ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
ادعاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغير خططه الدعوية وفقا لظروف البيئة المحيطة به
ادعاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغير خططه الدعوية وفقا لظروف البيئة المحيطة به(*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المغرضين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغير خططه الدعوية من تلقاء نفسه وفقا لظروف البيئة المحيطة به، ويستدلون على ذلك بأنه - صلى الله عليه وسلم - قدم الإسلام في مكة على أنه دين عربي محلي، وقدمه في المدينة على أنه دين عالمي. ويهدفون من وراء ذلك إلى الطعن في صدق دعوته - صلى الله عليه وسلم - واتهامه بتطويعها وتلوينها من تلقاء نفسه حسب مقتضى الحال.
وجها إبطال الشبهة:
1) لقد تلقى النبي - صلى الله عليه وسلم - خطة الدعوة من الله - عز وجل - وهي خطة حكيمة، تعددت مراتبها، ولكن أسسها ومبادئها ظلت ثابتة لم تتغير، ومن هذه الأسس: الشمولية, والعالمية، وختم الرسالات.
2) إن الإسلام منذ نشأته الأولى يقرر في صراحة ووضوح أنه دين عالمي، جاء للناس جميعا، وأن محمدا - صلى الله عليه وسلم - جاء بشيرا ونذيرا إلى العالمين.
التفصيل:
أولا. أسس الدعوة ومبادئها ظلت ثابتة منذ نشأتها لم تتغير:
لقد تلقى النبي - صلى الله عليه وسلم - خطة الدعوة من الله - عز وجل - وهي خطة حكيمة تعددت مراتبها، ولكن أسسها ومبادئها ظلت ثابتة لم تتغير، سواء في ذلك العهد المكي والمدني، ومن هذه الأسس: الشمولية، والعالمية, وختمها للرسالات.
ويجدر بنا في البداية أن نشير إلى أن "تغيير الخطط ينبغي أن يفهم في إطار التدرج في التشريع، فقد كان من الطبيعي جدا أن يتصرف الرسول - صلى الله عليه وسلم - في العهد المكي، وتحت ضغط المشركين، بصورة تختلف عن العهد المدني الذي تكونت فيه للمسلمين خصائص الدولة الجديدة" [1].
إن ملاءمة الظروف والتعامل مع معطيات الواقع المتغير، لا بد أن تكون إحدى السمات لرسالة لها صفة "العالمية"، فما دامت هذه الرسالة للناس كافة عبر الزمان والمكان، فمحال أن تتجمد نصوصها وتشريعاتها وفق ظروف الزمان الذي أنزلت فيه، ولا بد أن تنطوي على مساحة كبيرة من الرؤية المستقبلية القادرة على التوافق مع متغيرات الزمان والمكان، مع الارتباط الدائم والثابت بجوهر الرسالة وغايتها.
وفق هذا المعيار نجد الرسالة والرسول يحتويان الثابت والمتغير، والثابت في الإسلام هو أركانه الخمسة المعروفة، وما تقوم عليه من وحدانية الخالق والإيمان بعالم الغيب، أما المتغير فهو ما يتصل بحاجيات الناس المتجددة، وبهذا نفسر لماذا قال القرآن مثلا: )وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة( (الأنفال: ٦٠)، هكذا دون تحديد لأي تفصيل لهذه القوة لا كما ولا كيفا؛ ذلك لأن الأمر مع القوة قابل للتأثر بمتغيرات الزمان والمكان، بينما نجده حين يتحدث عن الميراث يذكر السدس، والثمن، والربع، والثلث، والثلثين، والنصف. وتلك قسمة حضارية للرسالة وللرسول تتسق مع عموم الرسالة، وكونها كافة للناس أي عالمية[2].
ونحن إذا نظرنا إلى الدعوة المحمدية فإننا نجد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتلقى خطة الدعوة من قيوم السماوات والأرض، وهي خطة حكيمة رائعة تدرج فيها الإسلام في معارج الصعود، حتى بلغ الذروة، فمحمد - صلى الله عليه وسلم - كان رسولا موحى إليه, ليس مصلحا أرضيا ولا منتهزا لفرص يتطور معها توسعا وامتدادا، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يخطط للدعوة كما يزعمون، بل كان يخطط الله له ويدبر. ومن ثم فقد تدرجت دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - بناء على هذا إلى عدة مراحل، ذكرها الشيخ محمد أبو زهرة ناقلا إياها عن ابن القيم[3] الذي ذكرها مختصرة، ففصلها هو، يقول الشيخ أبو زهرة: ذكر ابن القيم في زاد المعاد أن مراتب الدعوة خمس مراتب، وهي:
المرتبة الأولى: النبوة فلا يدعو إلى الحق الذي نزل من عند الله - سبحانه وتعالى - إلا نبي، وقد اعتبرها ابن القيم المرتبة الأولى، ونحن لا نعتبرها كذلك؛ إنما نعتبرها كيان الدعوة، فلا دعوة إلى الإيمان برسالة إلا من نبي مرسل، فهي دعامة، وليست مرتبة يبتدأ بها، بل هي الأصل ولب الدعوة.
المرتبة الثانية: إنذار العشيرة الأقربين، وقد أمر الله - عز وجل - بذلك، فقال سبحانه وتعالى: )وأنذر عشيرتك الأقربين (214) واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين (215)( (الشعراء)، وقد بدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - دعوة عشيرته، فدعا بني عبد مناف، وقال لهم: «أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟! قالوا: ما جربنا عليك كذبا. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد» [4].
المرتبة الثالثة: إنذار قومه، وقد سلك محمد - صلى الله عليه وسلم - ذلك المنهاج الذي انتقل فيه من الحيز الضيق إلى ما هو أوسع، ثم إلى ما هو أعم، فانتقل من إنذار عشيرته الأقربين إلى قومه من قريش: قريبهم وبعيدهم، وقد أنذر - صلى الله عليه وسلم - في هذه المرتبة سكان مكة المكرمة وما حولها.
المرتبة الرابعة: عبر عنها ابن القيم بقوله: إنذار قوم ما أتاهم من نذير من قبله، وهؤلاء هم العرب في الجزيرة العربية قاصيهم ودانيهم، سكان المدر[5] منهم، وسكان الوبر[6]، وبذا عمت دعوة كل من ينطق بالعربية من غير تفرقة بين قريب وبعيد.
المرتبة الخامسة: إنذار جميع من بلغته دعوته من الجن والإنس إلى آخر الدهر، وبذا شملت دعوته غير العرب من الرومان، والفرس، والشام، ومصر، والحبشة، وكان هذا التبليغ برسل أرسلهم وبكتب كتبها، ثم بث الدعاة، وجهز الجيوش التي تدفع من هجموا أو حاولوا الهجوم، أو حاجزوا بين الإسلام ودعوته، وحالوا بين الشعوب ومعرفته، فكان الجهاد ليتبين الرشد من الغي، والهدى من الضلال، ومن بعد ذلك يختارون عن بينة، فقد قال سبحانه وتعالى: )لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي( (البقرة: ٢٥٦).
وقد سلك النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك المراتب، وإن كانت المرتبة الأولى لا تعد مرتبة للدعوة، ولكنها مرتبة التهيئة لها[7].
ولا يظنن ظان أن التدرج في الدعوة دليل على أن الرسالة لم تكن عالمية في مكة، فالرسالة المحمدية عالمية منذ بدايتها، وذلك أن ثاني سور القرآن نزولا وهي سورة المدثر بها آيات تدل على هذه العالمية، يقول تعالى: )نذيرا للبشر (36)( (المدثر)، ويقول: )وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (107)( (الأنبياء)، ومن ثم فإن المراتب التي ذكرناها للدعوة، تدل على التدرج في طريقة الدعوة، لا على تغيير المبادئ التي قامت عليها الدعوة مثل الشمولية والعالمية وختم الرسالات، وعلى هذا تبطل حجة من يزعم أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - كان يغير خططه الدعوية وفقا للظروف البيئية المحيطة به.
ثانيا. أدلة عالمية الدعوة المحمدية في مكة:
إن عالمية الإسلام من الأمور البدهية التي لا ينكرها عاقل أو منصف، عالمية تعم المكان والزمان والأجناس: الإنس، والجن، والملائكة، هذا من حيث الشكل، أما من حيث الموضوع فقد جاء الإسلام بكلمة الله الأخيرة في الكون، وبمنهج عام كامل كفيل باحتواء البشرية جميعا، وتوجيهها إلى ما فيه خير الدنيا والآخرة، وكفيل بقيادة الإنسانية جمعاء، وحلول مشكلاتها وهدايتها إلى الحق والصواب في كل صغيرة وكبيرة: )ما فرطنا في الكتاب من شيء( (الأنعام: ٣٨)[8].
وهذه الحقيقة الجلية لم تطرأ فجأة في ذهن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن كون دولته في المدينة كما يظنون، بل كانت هذه الحقيقة ماثلة في ذهنه منذ أن نزل عليه جبريل بالوحي أول مرة، ومنذ أن جهر بدعوته منذرا عشيرته الأقربين، ليس لرغبة منه - صلى الله عليه وسلم - في هذا، بل لأنها إرادة الله الذي أراد أن يكون محمد - صلى الله عليه وسلم - هو النبي الخاتم، ودينه الإسلام الدين الخاتم، دين رب العالمين للعالمين، فلا يخص بلدا دون بلد، ولا عرقا دون عرق, فلا يحده مكان ولا زمان، فالنبوة المحمدية نبوة للدنيا بأسرها، نبوة شاملة للبشر جميعا، وللناس كافة، فبعد أن كانت النبوات لأقوام بأعينهم، يبعث - سبحانه وتعالى - لكل قرية رسولا ينذرهم ويبشرهم، جاءت رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - رسالة للعالمين، ليست لقريش وحدها، ولا للمكيين وحدهم، ولا للعرب خاصة.
ومن ثم فإن الزعم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قدم الإسلام في مكة على أنه دين محلي، وفي المدينة على أنه عالمي, زعم ناتج عن سوء الفهم، وربما عن سوء القصد والرغبة في القدح، فلو طالع هؤلاء سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - منذ أن جهر بالدعوة أول مرة، لالتمسوا الدليل القاطع على عالمية الدعوة المحمدية.
ففي أول مراحل الدعوة كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو الناس سرا، فلما أراد الله لهذه الدعوة أن تعلن وأنزل سبحانه وتعالى: )وأنذر عشيرتك الأقربين (214) واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين (215) فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون (216)( (الشعراء) «دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني عبد المطلب فيهم رهط كلهم يأكل الجذعة[9] ويشرب الفرق[10]، فصنع لهم مدا[11] من طعام، فأكلوا حتى شبعوا، وبقي الطعام كما هو كأنه لم يمس، ثم دعا بغمر[12] فشربوا حتى رووا، وبقي الشراب كأنه لم يمس أو لم يشرب، فقال: يا بني عبد المطلب، إني بعثت لكم خاصة وإلى الناس بعامة، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم، فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي» [13] [14]؟
فها هو ذا النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلن منذ أول وهلة يجهر فيها بالدعوة أن دعوته للناس كافة: "إني بعثت لكم خاصة وإلى الناس بعامة". فليس صحيحا - إذن - الزعم أن الدعوة المحمدية كانت محلية في مكة ثم تحولت إلى العالمية في المدينة؛ وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقتصر في دعوته في مكة على أهل مكة وعشيرته، بل تجاوز ذلك إلى دعوة كل من يراه؛ لأن رسالته عامة لجميع الناس, يقول سبحانه وتعالى: )قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا( (الأعراف: ١٥٨), وهي آية مكية، وقد اغتنم فرصة القادمين إلى مكة للطواف بالبيت، فاتصل بهذه الوفود، ودعاها إلى الإسلام, وكان يقول لهم: «يا أيها الناس, قولوا: لا إله إلا الله. تفلحوا» [15]. ويطلب منهم أن يؤمنوا بهذا الدين وأن ينصروه ويمكنوا الرسول من تبليغ دعوة ربه للناس.
وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يسمع بقادم إلى مكة إلا اتصل به ودعاه إلى الإسلام؛ "فقد عرض - صلى الله عليه وسلم - نفسه على القبائل أيام الموسم، ودعاهم إلى الإسلام، وهم بنو عامر، وغسان، وبنو فزارة، وبنو مرة، وبنو حنيفة، وبنو سليم، وبنو عبس، وبنو نصر، وثعلبة بن عكابة، وكندة، وكلب، وبنو الحارث ابن كعب، وبنو عذرة, وقيس بن الخطيم، وأبو اليسر أنس بن أبي رافع" [16].
كما لم يكتف النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرض الدعوة على زوار مكة فحسب، بل سعى - صلى الله عليه وسلم - لنشر دعوته خارج مكة، فتوجه بدعوته إلى الطائف، كما أمر - صلى الله عليه وسلم - بعض أصحابه بالتوجه إلى الحبشة، وذلك في العام الخامس من البعثة، كل هذا يدل على أن الرسالة التي جاء بها محمد - صلى الله عليه وسلم - كانت للناس عامة.
ويؤيد عالمية دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - في الفترة المكية إسلام من ليس عربيا مثل: بلال الحبشي، وعداس النصراني الذي دعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - أثناء رحلته إلى الطائف، فحينما تعرض - صلى الله عليه وسلم - للأذى من أهل الطائف، وخرج من عندهم، وألجئوه إلى حائط لعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وهما فيه، فلما رأياه رقا له، ودعوا غلاما لهما نصرانيا، يقال له: عداس، فقالا له: خذ قطفا من هذا العنب، فضعه في هذا الطبق، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل، فقل له يأكل منه، ففعل عداس، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال له: كل.
فلما وضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه يده قال: "بسم الله"، ثم أكل، فنظر عداس في وجهه، ثم قال: والله، إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس؟ وما دينك"؟ قال: نصراني، وأنا رجل من أهل نينوى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "من قرية الرجل الصالح يونس بن متى", فقال له عداس: وما يدريك ما يونس بن متى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذاك أخي، كان نبيا وأنا نبي"، فأكب عداس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل رأسه ويديه وقدميه[17].
فلم يكن عداس قرشيا ولا حتى عربيا، وكانت الدعوة لم تزل في مكة، وهذا يدل على عالمية الدعوة حتى في هذه المرحلة المبكرة منها.
ويدل أيضا على هذه العالمية، إسلام صهيب الرومي، وذلك أنه أسلم قبل الهجرة، وتعرض لأذى قريش أثناء هجرته، فعن أبي عثمان النهدي قال: «بلغني أن صهيبا حين أراد الهجرة إلى المدينة قال له أهل مكة: أتيتنا هاهنا صعلوكا حقيرا، فكثر مالك عندنا، وبلغت ما بلغت، ثم تنطلق بنفسك وبمالك؟ والله لا يكون ذلك، فقال: أرأيتم إن تركت مالي تخلون أنتم سبيلي؟ قالوا: نعم، فجعل لهم ماله أجمع، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ربح صهيب، ربح صهيب» [18] [19].
وهناك دليل آخر على عالمية الدعوة المحمدية في مكة؛ فقد تنبأ النبي - صلى الله عليه وسلم - عند هجرته إلى المدينة - وهو في أشد ساعات الحرج والخطر - بأن سراقة بن مالك سيلبس سواري[20] كسرى ونطاقه[21] عندما قال له: "كيف بك يا سراقة إذا سورت بسواري كسرى"؟ قال سراقة: كسرى بن هرمز؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم" [22].
هذه بعض لمحات من سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - والتي تدل دلالة واضحة على عالمية الإسلام في مكة. ونحن إذا تأملنا آيات القرآن الكريم المكية، فإننا سنجد هذه العالمية واضحة؛ فمنذ السورة الأولى في ترتيب المصحف - سورة الفاتحة وهي سورة مكية - نجد قوله سبحانه وتعالى: )الحمد لله رب العالمين (2)( (الفاتحة)، وفي السورة الخاتمة - سورة الناس وهي أيضا مكية - نجد قوله سبحانه وتعالى: )قل أعوذ برب الناس (1) ملك الناس (2) إله الناس (3)( (الناس) [23].
وما من شك في أن كلمتي "العالمين" و"الناس" لا تقتصران على العرب وحدهم، وكذلك فهناك العديد من الآيات المكية الأخرى الدالة على عموم الرسالة وعالمية الإسلام، مثل: قوله سبحانه وتعالى: )إن هو إلا ذكرى للعالمين (90)( (الأنعام)، وقوله سبحانه وتعالى: )وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين (69) لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين (70)( (يس)، وقوله سبحانه وتعالى: )تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا (1)( (الفرقان)، وقوله سبحانه وتعالى: )وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون (28)( (سبأ)، وقوله سبحانه وتعالى: )قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا( (الأعراف: ١٥٨).
ونخلص من هذا كله إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ليغير خططه الدعوية وفقا للظروف البيئية التي تحيط به، وأن رسالته - صلى الله عليه وسلم - عالمية منذ كان في مكة، ولم تطرأ عالميتها بعد هجرته إلى المدينة كما زعموا.
الخلاصة:
- لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطط للدعوة كما يزعمون، بل كان الله يخطط لها، ومن ثم فقد سلك - صلى الله عليه وسلم - خمس مراتب في دعوته، بدأت من تهيئته للدعوة، ثم إنذار عشيرته الأقربين، ثم إنذار قومه، ثم إنذار العرب قاطبة، ثم انتهت بتبليغ الدعوة إلى غير العرب من الرومان، والفرس، والشام، ومصر، والحبشة، وهذا التدرج الذي ذكرناه تدرج في كيفية الدعوة، لا في مبادئها التي قامت عليها؛ لأن عالمية هذه الدعوة واضحة منذ بدايتها، فقد ورد في ثاني سورة نزلت قوله تعالى: )نذيرا للبشر (36)( (المدثر)، ومن ثم يجب أن نفهم هذه المراتب في إطار التدرج في التشريع؛ إذ من الطبيعي أن يتصرف الرسول - صلى الله عليه وسلم - في العهد المكي بشكل يخالف العهد المدني الذي تكونت فيه الدولة؛ لأن ملاءمة الظروف هي صفة أساسية تتصف بها العالمية.
- إن عالمية الدعوة المحمدية قد تقررت منذ نشأتها الأولى، ففي أول مرة جهر بها النبي بالدعوة وقف منذرا عشيرته قائلا: "إني بعثت لكم خاصة وإلى الناس بعامة"، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - لا يسمع بأحد قدم إلى مكة إلا دعاه للإسلام، بل لقد ذهب - صلى الله عليه وسلم - للدعوة خارج مكة في رحلته للطائف، ومن أكبر الدلائل على عالمية الإسلام - وهو بعد في مكة - إسلام بلال الحبشي, وعداس النصراني "من مدينة نينوى", وصهيب الرومي.
- إن ثمة آيات كثيرة نزلت بمكة تدل دلالة واضحة على عالمية هذه الدعوة، كقوله سبحانه وتعالى: )قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا( (الأعراف: 158)، ولا شك أن العرب ليسوا هم الناس جميعا، وكذلك قوله سبحانه وتعالى: )إن هو إلا ذكر للعالمين (87)( (ص)، وغيرهما من الآيات الدالة على الحقيقة نفسها.
(*) القرآن والرسول ومقولات ظالمة، د. عبد الصبور مرزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 1425هـ/ 2004م.
[1]. الإسلام بين الحقيقة والادعاء، مجموعة علماء، الشركة المتحدة للطباعة والنشر، مصر، 1996م، ص51.
[2]. القرآن والرسول ومقولات ظالمة، د. عبد الصبور مرزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 1425هـ/ 2004م، ص37، 38.
[3]. زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزية، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط8، 1405هـ/ 1985م، ج1، ص86.
[4]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، سورة المسد (4687)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب قوله تعالى: ) وأنذر عشيرتك الأقربين (214) ( (الشعراء) (529)، واللفظ له.
[5]. سكان المدر: سكان القرى والمدن.
[6]. سكان الوبر: سكان البوادي.
[7]. خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، الإمام محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة، 1425هـ/ 2004م، ج1, ص286 , 287 بتصرف يسير.
[8]. افتراءات المستشرقين على الإسلام: عرض ونقد، د. عبد العظيم المطعني، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1413هـ/ 1992م، ص93.
[9]. الجذعة من الغنم: الفتية الشابة.
[10]. الفرق: مكيال كبير لأهل المدينة يكال به اللبن.
[11]. المد: ضرب من المكاييل القديمة.
[12]. الغمر: القدح الصغير.
[13]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند على بن أبي طالب رضي الله عنه (1371)، والنسائي في سننه الكبرى، كتاب الخصائص، باب ذكر الأخوة (8451)، وصححه الألباني في صحيح السيرة النبوية، ص136.
[14]. خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة، 1425هـ/ 2004م، ج1، ص300، 301.
[15]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكيين، حديث ربيعة بن عباد رضي الله عنه (16066)، وابن خزيمة في صحيحه، كتاب الوضوء، باب مسح باطن الأذنين وظاهرهما (159)، وصححه الألباني في صحيح السيرة النبوية، ص143.
[16]. السيرة النبوية، د. علي محمد الصلابي، دار الفجر للتراث، القاهرة، ط1، 1424هـ/ 2003م، ج1، ص386.
[17]. السيرة النبوية، د. علي محمد الصلابي، دار الفجر للتراث، القاهرة، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص365.
[18]. صحيح: أخرجه أحمد في فضائل الصحابة، فضائل صهيب رضي الله عنه (1509)، وابن حبان في صحيحه، كتاب إخباره ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن مناقب الصحابة رجالهم ونسائهم (7082)، وصححه الألباني في فقه السيرة، ص157.
[19]. السيرة النبوية، د. علي محمد الصلابي، دار الفجر للتراث، القاهرة، ط1، 1424هـ/ 2003م، ج1، ص426، 427.
[20]. السوار: نوع من الحلي يلبس في اليد.
[21]. النطاق: حزام يشد على وسط الإنسان.
[22]. الإسلام في قفص الاتهام، د. شوقي أبو خليل، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط5، 1425هـ/ 2004م، ص57.
[23]. القرآن والرسول ومقولات ظالمة، د. عبد الصبور مرزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 1425هـ/ 2004م، ص38.
-
الاثنين PM 10:18
2020-09-21 - 1914