المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413706
يتصفح الموقع حاليا : 239

البحث

البحث

عرض المادة

الفرويدية

كان علم النفس قبل هذا القرن يبحث في الإنسان، وكأنه روح بلا جسد؛ وكان يهمل دراسة الحيوان وبعض بني الإنسان كالأطفال والبدائيين والشواذ، وكان معظم دراسته للإنسان كفرد منعزل.

أما الآن، فقد سيطرت العلوم الوضعية – كالطبيعة والكيمياء وعلم الحياة – عليه منذ أواخر القرن الماضي، وأصبح يدرس الإنسان كأنه مادة فقط. ثم انحرف عن أسلوب العلاج إلى أسلوب التقرير، فأصبح "جبريًا" يرى أن الإنسان مسير أمام جملة من العوامل التي يحكمها العقل، وأصبح عاجزًا عن أن يخلق المثل الأعلى لأنه غير قادر على تثبيت قيم الأشياء. ولأنه علم وضعي يسير في نطاق ضيق من التجارب، لم يدع علم النفس إلى المجاهدة؛ وإنما دعا إلى ###30### الاستجابة للأهواء والرغبات المذلة؛ لم يرفع الإنسان أمام نفسه إلى الاستعلاء فوق الغرائز؛ ولكن دعاه إلى الاستجابة لها، ولقد كان من ذاته، ولكنها وسيلة إلى مراقبة السلوك، وقد التمس الإسلام طابع الاعتدال في السلوك، والتوسط في الحركة. وقد نما علم النفس في العصر الحديث على الأسس التي رسمها المفهوم الإسلامي، غير أنه لم يلبث أن تحول تحت تأثير المذاهب الفلسفية، وخاصة الفلسفة المثالية، ثم لم يلبث أن انحرف بعد ظهور الفلسفة المادية حتى انتزع كل مقومات التوجيه والخلق، وأصبح علمًا إحصائيًا محضًا يتوقف عند تصوير الواقع، ولا يتعرض للعلاج، ثم هو يتحول عن طبيعة العلوم النفسية والاجتماعية في الدعوة إلى ضبط النفس وحماية الإنسان ومعارضة الشهوات المذلة، إلى الإسراف في الدعوة إلى الإطلاق.

وهذه النقطة بالذات هي مفرق الطريق عن قيام مفهوم علم النفس على تقدير كامل للإنسان روحًا وجسمًا، وبين تحول علم النفس إلى المادية وسقوطه تحت سيطرة المدرسة المنكرة للدين جملة.

ولقد ظهرت مدرسة علم النفس الحديثة ممثلة في ثلاثة هم: فرويد، وادلر، ويونج، الذين سرعان ما ظهرت ###31### عوامل الخلاف بينهم، ثم علا شأن المفهوم الأبعد عن الفطرة والذي رده العالمان الآخران؛ مفهوم فرويد في إعلاء الجنس. جراء استسلام علم النفس الحديث إلى الجبرية أثر بالغ في انبعاث روح الشك في العقائد والأديان.

ولأنه علم تجريبي، فقد عني بالحالات الشاذة، وجعلها أساس البحث، من غير أن يقيم المعايير التي يستطيع المرء أن يتخذها لنفسه غاية، وعلماء النفس يصفون حالات الجماعة ونفسية الجماهير بما يحكمها من عقلية الرعاع، وبما يشينها من العقل الباطن غير المفكر؛ وكان حقيقًا بكل ذلك أن يدفع بالعالم إلى الشك، وأن يزعزع إيمان الناس في سمو المثل الأعلى، فقد أصبح الفرد يرى نفسه غير ملوم، لأنه يتخذ من وجوده في الجماعة ذريعة للتبرؤ.

2- يتصل علم النفس بالأخلاق اتصالا أساسيًا؛ فالأخلاق معرفة وسلوك، وعلم النفس هو ما كان يطلق عليه علم السلوك. وقد قطع الفكر الغربي الإسلامي شوطًا طويلا في مجال دراسة النفس مستمدًا مفاهيمه الأساسية من القرآن الكريم؛ هذه المفاهيم التي تتمثل في حقائق مترابطة، ألقت الضوء الحقيقي على هذه اللطيفة الربانية. وقد عمد الفكر الإسلامي في معرفة النفس أن يكون سبيلا إلى إصلاحها ###32### وتهذيب الأخلاق الذي لا يتأتى إلا بمعرفة عيوب النفس حتى يمكن إصلاحها، فليست معرفة النفس هدفًا مجردًا في.

3- تقوم نظرية فرويد في النفس على الأصول الآتية:

 أولا: الحياة النفسية للإنسان المسيطر على كل أفعال الإنسان.

 ثانيًا: إن غرائز الإنسان هي التي تحكمه وتسيطر على نشاطه، وإن الجانب المسمى بالروح لا وجود له على الإطلاق.

 ثالثًا: الدين والأخلاق ليسا قيمًا أصيلة في الحياة البشرية، ولكنهما انبثاق جنسي.

 رابعًا: القيم خرافة، وهي نفاق العقل للنفس والمجتمع.

 خامسًا: تفسر النفس كلها من خلال الجنس.

 سادسًا: رد كل الحوافز الإنسانية إلى الجنس.

ويرى فرويد أن الإنسان في جوهره حيوان كغيره من الحيوانات، وأن الإنسان يولد جنسيًا خالصًا، وأن كل أعمال الطفل تعبير عن طاقة الجنس، وأن الطفل يعشق أمه بدافع الجنس، ثم يجد الأب حائلا بينهما، فيكبت هذا العشق، فتنشأ في نفسه "عقدة أوديب" والطفلة تعشق أباها بدافع ###33### جنسي، فتكبت هذا العشق، فتنشأ في نفسها "عقدة اليكترا".

وهكذا يدخل فرويد الإنسان حظيرة الحيوان، ويثبت أنه عبد لنزواته، وأن العقل الباطن هو المسيطر الفعال في توجيه الإنسان، وأن غرائزه وميوله الفطرية، هي الأساس لسلوكه في الحياة، وهي التي تحكمه، وتسيطر على نشاطه.

ومن نظرية فرويد ظهرت نظريات في الأدب والفن والأخلاق، وفي مقدمتها: السريالية ثم الوجودية.

ولكن هذه النظرية لم تكن مقبولة منذ اللحظة الأولى بين علماء النفس، وقد وجدت معارضة شديدة من حيث معارضتها للفطرة، ومن حيث تغليب عنصر الجنس ورد كل حوافز الإنسان إليه.

4- من حيث المصادر، فقد اعتمد فرويد على الأساطير القديمة، وعدها حقائق علمية، كذلك فقد اعتمد على حالات المرضى الفردية، واتخذ منها أسسًا عامة للأسوياء، وقد أشار العلماء إلى أن فرويد أقرب إلى المتنبئين منه إلى العلماء، وأنه مخترع للفرضيات أكثر منه مجربًا لها، وأنه يرمي بنظرياته وآرائه دون أن يقدم لها البرهان العلمي والسند الواقعي، وأنه يفترض، ثم يصدق ما يفترض ويبني عليه، ###34### وكأنه حقيقة علمية لا يأتيها الباطل، وأن ملاحظاته تتعلق بالمرضى على الأخص؛ ومن ثم يجب ألا تعمم الاستنتاجات النابعة منها بحيث تشمل الأشخاص العاديين، وبخاصة أولئك الذين وهبوا جهازًا عصبيًا قويًا وسيطرة على أنفسهم.

كذلك أشار العلماء إلى أن نقطة الضعف الأساسية في فرويد كعالم، هي أنه اتخذ من دراسة نفسه وطفولته قاعدة للتعميم والوصول إلى قوانين عامة، وقد ترك فرويد من كتاباته عن نفسه وعن حياته ما يثبت أنه كان يتخذ من تحليل أحلامه وهواجسه ومشاكل صباه كيهودي في النمسا المتعصبة ضد اليهود قاعدة لكل تصميماته.

5- خالف فرويد في نظريته كلا من: ادلر ويونج وستيكل.

وقال يونج: إن آراء فرويد ذات جانب واحد، وإنها غير ناضجة كل النضوج، وإن مصدر سرور الطفل في الحصول على الغذاء يجب ألا يوصف بأنه جنسي أبدًا، وذلك على اعتبار من أن الدافع الجنسي، لم يتميز في نفسه بعيدًا عن الميل الابتدائي للحياة، وينكر يونج أن اللبيد جنسي بكليته وهو يعد اللبيد أنه إرادة الحياة.

ويقول يونج: إن الجنس ليس أساس الدوافع ###35### الإنسانية، وإنما هو دافع واحد من عدة دوافع.

وهو يخالف فرويد في صميم النظرية، ويرى أن الدافع الإنساني الأول هو الرغبة الملحة في التفوق، وأن الغريزة السائدة في الإنسان هي الرغبة في التفوق والسيادة، وليس الحب، ويقرر أن إرادة القوة، هي الإرادة الصادقة الأصيلة في نفس كل إنسان، ويرى ادلر أن النقص يكاد يكون هو السبب الأساسي للنبوغ.

وقد دعا ادلر إلى نبذ أهمية الغريزة الجنسية النبذ كله، وأرجع تكوين الشخصية ونشأة الأمراض العصبية إلى مجرد الرغبة في القوة وحاجة الإنسان إلى التعويض عن أي نقص في كيانه.

ويقول ادلر: إن الدافع الجنسي ليست له هذه الأهمية الشاملة التي ينسبها فرويد إليه، وأن حافز توكيد الذات (Self asnertive empulse) وليس الدافع الجنسي هو القوة السائدة الإيجابية في الحياة.

وقال ادلر: إن الطفل قبل الخامسة لا يعرف القيم والمعايير الخلقية، بل يكتسب أسلوب الحياة بالقدوة والمثال من البيئة التي يعيش فيها.

ويقرر ادلر الاضطرابات التي تعتري حياة الأطفال ###36### النفسية ترجع إلى عدم شعورهم بالمحبة؛ وهو يذهب إلى أن قسوة المستبدين وكراهيتهم ترجع إلى ذلك العامل الذي يثبت في نفوسهم عند الطفولة، وأن الأبناء الذين يفقدون حب آبائهم، يصبحون مصدر مشكلات كثيرة، لأن الطفل الذي يلتمس الحب، فلا يجده، يركبه الحسد والغيرة، ويميل إلى سلوك يحاول به لفت الأنظار وإثبات سيطرته، وقد يدعى المرض أحيانًا التماسًا للعطف.

كذلك أثبت يونج ومكدوجل أن العقل الباطن ما هو إلا خرافة، وقد نوقش فرويد في مسألة العقل الباطن وعقدة أوديب، فأنكرهما أخيرًا.

6- ولقد توالت المعارضات لمفاهيم فرويد في النفس، ولكن نظرية فرويد شقت طريقها في عنف، وسيطرت على جميع ميادين الدراسات النفسية، وكانت من ورائها قوى تدفعها إلى الأمام.

وقد سجلت بروتوكولات صهيون إشارة إلى فرويد فقالت: "يجب أن نعمل لتنهار الأخلاق في كل مكان، فتسهل سيطرتنا؛ إن فرويد منا، وسيظل يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس، لكي تبقى في نظر الشباب شيء ###37### مقدس، ويصبح همه الأكبر هو إرواء غرائزه الجنسية، وعندئذ تنهار أخلاقه".

ومن هنا يرجح الكثيرون أن هدف فرويد كان داخلا ضمن المخطط الذي رسمته الصهيونية للسيطرة على العالم بعد تدمير أخلاق البشرية.

ولقد امتد أثر فرويد نتيجة لذلك حتى شمل الأدب والقصة والسينما والمسرح والإذاعة والتليفزيون، ووصل إلى بيوت الأزياء وأدوات الزينة. وفي أصول نظرية فرويد يبدو هو غير منطلق مع الفطرة، بل معارضًا لها، ذلك أنه يرى أن التسامي نوع من الشذوذ، وأن الأخلاق تتسم بالقسوة، وتعوق التطور، كل ذلك دون سند علمي، وأنه في أخطر من هذا كله يقف عند عرض المسائل، ثم يترك الشباب بدون توجيه رغبة في إثارة القلق والاضطراب.

ويقرر الباحثون أن ليهودية فرويد دخلا كبيرًا في صياغة الكثير من نظرياته وفرضياته وتعليلاته، ذلك لأنه كان ينتمي إلى الحركة الصهيونية التي أقل ما ينسب إليها حب المال؛ والانغلاق، والتعصب؛ ومن هنا انبعثت فلسفته التي وصفت بأنها ميكانيكية جبرية؛ لأنها تنظر إلى الإنسان كأنه آلة عديمة الحرية، خاضعة كل الخضوع لقوى خفية لا يمكن التغلب ###38### عليها إلا بالحيلة، وهو بذلك قد فرض على علم النفس مبدأ الجبرية، وأنكر الإرادة الفردية القادرة على مقاومة الغرائز.

وقد وصف فرويد بأنه كان يمر بأزمات نفسيه، وهو يعالج مريضة أشبه بالهوس الجنسي – هي سيسلي المصابة بعقدة أوديب – وبينما فرويد يقوم بعلاج هذه الفتاة يتكشف له في نفسه أنه مصاب بعقدة أوديب، وأنه كان يتجه إلى أمه، ويغار من أبيه، وأنه اتهم أباه ظلمًا بجريمة أخلاقية رهيبة.

إن أسطورة أوديب الإغريقية التي تتحدث عن ابن ارتكب جريمتين، فقتل أباه، وارتكب خطيئة أخرى، ثم عافت نفسه بأن فقأ عينه، هذه الأسطورة جعلها فرويد حقيقة يؤمن بها، ويفسر بها سلوك الآخرين، وقد رسمت وقائع حياة فرويد صورة شخصية مضطربة مريضة جديرة بأن تبحث عن من يعالجها، لا أن تكون مصدرًا لرسم أسس لدراسة النفس البشرية.

فقد كان فرويد مجموعة من العقد النفسية والعادات الغريبة، ولم يستطع أن يشفي عقله الباطن من هذه العقد النفسية إلى آخر حياته، كان ينسى الأسماء، ومنها اسم أحد معارفه الدكتور فرويد، وكان من يتبع أوراقه التي تدخل في ترجمة حياته فيحرقها، وكان يؤمن بأنه سيموت في نهاية الحرب ###39### العالمية الأولى، فمات في بداية الحرب العالمية الثانية، وكان يدخن عشرين سيجارًا في النهار ليهدئ من ثوراته العصبية، وكان فرويد عرضة للإغماء على أثر المفاجآت، وكانت مرارة الطبع خلة ملازمة له في علاقاته بغيره، وكانت لأحلامه وجوه خفية ترمز إلى دلائلها في سريرته الباطنة، وكانت له ضروب من القلق، تنم على باعث من بواعث الحيرة المكتومة وكان أطهر حالاته الخاصة أنه يحارب التشبث في العقائد الدينية والعادات الخلقية، ولكنه يتشبث بالتفسير الجنسي للعقائد والعادات تشبثًا يربو في إصراره وشدته على تعصب المتعصب اللدود لمذهبه ودينه.

ومن قوله ليونج: عدني أنك لن تتخلى يومًا عن الإيمان بالتفسيرات الجنسية، غير أن يونج لم يلبث أن تزحزح تفكيره شيئًا فشيئًا عن ذلك الإغراق في العصبية الجنسية التي تحيط بكل على، ويتغلغل وراء الأسرار في أعماق كل طوبة، وقد خالفه تلميذه الفرد ادلر كما خالفه يونج.

وكان في طفولته ينسى نفسه ليلا في فراشه، وكان يخشى من السفر بالقطار، ويحضر إلى المحطة قبل موعد قيامه بنحو ساعة، وكان دائم العزلة، لا يسمح لأحد أن يصاحبه طويلا.

###40### 7- ولقد حاولت نظرية فرويد السيطرة على مناهج التعليم والتربية والدوائر العلمية، غير أنها في السنوات الأخيرة، انكشف عوارها، وبان فسادها حتى إن الأطباء النفسانيين الذين اجتمعوا لإحياء ذكرى فرويد في مدينة شيكاغو عام 1956، وعدتهم نحو أربعة آلاف، قد فوجئوا بحملة عنيفة على فرويد ومذهبه، يتولاها رجل مسؤول عن مركزه العلمي هو الدكتور برسيفال بيلي مدير معهد النفسيات بولاية ألنيواز. وخلاصة حملته: أن البقية الباقية من طب فرويد قليلة لا يؤبه بها، وأن آراءه لا تضيف شيئًا إلى القيم الإنسانية لأنه يرتد بالإنسان إلى أغوار الباطن، ويهمل جانبه المنطقي الشاعر، وأنه لم يكن يفهم المرأة. ولم يكن يتذوق الموسيقى، ولا يحس جلال العقيدة.

وهكذا يرى المراقبون أن العالم استطاع أن يضع فرويد على المشرحة قبل أقل من عشرين عامًا من وفاته، وأن الدكتور أرنست جونس هو تلميذه الوحيد من غير اليهود.

ومما أورده أرنست جونس في كتابه "حياة وأعمال فرويد" خطابه إلى صديق له يقول: لست في الحقيقة رجلا من رجال العلم، ولا من رجال الملاحظة ولا التجربة، لست مفكرًا، أنا لست إلا مغامرًا بطبيعة مزاجي وتكويني، ولديَّ ###41### كل ما عند المغامر من فضول ومثابرة وجسارة.

ويقول الباحث: إن نظرية فرويد عن العقل الإنساني لا تقوم على أكثر من افتراضات خيالية، انتزعت مادتها من الأساطير والتخمينات التي سبق رفضها في مجال الدراسات المتعلقة بتاريخ الإنسان، ونقول: والتي جاءت حقائق الأديان، وفي خاتمها الإسلام لتقضي عليها، وتكشف عن زيفها وعدم صلاحيتها لأن تكون قاعدة لأي مذهب علمي في فهم النفس الإنسانية.

وقد كشفت الأبحاث التي نشرها الكتاب اليهود في السنوات الأخيرة عن علاقة جذرية وعميقة بين نظريات فرويد وبين نصوص التلمود، وقد ظلت هذه النظرية تخدع مئات العلماء ببريقها الزائف سنوات طويلة حتى أعلنت هذه الحقائق، ومن بين الذين كشفوا هذا السر الدكتور صبري جرجس في كتابه: "التراث اليهودي الصهيوني في علم النفس ونظرية فرويد" حيث أشار إلى التركيز الخطير الذي قامت به القوى المسيطرة على الإعلام والآداب والفنون والجامعات في الغرب على نظرية فرويد واحتضانها على هذا النحو المريب، بالرغم من أنها لم تكن صحيحة علميًا، بينما أخفتت أصوات النظريات الأخرى الأكثر قربًا من الحقائق العلمية، يقول ###42### الدكتور صبري جرجس: لفت انتباهي حقيقة كبرى، تلك العلاقة الوثيقة بين فرويد رجل العلم والتحليل النفسي والفكر العالمي من ناحية، وبين التراث اليهودي الصهيوني والصهيونية، والعمل السياسي الديني العنصري من ناحية أخرى، وكما تبدي لي ليست علاقة مصادفة، ولكنها علاقة أصل ومسار وهدف، وأشار إلى أن فرويد وأصحابه الذين حملوا لواء فكرته من بعده كانوا جميعًا من الصهيونية "ساخس، رايك، سالزمان، زيلبورج، شويزي، وتيلز، فرانكل، كاتز، فينكل" وأشار إلى عدة عبارات وردت في كتابات يهودية لفتت نظره إلى ما يراه الآن من علاقة بين الصهيونية وبين نظرية فرويد، وليس ذلك إلى ما أشار إليه باكان في بعض خفايا التراث اليهودي الصهيوني التي لها علاقة بالتحليل النفسي، بل إلى ما ذكرته صراحة الكتابة "ترود، وايز، مارين" عن: كيف تحتقر اليهودية العقل الغربي مزيفة في سبيل ذلك وقائع الماضي وأحداث الحاضر، آمنة بعد ذلك من الافتضاح، ومطمئنة آخر الأمر إلى التصديق.

ثم يتساءل الباحث: كيف لم يتنبه أحد، وقد ناهز عمر التحليل النفسي الفرويدي سبعين عامًا؟! وكيف لم يتنبه أحد إلى هذا الأمر؟! وكيف فاتت هذه العلاقة بين الفكر التحليلي ###43### والفكر الصهيوني جميع من شغلهم التحليل النفسي: من تابعوه ومن نقدوه.

ويقول: إن مفاهيم التحليل النفسي، قد قدمت في أواخر القرن الماضي في إطار علماني؛ ثم ما لبثت الأبواق الخفية والمقَّنعة للدعاية اليهودية والصهيونية أن أحاطت هذا الفكر وصاحبه بهالة من النزاهة الفكرية، منعت حتى أعنف معارضيه من أن يستريبوا حتى في أصوله، وإن أنكروا مفاهيمه، ذلك على الرغم مما تسرب في كتابات فرويد وأصحاب فكره من عبارات تكشف عن يهودية صهيونية واضحة التعصب.

وقد فات مدلول هذه العبارات الأكثرين من الناس، حتى رفعت الصهيونية العالمية كل الأقنعة التي تتستر وراءها، وظهرت واضحة لا خفاء فيها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية من ناحية؛ وحتى انصرف أحد أبنائها "دافيد باكان" ينقب في حفريات التراث اليهودي الصهيوني محاولا الربط بينه وبين الفكر الفرويدي.

ويقول: إن الفكر الفرويدي المنبعث أصلا من التراث اليهودي والصهيوني، كان يهدف أساسًا إلى تقويض الأسس التي تقوم عليها حضارة الغرب، وإن هذا الفكر لم ترد به أية ###44### دعوة انحلالية صريحة "وكذلك الوجودية" وإنما كانت الإيحاءات الانحلالية تتخلل المفاهيم الفرويدية، ثم قامت أجهزة الإعلام الصهيوني بتقديم هذه المفاهيم لتنظيم الأدب والفن على نحو يغري الناس بالتحلل، وييسر لهم سبيله، والمعروف أن الدعوة الفنية، وخاصة إذا مست "قيمًا" يحرص الناس على بقائها، قد تكون أشد فاعلية في زعزعة إيمانهم بها من الهجوم الجريء السافر عليها. ويلاحظ الدكتور صبري جرجس أن التحليل النفسي "الفرويدي" يكوَّن لدى أصحابه وحدة عضوية وأيديولوجية، إما أن تقبل كلها، أو ترفض كلها، ولا سبيل فيها إلى التجزئة، ثم يصل من ذلك إلى الحقيقة التي تقول: بأن هناك علاقة أكيدة بين نظرية فرويد "في النفس" التي هزت الفكر الإنساني كله، وأثرت فيه، وبين الصهيونية ومخططاتها، وإن هذه النظرية وتطوراتها تسير جنبًا إلى جنب مع المخطط الصهيونية، وأن التحليل النفسي الذي ابتدعه فرويد مع ظهور الحركة الصهيونية منذ سبعين عامًا، لم يكن علمًا مجردًا، ولكنه وثيق الصلة في جوانبه المرضية والحضارية معًا بالفكر اليهودي الصهيوني الذي ظهر في التراث منذ عهد التوراة وما بعدها.

###45### وأنه من أجل ذلك سخرت الصهيونية اليهودية حربها الإعلامية والدعائية لنشر مفاهيمه والدعوة له في أوسع نطاق مستطاع، حتى أصبحت الفرويدية من أقوى العوامل أثرًا في التوجيه الفكري والخلقي لعالم الغرب.

وقد كان فرويد يهوديًا قحًا، وعضوًا عاملا وفخريًا في بعض منظمات الصهيونية، وصديقًا شخصيًا لهرتزل أبي الصهيونية.

وعندنا أنه لا يستبعد أن يكون قد دخل عمله ضمن مخطط البروتوكولات لأنه جرت الإشارة إليه فيها على أنه دعامة من دعامات الخطة إلى تدمير العالم والسيطرة على الأمم والمجتمعات العالمية عن طريق هدم قيمها وأخلاقياتها.

ويقول الدكتور صبري جرجس أخيرًا: "إن العلاقة العضوية والمصيرية، والمصلحية بين اليهودية والصهيونية والاستعمار الإمبريالي من ناحية، وبينها وبين التحليل النفسي الفرويدي من ناحية أخرى، قد جعلت من الحركات الثلاث "ثالوثًا" قوامه العنصرية، وروحه الاستعلاء، ووسيلته الإفساد، وهدفه الاستغلال، وهو بشكل يواجه البشرية ومستقبلها"

ويمكن العودة إلى ما دعت إليه الصحافة الصهيونية في ###46### أعقاب عدوان يونيه 1967 حين طالبت بالمزيد من الحرب النفسية ضدنا، ودعت إلى استخدام علم النفس الفرويدي بشكل أعمق وأدق؛ وذلك لأن علم النفس علم يهودي، وخليق باليهود بصورة تجعلهم أقدر الناس على استخدامه.

وقد تبين في وضوح أن تعاليم فرويد تؤازر الدعوة التلمودية إلى إشاعة الفاحشة في الناس ومعارضة التعاليم الدينية التي تدعو إلى ضبط الغرائز ومغالبة الشهوات وإرساء القيم الأخلاقية، وهي أساس من أسس الفلسفات الحديثة التي تدعو إلى إطلاق الغرائز وإشعالها بالفنون واستثارتها بالصورة والكلمة والملابس.

وقد نبذت بلاد كثيرة طريقة فرويد في العلاج النفسي والعقلي، وأعلنت فساد نظريته التي ترد كل الاضطرابات النفسية إلى أسس جنسية بحتة.

وقال الدكتور ناثان كلاين، الطبيب النفسي السوفيتي: إن هذه النظرية ليست سوى معول هادم لعقول الشباب، ومخدر مميت لنفوس أبناء الشعب، وهو يرجح عليها نظرية إيفان باملتوف التي ترى أن البيئة هي المسؤول الأول عما يصيب الإنسان من انحراف نفسي وعقلي.

والإسلام يرد كلا النظريتين، ويرى أن كلا منهما ترتكز ###47### على واحد من جملة عوامل هي مصدر الإرادة الإنسانية.

8- وفي أخطر نظرية قدمها فرويد أثبتت الأبحاث التجريبية خطأه وفساد رأيه، وهي مسألة الطفولة، وما يدور حولها، فقد أعلن فرويد بأن معارضة رغبات الطفل في صغره ومحاولة الأهل في أن يروضوه على النظام وأصول السلوك تؤثر في تصرفاته إذا كبر.

ولذلك فإنه يجب أن يترك الطفل حرًا بدون توجيه حتى لا يكون ذلك مصدر تعرضات وعقد في حياته.

وقد روج علماء النفس والتربية لهذه النظرية على نحو اتخذ منها وسيلة لهدم أصول التربية وبناء الشباب تحت تهديد وهمي، غير أن العلماء الذين قاموا بإحصائيات وتجارب في البيئة نفسها، تبين لهم فساد هذه النظرية وعدم جدواها، وأن بعض العلماء الأمريكيين أعلن بعد دراسات طويلة بضرورة استخدام الضرب كوسيلة لتقويم الطفل، وقيد الضرب؛ وقد التقى في ذلك بعلماء المسلمين القدامى، أمثال الغزالي وابن خلدون والقابسي.

كذلك دعا إلى أخذ الأبناء بالرفق واللين حتى لا يكون نقدهم مصدر الإحساس بالحيرة والقلق، وهو ما دعا إليه علماء المسلمين أصلا.

###48### وقال: إن مسلك الطفل لا يتأثر بعامل واحد كما ذكر فرويد، ولكنه يتأثر بعدد كبير من العوامل، منها: البيئة والوسط والحالة الاجتماعية، فلا سبيل لإخضاع الطفل إلى نسق واحد.

وقد أجرى الدكتور اسكندر توماس عددًا من البحوث بمعرفة فريق من الأطباء النفسيين، انتهى منها إلى أن نظرية فرويد لم تكن مطلقة، وأنهم درسوا في تجربتهم أحوال 158 طفلا غير منحرفين، منهم الفقراء والأغنياء، وقد نشأ الأولاد أصحاء مستقيمين بالرغم من القيود القاسية في تربيتهم، ودل ذلك على أن مسلك الطفل لا يتأثر بالتوجيه الأبوي، ولا بالزجر أو بالضرب.

كذلك أثبتت الدراسات العلمية بما لا يقبل الجدل أن الدافع الجنسي يأتي في مرتبة أدنى من كثير من الدوافع الأخرى كالدافع إلى الهواء أو الشراب أو المال. ثم إن هذا الدافع الجنسي يخضع للتربية والتوجيه، بمعنى أننا نستطيع تربية الإنسان على العفة بحيث يضبط دافعه الجنسي، ويتحكم فيه.

وبذلك تكون العفة أمرًا ليس ممكنًا فحسب، بل ضروريًا، كذلك أثبتت الأبحاث أن هناك تنظيمًا طبيعيًا ###49### للشهوة في الإنسان بحيث يستطيع كثير من الوسائل كالرياضة الجسدية أو الروحية أو الشعر أو الموسيقى أن تستوعبه.

كذلك قال الباحثون: إن دعوى فرويد الأساسية هي أن المرض العصبي "العصاب" ينشأ عن أمور جنسية طفولية مكبوتة، ولكن البحث أثبت أن الأمور الجنسية الطفولية المكبوتة ليست وقفًا على الذين أصيبوا بعصاب في وقت ما في حياتهم، ولكنها موجودة عند كل إنسان، وتشكل عاملا هامًا في حياته.

وهكذا نجد أن ما دعا إليه فرويد من أن الطفل يعاني مما أسماه كبت الميول الجنسية، ليس إلا أكذوبة، أراد بها تبرير الإباحة، وأثار بها الخوف في النفوس حتى يحول بين إعداد الشباب وتربيتهم وإعدادهم إعدادًا خلقيًا، وأن ما يرمي إليه من ترك الميول حرة تسلك سبيلها إلى ما تشاء، وأن ييسر لها هذا السبيل ليس إلا دعوة صريحة إلى الإباحية.

9- وقد تختلف المذاهب الغربية عن الماركسية في تفسير فرويد، ولكنهما يجتمعان في الواقع عند المادية والجبرية، ونظرية فرويد هي كالجبرية.

ووجه الخلاف الوحيد هو أن نظرية فرويد في نظر الماركسيين، وضعت لتبرير النظرية الفردية وحذفها، غير أنهم ###50### يرون أن فرويد عامل هام يحقق أهدافهم في تحطيم المقدسات، وتلويث المجتمعات، وتصوير القيم والحدود، والضوابط الدينية والأخلاقية على أنها قيود ابتدعها المجتمع لحماية ذاته، فإذا تحطمت، كسبت الماركسية نصف المعركة. ولا ريب أن المخططات كلها ملتقية، وأن الماركسية تتصل بنسب إلى الفرويدية.

وتلتقي الماركسية والفرويدية في أكثر من نقطة، وأهمها: النظرة المادية والحيوانية إلى الإنسان، تلك النظرة التي تنفي الجوانب الروحية والمثل العليا والأخلاق، وتؤمن بعالم الجسد وحده، وبالواقع الذي تدركه الحواس وحده، ولكنها تختلف مع الماركسية في تقديم أيهما: لقمة العيش، أو الجنس.

وهكذا نرى أن أبرز تفسيرين للتاريخ والإنسان، وهما الاقتصادي والجنسي مصدرهما يهودي، والإسلام يرفض خضوع الإنسان للتفسير الاقتصادي أو الجنسي أو المادي جملة. والمعتقد أن الفكر الإنساني قد تجاوز هذين التفسيرين تمامًا بعد أن تمزقت النظريتان بالتناقضات، وثبت فشلها بالتجربة، مما أكد عجزهما عن البقاء والاستمرار.

 

  • الاحد PM 06:56
    2015-07-12
  • 5199
Powered by: GateGold