المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 435898
يتصفح الموقع حاليا : 289

البحث

البحث

عرض المادة

النظام الاشتراكي: مفهومه وأسسه وعيوبه

مَفْهُومُ النِّظَامِ الاقْتِصَادِيِّ الاشْتِرَاكِيِّ وَتَأْسِيسُهُ:

النِّظام الاشتراكيُّ هو ذلك النِّظام الَّذي يقوم على الملكيَّة الجماعيَّة لوسائل الإنتاج، وتحكم الدَّولة في إدارة، وتسيير، وممارسة النَّشاط الاقتصاديِّ من خلال التَّخطيط المركزيِّ [1]، وقد تمَّ تطبيق الفكر الاشتراكيِّ من خلال تبنِّي الثَّورة البلشفيَّة في العام 1917م للاشتراكيَّة الماركسيَّة أو العلميَّة، وإقامة أوَّل دولة اشتراكيَّة ماركسيَّة في جمهوريَّة الاتِّحاد السُّوفييتِّي.

 

وقد ازدهر الفكر الاشتراكيُّ في العديد من دول العالم خاصَّة النَّامية منها، غير أنَّه بدأ يتعرَّض لهزَّاتٍ عنيفة منذ السَّبعينات من القرن الماضي، ولم تنته حقبة الثَّمانينيَّات حتَّى انهار الاتِّحاد السُّوفييتِّي على أثر الحرب الَّتي خاضها في أفغانستان لمدَّة زادت عن سبع سنوات، وانهارت معه الاشتراكيَّة العلميَّة، وقد أدَّى ذلك إلى ارتداد الفكر الاشتراكيِّ، وتخلِّي غالبية دول العالم عن تبنِّي هذا الفكر [2].

 

أُسُسُ النِّظَامِ الاشْتِرَاكِيِّ وَعُيُوبُهُ:

• يقوم النِّظام الاشتراكيُّ الماركسيُّ على العديد من الأسس، يمكن تلخيصها فيما يلي[3]:

1- الملكيَّة العامَّة:

وذلك من خلال إشراك جميع أفراد الشَّعب في ملكيَّة وسائل الإنتاج، وتقوم الدَّولة بعد ذلك بإدارة النَّشاط الاقتصاديِّ، فهي الَّتي تقرِّر توزيع الأرض على مجالات الاستخدام المختلفة، وهي الَّتي تحدِّد كمِّيَّة الموارد الموجَّهة لإنتاج السِّلع الإنتاجيَّة والاستهلاكيَّة.

 

والأفراد يقدِّمون خدماتهم للمجتمع كلٌّ حسب طاقته، وقدرته الإنتاجيَّة، وفي المقابل يتسلَّم كلٌّ منهم أجرًا بقدر ما يحتاج إليه، فالقاعدة الأساسيَّة في توزيع الدَّخل أو النَّاتج: "من كلِّ فرد حسب قدرته، ولكلٍّ حسب حاجته"، وَإِنْ أَدَّى واقع التَّجربة إلى تعديلات على هذه القاعدة، من خلال توزيع الدَّخل وفقًا لكمِّيَّة العمل المبذول، والتَّباين في المهارات العمَّاليَّة، مع إشباع الدَّولة للحاجات العامة -للجميع- بصورة مجَّانيَّة كالتَّعليم والصِّحَّة.

واعتمدت الدَّولة على التَّأميم للقضاء على الملكيَّة الخاصَّة، كما ألغت المواريث.

 

2- عدم الاعتراف بحافز الرِّبح:

إنَّ الهدف من النَّشاط الاقتصاديِّ طبقًا لهذا النِّظام هو إشباع الحاجات العامَّة، أو الجماعة، وليس تحقيق الرِّبح الفاحش، أو السَّعي للحصول عليه [4]، بل على النَّقيض من ذلك ينظر إليه على أنَّه وسيلة من وسائل الاستغلال تؤدِّي إلى سوء توزيع الدَّخل والثَّروة.

 

ويحلُّ محل الرِّبح -كحافز للنَّشاط الاقتصاديِّ لزيادة الإنتاج، وتنمية الموارد الاقتصاديَّة في النِّظام الاشتراكيِّ- الشُّعور الوطنيُّ، والقوميُّ، والإحساس بالمسئوليَّة، والمشاركة في بناء الاقتصاد القوميِّ، وإشباع حاجات المجتمع.

 

3- التَّخطيط المركزيُّ:

وذلك من خلال اعتماد الدَّولة على جهاز التَّخطيط، أو الهيئة، أو اللَّجنة العليا للتَّخطيط لوضع خطَّة قوميَّة شاملة تحدِّد الأهداف القوميَّة المراد تحقيقها، ووسائل تحقيق هذه الأهداف، وإخطار جميع الوحدات الإنتاجيَّة في الدُّول بهذه الخطَّة الَّتي تمثِّل برنامج العمل للوحدات الإنتاجيَّة في المرحلة المقبلة، ممثلًا في فترة الخطَّة المركزيَّة الَّتي عادة ما تكون خمس سنوات.

 

ويقوم التَّخطيط في النِّظام الاشتراكيِّ على مبدأ مركزيَّة التَّخطيط، ولا مركزيَّة التَّنفيذ، فجهاز التَّخطيط هو الَّذي يضع الخطَّة آخذًا في الاعتبار رأي الوحدات الإنتاجيَّة وظروفها، وله وحدة القرار النِّهائيِّ في وضع تلك الخطَّة، أمَّا التَّنفيذ فيترك للوحدات الإنتاجيَّة وفقًا للخطَّة الموضوعة، وبذلك فإنَّ جهاز التَّخطيط وحده هو الَّذي يجيب على الأسئلة الثَّلاثة: المشكلة الاقتصادية: ماذا، وكيف، ولمن ننتج؟.

 

• عُيُوبُ النِّظَامِ الاقْتِصَادِيِّ الاشْتِرَاكِيِّ:

جاء النِّظام الاشتراكيُّ كردِّ فعل للنِّظام الرَّأسماليِّ ومظالمه الاجتماعيَّة، فأنكر هذا النِّظام بفلسفته الشُّيوعيَّة وجود الله؛ فجاهر بأنَّه لا إله، والحياة مادَّة.

 

وقد كشف الواقع عن ترنُّح النِّظام الاشتراكيِّ، ثُمَّ سقوطه صريعًا في أواخر الثَّمانينات من القرن الماضي، بما حمله من المتناقضات، وبما اعتدى به على الفطرة السَّويَّة، مورِّثًا لشعبه الفقر والجوع، ولم يجد بدًّا من نبذ أوهام كارل ماركس [5]، وضلالاته معتبرها سببًا لتخلُّفه وضياعه.

 

وعليه؛ فيمكن إيجاز أهمِّ عيوب النِّظام الاشتراكيِّ فيما يلي:

1- ضَعْفُ الحَافِزِ لِإِنْجَازِ الأَعْمَالِ المُخْتَلِفَةِ:

فحرمان الأفراد من حقِّ الملكيَّة الخاصَّة أمرٌ يتنافى مع الفطرة والطَّبيعة البشريَّة، ويؤثِّر في الحافز الفرديِّ لإنجاز الأعمال تأثيرًا سيِّئًا، "فحقُّ الملكيَّة الفرديَّة إذا منع؛ فلا مكان للحافز على الإنتاج، أو الحافز على الابتكار والتَّجديد، ولا صوت يعلو على صوت اللَّامبالاة والإهمال، ويصبح النَّاس في النِّهاية شركاء في الفقر والحرمان، وينتكس الشُّعور القوميُّ الَّذي اتَّخذه النِّظام الاشتراكيُّ على غير الحقيقة حافزًا للإنتاج" [6].

 

2- انْخِفَاضُ إِنْتَاجِيَّةِ العُمَّالِ [7]:

فالعامل عندما لا يجد نظامًا فعلًا للحوافز، فكلُّ عامل يتسلَّم أجرًا محدَّدًا بغضِّ النَّظر عن إنتاجيَّته، وفقًا لقاعدة: "مِنْ كُلِّ فَرْدٍ حَسَبَ قُدْرَتِهِ، وَلِكُلٍّ حَسَبَ حَاجَتِهِ".

 

3- قِلَّةُ الكَفَاءَةِ الاقْتِصَادِيَّةِ والإِنْتَاجِيَّةِ فِي تَخْصِيصِ المَوَارِدِ، وَسِيَادَةِ التَّعْقِيدِ وَالبَيْرُوقْرَاطِيَّةِ:

فتركُّزُ السُّلطةِ في يد مجموعة قليلة من صانعي القرار حَالَ دُونَ تَحْقِيقِ الكفاءة الاقتصاديَّة والإنتاجيَّة في تخصيص الموارد، وسيادة التَّعقيد والبيروقراطيَّة.

 

"فكثيرًا ما نجحت الوحدات الإنتاجيَّة في إنتاج السِّلع المعيَّنة لها بالكمِّيَّات المحدَّدة في الخطَّة، ولكن ليس دائمًا عند مستوى المواصفات، أو الكفاءة، أو الجودة المطلوبة" [8].

 

4- عَدَمُ تَحْقِيقِ الكِفَايَةِ وَالعَدْلِ:

لقد عجزت الاشتراكيَّة الماركسيَّة "عن تحقيق الكفاءة الإنتاجيَّة والاقتصاديَّة، والعدالة، والرَّفاهية لشعوبها، بل قهرت حرِّيَّة الأفراد، وأبادت أصولهم بل وأرواحهم، وأصبحت العدالة في التَّوزيع أمرًا يستحيل تواجده، وحلَّ محلَّها الاستغلال" [9].

 

إنَّ النِّظام الاشتراكيَّ نظام ثبت فشله على الأقلِّ على المستوى الإنساني، فقد تحوَّل إلى وحش مفترس فَتَكَ بشعبه اقتصاديًّا، واجتماعيًّا، وسياسيًّا، فبعد إنكاره للإله وللرِّسالات السَّماويَّة، فشت فيه الدِّكتاتوريَّة، وتفشَّى الاستبداد السِّياسيُّ، الَّذي أصبح جلُّ همِّه القضاء على الكرامة، والمشاركة الفعَّالة، والتَّجاوب الإيجابيِّ لجماهير النَّاس، ولم يبق في نفوس النَّاس سوى الكره، والحقد، وعدم المبالاة.



[1] الاقتصاد الإسلاميُّ مدخل ومنهج، ص46، مرجع سابق.

[2] المرجع السَّابق، ص46-47 بتصرُّف، مرجع سابق.

[3] الاقتصاد الإسلاميُّ مدخل ومنهاج، ص47:49 بتصرف، مرجع سابق.

[4] انظر: مبادئ الاقتصاد، مُحَمَّد خليل برعي، دار الثَّقافة العربيَّة، القاهرة 1994م، ص 131.

[5] كارل ماركس: (1818-1883م). فيلسوفٌ ألمانيٌّ، واجتماعيٌّ، وثوريٌّ محترف، كان المؤسِّس الرَّئيسيَّ لحركتين جماهيريَّتين قويَّتين هما: الاشتراكيَّة الدِّيمقراطيَّة، والشُّيوعيَّة الثَّوريَّة، وُلدَ كارل ماركس، ونشأ في إقليم ترير التَّابع لمقاطعة بروسيا، التحق بالجامعة في عام 1835م، لدراسة القانون، وحصل على الدُّكتوراه في الفلسفة من جامعة جينا عام 1841م، عانى ماركس أمراضًا متكرِّرة كان كثيرٌ منها أمراضًا نفسية، يُطلق على نظريَّة ماركس أحيانًا اسم المادِّيَّة الجدليَّة، وهي ذات مفاهيم صعبة وغامضة، ويرتكز أساس الماركسيَّة على الاعتقاد بأنَّ الاشتراكية أمر حتميٌّ، وأنَّ الرَّأسماليَّة مَحْكُوم عليها بالفشل.

وكان ماركس يعتقد بأنَّ جميع المجتمعات الإنسانيَّة تعاني التَّوتُّر، ويرجع ذلك إلى أنَّ التَّنظيم الاجتماعيَّ يُجاري تطوُّر وسائل الإنتاج، اعتقد ماركس بالصِّراع بين الطَّبقات بسبب التَّوتُّر الحاصل في المجتمع نتيجة عدم مجاراة التَّنظيمات الاجتماعيَّة لوسائل الإنتاج.

يُدرَّس ماركس في هذه الأيَّام ـخصوصًا في الغربـ بوصفه رجلاً ثوريًّا واقتصاديًّا، ويعترف بأهمِّيَّة آرائه، رغم تطرُّفه، بشكل متزايد بوصفه رائدًا في حقل العلوم الاجتماعيَّة، وقد هُوجم ماركس؛ لأنَّه ثار ضدَّ المجتمعات المستقرَّة كافَّة، ولكونه كاتبًا متعجرفًا احتقر منتقديه، وبسبب آرائه المتطرِّفة، وقد دلَّت التَّجارب على فساد نظريَّته، وكونها مدمِّرة لسعادة الفرد والمجتمع.

انظر: الموسوعة العربيَّة العالميَّة، مجموعة من العلماء والباحثين ج22 ص 63-64، ط2، 1419هـ، النَّاشر: موسوعة أعمال الموسوعة للنَّشر، والتَّوزيع، الرِّياض.

[6] الاقتصاد الإسلاميُّ مدخل ومنهاج، ص49، مرجع سابق.

[7] الاقتصاد الإسلاميُّ مدخل ومنهاج، ص50، مرجع سابق.

[8] الاقتصاد الإسلاميُّ مدخل ومنهاج، ص50، مرجع سابق.

[9] الاقتصاد الإسلاميُّ مدخل ومنهاج، ص51، مرجع سابق.



رابط الموضوع: https://www.alukah.net/culture/0/105878/#ixzz6mGx7cLhW

  • الجمعة PM 06:45
    2021-02-12
  • 2307
Powered by: GateGold