المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409004
يتصفح الموقع حاليا : 335

البحث

البحث

عرض المادة

الزعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات متأثرا بسم الشاة وأن هذا يتنافى مع عصمته

            الزعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات متأثرا بسم الشاة وأن هذا يتنافى مع عصمته(*)

مضمون الشبهة:

يشكك بعض المغرضين في عصمة النبي صلى الله عليه وسلم، ويستدلون على ذلك بالروايات التي تذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات متأثرا بالسم الذي وضعته له المرأة اليهودية في ذراع الشاة التي أهدتها له، ويتساءلون: ألا يتنافى ذلك مع وعد الله لنبيه بالعصمة من الناس في قوله تعالى: )والله يعصمك من الناس((المائدة: 7) ؟! ويرمون من وراء ذلك إلى نفي عصمته صلى الله عليه وسلم.

وجها إبطال الشبهة:

1) مهما يكن سبب موت النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الحقيقة التي لا يماري فيها أحد أنه بشر يطرأ عليه ما يطرأ على سائر البشر من آلام وأسقام وتعرض للموت، وهذا يؤكد بشريته، ولا يعد نقيصة فيه صلى الله عليه وسلم، ولا يتنافى مع عصمته؛ فقد بلغ - صلى الله عليه وسلم - رسالة ربه على أكمل وجه وأتمه.

2) إن قصة الشاة المسمومة تلك من أكبر الدلائل على عصمته صلى الله عليه وسلم، فقد أخبرته الشاة أنها مسمومة، كما أن بقاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدها حيا ثلاث سنوات دون تأثر بالسم دليل على عصمة الله له.

التفصيل:

أولا. النبي - صلى الله عليه وسلم - بشر ككل البشر، يتعرض لما يتعرضون له دون أن يكون ذلك عيبا أو نقيصة في حقه:

إن من الحقائق التي لا يستطيع أن يماري فيها أحد، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بشر، وقد أمره ربه أن يقول لمن يسأله أن يأتي بالخوارق والمعجزات: )قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا (93)( (الإسراء)؛ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - بشر يتعرض لما يتعرض له سائر البشر من حيث الظاهر، فيجوز تعرضه للآفات والتغيرات من انقباض وبسط، وفرح وغم، وسائر الحالات من آلام وأسقام، وتعرض للموت الزؤام، وهذا كله ليس بنقيصة فيه صلى الله عليه وسلم؛ لأن الشيء يسمى ناقصا بالإضافة أو بالنسبة إلى ما هو أتم فيه، وأكمل من نوعه كأفراد الإنسان.

وقد كتب الله - عزوجل - على أهل هذه الدار - دار الهموم والأكدار - الحياة والموت، والخروج من المقابر، وتغير حوادث الدهر، فقد مرض - صلى الله عليه وسلم - واشتكى الضر، وقد ورد في الحديث: «أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل» [1].

وأصابه - صلى الله عليه وسلم - الحر والقر[2]، وأدركه الجوع والعطش، ولحقه الغضب والضجر، وناله الإعياء والتعب، ومسه الضعف والكبر، وسقط عن دابته، أو عن فرسه فخدش، وشجه الكفار وكسروا رباعيته[3]، وسقي السم، وسحر من لبيد بن الأعصم اليهودي، وتداوى، واحتجم كما رواه الشيخان، وتعوذ من أعين الإنس، فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما وترك سواهما، ثم قضى نحبه - صلى الله عليه وسلم - وكل حي لا بد أن يموت، فتوفي - صلى الله عليه وسلم - ولحق بالرفيق الأعلى، وتخلص من دار الامتحان والبلوى[4].

وهكذا نرى أن الله تعالى قد ابتلى نبيه - صلى الله عليه وسلم - بضروب من المحن، وذلك من تمام حكمته - عزوجل - حتى تتحقق بهذا البلاء بشريته، وليظهر شرفه ورفعة درجاته، كما قال عزوجل: )ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم (31)( (محمد)، وتسلية لأمته، وتذكرة لهم ليتأسوا به في البلاء.

ومن ثم فلا توجد أية غضاضة في تعرضه - صلى الله عليه وسلم - للقتل ومحاولات الاغتيال، وقد تعرض قبله كثير من الأنبياء لمثل هذه المحاولات، مثل إبراهيم - عليه السلام - الذي تعرض للإلقاء في النار من قبل قومه، ولكن الله نجاه منها، وكذلك تعرض موسى وهارون للقتل من فرعون ومن بني إسرائيل، ونجاهما الله، وكذلك حاول اليهود قتل عيسى عليه السلام، ومن ثم فإن قوله تعالى: )والله يعصمك من الناس( (المائدة: 67). لا يتنافى مع كونه بشرا سيموت، ولا يتعارض مع تعرضه لكثير من المحاولات لقتله.

"وكأن الحق تعالى يقول لرسوله: اطمئن يا محمد؛ لأن من أرسلك هداية للناس لن يخلي بينك وبين الناس، ولن يجرؤ أحد أن ينهي حياتك، ولكن سأمكنك من الحياة إلى أن تكمل رسالتك، وإياك أن يدخل في روعك أن الناس يقدرون عليك، صحيح أنك قد تتألم، وقد تعاني من أعراض التعب في أثناء الدعوة، ولكن هناك حماية إلهية لك" [5].

والمتأمل في هذه الآية الكريمة التي تثبت عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - من الناس يجد أنها جاءت في سياق تبليغ النبي - صلى الله عليه وسلم - للرسالة فهي مقترنة بها، فالله تعالى يقول: )يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين (67)( (المائدة).

فالعصمة هنا مرتبطة بتبليغ الرسالة، وقد حدثت له بنعمة الله، فإذا ما بلغ الرسول الأمين الرسالة، فهو لا شك عائد إلى ربه، وأفضل الموت ما كان في سبيل الله، وكيف لا وقد تمنى - صلى الله عليه وسلم - هذا حين قال: «والذي نفس محمد بيده، لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل»[6]. وذلك لما علمه من أجر الشهيد، فإذا افترضنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مات بسبب أكله من الشاة المسمومة، فقد قدر الله له هذه الوفاة الطيبة؛ لتكتمل فضائله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى يقول: )إنك ميت وإنهم ميتون (30)( (الزمر)، كما أن الله تعالى لم ينف عن نبيه إمكانية القتل، في قوله عزوجل: )وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم( (آل عمران: 144).

فلا عجب أن يكتب الله له الشهادة ليكتب مع الشهداء عند ربهم، وما أعظم أجر الشهيد، وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يموت في الأجل الذي أجله الله له رغم تأثره بالسم من لحظة أكله من الشاة المسمومة؛ إذ مات بعد ذلك بثلاث سنوات[7].

وصفوة القول أن عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثابتة بكل المقاييس، حتى وإن توفي متأثرا بهذا السم؛ لأن العصمة التي وعده الله بها هي العصمة من القتل قبل تبليغ الرسالة، ولم يمت - صلى الله عليه وسلم - إلا وقد بلغها على أكمل وجه، وقد شهد الله بهذا في قوله عزوجل: )اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا( (المائدة: 3).

ثانيا. قصة الشاة المسمومة من أكبر الدلائل علي عصمة النبي صلى الله عليه وسلم:

قال صاحب "بلوغ الأماني" عن الشاة المسمومة: "أهدتها إليه زينب بنت الحارث اليهودية امرأة سلام بن مشكم، وكانت سألت أي عضو من الشاة أحب إليه؟ فقيل: الذراع، فأكثرت فيها من السم، فلما تناول الذراع لاك[8] منها مضغة، ولم يسغها[9]، وأكل منها معه بشر بن البراء فأساغ لقمة ومات منها".

وفي مغازي عروة: "فتناول الذراع فانتهش[10] منها، وتناول بشر عظما آخر، فانتهش منه، فلما أرغم[11] رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرغم بشر ما في فيه، فقال رسول الله: ارفعوا أيديكم، فإن كتف الشاة تخبرني أني قد بغيت فيها، فقال بشر بن البراء: والذي أكرمك لقد وجدت ذلك في أكلتي التي أكلت، ولم يمنعني أن ألفظها إلا أني كرهت أن أنغص[12] طعامك، فلما أكلت ما في فيك لم أرغب بنفسي عن نفسك، ورجوت أن لا تكون رغمتها وفيها بغي".

وقال ابن القيم: وجيء بالمرأة إلى رسول الله، فقالت: أردت قتلك، فقال: "ما كان الله ليسلطك على"، قالوا: ألا تقتلها؟ قال: "لا"، ولم يتعرض لها، ولم يعاقبها، واحتجم على الكاهل، وأمر من أكل منها فاحتجم، فمات بعضهم.

وقد اختلف في قتل المرأة، والصحيح أنه لما مات بشر قتلها، ولقد كان السم الذي وضعته اليهودية قويا جدا؛ إذ مات بشر بن البراء فورا، وبقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعاوده ألم السم حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى بعد أن بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، وقد روى الإمام البخاري - رحمه الله - في صحيحه عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم، يقول في مرض موته الذي مات فيه: «يا عائشة، ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري[13] من ذلك السم» [14] [15].

والمتأمل في هذه القصة كما هو ثابت ومعلوم في كتب التفسير والمغازي والسير، يتبين له أنها من أكبر الدلائل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى عصمة الله له من الناس، وبيان ذلك فيما يأتي:

  1. إن في إخبار الشاة له - صلى الله عليه وسلم - بأنها مسمومة خير دليل على معجزاته صلى الله عليه وسلم، وعلى صدق نبوته، فهي من الأمور الخارقة التي اختص بها محمد - صلى الله عليه وسلم - دون سائر الأنبياء، وهذا يبين عظيم منزلته عند ربه.
  2. إن عدم موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أكله من هذه الشاة المسمومة سما قاتلا في الحال، وبخاصة الذراع المليئة بالسم لهو من أكبر أدلة عصمة الله له - أيضا -، فقد عصم الله نبيه من الموت حتى بلغ رسالته على أكمل وجه، فقد عاش النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد هذه الحادثة ثلاث سنوات، ولو لم يكن معصوما من قبل الله تعالى، لمات بعد أكله من الشاة مباشرة، كما مات بشر بن البراء حيث تغير لونه كالطيلسان - أي اسود - ثم مات من تأثير سم اليهودية، على الرغم من أنه لم ينهش منها إلا نهشة واحدة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا إن دل فإنما يدل على عصمته صلى الله عليه وسلم، وأنه رسول من عند الله حقا ويقينا، فأنى لإنسان غير معصوم أن يأكل سما لا يؤثر فيه، ولا يتسبب في موته لمدة ثلاثة أعوام؟
  3. إن مما يؤكد عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضا: شهادة المرأة اليهودية صاحبة الشاة، فقد سألها النبي - صلى الله عليه وسلم - لم صنعت هذا؟ فقالت له: قتلت أبي وعمي وزوجي، ونلت من قومي ما نلت، فقلت إن كان نبيا فستخبره الشاة ما صنعت، وإن كان ملكا استرحنا منه.

وقد أخبرته الشاة أنها مسمومة، وفي هذا دليل على أنه نبي معصوم.

ومن ثم فإن هذه القصة لا تنفي عصمته - صلى الله عليه وسلم - بل هي دليل عليها وعلى حفظ الله تعالى له، حتى بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وترك أمته على المحجة البيضاء صلى الله عليه وسلم.

الخلاصة:

  • إن النبي - صلى الله عليه وسلم - بشر ككل البشر، فلا عجب أن يتعرض لما يتعرض له البشر من آلام وأسقام، وتعرض للموت، وهذا لا يعد نقيصة ولا عيبا، ولا يتنافى بحال من الأحوال مع عصمته - صلى الله عليه وسلم - المشار إليها في الآية التي استدل بها مثيرو هذه الشبهة، وهي قوله تعالى)والله يعصمك من الناس( (المائدة: ٦٧)؛ لأن هذه العصمة هي عصمته في تبليغ رسالة ربه، وقد بلغها - صلى الله عليه وسلم - على أكمل وجه وأتمه، سواء توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متأثرا بسم الشاة أم غير متأثر به، فهذا لا يتنافى مع عصمة الله له، ولعل الله أراد أن يجمع له الشهادة بهذا؛ لأن أفضل الموت ما كان في سبيل الله عزوجل.
  • إن المتأمل في قصة الشاة المسمومة يجد فيها العديد من الدلائل على عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - من الناس، ومن هذه الدلائل:

o                  إخبار الذراع النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها مسمومة.

o                  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يمت؛ بل ظل حيا بعدها ثلاث سنوات دون أن يؤثر فيه السم.

o                  شهادة المرأة اليهودية بنبوته؛ إذ عصم من السم.

 

(*) سيد رسل الله وأباطيل خصومه، د. عبد الصبور مرزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط2، 1424هـ/2004م. شبهات وردود حول النبي الكريم. www.ebnmaryam.com

[1]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند سعد بن أبي وقاص (1494)، والترمذي في سننه، كتاب الزهد، باب الصبر على البلاء (2398)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3402).

[2]. القر: البرد.

[3]. الرباعية: مقدمة الأسنان.

[4]. شمائل المصطفى، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، ط1، 1427هـ/ 2006م، ص525 بتصرف يسير.

[5]. تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، دار أخبار اليوم، مصر، ط1، 1991م، ج6، ص3289.

[6]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله (4967).

[7]. مقتطفات من شبكة هجر الثقافية على الشبكة الدولية Internet.

[8]. لاك: أدار اللقمة في فمه.

[9]. يسيغ: يبلع.

[10]. انتهش: أكل منها بفمه.

[11]. أرغم: ألقى.

[12]. أنغص: أفسد.

[13]. الأبهر: عرق متصل بالقلب تتشعب منه سائر الشرايين إذا انقطع مات صاحبه.

[14]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب مرض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ  ووفاته (4165).

[15]. السيرة النبوية، د. علي محمد الصلابي، دار الفجر للتراث، القاهرة، ط1، 1424هـ/2003م، ج2، ص451، 452.

 

  • الثلاثاء PM 11:45
    2020-09-22
  • 2014
Powered by: GateGold