المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 411889
يتصفح الموقع حاليا : 263

البحث

البحث

عرض المادة

تنوع التكامل بين الرجال والنساء

الإسلام دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها (( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثرالناس لا يعلمون )) ( الروم:30 )

ولقد تبدت الفطرة الإنسانية التي فطر الله الانسان عليها ضمن ما تبدت- عبر الزمان والمكان ، وفي سائر الحضارات والديانات والفلسفات والانساق الفكرية- في مدينة الإنسان واجتماعيته ، فمن المحال أن يسعد الإنسان إذا عاش فرداً وحيداً منعزلا، ومن المحال أن يحصًل ضرورات حياته ،فضلاً عن حاجياته وتحسيناتها ، بعيدا عن المجتمع والاجتماع والاشتراك والارتفاق .. ولذلك ، كانت الرهبة- رغم أن لها مجتمعها الذي لا يعزل الراهب عزلا تاما عن الاغيار- شذوذا عـــن الفطرة الإلهيه في الاجتمـــاع الإنساني (( ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها )) ( الحديد :27 ) .

وكانت رهبانية الإسلام هي الجهاد في سبيل الله - وهي فريضة اجتماعية ، لا تتأتي إلا في أمة وجماعة ومجتمع واشتراك .. وكانت الشوري – التي لا تتحقق إلا بالاجتماع – صفه من صفات المؤمنين (( وأمرهم شوري بينهم )) ( الشوري 38 ) .. وكانت العصمه – في الرؤية الإسلامية – للأمة ، أي للجماعة والاجتماع .. كما قال المعصوم ﷺ،فيما يروية ابن ماجة:(إن أمتي لا تجتمع علي ضلالة) .

فالأمة،أي الجماعة والإجتماع والأشتراك ، هي السبيل إلي الرشد واليقين الذي يحقق الطمأنينة والأمن والسعادة للإنسان .. والمجتمع- أي مجتمع – إنما تتكون أمتة وجماعته من الذكور والإناث.. وهذا التنوع في الذكورة والأنوثة ، قد أخبرنا الحق، - سبحانه وتعالي – أنه نابع من أصل واحد (( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونساءً )) (النساء :1 ).. ((وهو الذي انشائكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون )) ( الأنعام : 98 ) ثم نبأنا الله - سبحانه وتعالي – أن العلاقة بين النوعيينهي المساواة في أصل الخلق ، وفي التكريم .. ((ولقد كرمنا بني آدم في وحملناهم في البر والبحرورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفصيلا )) (الإسراء :70 ) .. وفي التكليف (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )) ( الذاريات : 56 ) وفي المشاركة والارتفاق في العمل العام .. وفي الحساب .. وفي الجزاء .. ولقد تحدث الهدي القرآني عن دائرتين من دوائر المشاركة والاشتراك والارتفاق بين الذكور والإناث :

الآولي : هي دائرة الآسرة ، التي هي اللبنة الآولي في بناء الأمة ، والخلية التي يبدأ بها الاجتماع الإنساني ، وعن علاقة المشاركة والاشتراك والارتفاق في هذه الدائرة تحدث القرآن الكريم عن الميثاق الغليظ والفطري الذي يربط بين الزوجين(( وقد أفضي بعضكم إلي بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا ))(النساء :21) .. وكيف أن الزوجة هي السكن والسكينة لزوجها ، القائمة علاقتها به علي المودة والرحمة((ومن آياته أن خلق لكم من انفسكم ازوجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ))

( الروم :21 ) وعن أن كل واحد منهما هو لباس للأخر((هن لباس لكم وانتم لباس لهن ))( البقرة : 187) .. وعن قيام الأسرة علي الاجتماع الشوري ، الذي يرتفق فيه أعضاؤها كل واحد علي الأخر ((والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلي المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا يكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلي الوارث مثل ذلك فإن أراد فصالاعن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعلمون بصير )) (البقرة :233) .. كما تحدث القرآن الكريم عن التماثل بين الزوج والزوجة في الحقوق والوجبات (( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم )) ( البقرة 228) ..

ويشهد علي أن هذه الأية إنما تتحدث عن الاشتراك والمشاركة والارتفاق في دائرة الأسرة سياقها القرآني ، فلقد جاءت ضمن سبع عشرة آية تتحدث كلها عن شئون الأسرة وأحكامها من الأية 221 – تتحدث عن الخطوبة .. والطهر والرضاع .. والفطام .. والإيلاء ( هجران الزوج لزوجته ) .. والطلاق.. والعدة .. والمتعة .. ألخ .. ألخ .

والمماثلة التي تتحدث عنها الأية ، ليست بين الذكر والأنثي ، ذلك أن الفطرة الإلهية قد مايزت بينهما (( وليس الذكر كالأنثي )) ( آل عمران :36) .. وإنما هي المماثلة في الحقوق والواجبات بين الزوجين في دائرة الاجتماع الأسري ، علي النحو الذي يجعل هذه الحقوق والواجبات – بالاشتراك – كلا واحد .. ومن هنا كان قول عبد الله بن عباس ، رضي الله عنهما ، في تفسير هذه المماثلة – إني احب أن اتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي - ، لهذه الآية ..

فالاشتراك والمشاركة ، والاسهام والمساهمة ، والتفاعل والمفاعلة عامة وشاملة في كل ميادين الحياة الأسرية ، التي تجعل الرجل لباسا لزوجته والزوجه لباسا لزوجها .. ولذلك ، كان الأولي والأوجه في التفسير ( الدرجة ) التي للرجال علي النساء – في المشاركات الأسرية – هي درجة الإتفاق ، التي هي – مع الطبيعة المميزة للرجولة – جماع المؤهل الفطري للقوامة لسفينه الأسرة ومجتمعها ، وعندما تكون المماثلة في المشاركة بالحقوق والواجبات ، وليست بين الأنوثة والذكورة ، فإنها تتحقق مساواة التكامل بين الذكر والأنثي ، علي النحو الذي لا يطمس التمايز الفطري بين الذكورة والأنوثة ،والذي هو سر شوق كل شق إلي الشق الأخر ، والسبب الأول في سعادة كل نوع مما يتميز به ويمتاز النوع الثاني .. فهي مماثلة الشقين المتكاملين ، لا الندين المتطابقين..

وأيضا ، فإنها ليست المماثلة المادية ولا العددية في الحقوق والواجبات ، وإنما مماثلة الاشتراك في النهوض برسالة الاجتماع الأسري ، وفق المؤهلات الفطرية ، التي تمايز ما بين الإسهامات لكن في ذات الإطار.. وتراعي التنوع في إطارات ذات التكاليف ، وفي درجات ذات الصفات والملكات .. وهو تنوع قائم بين النوعين –الذكور والإناث – وليس بين كل فرد وآخر من أفراد النوعين..

وإذا كان القرآن الكريم قد حدد أن لنوع الرجال علي نوع النساء –درجة- ((وللرجال عليهن درجة )) .. فإن هذه – الدرجة – التي هي المسئولية الأكثر ، والتكليف الأزيد- أي القوامة – بمعني دوام القيام بالمزيد والأثقل من الأعباء – (( الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض وبما أنفقوا من أموالهم )) ( النساء:34 ) .. إن هذه الدرجة – القوامة – ليست لكل رجل علي كل امرأة ، ولا لكل زوج علي زوجة .. وإنما هي للغالب من مجموع الرجال علي الغالب من مجموع النساء بحكم طبيعة التميز في الخلقة والقوة والمهارة في التكاليف بميادين بعينها .. فهي قوامة مبعثها توزيع العمل بين النوعين ، وليس احتكار العمل ولا إغلاق ميادين منه إغلاقا تاما علي نوع دون الأخر .. فقد يبرع بعض الرجال في بعض الميادين التي تبرع فيها المرأة ، عادة ، أكثر من الرجال .. وقد تبرع المرأة في بعض الميادين التي خلقت ليبرع فيها الرجال .. لكن يظل ذلك في إطار الاستثناء الذي يؤكد القاعدة ، قاعدة التنوع في الفطرة بين الذكور والإناث ، ليتكامل النوعان ، فتتحقق السعادة الخاصة بين الذكر والأنثي، ويتحقق توزيع العمل وفق هذا التنوع الفطري بين الذكور والإناث ..

ولأن هذه هي حقيقة (القوامة ) – المسئولية المتخصصة ، والتكليف الأزيد ، بحكم التأهل الفطري ، والقيادة والريادة في ميادين بعينها – كانت للمرآة ( قوامة ) في الميادين التي هي مؤهلة للبراعة فيها أكثر من الرجال .. فهي ليست محرومة من هذه ( القوامة ) – أي الريادة والقيادة والرعاية – أي إن هذا التمايز بين الرجال والنساء ، إنما هو تمايز بين جملة ومجموع النوعين ،وليس بين كل فرد وآخر من النوعين .. وهو تمايز في الدرجات داخل إطار ذات التكاليف المكلف بها الرجال والنساء .. فإذا كانت الأسرة – زواجا وإنجابا وتربية وتأسيسا للبنة الأمة الأولي – هي تكليف للرجل والمرآة علي السواء ، فإن أسهم كل منهما تتفاوت وتختلف باختلاف ميادين البناء الأسري،علي النحو الذي يتكامل فيه هذا التفاوت والاختلاف ..  فمن هذه الميادين ما تزداد فيه إسهامات الرجل ،بحكم فطرته وإمكاناته .. ومنها ما تزداد فيه إسهامات المرأة ، بحكم فطرتها وإمكاناتها ، مع بقاء هذا التنوع : تنوع درجة ، في إطار التكليف العام لهما معا ببناء الأسرة علي النحو الذي يريده الأسلام .

وعن هذه الحقيقة من حقائق (( تنوع التكامل )) و (( تكامل التنوع )) بين المرأة والرجل ، جاء حديث رسول الله(صل الله عليه وسلم)، الذي تحدث عن ( الرعاية ) – القيادة .. والقوامة – باعتبارها حقا وتكليفا لكل الرجال ولكل النساء ، تتفاوت فيها الميادين ، وتتنوع المسئوليات ، وفق الفطرة والكفاءة التي وهبها الله لكل منهما (( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، فالأمير الذي علي الناس راع عليهم وهو مسئول عنهم ، والرجل راع علي أهل بيته وهو مسئول عنهم والمرأة راعية علي بيت بعلها وولده وهو مسئولة عنهم ، وعبد الرجل راع علي بيت سيده وهو مسئول عنه . ألا ((فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)) – رواه البخاري ومسلم والإمام أحمد . هذا عن دائرة الاشتراك والمشاركة والارتفاق بين الرجل والمرأة في دائرة الأسرة .

أما الدائرة الثانية : من دوائر الاشتراك والمشاركة بين الرجال والنساء ، فهي دائرة الأمة والمجتمع .. أي دائرة المشاركة في العمل الاجتماعي العام .. ولما كان جماع العمل العام ، في الرؤية الإسلامية ، مندرجا تحت فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، التي تشمل كل تكاليف وأحكام السياسة والاجتماع والاقتصاد والآدب العامة ومنظومة القيم والأخلاق والعادات والأعراف ، فلقد شرع القرأن الكريم لمبدأ الاشتراك والمشاركة بينالرجال والنساء في كل هذه الميادين الاجتماعية عندما قال : (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ))

 ( التوبة :71 ) .

إن صورة الأمة الإسلامية والاجتماع الإسلامي – هي الصورة الأكبر للأسرة المسلمة – قد عبر عنها الحديث النبوي الشريف – الذي رواه البخاري ومسلم (( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي ))

ففي هذه الصورة تتفاوت المكونات – الأعضاء والطاقات والملكات – في الحجم والكفاءة والاحتياجات – لكنها تتشارك وتتساند وترتفق جميعا في النهوض بجميع التكاليف(( الاجتماعية – الكفائية )) ، التي يتوجه فيها الخطاب الإسلامي إلي الأمة – أي إلي الرجال والنساء علي السوء – هي مشاركة عامة ، مع تنوع درجات الإسهام في كل ميادين من ميادين هذا العمل العام ، وفق المؤهلات والإمكانات الفطرية والمكتسبة للذكور والإناث . إنها فرائض إلهية ،على النساء و الرجال يؤدونها متناصرين (بعضهم اولياء بعض) كما هو الحال في الأمة الإسلامية

فكل التكاليف العامة ،المؤسسة للفرائض(( الاجتماعية ~الكفائية))،إنما هى – فى القران الكريم –موجهة إلى الامة ، وإلى الجماعة المؤمنة ، أى إلى النساء و الرجال .. وإذا كان الإيمان بالإسلام هو باب الولوج إلى أمته وجماعته ، فلقد ساوت الدعوة الإسلامية الأولى بين النساء و الرجال عندما جعلت للمرأة بيعة مستقلة عن بيعة الرجل – زوجها أو أبيها أو أخيها أوعمها(وليها)- تدخل ،بهذه البيعة المستقلة ،إلى الإسلام و امته ، مثلها فى ذلك مثل الرجل سواء بسواء ((يأيها النبى إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترنيه بين أيديهن و أرجلهن ولا يعصينك فى معروف فبايعهن وأستغفرلهن الله إن الله غفور رحيم )) (الممتحنة : 12 ).  

بل لقد نصت بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، للنساء على أفتح ابواب و أفاق إسهامات المرأة فى العمل العام بقدر ما يضيف العلم و التعليم والتربية للمرأة من طاقات و إمكانات وملكات تكتسبها من هذه المكونات .. فتح الرسول صلى الله عليه وسلم ،أمام النساء أبواب وأفاق المشاركة فى العمل العام عندما جعل بيعتهن فيم استطعن و اطقن.. فعن أميمة بنت رقيقة قــالت – فيما يرويه ابن ماجة -: جئت النبى صلى الله عليه و سلم ، فى نسوة نبايعه، فقال : (( فيم استطعتن وأطقتن )) .. فكل ماتستطيعه المرأة و تطيقه فطرتها وأنوثتها من العمل العام ، بابه مفتوح أمامها ، مادام لم يؤد ذلك إلى طمس للفطرة أومخالفة لثابت الدين .. وهى فى هذه الضوابط الموضوعة على المشاركة فى العمل العام ،تستوى مع الرجال الذين لايجوز أن تطمس مشاركتهم فى العمل العام فطرة الذكورة و الرجولة ،ولا أن تخالف ثوابت الدين 

 

  • الجمعة AM 12:15
    2015-12-18
  • 5729
Powered by: GateGold