المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415352
يتصفح الموقع حاليا : 287

البحث

البحث

عرض المادة

القرن الثالث وتفسير الطبري

القرن الثالث وتفسير الطبري

      القرن الثالث الهجرى يعتبر العصر الذهبى بالنسبة لتدوين السنة ؛ فقد شهد ميلاد مسند الإمام أحمد والصحيحين : صحيح البخاري وصحيح مسلم ، وسنن أبى داود ، والترمذى ، وابن ماجه ، والنسائى ، وغيرها من كتب السنة .

      ومع أننا رأينا التفسير علماً قائماً بذاته ، إلا أن رجال الحديث كانوا يدونون الأخبار المتصلة بالتفسير مع غيرها من الأخبار ، فكان هذا خيراً عظيماً بالنسبة للتفسير .

     وإلى جانب هذا فإن أعظم كتاب في التفسير ظهر في هذا القرن ، وهو تفسير أبى جعفر محمد بن جرير الطبري ، المسمى " جامع البيان عن تأويل أي القرآن ".

الطبري : علمه وكتبه :

      الطبري هو : محمد بن جرير بن يزيد بن كثير . وهو ـ كما قال الذهبى ـ الإمام العالم المجتهد ، عالم العصر ، صاحب التصانيف البديعة ، من أهل آمل طبرستان . مولده سنة أربع وعشرين ومئتين ، وطلب العلم بعد الأربعين ومئتين ، وأكثر الترحال ، ولقى نبلاء الرجال ، وكان من أفراد الدهر علماً ، وذكاء ، وكثرة تصانيف ، قل أن ترى العيون مثله ([1][60]) .

      كان ثقة ، صادقاً ، حافظاً ، رأساً في التفسير ، إماماً في الفقه والإجماع والاختلاف ، علامة في التاريخ وأيام الناس ، عارفاً بالقراءات وباللغة ، وغير  ذلك ([2][61]) .

  

      ونقل الذهبى وابن كثير وابن حجر قول الخطيب في تاريخه عن الطبري: كان أحد أئمة العلماء ، يحكم بقوله ، ويرجع إلى رأيه بمعرفته وفضله . وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره : فكان حافظاً لكتاب الله ، عارفاً بالقراءات ، بصيراً بالمعانى ، فقيهاً في أحكام القرآن ، عالماً بالسنن وطرقها ، صحيحها وسقيمها ، ناسخها ومنسوخها ، عارفاً بأقوال الصحابة والتابعين ، عارفاً بأيام الناس وأخبارهم ، وله الكتاب المشهور في " أخبار الأمم وتاريخهم " ، وله كتاب : " التفسير " لم يصنف مثله … إلخ ([3][62]) .

  

     وقال ابن كثير : روى الكثير عن الجم الغفير ، ورحل إلى الآفاق في طلب الحديث ، وصنف التاريخ الحافل ، وله التفسير الكامل الذي لا يوجد له نظير ، وغيرهما من المصنفات النافعة في الأصول والفروع ، ومن أحسن ذلك تهذيب الآثار … إلخ ([4][63]) .

      وقال السيوطي : رأس المفسرين على الإطلاق ، أحد الأئمة ، جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره …

      ثم قال : وله التصانيف العظيمة ، منها : " تفسير القرآن " ، وهو أجل التفاسير ، لم يؤلف مثله كما ذكره العلماء قاطبة ، منهم النووى في تهذيبه ، وذلك لأنه جمع فيه بين الرواية والدراية ، ولم يشاركه في ذلك أحد لا قبله ولا بعده .. إلخ ([5][64]) .

      والطبرى ـ رأس المفسرين والمؤرخين ـ نجد في ترجمته ([6][65]) الحديث عن كتبه ، ما تم منها وما لم يتم . وأهم كتبه التي مات قبل تمامها كتابه " تهذيب الآثار"،  وهو مطبوع ميسر الرجوع إليه والحمد لله تعالى ([7][66]) .

عقيدة الطبري :

      الحديث عن الطبري وعن كتبه يطول كثيراً ، والذى يعنينا أساساً هو تفسيره، ولكن ونحن في مجال التفسير المقارن بين الشيعة وأهل السنة نرى من اللازم بيان عقيدة هذا الإمام التي وقع ضجاج كبير حولها ، حيث رماه بعضهم بأنه من الشيعة الإمامية ، غير أن كتبه تثبت براءته .

     لما بلغه أن أبا بكر بن أبى داود تكلم في حديث غدير خم ، عمل كتاب : " الفضائل " ، فبدأ بفضل أبى بكر ، ثم عمر ، وتكلم على تصحيح حديث غدير خم ، واحتج لتصحيحه ، ولم يتم الكتاب .

      وفى الباب السابق ذكرت الروايات المختلفة لهذا الحديث ، وبينت ما هو صحيح منها ، وما هو مختلف فيه ، وما هو ضعيف أو موضوع مصنوع في دار الضرب بالكوفة . ولا أدرى ما الذي صح عند الطبري ؟ وربما صحح ما بينت ضعفه  أو وضعه . وعندما رجعت لتهذيب الآثار رأيت عدم استبعاد هذا       الاحتمال :

      ففى مسند على رضي الله عنه ـ يذكر حديث " أنا دار الحكمة وعلى بابها "، ويقول : " وهذا خبر عندنا صحيح سنده " ولكنه يضيف قوله " وقد يكون على مذهب الآخرين سقيماً غير صحيح  لعلتين " ثم يذكر تأييداً له حديثاً عن ابن عباس : " أنا مدينة العلم وعلى بابها ، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها "([8][67]).

      وتصحيح مثل هذه الآحاديث لا يعنى أنه من الإمامية وإلا لما تحدث عن فضل أبى بكر وعمر ، فضلاً عن أن يبدأ  بهما . ونراه في مسند على يروى أن قاتل الزبير استأذن على على فقال : ليدخل النار ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم   يقول : " لكل نبي حوارى وإن حوارى الزبير بن العوام " ([9][68]) ونحن نعرف تكفير الشيعة لمن قاتل علياً ، وما رواه الطبري ينقض قولهم . وكان الطبري يكلم ابن صالح  الأعلم، وجرى ذكر على رضي الله عنه ، ثم قال الطبري : من قال إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامى هدى ، أيش هو ؟ قال : مبتدع . فقال ابن جرير إنكاراً عليه : مبتدع ! مبتدع ! هذا يقتل ، من قال إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامى هدى يقتل يقتل ([10][69]) .

      وقال الذهبى في ميزان الاعتدال " 3 / 498 " في ترجمة الطبري : . " ثقة صادق ، فيه تشيع يسير ، وموالاة لا تضر .

      أقذع أحمد بن على السليمانى الحافظ ، فقال : كان يضع للروافض ، كذا قال السليمانى : وهذا رجم بالظن الكاذب ،  بل ابن جرير من كبار أئمة الإسلام المعتمدين ، وما ندعى عصمته من الخطأ ، ولا يحل لنا أن نؤذيه بالباطل والهوى، فإن كلام العلماء بعضهم في بعض ينبغى أن يتأنى فيه ، ولا سيما في مثل إمام كبير ، فلعل السليمانى أراد الآتى :

      محمد بن جرير بن رستم ، أبو جعفر الطبري . رافضى … " .

      وعقب ابن حجر فقال : " ولو حلفت أن السليمانى ما أراد إلا الآتى لبررت ، والسليمانى  حافظ متقن ، كان يدرى ما يخرج من رأسه ، فلا أعتقد أنه يطعن في مثل هذا الإمام بهذا الباطل ، والله أعلم . وإنما رمى بالتشيع لأنه صحح حديث غدير خم ، وقد اغتر شيخ شيوخنا أبو حيان بكلام السليمانى …" ([11][70]) .

      هذه كلمة موجزة عن الطبري ، وبعد حياة بارك الله تعالى فيها توفى سنة عشر وثلاثمائة ، ودفن ببغداد .

 

  ([1][60])  سير أعلام النبلاء 14 / 267 .

  ([2][61])  المرجع السابق 14 / 270 .

  ([3][62])  انظر المرجع السابق 14 / 269 ، والبداية والنهاية 11 / 145 ، ولسان الميزان       5 / 100 .

  ([4][63])  انظر البداية والنهاية 11 / 145 .

  ([5][64])  انظر طبقات المفسرين للسيوطي : ص 95 ، 96 .

  ([6][65])  انظر ترجمته في المراجع السابقه ، وأخص سير أعلام النبلاء ، وفى غيرها من المراجع مثل : تاريخ بغداد 2 / 162 ، وطبقات المفسرين للداودى 2 / 106 .

  ([7][66])  طبع بتحقيق الدكتور ناصر الرشيد وآخر ، ثم حققه شيخنا العلامة محمود محمد شاكر ، محقق تفسير الطبري ، جزاه الله خيراً .

  ([8][67])  انظر تهذيب الآثار 1 / 89 ـ 90 ـ والحديث الأول رواه الترمذى في الباب الخامس من مناقب على بن أبى طالب ، وقال : " هذا حديث غريب منكر " والثاني قال عنه البخاري : " منكر " وقال بوضعه ابن معين وابن الجوزى والذهبى وغيرهم ، وصححه الحاكم !! وافتى بحسنه ابن حجر ـ انظر فيض القدير 3 / 46 ـ 47 ، والمقاصد الحسنة 97 ، وكشف الخفاء 1 / 235 .

  ([9][68])  تهذيب الآثار 1 / 140 .

  ([10][69])  انظر سير أعلام النبلاء 14 / 275 ، ولسان الميزان 5 / 101 ، وفيه زياده العبارة الأخيرة : " من قال إن … " .

  ([11][70]) لسان الميزان 5 / 100 .

  • الاثنين AM 01:08
    2021-04-26
  • 939
Powered by: GateGold