تطرف هذه الفئة نقلا عن جريدة" الرياض " حيث رأى "الناشط " الليبرالي السعودي رائف بدوي خلال لقاء أجرته معه شبكة "سي إن إن " الأمريكية أن الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي المنكر أقيمت من أجل أمر واحد هو "قمع الشعب السعودي"، ورأى بضرورة تقديم رئيسها الشيخ إبراهيم الغيث إلى محكمة العدل الدولية بصفته مسئولا عن جرائم ضد الإنسانية. وشن بدوي، خلال البرنامج الذي خصصته القناة للحديث عن الهيئة، هجوما قويا على أفرادها ، وقال إن "اغلبهم من أصحاب السوابق الأخلاقية"  .

     مثالا آخر أكثر فجاجة هو مُحَمَّد أركون؟ وهو مُفَكِّر جزائري، جُلُّ مؤلفاته باللُّغة الفِرنسيَّة، وقد تُرْجِم البعض منها مؤخراً إلى العَربيَّة وكذلك بعض نصوص مُحاضراته التي نشرتها بعض المجلات العربيَّة.

 عند أركون أهداف واضحة لمن يستقرئ أعماله ويصبر على التزوير والمراوغة واللعب بالكلمات في غير معانيها حتى يحصل على هدفه الكبير من كل مشروعه ، وسائله نقد الكُتاب الإسلاميين الذين ليست لهم صلة بالمدارس الغربية في الفكر، ويرى اعتبار المعرفة الإسلامية نموذجاً أسطورياً لابد أن يخضع للدراسة والنقاش، ويرى المجاهرة باعتبار العلوم الإسلامية سياقاً معرفياً أسطورياً يزعج المسلمين ويهز إيمانهم ، ولكن لابد  - كما يرى-  من بناء مفاهيم جديدة مستمدة من الاحتياجات الجديدة كما فعل السلف ، ويرى أن هناك مناطق عديدة في الفكر الإسلامي لا تمس ولا يفكر فيها مثل مسألة عثمان - رضي الله عنه - وقضايا جمع القرآن، والتسليم بصحة أحاديث البخاري والموافقة على الأصول التي بناها الشافعي، ويرى أنه يضع أساساً للاجتهاد وعقلانية جديدة .

      ويرى أن القرآن عمل أدبي لم يدرس كما يجب إلا من قِبَل ندرة أهمهم عنده "محمد أحمد خلف الله" عندما كتب عن القصص الفني في القرآن وقال إن القصة القرآنية مفتعلة.

     كما يرى أن القرآن والكتب السابقة تعاني من سياق واحد ، ويضع القرآن مع الأناجـيل في مستوى من الثبوت والدراسة واحد ، وبرى أهمية النقد والتجديد

    وهو يرى أن الحديث هو جزء من التراث الذي يجب أن يخضع للدراسة النقدية الصارمة لكل الوثائق

والمواد الموروثة كما يسميها ([31]) .

     والأمثلة علي جهالات وضلالات الليبراليين كثيرة، فمن بلاد الشام يظهر معنا مثلا لا يقل سفاهة وبذاءة عن سابقيه "إلهام منصور "هي امرأة لبنانية، استهوتها حركة تحرير المرأة ، فخطت فيها خطوات كثيرة، ولكن كل هذا التحرير المزعوم الذي حدث في لبنان لم يُرضها ( كشف وجه، بل كشف غيره ! ، واختلاط، وسياسة، وغناء، وتمثيل، ورقص  ... الخ )، لهذا فقد ألفت  -قبل سنوات - كتابًا بعنوان) تحرير المرأة في لبنان ( ولكن من قرأ الكتاب عرف الخطوة الأخيرة التي سيوصلها التدرج في التحرير المزعوم لا محالة ، ولو من البعض الجرئ .

قالت في هذا الكتاب : الدين هو أول عائق خارجي في سبيل تحرير المرأة  . ثم تتجرأ أكثر وتخطو خطوة شيطانية لتقول : المشكلة الأساسية بالنسبة للدين الإسلامي هي مشكلة النصوص ، أي في كونها مُنزلة ، فهذا مما يجعل تحرير المرأة المسلمة أصعب بكثير من تحرير المرأة المسيحية ، وثورة المرأة المسلمة يجب أن تكون أعنف وأقوى من ثورة المرأة المسيحية ؛ لأنها ستقوم ضد النصوص. ! ثم تجهر بخطوتها الأخيرة قائلة: لا تُمارس المرأة اللبنانية حقوقها هذه ؛ لأنها محرومة من الحق الأساسي ، أي حق التحرر الجنسي ، والعلائقي ، الذي مازال وقفًا على الرجل، وحقًا له وحده .. والمجتمع اللبناني الذي يحجب عن المرأة أي حق بإقامة علاقة جنسية خارج الزواج يُرغمها إما على الانحراف لإشباع حاجاتها بطرق وأساليب غير طبيعية ، وإما أن تلجأ إلى الكبت ، أو تلجأ لأساليب الجنس الشاذة كالسحاق ([32]) .

 

     وقد لخص الدكتور سعيد بن ناصر الغامدي - عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز- أفكار الليبراليين العرب بصورة مانعة وذلك في إجابته علي سؤال عن الليبرالية، فقال: اتجاهات الليبرالية عديدة ومتنوعة، تجتمع تحت عنوان (التحرر من الضوابط والمعايير عموما، والدينية على وجه الخصوص).

أنواع الليبرالية:

1- فكري: وهو قناعات فكرية بالمناهج والمذاهب التغريبية وبالمسالك العملية مثل:

- البنيوية.                     - التمركز حول الأنثى.

- الحداثة.                     - العلمانية (وهي أعم وأشمل وتشكل المعتقد الأصولي لليبرالية) .

- العصرانية .

2 - عضوي: وهو انتماء إلى حركة معينة أو إلى مذهب له أعضاء أو إلى دولة غربية سراً أو علانية.

* حركة مثل:

- الماسونية.                      - حركة الاستنارة.

- الفرانكفونية .                  - الأندية المشبوهة (روتاري-- ليونز )

* مذهب مثل:

- الماركسية.                             - الوجودية.

* دولة والارتباط بها يكون:

- سراً مثل: المخابرات. (قد يظهر الارتباط بواجهة تعاون ثقافي مع السفارات أو البعثات) .

- علناً مثل الشخصيات التي تعلن عن ذلك مثل:

    علي آل حمد، شاكر النابلسي، مأمون فندي، عبد الرحمن الراشد، أحمد الربعي.

3 – سلوكي: وفق القناعات الفكرية. ووفق الانتماء العضوي. وتقليد ومحاكاة.

مجالات الليبرالية:

1- الفكر: وهي منظومة من الأفكار أو المناهج أو المذاهب تشكل قناعات فعلية توجه أصحابها وتسيطر على نظراتهم ومعاييرهم.

2- المشاعر: وهي مجموعة من المقاصد والمشاعر والو لاءات والعداءات, تظهر من خلال الميول والحب والرغبة والاعتزاز والانتماء ..

3 - الأعمال و الممارسات: مسيرة مسلكية علمية يسير صاحبها وفق القناعات الفكرية والميولات القلبية أو بسبب التقليد والمحاكاة.

المعالم الرئيسية لما يريد أصحاب الليبرالية تثبيته :

1- الغرب مصدر وأصل .                  2- تسويق المبادئ والأفكار الغربية .

3- تحسين كل ما يأتي من عنده .

4- الدفاع عن مواقفه في القضايا المختلفة-تبرير المنطلقات والمقاصد .

5- تشجيع الدول والأفراد للحاق بالغرب .

6- الإشاعة والضرب على وتر أن الحضارة الغربية الليبرالية سائرة نحو تعميم نفسها على مختلف مناطق العالم .

عملهم داخل المجتمع :

1 - بث المذاهب الفكرية.                     2 - تركيزهم الدائم أنه لا يوجد شيء اسمه غزو فكري.

3 - كسر جوزة المسكوت عنه وتحليل ما بداخلها.

عملهم في مجال السياسة :

1 - المصلحة هي الأساس- البرجماتية -.      2 - الدولة المدنية هي البعيدة عن أي تأثير ديني.

3 - عدم الحرج من الاستعانة بالقوى الخارجية لدحر الدكتاتورية العاتية واستئصال جرثومة الاستبداد وتطبيق الديمقراطية الغربية، في ظل عجز النخب الداخلية والأحزاب الهشة ..وهذه ليست سوابق تاريخية، فقد استعانت أوروبا بأمريكا لدحر النازية والفاشية .. وقامت أمريكا بتحرير أوروبا كما قامت بتحرير الكويت والعراق.

4 - لا حرج في أن يأتي الإصلاح من الخارج.. سواء أتى على ظهر جمل عربي أو على دبابة بريطانية أو بارجة أمريكية أوغواصة فرنسية.

5 - لا حل للصراع العربي مع الآخرين في فلسطين وغيرها إلا بالحوار والمفاوضات والحل السلمي.

6 - الإيمان بالتطبيع السياسي والثقافي مع الأعداء .

7 - الاعتراف بالواقعية السياسية مثل:

أ - اتفاقية كامب ديفيد 1979.                    ب - اتفاقية أوسلو1992.

ج - اتفاقية وادي عربة 1994.                    د - يجب أن تصبح اتفاقات شعبية.

كلامهم في الدين:

1 - التدين تحجر وقسوة وظلام وتكفير.

2 - الدين علاقة بين الفرد وربه لا غير.

نظرتهم للمرأة:

مساواة المرأة مع الرجل مساواة تامة في الحقوق والواجبات والإرث والشهادة وتبني مجلة الأحوال الشخصية التونسية 1957 وهي نموذج أمثل لتحرير المرأة كتاب الليبراليون الجدد، النابلسي- ص25.

مفاهيم يتبنونها باستمرار:

1 - حتمية الليبرالية والديمقراطية لأنها حركة تاريخية شاملة جارفة كاسحة.

2 - الترويج المستمر أن الليبرالية الجديدة مع القيم الإنسانية الكونية ومع التعددية الفكرية والعقائدية، ومع حرية الضمير، ومع التفاعل الحضاري و الإنساني.

3 - التصريح والتأكيد أن مبادئ الليبرالية الجديدة: حرية الفكر المطلقة - حرية التدين المطلقة - التعددية السياسية - المطالبة بإصلاح الدين - فصل الدين عن الدولة - إخضاع المقدس والتراث للنقد العلمي - تطبيق الاستحقاقات الديمقراطية.

من مطالب الليبراليين الجدد:

1 - المطالبة بإصلاح التعليم العربي الظلامي (الديني).

2 - إخضاع المقدسات والقيم الأخلاقية والتشريعات للنقد العلمي باستخدام الجينالوجيا القائمة على (من؟ ولماذا؟).

3 - يجب عدم الاستعانة مطلقاً بالمواقف الدينية التي جاءت في الكتاب المقدس ( القرآن ) تجاه الآخرين قبل 15 قرناً.

4 - الأحكام الشرعية وضعت لزمانها ومكانها، وليست عابرة للتاريخ.

5 - تبني الحداثة الغربية تبنياً كاملاً، باعتبارها تقود للحرية.

6 - الوقوف إلى جانب العولمة وتأييدها باعتبارها أحد الطرق الموصلة إلى الحداثة الاقتصادية والسياسية والثقافية.


المرجعية لديهم:

1 - تقديس العقل والتشكيك في الغيب.

2 - تثبيت فكرة المرجعية الإنسانية ومركزية العقل الإنساني.

3 - تثبيت أن الطبيعة كل مادي ثابت له غرض وهدف وهي مستودع القوانين المعرفية والأخلاقية والجمالية ومنها يستمد الإنسان معياريته.

4- نظرية المعرفة تقوم على العقل والحس فقط.

5 - الإله: معزول وبعيد(مقدس بشكل إقصائي), وسواء أكان موجوداً أو غير موجود فهذا أمر هامشي لا علاقة له بمناشط الإنسان العملية والاجتماعية.

 

المعالم الرئيسية لما يريد أصحاب الليبرالية نفيه وإزالته:

أولا: فيما يتعلق بالغرب:

1- عدم الالتفات لعيوب الغرب وممارساته الاستبدادية الظالمة.

2- المجتمع.جحد الدور الحضاري للأمة.

3- الاستخفاف باللغة العربية.

4- في الجانب السياسي تقوم السياسة عندهم على.محاربة الحكم الإسلامي باسم محاربة الإسلام السياسي.

5- محاربة الدين.

6- إسقاط التاريخ الإسلامي وتشويهه.

7- تدنيس المقدسات.

8- الإعراض والتشكيك في كون الوحي مصدراً للمعرفة.

9 - النيل المتواصل من علماء الإسلام والزعم أن علماء الإسلام والوعاظ كما يسمونهم منغلقون عن العلم الحديث.

10- الحملة العدائية المنظمة والمتواصلة على التيار الإسلامي ومشجعوه واتهامه بأنه تيار غوغائي ديماغوجي.

11- اتهام التيار الإسلامي والزعم أنه ضد القيم الإنسانية وضد التعددية الفكرية والعقائدية وضد حرية الضمير وضد التفاعل الحضاري والإنساني.

12- اتهام التعليم الديني بأنه تعليم ظلامي.

13- الحملة على الأحكام الشرعية وزعمهم المتواصل أنها محصورة بزمانها.

14- الحرب على الفكر الديني الذي جاء به علماء الدين وفقهاؤه ورجاله هو حجر عثرة.

15- الهجوم على العلماء المتبوعين ورميهم بأنهم أعداء العقل كابن تيمية والسيوطي وابن القيم. ويسخرون منهم بزعم أنهم استبدلوا العلوم المعاصرة بالطب النبوي، حتى أصبح النبي أحذق من أبي الطب أبو قراط.

ثانيا: فيما يتعلق بالمرأة:    

- الاعتداء على حصانة المرأة باسم الحرية والتحرر.

ومن مفاهيم التي يروجون لها :

 1- محاربة نظرية المؤامرة.

2- لا يمكن إنتاج الحاضر بتاريخ الماضي.

3- الاتجاه للماضي للاستعانة به لبناء الحاضر هو أسوأ الخيارات.

4- على العرب التخلي عن المثل الأعلى الموهوم.

5- تحرير النفس العربية من ماضيها ومن حكم الأسلاف الذين مازالوا يحكموننا من قبورهم.

6- المرجعية لا وجود لعلم مطلق.. ولا مرجعية للمقدس إلا ما يتوافق مع العقل. ([33]) .


الليبرالية والإسلام :

      مفهوم الليبرالية، كما وضع له في الغرب، يصطدم بالدين الإسلامي، بل كافة الشرائع، في أصول لا يستهان بها، كاستبدال الحكم الإلهي بالحكم البشري، فيما يسمى بالديمقراطية، وكذا الحرية المطلقة في الاعتقادات، بالتغيير والتبديل، وذلك لأن نشأة الليبرالية في أوربا،كانت كرد فعل عنيف مدمر على انتهاك بيّن لقيمة الإنسان باسم الدين والإقطاع والملكية، هذا الثالوث الذي حطم كرامة الإنسان الغربي، فلم يبق فيه مساحة لأدنى حرية.

     لذا فهي مذهب اخترعه ملاحدة أوربا، في عصر انتشار اللادينية، بعد الثورة على الكنسية النصرانية المشركة، ويزعم مخترعوه أن قطب رحاه هو الحرية، إياها يعبدون، ولها يركع ويسجدون، وعجبا لأمر هذه الحريّة الزائفة، التي يطالب بها من يطلقون على أنفسهم )الليبراليّون(  في كل مكان من العالم .

     فكأن هذا المذهب يقول للناس : كونوا عبيدا لأهوائكم، فإنه لا خالق لكم، أو إن خالقكم خلقكم عبثا لا ليأمركم وينهاكم، فكلّ يرى ما يرى، ويقول ما يقول، ويعتقد ما يعتقد، ويحل ما يحل، ويحرم ما يحرم، عيشوا أيها الناس في هرج ومرج، ازنوا، واسكروا، وامشوا عراة، وارقصوا... لذا قال تعالى: )بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج)، فالحق هو العبودية للخالق، والأمر المريج هو )الليبرالية( بعينها ([34]).  

     فالليبراليِّة بنيت أركانها على الإعراض عن شريعة الله تعالى ، والكفر بما أنزل الله تعالى ، والصد عن سبيله ، ومحاربة المصلحين ، وتشجيع المنكرات الأخلاقيِّة ، والضلالات الفكريِّة ، تحت ذريعة الحريِّة الزائفة ، والتي هي في حقيقتها طاعة للشيطان وعبودية له0

     يقول الشيخ الفوزان - حفظه الله – في فتواه المشهورة عن الليبرالية : فإن المسلم هو المستسلم لله بالتوحيد ، المنقاد له بالطاعة ، البريء من الشرك وأهله . فالذي يريد الحرية التي لا ضابط لها إلا القانون الوضعي؛ هذا متمرد على شرع الله، يريد حكم الجاهلية ، وحكم الطاغوت ، فلا يكون مسلمًا ، والذي يُنكر ما علم من الدين بالضرورة ؛ من الفرق بين المسلم والكافر ، ويريد الحرية التي لا تخضع لقيود الشريعة ، ويُنكر الأحكام الشرعية ؛ من الأحكام الشرعية الخاصة بالمرأة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومشروعية الجهاد في سبيل الله ، هذا قد ارتكب عدة نواقض من نواقض الإسلام ، نسأل الله العافية . والذي يقول إنه ( مسلم ليبرالي ) متناقض إذا أريد بالليبرالية ما ذُكر ، فعليه أن يتوب إلى الله من هذه الأفكار ؛ ليكون مسلمًا حقًا .

… وأما العلماني والليبرالي وما أشبههما فهي أسماء جديدة ولكن ليست العبرة بألفاظها وإنما العبرة بمعانيها وما تعبر عنه. فما كان منها يتضمن ما تضمنته الأسماء الشرعية المذكورة فإنه يعطي حكمه الشرعي ومنه الكفر، والكفر قد يكون بالاعتقاد أو القول أو الفعل أو الشك. كما ذكر ذلك أهل العلم في نواقض الإسلام وفي باب حكم المرتد من كتب الفقه … وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

كتبه: صالح بن فوزان الفوزان - عضو هيئة كبار العلماء

     وفي  إجابته علي السؤال عن حكم الليبرالية قال الدكتور سعيد بن ناصر الغامدي تكملة للبيان السابق:

... هذه جملة من المفاهيم والمعتقدات الليبرالية والمتفحص لها يجد أنها لا تخالف الإسلام فقط بل تقف ضده بشراسة وتعتبره وأهله والداعين إليه والمدافعين عنه عناصر ظلم وظلام وتخلف ورجعية، وتصور هذا كاف في معرفة حكم الليبرالية، ألم يستحق إبليس وصف الكفر ونار الخلد برده على الله أمرا واحدا فكيف بمن يرد جملة ضخمة من أحكام الدين بل من نصوص القرآن العظيم؟([35])

 ***********************************

 

1- اليبرالية النشأة والتطور/هبة رءوف عزت/موقع إسلام أون لاين .

http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1184649204719&pagename=Zone-Arabic-ArtCulture%2FACALayout   .

2- ينظر للاستزادة : الموسوعة السياسية 5/566 .

3- دعاة اللبرالية! عقول محتلة، أم ولاءات مختلة؟ / د. عبد العزيز كامل / مجلة البيان 219 .

4-   نظرة في: "..الليبرالية.." من الداخل /  أبو سارة  / موقع ليبرالي www.lebraly.com .

5- اللبرالية تعريفها وتاريخها / د. خادم حسين إلهي بخش / موقع صوت الحق .

http://www.soutulhaq.net/Show_archiv.php?mcat=1m&id=45 

6- دعاة اللبرلة! عقول محتلة، أم ولاءات مختلة؟ / د. عبد العزيز كامل / مجلة البيان 219 .

7- الليبراليون العرب هل هم حقاً ليبراليون؟ / أحمد دعدوش / مجلة البيان 219.

8- الإسلام الليبرالي أو الضوء الذي يخفي الحقائق /  محمد إبراهيم مبروك // مجلة البيان 219.

 

9-   نظرة في: "..الليبرالية.." من الداخل /  أبو سارة  / موقع ليبرالي www.lebraly.com .

10- اللبرالية تعريفها وتاريخها / د. خادم حسين إلهي بخش / موقع صوت الحق .

http://www.soutulhaq.net/Show_archiv.php?mcat=1m&id=45 

11- الليبرالية .. النبت اليهودي!! /  سليمان بن صالح الخراشي / موقع صيد الفوائد  http://saaid.net .

12-  الليبرالية نشأتها ومجالاتها / عبد الرحيم بن صمايل السلمي .  

13- الليبراليون العرب هل هم حقاً ليبراليون؟ / أحمد دعدوش / مجلة البيان 219.

14- فشل الليبرالية الجديدة يستدعي البحث عن خيارات مختلفة / د.بشير موسى نافع / مجلة العصر .

15-  الليبرالية نشأتها ومجالاتها / عبد الرحيم بن صمايل السلمي .  

16-  الليبرالية نشأتها ومجالاتها / عبد الرحيم بن صمايل السلمي .  

17- نحو إصلاح جذري للنظام الاقتصادي العالمي / د.يوسف مكي / التجديد العربي .

18- فشل الليبرالية الجديدة يستدعي البحث عن خيارات مختلفة / د.بشير موسى نافع / مجلة العصر .

19- توماس فريدمان / المركز الدولي لدراسات أمريكا والغرب .

20- صعود وسقوط الأيديولوجيات السياسية / السيد ياسين / http://tarek1963.maktoobblog.com  .

21- تعليق على كتاب " تحليل النظريات الاقتصادية " بول كروجمان / موقع الجزيرة .

22- الأزمة المالية الأسوأ لم تظهر بعد / جريدة الرأي .

23-   نظرة في .. الليبرالية.. من الداخل /  أبو سارة  / موقع ليبرالي www.lebraly.com .

24-  مؤلف أميركي يدعو السعوديين لتحجيم مشاركة المرأة / حسام الغيلاني / جريدة الحياة / 24-05-2008 . http://ksa.daralhayat.com/local_news/riyadh/05-2008/Article-20080523-175d6692-c0a8-10ed-01e2-5c7313f2f766/story.html 

25- نظرة في..الليبرالية.." من الداخل /  أبو سارة  / موقع ليبرالي www.lebraly.com .

26- نظرة في الليبرالية من الداخل /  أبو سارة  / موقع ليبرالي www.lebraly.com .

27- مصرع خرافة ( الليبراليّة ) اللادينية / موقعه الشخصي www.h-alali.cc/m_index.php?start=300 - 33k

28- " ليبرالي السعودية " لم ينجح أحد ! / أبو راكان / http://www.saaid.net/mktarat/almani/44.htm موقع صيد الفوائد .

29- دعاة اللبرلة! عقول محتلة، أم ولاءات مختلة؟ / د. عبد العزيز كامل / مجلة البيان 219 .

30- عبد الرحمن الراشد والخطاب المتصهين /  د. أحمد بن راشد بن سعيد / مجلة المنار الجديد / العدد 39 يوليو 2007 .

31- محمد أركون ومعالم أفكاره /  د. محمد حامد الأحمري .

32- قصة الدكتورة ألهام منصور / سليمان الخراشي .

33- http://www.olamaashareah.net/nawah.php?tid=1233&action=print .

34- مصرع خرافة (الليبراليّة) اللادينية / الشيخ حامد العلي  

35- http://www.olamaashareah.net/nawah.php?tid=1233&action=print .

  • السبت PM 07:28
    2021-08-14
  • 2444
Powered by: GateGold