المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415140
يتصفح الموقع حاليا : 245

البحث

البحث

عرض المادة

الصوفيــة اليهـودية (القــبَّالاه)

الصوفيــة اليهـودية (القــبَّالاه)
(Jewish Mysticism (Kabbalah
يُعرف التـراث الصـوفي اليهـودي باســم «القبَّــالاه» التي مرت بمراحــل عديدة أهمــها «قبَّــالاة الزوهار» وتُسمَّى أيضاً «القبَّالاه النبـوية»، و«القبَّالاه اللوريانية» التي يمكن أن تُسمَّى «القبَّالاه المشـيحانية».أما كلمـة «الصوفية»،فلها (داخل النسق الديني اليهودي) دلالات خاصة،فهذا النسق يتَّسم بوجود طبقة جيــولوجية ذات طابع حلولي قوي تراكمت داخله،ابتداءً من العهد القديم، مروراً بالشريعة الشفوية،وقد انعكست هذه الحلوليـة من خـلال شـيوع أفكار، مثل:الشعب المختار، وأمة الروح، والأرض المقدَّسة.


وتراث القبَّالاه الصوفي تراث ضخم وضع أسس التفسيرات الصوفية الحلولية في الزوهار والباهير وغيرهما من الكتب، وحل محل التوراة والتلمود. ومن الملاحَظ أيضاً انتشار الحركات المشيحانية الصوفية الحلولية بين الجماعات اليهودية في العالم عبر التاريخ. فكان التفكير الفلسفي بين اليهود نادراً، ولم يظهر إلا تحت تأثير الحضارات الأخرى، كما أنه كان ينحو منحى حلولياً في أغلب الأحيان. ففيلون السكندري، مثلاً، كان واقعاً تحت تأثير الحضارة الهيلينية، ولم يكن يعرف العبرية مطلقاً، ومع هذا فإن ثمة نزعة حلولية قوية في فلسفته، ولم يترك فكره الفلسفي أي أثر في تطور اليهودية اللاحق. وكذلك موسى بن ميمون، بطل كل المفكرين العقلانيين اليهود، فقد كان متأثراً تأثراً عميـقاً بحضارته العـربية الإسـلامية. أما في العصر الحديث، مع ظهور فكر فلسفي يهودي حديث، فإننا نجد إسبينوزا بفلسفته الحلولية على رأس المفكرين. كما أن أهم مفكر ديني يهودي، مارتن بوبر، كان مهتماً بالتصوف أشد الاهتمام، بل نجده أحد عُمُد التصوف في تاريخ الفكر الحديث في الغرب. والواقع أن الفكر الديني اليهودي الحديث ينحو، في جوهره، هذا المنحى الصوفي الحلولي، والصهيونية هي النقطة التي تظهر عندها الحلولية بدون إله.

ويمكن التمييز بين نمطين من التصوف: واحد يدور في نطاق إطار توحيدي، ويَصدُر عن الإيمان بإله يتجاوز الإنسان والطبيعة والتاريخ، ومن ثم يؤمن بالثنائيات الدينية الفضفاضة (سماء/أرض ـ إنسان/طبيعة ـ إله/إنسان). وتتبدَّى هذه الرؤية في تدريبات صوفية يقوم بها المتصوف ليكبح جماح جسده تعبيراً عن حبه للإله وعن محاولته التقرب منه وهو يعرف مسبقاً استحالة الوصول والتوحد مع الإله، فالحلول الإلهي يتنافى مع الرؤية التوحيدية، ووحدة الوجود قمة الكفر. والمتصوف الذي يدور في إطار توحيدي يعبِّر عن حبه الإلهي عن طريق فعل في التاريخ والدنيا يلتزم فيه بقيم الخير ويُعلي به من شأن القيم المطلقة المُرسَلة للإنسان من الإله ويصلح به حال الدنيا.

أما النمط الثاني من التصوف فيدور في إطار حلولي يصدر عن الإيمان بالواحدية الكونية حيث يحل الإله في الطبيعة والإنسان والتاريخ ويتوحد معها ويصبح لا وجود له خارجها، فيُختزَل الواقع بأسره إلى مستوى واحد يخضع لقانون واحد. ومن ثم، يستطيع من يعرف هذا القانون (الغنوصي) أن يتحكم في العالم بأسره. وهذا هو هدف المتصوف في هذا الإطار. فبدلاً من التدريبات الصوفية التي يكبح بها الإنسان جسده ويطوع لها ذاته، يأخذ التصوف شكل التفسيرات الباطنية وصنع التمائم والتعاويذ والبحث عن الصيغ التي يمكن من خلالها التأثير في الإرادة الإلهية، ومن ثم التحكم الإمبريالي في الكون. وحتى لو أخذ هذا التصوف شكل الزهد، فالهدف من الزهد ليس تطويع الذات وإنما الوصول إلى الإله والالتصاق به والتوحد معه والفناء فيه ليصبح المتصوف عارفاً بالأسرار الإلهية، ومن ثم يصبح هو نفسه إلهاً أو شبيهاً بالإله. والمتصوف في إطار حلولي لا يكترث إلا بذاته، ولذا فهو لا يتحرك في الزمان والمكان الإنسانيين ولا يأتي بأفعال في التاريخ ولا يهتم بإصلاح الدنيا بل يضع نفسه فوق الخير والشر وفوق كل القيم المعرفية والأخلاقية. فالتجربة الصوفية التوحيدية تطويع للذات وطاعة للخالق وإصلاح للدنيا، أما الثانية فهي تحقيق للذات وتطويع للخالق وبحث عن التحكم في الدنيا. ورغم استخدام لفظ واحد («تصوف») للإشارة إلى التجربتين، إلا أنهما مختلفتان تمام الاختلاف. والتصوف الحلولي، وخصوصاً في أشكاله المتطرفة، هو شكل من أشكال العلمنة. فإذا كان الإله أو الخالق هو مخلوقاته، فإن مخلوقاته هي هو. وإذا حل الإله في المادة، فإن الطبيعة تصبح هي الإله (كما يؤكد إسبينوزا)، كما أن صاحب العرفان يصبح قادراً على التحكم في الإله والطبيعة والكون. ويمكننا هنا أن نرى ملامح سوبرمان نيتشه، الذي لا يؤمن إلا بإرادة القوة ويتجاوز أخلاق الضعفاء.

ويمكننا القول بأن التصوف اليهودي (على وجه العموم) من النمط الحلولي وأنه ذو اتجاه غنوصي قوي. فالمتصوف اليهودي لا يتجه نحو تطويع الذات الإنسانية الفردية وخدمة الإله، وإنما يحاول الوصول إلى فَهْم طبيعة الإله من خلال التأمل والمعرفة الإشراقية الكونية (الغنوص أو العرفـان) بهـدف التأثير في الإله والتحكم الإمبريالي في الواقع. ومن هنا، كان ارتباط التصوف اليهودي أو القبَّالاه بالسحر، ومن هنا أيضاً كانت علاقة السحر بالعلم والغنوصية. وقد وصف العالم جيرشوم شوليم الصوفية اليهودية بأنها «ثيو صوفية»، أي أنها معرفة الإله من خلال التأمل والمعرفة الإشراقية الكونية (الغنوص) أو العرفان. ومن ثم، فهي تبتعد عن التمرينات الصوفية وعمليات الزهد ومحاولة الذوبان أو إفناء الذات الإنسانية في الذات الإلهية. ولكن هذا الوصف ليست له مقدرة تفسيرية عالية، فالتصوف اليهودي الحلولي يتجه نحو الاتحاد مع الإله والالتصاق به (ديفيقوت)، وهو اتحاد يؤدي إلى وحدة الوجود (ووحدة الوجود يُفترض أنها تؤدي إلى الكشف الصوفي لطبيعة الإله وإمكانية التواصل معه ثم التحكم فيه!). ولعل سمة التصوف اليهودي الأساسية أنه يدور في معظمه في إطار حلولي، الأمر الذي يجعله يختلف عن التصوف الذي يدور في إطار توحيدي. ولذا، فنحن نؤثر أن نشير إلى التصوف اليهودي بكلمة «قبَّالاه»، فهي أكثر دقة وتفسيرية.

 

  • السبت AM 10:53
    2021-04-24
  • 2129
Powered by: GateGold