المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413331
يتصفح الموقع حاليا : 239

البحث

البحث

عرض المادة

الزعم أن الأمة لم تأخذ بقواعد نقد الحديث عند جمعه

الزعم أن الأمة لم تأخذ بقواعد نقد الحديث عند جمعه (*)

مضمون الشبهة:

يزعم بعض المغرضين أن الأمة الإسلامية لم تعتن بنقد الأحاديث النبوية، وفحصها وتمحيصها من لدن الصحابة حتى الآن، مستدلين على دعواهم بما يأتي:

  • أنالصحابةلميناقشواالنبي - صلىاللهعليهوسلم - أويراجعوهفيأيشيءمنالسنةالتيتلقوها عنه.
  • أنهملميكنلديهمكثيردرايةبطرائقوقواعدالنقدالحديثي،والتيلمتكتملوتستقرإلافيالقرنالثالثالهجري.
  • أنالأحاديثالموضوعةوالمكذوبةقدعرفتطريقهاإلىكتبالسنةودواوينها.
  • قواعدالنقدالتياستعملهاالنقادلمتكن بالمرونة التي تساعدهم على مواكبة التطور في العصور التالية؛ لجمودها.

 هادفين من وراء ذلك إلى هدم صرح السنة من خلال خلخلة قواعدها، والطعن في ناقليها وحملتها؛ ليسوغوا لأنفسهم بعد ذلك رد ما جاءت به.

وجوه إبطال الشبهة:

1)  ما كان لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتلقوا أحاديثه إلا بالانقياد والتسليم؛ لعلمهم أن هذا وحي من قبل السماء يوحى إليه، إذ إن الانقياد، والتسليم، والقبول، والتصديق، من أهم شروط صحة وقبول شهادة التوحيد، ومع هذا فقد ذكرت لنا المصادر الصحيحة بعض المراجعات والمناقشات من قبل الصحابة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءت على وجه التفهم، والوقوف على المعاني المقصودة، ومراد الشارع منها.

 

2)    لقد وضع الصحابة اللبنات الأولى لقواعد منهج النقد الحديثي وأصوله، "رواية، وتوثيقا، ونقدا"، ثم تطور المنهج ونضج حتى استوى على سوقه، والواقع العلمي والتاريخي خير شاهد على تطور المنهج، ونموه، ومواكبته حركة التدوين، وطرق نقل المرويات؛ لحماية السنة من آفتي الخطأ والكذب.

 

3)    إن تمييز الأحاديث الموضوعة عن الصحيحة خير شاهد على دقة منهج النقد الحديثي، ونجاحه في غربلة مرويات السنة، وتمييز صحيحها من سقيمها، فقد كشفت قواعد النقاد عن أسباب الوضع، ودواعيه، وأرست مبادئ علمية لكشفه، وكيفية التصدي له.

 

التفصيل:

أولا. انتقاد أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ومراجعته فيها ينافي الانقياد والتسليم لنبوته ورسالته، وقد تباح المراجعة للتفهم والتعلم:

لقد بايع الصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وما كان لهم أن يقابلوا أحاديثه إلا بالانقياد والتسليم؛ وذلك لعلمهم أن ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما هو وحي من قبل السماء، وأنه ما ينطق عن الهوى.

 

 وكان من أهم شروط صحة الشهادتين، وعلامة قبولها عند الله: التسليم والانقياد لما دلت عليه المنافي لترك ذلك، قال تعالى: )وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له( (الزمر: ٥٤)، وقال تعالى: )فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما (65)( (النساء)[1].

 

"فهذه ثلاث مراتب: التحكيم، وسعة الصدر بانتفاء الحرج، والتسليم... اعلم أن التسليم هو الخلاص من شبهة تعارض الخبر، أو شهوة تعارض الأمر، أو إرادة تعارض الإخلاص، أو اعتراض يعارض القدر والشرع... فإن التسليم ضد المنازعة، والمنازعة: إما بشبهة فاسدة تعارض الإيمان بالخبر... والتسليم له تركك منازعته بشبهات المتكلمين الباطلة. وإما بشهوة تعارض أمر الله - عز وجل - فالتسليم للأمر بالتخلص منها، أو إرادة تعارض مراد الله من عبده، فتعارضه إرادة تتعلق بمراد العبد من الرب، فالتسليم بالتخلص منها... وبهذا يتبين أن التسليم من أجل مقامات الإيمان، وأعلى طرق الخاصة، وأنه محض الصديقية، التي هي بعد درجة النبوة، وأن أكمل الناس تسليما أكملهم صديقية"[2].

 

ومن ثمرات التسليم والانقياد المقصودة: "الانتقال من محض التقليد والخبر إلى العيان واليقين. حتى كأنه يرى ويشاهد ما أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما قال تعالى: )ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق( (سبأ: ٦)، وقال تعالى: )أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى( (الرعد: ١٩)، وينتقل من الحجاب إلى الكشف، فينتقل من العلم إلى اليقين"[3].

 

لقد تلقى الصحابة - رضي الله عنهم - الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسمع والطاعة، وآمنوا أنه يبلغهم عن الله خالق الكون، فلم يبحثوا وراءه، وكيف ينقدون حديثه وهو المعصوم - صلى الله عليه وسلم - الذي بعثه الله بهذه السنة، وتلك الأحاديث نبراس لمن جاء بعده من الصحابة وغيرهم؟!

 

إن القرن الأول الهجري كان فيه الصحابة الذين تلقوا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان فيه كبار التابعين الذين أخذوا الحديث عنهم، ولقد رأى الصحابة - رضي الله عنهم - أن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جزء من الدين الذي يدينون به؛ ففي القرآن الكريم الحث على طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والنهي عن مخالفته، قال تعالى: )من يطع الرسول فقد أطاع الله( (النساء: ٨٠)، وقال عز وجل: )يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا (59)( (النساء)، وقال سبحانه: )وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب (7)( (الحشر).

 

وفي القرآن الكريم أيضا الحث على الاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى: )لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا (21)( (الأحزاب).

 

بل إن مراجعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وانتقاده في الحق الذي جاء به - صلى الله عليه وسلم - موجب لغضب الله تعالى وغضب رسوله - صلى الله عليه وسلم - وذلك لأن المراجعة تنافي التسليم والانقياد لأمر الله تعالى ولأمر رسوله صلى الله عليه وسلم. كما حدث عقب غزوة حنين، فقد راجعه رجل في حكمه وقسمته، كما في حديث عبد الله بن مسعود، قال: «لما كان يوم حنين آثر النبي - صلى الله عليه وسلم - أناسا في القسمة؛ فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسا من أشراف العرب، فآثرهم يومئذ في القسمة، قال رجل: والله إن هذه القسمة ما عدل فيها، وما أريد بها وجه الله. فقلت: والله لأخبرن النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتيته، فأخبرته. فقال: فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟ رحم الله موسى، فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر»[4].

 

فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يغضب إلا إذا انتهكت محارم الله، وهذا الرجل الذي انتقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حكمه لم يرد التفهم والتعلم بقدر ما قصد الاعتراض، وهو أمر ينافي كمال الإيمان؛ إذ إن من لوازم الإيمان الانقياد والتسليم لحكم الله ورسوله.

 

أما مراجعته بقصد التعلم، والتفهم، والوقوف على مراد الشارع من الحكم في بعض المسائل، فقد وردت السنة الصحيحة تحكي لنا مراجعات بعض الصحابة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من باب التفهم والوقوف على المعاني المقصودة من الأمور؛ فالكلام حمال ذو وجوه، ولغة العرب ثرية بالمعاني والدلالات القريبة والبعيدة، ومثال ذلك: حديث صلح الحديبية، وفيه:

 

«... فقال عمر بن الخطاب: فأتيت نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: ألست نبي الله حقا؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: إني رسول الله ولست أعصيه، وهو ناصري. قلت: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام؟ قال: قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به...» [5].

 

ففي هذا الحديث راجع عمر بن الخطاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن هل هذه المناقشة والمراجعة خرجت مخرج الاعتراض، أو خرجت مخرج التفهم والتثبت في الفهم الذي فهمه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين وعدهم بإتيان البيت والطواف به؟ لا شك أنها من قبيل ابتغاء الفهم والتثبت، مما يدل على أن باب مناقشة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان مفتوحا لأصحابه وحملة التشريع وأمنة هذه الأمة من بعده، لينهلوا من علمه، لا ليردوا عليه حديثه، أو ينتقدوه، فإن ذلك يخالف طاعتهم لأمر الله وأمر رسوله، وكيف لهم ذلك وهم يعلمون أنه رسول الله؟ الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فكيف ينتقدون عليه حديثه صلى الله عليه وسلم؟!

 

ثانيا. ظهور منهج النقد الحديثي مبكرا، وجهود العلماء في توثيق وتمحيص السنة خير شاهد على نمو المنهج، واكتمال آلياته:

"لا يختلف اثنان من أهل العلم في أن نقل السنة خلال القرن الأول والثاني والثالث، كان كافيا للحفاظ على السنة الحفاظ الكامل، بعدم تفلت شيء منها عن الأمة، وعدم تسلل ما ليس منها إليها، وهذا أمر بدهي عند من يعتقد أن السنة قد بلغتنا كاملة؛ لأن اعتقاد وقوع خلل في منهج نقل السنة خلال القرن الأول مثلا، سيؤدي إلى ألا يجد القرن الثاني إلا ذلك الإرث المختل؛ إذ لا سبيل له في النقل إلا ما يؤديه إليه الناقلون.

 

وكذلك لا يختلف اثنان من أهل العلم على أن منهج نقد السنة خلال القرن الأول والثاني والثالث كان كافيا لمعرفة صحيح السنة وثابتها، وتمييزه لصحيحها عن سقيمها وغير الثابت منها؛ لأن اعتقاد وقوع خلل في منهج النقد في القرن الأول مثلا، يعني أن الأمة في ذلك القرن قد ضلت دين ربها، فنسبت إلى وحي السنة ما ليس منه، أو ردت هداية من هدايات ربها"[6].

 

وعلم النقد الحديثي "هو علم يبحث في تمييز الأحاديث الصحيحة من الضعيفة، وبيان عللها، والحكم على رواتها، جرحا وتعديلا، بألفاظ مخصوصة، ذات دلائل معلومة عند أهل الفن"[7].

 

وتعود الجذور التاريخية لنشأة علم النقد إلى عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ ثبت أنه أبدى رأيه في بعض من عايشه من المسلمين، فقال في حق بعضهم: «ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا»[8].

 

وقوله في أحدهم: «بئس أخو العشيرة»[9].

 

"ومن الواضح أن النقد آنذاك كان على نطاق ضيق؛ إذ لم تكن الحاجة إليه ماسة، وخاصة في حياته - صلى الله عليه وسلم - وخلافة أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - لوجود المشرع بين ظهراني الصحابة من جهة، ولحرص الصحابة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على حفظ السنة، وكبير درايتهم بها، وعدم وجود من يتهم في دينه آنذاك، وتنزه الصحابة عن الكذب ودواعيه من جهة أخرى"[10].

 

"فالمنهج النقدي إنما نشأ بسبب وجود روايات أصابتها آفة الأخبار (الخطأ والكذب)، وحصول هذا للأخبار إنما وقع بسبب عدم التدوين، فكان ذلك المنهج النقدي قادرا على تمييز الصواب من غيره، خلال أزمنة الرواية الشفهية غير المدونة"[11].

 

فلو أننا تقصينا عوامل ظهور النقد الحديثي مع مراعاة المرحلة الزمنية التي مر بها؛ لوجدنا العوامل متعددة، "ففي مراحله الأولى - وهي الفترة التي سبقت ظهور الفتن والبدع - نجد أن هناك عاملا واحدا، هو ما جبل عليه الإنسان من الوهم والنسيان، والغفلة والخطأ، والناس يتفاوتون في ذلك بحسب ما منحهم الله من نعمة الحفظ، واليقظة، والانتباه، والتذكر، كما تعتري الإنسان حالات من التغير؛ من النشاط والضعف، والذهول وكبر السن، وما يصاحب ذلك من النسيان...

 

وفي المراحل التالية يقف إلى جانب العامل الأول عامل آخر، كان وراء حركة النقد في هذه المرحلة؛ وهو الكذب. وهو عامل تقف وراءه مآرب شتى، وأغراض مختلفة، ومقاصد متعددة أدت إلى ظهوره، وأهمها التعصب بأنواعه، وحب الانتصار لمذهب، أو بدعة، أو الحنق على الإسلام، ومن هؤلاء: الزنادقة، أو من كان يتكسب بذلك؛ كالقصاص والمتملقين للأمراء، أو ممن كانوا يحسبون أنهم يحسنون صنعا من الزهاد والصالحين"[12].

 

"وما دام احتمال إصابة الأخبار بآفتيها (الخطأ والكذب) سيزداد بامتداد الزمن، فلابد أن علماء الأمة تزداد عنايتهم في إيجاد الوسائل التي تخلص الأخبار من هاتين الآفتين، وهذا هو تطور الميزان النقدي.

 

ولما كان سبب حصول هاتين الآفتين هو الرواية الشفهية غير المدونة، فقد سارع العلماء إلى التدوين، الذي لم يزل يتطور، مواكبا حاجة السنة للحفظ وللحماية من الكذب أو الخطأ"[13].

 

ومن المفيد في هذا المقام أن نشير إلى أن كلام النقاد في الحديث ورواته إنما كان من باب صيانة السنة، وإبعاد يد العابثين عنها، باعتبار ذلك مهمة دينية، بمعنى أن النقد كان وسيلة لا غاية، وقد امتاز مسلك النقاد في هذا بالموضوعية التامة، والعمق في البحث، وكان من أبرز سمات هذا المنهج النقدي:

 

  1. الأمانة العلمية، والنزاهة في إصدار الأحكام على الرواة.

 

  1. الدقة العلمية في تتبع الرواة، وفحص مروياتهم قبل إصدار الأحكام؛ إذ يلاحظ أن هذه الأحكام تمتاز بدقة الوصف للرواة.

 

مما يؤكد صراحة مدى الجهد الذي بذله النقاد في سبيل الوصول إلى هذا الحد من العلم والمعرفة بالرواة والأخبار[14].

 

وحتى لا نكون بعيدين عن الموضوعية في عرض ملامح هذا المنهج كان لزاما علينا أن نعرض الجهود التطبيقية للصحابة ومن بعدهم في رواية وتوثيق ونقد السنة؛ لنثبت لمن شكك في هذا الأمر أن جمع الأحاديث النبوية قام على منهج علمي دقيق من لدن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نهاية القرن الثالث الهجري، حيث استقرت قواعد المنهج النقدي مع استقرار حركة تدوين السنة النبوية.

 

وقد "ثبت بالاستقراء والتتبع أن الصحابة كانوا يفحصون الأحاديث وينقدونها، تارة باعتبار النظر إلى حال الراوي؛ لاحتمال غلطه، ووهمه، وغفلته، وتارة أخرى باعتبار أن المروي يخالف بعض القواعد المعلومة من الدين"[15].

 

وقد حرص الصحابة - رضي الله عنهم - على الأخذ بكل الوسائل التي تحقق لهم أخذ سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذا صحيحا، وأداءها أداء سليما، فقد سمعوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول لهم: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار»[16].

 

  • طرقالصحابة - رضياللهعنهم - فيالتأكدمنصحةالحديثسندا:

 

إن القول بأن تأخر تدوين السنة أدى إلى عدم توثيقها من قبل الصحابة سندا ومتنا قول عار عن الصحة؛ فلقد اتبع الصحابة - رضي الله عنهم - منهجا فريدا، وأسلوبا رشيدا في توثيق سند الحديث[17]. وتمثل هذا المنهج في مجموعة من الوسائل والطرق، من أهمها:

 

1)     المقارنة والمعارضة:

 

لقد استخدم الصحابة - رضي الله عنهم - مبدأ المعارضة والمقارنة في توثيق الروايات والتثبت منها، وجاء ذلك عند كثير منهم، نذكر منهم على سبيل المثال: عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله - رضي الله عنهما، فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن المسور بن مخرمة قال: «استشار عمر بن الخطاب الناس في ملاص المرأة[18]، فقال المغيرة بن شعبة: شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى فيه بغرة: عبد أو أمة، قال: فقال عمر: ائتني بمن يشهد معك. قال: فشهد له محمد بن مسلمة» [19].

 

أما عبد الله بن عمر - رضي الله عنهم - فقد توقف في قبول حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - تطبيقا لمبدأ المعارضة، وتوثيقا للسنة، وليس تكذيبا للصحابي، فقد البخاري ومسلم في صحيحه من حديث نافع قال: «قيل لابن عمر: إن أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من تبع جنازة فله قيراط من الأجر، فقال ابن عمر: أكثر علينا أبو هريرة، فبعث إلى عائشة فسألها فصدقت أبا هريرة، فقال ابن عمر: لقد فرطنا في قراريط كثيرة» [20].

 

وغير هؤلاء كثير من الصحابة - رضي الله عنهم - استخدموا وسيلة المقارنة، والمعارضة للإسناد، وصولا لصحته [21].

 

2)     الحرص على سماع الأحاديث:

 

حرص الصحابة - رضي الله عنهم - على حضور مجالس النبي - صلى الله عليه وسلم - ليسمعوا منه ما قال، وليرووا عنه، وليتثبتوا على الجديد من قوله - صلى الله عليه وسلم - وقد بلغ من حرصهم الشديد أنه إذا شغلهم عن حضور مجلسه - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأوقات شاغل؛ كالتجارة وأعباء المعاش، وكان من ذلك أن تعسروا في الحضور يوميا إلى النبي صلى الله عليه وسلم - لجأوا إلى نظام المناوبة، فيبلغ الشاهد منهم الغائب، ويؤكد ذلك على ما كان يفعله عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إذ قال: «كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد - وهي من عوالي المدينة - وكنا نتناوب النزول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينزل يوما وأنزل يوما، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك...»[22].

 

"وبلغ حرصهم على سماع الأحاديث من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن بعضهم كان يلزمه - صلى الله عليه وسلم - بأن يأكل ويشرب معه، فيسمع منه كل ما يحدث به، فلا يفوته من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء، ومن هؤلاء أبو هريرة - رضي الله عنه - فقد قال: «إن إخواننا المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون»[23]... وقد سار معظم علماء الحديث والفقه بعد ذلك على هذا الأساس الذي أرساه الصحابة - رضي الله عنهم - توثيقا لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لذا اعتبروا الأحاديث التي تؤخذ سماعا أصح من غيرها؛ لأن الأحاديث المكتوبة قد يؤدي الخطأ في قراءتها إلى تحريفها"[24].

 

3)     طلب إعادة الحديث مع الفاصل الزمني:

 

وكذلك من الوسائل التي استخدمها الصحابة - رضي الله عنهم - لتوثيق الإسناد: طلب إعادة الحديث مع وجود فاصل زمني؛ وذلك وصولا لصحة الإسناد، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن عروة قال: «حج علينا عبد الله بن عمرو فسمعته يقول: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعا، ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم، فيبقى ناس جهال يستفتون فيفتون برأيهم، فيضلون ويضلون، فحدثت به عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم إن عبد الله بن عمرو حج بعد، فقالت: يا ابن أختي، انطلق إلى عبد الله فاستثبت لي منه الذي حدثتني عنه، فجئته فسألته، فحدثني به كنحو ما حدثني، فأتيت عائشة فأخبرتها، فعجبت، فقالت: والله، لقد حفظ عبد الله بن عمرو» [25].

 

وهكذا فقد استخدمت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - وسيلة مهمة وعظيمة لتوثيق الإسناد، ألا وهي طلب إعادة الحديث من راويه، عبد الله بن عمرو بعد فاصل زمني[26].

 

4)     المواجهة:

 

كما استخدم الصحابة - رضي الله عنهم - لتوثيق الإسناد وسيلة المواجهة، وهي لا تقل أهمية عن غيرها من الوسائل الأخرى.

 

فقد أخرج مسلم في صحيحه عن نافع، أن ابن عمر - رضي الله عنه - قال له رجل من بني ليث: «إن أبا سعيد الخدري يأثر هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذهب عبد الله ونافع معه - وفي حديث ابن رمح: قال نافع: فذهب عبد الله وأنا معه والليثي - حتى دخل على أبي سعيد الخدري فقال: إن هذا أخبرني أنك تخبر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الورق بالورق إلا مثلا بمثل، وعن بيع الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، فأشار أبو سعيد بإصبعيه إلى عينيه وأذنيه فقال: أبصرت عيناي وسمعت أذناي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا تبيعوا الورق بالورق، إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا[27] بعضه على بعض، ولا تبيعوا شيئا غائبا منه بناجز، إلا يدا بيد» [28].

 

وبذلك وثق ابن عمر الرواية بالمواجهة حتى يتأكد من صحة الإسناد[29].

 

5)     التشدد مع رواة الأحاديث:

 

كما كان الصحابة - رضي الله عنهم - يتشددون مع من يروي لهم أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي لم يسمعوها، ويتضح ذلك من قول البراء بن عازب رضي الله عنه: "ما كل الحديث سمعناه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يحدثنا أصحابنا، وكنا مشتغلين في رعاية الإبل، وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا يطلبون ما يفوتهم سماعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيسمعونه من أقرانهم، وممن هو أحفظ منهم، وكانوا يشددون على من يسمعون منه" [30].

 

ومن مظاهر التشدد:

 

أن بعض الصحابة كان يستحلف راوي الحديث غير مبال بمنزلة هذا الراوي في الإسلام، أو مكانته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد استحلف بعضهم علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عندما روى حديثا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام إليه عبيدة السلماني فقال: "يا أمير المؤمنين، الله لا إله إلا هو، لقد سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أي والله الذي لا إله إلا هو. حتى استحلفه ثلاثا. قال النووي: إنما استحلفه ليؤكد الأمر عند السامعين... فمن هذا أراد عبيدة بن عمرو التثبت في هذه القصة بخصوصها وأن فيها نقلا منصوصا مرفوعا"[31].

 

وكان علي يفعل ذلك أيضا، فقد قال رضي الله عنه: «إني كنت رجلا إذا سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثا نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني به، وإذا حدثني رجل من أصحابه استحلفته، فإذا حلف صدقته، وإنه حدثني أبو بكر، وصدق أبو بكر، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ما من رجل يذنب ذنبا، ثم يقوم فيتطهر، ثم يصلي، ثم يستغفر الله إلا غفر الله له، ثم قرأ هذه الآية: )والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم( (آل عمران: ١٣٥)» [32].

 

ولم يكن هذا مذهب علي بن أبي طالب وحده، وإنما كان كثير من الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم - يلتزمونه ويسيرون عليه.

 

ومن ذلك أيضا أن بعض الصحابة حرص على ألا يأخذ حديثا منقطعا لم يسمعه راويه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يبين له سلسلة الرواة الذين يصلون الحديث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمعنى أن كل واحد منهم كان يهتم بمتابعة سلسلة السند التي توصل الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

ومن ذلك ما رواه البخاري، قال: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني السائب بن يزيد ابن أخت نمر أن حويطب بن عبد العزى أخبره «أن عبد الله بن السعدي أخبره أنه قدم على عمر في خلافته فقال له عمر: ألم أحدث أنك تلي من أعمال الناس أعمالا، فإذا أعطيت العمالة كرهتها؟ فقلت: بلى، فقال عمر: ما تريد إلى ذلك؟ قلت: إن لي أفراسا وأعبدا وأنا بخير، وأريد أن تكون عمالتي صدقة على المسلمين. قال عمر: لا تفعل، فإني كنت أردت الذي أردت، فكان يعطيني العطاء فأقول: أعطه أفقر إليه مني، حتى أعطاني مرة مالا فقلت: أعطه أفقر إليه مني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خذه فتموله أو تصدق به، وما جاءك من هذا المال - وأنت غير مشرف ولا سائل - فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك»[33].

 

فهذا الحديث فيه أربعة من الصحابة يروي كل منهم عنه الآخر، وهم: السائب ابن يزيد، عن حويطب بن العزى، عن عبد الله بن السعدي، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ورواه عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا طبيعي؛ لأنه يحكي واقعة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم.

 

فكل واحد من هؤلاء الصحابة لم يكتف بذكر ما سمعه منه، بأن يرفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما بين كل منهم كيف وصل الحديث إليه.

 

يقول الإمام النووي في شرح هذا الحديث: "وقد جاءت جملة من الأحاديث فيها أربعة صحابيون يروي بعضهم عن بعض، وأربعة تابعيون يروي بعضهم عن بعض"[34].

 

ويتبين من هذا الحرص في أداء أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتشدد في أدائها أن الصحابة - رضي الله عنهم - قد أدوها نقية خالية من الخطأ والتحريف [35].

 

بيد أن هذا التشدد وذلك التمحيص من الصحابة - رضي الله عنهم - ليس معناه أن الصحابة كانوا يكذبون على النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أن أحدهم كان يتهم أخاه بالكذب أو الافتراء، كما يدعي المدعون. وإنما جاء هذا من قبيل التحري، وزيادة في الاستيثاق، فقد حرصوا على الأخذ بكل الوسائل التي تحقق لهم أخذ سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذا صحيحا.

 

وبناء على ما سبق فقد اتضح لكل ذي بصيرة أن الصحابة أدركوا أهمية الإسناد للحديث النبوي؛ لأنه مثل النسب للإنسان، فكان من الضروري الاهتمام به.

 

6)     إسناد الحديث:

 

كانت هذه الوسيلة من أفضل الوسائل وأكثرها نجاحا عند الصحابة في الكشف عن الحديث وتوثيقه.

 

وبهذا يتبين أن الصحابة - رضي الله عنهم - لم يهملوا الحديث، وإنما اهتموا به اهتماما جعلهم يضعون بذور الإسناد في الحديث، والتي أصبحت - فيما بعد - وسيلة الكشف عن الرواة؛ لاختبار عدالتهم وضبطهم، مع أن معظمهم - في ذلك الوقت - عدول ضابطون[36].

 

وقد قدم السيوطي أمثلة لبعض الصحابة يروي بعضهم عن بعض، وبعض الصحابيات روى بعضهن الأحاديث عن بعض.

 

ومما يدل على اهتمام الصحابة - رضي الله عنهم - بالإسناد أن بعضهم سمع الحديث من تابعي رواه عن صحابي آخر، فرواه عن التابعي عن الصحابي الذي سمعه من

رسول الله صلى الله عليه وسلم[37].

 

  • طرقالتأكدمنصحةالحديثمتنا:

 

وإلى جانب اتخاذ هذه الوسائل لتوثيق السنة - وكلها تتعلق بعملية رواية الحديث - كانت هناك وسائل أخرى لتوثيقه إلى جانب ذلك، وتتعلق بمتن الحديث من حيث النظر فيه مرتبطا بعرضه على النصوص والمبادئ الإسلامية، ومدى ملاءمته أو معارضته لها.

 

ومن هذه الوسائل:

 

1)    عرض الحديث على القرآن الكريم:

 

لقد أنكر بعض الصحابة - رضي الله عنهم - بعض الأخبار؛ لأنها - في رأيهم –تخالفكتاباللهعزوجل.

 

ومن ذلك ما ذكر أن السيدة عائشة - رضي الله عنها - أنكرت فهم قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه» [38] على أنه عام، وأن التعذيب بسبب بكاء الأهل على الميت، وردت على الحديث قائلة: «إنما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على يهودية يبكي عليها أهلها، فقال: إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها»[39]؛ يعني تعذب بكفرها في حال بكاء أهلها لا بسبب البكاء، واحتجت بقوله تعالى: )ولا تزر وازرة وزر أخرى( (فاطر: ١٨)، وكان حكمها مؤسسا على أن معنى الحديث بهذه الرواية يخالف آية من القرآن الكريم[40].

 

2)    عرض السنة على السنة:

 

 ومن هذه الطريقة حديث "المرأة لا تقطع الصلاة": وهذا الحديث رواه مسلم بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب، ويبقى ذلك مثل مؤخرة الرحل»[41].

 

وعن ابن عباس قال: "أقبلت راكبا على حمار أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت وأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي أحد"[42]. ووجد في المرأة حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: «لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم فيصلي من الليل، وإني لمعترضة بينه وبين القبلة على فراش أهله»[43]، وفي رواية مسلم قالت: «فقد شبهتمونا بالحمير والكلاب، والله، لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وأنا على السرير»[44].

 

وهكذا وجدنا دقة الصحابة في مقياس عرض السنة على السنة واختيار ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آخر حياته.

 

3)    عرض السنة على القياس وعلى الأصول الإسلامية:

 

روى ابن حبان في صحيحه عن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة أخبرت أن أبا سعيد الخدري قال:«نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تسافر المرأة إلا ومعها ذو محرم. قالت عمرة: فالتفتت عائشة - رضي الله عنها - إلى بعض النساء، فقالت: ما كلهن ذوات محرم» [45].

 

وبهذا يتبين أن الصحابة - رضي الله عنهم - سلكوا كل الطرق ليتوصلوا إلى صحة الحديث، وليتأكدوا أنه صدر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواء بعرضه على القرآن أو السنة أو القياس الصحيح.

 

وأنهم قد اعتنوا عناية كبيرة بالحديث النبوي، وأنه قد كان من آثار ذلك الاهتمام وضع البذور لأسس توثيق الحديث؛ فقد حرصوا على سماع الحديث من النبي - صلى الله عليه وسلم - وقاموا بحفظ الأحاديث والتثبت في روايتها، كما أنهم نقبوا عن الرواة، وحرصوا على بيان الإسناد، وأيضا عرض بعضهم الحديث على النصوص الثابتة، ووضع بعضهم ضوابط الرواية في هذا التدوين[46].

 

وهكذا قام الصحابة بدور بالغ الأهمية في مجال النقد للمرويات بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - فالذهبي يقول عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: "وكان أول من احتاط في قبول الأخبار"[47]، وقال أيضا عنه: "وإليه المنتهى في التحري، وفي القول، وفي القبول"[48].

 

وقال في ترجمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "وهو الذي سن للمحدثين التثبت في النقل"[49].

 

ثم جاء دور التابعين ليشاركوا في هذا الميدان الفسيح، فبرع الكثيرون فيه، قال ابن حبان: " ثم أخذ مسلكهم - أي مسلك الصحابة - واستن بسنتهم، واهتدى بهديهم فيما استنوا من التيقظ في الروايات جماعة من أهل المدينة، من سادات التابعين، منهم: سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وسالم بن عبدالله بن عمر، إلى أن قال: فجدوا في حفظ السنن والرحلة فيها، والتفتيش عنها والتفقه فيها، ولزموا الدين ودعوة المسلمين"[50].

 

فما أن تولى عصر الصحابة وبدأ عصر التابعين، حتى ظهر النقد أكثر وضوحا، تبعا لازدياد الحاجة، وخاصة بعد ظهور الفتن، وفشو الكذب والوضع في الحديث، وهو الأمر الذي دفع النقلة إلى المزيد من البحث عن الأسانيد، التي اعتبرت وقتذاك من الدين، إذ لولاها لقال من شاء ما شاء.

 

قال محمد بن سيرين (ت110هـ): «لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم»[51].

 

"وبات في عرفهم أن هذه الأحاديث دين ينبغي التثبت فيها، فرحلوا في سبيل ذلك، وطافوا يقارنون بين المرويات، ويعرضون بعضها على بعض، إلى أن تيسر لهم الوقوف على أكثر هذه الأحاديث قبولا وردا.

 

وهكذا تتابع النقاد على نقد الحديث سندا ومتنا، ولم يعد ميدان النقد حكرا على النقاد في مكة والمدينة، بل انتشر هذا المنهج في سائر البلدان الإسلامية، كالكوفة والبصرة وواسط وبغداد في العراق، ودمشق وبيت المقدس وقيسارية في الشام، وبخارى وهراة وسمرقند ونيسابور في بلاد فارس، وغيرها من حواضر العالم الإسلامي آنذاك، وبرع في كل من هذه البلدان نقاد عظام في مختلف الأزمان والعصور، ولم يزل هؤلاء النقاد في ازدياد وخاصة في مجال نقد الرواة، تبعا لكثرة الرواة، وشيوع الضعف، وانتشار الأهواء في الأجيال اللاحقة.

 

وما أن أطل القرن الثالث الهجري، حتى ظهر فن النقد بصورته المميزة، ودونت فيه المصنفات، ولم يزل المسلمون يتناقلون هذا العلم جيلا بعد جيل إلى يومنا هذا، وفي كل جيل نقاده" [52].

 

"وأخيرا: هل يمكن أن يوجد منهج للنقد أفضل من ذلك المنهج الذي استطاع تصفية السنة في أخطر مراحل وجودها؟!

 

هل يمكن لأحد أن يدعي منهجا مخالفا لذلك المنهج، يكفل لنا به ما كفله لنا ذلك المنهج؟!

 

لا شك أن المنهج الذي استطاع أن يواجه تلك الأخطار، وأن يدفعها كلها، هو أفضل المناهج على الإطلاق، وأن من أراد أن يستبدل به منهجا آخر أقل ما يقال له: )أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير( (البقرة: ٦١)؟

 

وهنا يأتي السؤال الأهم: فمن أراد أن يتعرف على منهج نقد السنة، عمن يأخذه؟ من هم أهل ذلك المنهج، الذين إن أردنا أن ندرس منهج نقد السنة لزمنا ألا نتجاوزهم؟ ومن هم الذين يحتكم إليهم في تصويب المنهج أو تخطئته؟ ويمدح من سار على منهجهم، ويذم من خالفهم... إن منهج نقد السنة يجب أن يؤخذ عمن أسسه وبناه حتى اكتمل، وهؤلاء هم أهل ذلك المنهج، الذين يحتكم إليهم"[53].

 

كما يراعى "أن انتقال منهج النقد من طور إلى طور، لم يكن لنقص في الطور الأول، وإنما لتجدد أمور اقتضت الإضافة إليه.

 

فكل الذي كان يحصل خلال انتقال المنهج من طور إلى طور، هو أن الطور الثاني يضيف إلى الطور الأول ما يمكنه من مواجهة الأخطار المستحدثة فيه، فقواعد المنهج خلال الطور الأول لم تزل معمولا بها خلال الطور الثاني، وانضافت إليها قواعد جديدة"[54].

 

ومن هنا فقد جاءت أحكام المحدثين سليمة واضحة الحجة، نيرة المحجة، فقد أقام أهل الحديث بنيانها على الدراسة الشاملة لكل وجه من أوجه احتمال القوة أو الضعف، ووضعوا كل حال منها في موضعها الملائم.

 

ثم إن المحدثين لم يكتفوا بمجرد اختبار السند والمتن، بل قاموا بموازنة ضخمة بين الأحاديث سندا ومتنا، ولم يكتفوا بعرض الحديث على أشباهه من الروايات؛ بل عرضوه أيضا على كل الدلائل العقلية والشرعية، وهذا كله يثبت كيف أن بحثهم النقدي جاء شاملا لجوانب الحديث؛ مما يجعل كل مطلع متفهم منصف، يقطع بسلامة أحكامهم على الأحاديث، وبأن منهجهم هو السبيل الوحيد المتكامل للوصول إلى تمييز المقبول من المردود من المرويات[55].

 

ثالثا. معرفة الموضوع من الأحاديث أحد ثمرات منهج النقد الحديثي، فقد كشف عن أسباب الوضع، وكيفية معرفته وتمييزه:

إذا كانت الأحاديث الموضوعة عرفت طريقها إلى صرح السنة النبوية - كما يزعم بعض المشككين - فنقول لهم: إن تمييز الأحاديث الموضوعة عن غيرها، لهو منقبة في حق منهج النقد الحديثي، وأهله من النقاد.

 

فمن خلال جهودهم، والقواعد النقدية التي أرسوها، تـميز لنا بجلاء الغث من الثمين، والأصيل من الدخيل، والصحيح من الموضوع.

 

فإن كان الصفاء قد استمر، وظلت السنة النبوية نقية مطهرة إلى أواخر عهد الأربعة الخلفاء الراشدين، فقد قامت بعض الأهواء السياسية في نفوس بعض الناس عقب مقتل الخليفة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ولوحظ شيء من الاختلال في الضبط والنقل، فتحفظ الصحابة - رضي الله عنهم - عند ذلك بشدة التثبت والاستيثاق من الخبر، وسألوا عن الإسناد، حتى لا يدخل من هوة الأهواء على السنة دخيل أو حميل[56].

 

فقد روى الإمام مسلم في مقدمة صحيحه، عن التابعي الجليل محمد بن سيرين - رحمه الله - قال: «لم يكونوا يسألون عن الإسناد[57] فلما وقعت الفتنة، قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة، فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع، فلا يؤخذ حديثهم»[58].

 

فبدأ تاريخ السؤال عن الإسناد، والتمحيص عن القائل، وسلامته من المغامز من هذه الحقبة التي هي أواخر منتصف القرن الأول.

 

وقال ابن عباس: «إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول[59]، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف»[60].

 

فعلم مما تقدم أن نشوء الوضع كان متاخما للفتنة التي وقعت في العقد الأخير من القرن الأول الهجري، "وقد نجم عن هذه الفتنة وما اتصل بها: فتن واختلافات، وخصومات، ونزاعات، تمكنت الأهواء بسببها - في أصحاب الهوى - أن تأخذ طريقها إلى الدس والتوليد والتزيد والانتحال في الحديث، نصرا لفريق على فريق، أو نكاية وعداوة، أو إرواء لكيد مكبوت في بعض نفوس أعداء الإسلام والمسلمين"[61].

 

ولكن هيهات هيهات أن تؤتى السنة النبوية بمثل هذا وقد توعد الله بحفظها - على اعتبار أنها من الذكر - في قوله تعالى: )إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)( (الحجر)، فقد أقام الله لهذا الصرح أمنة، هم للسنة كالنجوم التي هي أمنة السماء، فغربلوا الأحاديث وأخرجوا منها النخالة التي دسها الوضاعون والمفسدون.

 

فقد حكى الذهبي - وغيره - عن ابن علية، وإسحاق بن إبراهيم قالا: "أخذ هارون الرشيد زنديقا فأمر بضرب عنقه، فقال له الزنديق: لم تضرب عنقي؟ قال: لأريح العباد منك. فقال: يا أمير المؤمنين، أين أنت من ألف حديث - وفي رواية من أربعة آلاف حديث - وضعتها فيكم، أحرم فيها الحلال، وأحل فيها الحرام، ما قال منها النبي حرفا؟!

 

فقال الرشيد: أين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وابن المبارك ينخلانها - نخلا - فيخرجانها حرفا حرفا"[62].

 

هكذا أقام الله لدينه حراسا في كل عصر، يتناوبون حراسته، ينفون عنه انتحال المبطلين، وزيغ الزائغين.

 

فقد روى ابن أبي حاتم في كتابه "الجرح والتعديل" عن عبدة بن سليمان قال: قيل لعبد الله بن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة؟! (يعني ماذا نفعل بها) قال: يعيش لها الجهابذة )إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)(.

 

وروي أيضا عن يحيى بن يمان قال: إن لهذا الحديث رجالا خلقهم الله منذ خلق السموات والأرض، وإن وكيعا منهم[63].

 

وقد أحصى العلماء قديما وحديثا أسباب الوضع للحديث، وكتبوا في ذلك ما يفي بالغاية، بل قد اتسعت المباحث في ذلك، حتى دونت في الحديث الموضوع وأسباب الوضع رسائل خاصة للدراسات العليا حديثا، لذلك يصح أن يقال: لم يدع الكاتبون زيادة لمستزيد فيه، ويمكن أن يستخلص مما كتبه العلماء أن أهم أسباب الوضع ما يلي[64]:

 

1)    الخلافات السياسية:

 

إنه من الثابت تاريخيا أن الوضع في الحديث نشأ مع ظهور الفتنة، ومقتل الخليفة عثمان - رضي الله عنه - ثم الخلاف بين الإمام علي ومعاوية - رضي الله عنهما، حيث ظهرت فرقة الشيعة، ثم ظهر الخوارج بعد وقعة "صفين".

 

وقد كان لظهور هذه الفرق والأحزاب أثره البالغ في اتساع حركة الوضع.

 

فمن جانب، أكثر الشيعة في وضع الحديث في فضائل سيدنا علي - رضي الله عنه - وذم سيدنا معاوية وعمرو بن العاص - رضي الله عنهما، وقد قابلهم المتعصبون لمعاوية والأمويين فوضعوا أحاديث في فضائلهم، كما قابلهم المتعصبون للعباسيين فوضعوا الأحاديث في مناقبهم، وهكذا تفاقم الوضع وكثر الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان دافعه التعصب المذهبي، والخلاف السياسي بين هذه الفرق جميعا[65].

 

2)    الطعن في الإسلام:

 

لم يجد الملوك والحكام - ممن أذهب الإسلام بظهوره سلطانهم - أملا في استعادة ملكهم السالف إلا بالطعن في هذا الدين والكيد له، وكان التقول في السنة هو أوسع الأبواب التي دخل منها هؤلاء، فصالوا وجالوا متسترين بالتشيع أحيانا، وبالفلسفة والحكمة أحيانا، وكل هدفهم تقويض هذا الدين وهدم بنيانه الشامخ.

 

وقد عرف هؤلاء الحاقدون على الإسلام وأهله بالزنادقة، وهم الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، أو الذين لا يدينون بدين يفعلون ذلك استخفافا بالدين يتقون به الناس، وقد اعترف هؤلاء - بالفعل - بقيامهم بوضع الحديث.

 

إلا أن المسلمين - أمراء وعلماء - تصدوا لإفساد هؤلاء، فأعمل الأولون السيف في رقابهم عقابا لهم وزجرا للمجترئين على حمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأعمل الآخرون علمهم في بيان زيف ما اجترأ هؤلاء، فحددوه، وجمعوه، ونبهوا على فساده وبطلانه[66].

 

3)    التعصب للجنس واللغة والبلد والإمام:

 

لقد دفع التعصب الجهلة، والمغفلين، والحاقدين إلى الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إرضاء لعصبيتهم، كما خاض غمار الوضع المتعصبون لإمام من الأئمة، كما فعل المتعصبون لأبي حنيفة، فقد وضعوا أحاديث تنسب إليه من الفضائل والمدح، كما وضعوا أحاديث تنتقص من قدر غيره.

 

وهكذا يقال في الأحاديث الموضوعة في فضائل بعض البلدان والقبائل والأزمنة، وقد بينها العلماء وميزوها من الأحاديث الصحيحة في هذا المجال[67].

 

4)    القصاص والوعاظ:

 

لقد ظهرت حلقات القصاص والوعاظ في أواخر عهد الخلافة الراشدة، وكثرت - فيما بعد - في مختلف مساجد الأقطار الإسلامية، وكان بعض القصاص لا يهمه إلا أن يجتمع الناس عليه، فيضع لهم ما يرضيهم من الأحاديث التي تستثير نفوسهم وتحرك عواطفهم، وقد كان معظم البلاء من هذا الصنف الذي يكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يرى في ذلك إثما ولا بهتانا؛ فقد وجدوا في جهلة العامة آذانا تسمع لهم، وتصدقهم، وتدافع عنهم، وكان هؤلاء من جهلة العامة الذين لا يهمهم البحث والتقصي[68]. كما وجد العلماء في محاربة هؤلاء القصاص والوعاظ عنتا كبيرا وأذى كثيرا، ورغم هذا العنت وهذه الشدة التي لقيها العلماء من هؤلاء الوضاعين من القصاص، فإنهم تصدوا بكل حزم وقوة لأكاذيبهم فزيفوها، وبينوا عوارها، ونبهوا عليها.

 

5)    التكسب والارتزاق:

 

من الأسباب التي دفعت بعض ضعاف النفوس إلى الكذب على الرسول - صلى الله عليه وسلم - واختلاق الحديث، رغبتهم في جمع الناس حولهم واسترضائهم ليجمعوا الأموال منهم، فكانوا شحاذين يستعطفون الناس بوضع الحديث، وقد بلغت الصفاقة وقلة الحياء ببعضهم حدا كبيرا [69].

 

6)    الرغبة في الخير مع الجهل بالدين:

 

على إثر ظهور الفرق السياسية والمذهبية، وكثرة الخلافات الطاحنة بينها، ظهر بعض الصالحين والزهاد والعباد الذين ساءهم أن يروا انشغال الناس بالدنيا عن الآخرة، فوضعوا أحاديث في الترغيب والترهيب حسبة لله في زعمهم.

 

"وهو صنيع كثير من الزهاد والصالحين، فقد كانوا يحتسبون وضعهم للأحاديث في الترغيب والترهيب؛ ظنا منهم أنهم يتقربون إلى الله ويخدمون دين الإسلام، ويحببون الناس في العبادات والطاعات... وقالوا: نحن نكذب له - صلى الله عليه وسلم - ولا نكذب عليه، وهذا كله من الجهل بالدين وغلبة الهوى والغفلة، ومن أمثلة ما وضعوه في هذا السبيل، أحاديث فضائل القرآن سورة سورة، فقد اعترف بوضعها نوح ابن أبي مريم، واعتذر لذلك بأنه رأى الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة، ومغازي ابن إسحاق"[70].

 

7)    الخلافات الفقهية والكلامية:

 

"وكما أيد أصحاب المذاهب السياسية آراءهم ومذاهبهم بوضع الأحاديث؛ فعل أتباع المذاهب الفقهية والكلامية نفس الشيء فقاموا بوضع الأحاديث تأييدا لمذاهبهم، ومن ذلك: «من رفع يديه في الصلاة فلا صلاة له»[71] [72].

 

8)    التقرب إلى الملوك والأمراء بما يوافق أهواءهم:

 

ما أكثر ضعاف النفوس الذين يستهويهم بريق السلطة، فيتقربون إلى الحكام بكل ما يستطيعون، غير مبالين بما يرتكبونه في سبيل ذلك من حرام أو مكروه.

 

"ومن أمثلة ذلك: ما فعله غياث بن إبراهيم، إذ دخل على المهدي، وهو يلعب بالحمام، فروى له الحديث المشهور: «لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر»[73]، وزاد فيه: "أو جناح" إرضاء للمهدي، فمنحه المهدي عشرة آلاف درهم، ثم قال بعد أن ولى: أشهد أن قفاك قفا كذاب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر بذبح الحمام"[74].

 

9)    أسباب أخرى:

 

هناك أسباب أخرى للوضع بينها رجال الحديث، وضربوا لها الأمثال، ومنها "الرغبة في الإتيان بغريب الحديث من متن وإسناد، والانتصار للفتيا، والانتقام من فئة معينة، والترويج لنوع معين من المأكل والطيب أو الثياب، وقد توسع العلماء في ذكرها وضربوا لها الأمثال"[75].

 

لقد كان من عواصم الحديث الصحيح وعدم تسرب الحديث الموضوع ما عرف بالإسناد، أي تتبع رواة الحديث واحدا عن واحد حتى يصل المتن إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. فحين ظهر الوضع في الحديث اجتهد الصحابة والتابعون من بعدهم في طلب الإسناد من الرواة، والتزموه في الحديث؛ حيث إن السند للخبر كالنسب للإنسان، ولم يكن الإسناد جديدا على الصحابة والتابعين، فقد عرفه العرب قبل الإسلام، فكانوا يسندون القصص والأشعار في الجاهلية، ومن مظاهر اهتمام الصحابة بالإسناد قول ابن عباس السابق: "فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف"[76].

 

وقال عبد الله بن المبارك: «الإسناد من الدين، ولولا الإسناد، لقال من شاء ما شاء»، وقال محمد بن عبد الله: «حدثنا العباس بن أبي رزمة، قال: سمعت عبد الله، يقول: بيننا وبين القوم القوائم؛ يعني الإسناد»[77].

 

وعن محمد بن سرين قال: «إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم»[78].

 

ولولا هؤلاء الرجال الذين صدقوا في الإخلاص لله، ونصبوا للدفاع عن دينهم، وتفرغوا للذب عن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأفنوا أعمارهم في التمييز بين الحديث الثابت وبين الحديث المكذوب، وهم أئمة السنة وأعلام الهدى الذين لولاهم لاختلط الأمر على العلماء والدهماء، ولسقطت الثقة بالأحاديث.

 

فقد رسموا قواعد النقد، ووضعوا علم "الجرح والتعديل"، فكان من عملهم علم "مصطلح الحديث"، وهو أدق الطرق التي ظهرت في العلم؛ للتحقيق التاريخي، ومعرفة النقل الصحيح من الباطل[79].

 

وقد وضع هؤلاء الأئمة قواعد دقيقة يعرف على أساسها الحديث الموضوع سواء من خلال السند أو من خلال المتن ومنها ما يلي:

 

1)    القواعد التي تعود إلى الراوي ومنها[80]:

 

  • اعترافهبالوضع،كمااعترفنوحبنأبيمريم،ومحمدبنسعيدالمصلوب.

 

  • مناقضةمايرويهالوضاعونلحقائقالتاريخ،ويعلمذلكبالتواريخأووفياتالرواة.

 

  • أنتدل قرينة الحال على كذبه فيما يرويه، فللموضوع ظلمة (قرينة) تدل على وضعه.

 

  • أنيكونالراويمنأهلالأهواءويرويمايوافقمذهبه،وهذاواضحمنحالالشيعةوالروافض.

 

2)    الأمارات التي تعود إلى المروي "المتن":

 

لم يكتف نقاد الحديث في سبيل تصفية حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبحث في أحوال الرواة، بل بحثوا في الحديث المروي، فإن رأوا فيه خللا؛ كمخالفته لصريح القرآن، أو صريح السنة الصحيحة، أو قواعد الشريعة ونحو ذلك، لم يقبلوه وحكموا بوضعه.

 

 

 

وفيما يلي نذكر أهم الأمارات التي يعرف بها وضع الحديث المروي[81]:

 

  • ركاكةالحديثفيلفظهأومعناهأوفيهما،فإذاوجدالنقادفيلفظالحديثأومعناهركاكةأنكروه.

 

  • أنيكونالحديثمخالفالصريحالعقل،بحيثلايقبلتأويلا.

 

  • مخالفةالحديثلصريحالكتابوالسنة.

 

  • مخالفتهللحقائقالبينةوالظاهرةأوللواقعالمحسوس.

 

  • القرائنالموجودةفيالحديثالدالةعلىبطلانه.

 

  • أنيكونالحديثباطلافينفسه.

 

  • أنيكونعلىنمطالخرافاتوالأساطير.

 

  • أنتتوافرالدواعيعلىنقله،ولاينقلهإلافردواحد.

 

ولقد ألف العلماء - من أهل الاختصاص - في علم الحديث مؤلفات كثيرة في الموضوع من الحديث، ولهم في التأليف في الموضوعات طريقتان:

 

  1. طريقة الذين ترجموا للوضاعين والكذابين والضعفاء، ومنهم: البخاري، والجوزجاني، وابن عدي، والنسائي، والعقيلي، والدارقطني، وغيرهم كثير، وهذه طريقة الأقدمين من المحدثين - في الأغلب - وهم إذ يترجمون لهؤلاء يذكرون في تراجمهم ما وضعوه من الأحاديث.

 

  1. طريقة الذين خصوا الأحاديث الموضوعة بالتأليف، كابن الجوزي، والسيوطي، وعلي القاري، وأمثالهم، وهؤلاء أوردوا الضعيف والموضوع في مؤلفاتهم، ومنهم من أفرد الموضوع بالتأليف، وبعضهم أفرد بابا واحدا بالتأليف، وهذه طريقة المتأخرين، ونلاحظ أن الذين ألفوا في الموضوع كان تأليفهم فيه أصيلا، وبعضهم كان تأليفهم معادا مكررا.

 

لقد كانت جهود السابقين من العلماء تسير كلها باتجاه إبقاء السنة النبوية كاملة خالية من النقص والزيادة، على النحو الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

وكذلك قام المعاصرون من العلماء بنشر هذه الجهود وتلك الإبداعات، وأحيوا ما كتبه السلف، وكان للحديث النبوي الشريف نصيب وافر، فقد نشرت كتب الحديث وكتب علومه، وكتب الرجال، والجرح والتعديل، وما يتعلق بالضعيف والموضوع وغيرها.

 

من هذا التفصيل السابق يتضح أن الصحابة - رضي الله عنهم - اهتموا بالحديث اهتماما كبيرا، واتخذوا الكثير من الإجراءات لحفظه، وتوثيقه، وتنقيته من أي دخيل عليه، وأن الوضع في الحديث نشأ لأسباب متعددة، لكن جهود علماء الحديث وأئمته قد حددته وحصرته في نطاق معين.

 

الخلاصة:

  • لقداهتمالصحابة - رضياللهعنهم - بأحاديثالنبي - صلىاللهعليهوسلم - اهتماماكبيرا؛وذلكلأنهماستنبطوامنالقرآنالكريمالدلالةعلىطاعةاللهورسوله - صلىاللهعليهوسلم - وحفظسنةالرسول؛لأنهاوحيمن الله تبارك وتعالى، كما حثهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - على سماع الحديث وروايته.

 

  • ماكانلأصحابالنبي - صلىاللهعليهوسلم - أنيقابلواأحاديثهبالنقدوالمراجعة؛لعلمهمأنذلكينافيالانقيادوالتسليملماجاءبهمنقبلالسماء.

 

  • لقداتخذالصحابة العديد من الوسائل لحفظ وتوثيق السنة النبوية، ومن هذه الوسائل:

 

o                  الحرص على سماع الأحاديث، والتثبت من ذلك.

 

o                  حفظ الأحاديث، وأداءها أداء سليما.

 

o                  تمحيص الرواية بالأخذ من الضابطين منهم دون غيرهم، إلى جانب التشدد في قبول الرواية، ومن مظاهر هذا التشدد أن بعض الصحابة كان يستحلف راوي الحديث، غير مبال بمنزلته في الإسلام، وقد استحلف بعضهم عليا - رضي الله عنه - وهو أمير المؤمنين.

 

o                  إسناد الحديث إلى راويه، وكانت هذه الوسيلة من أفضل الوسائل عند الصحابة في الكشف عن الحديث وتوثيقه.

 

  • لقداتخذالصحابةوسائلمتعددةلتوثيقالأحاديث،منحيثالمتنبالنظرفيهمرتبطاذلكبعرضهعلىالنصوصوالمبادئالإسلامية،ومنهذهالوسائلعرض الحديث على القرآن الكريم، وعرض الحديث على الحديث، وعرض الحديث على القياس الحديثي الصحيح.

 

  • لقدقامبعضالصحابة - رضياللهعنهم - بتدوينالسنة،وقدوضعوامجموعةمنالضوابطللروايةفيهذاالتدوين.

 

  • إنالحديثالموضوع: هومانسبإلىالرسول - صلى الله عليه وسلم - اختلاقا وكذبا بما لم يقله أو يفعله أو يقره، أو هو الحديث المختلق الموضوع.

 

  • إنللوضعفيالحديثأسبابمتعددةمنها:

 

o     الخلافات السياسية بين المسلمين وظهور الفرق الإسلامية.

 

o     الحقد على الإسلام والكيد له بالتقول في السنة النبوية.

 

o     التعصب للجنس واللغة والبلد والإمام.

 

o     صنيع القصاصين والوعاظ، ممن قدموا الهوى على الإيمان والتقوى.

 

o     التكسب والارتزاق من بعض ضعاف النفوس.

 

o     رغبة بعض الناس في الخير مع الجهل بالدين.

 

o     الخلافات الفقهية والكلامية.

 

o     التقرب إلى الملوك والأمراء بما يوافق أهواءهم.

 

o     أسباب أخرى، كالرغبة في الإتيان بغريب الحديث من متن وإسناد، والانتصار للفتيا، والانتقام من فئة معينة، والترويج لبعض السلع، من المأكل، أو الطيب، أو الثياب.

 

  • قامعددمنالأئمةوالعلماءببذلالجهود للتمييز بين الحديث الثابت وبين الحديث المكذوب، فقد رسموا قواعد النقد، ووضعوا علم الجرح والتعديل، وهو أدق الطرق التي ظهرت في العلم للتحقيق التاريخي، ومعرفة النقل الصحيح من الباطل.

 

  • لقدقامالعلماءبتقعيدالقواعدلمعرفةالحديثالموضوع،فمنحيثالراوي يعرف الحديث بالوضع لأسباب منها:

 

o     اعترافه بالوضع.

 

o     مناقضة ما يرويه الوضاعون لحقائق التاريخ.

 

o     أن تدل قرينة الحال على كذبه فيما يرويه.

 

o     أن يكون الراوي من أهل الأهواء، ويروي ما يوافق مذهبه.

 

  • وقدأرسىالعلماءمجموعةمنالأمارات التي تعود إلى المروي (المتن) وأهمها:

 

o     ركاكة الحديث في لفظه أو معناه أو فيهما.

 

o     أن يكون الحديث مخالفا لصريح العقل.

 

o     مخالفة الحديث لصريح الكتاب والسنة.

 

o     مخالفته للحقائق البينة والظاهرة، أو للواقع المحسوس.

 

o     القرائن الموجودة في الحديث الدالة على بطلانه.

 

o     أن يكون الحديث باطلا في نفسه.

 

o     أن يكون على نمط الخرافات والأساطير.

 

o     أن تتوافر الدواعي على نقله، ولا ينقله إلا فرد واحد.

 

  • إنأهممااتخذهالعلماءفيمواجهةالوضعفيالحديثهوالإسناد؛ لأنه عندما كثر الوضع وشاع الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - عمدوا إلى الإسناد وجعلوه من الدين، فذكروا الوضاعين وبينوا أحاديثهم للأمة.

 

  • للأئمةوالعلماءالعديدمنالمؤلفاتفيالموضوعمنالحديث،وقدجاءتمؤلفاتهمعلىطريقتين:

 

o     طريقة من ترجموا للوضاعين والكذابين والضعفاء، وذكر ما وضعوه من الحديث في تراجمهم، وهذه طريقة المتقدمين؛ كالبخاري، والنسائي، وغيرهما.

 

o     طريقة الذين خصوا الأحاديث الموضوعة بالتأليف، وهذه طريقة المتأخرين؛ كابن الجوزي، والسيوطي، وغيرهما.

 

  • لقدكانالهدفمنجهود علماء السنة - قديما وحديثا - هو إبقاء السنة كاملة خالية من النقص والزيادة على النحو الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

  • لقدكشفلناالعلماء - منخلالمنهجهمفيجمعالسنة - أنهميسيرونعلىقواعدصارمةفيقبولالرواية،هذهالقواعدلاتسمحلدخول ما ليس من السنة فيها، وهو ما اشتهر عند المتأخرين بمنهج النقد الحديثي.

 

 

 

(*) دفع الشبهات عن السنة النبوية، د. عبد المهدي عبد القادر، مكتبة الإيمان، مصر، ط1، 1421هـ/ 2001م. توثيق السنة في القرن الثاني الهجري، د. رفعت فوزي، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط1، 1400هـ/ 1981م.

 

[1]. انظر: عقيدة أهل السنة والجماعة، د. أحمد فريد، مكتبة فياض، مصر، 2005م، ص89: 91.

 

[2]. مدارج السالكين، ابن قيم الجوزية، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1408هـ/ 1988م، (2/ 152: 154).

 

[3]. مدارج السالكين، ابن قيم الجوزية، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1408هـ/ 1988م، (2/ 156، 157).

 

[4]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: فرض الخمس، باب: ما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه، (6/ 289)، رقم (3150). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الزكاة، باب: إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام، (4/ 1691)، رقم (2408).

 

[5]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الشروط، باب: الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، (5/ 391)، رقم (2731، 2732). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الجهاد والسير، باب: صلح الحديبية في الحديبية، (7/ 2804)، رقم (4552).

 

[6]. إضاءات بحثية في علوم السنة النبوية، الشريف حاتم بن عارف العوني، تحقيق: هاني بن منير السويهري، دار الصميعي، الرياض، ط1، 1428هـ/ 2007م، ص264.

 

[7]. دراسات في منهج النقد عند المحدثين، محمد علي قاسم العمري، دار النفائس، الأردن، ط1، 1420هـ/ 2000م، ص11.

 

[8]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الأدب، باب: ما يجوز من الظن، (10/ 500)، رقم (6067).

 

[9]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الأدب، باب: لم يكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاحشا ولا متفحشا، (10/ 466)، رقم (6032). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: مداراة من يتقى فحشه، (9/ 3716)، رقم (6473).

 

[10]. دراسات في منهج النقد عند المحدثين، محمد علي قاسم العمري، دار النفائس، الأردن، ط1، 1420هـ/ 2000م، ص11، 12.

 

[11]. إضاءات بحثية في علوم السنة النبوية، الشريف العوني، تحقيق: هاني بن منير السويهري، دار الصميعي، الرياض، ط1، 1428هـ/ 2007م، ص271.

 

[12]. أصول منهج النقد عند أهل الحديث، عصام أحمد البشير، مؤسسة الريان، بيروت، ط2، 1412هـ/ 1992م، ص8.

 

[13]. إضاءات بحثية في علوم السنة النبوية، الشريف العوني، تحقيق: هاني بن منير السويهري، دار الصميعي، الرياض، ط1، 1428هـ/ 2007م، ص270.

 

[14]. انظر: دراسات في منهج النقد عند المحدثين، محمد علي قاسم العمري، دار النفائس، الأردن، ط1، 1420هـ/ 2000م، ص31 وما بعدها.

 

[15]. أصول منهج النقد عند أهل الحديث، عصام البشير، مؤسسة الريان، بيروت، ط2، 1412هـ/ 1992م، ص13.

 

[16]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: العلم، باب: إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، (1/ 241)، رقم (106). صحيح مسلم (بشرح النووي)،المقدمة، باب: تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، (1/ 169).

 

[17]. سند الحديث: سلسلة الرواة من آخر راو إلى منتهاه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم.

 

[18]. ملاص المرأة: جنينها.

 

[19]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: القسامة، باب: دية الجنين ووجوب الدية في قتل الخطأ وشبه العمد على عاقلة الجاني، (6/ 2619)، رقم (4318).

 

[20]. صحيح البخاري، (بشرح فتح الباري)، كتاب: الجنائز، باب: فضل اتباع الجنائز، (3/ 229)، رقم (1323، 1324). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الجنائز، باب: فضل الصلاة على الجنازة واتباعها، (4/ 1547)، رقم (2159).

 

[21]. انظر: تدوين وتوثيق السنة النبوية في حياة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والصحابة رضي الله عنهم، د. جمال محمود خلف، مكتبة الإيمان، مصر، 2007م، ص368.

 

[22]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: العلم، باب: التناوب في العلم، (1/ 223)، رقم (89). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الطلاق، باب: في الإيلاء واعتزال النساء، (6/ 2313)، رقم (3629).

 

[23]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: العلم، باب: حفظ العلم، (1/ 258)، رقم (118). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي هريرة، (8/ 3630)، رقم (6280).

 

[24]. السيدة عائشة وتوثيقها للسنة، جيهان رفعت فوزي، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط1، 2001م، ص72. توثيق السنة في القرن الثاني الهجري، د. رفعت فوزي، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط1، 1400هـ/ 1981م، ص27، 28.

 

[25]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس، (13/ 295)، رقم (7307).

 

[26]. انظر: تدوين وتوثيق السنة النبوية في حياة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والصحابة رضي الله عنهم، د. جمال محمود خلف، مكتبة الإيمان، مصر، 2007م، ص372، 373.

 

[27]. تشفوا: تفضلوا.

 

[28]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: المساقاة، باب: الربا، (6/ 2461)، رقم (3978).

 

[29]. انظر: تدوين وتوثيق السنة النبوية في حياة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والصحابة رضي الله عنهم، د. جمال محمود خلف، مكتبة الإيمان، مصر، 2007م، ص376، 377.

 

[30]. معرفة علوم الحديث، الحاكم النيسابوري، تحقيق: السيد معظم حسين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1397هـ/ 1977م، ص52.

 

[31]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (12/ 301).

 

[32]. حسن: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الصلاة عند التوبة، (2/ 367، 368)، رقم (404). وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (406).

 

[33]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الأحكام، باب: رزق الحاكم والعاملين عليها، (13/ 160)، رقم (7163). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الزكاة، باب: إباحة الأخذ لمن أعطى من غير مسألة ولا إشراف، (4/ 1674)، رقم (2367، 2369).

 

[34]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، ط2، 1422هـ/ 2001م، (4/ 1676).

 

[35]. انظر: السيدة عائشة وتوثيقها للسنة، جيهان رفعت فوزي، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط1، 2001م، ص74، 76.

 

[36]. انظر: توثيق السنة في القرن الثاني الهجري، د. رفعت فوزي عبد المطلب، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط1، 1400هـ/ 1981م، ص36.

 

[37]. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، السيوطي، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، مكتبة دار التراث، مصر، ط2، 1392هـ/ 1972م، (2/ 386، 389) بتصرف.

 

[38]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الجنائز، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إذا كان النوح من سنته، (3/ 181)، رقم (1288). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الجنائز، باب: الميت يعذب ببكاء أهله عليه، (4/ 1525)، رقم (2107).

 

[39]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الجنائز، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إذا كان النوح من سنته، (3/ 181)، رقم (1289). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الجنائز، باب: الميت يعذب ببكاء أهله عليه، (4/ 1525)، رقم (2122).

 

[40]. انظر: توثيق السنة في القرن الثاني الهجري، د. رفعت فوزي عبد المطلب، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط1، 1400هـ/ 1981م، ص32، 37، 38 بتصرف.

 

[41]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصلاة، باب: قدر ما يستر المصلي، (3/ 1076)، رقم (1119).

 

[42]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: العلم، باب: متى يصح سماع الصغير، (1/ 205)، رقم (76). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصلاة، باب: سترة المصلي، (3/ 1068)، رقم (1104).

 

[43]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الصلاة، باب: من قال: لا يقطع الصلاة شيء، (1/ 702)، رقم (515).

 

[44]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصلاة، باب: الاعتراض بين يدي المصلي، (3/ 1077)، رقم (1123).

 

[45]. صحيح: أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب: الصلاة، باب: المسافر، رقم (2734)، وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على الصحيح: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

 

[46]. انظر: توثيق السنة في القرن الثاني الهجري، د. رفعت فوزي، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط1، 1400هـ/ 1981م، ص55، 56.

 

[47]. تذكرة الحفاظ، شمس الدين الذهبي، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، (1/ 2).

 

 [48]. تذكرة الحفاظ، شمس الدين الذهبي، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، (1/ 5).

 

[49]. تذكرة الحفاظ، شمس الدين الذهبي، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، (1/ 6).

 

[50]. كتاب المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين، ابن حبان البستي، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، سوريا، ط2، 1402هـ، (1/ 38، 39).

 

[51]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، المقدمة، باب: بيان أن الإسناد من الدين، (1/ 173).

 

[52]. دراسات في منهج النقد عند المحدثين، محمد علي قاسم العمري، دار النفائس، الأردن، ط1، 1420هـ/ 2000م، ص14، 15.

 

[53]. دراسات في منهج النقد عند المحدثين، محمد علي قاسم العمري، دار النفائس، الأردن، ط1، 1420هـ/ 2000م، ص274.

 

[54]. إضاءات بحثية في علوم السنة النبوية، الشريف حاتم العوني، تحقيق: هاني بن منير السويهري، دار الصميعي، الرياض، ط1، 1428هـ/ 2007م، ص272.

 

[55]. منهج النقد في علوم الحديث، نور الدين عتر، دار الفكر، دمشق، ط3، 1427هـ/ 2006م، ص457 وما بعدها.

 

[56]. انظر: لمحات من تاريخ السنة وعلوم الحديث، عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، سوريا، ط5، 1429هـ/ 2008م، ص73.

 

[57]. فلم تكن هناك تهمة الكذب، أو خوف الابتداع، لسلامة الناس آنذاك من الأهواء والفتن.

 

[58]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، المقدمة، باب: بيان أن الإسناد من الدين، (1/ 173).

 

[59]. الصعب والذلول: أوصاف للإبل، وهي كناية، وقصد من هذا: أن الناس لما سلكوا كل مسلك مما يحمد أو يذم، لم نأخذ منهم إلا ما نعرف، وتركنا ما لا نعرف.

 

[60]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، المقدمة، باب: النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها، (1/ 172).

 

[61]. لمحات من تاريخ السنة وعلوم الحديث، عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، سوريا، ط5، 1429هـ/ 2008م، ص94.

 

[62]. تذكرة الحفاظ، شمس الدين الذهبي، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، (1/ 273).

 

[63]. انظر: كتاب الجرح والتعديل، ابن أبي حاتم، تحقيق: المعلمي اليماني، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، (1/ 2: 18).

 

[64]. انظر: لمحات من تاريخ السنة، عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، سوريا، ط5، 1429هـ/ 2008م، ص95. الوضع في الحديث النبوي، د. سليمان الأشقر، دار النفائس، الأردن، ط1، 1424هـ/ 2004م، ص66.

 

[65]. انظر: من جهود الأمة في حفظ السنة، أحمد حسين محمد إبراهيم، مطبعة الحسين الإسلامية، القاهرة، ط1، 1419هـ/ 1999م، ص92، 93.

 

[66]. من جهود الأمة في حفظ السنة، أحمد حسين محمد إبراهيم، مطبعة الحسين الإسلامية، القاهرة، ط1، 1419هـ/ 1999م، ص94، 95.

 

[67]. انظر: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي، دار السلام، مصر، ط3، 1427هـ/ 2006م، ص87.

 

[68]. انظر: السنة قبل التدوين، د. محمد عجاج الخطيب، مكتبة وهبة، القاهرة، ط4، 1425هـ/ 2004م، ص210، 211.

 

[69]. انظر: من جهود الأمة في حفظ السنة، د. أحمد حسين محمد إبراهيم، مطبعة الحسين الإسلامية، القاهرة، ط1، 1419هـ/ 1999م، ص97 بتصرف.

 

[70]. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي، دار السلام، مصر، ط3، 1427هـ/ 2006م، ص89.

 

[71]. موضوع: ذكره محمد طاهر بن علي الفتني في تذكرة الموضوعات، ص39. وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، (2/40)، برقم (568)، وقال: موضوع.

 

[72]. من جهود الأمة في حفظ السنة، د. أحمد حسين محمد إبراهيم، مطبعة الحسين الإسلامية، القاهرة، ط1، 1419هـ/ 1999م، ص100.

 

[73]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: الجهاد، باب: ما جاء في الرهان، (5/ 287)، رقم (1752). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (1700).

 

[74]. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، مصطفى السباعي، دار السلام، مصر، ط3، 1427هـ/ 2006م، ص89.

 

[75]. من جهود الأمة في حفظ السنة، د. أحمد حسين محمد إبراهيم، مطبعة الحسين الإسلامية، القاهرة، ط1، 1419هـ/ 1999م.

 

[76]. علوم السنة وعلوم الحديث، د. عبد اللطيف محمد عامر، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1421هـ/ 2000م، ص148.

 

[77]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، المقدمة، باب: بيان أن الإسناد من الدين، (1/ 173).

 

[78]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، المقدمة، باب: بيان أن الإسناد من الدين، (1/ 173).

 

[79]. الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، أحمد محمد شاكر، مكتبة دار التراث، مصر، ط3، 1399هـ/ 1979م، ص72.

 

[80]. انظر: الوضع في الحديث النبوي، د. عمر سليمان الأشقر، دار النفائس، الأردن، ط1، 1424هـ/ 2004م، ص103.

 

[81]. الوضع في الحديث النبوي، د. عمر سليمان الأشقر، دار النفائس، الأردن، ط1، 1424هـ/ 2004م، ص108.

 

  • الجمعة AM 01:53
    2020-10-16
  • 1542
Powered by: GateGold