المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412541
يتصفح الموقع حاليا : 363

البحث

البحث

عرض المادة

الحكمة من تسجيل أخطاء بعض الرسل في الكتاب والسُّنَّة

أ. عبد المجيد فاضل

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "إِنَّ اللهَ حَيِيٌّ سِتِّير". [رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وقال محققو المسند – شعيب الأرناؤوط وآخرون –: إسناده حسن/ طبعة الرسالة، ج29 ص484].

إذا علِمْنا أنَّ اللهَ تعالى سِتِّير يُحِبّ السِّتْرَ، فلا شكَّ أنَّ الهدفَ الأسمى من تسجيل أخطاء بعض الرسل في قرآن يُتْلى ليْلَ نهارَ، ليس هو التشهير بهم وفضحهم، كما قال الْحَسَنُ: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَذْكُرْ مَعَاصِيَ الْأَنْبِيَاءِ لِيُعَيِّرَهُمْ بِهَا". [القرطبي، تفسير الآية 24 من سورة يوسف]، بل هناك مقاصدُ وحِكَمٌ وراء ذلكَ؛ ولذلك فلقد بحث بعضُ العلماء وأهلِ التفسير عن الحكمة من ذكر هذه الأخطاء، قال الإمامُ فخر الدين الرازي: "اِعْلَمْ أنَّ المَقْصُودَ مِن ذِكْرِ قِصَصِ الأنْبِياءِ – عَلَيْهِمُ السَّلامُ – حُصُولُ العِبْرَةِ لِمَن يَسْمَعُها".

وقال القاضي عياض في كتابه (الشفا): "وَأَيْضًا فَلْيُنَبَّهْ غَيْرُهُمْ مِنَ البشر منهم، أو مِمّن ليس من دَرَجَتِهِمْ بِمُؤَاخَذَتِهِمْ بِذَلِكَ فَيَسْتَشْعِرُوا الْحَذَرَ وَيَعْتَقِدُوا الْمُحَاسَبَةَ لِيَلْتَزِمُوا الشُّكْرَ عَلَى النِّعَمِ، وَيُعِدُّوا الصَّبْرَ عَلَى الْمِحَنِ بِمُلَاحَظَةِ مَا وَقَعَ بِأَهْلِ هَذَا النِّصَابِ الرَّفِيعِ الْمَعْصُومِ. فَكَيْفَ بِمَنْ سِوَاهُمْ". [الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض، دار الفيحاء - عمان، الطبعة الثانية – 1407 هـ، ج2 ص390].

ونقل الإمامُ القرطبي عن الْغَزْنَوِيِّ قولَه: "مَعَ أَنَّ لِزَلَّةِ الْأَنْبِيَاءِ حِكَمًا: زِيَادَةُ الْوَجَلِ، وَشِدَّةُ الْحَيَاءِ بِالْخَجَلِ، وَالتَّخَلِّي عَنْ عُجْبِ الْعَمَلِ، وَالتَّلَذُّذُ بِنِعْمَةِ الْعَفْوِ بَعْدَ الْأَمَلِ، وَكَوْنُهُمْ أَئِمَّةَ رَجَاءِ أَهْلِ الزَّلَلِ". [القرطبي، تفسير الآية 24 من سورة يوسف].

فإذا كان الأنبياء يخافون من التقصير، ويُحاسِبون أنفسَهم على ما يقع منهم منَ الأخطاء والهفوات وإن لم تكن ذنوباً، فكيف بِمَنْ سِوَاهُمْ الذين يقعون في الذنوب والمعاصي ليْلَ نهارَ؟

تنبيه: يرى ابن تيمية أنّ الحكمةَ من ابتلاء الْأَنْبِيَاء بالوقوع في الذُّنُوبِ الصغائر هي رفع درجاتهم وتقرّبهم إلى الله أكثر، وذلك بعد توبتهم؛ قال في (مجموع الفتاوى): "وَإِنَّمَا ابْتَلَى اللهُ الْأَنْبِيَاءَ بِالذُّنُوبِ رَفْعًا لِدَرَجَاتِهِمْ بِالتَّوْبَةِ وَتَبْلِيغًا لَهُمْ إلَى مَحَبَّتِهِ وَفَرَحِهِ بِهِمْ فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ وَيَفْرَحُ بِتَوْبَةِ التَّائِبِ أَشَدَّ فَرَحٍ، فَالْمَقْصُودُ كَمَالُ الْغَايَةِ لَا نَقْصُ الْبِدَايَةِ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَكُونُ لَهُ الدَّرَجَةُ لَا يَنَالُهَا إلَّا بِمَا قَدَّرَهُ اللهُ لَهُ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ الْبَلَاءِ". [مجموع الفتاوى، ابن تيمية الحراني، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، نشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، 1416هـ/1995م، ج20 ص89].

إنّ التوبةَ قد تكون من معصية، وقد تكون من شعور من تقصير؛ ولا دليلَ على أنّ اللهَ لا يفرح إلاَّ بتوبةِ مَن تاب من معصية!

هذا، وأجاز بعضُهم وقوع صغائر الذنوب غير الخسيسة من الأنبياء، لئلا يحرمهم اللهُ لذة الإنابة إليه سبحانه. وهذا القولُ مردودٌ؛ لأنه يعني أنّ النّبيّ من الأنبياءِ لن يَنْعمَ بكمال القرب من الله تعالى، ومن لذة الإنابة إليه سبحانه إلاَّ إذا وقع في هذه الصغائر. وهذا ليس بلازم؛ لأن مقامَ النُّبُوَّةِ تجعلُ النَّبِيَّ بِمُجرّدِ أنْ يقعَ في هفوةٍ أو تقصيرٍ يستشعر الخوف والندم، ويهرع إلى باب التوبة؛ وبهذا يَنْعَمُ بِكَمال القرب من الله تعالى، ومن لذة الإنابة إليه سبحانه وتعالى.

  • الخميس PM 03:27
    2022-10-20
  • 860
Powered by: GateGold