المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 411846
يتصفح الموقع حاليا : 246

البحث

البحث

عرض المادة

قضية الطلاق

قضية الطلاق
ركز الغزو التنصيرى والاستشراقى فى هذا العصر هجومه على قضية الطلاق، لأجل الطعن على
رؤية الإسلام فى نظام الأسرة وهو – وأيم الحق من مفاخره ومآثره.

ومن المؤسف حقا أن يروج ذلك عند بعض المسلمين فيتحدثون عن قضية الطلاق باعتبارها مشكلة من مشكلات الأسرة والمجتمع، يتحدثون حديثا فيه غمز للإسلام العظيم وشريعته الغراء.
ويمكن حصر ما أثاروه حول قضية الطلاق فى النقاط التالية:
1-يقولون: إنه – أى الطلاق – ينبغى ألا يكون أصلا كما هو الحال فى ديانات أخرى، ويجب أن تكون الحياة الزوجية قائمة بين الزوجين لا يفرق بينهما إلا الموت.
2-ويقولون: إذا كان الطلاق لا بد منه فيجب مساواة المرأة بالرجل فيه توقعه متى شاءت، كما يوقعه هو ما تشاء.
وهم فى ذلك يدعون أن فى شريعة الطلاق ظلما صارخا يقع على المرأة، فالرجل ينهى الحياة الزوجية متى أحب، فتعيش المرأة مهددة معه، فلا يكاد يقر لها قرار، وهى لا تستطيع الإفلات من قبضة الرجل فتكون كالأمة المملوكة تعيش عيشة الأرقاء ما لم يتكرم مالكها؟!
3-ومرة يقولون: يجب أن تحد حرية الرجل فى الطلاق،فلا يتم إلا بحكم قضائى وهذا ما يسمونه " تقييد الطلاق ". ( )
هذا تصوير أمين لما يرجف به المستشرقون وأذنابهم حول موضوع الطلاق، وهم فى ذلك لم يكونوا على حق في ما قالوه، وإنما هو شأن كل من يشاقق الله ورسوله.
وها نحن – إن شاء الله – نفند شبهاتهم فى موضوع الطلاق.
أولا: الرد على الشبهة الأولى:
إن استقرار الحياة الزوجية من أعظم الغايات التى يحرص عليها الإسلام، ومن ثم فإن عقد الزواج عقد متين وميثاق غليظ " ربط الله به بين رجل وامرأة أصبح كلاهما يسمى به " زوجة " بعد أن كان " فردا " هو فى العدد " فرد " وفى ميزان الحقيقة " زوجاً "، لأنه يمثل الآخر ويحمل في حناياه آلامه وأماله.
رباط أقامه الله على مهاد من السكن والرحمة،وجعله آية من آياته فى كونه كخلق الإنسان من تراب وخلق السماوات والأرض واختلاف الألسنة والألوان، وقد صور القرآن الكريم مدى هذا الرباط بين الزوجين فقال: { هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمُ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ } ( ) وفى هذه العبارة ما فيها من الإيحاء بمعانى الستر والوقاية والزينة والدفء يحققها كل منهما لصاحبه " ( )
هذا الرباط الوثيق الذى نسجت خيوطه بعد كثير بحث وكبير جهد وتعرف وخطبة ومهر وزفاف وإعلان،ليس من اليسير على شريعة حكيمة مثل شريعة الإسلام أن تتهاون فى نقضه وفصم عراه، لأدنى سبب يدعيه الرجل أو تزعمه المرأة.
وحسب الإسلام أنه يبذل فى سبيل ترميم هذا البيت الآيل للسقوط محاولات شتى لتقويمه حتى لا تبقى بعدها ذرة أمل واحدة وذلك على النحو التالى:
1-دعا الإسلام كل من الزوجين إلى أن يشعر بمسئوليته تجاه الآخر أمام الله تعالى، فهو المطلع على حسن سلوكهما أو انحرافه وقد جعل كلا منهما راعيا ومسئولا، ففى الحديث الصحيح ان رسول الله () قال:" كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته … والرجل راع فى أهلهوهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية فى بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها " ( )
2-بغض الإسلام الناس فى الطلاق، وحث المسلمين على اتقائه ما استطاعوا سبيلا إلى ذلك، وفى هذا يقول عليه الصلاة والسلام:" أبغض الحلال إلى الله الطلاق " ( )
3-نبه الإسلام كلا من الزوجين إلى مداخل الشيطان فى هذا الأمر ومحاولاته هو وجنوده التفريق بين المرء وزوجه ليكون على حذر من التردى خلف بسائط الأمور وتوافه الأخطاء، وصغائر الذنوب قال تعالى: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىَ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدَاً وَلَكِنَّ اللهَ يُزَكِى مَا يَشَاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ( )، وقال ():" إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منهم منزلة أعظمهم فتنة يجىء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا فيقول: ما صنعت شيئاً قال: ثم يجىء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته قال: فيدنيه منه ويقول: نِعْمَ أنت " ( )
ولا غرو أن اعتبر القرآن الكريم التفريق بين المرء وزجه من أعمال السحرة والكفرة كما قال تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُوُلاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَينَ الْمَرْءِ وّزَوْجِهِ } ( )
4-يقر الإسلام أنه لا يصح الاتجاه إلى الطلاق لأسباب يمكن علاجها، أو لأمور يمكن ان تتغير فى المستقبل، أو لا تحول بطبعها دون استقرار الحياة الزوجية على وجه ما، وحتى الأمور التى تتعلق بعاطفة الزوج نحو زوجته أو بكراهته لبعض أحوالها لا يعدها الإسلام من مبررات الطلاق، فالإسلام يرى أنه لا ينبغى أن يفكر الأزواج فى الطلاق لمجرد تغيير عاطفتهم نحو زوجاتهم، لأن هذه العواطف متقلبة ومتغيرة، ولا يصح أن تبنى عليها أمور خطيرة تتعلق بكيان الأسرة، وبغيض الإنسان اليوم قد يصبح حبيبه يوما ما، والزوج عن كره من امرأته خلقا فقد يكون فيها خلق آخر يرضيه وفى هذا يقول الله تعالى: { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } ( )، ويقول ():" لا يَفْرِك ( ) مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضى منها آخر "( )
5-يأمر الإسلام الزوجين عندما يحدث بينهما شقاق أو نفور أن يعملا على إزالته بإثارة دواعى الرحمة والوئام وفى هذا يقول الله تعالى: {وَإِنْ امْرَأَةٍ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جِنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُما صُلْحَاً وَالصُلْحُ خَيْرٌ } ( )
6-يوجب الإسلام على الزوجين إذا لم يستطيعا أن يصلحا ما بين نفسيهما أن يعرضا أمرهما على مجلس عائلى يختار الزوج من أهله واحدا يمثله، وتختار الزوجة من أهلها واحدا يمثلها، ويجتمعان كمحكمة عائلية ينظران فى أسباب الخلاف وعوامله، ويحاولان إصلاح الأمور بينهما بما يستطيعان، ولا ريب فى أن كلا من الزوج والزوجة إذا كانا راغبين فى إنهاء الخلاف، وعودة المياه إلى مجاريها، فإن الحكمين سينجحان فى مهمتهما، وهذا ما تحدث عنه القرآن الكريم بقوله: {َإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمَاً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمَاً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إصْلاَحاَ يُوَفِّقَ اللهُ بَيْنَهُما } ( )
فإذا استحكم النفور بين الزوجين، ولم تنجح كل وسائل الإصلاح ومحاولات المصلحين فى التوفيق بينهما، فإن الطلاق وهو الدواء المر الذى لا داء غيره، ولهذا قيل: إن لم يكن وفاق ففراق وقال القرآن: {وَإنْ يَتَفَرَّقَايُغْنِ اللهُ كُلاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعاً حَكِيماً } ( )
وما شرعه الإسلام هنا هو الذى يفرضه العقل والحكمة والمصلحة، فإن أبعد الأمور عن المنطق والفطرة، أن تفرض شركة مؤبدة على شركين، لا يرتاح أحدهما للأخر ولا يثق به.
إن فرض هذه الحياة بسلطان القانون عقوبة قاسية، لا يستحقها الإنسان إلا بجريمة كبيرة، إنها شر من السجن المؤبد، بل هى الجحيم الذى لا يطاق وقديما قال أحد الحكماء:" إن من أعظم البلايا معاشرة من لا يوافقك ولا يفارقك "
وقال المتنبى:" ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى
عدوا له ما من صداقته بد
وإذا قيل هذا فى الصاحب الذى يلقاه الإنسان أياما فى الأسبوع أو ساعات فى اليوم، فكيف بالزوجة التى هى قعيدة بيته وصاحبة جنبه وشريكة عمره؟ ( )
وهكذا يتبين أن الإسلام لم يغمض عينيه – وهو يحتم أن يكون عقد الزواج مؤبداً – عن طبائع الناس وتجارب الأمم.( )
وإلا فماذا يصنع الزوج إذا صادف زوجة خرقاء حمقاء، لا ترعى لعقد الزواج عهدا ولا حرمة، ولا يصدر عنها لزوجها إلا ما يكدر العيش ويرهق العصب؟ وماذا تصنع هى إذا صادفته على مثل ذلك؟ ماذا يصنع زوج المجنونة أو المريضة مرضا لا يبرأ؟ وماذا تصنع هى إذا وجدته على ذلك؟ وماذا يحدث لو تنافر طباع الزوجين كل التنافر، أو يلقى فى نفس أحدهما أو كليهما كراهية شديدة للآخر وتعجز جميع الوسائل الإنسانية عن علاج هذا الحال؟، وهل يصير البيت بيتاً وأحد الطرفين أو كلاهما يكره الآخر؟ أوليس هذا يؤدى إلى الجريمة؟ يتخذ الزوج عشيقة يلبى معها دوافع الجنس، والزوجة المنبوذة تتخذ نفس الطريق، وهل ينفع الأطفال مثل هذا الجو الكابى الملبد بالغيوم؟ وغيرها من المآسى التى تعرفها جيداً الدول الكاثوليكية التى لم تأخذ بمبدأ إباحة الطلاق ( )
ومع هذا كله فإن الإسلام حين أباح الطلاق لم يجعله مجرد كلمة يلقيها الزوج على زوجته فتحرم عليه تحريماً أبدياً لا رجعة فيه ولا التئاماً ( )، وإنما سلك الإسلام مسلكاً يقيه شر العجلة والتسرع حفاظاً على الحياة الزوجية.
ومن الأمور التى سلكها الإسلام فى ذلك ما يلي:
1-رتب الإسلام على الطلاق من الناحيتين المالية والاجتماعية نتائج خطيرة، وألقى بسببه على كاهل الزوج أعباء ثقيلة ( ) "ومن شأن هذه النتائج والأعباء أن تحمل الزوج على ضبط النفس وتدبر الأمر قبل الإقدام على الطلاق ( )
2-يقرر الإسلام أن الطلاق ينبغى أن يكون فى طهر لم يحدث فى أثنائه اتصال بين الزوجين.
وإنما قرر الإسلام ذلك لأن " الطهر هو فترة كمال الرغبة فى المرأة، والرجل لا يقدم على طلاق امرأته فى كمال رغبته فيها إلا لشدة الحاجة إلى الفرقة ففى ذلك دليل على قيام حالة خطيرة تستدعى الطلاق، وفى هـذا يقـول الله تعـالى: { يَـا أَيُّـهَا النَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } ( ) ( )
يقول الشيخ سيد قطب فى تفسيره لهذه الآية: وهذه الآية تبين أن هناك وقتاً معينا لإيقاع الطلاق، وأنه ليس للزوج أن يطلق حيثما شاء إلا أن تكون امرأته فى حالة طهر من حيض، ولم يقع بينهما فى هذا الطهر وطء.. والحكمة فى ذلك التوقيت هى إرجاء إيقاع الطلاق فترة بعد اللحظة التى تتجه فيها النفس للطلاق، وقد تسكن الفورة إن كانت طارئة وتعود النفوس إلى الوئام، كما أن فيه تأكداً من الحمل أو عدمه قبل الطلاق … وهذه أول محاولة لرأب الصدع فى بناء الأسرة ومحاولة دفع المعول عن ذلك البناء.
وليس معنى هذا ان الطلاق لا يقع إلا فى هذه الفترة – فترة الطهر – إنما يقع حيثما طلق ( ) ولكنه يكون مكروهاً من الله، مغضوباً عليه من رسول الله () وهذا الحكم يكفى فى ضمير المؤمن ليمسك به حتى يأتى الأجل، فيقضى الله ما يريد فى هذه المسالة ( ) ثم إن هذه الطلقة التى ألقاها الزوج تعتبر طلقة رجعية فله أن يراجع زوجته فى أثناء عدتها، والعدة تستغرق مدة طويلة تبلغ ثلاثة قروء أى نحو ثلاثة أشهر لغير الحامل، وتستغرق مدة الحمل كلها للحامل، فالإسلام قد أعطى المطلق حتى بعد الطلاق فرصة طويلة ليراجع فيها نفسه ويرد فى أثنائها زوجته إليه إن كان ثم سبيل للإبقاء على الحياة الزوجية، ولتسهيل الإبقاء على الحياة الزوجية يقرر الإسلام أن هذه المراجعة لا تحتاج إلى أى إجراء، وأنها تتم بمجرد اتصال الرجل بمطلقته أو تقبيله إياها وما إلى ذلك كما تتم بمجرد قوله: "راجعت امرأتى" أو عبارة من هذا القبيل.
ولكى تكثر بواعث المراجعة ودواعى الإبقاء على الحياة الزوجية أوجب الإسلام على الزوج ألا يخرج زوجته المطلقة من منزل الزوجية ما دامت فى عدتها قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ الْعِدَّةَ وَاْتَّقُواْ اللهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } ( ) ( )
ولعل الحكمة من إبقاء المطلقة فى بيت الزوج هى إتاحة الفرصة للرجعة، واستثارة عواطف المودة وذكريات الحياة المشتركة، وحتى يذكرها صباح مساء ولا تغيب عن ذهنه، ويراجع الأمر فى الغدو والعشى ويجرب مرارة البعد والهجران، ويعانى بشكل عملى الآثار النفسية الخطيرة عليه وعلى ولده وعلى بيته وعلى تعامله مع ضيفاته وفقدانه الخدمة الطيبة واليد الحانية والروح العذبة ليعيد كل حساباته، ليس خلال يوم أو أسبوع أو شهر، بل خلال ثلاثة أشهر على التقريب.( )
فإذا انتهت العدة ولم يراجع الزوج زوجته، فعليها أن تغادر بيت الزوجية، فإذا أراد الزوج إعادتها إلى عصمته مرة أخرى ووافقت المرأة على ذلك، فللزوج أن يراجعها ( )، ولكن بمهر وعقد جديدين.
فإذا راجعها الزوج إلى عصمته سواء كان ذلك فى أثناء عدتها أو تزوجها بمهر وعقد جديدين ثم دب بينهما ما يجعله يعزم للطلاق من جديد، وجب عليه أن يسلك فى هذه المرة الثانية على الأوضاع نفسها التى شرعت له فى المرة الأولى، ويعطيه الإسلام فى هذه المرة الثانية من فرص المراجعة وإعادة الزوجة ما أعطاها فى المرة الأولى.
فإذا ما أوقع الزوج الطلاق للمرة الثالثة على الكيفية السابق بيانها دل ذلك على استحالة الحياة بينهما، وعلى المرأة فى هذه الحالة أن تغادر منزل الزوج، وأن تعتد فى بيت أهلها، ولا تحل له بعد حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً حقيقياً ثم يفارقها – الزوج الثانى – بموت أو طلاق صحيح.
ولعل الحكمة من هذا الإجراء " أن زواج المرأة من زوج آخر، ثم عودتها إلى زوجها الأول أمر شديد الوقع على نفس كل من الزوج والزوجة وهو مما تنفر منه النفوس الكريمة، فكان تعليق إباحة عودتها إلى الحياة الزوجية بعد الطلقة الثالثة على الزواج بآخر ثم طلاقها منه منعاً فى الحقيقة لإيقاع الطلقة الثالثة بحيث لا يقدم عليها الزوج وهو يعلم ما وراءها من حكم قاسى يشمئز منه نفسه، إلا وقد يئس نهائياً من استمرار حياته معها "( )
وفى هذا يقول الله تعالى: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا اْفْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } ( )
ومما سبق يتبين ما يلى:
1-حرص الإسلام كل الحرص على تحقيق مقاصد الزوجية بكل الوسائل، بل ولم يدع وسيلة من وسائل الوفاق إلا نص عليها، وبهذا جاء منهجاً وسطاً بين التضييق المحرج والإطلاق الممقوت.
2-إن الطلاق فى الإسلام أشبه ما يكون بالعملية الجراحية المؤلمة التى يتحمل الإنسان العاقل فيها آلام جرحه حفاظاً على بقية جسده، وطالما بتر الأطباء عضو إنسان حرصاً على الإنسان كله.
3-إن نظام الإسلام فى الطلاق يكفل لكل من الزوجين حقوقهما وكرامتهما كشأنه دائماً فى كل ما قام به من إصلاح للأوضاع الاجتماعية.
4-إن الإسلام لم يجعل من مبدأ الطلاق أداة للتلاعب، كما حدث للغربيين حين أباحوا الطلاق يقول عليه الصلاة والسلام:" لا تطلق النساء من ريبة ( ) إن الله تبارك وتعالى لا يحب الذواقين ولا الذواقات "( )
فهل يحق لإنسان بعد هذا كله أن يقول: لماذا شرع الإسلام الطلاق؟
الرد على الشبهة الثانية:
أما ما يتكلفه أدعياء نصرة المرأة من جعل المرأة كالرجل فى إيقاع الطلاق عليه متى شاءت تحقيقاً للمساواة بينهما ما هو إلا " ضرب من التفكير العقيم، وحين يصبح الأمر كما يدعون تتعرض العلاقات الزوجية – فعلاً – للخراب والدمار.
إن النساء مهما أوتى بعضهن من الفضل والنباهة تعتريهن أحياناً كثيرة انفعالات عاطفية غاضبة تفقدها صوابها ويتوارى عقلها وراء سحب كثيفة من القتام، ولا يؤمن عليها فى هذه الحالات أن يصدر عنها قرار أهوج تدمر فيه كل شيء.
إنهن كما قال صاحب الدعوة ():" يكفرن بالعشير ويكفرن بالإحسان إذا أحسن إلى إحداهن ثم رأت من زوجها شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط "( ) وهذا الكفران وليد الانفعال العاطفى لا محالة، فلو كان الأمر كما يدعون فقد يفاجأ الزوج وقد خرج من منزله وهو لها زوج – أنه – عند عودته ليس لها زوج، لأنها قد طلقت نفسها منه، أليس ذلك من حقها كما يتصور قصيروا النظر من دعاة تحريرها؟"( )
ثم إن هذه المؤسسة – الأسرة – الرجل المسئول الأول عنها، وهو الذى يسعى فى إنشائها، واختار حواءها من بين آلاف الحواءات، وأنفق على تأسيسها من جهده وماله ما لم ينفق على سواها، وأمضى شطراً من عمره يحميها ويرعاها، ومن كان كذلك كان عزيزاً عليه أن يحطم بناء الأسرة، بل يعمل ألف حساب وحساب إذا حدثته نفسه بالإقدام على الطلاق..إنه سيعود يقطع مسافة من جديد من عمره وجهده كان قد قطعها من قبل، فهو إذن شديد الحرص على سلامة الأسرة، ولا يقدم على ما يهدمها إلا لدوافع غلابة، وضرورات قاهرة، تجعله يضحى بكل تلك النفقات والخسائر من أجلها، وهو فى هذا يشبه المريض الذى يرضى ببتر عضو من أعضائه إذا كان معلولاً لبقاء الجسد كله.
وهذا بخلاف ما تكون عليه المرأة إذا طلقت نفسها من الزوج، فقد يتقدم للزواج منها آخر، فينزل لها صداقها، ويؤسس لها منزلاً، وهى فى هذا مجرد مستهلك غير مطالبة شرعاً بإنفاق مليم واحد على تأسيس مأوى الزوجية فتطليقها نفسها – متى رغبت – لن يخيفها.
لذلك كان من الحكمة فى التشريع الإسلامى ربط الطلاق بإرادة الزوج وحده حفاظاً على الحقوق، وحماية للأسرة من الضياع والهلاك.( )
وهكذا يتبين أن المرأة لا تخسر مادياً بالطلاق، وإنما الذى يخسر هو الرجل الذى دفع المهر للمرأة ويقوم بنفقة البيت، فإذا أعطيت المرأة حق الطلاق سهل عليها أن توقعه متى اختصمت مع الزوج، سيما وهى سريعة التأثر شديدة الغضب، لا تبالى كثيراً بالنتائج وهى فى ثورتها وغضبها.
ومن هنا يتبين أن جعل الطلاق بيد الرجل هو الأمر الطبيعى الذى يتفق مع واجباته المالية نحو الزوجة والبيت والأولاد.
ومما هو جدير بالذكر أن الإسلام عندما أعطى الرجل الحق فى الطلاق – فى ظل الظروف الموجبة له – أعطى المرأة حقاً مساوياً فى الانفصال من الزوج، وهذا الحق هو مـا يسميه الفقهاء "بالخلع"( )
فإذا ساءت العشرة بين الزوجين، وكانت الكراهية من جهة المرأة، فقد أباح لها الإسلام أن تتخلص من الزوجية بطريق الخلع بأن تعطى الزوج مـا كانت أخذت منه باسم الزوجية ليُنْهى علاقته بها.( )
وفى ذلك يقول الله سبحانه وتعالى: { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا اْفْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُدُ اللهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} ( )
يقول ابن كثير – رحمه الله – فى تفسيره لهذه الآية:" وأما إذا تشاقق الزوجان ولم تقم المرأة بحقوق الرجل وأبغضته ولم تقدر على معاشرته، فلها أن تفتدى منه بما أعطاها ولا حرج عليها فى بذلها له ولا حرج عليه قبول ذلك "( )
وفى أخذ الزوج الفدية من زوجته المختلعة " عدل وإنصاف، إذ أنه هو الذى أعطاها المهر وبذل تكاليف الزواج والزفاف وأنفق عليها، وهى التى قابلت هذا كله بالجحود وطلبت الفراق، فكان من النَّصَفَة أن ترد عليه ما أخذت "( )
وقد ورد أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس( ) أتت النبى () فقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه فى خلق ( ) ولا دين ولكنى أكره الكفر فى الإسلام فقال رسول الله ():" أتردين عليه حديقته؟ " قالت: نعم قال رسول الله ():" اقبل الحديقة وطلقها تطليقة "( )
كما أن هناك عدة حالات أعطى الإسلام فيها المرأة الحق فى فصم الحياة الزوجية والمطالبة بالطلاق ومن هذه الحالات ما يلى:
1-أن يكون الزوج عقيماً:
فقد جاء أن عمر بن الخطاب –  – بعث رجلاً على بعض السعاية فتزوج امرأة وكان عقيماً فقال له عمر: أعلمتها أنك عقيم؟ قال: لا قال: فانطلق وأعلمها ثم خيرها.( )
2-التفريق للعيوب الجنسية:
فإذا كان فى الرجل عيب يعجزه عن الاتصال الجنسى( )، فللمرأة أن ترفع أمرها إلى القضاء فيحكم بالتفريق بينهما، دفعاً للضرر عنها إذ لا ضرر ولا ضرار فى الإسلام.
3-العجز عن الإنفاق على الزوجة:
فإذا امتنع الزوج عن الإنفاق على زوجته فلها أن تطلب من القاضى تطليقها، فيطلقها عليه جبراً ليرفع الظلم والضرر عنها، بل لقد ذهب بعض الأئمة إلى جواز التفريق بين المرأة وزوجها المعسر، لأن الشرع لم يكلفها الصبر على الجوع مع زوجها ما لم تقبل هى ذلك من باب الوفاء ومكارم الأخلاق قال تعالى: { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُواْ } ( ) ( )
4-أن يصدر حكم على الزوج بالسجن لمدة طويلة أو مدى الحياة.
ففى هذه الحالات جميعاً – للزوجة أن ترفع أمرها للقضاء وتطلب منه تطليقها للضرر الواقع عليها.
وهكذا يفتح الإسلام أمام المرأة أبواباً عدة للتحرر من قسوة بعض الأزواج وتسلطهم بغير حق.
الرد على الشبهة الثالثة:
أما عن الصورة التى يتخيلها أدعياء نصرة المرأة من جعل الطلاق عن طريق المحكمة وتقييده بيد القاضى كما هو الحال عند الغربيين، فهو جهل مركب، حيث ثبتت أضراره من جهة، وعدم جدواه من جهة أخرى.
أما أضراره فلما يقتضيه من فضح الأسرار الزوجية أمام المحكمة والمحامين عن الطرفين، وقد تكون هذه الأسرار مخزية، من الخير لأصحابها سترها، لنتصور أن رجلاً اشتبه فى سلوك زوجته وتقدم إلى المحكمة طالباً طلاقها لهذا السبب، كم تكون الفضائح فى هذا الموضوع؟ وكم يكون مدى انتشارها بين الأقرباء، والأصدقاء والجيران، وبعض الصحف التى تتخذ من مثل هذه القضايا مادة للربح؟( )
وأما عدم جدواه: فإن المتتبع لحوادث الطلاق فى المحاكم فى الغرب يتأكد أن تدخل المحكمة شكلى فى الموضوع، فقل أن تقدمت امرأة أو رجل بطلب الطلاق إلى المحكمة ثم رفض، وإن كثيراً من ممثلات السينما يعلن عن رغبتهن فى الطلاق من أزواجهن والزواج بآخرين قبل أن يتقدمن إلى المحاكم بهذا الطلب، ثم ما تلبث المحاكم أن تجيبهن إلى طلبهن.
وأبشع من ذلك أن المحاكم فى بعض البلاد الغربية لا تحكم بالطلاق إلا إذا ثبت زنى الزوج أو الزوجة، وكثيراً ما يتواطأ فيما بينهما على الرمى بهذه التهمة ليفترقا، وقد يلفقان شهادات ووقائع مفتعلة لإثبات الزنى حتى تحكم المحكمة … فأى الحالتين خير مقاماً وأليق كرامة أن يتم الطلاق بدون فضائح، أم أن لايتم إلا بعد الفضائح؟.( )
على أن الغربيين قد جعلوا الطلاق عن طريق المحكمة، فما قل الطلاق عندهم، وما استطاعت المحاكم أن تقف فى سبيل رجل أو امرأة يرغب فى الطلاق.
وإضافة إلى ما سبق: إن الطلاق له " أثر شرعى هو تحريم المعاشرة الزوجية إذا كان الطلاق صدر من الزوج صريحاً أو كالصريح – الكناية – وقد نوى به الزوج زوال العصمة الزوجية هذا الأثر لا يتوقف على حكم القاضى، أما الآثار الأخرى فهى تتبع هذا الأثر وجوداً وعدماً وتوثيقها لدى الموثق – المأذون – أو صدور حكم بها أدعى لحفظ الحقوق.
وفى حالة إيقاع الطلاق من الزوج على وجهه الشرعى إذا لم يقر به القاضى، فحكم القاضى لا يؤثر فى صحة وقوعه شرعاً، لأن من بيده العصمة قد أصدره ونواه فحرم به ما كان حلالاً له، نعم يكون حكم القاضى إذا طلق على الزوج زوجته لثبوت ضرر محقق واقع عليها منه يكون صحيحاً ولا خطر فيه، وإنما الخطر أن يرفض طلاقاً صحيحاً ونهائياً صدر عن الزوج، لأن فى رفض القاضى له تحليلاً للحـرام، ثم ما فائدة أن يجبر القاضى الزوج على حياة قد ملها وكرهها.
أليس فى ذلك حمل للزوج على إساءة معاملة الزوجة وتنشيط لروح الشقاق بينهما؟( )
ومما سبق يتبين بكل وضوح حقيقة المنحنى السليم الذى قررته الشريعة الإسلامية بشأن قضية الطلاق.
كما يتبين أن ما يرجف به أعداء الإسلام، ومن دار فى فلكهم من أدعياء نصرة المرأة واتهامهم لشريعة الإسلام بأنها ظلمت المرأة مجرد أوهام ساقطة لم تقم على بينة، ولم يدعمها حجة داحضة

  • السبت PM 06:01
    2015-08-08
  • 3610
Powered by: GateGold